Академический Документы
Профессиональный Документы
Культура Документы
ك أ َ َمانِي ُّ ُه ْم }
وقوله تعاىل { :تِل ْ َ
تبُت لنا أن األماين هي مطامع اٟتمىق
ألهنا ال تتحقق . .واٟتق سبحانه
يقول ُ { :ق ْل َها ُتوا ْ ُب ْر َهان َ ُك ْم } .
.وما هو الُبهان؟ . .الُبهان هو
الدليل . .وال تطلب الُبهان إال
من إنسان وقعت معه يف جدال
واختلفت وجهات النظر بؼنك
وبؼنه . .وال تطلب الُبهان إال إذا
كنت متأكدا ًأن ٤تدثك كاذب . .
وأنه لن ٬تد الدليل عَل ما يدعيه .
هب أن شخصا ادىع أن عليك ماال
له . .وطلب منك أن تعيده إليه
وأنت لم تأخذ منه ماال . .يف هذه
اٟتالة تطلب منه تقديم الدليل . .
( فالكمؽيالة ) اليت كتؽتها له أو
الشيك أو إيصال األمانة . .
وأضعف اإليمان أن تطلب منه
شهودا عَل أنك أخذت منه ا١تال . .
ولكن قبل أن تطالبه بالدليل . .
٬تب أن تكون واثقا من نفسك
وأنه فعبل يكذب وأنك لم تأخذ
منه شؼئا .
إذن فقوله اٟتق سبحانه َ { :ها ُتوا ْ
ُب ْر َهان َ ُك ْم } . .كبلم من اهلل يؤكد
أهنم كاذبون . .وأهنم لو أرادوا أن
يأتوا بالدليل . .فلن ٬تدوا يف كتب
اهلل وال يف كبلم رسله ما يؤكد ما
يدعونه ،وإن أضافوه يكن هذا
افًتاء عَل اهلل ويكن هناك الدليل
الدامغ عَل أن هذا لؼس من كبلم
اهلل ولكنه من افًتاءاْتم .
إذن فلؼس هناك برهان عَل ما
يقولونه . .ولو كان هناك برهان
ولو كان يف هذا الكبلم ولو جزءا من
اٟتقيقة . .ما كان اهلل سبحانه
وتعاىل يطالبهم بالدليل .
إذن ال تقول هاتوا برهانكم إال إذا
كنت واثقا أنه ال برهان عَل ما
يقولون؛ ألنك رددت األمر إليه
فيما يدعيه . .وهو ٭تب أن يثؽته
ويفعل كل شيء يف سؽيل اٟتصول
عَل برهان . .وال ٯتكن أن يقول
اهلل َ { :ها ُتوا ْ ُب ْر َهان َ ُك ْم } . .إال
وهو سبحانه يعلم أهنم يكذبون . .
ُت ولذلك قال { :إِن ُكنْتم صا ِدقِ
ُ ْ َ َ
} . .أي إن كنتم واثقُت من أن ما
تقولونه صحيح؛ ألن اهلل يعرف
يقؼنا أنكم تكذبون .
ّلل َو ُه َو ُ٤ت ْ ِس ٌن
بََلَ َم ْن أَسلَم و ْجهَ ُه ِ َ ِ
ّ ْ َ َ
فَل َ ُه أ َ ْج ُر ُه ِعن ْ َد َربِّ ِه َو َال َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم
ون ()112 َو َال ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ
بعد أن بُت لنا اهلل تبارك وتعاىل
كذب اليهود وطالبهم بالدليل عَل
ما قالوه من أنه لن يدخل اٞتنة إال
اليهود والنصارى جاء ْتقيقة
القضية ليخُبنا جل جبلله من
الذي سيدخل اٞتنة . .فقال « :
بَل » . .وعندما تقرأ « :بَل »
اعلم أهنا حرف جواب والبد أن
يسبقها كبلم ونفي . .فساعة
يقول لك إنسان لؼس يل عليك دين
. .إذا قلت له نعم فقد صدقت أنه
لؼس عليه دين . .ولكن إذا قلت
بَل فذلك يعٍت أن عليه دينا وأنه
كاذب فيما قاله . .إذن بَل تأيت
جوابا لؾثبيت نفي ما تقدم .
هم قالوا { لَن ي َ ْد ُخ َل اٞتنة إِال َّ َمن
ان ُهودا ًأ َ ْو نصارى } . .عندما كَ َ
يقول اهلل ٢تم بَل فمعٌت ذلك أن
هذا الكبلم غَت صحيح . .وأنه
سيدخلها غَت هؤالء . .ولؼس معٌت
أنه سيدخلها غَت اليهود والنصارى
. .أن كل يهودي وكل نصراين
سيدخل اٞتنة . .ألن اهلل سبحانه
وتعاىل قد حكم حؼنما جاء اإلسبلم
بأن الذي ال يسلم ال يدخل اٞتنة .
.واقرأ قوله جل جبلله َ { :و َمن
يَؽْت َ ِغ غ َ َْت َاإلسبلم ِدينا ًفَل َْن يُقْب َ َل ِمن ْ ُه
َو ُه َو ِيف اآلخرة ِم َن ا٠تاسرين } ػ آل
عمران ] 85 :
١تاذا لم يقل اهلل سبحانه وتعاىل . .
أنه لن يدخلها اليهود وال النصارى
. .ألن القرآن أزيل . .ما معٌت
أزيل؟ . .أي أنه يعاًف القضايا منذ
بداية ا٠تلق وحىت يوم القيامة . .
فالقرآن كبلم اهلل تبارك وتعاىل. .
فلو أنه قال لن يدخل اٞتنة إال من
آمن ٔتحمد صَل اهلل عليه وسلم
ٕتاوز . .ألن هناك من
لكان يف هذا ٌ
آمن ٔتوىس وقت رسالته وعاصره
واتبعه وحسن دينه ومات قبل أن
يدرك ٤تمدا عليه الصبلة
والسبلم . .فهل هذا ال يدخل
اٞتنة و٬تازى ْتسن عمله . .
وهناك من النصارى من آمن
بعؼىس وقت حياته . .وعاصره
ونفذ تعاليمه ومنهجه ثم مات
ث ٤تم ٌد عليه الصبلة
قبل أن يُبْعَ َ
والسبلم . .أهذا لن يدخل اٞتنة؟
. .ال . .يدخل وتكون مزنلته
حسب عمله و٬تازى بأحسن
اٞتزاء . .ولكن بعد أن بعث ٤تمد
صَل اهلل عليه وسلم وجاء اإلسبلم
ونزل القرآن ،فكل من لم يؤمن
برسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم لن
يدخل اٞتنة . .بل ولن يراها . .
ولذلك جاء كبلم اهلل دقيقا لم
يظلم أحدا من خلقه .
إذن فقوله تعاىل { :بَل َم ْن أ َ ْسل َ َم
ّلل َو ُه َو ُ٤ت ْ ِس ٌن } . .أي ال
و ْجهَ ُه َ ِ
ّ َ
يدخل اٞتنة إال من أسلم وجهه هلل
وهو ٤تسن . .فقد يسلم واحد
وجهه هلل ويكون منافقا يظهر غَت
ما يبطن . .نقول إن ا١تنافقُت لم
يكونوا ٤تسنُت ولكنهم كانوا
مسيئُت .
ػ األحزاب ] 36 :
وا١تعٌت هنا أنه إذا قال اهلل شؼئا ال
يًتك للمؤمنُت حق االخؾيار . .
ومرة يصور اهلل جل جبلله الكفار
يف اآلخرة وهم يف النار يريدون أن
يسًت٭توا من العذاب با١توت .
واقرأ قوله سبحانه َ { :ونَادَ ْوا ْ
ال َ ق ك
َ ُ ب ر ا نؼَ لع ِ
ْض ق ييامالك لِ
َ َ َ َْ َ ّ
ون } ػ الزخرف 77 : ُ ث إِن َّ ُكم َما ِ
ك
ْ ّ َ
]
لِيَق ِْض علؼنا هنا معناها ٯتيؾنا . .
ومعٌت آخر يف قوله تعاىل َ { :وقَ َ
ال
الشيطان َ١تَّا ُق ِض َي األمر } ػ
إبراهيم ] 22 :
أي ١تا انتىه األمر ووقع اٞتزاء . .
ويف موقع آخر قوله سبحانه { :
ار بِأ َ ْهلِ ِه
وىس األجل َو َس َفَل َ َّما قىض ُم َ
} ػ القصص ] 29 :
قىض األجل هنا ٔتعٌت أتم األجل
ويف قوله تعاىل َ { :و ُق ِض َي بَؼْن َ ُه ْم
ون } ػ بالقسط َو ُه ْم ال َيُ ْظل َ ُم َ
يونس ] 54 :
أي حكم وفصل بؼنهم . .وقوله
جل جبلله َ { :وقَ َضؼْنَآ إىل ب َ ٍِت
يل ِيف الكتاب ل َ ُت ْف ِس ُد َّن ِيف إِ ْس َر ِائ َ
ُت } ػ اإلسراء ] 4 : األرض َم َّرتَ ْ ِ
ٔتعٌت أعلمنا بٍت إسرائيل يف
كتابهم . .إذن « قىض » ٢تا معان
متعددة ٭تددها السياق . .ولكن
هناك معٌت تلتقي فيه كل ا١تعاين . .
وهو قىض أي حكم وهذا هو ا١تعٌت
األم .
إذن معٌت قوله تعاىل { :إِذَا قىض
أ َ ْمرا ً} . .أي إذا حكم ْتكم فإنه
يكون . .عَل أننا ٬تب أن نبلحظ
قول اٟتق َ { :وإِذَا قىض أ َ ْمرا ًفَإ َِّ٪تَا
ول ل َ ُه ُك ْن } . .معٌت يقول له أن ي َ ُق ُ
األمر موجود عنده . .موجود يف
علمه . .ولكنه لم يصل إىل علمنا
. .أي أنه لؼس أمرا جديدا . .
ألنه مادام اهلل سبحانه وتعاىل قال :
« يقول له » . .كأنه جل جبلله
ٮتاطب موجودا . .ولكن هذا
ا١توجود لؼس يف علمنا وال نعلم عنه
شؼئا . .وإ٪تا هو موجود يف علم اهلل
سبحانه وتعاىل . .ولذلك قيل أن
هلل أمورا ًيبديها وال يؽتديها . .إهنا
موجودة عنده ألن األقبلم ُرفِعَ ْت ،
والصحف جفت . .ولكنه يبديها
لنا ٨تن الذين ال نعلمها فنعلمها .
.
واهلل تبارك وتعاىل يقول لرسوله لو
اتبعت الطريق ا١تعوج ا١تليء
بالشهوات بغَت حق . .سواء كان
طريق اليهود أو طريق النصارى
بعدما جاءك من اهلل من ا٢تدى
فلؼس لك من اهلل من ويل يتوىل
أمرك و٭تفظك وال نصَت ينصرك
.
وهذا ا٠تطاب لرسول اهلل صَل اهلل
عليه وسلم ٬تب أن نقف معه وقفة
لنتأمل كيف ٮتاطب اهلل رسوله
صَل اهلل عليه وسلم الذي اصطفاه
. .فاهلل حُت يوجه هذا ا٠تطاب
١تحمد عليه الصبلة والسبلم. .
فا١تراد به أمة رسول اهلل صَل اهلل
عليه وسلم أتباع رسول اهلل الذين
سيأتون من بعده . .وهم الذين
ٯتكن أن ٘تيل قلوبهم إىل اليهود
والنصارى . .أما الرسول فقد
عصمه اهلل من أن يؾبعهم .
واهلل سبحانه وتعاىل يريدنا أن
نعلم يقؼنا أن ما لم يقبله من
رسوله عليه الصبلة والسبلم . .ال
ٯتكن أن يقبله من أحد من أمته
مهما عبل شأنه . .وذلك حىت ال
يأيت بعد رسول اهلل من يدعي العلم
. .ويقول نؾبع ملة اليهود أو
النصارى لنجذبهم إلؼنا . .نقول
له ال ما لم يقبله اهلل من حبؼبه
ورسوله ال يقبله من أحد .
إن ضرب ا١تثل هنا برسول اهلل
صَل اهلل عليه وسلم مقصود به أن
أتباع ملة اليهود أو النصارى
مرفوض ٘تاما ٖتت أي ظرف من
الظروف ،لقد ضرب اهلل سبحانه
ا١تثل برسوله حىت يقطع عَل
ا١تغرضُت أي طريق للعبث بهذا
الدين ْتجة التقارب مع اليهود
والنصارى .
ِ ِ
الَّذي َن آتَؼْن َ ُاه ُم الْكت َ َ
اب يَتْلُون َ ُه َح َّق
ون بِ ِه َو َم ْن تِ َبلوتِ ِه أُولَئِ َ ِ
ك يُ ْؤم ُن َ َ
ِ ي َ ْك ُف ْر بِ ِه فَأُولَئِ َ
ك ُه ُم ا٠تَْاس ُر َ
ون
()121
بعد أن بُت اهلل سبحانه وتعاىل أن
اليهود والنصارى قد حرفوا كؾبهم
،أراد أن يبُت أن هناك من اليهود
والنصارى من لم ٭ترفوا يف كؾبهم
. .وأن هؤالء يؤمنون ٔتحمد عليه
الصبلة والسبلم وبرسالته. .
ألهنم يعرفونه من التوراة واإل٧تيل
.
ولو أن اهلل سبحانه لم يذكر هذه
اآلية لقال الذين يقرأون التوراة
واإل٧تيل عَل حقيقؾيهما . .
ويفكرون يف اإلٯتان برسالة رسول
اهلل صَل اهلل عليه وسلم . .لقالوا
كيف تكون هذه اٟتملة عَل كل
اليهود وكل النصارى و٨تن نعتزم
اإلٯتان باإلسبلم . .وهذا ما يقال
عنه قانون االحتمال . .أي أن
هناك عددا مهما قل من اليهود أو
النصارى يفكرون يف اعؾناق
اإلسبلم باعؾباره دين اٟتق . .وقد
كان هناك ٚتاعة من اليهود
عددهم أربعون قادمون من سؼناء
مع جعفر بن أّب طالب ليشهدوا
أمام رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم
أهنم قرأوا التوراة غَت ا١تحرفة
وآمنوا برسالته . .وأراد اهلل أن
يكرمهم ويكرم كل من سيؤمن
من أهل الكتاب . .فقال جل
جبلله { :الذين آتَؼْن َ ُاه ُم الكتاب
يَتْلُون َ ُه َح َّق تِبل َ َوتِ ِه } ػ البقرة :
] 121
أي يتلونه كما أنزل بغَت ٖتريف
وال تبديل . .فيعرفون اٟتقائق
صافية غَت ٥تلوطة بهوى البشر. .
وال ابلتحريف الذي هو نقل شيء
من حق إىل باطل .
يقول اهلل تبارك وتعاىل { :أولئك
ون بِ ِه َومن ي َ ْك ُف ْر بِ ِه فأولئك ِ
يُ ْؤم ُن َ
ُه ُم ا٠تاسرون } . .ونبلحظ أن
القرآن الكريم يأيت دائما
با١تقارنة . .ليكرم ا١تؤمنُت
ويلقي اٟتسرة يف نفوس ا١تكذبُت .
.ألن ا١تقارنة دائما تظهر الفارق
بُت الشيئُت .
إن اهلل سبحانه يريد أن يعلم
الذين آتاهم اهلل الكتاب فلم
٭ترفوه وآمنوا به . .ليصلوا إىل
النعمة اليت ستقودهم إىل النعيم
األبدي . .وهي نعمة اإلسبلم
واإلٯتان . .مقابل الذين ٭ترفون
التوراة واإل٧تيل فمصَتهم
ا٠تسران ا١تبُت وا٠تلود يف النار .
ػ اٟتج ] 26 :
إن كثَتا من ا١تفسرين ٮتىف عليهم
حقيقة ما جاء يف القرآن .
وا١تفروض أننا حُت نتعرض
لقضية بناء الؽيت البد أن
نستعرض ٚتيع اآليات اليت وردت
يف القرآن الكريم حول هذه
القصة . .ومنها قوله تبارك وتعاىل
اس لَل َّ ِذي { :إ َِّن أ َ َّو َل بَي ٍت و ِض َع لِلنَّ ِ
ْ ُ
ِ
ُت} ػ آل بِب َ َّك َة ُمب َ َ
اركا ً َو ُه ًدى ل ّلْعَا َ١ت ِ َ
عمران ] 96 :
والكبلم هنا عن الؽيت .والقول إنه
وضع للناس .والناس هم آدم
وذريته حىت تقوم الساعة . .وعَل
ذلك البد أن نفهم أن الؽيت مادام
وضع للناس فالناس لم يضعوه . .
ولكن اهلل سبحانه وتعاىل هو الذي
وضعه وحدده ،وعدل اهلل يأىب إال
أن يوجد الؽيت قبل أن ٮتلق آدم .
ولذلك فإن ا١تبلئكة هم الذين
وضعوه بأمر اهلل وحيث أراد اهلل
لبؼته أن يوضع . .واهلل مع نزول
آدم إىل األرض شرع التوبة وأعد
هذا الؽيت لؼتوب الناس فيه إىل
ربهم وليقيموا الصالة ويتعبدوا
فيه .
وعندما أراد إبراهيم أن يقيم
القواعد من الؽيت كان يكفي أن
يقيمها عَل قدر طول قامته ولكنه
أىت باٟتجر ليزيد القواعد ٔتقدار
ارتفاع اٟتجر . .ويريد اهلل
سبحانه وتعاىل ٔتقام إبراهيم
واٗتاذه مصَل أن يلفؾنا إىل أن
اإلنسان ا١تؤمن البد أن يعشق
التكليف . .فبل يؤديه شكبل ولكن
يؤديه ْتب ويتحايل ليزيد تطوعا
من جنس ما فرض اهلل عليه .
إن اٟتجر ا١توجود يف مقام إبراهيم
إ٪تا هو دليل عَل عشقه عليه
السبلم لتكاليف ربه و٤تاولته أن
يزيد عليها .وإن اٟتجر الذي كان
يقف عليه إبراهيم به حفر عَل
شكر قدميه . .و٫تا يبن قائل أن
اٟتجر الن ٖتت قدمي إبراهيم من
خشية اهلل . .وبُت قائل إن
إبراهيم هو الذي قام ْتفر مكان يف
اٟتجر عَل هؼئة قدميه . .حىت إذا
وقف عليه ورفع يده إىل أعَل ما
ٯتكن ليعلي القواعد من الؽيت كان
توازنه ٤تفوظا .
يت } دليل ط ِه ِ ق
و وله تعاىل َ ّ َ { :را بَؼ ْ َ
عَل الؽيت زالت معا١ته ٘تاما
وأصبح مثل سائر األرض فذْتت
فيه الذبائح وألقيت ا١تخلفات ،
فأمر اهلل سبحانه وتعاىل أن يطهر
هو وإٝتاعيل الؽيت من كل هذا
الدنس و٬تعله مكانا لثبلث طوائف
« :الطائفُت » وهذه مأخوذة من
الطواف وهو الدوران حول الشيء
. .ولذلك يسمون شرطة اٌفراسة
بالليل طوافة ألهنم يطوفون يف
الشوارع يف أثناء الليل .واهلل جل
جبلله يقول { :فَ َط َ
اف عَلَيْهَا
ِ َط ِآئ ٌف ِّمن َّر ِبّ َ
ك َو ُه ْم نَآئ ُم َ
ون *
فَأ َ ْصب َ َح ْت كالصريم } ػ القلم :
] 20-19
وهذه هي قصة اٟتديقة اليت منع
أوالد الرجل الصاٌف بعد وفاته حق
الفقراء وا١تساكُت فيها فأرسل
اهلل سبحانه من طاف بها . .أي
مىش يف كل جزء منها فأحرق
أشجارها . .فالطائف هو الذي
يطوف { . .والعاكفُت } هم
ا١تقيمون { والركع السجود } هم
ا١تصلون فتطهَت الؽيت للطواف به
واإلقامة والصبلة فيه . .وهو
مطهر أيضا ألنه سيكون قبلة
للمسلمُت لكل راكع أو ساجد يف
األرض حىت قيام الساعة .
ث فِي ِه ْم َر ُس ً
وال ِم ْهن ُ ْم يَتْلُو َربَّنَا َوابْعَ ْ
اب ِ عَلَي ِهم آيَاتِ َ ِ
ك َويُعَل ّ ُم ُه ُم الْكت َ َ ْ ْ
َوا ِْٟت ْك َم َة َويُ َز ِ ّكي ِه ْم إِن ّ ََك أَن ْ َت
يم ()129 لع ِي ِ
ا ْ َز ُز ا ْٟتَك ُ
دعاء إبراهيم عليه السبلم اهلل
سبحانه وتعاىل لؼتم نعمته عَل
ذريته ويزيد رٛتته عَل عباده . .
بأن يرسل ٢تم رسوال يبلغهم منهج
السماء حىت ال ٖتدث فًتة ظبلم يف
األرض تنتشر فيها ا١تعصية
والفساد والكفر ويبعد الناس فيها
األصنام كما حدث قبل إبراهيم .
كلمة { َر ُسوال ً ِّمن ْ ُه ْم } ترد عَل
اليهود الذين أحزهنم أن رسول اهلل
صَل اهلل عليه وسلم من العرب ،
وأن الرسالة كان ٬تب أن تكون
فيهم . .و٨تن نقول ٢تم إن جدنا
وجدكم إبراهيم وأنتم من ذرية
يعقوب بن اسحق .و٤تمد صَل اهلل
عليه وسلم من ذرية إٝتاعيل بن
إبراهيم وأخ إلسحاق . .وال حجة
١تا تدعونه من أن اهلل فَ َّضلَكم
واختاركم عَل سائر الشعوب . .
إ٪تا أراد اٟتق سبحانه وتعاىل أن
يسلب منكم النبوة ألنكم ظلمتم
يف األرض وعهد اهلل ال يناله
الظا١تون .
أراد اٟتق تبارك وتعاىل أن يقول
٢تم أن هذا النبي من نسل
إبراهيم وأنه ينتمي إىل إٝتاعيل
بن إبراهيم عليهما السبلم .
وقوله تعاىل { :يَتْلُوا ْعَلَي ْ ِه ْم آيَاتِ َ
ك
} . .أي آيات القرآن الكريم .
وقوله تعاىل َ { :ويُ َع ِ ّ١تُ ُه ُم الكتاب
واٟتكمة } ٬ . .تب أن نعرف أن
هناك فرقا بُت التبلوة وبُت
التعليم .فالتبلوة هي أن تقرأ
القرآن ،أما التعليم فهو أن تعرف
معناها وما جاءت به لتطبقه وتعرف
من أين جاءت . .وإذا كان الكتاب
هو القرآن الكريم فإن اٟتكمة
هي أحاديث رسول اهلل صَل اهلل
عليه وسلم اليت قال اٟتق سبحانه
وتعاىل فيها يف خطابه لزوجات
النبي { :واذكرن َما يتَل ِيف
ات اهلل واٟتكمة } ُبيوتِ ُك َّن ِم ْن آي َ ِ
ُ
ػ األحزاب ] 34 :
وقوله تعاىل َ { :ويُ َز ِ ّكي ِه ْم } أي
ويطهرهم ويقودهم إىل طريق
ا٠تَت و٘تام اإلٯتان .
ك أَ َ
نت وقوله جل جبلله { :إ َِّن َ
العزيز اٟتكيم } . .أي العزيز
الذي ال يغلب ٞتُبوته وال يسأله
أحد « . .واٟتكيم » الذي ال
يصدر منه الشيء إال ْتكمة بالغة .
تِل ْ َ
ك أُ َّم ٌة قَ ْد َخل َ ْت َ٢تَا َما كَ َسب َ ْت
َ
َول َ ُك ْم َما َك َسؽ ْ ُت ْم َو َال ُت ْسأل ُ َ
ون َع َّما
ون ()134 كَانُوا يَعْ َمل ُ َ
وقوله تعاىل « :خلت » أي انفردت
.وخبل فبلن بفبلن أي انفرد به . .
وخبل ا١تكان من نزيله أي أصبح
ا١تكان منفردا ،والزنيل منفردا وال
عبلقة ألحد٫تا باآلخر . .اهلل
تبارك وتعاىل يقول َ { :وإِذَا َخل َ ْوا ْ
إىل َشيَا ِطؼ ِن ِه ْم قالوا إِن َّا َمعَ ُك ْم إ َِّ٪تَا
َ٨ت ْ ُن ُم ْستَهْ ِز ُئ َ
ون } ػ البقرة ] 14 :
أي إنفردوا هم وشياطؼنهم ولم
يعد يف ا١تكان غَتهم؛ ولقد قلنا إن
كل حدث البد أن يكون له ٤تدث ،
وال حدث يوجد بذاته ،وكل
حدث ٭تتاج إىل زمان و٭تتاج إىل
مكان . .فإذا قال اٟتق تبارك وتعاىل
{ :تِل ْ َ
ك أُ َّم ٌة قَ ْد َخل َ ْت } فمعناه
إنه انقىض زماهنا وانفرد عن
زمانكم .
وا١تقصود بقوله تعاىل { :تِل ْ َ
ك أُ َّم ٌة
قَ ْد َخل َ ْت } أي انتىه زماهنا . .
وتلك إسم إشارة ١تؤنث ٥تاطب
وأمة هي ا١تشار إليه ،وا٠تطاب
للنبي صَل اهلل عليه وسلم ولعامة
ا١تسلمُت . .واهلل سبحانه وتعاىل
حُت يقول { :تِل ْ َ
ك أُ َّم ٌة } فكأهنا
٦تيزة بوحدة عقيدْتا ووحدة
إٯتاهنا حىت أصبحت شؼئا واحدا .
.ولذلك البد أن ٮتاطبها بالوحدة .
.واقرأ قوله تعاىل { :إ َِّن هذه
أُ َّم ُت ُك ْم أُ َّمةً َوا ِح َدة ً َوأَنَا ْ َربُّ ُك ْم
فاعبدون } ػ األنؽياء ] 92 :
وتلك هنا إشارة ألمة إبراهيم
وإٝتاعيل واسحق ويعقوب . .
هم ٚتاعة كثَتة ٢تم عقيدة
واحدة .
وقوله تعاىل ٢َ { :تَا َما َك َسب َ ْت َول َ ُك ْم
َّما َك َسؽ ْ ُت ْم } . .أي تلك ٚتاعة
عَل دين واحد ٖتاسب عما فعلته
كما ستحاسبون أنتم عَل ما فعلتم .
.ولكن اهلل سبحانه وتعاىل يقول :
ان أُ َّمةً} ػ النحل ِ
{ إ َِّن إِب ْ َراه َ
يم ك َ َ
] 120 :
وإبراهيم فرد ولؼس ٚتاعة؟ نقول
نعم إن إبراهيم فرد ولكن
اجتمعت فيه من خصال ا٠تَت
ومواهب الكمال ما ال ٬تتمع إال يف
أمة .
وقوله تعاىل { :قَ ْد َخل َ ْت } يراد بها
إفهام اليهود أال ينسبوا أنفسهم
إىل إبراهيم نسبا كاذبا ألن نسب
األنؽياء لؼس نسبا ًدمويا أو جنسيا
أو انتماء . .وإ٪تا نسب منهج
واتباع . .فكأن اٟتق يقول لليهود
لن ينفعكم أن تكونوا من سبللة
إبراهيم وال اسحق وال يعقوب . .
ألن نسب النبوة هو نسب إٯتاين
يفه اتباع للمنهج والعقيدة . .وال
يشفع هذا النسب يوم القيامة ألن
لكل واحد عمله .
قوله تعاىل ٢َ { :تَا َما َك َسب َ ْت َول َ ُك ْم
َّما كَ َسؽ ْ ُت ْم } . .الكسب يؤخذ عَل
ا٠تَت واالكؾساب يؤخذ يف الشر
ألن الشر فيه افتعال .
إننا البد أن نلتفت ونتنبه إىل آيات
القرآن الكريم حىت نستطيع أن
نرد عَل أولئك الذين ٭تاولون
الطعن يف القرآن . .فبل يوجد معٌت
آلية ْتدمها آية أخرى ولكن يوجد
عدم فهم .
يأيت بعض ا١تستشرقُت ليقول
هناك آية يف القرآن تؤكد أن اهلل
سبحانه وتعاىل يعطي باألنساب
وذلك يف قوله جل جبلله { :
والذين آ َم ُنوا ْواتبعتهم ُذ ِّري َّ ُت ُهم
بِإِٯتَانٍ أ َ ْٟتَقْنَا بِ ِه ْم ُذ ِّريَّت َ ُه ْم َو َمآ
أَلَؾْن َ ُاه ْم ِّم ْن َع َملِ ِهم ِّمن َش ْيءٍ } ػ
الطور ] 21 :
األبناء مؤمنون ،وقوله تعاىل { :
أ َ ْٟت َ ْقنَا بِ ِه ْم ُذ ِّريَّت َ ُه ْم } كلمة أٟتقنا
تأيت عندما تلحق ناقصا بكامل .
تِل ْ َ
ك أُ َّم ٌة قَ ْد َخل َ ْت َ٢تَا َما كَ َسب َ ْت
َ
َول َ ُك ْم َما َك َسؽ ْ ُت ْم َو َال ُت ْسأل ُ َ
ون َع َّما
ون ()141 كَانُوا يَعْ َمل ُ َ
بعض الناس يقول إن هذه اآلية
مكررة فقد تقدمتها آية تقول { :
َ
أ ْم ُك ُنت ْم ُشهَ َدآءَإِذْ َح َض َر يَعْ ُق َ
وب
ون ِمنا١توت إِذْقَ َ َ َ ُ َ
د
ُ بْ عَ ت ا م ال لِؽ ٍِت ِ
ه
بَعْ ِدي قَالُوا ْنَعْب ُ ُد إ٢تك وإله آب َ ِائ َ
ك
اق إ٢تايل َوإ ِْس َح َ ِٝتا ِع َ يم َوإ ْ َ
ِ
إِب ْ َراه َ
ون * تِل ْ َ ِ ِ
ك َواحدا ً َو َ٨ت ْ ُن ل َ ُه ُم ْسل ُم َ
أُ َّم ٌة قَ ْد َخل َ ْت َ٢تَا َما َك َسب َ ْت َول َ ُك ْم َّما
ون َع َّما كَانُوا ُ لكَسؽتم وال َ ُتسأ َ
َ ُْ ْ َ ْ َ
ون} ػ البقرة -133 : َي ْع َمل ُ َ
] 134
بعض السطحيُت يقولون إن يف
هاتُت اآليتُت تكرارا . .نقول
إنك لم تفهم ا١تعٌت . .اآلية األوىل
تقول لليهود إن نسبكم إىل
إبراهيم واسحق لن يشفع لكم
عند اهلل ٔتا حرفتموه وغَت٘توه يف
التوراة . .ؤتا تفعلونه من غَت ما
شرع اهلل .فاعملوا أن عملكم هو
اهلل ستحاسبون عليه ولؼس
نسبكم .
أما يف اآلية اليت ٨تن بصددها فقد
قالوا إن إبراهيم وإٝتاعيل
واسحق كانوا هودا أو نصارى . .
اهلل تبارك وتعاىل ال ٬تاد٢تم وإ٪تا
يقول ٢تم لنفرض وهذا فرض غَت
صحيح إن إبراهيم وإٝتاعيل
واسحق كانوا هودا أو نصارى فهذا
لن يكون عذرا لكم . .ألن ٢تم ما
كسبوا ولكم ما كسؽتم ،فبل
تأخذوا ذلك حجة عَل اهلل يوم
القيامة . .وال تقولوا إننا كنا
٨تسب أن إبراهيم وإٝتاعيل
واسحق كانوا هودا أو نصارى أي
كانوا عَل غَت دين اإلسبلم ألن هذه
حجة غَت مقبولة . .وهل أنتم
سبحانالذي يشهد
أعلم أم اهلل ه
بأهنم كانوا مسلمُت .
إياك أن تقول إن هناك تكرارا ً. .
فإن السياق يف اآلية األوىل يقول ال
شفاعة لكم يوم القيامة يف نسبكم
إىل إبراهيم وإٝتاعيل واسحق . .
والسياق يف اآلية الثانية يقول ال
حجة لكم يوم القيامة يف قولكم
إهنم كانوا هودا أو نصارى . .فلن
ينفعكم نسبكم إليهم ولن يقبل
اهلل حجتكم . .وهكذا فإن ا١تعٌت
٥تتلف ٘تاما ٯتس موقفُت ٥تتلفُت
يوم القيامة .
اس َماالس َفهَ ُاء ِم َن النَّ ِ ول ُّ َسي َ ُق ُ
َو َّال ُه ْم َع ْن قِبْلَتِ ِه ُم ال َّ ِيت كَانُوا عَلَيْهَا
ُق ْل ِ َ ِ
ّلل ا ْ١ت َ ْش ِر ُق َوا ْ١تَغ ْ ِر ُب يَهْ ِدي َم ْن ّ
اط م ْستَقِ ٍ ِ ٍ
يم ()142 َيَش ُاء إ َِىل ص َر ُ
هذه اآلية نزلت لتصفي مسألة
توجه ٤تمد صَل اهلل عليه وسلم
وا١تؤمنُت إىل الكعبة بدال من بيت
ا١تقدس . .وهذا أول نسخ يف
القرآن الكريم . .يريد اهلل
سبحانه وتعاىل أن يعطيه العناية
البلئقة؛ ألنه سيكون مثار
تشكيك وجدل عنيف من كل من
يعادي اإلسبلم؛ فكفار قريش
سيأخذون منه ذريعة للتشكيك
وكذلك ا١تنافقون واليهود .
اهلل تبارك وتعاىل يريد أن ٭تدد
ا١تسألة قبل أن تتم هذه
التشكيكات . .فيقول جل جبلله :
ول السفهآء ِم َن الناس َما { َسي َ ُق ُ
َوال َّ ُه ْم َعن قِبْلَتِ ِه ُم اليت كَانُوا ْعَلَي ْ َها
} . .حرف السُت هنا يؤكد إهنم
لم يقولوا بعد . .ولذلك قال
ول السفهآء }سبحانه َ { :سي َ ُق ُ
فقبل أن يتم ٖتويل القبلة قال اٟتق
تعاىل :إن هذه العملية ستحدث
هزة عنيفة يستغلها ا١تشككون .
وبرغم أن اهلل سبحانه وتعاىل قال :
ول السفهآء } . .أي أهنم { َسي َ ُق ُ
لم قيولوها إال بعد أن نزلت هذه
اآلية ٦ . .تا يدل عَل أهنم سفهاء
حقا؛ ألن اهلل جل جبلله أخُب
رسوله صَل اهلل عليه وسلم يف قرآن
يتَل ويصَل به وال يتغَت وال يؾبدل
إىل يوم القيامة . .قال َ { :سي َ ُق ُ
ول
السفهآء ِم َن الناس } . .فلو أهنم
امؾنعوا عن القول ولم يعلقوا عىل
ٖتويل القبلة لكان ذلك تشكيكا يف
القرآن الكريم . .ألهنم يف هذه
اٟتالة كانوا يستطيعون أن يقولوا :
إن قرآنا أنزله اهلل عَل رسوله صَل
اهلل عليه وسلم ال يتغَت وال يؾبدل
إىل يوم القيامة . .قال َ { :سي َ ُق ُ
ول
السفهآء ِم َن الناس َما َوال َّ ُه ْم َعن
قِبْلَتِ ِه ُم } . .ولم يقل أحد شؼئا .
.
ولكن ألهنم سفهاء فعبل . .والسفه
جهل وٛتق وطؼش قالوها . .
فكانوا وهم الكافرون بالقرآن
الذين يريدون هدم هذا الدين من
ا١تثبتُت لئلٯتان الذين تشهد
أعما٢تم بصدق القرآن .ألن اهلل
سبحانه قال َ { :سي َ ُق ُ
ول السفهآء }
وهم قالوا فعبل . .ولقد قال كفار
مكة عن الكعبة إهنا بيؾنا وبيت
آبائنا ولؼست بيت اهلل . .فصرف
اهلل رسوله يف أول اإلسبلم ووجهه
إىل بيت ا١تقدس . .وعندئذ قال
اليهود :يسفه ديننا ويؾبع قبلؾنا . .
واهلل سبحانه وتعاىل أراد أن ٭تتوي
اإلسبلم كل دين قبله فتكون
القداسة للكل . .ولذلك أسرى
برسول صَل اهلل عليه وسلم من
مكة إىل بيت ا١تقدس . .حىت
يدخل بيت ا١تقدس يف مقدسات
اإلسبلم ألنه أصبح ٤تتوى يف
اإلسبلم .
ولم يشأ اهلل أن ٬تعل القبلة إىل
الكعبة أول األمر ألهنم كانوا
يقدسوهنا عَل أهنا بيت العرب
وكانوا يضعون فيها أصنامهم . .
ووضع األصنام يف الكعبة شهادة
بأن ٢تا قداسة يف ذاْتا . .فالقداسة
لم تأت بأصنامهم بل هم أرادوا
أن ٭تموا هذه األصنام فوضعوها
يف الكعبة .
ػ ا١تائدة ] 3 :
وكان ذلك إخبارا بتمام رسالة
رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم بأن
األحكام التكليفية قد انتهت . .
ولكن الذين يسؾثقلون التكليف
ٕتدهم يقولون لك لقد عم الفساد
واهلل ال يكلف نفسا إال وسعها . .
كأنه ٭تكم بأن هذا يف وسعه وهذا
لؼس يف وسعه وعَل ضوئه يأخذ
التكليف . .نقول له أَكَل َّ َف اهلل أم
لم يُكلِ ّف ،إن كان قد كَلّف فيكون
التكليف يف وسعك . .ألنه سبحانه
حُت ٬تد مشقة يأمر التخفيف مثل
إباحة قصر الصبلة ل١تسافر
وإباحة اإلفطار يف رمضان
للمريض وا١تسافر فهو سبحانه قد
حدد ما يف وسعك .
قوله تعاىل َ { :ولَعَل َّ ُك ْم ْتَ ْت َ ُد َ
ون } .
.ا٢تداية هي الطريق ا١تستقيم
ا١توصل إىل الغاية وهو أقصر
الطرق ،وغاية هذه اٟتياة هي أن
تصل إىل نعيم اآلخرة . .اهلل
أعطاك يف الدنيا األسباب لتحكم
حركة حياتك ولكن هذه لؼست
غاية اٟتياة . .بل الغاية أن نذهب
إىل حياة ببل أسباب وهذه هي
عظمة قدرة اهلل سبحانه وتعاىل. .
واهلل جل جبلله يأيت ليعلمنا يف
اآلخرة أنه خلقنا لنعؼش يف الدنيا
باألسباب ويف اآلخرة لنعؼش يف
كنفه ببل أسباب .
إذن قوله تعاىل َ { :ولَعَل َّ ُك ْم ْتَ ْت َ ُد َ
ون
} . .أي لعلكم تنؾبهون وتعرفون
الغاية ا١تطلوبة منكم . .وال يظن
أحدكم أن اٟتياة الدنيا هي الغاية
أو هي النهاية أو هي ا٢تدف . .
فيعمل من أجل الدنيا فيأخذ منها
ما يستطيع حبلال أو حراما
باعؾبارها ا١تتعة الوحيدة ا١تخلوقة
له . .قنول ال ،إنه يف هذه اٟتالة
يكون قد ضل ولم يهتد ألنه لو
اهتدى لعرف أن اٟتياة اٟتقيقية
لئلنسان هي يف اآلخرة .ولعرف أن
نعيم اآلخرة الذي ال تفوته وال
يفوتك ٬ . .تب أن يكون هدفنا يف
اٟتياة الدنيا فنعمل ما نستطيع
لنصل إىل النعيم ببل أسباب يف اٞتنة
.
سَا فِي ُك ْم َر ُس ً
وال ِمن ْ ُك ْم يَتْلُو كَ َما أ َ ْر َلْن
عَلَي ْ ُك ْم آيَاتِنَا َويُ َز ِ ّكي ُك ْم َويُعَلِ ّ ُم ُك ُم
اب َوا ْٟتِ ْك َمةَ َويُعَلِ ّ ُم ُك ْم َما ل َ ْمالْكت َ َ
ِ
ون ()151 تَ ُكونُوا تَعْل َ ُم َ
اهلل جل جبلله بعد أن حدثنا عن
ا٢تداية إىل منهجه وإىل طريقه .
حدثنا عن نعمته علؼنا بإرسال
رسول يتلو علؼنا آيات اهلل .
ورسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم هو
الذي ستأيت عَل يديه قمة النعم
وهو القرآن والدين ا٠تاتم .
قوله تعاىل َ { :ر ُسوال ً ِّمن ْ ُك ْم } أي
لؼس من جنس آخر .ولكنه صَل
اهلل عليه وسلم رسول منكم
تعرفونه قبل أن يكلف بالرسالة
وقبل أن يأيت باٟتجة ١ . .تاذا؟ ألنه
معروف با٠تلق العظيم وبالقول
الكريم واألمانة وبكل ما يزيد
اإلنسان رفعة وعلوا واحًتاما . .
إن أول من آمن برسول اهلل صَل
اهلل عليه وسلم هم أولئك الذين
يعرفونه أكثر من غَتهم . .كأّب
بكر الصديق وزجته صَل اهلل عليه
وسلم السيدة خد٬تة وابن عمه
علي بن أّب طالب . .هؤالء آمنوا
دون أن يطلبوا دليبل ألهنم أخذوا
اإلٯتان من معرفتهم برسول اهلل
صَل اهلل عليه وسلم قبل أن يكلف
بالرسالة . .فهم لم يعرفوا عنه
كذبا قط .فقالوا إن الذي ال
يكذب عَل الناس ال ٯتكن أن
يكذب عَل اهلل فآمنوا . .فاهلل
سبحانه وتعاىل من رٛتته أنه
أرسل إليهم رسوال منهم أميا
ليعلمه ربه . .ولذلك قال اٟتق
تبارك وتعاىل { :لَقَ ْد َجآءَ ُك ْم
ول ِّم ْن أ َ ُنف ِس ُك ْم َعزِي ٌز عَلَي ْ ِه َما
َر ُس ٌ
ِ
ص عَلَي ْ ُك ْم با١تؤمنُت َعنتُّ ْم َحرِي ٌ
يم } ػ التوبة ] 128 : رء ٌ ِ
وف َّرح ٌ َُ
اٟتق سبحانه يقول { :يَت ْ ُو
لا ْ
عَلَي ْ ُك ْم آيَاتِنَا َويُ َز ِ ّكي ُك ْم } . .
اآليات هي القرآن الكريم
والتزكية هي التطهَت والبد أن
يكون هناك دنس ليطهرهم منه .
.فيطهرهم من عبادة األصنام
ومن وأد الؽنات وا٠تمر وا١تؼسر
والربا . .ومعٌت التزكية أيضا
سلب الضار فكأنه جاءهم بالنفع
وسلب منهم الضر .
وقوله تعاىل َ { :ويُعَلِ ّ ُم ُك ُم الكتاب
واٟتكمة } . .الكتاب عَل إطبلقه
ينصرف إىل القرآن الكريم
واٟتكمة هي وضع الشيء يف
موضعه . .والكتاب يعطيك
التكليف إما أن يأمرك بشيء وإما
أن ينهاك عن شيء .
إذن فهي دائرة بُت الفعل والًتك .
.واٟتكمة أن تفعل الفعل الذي
٭تقق لك خَتا وٯتنع عنك الشر .
وهي مأخوذة من اٟتكمة أو
اٟتديدة اليت توضع يف فم اٞتواد
لتحكم حركته يف السَت والوقوف ،
وتصبح كل حركة تؤدي الغرض
منها واٟتكمة أيضا هي أحاديث
رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم
مصداقا لقوله تعاىل { :واذكرن َما
يتَل ِيف ُبيوتِ ُك َّن ِم ْن آي َ ِ
ات اهلل ُ
واٟتكمة } ػ األحزاب ] 34 :
وقوله سبحانه َ { :ويُعَلِ ّ ُم ُكم َّما ل َ ْم
ون } ألنكم أمة أمية تَ ُكونُوا ْتَعْل َ ُم َ
.فإن بهرتكم الدنيا ْتضارْتا
فسؾبهروهنم باإلشعاعات
اإلٯتانية اليت ٕتعلكم متفوقُت
عليهم . .فكل ما يأتيكم من
السماء هو فوق كل حضارات
األرض . .لذلك يقول عمر بن
ا٠تطاب رضي اهلل عنه :ما عمر
لوال اإلسبلم .
ُبأ َ ذ
الين اتبعوا يقول اٟتق { :إِذْ تَ َ َّ
ِم َن الذين اتبعوا } ػ البقرة 166 :
]
ويقول أيضا { :كُل َّ َما دَ َخل َ ْت أُ َّم ٌة
لَّعَن َ ْت أُ ْختَهَا } ػ األعراف ] 38 :
إذن فاللعنة موجودة بُت الكافرين
بعضهم لبعض ،كما هي موجودة
يف الدنيا أيضا ،فالذين يكفرون
ٔتنهج اهلل وينحرفون ويظلمون ،
هؤالء يتلقون اللعنة من أهل منهج
اهلل ،ويتلقون اللعنة من ا١تظلومُت
منهم ،ثم يأيت ٢تم موقف آخر ،
يأيت ٢تم من يظلمهم ،فيلعنونه
ويلعنهم ،وهكذا يلعنهم الناس
أٚتعون .
واللعن بطرد وغضب وزجر ٮتتلف
عن اللعن التأديبي الذي يأخذ
صيغة اإلبعاد ،كما فعل رسول اهلل
صَل اهلل عليه وسلم مع ا١تتخلفُت
يف غزوة تبوك ،وغزوة تبوك كانوا
يسموهنا غزوة العسرة ،ألهنا
جاءت يف مشقة من كل جهاْتا ،
لبعد ا١تكان بُت تبوك وا١تدينة ،
ومشقة أخرى من نقص الدواب
اليت ٖتمل ا١تقاتلُت ،فقد كان كل
عشرة من ا١تقاتلُت يؾناوبون عَل
دابة واحدة ،ومشقة وعسرة يف
الزاد ،حىت أهنم كانوا يأكلون التمر
بدوده ،وكانوا يأكلون الشحم
والدهن واإلهالة الز٩تة ،وعسرة
يف ا١تاء حىت أهنم كانوا يذْتون
البعَت ليشربوا من فرثه وكرشه
ا١تاء ،وعسرة يف اٞتو القائظ
الشديد اٟترارة ،كانت كل
الظروف صعبة وقاسية وٖتتم أال
ٮترج للغزوة إال الصادق يف يقؼنه .
لقد كانت تلك الغزوة اخؾبارا
وابتبلء لئلٯتانية يف نفوس الناس .
ولذلك فإن بعضهم اسؾسلم
ٟتديث النفس يف أن يظل با١تدينة
،وقال واحد منهم « :أظل ظليل
وراحة ورسول اهلل صَل اهلل عليه
وسلم يف القيظ؟! واهلل ال يكون
هذا أبدا » ،ثم قام وتبع جؼش
ا١تؤمنُت ،وآخر عنده بستان فيه
ظبلل وٙتار؛ فنظر إىل بستانه
وقال « :أأنت الذي منعؾٍت أن
أكون يف ركاب رسول اهلل؟! واهلل ال
تكون ملكي بعد اآلن ،وأنت هلل يف
سؽيل اهلل » ،وثالث جلس يف بؼته
وأمامه زوجته اٞتميلة وحوله
أشجار وزروع ،فقال « :أأجلس
يف ظل ورطب وماء وامرأة حسناء
ورسول اهلل يف ٛتارة القيظ ،واهلل ال
يكون هذا أبدا » ،وامتىط حصانه
إىل الصحراء لؼنضم ٞتؼش
ا١تسلمُت .
وعندما رجع رسول اهلل صَل اهلل
عليه وسلم منتصرا اعتذر له من
لم يشاركوه رحلة النصر بأهنم
كانوا ال ٯتلكون وسائل اٟترب من
دواب ودروع وسيوف ونبال ،فقبل
رسول اهلل عبلنؼتهم وترك
سرائرهم هلل ،إال ثبلثة صدقوا
وقالوا « :يا رسول اهلل ما كنا أغٌت
منا ساعة امؾنعنا عن الذهاب معك
فعندنا عدة اٟترب والدواب » .
لقد أمر رسول اهلل الناس أال
يكلموهم وال يتعاملوا معهم ،
واستكان اثنان منهم وظبل يف
وهمهبلل بن أمية ،بؼتهما ،ا
ومرارة بن الربيع ،أما كعب بن
مالك فكان ٮترج ويلىق الناس فبل
يكلمه أحد ،ويذهب للصبلة مع
رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم
ويسارق النظر إىل النبي ويسلم
عليه ،لكن رسول اهلل ال يرد ،
ويغض طرفه ويعرض عنه ،حىت
أن كعبا ًيقول « :فانظر هل حرك
رسول اهلل شفؾيه برد السبلم أم ال؟
».
أُولَئِ َ
ك ال َّ ِذي َن ا ْش ًَت َ ُوا َّ
الض َبلل َ َة
اب بِا ْ١تَغ ْ ِف َر ِة فَ َما
بِا ْ٢ت ُ َدى َوالْعَ َذ َ
ُب ُه ْم عََلَ النَّا ِر ()175 َ
أ ْص َ َ
يذكر اهلل لنا حيؿية اٟتكم عليهم؛
و١تاذا ال يكلمهم؛ و١تاذا ال يزكيهم
،و١تاذا يكون ٢تم يف اآلخرة عذاب
أليم؟ ّإهنم قد بدلوا الضبللة
با٢تدى؛ والعذاب با١تغفرة .
وعندما ترى فظاعة العقاب فبل
تستهوله ،ولكن انظر إىل فظاعة
اٞترم .إن الناس حُت يفصلون
اٞترٯتة عن العقاب فهم يعطفون
عَل ا١تجرم؛ ألهنم ال يرون ا١تجرم
إال حالة عقابه و٤تاكمته ونسوا
جرٯتته ،ولذلك فساعة ترى
عقوبة ما وتستفظعها؛ فعليك
استحضار اٞترم الذي أوجب تلك
العقوبة .ولذلك ٧تد الناس غالبا ًما
يعطفون عَل كل ا١تجرمُت الذين
٭تاكمون وتصدر عليهم عقوبات
صارمة ،ألن اٞترٯتة مر عليها
وقت طويل ،ولم نرها ،وآثارها
وتبعاْتا انتهت .ولم يبق إال
ا١تجرم؛ فيعطفون عليه ،ولذلك
فمن ا٠تطأ أن تطول اإلجراءات يف
ا١تحاكمات ،بل البد من ٤تاكمة
ا١تجرم من فور وقوع اٞترٯتة وهي
ساخنة؛ حىت ال يعطف عليه
اٞتمهور ،ألن تعطيف قلب
اٞتمهور عليه ٬تعل العقوبة قاسية .
{ أولئك الذين اشًتوا الضبللة
با٢تدى } ونعرف أن « الباء »
تدخل عَل ا١تًتوك ،فالضبللة هنا
أُ ِخ َذ ْت وترك ا٢تدى ،واسؾبدلوا
العذاب با١تغفرة ،وماداموا قد
أخذوا الضبللة بدال من ا٢تدى ،
والعذاب بدال من ا١تغفرة ،
فالعدالة أن يأخذوا العذاب األليم
.
وبعد ذلك يقول اٟتق { :فَ َمآ
أ َ ْص َُبَ ُه ْم عََلَ النار } هذا تبشيع
نِفر منه الناس . للعقاب حىت يُ ّ َ ِ
ويريد منا اهلل أن نتعجب ،كيف
٬توز للضال أن يًتك ا٢تدى ويأخذ
الضبلل ،وبعد ذلك تكون النؾيجة
أن يأخذ العذاب ويًتك ا١تغفرة .
فما الذي يعطيه األمل يف أن يصُب
عَل النار؟ ،هل عنده صُب إىل هذا
اٟتد ٬تعله يقبل عَل الذنب الذي
يدفعه إىل النار؟ .وما الذي جعله
يصُب عَل هذا العذاب؟ أعنده قوة
ُت َص ُِّبه عَل النار؟ وما هذه القوة؟ .
وكأن اٟتق يقول :أنت غَت مدرك
١تا ينتظرك من اٞتزاء وإال ما الذي
يصُبك عَل هذه النار؟ إنك
تتمادى يف طغيانك وضبللك ،
وتنىس أن النار ستكون من
نصؼبك؛ فإذا كنت مؾيقنا ًأن النار
من نصؼبك؛ فكيف أخذت أمانا ً
من صُبك عَل النار .فالنار أمر ال
يصُب عليه إنسان أبدا ً.
ك بِأ َ َّن
ويقول اٟتق بعد ذلك { :ذَل ِ َ
اهلل ن َ َّز َل الكتاب باٟتق} . . .
ك َر ِ ّب العزة َع َّما
ان َر ِبّ َ
{ ُسب ْ َح َ
ِ
ون } ػ الصافات ] 180 : يَص ُف َ
فتلك هي العزة اٟتقيقة ،إذن
فالعزة هي القوة اليت تَغْلِ ُب ،وال
يَغْلِبها أحد .أما العزة باإلثم فهي
أنفة الكُبياء ا١تقرونة بالذنب
وا١تعصية .واٟتق سبحانه وتعاىل
يقول لكل من يريد هذا اللون من
العزة باإلثم :إن كانت عندك عزة
فلن يقوى عليك أحد ،ولكن يا
سحرة فرعون يا من قلتم بعزة
فرعون إنا لنحن الغالبون ،أنتم
الذي خررتم سجدا ً١توىس وقلتم :
آمنَّا بِ َر ِ ّب العا١تُت * َر ِ ّب
{ قَالُوا ْ َ
ون } ػ الشعراء : موىس َو َه ُار َ
] 48-47
ولم تنفعكم عزة فرعون؛ ألهنا
عزة باإلثم ،لقد جاءت العزة باٟتق
فغلبت العزة باإلثم .لذلك يبُت لنا
اٟتق سبحانه وتعاىل أن العزة حىت ال
تكون باإلثم ٬ ،تب أن تكون عَل
الكافر باهلل ،وتكون ذلة عَل ا١تؤمن
باهلل { .أ َ ِذل َّ ٍة عََلَ ا١تؤمنُت أ َ ِع َّز ٍة عََلَ
الكافرين } ػ ا١تائدة ] 54 :
َآء عََلَ َِ
وكذلك قوله اٟتق { :أش ّد ُ
آء بَؼْن َ ُه ْم } ػ الفتح :
ٛت ُ
الكفار ُر َ َ
] 29
وهذا دليل العزة باٟتق ،وعبلمتها
أهنا ساعة تغلب تكون يف منتىه
االنكسار ،ولنا القدوة يف سيدنا
رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم ،
وهو الذي خرج من مكة ألنه لم
يستطع أن ٭تمي الضعفاء من
ا١تؤمنُت ،وبعد ذلك يعود إىل مكة
فاٖتا ًبنصر اهلل ،ويدخل مكة
ورأسه ينحٍت من التواضع هلل حىت
يكاد أن ٯتس قربوس سرج دابته ،
تلك هي القوة ،وهي عَل عكس
العزة باإلثم اليت إن غلبت تطىغ ،
إ٪تا العزة باإلثم اليت إن غلبت
تطىغ ،إ٪تا العزة باٟتق إن غلبت
تتواضع .
{ َوإِذَا قِ َ
يل ل َ ُه اتق اهلل أ َ َخ َذتْ ُه العزة
باإلثم } أي أن األنفة والكُبياء
مقرونة باإلثم ،واإلثم هو
ا١تخالف للمأمور به من اٟتق
سبحانه وتعاىل { ،فَ َح ْسب ُ ُه َجهَنَّ ُم
َولَبِػ َْس ا١تهاد } .أي عزة هذه اليت
تقود يف النهاية إىل النار؟ إهنا لؼست
عزة ،ولكنها ذلة ،فبل خَت يف عمل
بعده النار ،وال شر يف عمل بعده
اٞتنة .فإن أردت أن تكون عزيزا ً
فتأمل عاقؽتك وإىل أين ستذهب؟
{ فَ َح ْسب ُ ُه } أي يكفيه هذا
فضيحة لعزته باإلثم ،وأما كلمة «
مهاد » فمعناها شيء ٦تهد و ُموطأ ،
أي مريح يف اٞتلوس والسَت
واإلقامة .ولذلك يسمون فراش
الطفل ا١تهد .وهل ا١تهاد بهذه
الصورة يناسب العذاب؟ نعم
يناسبه ٘تاما ً؛ ألن الذي ٬تلس يف
ا١تهاد ال إرادة له يف أن ٮترج منه ،
كالطفل فبل قوة له يف أن يغادر
فراشه .إذن فهو قد فقد إرادته
وسيطرته عَل أبعاضه .فإن كان
ا١تهاد بهذه الصورة يف النار فهو
بػس ا١تهاد .هذا لون من الناس
ويف ا١تقابل يعطؼنا سبحانه لونا ً
آخر من الناس فيقول سبحانه { :
َو ِم َن الناس َمن ي َ ْش ِري ن َ ْف َس ُه ابتغآء
ات اهلل } . . .َم ْر َض ِ
َو ِم َن النَّ ِ
اس َم ْن ي َ ْش ِري ن َ ْف َس ُه ابْتِغَاءَ
وف بِالْعِبَا ِد ات َ ِِ
اّلل َر ُء ٌ
اّلل َو ّ ََُم ْر َض ّ
()207
واهلل سبحانه وتعاىل ساعة
يستعمل كلمة « يشري » ٬تب أن
أنه من األفعال اليت
نبلحظ ا
تستخدم يف الشيء ومقابله ،ف «
شرى » يعٍت أيضا « باع » .إذن ،
كلمة « شرى » ٢تا معنيان ،واقرأ
إن شئت يف سورة يوسف قوله تعاىل :
{ َو َش َر ْو ُه بِث َ َمنٍ َٓت ْ ٍس } ػ يوسف :
] 20
أي باعوه بثمن رخيص .وتأيت
أيضا ٔتعٌت اشًتى ،فالشاعر
العرّب القديم عنًتة ابن شداد
يقول :
فخاض غمارها وشرى وباعا. ...
إذن « شرى » لغة ُ ،تستعمل يف
معنيُت :إما أن تكون ٔتعٌت « باع
» ،وإما أن تكون ٔتعٌت « اشًتى »
،والسياق والقرينة ٫تا اللذان
٭تددان ا١تعٌت ا١تقصود منهم فقول
عنًتة « :شرى وباع » نفهم أن
ا١تقصود من « شري » هنا هو «
اشًتى » ،ألهنا مقابل « باع » ،
وقوله تعاىل َ { :و َش َر ْو ُه بِث َ َمنٍ َٓت ْ ٍس
} ػ يوسف ] 20 :
يوضحه سياق اآلية بأهنم باعوه .
وهذا من عظمة اللغة العربية ،إهنا
لغة تريد أناسا ًيستقبلون اللفظ
بعقل ،و٬تعلون السياق يتحكم يف
فهمهم للمعاين .
{ َو ِم َن الناس َمن ي َ ْش ِري ن َ ْف َس ُه }
ونفهم « يشري » هنا ٔتعٌت يؽيع
نفسه ،والذي يؽيع نفسه هو الذي
يفقدها ٔتقابل .واإلنسان عندما
يفقد نفسه فهو يضحي بها ،
وعندما تكون التضحية ابتغاء
مرضاة اهلل فهي الشهادة يف سؽيله
عز وجل ،كأنه باع نفسه وأخذ
مقابلها مرضاة اهلل .ومثل ذلك
قوله تعاىل { :إ َِّن اهلل اشًتى ِم َن
ا١تؤمنُت أ َ ُنف َس ُه ْم } ػ التوبة :
] 111
إن اٟتق يعطيهم اٞتنة مقابل
أنفسهم وأموا٢تم .إذن فقوله { :
َو ِم َن الناس َمن ي َ ْش ِري ن َ ْف َس ُه ابتغآء
ات اهلل } يعٍت باع نفسه َم ْر َض ِ
وأخذ اٞتنة مقاببل ً٢تا ،هذا إذا كان
معٌت« يشري » هو باع .
وماذا يكون ا١تعٌت إذا كانت ٔتعٌت
اشًتى؟ هنا نفهم أنه اشًتى
نفسه ٔتعٌت أنه ضٌق بكل شيء يف
سؽيل أن تسلم نفسه اإلٯتانية .
ومن العجب أن هذه اآلية قيل يف
سبب نزو٢تا ما يؤكد أهنا ٖتتمل
ا١تعنيُت ،معٌت « باع » ومعٌت «
اشًتى » فها هو ذا أبو يحىي الذي هو
صهيب بن سنان الرومي كان يف
مكة ،وقد كُب سنه ،وأسلم وأراد
أن يهاجر ،فقال له الكفار :لقد
جئت مكة فقَتا ًوآويناك إىل
جوارنا وأنت اآلن ذو مال كثَت ،
وتريد أن ْتاجر ٔتالك .
فقال ٢تم :أإذا خليت بؼنكم وبُت
مايل أأنتم تاركوين؟
فقالوا :نعم .
قال :تضمنون يل راحلة ونفقة إىل
أن أذهب إىل ا١تدينة؟
قالوا :لك هذا .
إنه قد شرى نفسه بهذا السلوك
واسؾبقاها إٯتانيا ًبثروته ،فلما
ذهب إىل ا١تدينة لقيه أبو بكر
وعمر فقاال له :ربح الؽيع يا أبا ٭تِت
.
قال :وأربح اهلل كل ٕتارتكم .
وقال له سيدنا أبو بكر وسيدنا
عمر :إن رسول اهلل صَل اهلل عليه
وسلم أخُبنا أن جُبيل أخُبه
بقصتك ،ويروي أن الرسول صَل
اهلل عليه وسلم قال له :ربح الؽيع
أبا ٭تِت .
اّلل
ث ّ َُ اس أُ َّمةً َوا ِح َدة ًفَبَعَ َ
ان النَّ ُ
كَ َ
ُت ُمب َ ِّشرِي َن َو ُمن ْ ِذرِي َن َوأَن ْ َز َل
النَّبِيِ ّ َ
ِ ِ
اب بِا ْٟت َ ّ ِق لي َ ْح ُك َم ب َ ْ َ
ُت َمعَ ُه ُم الْكت َ َ
اختَل َ َف يما ا ْختَل َ ُفوا فِي ِه َو َما ْ النَّ ِ ِ
اس ف َ
وه ِم ْن بَعْ ِد َما فِي ِه إ َِّال ال َّ ِذي َن أُو ُت ُ
ات بَغْيًا بَؼْن َ ُه ْم فَهَ َدى َجاءَْتْ ُ ُم الْب َ ِؼّن َ ُ
اّلل ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا ِ١تَا ا ْختَل َ ُفوا فِي ِه ِم َن َّ ُ
اّلل يَهْ ِدي َم ْن ي َ َش ُاء إ َِىل ا ْٟت َ ّ ِق بِإِذْنِ ِه َو ّ َُ
اط م ْستَقِ ٍ ِ ٍ
يم ()213 ص َر ُ
ولقائل أن يقول :إذا كان الناس
أمة واحدة ،وقد رتب اهلل بعث
وإرسال النبيُت عَل كوهنم أمة
واحدة؛ فمن أين إذن جاء ا٠تبلف
إىل حياة الناس؟ ونقول :البد أن
ُٖتمل هذه اآلية ا١تجملة عَل آية
أخرى مفصلة يف قوله تعاىل َ { :و َما
ان الناس إِال َّأُ َّمةً َوا ِح َدة ًفاختلفوا كَ َ
ك ل َ ُق ِض َي
َول َ ْوال َكَلِ َم ٌة َسبَقَ ْت ِمن َّربِّ َ
ون } ػ يونس بؼنهم فِ ِ ِ ِ
يما فيه َٮتْتَل ُف ََ َْ ُ ْ َ
] 19 :
البد لنا إذن أن نأخذ هذه اآلية يف
ظل آية سورة يونس؛ فاٟتق
سبحانه وتعاىل ساعة ٮتاطب العقل
البشري يريد أن ٓتاطبه خطابا
يوقظ فيه عقله وفكره حىت
يستقبل كبلم اهلل ّتماع تفكَته ،
وأن يكون القرآن كله حاضرا ًيف
ذهنك ،وٮتدم بعضه بعضا .
ث اهلل ان الناس أُ َّمةً َوا ِح َدة ًفَبَعَ َ
{ كَ َ
النبيُت } .فقبل بعث اهلل النبيُت
كان الناس أمة واحدة يؾبعون آدم ،
وقد بلغ اٟتق آدم ا١تنهج بعد أن
اجؾباه وهداه ،وعلم آدم أبناءه
منهج اهلل ،فظل الناس من أبنائه
عَل إٯتان بعقيدة واحدة ،ولم ينشأ
عندهم ما يوجب اختبلف
أهوائهم ،فالعالم كان واسعا ً،
وكانت القلة السكانية فيه هي آدم
وأوالده فقط ،وكان خَت العالم
يؾسع للموجودين ٚتيعا .إذن ال
تطاحن عَل شيء ،ومن يريد شؼئا ً
يأخذه ،وكانت ا١تلكية مشاعة
للجميع؛ ألنه لم تكن هناك ملكية
ألحد؛ فمن يريد أن يؽٍت بؼتا فله
أن يبنيه ولو عَل عشرين فدانا ،
ومن يريد أن يأكل فاكهة أو يأخذ
ٙترا ًمن أي بستان فله أن يأخذ ما
يريد .
وا١تثال عَل ذلك يف حياتنا اليومية ،
هناك رب األسرة الذي يأيت
بعشرين كيلو برتقاال ًويًتكها
أمام أوالده ،وكل طفل يريد
برتقالة أو أكثر فهو يأخذ ما يريد
ببل حرج ،لكن لو اشًتى رب
الؽيت كيلو برتقاال ًواحدا ًفكل
طفل يأخذ برتقالة واحدة فقط .
إذن كان الناس أمة واحدة ،أي لم
توجد األطماع ،ولم يوجد حب
االستػثار با١تنافع ٦تا ٬تعلهم
ٮتتلفون .إذن فأساس االختبلف
هو الطمع يف متاع الدنيا ،ومن هنا
ينشأ ا٢توى .
وكان من ا١تفروض يف آدم عليه
السبلم بعد أن بلغه اهلل ا١تنهج أن
يبلغه ألوالده ،وأن يتقبل أبناؤه
ا١تنهج ،ولكن بعض أوالده ٘ترد عَل
ا١تنهج ،ونشأ حب االستػثار من
ضيق ا١تُ ْستَأثر وا١تُنْتَفع به ،ومن
هنا نشأت ا٠تبلفات .ولنا يف قصة
هابيل وقابيل ما يوضح ذلك { :
واتل عَلَي ْ ِه ْم نَبَأ َابٍت ءَادَ َم باٟتق إِذْ
قَ َربا ُقربانا ًفتقبِ َل ِمن أَح ِد ِ
٫تا َول َ ْم
َ َ ّ َ ْ َ َُ ُ ّ
ِ
ال
ك قَ َ يُت َ َقب َّ ْل م َن اآلخر قَ َ
ال ألَقْ ُتلَنَّ َ
إ َِّ٪تَا يَتَقَب َّ ُل اهلل ِم َن ا١تتقُت } ػ
ا١تائدة ] 27 :
ونعرف أن آدم وحواء ٫تا أصل
الوجود ،حواء تلد توأمُت يف كل
مرة ،وأراد آدم أن يزاوجهم
فكيف تكون ا١تزاوجة وهم ٚتيعا ً
أبناؤه وأبناء عصر واحد؟ وكل
منهم يعرف أن الذي أمامه هو
أخوه .