Вы находитесь на странице: 1из 2692

‫تفسَت القرآن الكريم‬

‫للشيخ متويل الشعراوي ر‪ٛ‬ته اهلل‬

‫أعده لل ‪Apple iPOD Touch‬‬

‫ا‪١‬تهندس ‪٤‬تمد مبدع عؽسي ا‪ٟ‬تلبي‬


‫سورة البقرة‬
‫من ‪ 106‬إىل ‪215‬‬
‫‪ٛ‬ت ِن ال َّر ِح ِ‬
‫يم‬ ‫بِس ِم َ ِ‬
‫اّلل ال َّر ْ َ‬
‫ْ ّ‬
‫َما نَن ْ َس ْخ ِم ْن آي َ ٍة أ َ ْو نُن ْ ِسهَا نَأ ْ ِت ِٓت َ ْ ٍ‬
‫َت‬
‫ِمنْهَا أ َ ْو ِمثْلِهَا أَل َ ْم تَعْل َ ْم أ َ َّن َّ‬
‫اّللَ عََلَ‬
‫كُ ّ ِل َش ْيءٍ قَ ِدي ٌر (‪)106‬‬
‫ولكن ما هو السبب؟ السبب أن‬
‫أهل الكتاب وا‪١‬تشركُت ال‬
‫يريدون خَتا للمؤمنُت يف دينهم؛‬
‫ألهنم أحسوا أن ما جاء به ‪٤‬تمد‬
‫صَل اهلل عليه وسلم يف زمنه خَت ‪٦‬تا‬
‫جاء به موىس وبىق إىل زمن ‪٤‬تمد‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪ . .‬وخَت ‪٦‬تا‬
‫جاء به عؼىس يف زمن ‪٤‬تمد صَل اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ .‬ولؼس معٌت ذلك أننا‬
‫‪٨‬تاول أن ننقص ما جاء به الرسل‬
‫السابقون ‪ . .‬لكننا نؤكد أن‬
‫الرسل السابقُت جاءوا يف أزماهنم‬
‫ٓتَت ما ُوجد يف هذه األزمان ‪ . .‬فكل‬
‫رسالة من الرساالت اليت سبقت‬
‫رسالة رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ . .‬وجاءت لقوم ‪٤‬ت ّددين‬
‫ولزمن ‪٤‬ت ّدد ثم جاء نبي جديد‬
‫لينسخ ما يف الرسالة السابقة لقوم‬
‫‪٤‬تددين ‪ . .‬وزمن ‪٤‬تدد ‪ . .‬واقرأ‬
‫قول عؼىس عليه السبلم حؼنما‬
‫بعث إىل بٍت إسرائيل كما يروي لنا‬
‫القرآن الكريم ‪َ { :‬و ُم َص ِ ّدقا ً ِ ّ‪١‬تَا‬
‫ُت ي َ َد َّي ِم َن التوراة َوألُ ِح َّل ل َ ُكم‬
‫بَ ْ َ‬
‫ض الذي ُح ّ ِر َم عَلَي ْ ُك ْم َو ِجػ ْ ُت ُك ْم‬
‫بَعْ َ‬
‫بِآي َ ٍة ِّمن َّربِّ ُك ْم فاتقوا اهلل َوأ َ ِط ُيع ِ‬
‫ون‬
‫} ػ آل عمران ‪] 50 :‬‬
‫فكأن عؼىس عليه السبلم جاء‬
‫لينسخ بعض أحكام التوراة ‪. .‬‬
‫و٭تل لؽٍت إسرائيل بعض ما حرمه‬
‫اهلل عليهم ‪ . .‬ورسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم وهو الرسول ا‪٠‬تاتم‬
‫أعىط ا‪٠‬تَت كله؛ ألنه دينه للعا‪١‬تُت‬
‫وباق إىل يوم القيامة ‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن ا‪١‬تؤمنُت بالرسل‬
‫كلما جاء رسول جديد كانوا‬
‫ينتقلون من خَت إىل خَت ‪ . .‬وفيما‬
‫تتفق فيه الرساالت كانوا ينتقلون‬
‫إىل مثل هذا ا‪٠‬تَت ‪ . .‬وذلك فيما‬
‫يتعلق بالعقائد ‪ ،‬وإىل زيادة يف ا‪٠‬تَت‬
‫فيما يتعلق ٔتنهج ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬هناك يف‬
‫رساالت السماء كلها أمور‬
‫مشًتكة ال فرق فيها بُت رسول‬
‫ورسول وهي قضية اإلٯتان بإله‬
‫واحد أحد له الكمال ا‪١‬تطلق ‪. .‬‬
‫سبحانه يف ذاته ‪ ،‬وسبحانه يف‬
‫صفاته ‪ ،‬وسبحانه يف أفعاله ‪ . .‬كل‬
‫ذلك قدر الرساالت فيه مشًتك ‪.‬‬
‫‪ .‬ولكن ا‪ٟ‬تياة يف تطورها توجد فيها‬
‫قضايا لم تكن موجودة وال مواجهة‬
‫يف العصر الذي سبق‪ . .‬فإذا قلنا إن‬
‫رسالة بقيمتها العقائدية تبىق ‪. .‬‬
‫فإهنا ال تستطيع أن تواجه قضايا‬
‫ا‪ٟ‬تياة اليت ستأيت بها العصور اليت‬
‫بعدها فيما عدا اإلسبلم ‪ . .‬ألنه‬
‫جاء دينا خا٘تا ال يتغَت وال يؾبدل إىل‬
‫يوم القيامة ‪ . .‬عَل أننا ‪٧‬تد من‬
‫يقول وماذا عن قول اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ‪َ { :‬ش َرعَ ل َ ُكم ِّم َن الدين َما‬
‫ك‬ ‫وىص بِ ِه نُوحا ًوالذي أ َ ْو َحؼْنَآ إِلَي ْ َ‬
‫ِ ِ‬
‫يم وموىس‬ ‫َو َما َو َّصؼْنَا بِه إِب ْ َراه َ‬
‫َ َِ‬
‫يموا ْالدين َوال َ‬ ‫وعؼىس أ ْن أق ُ‬
‫ُب عََلَ ا‪١‬تشركُت َما‬ ‫تتف ِ ِ‬
‫َ َ َ َّر ُقوا ْفيه كَ ُ َ‬
‫وه ْم إِلَي ْ ِه اهلل ‪٬‬تؾبي إِلَي ْ ِه َمن‬‫تَ ْد ُع ُ‬
‫يب } ػ‬ ‫ي َ َشآء ويهدي إِلَي ِه َمن يُ ِ‬
‫ن‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الشورى ‪] 13 :‬‬
‫نقول إن هذا يأيت يف شيء واحد ‪. .‬‬
‫يتعلق باألمر الثابت يف رساالت‬
‫السماء وهو قضية قمة العقيدة‬
‫واإلٯتان باهلل الواحد ‪.‬‬
‫‪ .‬أما فيما يتعلق بقضايا ا‪ٟ‬تياة فإننا‬
‫‪٧‬تد أحكاما يف هذه ا‪ٟ‬تركة حسب ما‬
‫طرأ عليها من توسعات ‪ . .‬ولذلك‬
‫عندما جاء ‪٤‬تمد صَل اهلل عليه‬
‫وسلم أعىط أشياء يعاًف بها قضايا‬
‫لم تكن موجودة يف عهد الرسل‬
‫السابقُت ‪.‬‬
‫يقول اهلل تبارك وتعاىل ‪َ { :‬ما‬
‫نس ْخ ِم ْن آي َ ٍة أ َ ْو نُن ِسهَا } ‪ . .‬كلمة‬
‫نَ َ‬
‫ننسخ معناها نزيل آية كانت‬
‫موجودة ونأيت بآية أخرى بدال منها‬
‫‪ . .‬كما يقال نسخت الشمس‬
‫الظل ‪ . .‬أي أن الظل كان موجودا‬
‫وجاءت الشمس فمحته وحلت‬
‫هي مكانه ‪ . .‬ويقال نسخت‬
‫الكتاب أي نقلته إىل صور متعددة ‪،‬‬
‫ونسخ الشيب الشباب أي أصبح‬
‫الشاب شيخا ‪. .‬‬
‫وقوله تعاىل « ننسها » ‪٢‬تا معان‬
‫متعددة ‪ . .‬قد يعٍت ذلك أن اهلل‬
‫‪٬‬تعل اإلنسان يسهو ويغفل عنها ‪.‬‬
‫‪ .‬فتضيع من ذاكرته أو يًتكها إىل‬
‫غَتها ‪ . .‬والعلماء إختلفوا يف هذه‬
‫ا‪١‬تسألة ‪ . .‬وكان هذا االختبلف‬
‫ألن أحدهم يلح ظ ملحظا وغَته‬
‫يلحظ ملحظا آخر وكبل‪٫‬تا يريد‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪. .‬‬
‫نأيت للنسخ يف القرآن الكريم ‪. .‬‬
‫قوم قالوا ال نسخ يف القرآن أبدا ‪. .‬‬
‫‪١‬تاذا؟ ألن النسخ بداء عَل اهلل ‪ . .‬ما‬
‫معٌت البداء؟ هو أن تأيت ْتكم ثم‬
‫يأيت التطؽيق فيؿبت قصور ا‪ٟ‬تكم‬
‫عن مواجهة القضية فيعدل ا‪ٟ‬تكم‬
‫‪ . .‬وهذا ‪٤‬تال بالنسبة هلل سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ . .‬نقول ‪٢‬تم طبعا هذا ا‪١‬تعٌت‬
‫مرفوض و‪٤‬تال أن يطلق عَل اهلل‬
‫تبارك وتعاىل‪ . .‬ولكننا نقول إن‬
‫النسخ لؼس بداء ‪ ،‬وإ‪٪‬تا هو إزالة‬
‫ا‪ٟ‬تكم وا‪١‬تجيء ْتكم آخر ‪. .‬‬
‫ونقول ‪٢‬تم ساعة حكم اهلل ا‪ٟ‬تكم‬
‫أوال فهو سبحانه يعلم أن هذا‬
‫ا‪ٟ‬تكم له وقت ‪٤‬تدود ينتهي فيه ثم‬
‫٭تل مكانه حكم جديد ‪ . .‬ولكن‬
‫الظرف وا‪١‬تعاجلة يقتضيان أن‬
‫٭تدث ذلك بالتدريج ‪ . .‬ولؼس‬
‫معٌت ذلك أن اهلل سبحانه قد حكم‬
‫بشيء ثم جاء واقع آخر أثبت أن‬
‫ا‪ٟ‬تكم قاصر فعدل اهلل عن ا‪ٟ‬تكم‬
‫‪ . .‬إن هذا غَت صحيح ‪.‬‬
‫‪١‬تاذا؟ ‪ . .‬ألنه ساعة حكم اهلل أوال‬
‫كان يعلم أن ا‪ٟ‬تكم له زمن أو يطبق‬
‫لفًتة ‪ . .‬ثم بعد ذلك ينسخ أو‬
‫يبدل ْتكم آخر ‪ .‬إذن فا‪١‬تشرع‬
‫الذي وضع هذا ا‪ٟ‬تكم وضعه عَل‬
‫أساس أنه سينتهي وسيحل ‪٤‬تله‬
‫حكم جديد ‪. .‬‬
‫ولؼس هذا كواقع البشر ‪ . .‬فأحكام‬
‫البشر وقوانؼنهم تعدل ألن واقع‬
‫التطؽيق يؿبت قصور ا‪ٟ‬تكم عن‬
‫مواجهة قضايا الواقع ‪ . .‬ألنه ساعة‬
‫وضع الناس ا‪ٟ‬تكم علموا أشياء‬
‫وخفيت عنهم أشياء ‪ . .‬فجاء‬
‫الواقع ليظهر ما خىف وأصبح ا‪ٟ‬تكم‬
‫البد أن ينسخ أو يعدل ‪ . .‬ولكن‬
‫األمر مع اهلل سبحانه وتعاىل لؼس‬
‫كذلك ‪ . .‬أمر اهلل جعل ا‪ٟ‬تكم‬
‫موقوتا ساعة جاء ا‪ٟ‬تكم األول ‪.‬‬
‫مثبل حُت وجه اهلل ا‪١‬تسلمُت إىل‬
‫بيت المقدس ‪.‬‬
‫‪ .‬أكانت القضية عند اهلل أن القبلة‬
‫سؾبىق إىل بيت ا‪١‬تقدس طا‪١‬تا وجد‬
‫اإلسبلم وإىل يوم القيامة؟ ثم بدا‬
‫له سبحانه وتعاىل أن يوجه‬
‫ا‪١‬تسلمُت إىل الكعبة؟ ال ‪ . .‬لم‬
‫تكن هذه هي الصورة ‪ . .‬ولكن كان‬
‫يف شرع اهلل أن يتوجه ا‪١‬تسلمون‬
‫أوال إىل بيت ا‪١‬تقدس فًتة ثم بعد‬
‫ذلك يتوجهون إىل الكعبة إىل يوم‬
‫القيامة ‪.‬‬
‫إذن فالواقع لم يضطر ا‪١‬تشرع إىل‬
‫أن يعدل القبلة من بيت ا‪١‬تقدس‬
‫إىل الكعبة ‪ . .‬وإ‪٪‬تا كان يف علمه ويف‬
‫شرعه أنه سيغَت القبلة بعد فًتة إىل‬
‫الكعبة‪ . .‬ولعل لذلك هدفا إٯتانيا‬
‫يف أن العلة يف األمور هي أهنا من‬
‫اهلل؛ فاالٕتاه إىل بيت ا‪١‬تقدس أو‬
‫االٕتاه إىل الكعبة ال يكلف ا‪١‬تؤمنُت‬
‫جهدا إٯتانيا إضافيا ‪ . .‬وال يضع‬
‫عليهم تكاليف جديدة ‪ .‬فا‪ٞ‬تهد‬
‫نفسه الذي أبذله لبلٕتاه إىل‬
‫الشرق أبذله لبلٕتاه إىل الغرب‪.‬‬
‫ولكن االخؾبار اإلٯتاين أن تكون‬
‫علة األمر أنه صادر من اهلل ‪ . .‬فإذا‬
‫قال اهلل إته إىل بيت ا‪١‬تقدس إٕتهنا‬
‫‪ . .‬فإذا قال إته إىل الكعبة إتهنا ‪. .‬‬
‫وال قدسية لشيء يف ذاته ‪ . .‬ولكن‬
‫القدسية ألمر اهلل فيه ‪.‬‬
‫واهلل تبارك وتعاىل حُت أمر‬
‫ا‪١‬تبلئكة أن يسجدوا آلدم لم‬
‫يسجدوا لذات آدم ولكنهم‬
‫سجدوا ألمر اهلل بالسجود آلدم ‪.‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل اختار الكعبة‬
‫ا‪١‬تشرفة بؼتا ومسجدا له يف األرض‬
‫‪ . .‬واٗتذت الكعبة مقامها العايل‬
‫عند ا‪١‬تسلمُت لؼس ألهنا بقعة يف‬
‫مكان ما جاءها إبراهيم واألنؽياء‬
‫وحج إليها الناس ‪ ،‬ولكن مقامها‬
‫جاء من أهنا هي بيت اهلل باخؾيار‬
‫اهلل ‪٢‬تا ‪ . .‬وكل مساجد األرض هي‬
‫بيوت اهلل باخؾيار خلق اهلل ‪. .‬‬
‫ولكن ا‪١‬تسجد الوحيد الذي هو‬
‫بيت اهلل باخؾيار اهلل هو الكعبة‪. .‬‬
‫ولذلك كان ال بد لكل ا‪١‬تساجد اليت‬
‫هي باخؾيار خلق اهلل ‪ . .‬أن تتجه‬
‫إىل ا‪١‬تسجد الذي هو باخؾيار اهلل ‪.‬‬
‫‪ .‬ولكن العلة اإلٯتانية الكُبى هي‬
‫أن نؤمن أن صدور األمر من اهلل‬
‫هو ا‪ٟ‬تيؿية التباع هذا األمر دون أن‬
‫نْتث عن أسبابه الدنيوية ‪.‬‬
‫فإذا قال اهلل سبحانه وتعاىل الصبلة‬
‫‪ٜ‬تس مرات يف اليوم ‪ . .‬فدون أن‬
‫نبحث عن السبب أو نقول ‪١‬تاذا‬
‫‪ٜ‬تسة؟ فلننقص منها ‪ . .‬دون أن‬
‫نفعل ذلك نصلي ‪ٜ‬تس مرات يف‬
‫اليوم والسبب أن اهلل قال ‪ ،‬وهكذا‬
‫الزكاة ‪ ،‬وهكذا الصوم وهكذا ا‪ٟ‬تج‬
‫‪ . .‬كلها تتم طاعة هلل ‪ . .‬وهكذا‬
‫تغيَت القبلة تم اخؾبارا ًللطاعة‬
‫اإلٯتانية هلل ‪ . .‬فاهلل موجود يف كل‬
‫مكان ‪ . .‬فبل يأيت أحد ليقول ‪١‬تاذا‬
‫الكعبة؟ وهل اهلل لؼس موجودا ًإال‬
‫يف الكعبة؟ نقول ال إنه موجود يف كل‬
‫مكان ‪ . .‬ولكنه أمرنا أن نتجه إىل‬
‫الكعبة‪ . .‬و‪٨‬تن ال نتجه إليها ألننا‬
‫نعتقد أن اهلل تبارك وتعاىل موجود‬
‫يف هذا ا‪١‬تكان فقط ‪.‬‬

‫‪ .‬ولكن طاعة ألمر اهلل الذي أمرنا‬


‫أن تكون قبلؾنا إىل الكعبة ‪.‬‬
‫ولعل تغيَت القبلة يعطؼنا فلسفة‬
‫نسخ اآليات ‪١ . .‬تاذا؟ ألنه لم‬
‫توجد أية ظروف أو ٕتد وقائع ‪ ،‬أو‬
‫تظهر أشياء كانت خفية ٕتعل‬
‫صعبأو‬
‫االٕتاه إىل بيت ا‪١‬تقدس ا‬
‫‪٤‬توطا با‪١‬تشاكل أو غَت ذلك ‪ ،‬ولكن‬
‫تغيَت القبلة جاء هنا ألن اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل شاء أن يتوجه‬
‫ا‪١‬تسلمون إىل بيت ا‪١‬تقدس فًتة‬
‫ثم يتوجهوا إىل الكعبة إىل يوم‬
‫القيامة ‪.‬‬
‫إذن فكل آية نسخت كان يف علم‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل أهنا ستطبق لفًتة‬
‫معؼنة ثم بعد ذلك ستعدل ‪ . .‬وكان‬
‫كل من ا‪ٟ‬تكم الذي سينسخ ‪،‬‬
‫والوقت الذي سؼستغرقه ‪ ،‬وا‪ٟ‬تكم‬
‫الذي سيأيت بعده معلوما عند اهلل‬
‫تبارك وتعاىل ومقررا منذ األزل‬
‫وقبل بداية الكون ‪ . .‬وأيضا فإن‬
‫اهلل أراد أن يلفؾنا بالتوجه إىل بيت‬
‫ا‪١‬تقدس أوال ‪ . .‬ألن اإلسبلم دين‬
‫يشمل كل األديان ‪ ،‬وأن بيت‬
‫صح من مقدسات‬ ‫ا‪١‬تقدس سي ب‬
‫اإلسبلم ‪ . .‬وأنه ال ٯتكن ألحد أن‬
‫يدعي أن ا‪١‬تسلمُت لن يكون ‪٢‬تم‬
‫شأن يف بيت ا‪١‬تقدس ‪ ،‬لذلك أسرى‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل برسوله صَل اهلل‬
‫عليه وسلم من مكة إىل بيت‬
‫ا‪١‬تقدس ‪ . .‬ليؿبت أن لؽيت‬
‫ا‪١‬تقدس قداسة يف اإلسبلم وإنه من‬
‫ا‪١‬تقدسات عند اهلل ‪ . .‬ومن هنا كان‬
‫التوجه إىل بيت ا‪١‬تقدس كقبلة أوىل‬
‫‪ ،‬ثم نسخ اهلل القبلة إىل الكعبة‪. .‬‬
‫فا‪ٟ‬تق جل جبلله يقول ‪َ { :‬ما‬
‫نس ْخ ِم ْن آي َ ٍة أ َ ْو نُن ِسهَا نَأ ْ ِت ِٓت َ ْ ٍ‬
‫َت‬ ‫نَ َ‬
‫ِّمنْهَا أ َ ْو ِمثْلِهَا } ‪ . .‬أي أن النسخ‬
‫يكون إما أن يأيت اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ٓتَت من هذه اآلية أو يأيت‬
‫ٔتثلها ‪ . .‬وهل اآلية ا‪١‬تنسوخة‬
‫كان هناك خَت منها ولم يزنله اهلل؟‬
‫نقول ال ‪ . .‬ا‪١‬تعٌت أن اآلية‬
‫ا‪١‬تنسوخة كانت خَتا ًيف زماهنا ‪. .‬‬
‫وا‪ٟ‬تكم الثاين كان زيادة يف ا‪٠‬تَت بعد‬
‫فًتة من الزمن ‪ . .‬كبل‪٫‬تا خَت يف‬
‫زمنه ويف أحكامه ‪ . .‬واهلل تبارك‬
‫وتعاىل أنزل اآلية الكرٯتة ‪{ :‬‬
‫ياأيها الذين آ َم ُنوا ْاتقوا اهلل َح َّق‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِِ‬
‫ُت َقاته َوال َ َ٘تُو ُت َّن إِال َّ َوأن ْ ُت ْم ُّم ْسل ُم َ‬
‫ون‬
‫} ػ آل عمران ‪] 102 :‬‬
‫ولكن من يستطيع أن يتقي اهلل حق‬
‫تقاته ‪ . .‬ذلك صعب عَل ا‪١‬تسلمُت‬
‫‪ . .‬ولذلك عندما نزلت اآلية قالوا‬
‫لؼس منا من يستطيع أن يتقي اهلل‬
‫حق تقاته ‪ . .‬فزنلت اآلية الكرٯتة‬
‫‪ { :‬فاتقوا اهلل َما استطعتم وا‪ٝ‬تعوا‬
‫َوأ َ ِط ُيعوا ْ َوأَن ْ ِف ُقوا ْ َخ َْتا ًأل َ ُنف ِس ُك ْم‬
‫وق ُش َّح ن َ ْف ِس ِه فأولئك ُه ُم‬ ‫َو َمن يُ َ‬
‫ا‪١‬تفلحون } ػ التغابن ‪] 16 :‬‬
‫الذي يتقي اهلل حق تقاته خَت ‪ ،‬أم‬
‫الذي يتقي اهلل ما استطاع؟ طبعا‬
‫حق تقاته خَت من قدر االستطاعة ‪.‬‬
‫‪ .‬ولكن اهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪:‬‬
‫{ نَأ ْ ِت ِٓت َ ْ ٍ‬
‫َت ِّمنْهَا } ‪ . .‬نقول إنك‬
‫لم تفهم عن اهلل ‪ { . .‬اتقوا اهلل‬
‫َح َّق ُت َقاتِ ِه } يف اآلية األوىل أو {‬
‫فاتقوا اهلل َما استطعتم} يف اآلية‬
‫الثانية ‪ . .‬أي ا‪ٟ‬تالتُت أحسن؟‬
‫نقول إن العُبة بالنؾيجة ‪.‬‬

‫‪ .‬عندما تريد أن تقيم شؼئا البد أن‬


‫تبحث عن نؾيجته أوال ‪.‬‬
‫ولنقرب ا‪١‬تعٌت لؤلذهان سنضرب‬
‫مثبل وهلل ا‪١‬تثل األعَل ‪ . .‬نفرض أن‬
‫هناك تاجرا يؽيع السلع بربح‬
‫‪ٜ‬تسُت يف ا‪١‬تائة ‪ . .‬ثم جاء تاجر‬
‫آخر يؽيع نفس السلع بربح ‪ٜ‬تسة‬
‫عشر يف ا‪١‬تائة ‪ . .‬ماذا ٭تدث؟‬
‫سيقبل الناس طبعا عَل ذلك الذي‬
‫يؽيع السلع بربح ‪ٜ‬تسة عشر يف‬
‫ا‪١‬تائة ويشًتون منه كل ما يريدون‬
‫‪ ،‬والتاجر الذي يؽيع السلع بربح‬
‫‪ٜ‬تسُت يف ا‪١‬تائة ٭تقق رْتا أكُب ‪. .‬‬
‫ولكن الذي يؽيع بربح ‪ٜ‬تسة عشر‬
‫يف ا‪١‬تائة ٭تقق رْتا أقل ولكن‬
‫بزيادة الكمية ا‪١‬تؽيعة ‪ . .‬يكون‬
‫الربح يف النهاية أكُب ‪.‬‬
‫اآليالكرٯتة ‪{ :‬‬
‫والذي يطبق ة‬
‫اتقوا اهلل َح َّق ُتقَاتِ ِه } ٭تقق خَتا‬
‫أكُب يف عمله ‪ . .‬ولكنه ال يستطيع‬
‫أن يتقي اهلل حق تقاته إال يف أعماله‬
‫‪٤‬تدودة جدا ‪.‬‬
‫إذن ا‪٠‬تَت هنا أكُب ولكن العمل‬
‫الذي تنطبق عليه اآلية ‪٤‬تدود ‪.‬‬
‫أما قوله تعاىل ‪ { :‬فاتقوا اهلل َما‬
‫استطعتم } فإنه قد حدد التقوى‬
‫بقدر االستطاعة ‪ . .‬ولذلك تكون‬
‫األعمال ا‪١‬تقبولة كثَتة وإن كان‬
‫األجر عليها أقل ‪.‬‬
‫عندما نأيت إىل النؾيجة العامة ‪. .‬‬
‫أعمال أجرها أعَل ولكنها قليلة‬
‫و‪٤‬تدودة جدا ‪ . .‬وأعمال أجرها‬
‫أقل ولكنها كثَتة ‪ . .‬أيهما فيه‬
‫ا‪٠‬تَت؟ طبعا األعمال الكثَتة ذات‬
‫األجر األقل يف ‪٣‬تموعها تفوق‬
‫األعمال القليلة ذات األجر‬
‫ا‪١‬ترتفع ‪.‬‬
‫إذن فقد نسخت هذه اآلية ٔتا هو‬
‫خَت منها ‪ . .‬رغم أن الظاهر ال‬
‫يبدو كذلك ‪ ،‬ألن اتقاء اهلل حق‬
‫تقاته خَت من اتقاء اهلل قدر‬
‫االستطاعة ‪ . .‬ولكن يف ا‪١‬تحصلة‬
‫العامة ا‪٠‬تَت يف اآلية اليت نصت عَل‬
‫االستطاعة ‪. .‬‬
‫نأيت بعد ذلك إىل قوله تعاىل ‪ { :‬أ َ ْو‬
‫ِمثْلِهَا } ‪ . .‬هنا توقف بعض العلماء‬
‫‪ :‬قد يكون مفهوما أن ينسخ اهلل‬
‫آية ٓتَت منها ‪ ،‬ولكن ما هي ا‪ٟ‬تكمة‬
‫يف أن ينسخها ٔتثلها؟ إذا كانت‬
‫اآلية اليت نسخت مثل اآلية اليت‬
‫جاءت ‪ . .‬فلماذا تم النسخ؟ نقول‬
‫إننا إذا ضربنا مثبل لذلك فهو مثل‬
‫تغيَت القبلة ‪ . .‬أن اهلل تبارك‬
‫وتعاىل حُت أمر ا‪١‬تسلمُت بالتوجه‬
‫إىل الكعبة بدال من بيت ا‪١‬تقدس‬
‫نسخ آية ٔتثلها ‪ . .‬ألن التوجه إىل‬
‫الكعبة ال يكلف ا‪١‬تؤمن أية مشقة أو‬
‫زيادة يف التكليف ‪ . .‬فاإلنسان‬
‫يتوجه ناحية اليمُت أو إىل الؼسار‬
‫أو إىل األمام أو إىل ا‪٠‬تلف وهو نفس‬
‫اًفهد ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل كما‬
‫قلنا موجود ‪ . .‬وهنا تُبز الطاعة‬
‫اإلٯتانية اليت ٖتدثنا عنها وأن‬
‫هناك أفعاال نقوم بها ألن اهلل قال ‪.‬‬
‫‪ .‬وهذه تأيت يف العبادات ألن العبادة‬
‫هي طاعة عابد ألمر معبود ‪ . .‬واهلل‬
‫تبارك وتعاىل يريد أن نؿبت‬
‫العبودية له عن حب واخؾيار ‪. .‬‬
‫فإن قال افعلوا كذا فعلنا ‪ . .‬وإن‬
‫قال ال تفعلوا ال نفعل ‪.‬‬

‫‪ .‬والعلة يف هذا أننا نريد اخؾيارا ً‬


‫أن ‪٧‬تعل مراداتنا يف الكون خاضعة‬
‫‪١‬ترادات اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬إذن‬
‫مثلها لم تأت ببل حكمة بل جاءت‬
‫‪ٟ‬تكمة عالية ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪ { :‬أ َ ْو‬
‫نُن ِسهَا } ما معٌت ننسها؟ قال بعض‬
‫العلماء إن النسخ والنسيان شيء‬
‫واحد ‪ . .‬ولكن ساعة قال اهلل‬
‫ا‪ٟ‬تكم األول كان يف إرادته‬
‫ومشيػته وعلمه أن يأيت حكم آخر‬
‫بعد مدة ‪ . .‬ساعة جاء ا‪ٟ‬تكم األول‬
‫ترك ا‪ٟ‬تكم الثاين يف مشيػته قدرا‬
‫من الزمن حىت يأيت موعد نزوله ‪.‬‬
‫إذن فساعة يأيت ا‪ٟ‬تكم األول ‪. .‬‬
‫يكون ا‪ٟ‬تكم مرجأ ولكنه يف علم‬
‫اهلل ‪ .‬ينتظر انقضاء وقت ا‪ٟ‬تكم‬
‫نس ْخ ِم ْن آي َ ٍة } هي‬
‫األول ‪َ { :‬ما ن َ َ‬
‫اآلية ا‪١‬تنسوخة أو اليت سؼتم عدم‬
‫العمل بها ‪ { :‬أ َ ْو نُن ِسهَا } ‪ . .‬أي‬
‫ال يبلغها اهلل للرسول وا‪١‬تؤمنُت عن‬
‫طريق الوحي مع أهنا موجودة يف‬
‫علمه سبحانه ‪ . .‬و‪٬‬تب أن نتنبه‬
‫إىل أن النسخ ال ٭تدث يف شيئُت ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أمور العقائد فبل تنسخ آية‬
‫آية أخرى يف أمر العقيدة ‪. .‬‬
‫فالعقائد ثابتة ال تتغَت منذ عهد آدم‬
‫حىت يوم القيامة ‪ . .‬فاهلل سبحانه‬
‫واحد أحد ال تغيَت وال تبديل ‪،‬‬
‫والغيب قائم ‪ ،‬واآلخرة قادمة‬
‫وا‪١‬تبلئكة يقومون ٔتهامهم ‪. .‬‬
‫وكل ما يتعلق بأمور العقيدة ال‬
‫ينسخ أبدا ‪. .‬‬
‫والثاين ‪ :‬اإلخبار من اهلل عندما‬
‫يعطؼنا اهلل تبارك وتعاىل آية فيها‬
‫خُب ال ينسخها بآية جديدة ‪ . .‬ألن‬
‫اإلخبار هو اإلببلغ بشيء واقع ‪. .‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل إخباره لنا ٔتا‬
‫حدث ال ينسخ ألنه ببلغ صدق من‬
‫اهلل ‪ . .‬فبل تروى لنا حادثة الفيل‬
‫ثم تنسخ بعد ذلك وتروى‬
‫بتفاصيل أخرى ألهنا أبلغت كما‬
‫وقعت ‪ . .‬إذن ال نسخ يف العقائد‬
‫واإلخبار عن اهلل ‪ . .‬ولكن النسخ‬
‫يكون يف التكليف ‪ . .‬مثل قول ا‪ٟ‬تق‬
‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬ياأيها النبي‬
‫َح ّ ِر ِض ا‪١‬تؤمنُت عََلَ القتال إِن ي َ ُكن‬
‫ون يَغْلِبُوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َصابِ ُر َ‬ ‫ّمن ُك ْم ع ْش ُر َ‬
‫ُت َوإِن ي َ ُك ْن ِّمن ُك ْم ِّمئ َ ٌة يغلبوا‬
‫ِمئَت َ ْ ِ‬
‫أَلْفا ً ِّم َن الذين كَ َف ُروا ْبِأ َ َّهنُم قَو ٌم ال َّ‬
‫ْ ْ‬
‫ون } ػ األنفال ‪] 65 :‬‬ ‫ي َ ْف َق ُه َ‬
‫كأن ا‪١‬تقياس ساعة نزول هذه اآلية‬
‫أن الواحد من ا‪١‬تؤمنُت يقابل‬
‫عشرة من الكفار ويغلبهم ‪. .‬‬
‫ولكن كانت هذه عملية شاقة عَل‬
‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ . .‬ولذلك نسخها اهلل‬
‫ليعطؼنا عَل قدر طاقؾنا ‪ . .‬فزنلت‬
‫اآلية الكرٯتة ‪ { :‬اآلن َخ ّف ََف اهلل‬
‫َعن ُك ْم َوعَلِ َم أ َ َّن فِي ُك ْم َضعْفا ًفَإِن‬
‫ي َ ُك ْن ِّمن ُك ْم ِّمئ َ ٌة َصابِ َرةٌ يَغْلِبُوا ْ ِمئَت َ ْ ِ‬
‫ُت‬
‫ف ِن‬ ‫َوإِن ي َ ُكن ِّمن ُك ْم أَل ْ ٌف يغلبوا أَل ْ َي ْ‬
‫بِإِذْ ِن اهلل واهلل َم َع الصابرين} ػ‬
‫األنفال ‪] 66 :‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل علم أن‬
‫ا‪١‬تؤمنُت فيهم ضعف ‪ . .‬لذلك لن‬
‫يستطيع الواحد منهم أن يقاتل‬
‫عشرة ويغلبهم ‪ . .‬فنقلها إىل خَت‬
‫يسَت يقدر عليه ا‪١‬تؤمنون ْتيث‬
‫يغلب ا‪١‬تؤمن الواحد اثنُت من‬
‫الكفار ‪ . .‬وهذا حكم ال يدخل يف‬
‫العقيدة وال يف اإلخبار ‪ . .‬ويف أول‬
‫نزول القرآن كانت ا‪١‬ترأة إذا زنت‬
‫وشهد عليها أربعة ٯتسكوهنا يف‬
‫الؽيت ال ٗترج منه حىت ٘توت ‪.‬‬

‫ُت‬ ‫‪ .‬واقرأ قوله تعاىل ‪ { :‬والبليت يَأْتِ‬


‫َ‬
‫الفاحشة ِمن نِ ّ َس ِآئ ُك ْم فاستشهدوا‬
‫عَلَي ْ ِه َّن أ َ ْربَعةً ِّمن ْ ُك ْم فَإِن َش ِه ُدوا ْ‬
‫فَأ َ ْم ِس ُكو ُه َّن ِيف الؽيوت حىت‬
‫يَت َ َوفَّا ُه َّن ا‪١‬توت أ َ ْو َ‪٬‬تْعَ َل اهلل َ‪٢‬ت ُ َّن‬
‫َسؽِيبل ً} ػ النساء ‪] 15 :‬‬
‫وبعد أن شاع اإلسبلم وامتؤلت‬
‫النفوس باإلٯتان ‪ . .‬نزل تشريع‬
‫جديد هو الرجم أو ا‪ٞ‬تلد ‪ . .‬ساعة‬
‫نزل ا‪ٟ‬تكم األول ْتؽسهن كان‬
‫ا‪ٟ‬تكم الثاين يف علم اهلل‪ . .‬وهذا ما‬
‫نفهمه من قوله تعاىل ‪ { :‬أ َ ْو َ‪٬‬تْعَ َل‬
‫اهلل َ‪٢‬ت ُ َّن َسؽِيبل ً} ‪ . .‬وقوله سبحانه‬
‫‪ { :‬فاعفوا واصفحوا حىت يَأ ْ ِيت َاهلل‬
‫بِأ َ ْم ِر ِه } ػ البقرة ‪] 109 :‬‬
‫وقوله تعاىل حىت يأيت اهلل بأمره ‪. .‬‬
‫كأن هناك حكما أو أمرا يف علم‬
‫اهلل سيأيت ليعدل ا‪ٟ‬تكم ا‪١‬توجود ‪. .‬‬
‫إذن اهلل حُت أبلغنا با‪ٟ‬تكم األول‬
‫أعطانا فكرة ‪ . .‬إن هذا ا‪ٟ‬تكم‬
‫لؼس هنائيا وأن حكما جديدا‬
‫سيزنل ‪ . .‬بعد أن تتدرب النفوس‬
‫عَل مراد اهلل من ا‪ٟ‬تكم األول ‪. .‬‬
‫ومن عظمة اهلل أن مشيػته‬
‫اقتضت يف ا‪١‬تَتاث أن يعطي‬
‫الوالدين اللذين بلغا أرذل العمر‬
‫ب عَلَي ْ ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫فقال جل جبلله ‪ُ { :‬كت َ‬
‫ك‬‫إِذَا َح َض َر أ َ َح َد ُك ُم ا‪١‬توت إِن تَ َر َ‬
‫َخ َْتا ًالوصية لِل ْ َوال ِ َدي ْ ِن واألقربُت‬
‫با‪١‬تعروف َح ّقا ًعََلَ ا‪١‬تتقُت } ػ‬
‫البقرة ‪] 180 :‬‬
‫وهكذا جعلها يف أول األمر وصية‬
‫ولم تكن مَتاثا ‪١ . .‬تاذا؟ ألن‬
‫اإلنسان إن مات فهو ا‪ٟ‬تلقة‬
‫ا‪١‬توصولة بأبيه ‪ . .‬أما أبناؤه فحلقة‬
‫أخرى ‪ . .‬و‪١‬تا استقرت األحكام يف‬
‫النفوس وأقبلت عَل تنفيذ ما أمر به‬
‫اهلل ‪ . .‬جعل سبحانه ا‪١‬تسألة فرضا‬
‫‪ . .‬فؼستوىف ا‪ٟ‬تكم ‪ .‬ويقول جل‬
‫جبلله ‪ { :‬يُ ِ‬
‫وصي ُك ُم اهلل يف‬
‫أ َ ْوال َ ِد ُك ْم لِل َّذكَ ِر ِمث ْ ُل َح ّ ِظ األنثيُت‬
‫فَإِن ُك َّن نِ َسآء ًفَ ْو َق اثنتُت فَل َ ُه َّن‬
‫ك َوإِن كَان َ ْت َوا ِح َدة ًفَلَهَا‬ ‫ُثلُثَا َما تَ َر َ‬
‫النصف َوأل َب َ َوي ْ ِه ل ِ ُك ّ ِل َوا ِح ٍد ِّمن ْ ُه َما‬
‫ان ل َ ُه َول َ ٌد فَإِن‬‫ك إِن ك َ َ‬ ‫السدس ِ‪٦‬تَّا تَ َر َ‬
‫ل َّ ْم ي َ ُك ْن ل َّ ُه َول َ ٌد َو َو ِرث َُه أَب َ َو ُاه فَؤل ُ ِّم ِه‬
‫ان ل َ ُه إِ ْخ َوةٌ فَؤل ُ ِّم ِه‬
‫الثلث فَإِن ك َ َ‬
‫السدس ِمن بَعْ ِد َو ِصي َّ ٍة يُو ِصي بِهَآ‬
‫ون‬ ‫آؤ ُك ْم َوأ َ ُ‬
‫بناؤ ُك ْم ال َتَ ْد ُر َ‬ ‫أ َ ْو دَيْنٍ آب َ ُ‬
‫يضةً ِّم َن‬‫أَي ُّ ُه ْم أَقْ َر ُب ل َ ُك ْم ن َ ْفعا ًفَ ِر َ‬
‫ان عَلِيما ً َح ِكيما ً} ػ‬ ‫اهلل إ َِّن اهلل ك َ َ‬
‫النساء ‪] 11 :‬‬
‫وهكذا بعد أن كان نصيب‬
‫الوالدين يف تركة اإلبن وصية ‪. .‬‬
‫إن شاء أوىص بها وإن شاء لم يوصي‬
‫أصبحت فرضا ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫أَل َ ْم تَعْل َ ْم أ َ َّن اهلل عَل كُ ّ ِل َش ْيءٍ قَ ِدي ٌر‬
‫} ‪ . .‬أي كل شيء يدخل يف إرادة‬
‫اهلل وقدرته سبحانه ‪ . .‬إذا قلنا إذا‬
‫جاء اهلل ْتكم لعصر فهذا هو قمة‬
‫ا‪٠‬تَت ‪ . .‬ألنه إذا ُعدل ا‪ٟ‬تكم بعد‬
‫أن أدى مهمته يف عصره ‪ ،‬فإن‬
‫ا‪ٟ‬تكم ا‪ٞ‬تديد الذي يأيت هو قمة‬
‫ا‪٠‬تَت أيضا ‪ . .‬ألن اهلل عَل كل شيء‬
‫قدير ‪ ،‬يواجه كل عصر بقمة ا‪٠‬تَت‬
‫للموجودين فيه ‪ . .‬ولذلك فمن‬
‫عظمة اهلل أنه لم يأت با‪ٟ‬تكم‬
‫خُبا من عنده ولكنه أشرك فيه‬
‫ا‪١‬تخاطب ‪ . .‬فلم يقل سبحانه «‬
‫إن اهلل عَل كل شيء قدير » ‪. .‬‬
‫ولكنه قال ‪ { :‬أَل َ ْم تَعْل َ ْم أ َ َّن اهلل عَل‬
‫كُ ّ ِل َش ْيءٍ قَ ِدي ٌر } ‪ . .‬ألنه واثق أن‬
‫كل من يسمع سيقول نعم ‪ . .‬وهذا‬
‫ما يعرف باالستفهام اإلنكاري أو‬
‫التقريري ‪.‬‬
‫ك‬ ‫أَل َ ْم تَعْل َ ْم أ َ َّن َّ‬
‫اّللَ ل َ ُه ُمل ْ ُ‬
‫ات َو ْاأل َ ْر ِض َو َما ل َ ُك ْم ِم ْن‬ ‫السماو ِ‬
‫َّ َ َ‬
‫َت (‪)107‬‬ ‫اّلل ِم ْن َو ِيل ّ ٍ َو َال ن َ ِص ٍ‬
‫ون َ ِ‬
‫ُد ِ ّ‬
‫وبعد أن بُت اهلل سبحانه وتعاىل لنا‬
‫أن هناك آيات نسخت يف القرآن ‪.‬‬
‫‪ .‬أراد أن يوضح لنا أنه سبحانه له‬
‫طبلقة القدرة يف كونه يفعل ما‬
‫يشاء ‪ . .‬ولذلك بدأ اآلية الكرٯتة‬
‫‪ { :‬أَل َ ْم تَعْل َ ْم } ‪ . .‬وهذا التعبَت‬
‫يس ىم االستفهام االسؾنكاري أو‬
‫التريري ‪ . .‬ألن السامع ال ‪٬‬تد إال‬ ‫ق‬
‫جوابا واحدا بأنه يقر ما قاله اهلل‬
‫تبارك وتعاىل‪ . .‬ويقول نعم يا رب‬
‫أنت ا‪ٟ‬تق وقولك ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪ { :‬أَل َ ْم تَعْل َ ْم أ َ َّن اهلل ل َ ُه‬
‫ك السماوات واألرض } ‪. .‬‬ ‫ُمل ْ ُ‬
‫ا‪١‬تلك يقتضي مالكا ويقتضي ‪٦‬تلوكا‬
‫‪ . .‬ويقتضي قدرة عَل استمرار هذا‬
‫ا‪١‬تلك وعدم زواله ‪ . .‬فكأن ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل يريد أن يبُت لنا أنه‬
‫يقدر وٯتلك ا‪١‬تقدرة ‪ . .‬واإلنسان‬
‫لؼست له قدرة التملك وال ا‪١‬تقدرة‬
‫عَل اسؾبقاء ما ٯتلكه ‪ . .‬واإلنسان‬
‫ال ٯتلك الفعل يف الكون ‪ . .‬إن أراد‬
‫مثبل أن يؽٍت عمارة قد ال ‪٬‬تد‬
‫األرض ‪ . .‬فإن وجد األرض قد ال‬
‫‪٬‬تد العامل الذي يؽٍت ‪ . .‬فإن‬
‫وجده قد ال ‪٬‬تد مواد الؽناء ‪ . .‬فإن‬
‫وجد هذا كله قد تأيت ا‪ٟ‬تكومة أو‬
‫الدولة و٘تنع الؽناء عَل هذه األرض‬
‫‪ . .‬أو أن تكون األرض ملكا‬
‫إلنسان آخر فتقام القضايا وال يتم‬
‫الؽناء ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪ { :‬أَل َ ْم‬
‫ك السماوات‬ ‫تَعْل َ ْم أ َ َّن اهلل ل َ ُه ُمل ْ ُ‬
‫واألرض } ‪ . .‬أي أن كل شيء يف‬
‫الوجود هو ملك هلل وهو يتصرف‬
‫بقدرته فيما ٯتلك ‪ . .‬ولذلك‬
‫عندما هاجر رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم إىل ا‪١‬تدينة ‪ . .‬كان‬
‫اليهود ٯتلكون ا‪١‬تال و‪٢‬تم معرفة‬
‫ببعض العلم الدنيوي لذلك سادوا‬
‫ا‪١‬تدينة ‪ . .‬وبدأوا ٯتكرون برسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم وا‪١‬تسلمُت‬
‫‪ . .‬واهلل تبارك وتعاىل طمأن‬
‫رسوله بأن طبلقة القدرة يف الكون‬
‫هي هلل وحده ‪ . .‬وأنه إذا كان ‪٢‬تم‬
‫ملك فإنه ال يدوم ألن اهلل يزنع‬
‫ا‪١‬تلك ‪٦‬تن يشاء ويعطيه ‪١‬تن يشاء ‪.‬‬
‫‪ .‬ولذلك حؼنما يأيت يوم القيامة‬
‫ويُهلك اهلل األرض ومن عليها ‪. .‬‬
‫يقول سبحانه ‪١ّ ِ { :‬ت َ ِن ا‪١‬تلك اليوم‬
‫} ػ غافر ‪] 16 :‬‬
‫ويرد جل جبلله بشهادة الذات‬
‫للذات فيقول ‪ِ َ ِ { :‬‬
‫ّلل الواحد‬ ‫ّ‬
‫القهار } ػ غافر ‪] 16 :‬‬
‫ومادام اهلل هو ا‪١‬تالك وحده ‪. .‬‬
‫فإنه يستطيع أن يزنع من اليهود‬
‫وغَتهم ومن الدنيا كلها ما‬
‫ٯتلكونه ‪ . .‬و٭تدثنا العلماء أن‬
‫لعس َس وهم ا‪ٞ‬تنود الذين يسَتون‬‫ا َ‬
‫ليبل لتفقد أحوال الناس وجدوا‬
‫شخصا يسَت ليبل ‪ . .‬فلما تقدموا‬
‫منه جرى فجروا وراءه إىل أن‬
‫وصل إىل مكان خرب لؼسؾًت فيه ‪.‬‬
‫‪ .‬تقدم العسس وأمسكوا به وإذا‬
‫بهم ‪٬‬تدون جثة قؾيل يف ا‪١‬تكان ‪. .‬‬
‫فقالوا له أنت القاتل ألنك جريت‬
‫حُت رأيؾنا وألنك موجود اآلن يف‬
‫ا‪١‬تكان الذي فيه جثة القؾيل ‪.‬‬
‫‪ .‬فأخذوه ليحاكموه فقال ‪٢‬تم‬
‫أمهلوين ألصلي ركعتُت هلل ‪. .‬‬
‫فأمهلوه فصَل ثم رفع يديه إىل‬
‫السماء وقال اللهم إنك تعلم أنه‬
‫ال شاهد عَل براءيت إال أنت ‪. .‬‬
‫وأنت أمرتنا أال نكتم الشهادة‬
‫فأسألك ذلك يف نفسك ‪ . .‬فبؼنما‬
‫هم كذلك إذا أقبل رجل فقال ‪. .‬‬
‫أنا قاتل هذا القؾيل وأنا أقر‬
‫ّترٯتيت ‪ . .‬فتعجب الناس وقالوا‬
‫‪١‬تاذا تقر ّترٯتتك ولم يرك أحد‬
‫ولم يتهمك أحد ‪ . .‬فقال ‪٢‬تم‬
‫واهلل ما أقررت إ‪٪‬تا جاء هاتف‬
‫فأجرى لساين ٔتا قلت ‪ . .‬فلما أقر‬
‫القاتل ٔتا فعل وقام ويل ا‪١‬تقتول‬
‫وهو أبوه فقال ‪ . .‬اللهم إين‬
‫أشهدك إين قد أعفيت قاتل ابٍت‬
‫من دينه وقصاصه ‪.‬‬
‫انظر إىل طبلقة قدرة ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ . .‬القاتل أراد أن ٮتتفي‬
‫ولكن أنظر إىل دقة السؤال من‬
‫السائل أو ا‪١‬تتهم الُبيء ‪ . .‬وقد‬
‫صَل ركعتُت هلل ‪ . .‬ألن رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم علمنا أنه إذا‬
‫حزبنا أمر قمنا إىل الصبلة فلؼس‬
‫أمامنا إال هذا الباب ‪ . .‬وبعد أن‬
‫صَل سأل اهلل أنت أمرتنا أال نكتم‬
‫الشهادة وال يشهد بُباءيت أحد إال‬
‫أنت فأسألك ذلك يف نفسك وبعد‬
‫ذلك كان ما كان ‪.‬‬
‫وهذه القصة تدلنا عَل أننا يف قبضة‬
‫اهلل ‪ . .‬أردنا أو لم نرد ‪ . .‬بأسباب‬
‫أو بغَت أسباب ‪١ . .‬تاذا؟ ‪ . .‬ألن اهلل‬
‫له ملك السماوات واألرض وهو‬
‫عَل كل شيء قدير ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ون اهلل ِمن َو ِيل ّ ٍ َوال َ‬
‫{ َو َما ل َ ُك ْم ِّمن ُد ِ‬
‫َت } ‪ . .‬الويل هو من يواليك‬ ‫ن َ ِص ٍ‬
‫و٭تبك ‪ . .‬والنصَت هو الذي عنده‬
‫القدرة عَل أن ينصرك وقد يكون‬
‫النصَت غَت الويل‪ . .‬ا‪ٟ‬تق تبارك‬
‫وتعاىل يقول أنا لكم ويل ٌّونصَت أي‬
‫‪٤‬تب وأنصركم عَل من يعاديكم ‪.‬‬
‫ون أ َ ْن تَ ْسأَلُوا َر ُسول َ ُك ْم‬‫يد َ‬ ‫أ َ ْم ُت ِر ُ‬
‫وىس ِم ْن قَب ْ ُل َو َم ْن‬
‫كَ َما ُسئِ َل ُم َ‬
‫ان فَ َق ْد َض َّل‬
‫يَؾَب َ ّد َِل ال ْ ُك ْف َر بِ ْاإلِٯت َ ِ‬
‫ِيل (‪)108‬‬ ‫السؽ ِ‬ ‫َس َواءَ َّ‬
‫ثم ينقل ا‪ٟ‬تق جل جبلله ا‪١‬تسلمُت‬
‫بعد أن بُت ‪٢‬تم أنه وليهم‬
‫ونصَتهم ‪ . .‬ينقلهم إىل سلوك‬
‫أهل الكتاب من اليهود مع رسلهم‬
‫حىت يتفادوا مثل هذا السلوك‬
‫ون‬ ‫فيقول جل جبلله ‪ { :‬أ َ ْم ُت ِر ُ‬
‫يد َ‬
‫أَن تَ ْسأَلُوا ْ َر ُسول َ ُك ْم كَ َما ُسئِ َل‬
‫موىس ِمن قَب ْ ُل } ‪ . .‬ا‪ٟ‬تق يقول‬
‫للمؤمنُت أم تريدون أن تسألوا‬
‫رسول اهلل كما سأل اليهود موىس ‪.‬‬
‫‪ .‬ولم يشأ ا‪ٟ‬تق أن يشبه ا‪١‬تسلمُت‬
‫باليهود فقال ‪ { :‬كَ َما ُسئِ َل موىس‬
‫ِمن قَب ْ ُل } ‪ . .‬وكان من ا‪١‬تمكن أن‬
‫يقول أم تريدون أن تسألوا‬
‫رسولكم كما سأل اليهود موىس ‪. .‬‬
‫ولكن اهلل لم يرد أن يشبه اليهود‬
‫با‪١‬تؤمنُت برسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫تريم من اهلل‬ ‫وسلم ‪ . .‬وهذا ك‬
‫للمؤمنُت بأن يزنههم أن يتشبهوا‬
‫باليهود ‪ . .‬وقد سأل اليهود موىس‬
‫عليه السبلم وقالوا كما يروي لنا‬
‫ك أ َ ْه ُل‬ ‫القرآن الكريم ‪ { :‬ي َ ْسأَل ُ َ‬
‫زن َل عَلَي ْ ِه ْم ِكتَابا ً ِّم َن‬‫الكتاب أَن ُت َ ِ ّ‬
‫ُب ِمن‬ ‫َ‬
‫السمآء فَ َق ْد َسألُوا ْموىس أ َ ْك ََ‬
‫ذلك فقالوا أ َ ِرنَا اهلل َجهْ َرة ً‬
‫فَأ َ َخ َذْتْ ُ ُم الصاعقة بِ ُظل ْ ِم ِه ْم ُث َّم‬
‫اٗتذوا العجل ِمن بَعْ ِد َما َجآءَْتْ ُ ُم‬
‫البؼنات فَعَ َف ْونَا َعن ذلك َوآتَؼْنَا‬
‫موىس ُسل ْ َطانا ً ُّمبِؼنا ً} ػ النساء ‪:‬‬
‫‪] 153‬‬
‫وقد سأل أهل الكتاب والكفار‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم كما‬
‫يروي لنا القرآن الكريم ‪{ :‬‬
‫َوقَالُوا ْلَن ن ُّ ْؤ ِم َن ل َ َ‬
‫ك حىت تَ ْف ُج َر لَنا‬
‫ِم َن األرض يَنْبُوعا ً} ػ اإلسراء ‪:‬‬
‫‪] 90‬‬
‫{ أ َ ْو ُت ْسقِ َط السمآء كَ َما زَ َع ْم َت‬
‫عَلَؼْنَا ِك َسفا ًأ َ ْو تَأ ْ ِيت َباهلل وا‪١‬تبلئكة‬
‫ك بَي ْ ٌت ِّمن‬ ‫ون ل َ َ‬ ‫َ‬
‫قَؽِيبل ً* أ ْو ي َ ُك َ‬
‫ُز ْخ ُر ٍف أ َ ْو ترىق ِيف السمآء َولَن‬
‫زن َل عَلَؼْنَا ِكتَابا ً‬ ‫ن ُّ ْؤ ِم َن ل ِ ُرقِ ِي ّ َ‬
‫ك َح َّىت ُت َ ِ ّ‬
‫نت إِال َّ‬
‫ان َر ِ ّّب َه ْل ُك ُ‬ ‫ن َّ ْق َر ُؤ ُه ُق ْل ُسب ْ َح َ‬
‫ب َ َشرا ً َّر ُسوال ً} ػ اإلسراء ‪-92 :‬‬
‫‪] 93‬‬
‫اهلل تبارك وتعاىل يهيب با‪١‬تؤمنُت‬
‫أن يسألوا رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ . .‬كما سأله أهل الكتاب‬
‫والكفار ويقول ‪٢‬تم أن اليهود قد‬
‫سألوا موىس أكُب من ذلك ‪ . .‬فبعد‬
‫أن رأوا ا‪١‬تعجزات وشق اهلل البحر‬
‫‪٢‬تم ‪ . .‬وعُبوا البحر وهم‬
‫يشاهدون ا‪١‬تعجزة فلم تكن‬
‫خافية عنهم ‪ . .‬بل كانت ظاهرة‬
‫‪٢‬تم واضحة ‪ . .‬دالة داللة دامغة عَل‬
‫وجود اهلل سبحانه وتعاىل وعَل‬
‫عظيم قدراته ‪ . .‬ورغم ه ذا فإن‬
‫اليهود قالوا ‪١‬توىس لن نؤمن لك حىت‬
‫نرى اهلل جهرة ‪ . .‬أي لم تكفهم‬
‫هذه ا‪١‬تعجزات ‪ . .‬وكأ‪٪‬تا كانوا‬
‫ٔتاديتهم يريدون أن يروا يف‬
‫حياْتم الدنيوية من ال تدركه‬
‫األبصار ‪ . .‬ؤتجرد أن عُبوا‬
‫البحر أرادوا أن ‪٬‬تعل ‪٢‬تم موىس‬
‫صنما يعبدونه وعبدوا العجل‬
‫رغم كل اآليات اليت شاهدوها ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َمن يَؾَب َ ّد َِل الكفر‬
‫باإلٯتان فَ َق ْد َض َّل َس َوآءَ السؽيل }‬
‫‪ . .‬قلنا إن الباء يف قوله تعاىل ‪« :‬‬
‫باإلٯتان » تدخل دائما عَل‬
‫ا‪١‬تًتوك ‪ . .‬كأن تقول اشًتيت‬
‫هذا بكذا درهم‪ . .‬يعٍت تركت‬
‫الدراهم وأخذت البضاعة ‪. .‬‬
‫ومعناها أن الكفر مأخوذ واإلٯتان‬
‫مًتوك ‪.‬‬

‫‪ .‬فقد أخذ اليهود الكفر وتركوا‬


‫اإلٯتان حُت قالوا ‪١‬توىس ‪ { :‬أ َ ِرنَا‬
‫اهلل َجهْ َرة ً} ‪ . .‬وقوله سبحانه ‪{ :‬‬
‫فَ َق ْد َض َّل َس َوآءَ السؽيل } ‪.‬‬
‫ما هو الضبلل؟ ‪ . .‬هو أن تسلك‬
‫سؽيبل ال يؤدي بك إىل غايتك ‪ . .‬و «‬
‫سواء السؽيل » ‪ . .‬السواء هو‬
‫الوسط ‪ . .‬و « سواء السؽيل » ‪. .‬‬
‫هو وسط الطريق ‪ . .‬واهلل تبارك‬
‫وتعاىل يقول ‪ { :‬فاطلع فَ َر ُآه ِيف‬
‫َس َوآءِ ا‪ٞ‬تحيم } ػ الصافات ‪55 :‬‬
‫]‬
‫أي يف وسط ا‪ٞ‬تحيم ‪ . .‬أي أنه‬
‫يكون بعيدا عن ا‪ٟ‬تافتُت بعدا ً‬
‫مؾساويا ً‪ . .‬وسواء الطريق هو‬
‫وسطه ‪ . .‬والسؽيل أو الطريق كان‬
‫قبل استخدام التك ونلوجيا ا‪ٟ‬تديثة‬
‫تكون أطرافه وعرة من جنس‬
‫األرض قبل أن ٘تهد ‪ . .‬أي ال‬
‫تصلح للسَت ‪ . .‬ولذلك فإن السَت‬
‫يف وسط الطريق يبعدك عن‬
‫ا‪١‬تتاعب والصعوبات ‪ .‬ويريد اهلل‬
‫من ا‪١‬تؤمنُت به أن يسَتوا يف‬
‫الطريق ا‪١‬تمهد أو يف وسط الطريق‬
‫ألنه أكثر أمانا ‪٢‬تم ‪ . .‬فهم فيه لن‬
‫يضلوا ا‬
‫ٯتُتوال يسارا بل يسَتوا‬
‫عَل منهج اهلل واإلٯتان ‪ . .‬وطريق‬
‫اإلٯتان دائما ‪٦‬تهد ال يقودهم إل‬
‫الكفر ‪.‬‬
‫َو َّد َكثَِتٌ ِم ْن أ َ ْه ِل ال ْ ِكت َ ِ‬
‫اب ل َ ْو‬
‫َارا‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫يَردُون َ ُكم ِمن بع ِد إِٯتانِ‬
‫ُ ّ ْ ْ َْ َ ْ ً‬
‫َح َس ًدا ِم ْن ِعن ْ ِد أَن ْ ُف ِس ِه ْم ِم ْن بَعْ ِد َما‬
‫ُت َ‪٢‬ت ُ ُم ا ٌْف َ ُّق فَا ْع ُفوا َوا ْص َف ُحوا‬ ‫تَب َ َّ َ‬
‫َح َّىت يَأ ْ ِيت َ ّ َُ‬
‫اّلل بِأ َ ْم ِر ِه إ َِّن َّ‬
‫اّللَ عََلَ كُ ّ ِل‬
‫َش ْيءٍ قَ ِدي ٌر (‪)109‬‬

‫هذه اآلية الكرٯتة تؾناول أحداثا‬


‫وقعت بعد غزوة أحد ‪ . .‬ويف غزوة‬
‫أحد طلب رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ . .‬من الرماة أال يغادروا‬
‫مواقعهم عند سفح اًفبل سواء‬
‫انتصر ا‪١‬تسلمون أو اهنزموا ‪. .‬‬
‫فلما بدأت بوادر النصر طمع‬
‫الرماة يف الغنائم ‪ . .‬فخالفوا أمر‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫فهزمهم اهلل ‪ . .‬ولكن الكفار لم‬
‫٭تققوا نصرا ألن النصر هو أن ٖتتل‬
‫أرضا وتبىق ‪.‬‬
‫هؤالء الكفار بعد ا‪١‬تعركة انطلقوا‬
‫عائدين إىل مكة ‪ . .‬حىت أن‬
‫ا‪١‬تسلمُت عندما خرجوا للقائهم‬
‫يف اليوم التايل لم ‪٬‬تدوا أحدا ً‪. .‬‬
‫يهود ا‪١‬تدينة استغلوا هذا ا‪ٟ‬تدث ‪. .‬‬
‫وعندما التقوا ْتذيفة بن اليمان‬
‫وطارق وغَت‪٫‬تا ‪ . .‬قالوا ‪٢‬تم إن‬
‫كنتم مؤمنُت حقا ‪١‬تاذا إهنزمتم‬
‫فارجعوا إىل ديننا واتركوا دين‬
‫‪٤‬تمد ‪ . .‬فقال ‪٢‬تم حذيفة ماذا‬
‫يقول دينكم يف نقض العهد؟ ‪. .‬‬
‫يقصد ما تقوله التوراة يف نقض‬
‫اليهود ولعهودهم مع اهلل ومع موىس‬
‫‪ . .‬ثم قال أنا لن انقض عهدي مع‬
‫‪٤‬تمد ما حؼيت ‪ . .‬أما عمار فقال ‪.‬‬
‫‪ .‬لقد آمنت باهلل ربا وآمنت‬
‫ٔتحمد رسوال وآمنت بالكتاب‬
‫إماما وآمنت بالكعبة قبلة وآمنت‬
‫با‪١‬تؤمنُت إخوة وسأظل عَل هذا ما‬
‫حؼيت ‪.‬‬
‫وبلغ رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫ما قاله حذيفة وطارق بن ياسر‬
‫فسر بذلك ولكن اليهود كانوا‬
‫يستغلون ما حدث يف أحد ليهزموا‬
‫العقيدة اإلٯتانية يف قلوب‬
‫ا‪١‬تسلمُت كما استغلوا ٖتويل‬
‫القبلة من بيت ا‪١‬تقدس إىل الكعبة‬
‫ليهزوا اإلٯتان يف القلوب وقالوا إذا‬
‫كانت القبلة ٕتاه بيت ا‪١‬تقدس‬
‫باطلة فلماذا إتهتم إليها ‪ ،‬وإذا‬
‫كانت صحيحة فلماذا تركتموها ‪،‬‬
‫فزنل قول اهلل تعاىل ‪َ { :‬و ّدَ كَثَِتٌ ِّم ْن‬
‫أ َ ْه ِل الكتاب ل َ ْو ي َ ُر ّدُون َ ُكم ِم ْن بَعْ ِد‬
‫إِٯتَانِ ُك ْم } ‪.‬‬
‫انظر إىل دقة التعبَت القرآين يف قوله‬
‫تعاىل ‪ِّ { :‬م ْن أ َ ْه ِل الكتاب } ‪. .‬‬
‫فكأن بعضهم فقط هم الذين كانوا‬
‫٭تاولون رد ا‪١‬تؤمنُت عن دينهم ‪. .‬‬
‫ولكن كانت هناك قلة تفكر يف‬
‫اإلٯتان ٔتحمد عليه الصبلة‬
‫والسبلم ‪ . .‬ولو أن اهلل جل جبلله‬
‫حكم عَل كل أهل الكتاب لسد‬
‫الطريق أمام هذه القلة أن يؤمنوا ‪.‬‬
‫‪ .‬أي أن أهل الكتاب من اليهود‬
‫٭تبون أن يردوكم عن دينكم‬
‫وهؤالء هم الكثرة ‪ . .‬ألن اهلل تعاىل‬
‫قال ‪َ { :‬و َّد َكثَِتٌ ِّم ْن أ َ ْه ِل الكتاب }‬
‫‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ِ { :‬م ْن بَعْ ِد إِٯتَانِ ُك ْم‬
‫ُك ّفَارا ً} ‪ . .‬كفارا ٔتاذا؟ ‪ٔ . .‬تا‬
‫آمنتم به أو ٔتا يطلبه منكم دينكم‬
‫‪ . .‬وهم ال يفعلون ذلك عن مبدأ أو‬
‫عقيدة أو لصا‪ٟ‬تكم ولكن ‪{ :‬‬
‫َح َسدا ً ِّم ْن ِعن ْ ِد أَن ْ ُف ِس ِه ْم } ‪. .‬‬
‫فدينهم يأمرهم بعكس ذلك ‪. .‬‬
‫يأمرهم أن يؤمنوا برسالة ‪٤‬تمد‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪ . .‬ولذلك‬
‫فهم ال ينفذون ما تأمرهم به‬
‫التوراة حؼنما يرفضون اإلٯتان‬
‫باإلسبلم ‪.‬‬

‫‪ .‬والذي يدعوهم إىل أن ٭تاولوا‬


‫ردكم عن دينكم هو ا‪ٟ‬تسد ‪. .‬‬
‫وا‪ٟ‬تسد هو ٘تٍت زوال النعمة عمن‬
‫تكره ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪َ { :‬ح َسدا ً ِّم ْن‬
‫ِعن ْ ِد أَن ْ ُف ِس ِه ْم } ‪ . .‬أي هذه‬
‫ا‪١‬تسألة من ذواْتم ألهنم ٭تسدون‬
‫ا‪١‬تسلمُت عَل نعمة اإلٯتان ‪. .‬‬
‫ويتمنون زوال هذه النعمة ‪ . .‬اليت‬
‫جعلت من ا‪١‬تسلمُت إخوانا‬
‫متحابُت متكاتفُت مًتابطُت ‪. .‬‬
‫بؼنما هم شيع وأحزاب ‪ . .‬وهناك‬
‫حسد يكون من منطق الدين وهذا‬
‫مباح ‪ . .‬ولذلك يقول رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫« ال حسد إال يف اثنتُت رجل آتاه‬
‫اهلل ماال فَ ُسلِ ّط عَل هلكته يف ا‪ٟ‬تق‬
‫ورجل آتاه اهلل ا‪ٟ‬تكمة فهو يقضي‬
‫بها ويعلمها الناس »‬
‫فكأن ا‪ٟ‬تسد حرام يف غَت هاتُت‬
‫ا‪ٟ‬تالتُت ‪ . .‬فكأن هؤالء اليهود‬
‫٭تسدون ا‪١‬تسلمُت عَل دينهم ‪. .‬‬
‫وهذا ا‪ٟ‬تسد من عند أنفسهم ال‬
‫تقره التوراة وال كؾبهم ‪ . .‬وقوله‬
‫ِ ِ‬
‫سبحانه ‪ّ { :‬من بَعْد َما تَب َ َّ َ‬
‫ُت َ‪٢‬ت ُ ُم‬
‫ا‪ٟ‬تق } ‪ . .‬أي بعد ما تأكدوا من‬
‫التوراة من شخصية رسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم وأنه النبي ا‪٠‬تاتم ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فاعفوا واصفحوا‬
‫حىت يَأ ْ ِيت َاهلل بِأ َ ْم ِر ِه } ‪ . .‬ما هو العفو‬
‫وما هو الصفح؟ ‪ . .‬يقال عفت‬
‫الريح األثر أي مسحته وأزالته ‪. .‬‬
‫فاإلنسان حُت ٯتشي عَل الرمال‬
‫تًتك قدمه أثرا فتأيت الريح وتعفو‬
‫األثر أي تزيله ‪ . .‬ولذلك فإن‬
‫العفو أن ٘تحو من نفسك أثر أي‬
‫إساءة وكأنه لم ٭تدث شيء ‪. .‬‬
‫والصفح يعٍت طي صفحات هذا‬
‫ا‪١‬توضوع ال ٕتعله يف بالك وال ٕتعله‬
‫يشغلك ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪ { :‬حىت‬
‫يَأ ْ ِيت َاهلل بِأ َ ْم ِر ِه } ‪ . .‬أن هذا الوضع‬
‫بالنسبة لليهود وما يفعلونه يف‬
‫ا‪١‬تؤمنُت لن يستمر ألن اهلل‬
‫سبحانه قد أعد ‪٢‬تم أمرا ولكن هذا‬
‫األمر لم يأت وقته وال أوانه ‪. .‬‬
‫وعندما يأيت سؼتغَت كل شيء ‪. .‬‬
‫لذلك يقول اهلل للمؤمنُت لن تظلوا‬
‫هكذا ‪ . .‬بل يوم تأخذوهنم فيه‬
‫ّترائمهم ولن يكون هذا اليوم‬
‫بعيدا ‪ . .‬عندما يقول اهلل سبحانه ‪:‬‬
‫{ حىت يَأ ْ ِيت َاهلل بِأ َ ْم ِر ِه } ‪ . .‬فبلبد‬
‫أن أمر اهلل آت ‪ . .‬ألن هذه قضية‬
‫تتعلق ّتوهر اإلٯتان كله ‪ . .‬فبل‬
‫يقال أبدا حىت يأيت اهلل بأمره ثم ال‬
‫‪٬‬تيء هذا األمر ‪ . .‬بل أمر اهلل ببل‬
‫شك نافذ وسؼنصركم عليهم ‪. .‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬إ َِن اهلل عَل كُ ّ ِل َشيءٍ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫قَ ِدي ٌر } ‪ . .‬أن اهلل له طبلقة القدرة‬
‫يف ملكه ‪ . .‬ولذلك إذا قال أنه‬
‫سيأيت بأمر فسؼتحقق هذا األمر‬
‫حتما وسؼتم ‪ . .‬وال توجد قدرة يف‬
‫هذا الكون إال قدرة اهلل سبحانه ‪. .‬‬
‫وال قوة إال قوته جل جبلله ‪ . .‬وال‬
‫فعل إال ما أراد ‪.‬‬

‫الص َبلةَ َوآ ُتوا ال َّزكَاةَ َو َما‬


‫يموا َّ‬ ‫وأَقِ‬
‫َ ُ‬
‫ُت َق ِ ّد ُموا ِألَن ْ ُف ِس ُك ْم ِم ْن َخ ْ ٍ‬
‫َت َ ِٕت ُد ُوه‬
‫اّلل ِٔتَا تَعْ َمل ُ َ ِ‬ ‫ِعن ْ َد َ ِ‬
‫ون بَصَتٌ‬ ‫اّلل إ َِّن َّ َ‬
‫ّ‬
‫(‪)110‬‬

‫بعد أن بُت اهلل سبحانه وتعاىل أن‬


‫أقىص أماين أهل الكتاب أن يردونا‬
‫كفارا ‪ ،‬وأن هذا حسدا منهم ‪.‬‬
‫أراد اهلل تبارك وتعاىل أن يبُت لنا ما‬
‫الذي يكرهه أهل الكتاب ‪. .‬‬
‫وقال إن الذي يتعبهم ميزان‬
‫العدل وا‪ٟ‬تق الذي نؾبعه ‪ . .‬منهج‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل ‪ . .‬ولذلك يأمر‬
‫اهلل ا‪١‬تؤمنُت أن يثؽتوا ويتمسكوا‬
‫باإلٯتان ‪ ،‬وأن يقبلوا عَل التكليف‬
‫فهذا أحسن رد عليهم ‪. .‬‬
‫والتكاليف اليت جاء بها اإلسبلم منها‬
‫تكليفات ال تتطلب إال وقتا ًمن‬
‫الزمن وقليبل من الفعل كشهادة أن‬
‫ال إله إال اهلل وأن ‪٤‬تمد رسول اهلل‬
‫وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج‬
‫الؽيت ‪١‬تن استطاع إليه سؽيبل ‪.‬‬
‫إن شهادة ال إله إال اهلل تقال مرة يف‬
‫العمر ‪ . .‬والزكاة والصوم مرة كل‬
‫عام ‪ . .‬وا‪ٟ‬تج للمستطيع مرة يف‬
‫العمر ‪ . .‬ولكن هناك من العبادات‬
‫ما يتكرر كل يوم ليعطي ا‪١‬تؤمن‬
‫شحنة اليقُت واإلٯتان ويأخذه من‬
‫دنياه باهلل أكُب ‪ٜ‬تس مرات يف‬
‫اليوم ‪ . .‬وهذه هي العبادة اليت ال‬
‫تسقط أبدا ‪ . .‬واإلنسان سليم‬
‫واإلنسان مريض ‪ . .‬فا‪١‬تؤمن‬
‫يستطيع أن يصلي واقفا وأن يصلي‬
‫جالسا وأن يصلي راقدا ‪ . .‬وأن‬
‫‪٬‬تري مراسم الصبلة عَل قلبه ‪. .‬‬
‫لذلك كانت هذه أول عبادة تذكر‬
‫يموا ْالصبلة }‬ ‫يف قوله تعاىل ‪ { :‬وأَقِ‬
‫َ ُ‬
‫أي والتفتوا إىل نداءات ربكم‬
‫للصبلة ‪ . .‬وعندما يرتفع صوت‬
‫ا‪١‬تؤذن بقوله اهلل أكُب فهذه دعوة‬
‫لئلقبال عَل اهلل ‪ . .‬إقبال يف ساعة‬
‫معلومة لتقفوا أمامه سبحانه وتعاىل‬
‫وتكونوا يف حضرته يعطيكم اهلل‬
‫ا‪١‬تدد ‪ . .‬ولذلك كان رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم « إذا حزبه أمر‬
‫صَل »‬
‫ومعٌت حزبه أمر ‪ . .‬أي ضاقت به‬
‫أسبابه فلم ‪٬‬تد ‪٥‬ترجا وال طريقا إال‬
‫أن يلجأ إىل اهلل ‪ . .‬إذا حدث هذا‬
‫يتوضأ اإلنسان ويصلي ركعتُت‬
‫غَت الفريضة ‪ . .‬ثم يدعو ما يشاء‬
‫فيفرج اهلل كربه ‪ . .‬إذن ‪{ :‬‬
‫يموا ْالصبلة } هي الرد ا‪١‬تناسب‬ ‫َِ‬
‫َوأق ُ‬
‫عَل كل ‪٤‬تاوالْتم لؼسلبوكم‬
‫دينكم ‪ . .‬ذلك أن هذا التكليف‬
‫ا‪١‬تقرر إلعبلن الوالء اإلٯتاين هلل كل‬
‫يوم ‪ٜ‬تس مرات ‪ . .‬نًتك كل ما‬
‫يف الدنيا ونتجه إىل اهلل بالصبلة ‪. .‬‬
‫إهنا عماد الدين وأساسه ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وآ ُتوا ْالزكاة } ‪. .‬‬
‫إيتاء الزكاة ال ٭تدث إال إذا كان‬
‫لديهم ما هو زائد عن حاجتك ‪. .‬‬
‫فكأن اهلل سبحانه وتعاىل يريدنا أن‬
‫نضرب يف األرض لنكسب حاجؾنا‬
‫وحاجة من نعول ونزيد ‪ . .‬وبذلك‬
‫ٮترج ا‪١‬تسلمون من سيطرة اليهود‬
‫اإلقتصادية اليت يستذلون بها‬
‫ا‪١‬تسلمُت ‪.‬‬
‫فا‪١‬تؤمن حُت يأيت الزكاة معناه أن‬
‫حركته اتسعت لتشمل حاجته‬
‫وحاجة غَته ‪ . .‬ولذلك حىت الفقَت‬
‫‪٬‬تد يف الزائد يف أموال ا‪١‬تسلمُت ما‬
‫يكفي حاجته ‪.‬‬
‫‪ .‬فبل يذهب إىل اليهودي ليقًتض‬
‫بالربا‪ . .‬ولذلك فاهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يريد أن يتكامل ا‪١‬تسلمون ‪.‬‬
‫‪ْ .‬تيث تكفي أموا‪٢‬تم غنيهم‬
‫وفقَتهم والقادر عَل العمل منهم‬
‫وغَت القادر ‪ .‬واهلل تبارك وتعاىل‬
‫يزيد أموال ا‪١‬تسلمُت بأكثر ‪٦‬تا‬
‫ٮترج منها من زكاة ‪ . .‬ولذلك قال‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫« ما نقصت صدقة من مال وما زاد‬
‫اهلل عبدا بعفو إال عزا وما تواضع‬
‫أحد هلل إال رفعه »‬
‫وقد ‪ٝ‬تيت « الزكاة » ألهنا يف‬
‫ظاهرها نقص ويف حقيقتها زيادة ‪.‬‬
‫‪ .‬والربا ظاهره زيادة وحقيقته‬
‫نقص ‪ . .‬ويف ذلك يقول اهلل جل‬
‫جبلله ‪َ { :‬ٯت ْ َح ُق اهلل الربا َويُ ْر ِّب‬
‫الصدقات } ػ البقرة ‪] 276 :‬‬
‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪َ { :‬و َما‬
‫ُتقَ ِ ّد ُموا ْألَن ْ ُف ِس ُكم ِّم ْن َخ ْ ٍ‬
‫َت َ ِٕت ُد ُوه‬
‫ِعن َد اهلل } ‪ . .‬إذن البد أن يطمئن‬
‫ا‪١‬تؤمن ألن حركة حياته هي ثواب‬
‫وأجر عند اهلل تبارك وتعاىل ‪ . .‬فإذا‬
‫صَل فله أجر وإذا زىك فله أجر ‪ ،‬وإذا‬
‫تصدق فله أجر ‪ ،‬وإذا صام فله أجر‬
‫‪ ،‬وإذا حج فله أجر ‪ ،‬كل ما يفعله من‬
‫منهج اهلل له أجر ‪ ،‬ولؼس أجرا‬
‫بقدر العمل ‪ ،‬بل أضعاف العمل ‪.‬‬
‫‪ .‬وإقرأ قوله تعاىل ‪َّ { :‬مث َ ُل الذين‬
‫ِيل اهلل‬ ‫ون أ َ ْم َوا َ‪٢‬ت ُ ْم ِيف َسؽ ِ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫يُن ْ ِ‬
‫ف‬
‫َ‬
‫َك َمث َ ِل َحب َّ ٍة أَنؽَت َ ْت َسب ْ َع َسنَابِ َل ِيف‬
‫كُ ّ ِل ُسنبُل َ ٍة ِّمئ َ ُة َحب َّ ٍة واهلل يُ َضا ِع ُف‬
‫يم } ػ‬ ‫ِ‪١‬تَن ي َ َشآء واهلل وا ِس ٌع عَلِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫البقرة ‪] 261 :‬‬
‫وهكذا نعرف أن كل حركة يف‬
‫منهج اهلل لؼس فقط ‪٢‬تا أجر عند اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬ولكنه أجر‬
‫مضاعف أضعافا مضاعفة ‪ . .‬وهو‬
‫أجر لؼس بقدرات البشر ولكنه‬
‫بقدرة اهلل سبحانه ‪ . .‬ولذلك فهو‬
‫لؼس مضاعفا فقط يف عدد ا‪١‬ترات‬
‫ولكنه مضاعف يف القدرة أيضا‪. .‬‬
‫فكأن كل إنسان مؤمن ال أجر له يف‬
‫اآلخرة ‪ . .‬وإذا أُعىط يف الدنيا يُعطي‬
‫عطاء ا‪١‬تثل ‪ . .‬ولكن ا‪١‬تؤمن وحده‬
‫له عطاء اآلخرة أضعافا مضاعفة ‪. .‬‬
‫وهو عطاء لؼس زائبل كعطاء الدنيا‬
‫ولكنه باق وخالد ‪.‬‬
‫وا‪٠‬تَت الذي تفعله لن تدخره‬
‫عندك أو عند من قد ينكره ‪. .‬‬
‫ويقول ال شيء لك عندي ولكن اهلل‬
‫سيدخره لك ‪ . .‬فانظر إىل‬
‫اإلطمػنان والعمل يف يد اهلل‬
‫األمؼنة ‪ ،‬ويف مشيػته اليت ال يغفل‬
‫عنها شيء ‪ ،‬ويف قدرته اليت تضاعف‬
‫أضعافا مضاعفة ‪ . .‬وٕتده يف‬
‫الوقت الذي تكون يف أحوج‬
‫اللحظات إليه وهو وقت ا‪ٟ‬تساب ‪.‬‬
‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪{ :‬‬
‫ون ب َ ِصَتٌ} ‪ . .‬أي ال‬‫ُ‬ ‫ل‬‫م‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫اهلل ِ‬
‫ٔت‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تعتقد أن هناك شؼئا ٮتىف عَل اهلل ‪،‬‬
‫أو أن أحدا يستطيع أن ٮتدع اهلل؛‬
‫فاهلل سبحانه وتعاىل بصَت بكل شيء‬
‫‪ . .‬لؼس بالظاهر منك فقط‪. .‬‬
‫ولكن ٔتا ٗتفيه يف نفسك وال تطلع‬
‫عليه أحدا من خلق اهلل ‪ ،‬إنه يعلم‬
‫كل شيء واقرأ قوله سبحانه وتعاىل‬
‫‪َ { :‬ربَّنَآ إِن ّ ََك تَعْل َ ُم َما ُ‪٩‬ت ْ ِفي َو َما‬
‫نُعْلِ ُن َو َما ٮتىف عََلَ اهلل ِمن َش ْيءٍ َيف‬
‫األرض َوال َ ِيف السمآء } ػ إبراهيم‬
‫‪] 38 :‬‬
‫وهكذا نطمئن إىل أن اهلل بصَت‬
‫بكل شيء ‪ ،‬وانظر إىل قوله جل‬
‫جبلله ‪ « :‬تعملون » لتفهم أ‪٫‬تية‬
‫العمل ‪.‬‬

‫َوقَالُوا ل َ ْن ي َ ْد ُخ َل ا‪ٞ‬تَْنَّ َة إ َِّال َم ْن ك َ َ‬


‫ان‬
‫ك أ َ َمانِي ُّ ُه ْم ُق ْل‬
‫ارى تِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ُهودًا أ ْو ن َ َص َ‬
‫ِ‬
‫تم َصا ِدق َ‬
‫ُت‬ ‫َها ُتوا ُب ْر َهان َ ُك ْم إ ِْن ُكن ْ ُ ْ‬
‫(‪)111‬‬

‫بعد أن بُت ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‬


‫كيف أن كل عمل يف منهج اهلل له‬
‫أجر ‪ ،‬وأجر باق وثابت ومضاعف‬
‫عند اهلل و‪٤‬تفوظ بقدرة اهلل سبحانه‬
‫‪ . .‬أراد أن يرد عَل ادعاءات اليهود‬
‫والنصارى الذين ٭تاولون أن يثَتوا‬
‫اليأس يف قلوب ا‪١‬تؤمنُت بالكذب‬
‫واإلحباط علهم ينصرفون عن‬
‫اإلسبلم ‪ . .‬لذلك فقد أبلغنا اهلل‬
‫سبحانه ٔتا افًتوه ‪.‬‬
‫واقرأ قوله تعاىل ‪َ { :‬وقَالُوا ْلَن‬
‫ان ُهودا ًأ َ ْو‬
‫ي َ ْد ُخ َل ا‪ٞ‬تنة إِال َّ َمن ك َ َ‬
‫نصارى } ‪ . .‬ويف هذه اآلية‬
‫الكرٯتة يظهر الؾناقض بُت أقوال‬
‫اليهود والنصارى ‪ . .‬ولقد أوردنا‬
‫كيف أن اليهود قد قالوا { لَن‬
‫ي َ ْد ُخ َل ا‪ٞ‬تنة إِال َّ َمن ك َ َ‬
‫ان ُهودا ً} ‪. .‬‬
‫وقالت النصارى ‪ « :‬لن يدخل‬
‫ا‪ٞ‬تنة إال من كان نصرانيا » ‪ . .‬واهلل‬
‫سبحانه وتعاىل يفضح الؾناقض يف‬
‫آية ستأيت يف قوله تبارك وتعاىل ‪{ :‬‬
‫َوقَال َ ِت اليهود لَؼ ْ َس ِت النصارى عَل‬
‫َش ْيءٍ َوقَال َ ِت النصارى لَؼ ْ َس ِت اليهود‬
‫عَل َش ْيءٍ } ػ البقرة ‪] 113 :‬‬
‫ومعٌت ذلك أهنم تناقضوا يف أقوا‪٢‬تم‬
‫‪ ،‬فقالت النصارى ‪ :‬إهنم‬
‫سيدخلون ا‪ٞ‬تنة وحدهم ‪ ،‬وقالت‬
‫اليهود القول نفسه ‪ .‬ثم قالوا ‪ :‬لن‬
‫يدخل ا‪ٞ‬تنة إال من كان يهوديا أو‬
‫نصرانيا ‪ . .‬ثم قالت اليهود لؼست‬
‫النصارى عَل شيء وقالت النصارى‬
‫لؼست اليهود عَل شيء ‪.‬‬
‫ويقول الناس إذا كنت كذوبا فكن‬
‫ذكورا؛ ذلك أن الذي يكذب‬
‫تؾناقض أقواله ألنه ينىس مادام قد‬
‫قال غَت ا‪ٟ‬تقيقة ‪ ،‬ولذلك ٕتد أن‬
‫ا‪١‬تحقق أو القاضي يظل يسأل‬
‫ا‪١‬تتهم أسئلة ‪٥‬تتلفة ‪ . .‬حىت‬
‫تؾناقض أقواله فيعرف أنه يكذب‬
‫‪ . .‬فأنت إذا رويت الواقعة كما‬
‫حدثت فإنك ترويها مائة مرة دون‬
‫أي خبلف يف التفاصيل ‪ .‬ولكنك‬
‫إذا كذبت تؾناقض مع نفسك ‪. .‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪ { :‬تِل ْ َ‬
‫ك‬
‫أ َ َمانِي ُّ ُه ْم } ‪ . .‬ما هي األماين؟ ‪. .‬‬
‫هي أن تعلق نفسك بأمنية ولؼس‬
‫‪٢‬تذه األمنية سند من الواقع‬
‫يوصلك إىل ٖتقيق هذه األمنية ‪. .‬‬
‫ولكن إذا كان التمٍت قائما عَل‬
‫عمل يوصلك إىل ٖتقيق األمنية‬
‫فهذا شيء آخر ‪.‬‬
‫بعض الناس يقول التمٍت وإن لم‬
‫يتحقق فإنه يروح عن النفس ‪. .‬‬
‫فقد ترتاح النفس عندما تتعلق‬
‫بأمل كاذب وتعؼش أياما يف نوع من‬
‫السعادة وإن كانت سعادة و‪٫‬تية ‪. .‬‬
‫نقول إن الصدمة اليت ستلحق‬
‫باإلنسان بعد ذلك ستدمره ‪. .‬‬
‫ولذلك ال يكون يف الكذب أبدا‬
‫راحة ‪ . .‬فأحبلم اليقظة ال تتحقق‬
‫ألهنا ال تقوم عَل أرضية من الواقع‬
‫وهي ال تعطي اإلنسان إال نوعا من‬
‫بعد عن ا‪ٟ‬تقيقة ‪ . .‬ولذلك يقول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫ُم ٌَت إ ِْن تَ ُك ْن حقا ًتَ ُك ْن أ َ ْح َس َن ا‪١‬ت ٌَْت‬
‫‪َ ...‬وإِال ّفَ َق ْد ِع ْشنَا بِهَا زَ َمنا ً َرغ ْ َدا‬
‫يعٍت األماين لو كانت حقيقة أو‬
‫تسؾند إىل ا‪ٟ‬تقيقة فإهنا أحسن‬
‫األماين ألهنا تعؼش معك ‪ . .‬فإن لم‬
‫تكن حقيقة يقول الشاعر ‪:‬‬
‫فقد عشنا بها زمنا رغدا ‪ ...‬أماين‬
‫من ليَل حسان كأ‪٪‬تا‬
‫سقؾنا بها ليَل عَل ظمأ بردا ‪...‬‬

‫ك أ َ َمانِي ُّ ُه ْم }‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬تِل ْ َ‬
‫تبُت لنا أن األماين هي مطامع ا‪ٟ‬تمىق‬
‫ألهنا ال تتحقق ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫يقول ‪ُ { :‬ق ْل َها ُتوا ْ ُب ْر َهان َ ُك ْم } ‪.‬‬
‫‪ .‬وما هو الُبهان؟ ‪ . .‬الُبهان هو‬
‫الدليل ‪ . .‬وال تطلب الُبهان إال‬
‫من إنسان وقعت معه يف جدال‬
‫واختلفت وجهات النظر بؼنك‬
‫وبؼنه ‪ . .‬وال تطلب الُبهان إال إذا‬
‫كنت متأكدا ًأن ‪٤‬تدثك كاذب ‪. .‬‬
‫وأنه لن ‪٬‬تد الدليل عَل ما يدعيه ‪.‬‬
‫هب أن شخصا ادىع أن عليك ماال‬
‫له ‪ . .‬وطلب منك أن تعيده إليه‬
‫وأنت لم تأخذ منه ماال ‪ . .‬يف هذه‬
‫ا‪ٟ‬تالة تطلب منه تقديم الدليل ‪. .‬‬
‫( فالكمؽيالة ) اليت كتؽتها له أو‬
‫الشيك أو إيصال األمانة ‪. .‬‬
‫وأضعف اإليمان أن تطلب منه‬
‫شهودا عَل أنك أخذت منه ا‪١‬تال ‪. .‬‬
‫ولكن قبل أن تطالبه بالدليل ‪. .‬‬
‫‪٬‬تب أن تكون واثقا من نفسك‬
‫وأنه فعبل يكذب وأنك لم تأخذ‬
‫منه شؼئا ‪.‬‬
‫إذن فقوله ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪َ { :‬ها ُتوا ْ‬
‫ُب ْر َهان َ ُك ْم } ‪ . .‬كبلم من اهلل يؤكد‬
‫أهنم كاذبون ‪ . .‬وأهنم لو أرادوا أن‬
‫يأتوا بالدليل ‪ . .‬فلن ‪٬‬تدوا يف كتب‬
‫اهلل وال يف كبلم رسله ما يؤكد ما‬
‫يدعونه ‪ ،‬وإن أضافوه يكن هذا‬
‫افًتاء عَل اهلل ويكن هناك الدليل‬
‫الدامغ عَل أن هذا لؼس من كبلم‬
‫اهلل ولكنه من افًتاءاْتم ‪.‬‬
‫إذن فلؼس هناك برهان عَل ما‬
‫يقولونه ‪ . .‬ولو كان هناك برهان‬
‫ولو كان يف هذا الكبلم ولو جزءا من‬
‫ا‪ٟ‬تقيقة ‪ . .‬ما كان اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يطالبهم بالدليل ‪.‬‬
‫إذن ال تقول هاتوا برهانكم إال إذا‬
‫كنت واثقا أنه ال برهان عَل ما‬
‫يقولون؛ ألنك رددت األمر إليه‬
‫فيما يدعيه ‪ . .‬وهو ٭تب أن يثؽته‬
‫ويفعل كل شيء يف سؽيل ا‪ٟ‬تصول‬
‫عَل برهان ‪ . .‬وال ٯتكن أن يقول‬
‫اهلل ‪َ { :‬ها ُتوا ْ ُب ْر َهان َ ُك ْم } ‪ . .‬إال‬
‫وهو سبحانه يعلم أهنم يكذبون ‪. .‬‬
‫ُت‬ ‫ولذلك قال ‪ { :‬إِن ُكنْتم صا ِدقِ‬
‫ُ ْ َ َ‬
‫} ‪ . .‬أي إن كنتم واثقُت من أن ما‬
‫تقولونه صحيح؛ ألن اهلل يعرف‬
‫يقؼنا أنكم تكذبون ‪.‬‬
‫ّلل َو ُه َو ُ‪٤‬ت ْ ِس ٌن‬
‫بََلَ َم ْن أَسلَم و ْجهَ ُه ِ َ ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ َ َ‬
‫فَل َ ُه أ َ ْج ُر ُه ِعن ْ َد َربِّ ِه َو َال َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم‬
‫ون (‪)112‬‬ ‫َو َال ُه ْم َ٭ت ْ َزن ُ َ‬
‫بعد أن بُت لنا اهلل تبارك وتعاىل‬
‫كذب اليهود وطالبهم بالدليل عَل‬
‫ما قالوه من أنه لن يدخل ا‪ٞ‬تنة إال‬
‫اليهود والنصارى جاء ْتقيقة‬
‫القضية ليخُبنا جل جبلله من‬
‫الذي سيدخل ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬فقال ‪« :‬‬
‫بَل » ‪ . .‬وعندما تقرأ ‪ « :‬بَل »‬
‫اعلم أهنا حرف جواب والبد أن‬
‫يسبقها كبلم ونفي ‪ . .‬فساعة‬
‫يقول لك إنسان لؼس يل عليك دين‬
‫‪ . .‬إذا قلت له نعم فقد صدقت أنه‬
‫لؼس عليه دين ‪ . .‬ولكن إذا قلت‬
‫بَل فذلك يعٍت أن عليه دينا وأنه‬
‫كاذب فيما قاله ‪ . .‬إذن بَل تأيت‬
‫جوابا لؾثبيت نفي ما تقدم ‪.‬‬
‫هم قالوا { لَن ي َ ْد ُخ َل ا‪ٞ‬تنة إِال َّ َمن‬
‫ان ُهودا ًأ َ ْو نصارى } ‪ . .‬عندما‬ ‫كَ َ‬
‫يقول اهلل ‪٢‬تم بَل فمعٌت ذلك أن‬
‫هذا الكبلم غَت صحيح‪ . .‬وأنه‬
‫سيدخلها غَت هؤالء ‪ . .‬ولؼس معٌت‬
‫أنه سيدخلها غَت اليهود والنصارى‬
‫‪ . .‬أن كل يهودي وكل نصراين‬
‫سيدخل ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬ألن اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل قد حكم حؼنما جاء اإلسبلم‬
‫بأن الذي ال يسلم ال يدخل ا‪ٞ‬تنة ‪.‬‬
‫‪ .‬واقرأ قوله جل جبلله ‪َ { :‬و َمن‬
‫يَؽْت َ ِغ غ َ َْت َاإلسبلم ِدينا ًفَل َْن يُقْب َ َل ِمن ْ ُه‬
‫َو ُه َو ِيف اآلخرة ِم َن ا‪٠‬تاسرين } ػ آل‬
‫عمران ‪] 85 :‬‬
‫‪١‬تاذا لم يقل اهلل سبحانه وتعاىل ‪. .‬‬
‫أنه لن يدخلها اليهود وال النصارى‬
‫‪ . .‬ألن القرآن أزيل ‪ . .‬ما معٌت‬
‫أزيل؟ ‪ . .‬أي أنه يعاًف القضايا منذ‬
‫بداية ا‪٠‬تلق وحىت يوم القيامة ‪. .‬‬
‫فالقرآن كبلم اهلل تبارك وتعاىل‪. .‬‬
‫فلو أنه قال لن يدخل ا‪ٞ‬تنة إال من‬
‫آمن ٔتحمد صَل اهلل عليه وسلم‬
‫ٕتاوز ‪ . .‬ألن هناك من‬
‫لكان يف هذا ٌ‬
‫آمن ٔتوىس وقت رسالته وعاصره‬
‫واتبعه وحسن دينه ومات قبل أن‬
‫يدرك ‪٤‬تمدا عليه الصبلة‬
‫والسبلم ‪ . .‬فهل هذا ال يدخل‬
‫ا‪ٞ‬تنة و‪٬‬تازى ْتسن عمله ‪. .‬‬
‫وهناك من النصارى من آمن‬
‫بعؼىس وقت حياته ‪ . .‬وعاصره‬
‫ونفذ تعاليمه ومنهجه ثم مات‬
‫ث ‪٤‬تم ٌد عليه الصبلة‬
‫قبل أن يُبْعَ َ‬
‫والسبلم ‪ . .‬أهذا لن يدخل ا‪ٞ‬تنة؟‬
‫‪ . .‬ال ‪ . .‬يدخل وتكون مزنلته‬
‫حسب عمله و‪٬‬تازى بأحسن‬
‫ا‪ٞ‬تزاء ‪ . .‬ولكن بعد أن بعث ‪٤‬تمد‬
‫صَل اهلل عليه وسلم وجاء اإلسبلم‬
‫ونزل القرآن ‪ ،‬فكل من لم يؤمن‬
‫برسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم لن‬
‫يدخل ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬بل ولن يراها ‪. .‬‬
‫ولذلك جاء كبلم اهلل دقيقا لم‬
‫يظلم أحدا من خلقه ‪.‬‬
‫إذن فقوله تعاىل ‪ { :‬بَل َم ْن أ َ ْسل َ َم‬
‫ّلل َو ُه َو ُ‪٤‬ت ْ ِس ٌن } ‪ . .‬أي ال‬
‫و ْجهَ ُه َ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫يدخل ا‪ٞ‬تنة إال من أسلم وجهه هلل‬
‫وهو ‪٤‬تسن ‪ . .‬فقد يسلم واحد‬
‫وجهه هلل ويكون منافقا يظهر غَت‬
‫ما يبطن ‪ . .‬نقول إن ا‪١‬تنافقُت لم‬
‫يكونوا ‪٤‬تسنُت ولكنهم كانوا‬
‫مسيئُت ‪.‬‬

‫‪ .‬ألن ‪٢‬تم شخصيتُت شخصية‬


‫مؤمنة أمام الناس وشخصية كافرة‬
‫يف ا‪ٟ‬تقيقة أو يف قلوبهم ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪َ { :‬م ْن أَسلَم و ْجهَ ُه َ ِ‬
‫ّلل }‬‫ّ‬ ‫ْ َ َ‬
‫تدلنا عَل أن كل شيء أسلم هلل ألن‬
‫الوجه هو أشرف شيء يف اإلنسان ‪.‬‬
‫‪ .‬فيه التمؼيز وفيه السمة وفيه‬
‫التشخص وهو أعَل ما يف ا‪ٞ‬تسم ‪. .‬‬
‫وحؼنما عرفوا اإلنسان قالوا‬
‫حيوان ناطق أي حيوان مفكر ‪. .‬‬
‫وقال بعضهم حيوان مستوي‬
‫القامة يعٍت قامته مرفوعة ‪. .‬‬
‫والقامة ا‪١‬ترفوعة عَل بقية ا‪ٞ‬تسم‬
‫هي الوجه ‪ . .‬واإلنسان مرفوع عَل‬
‫بقية أجناس األرض ‪ . .‬إذن هو‬
‫مرفوع عَل بقية األجناس ووجهه‬
‫مرفوع عليه ‪ . .‬فإذا أسلم وجهه هلل‬
‫يكون قد أسلم أشرف شيء فيه هلل‬
‫‪ . .‬ولذلك قيل ‪ . .‬أقرب ما يكون‬
‫العبد لربه وهو ساجد ‪١ . .‬تاذا؟ ‪. .‬‬
‫ألنه جاء بالوجه الذي رفعه اهلل به‬
‫وكرمه ‪ . .‬وجعله مساويا لقدميه‬
‫لؼستوي أكمل شيء فيه بأدىن شيء‬
‫‪ . .‬فلم يبىق عنده شيء ٮتتال به عَل‬
‫اهلل ‪.‬‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪ { :‬فَل َ ُه‬
‫أ َ ْج ُر ُه ِعن َد َربِّ ِه } ‪ . .‬كلمة { أ َ ْج ُر ُه‬
‫ِعن َد َر ِبّ ِه } ‪ . .‬دلت عَل أن اهلل لم‬
‫‪٬‬تعلنا مقهورين ‪ . .‬ولكنه كلفنا‬
‫وجعلنا ‪٥‬تتارين أن نفعل أو ال نفعل‬
‫‪ . .‬فإن فعلنا فلنا أجر ‪ . .‬وألن‬
‫التكليف من اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫فا‪١‬تنطيق أن يكون األجر عند اهلل ‪.‬‬
‫‪ .‬وأال يوجد خوف أو حزن ‪ . .‬ألن‬
‫ا‪٠‬توف يكون من شيء سيقع ‪. .‬‬
‫وا‪ٟ‬تزن يأيت عَل شيء قد وقع ‪ . .‬وال‬
‫هذه وال تلك ٖتدث عندما يكون‬
‫أجرنا عند اهلل ‪.‬‬
‫إن اإلنسان حُت يكون له حق عند‬
‫مساويه ‪ . .‬فرٔتا ٮتاف أن ينكر‬
‫ا‪١‬تساوي هذا ا‪ٟ‬تق أو يطمع فيه ‪ ،‬أو‬
‫٭تتاج إليه فيدعي عدم أحقؼته فيه‬
‫‪ ،‬ولكن اهلل سبحانه وتعاىل غٍت عن‬
‫العا‪١‬تُت ‪ . .‬ولذلك فهو ال يطمع‬
‫فيما يف أيدينا من خَت ألنه من‬
‫عنده ‪ . .‬وال يطمع فيما معنا من‬
‫مال ألن عنده خزائن السموات‬
‫واألرض ‪.‬‬
‫اهلل سبحانه ال ينكر حقا من حقوقنا‬
‫ألنه يعطؼنا من فضله ويزيدنا ‪. .‬‬
‫ولذلك فإن ما عند اهلل ال خوف‬
‫يضاعف ويزداد ‪ . .‬وما‬
‫عليه بل هو َ‬
‫عند اهلل ال حزن عليه ‪ . .‬ألن‬
‫اإلنسان ٭تزن إذا فاته خَت ‪. .‬‬
‫ولكن ما عند اهلل باق ال يفوتك وال‬
‫تفوته ‪ . .‬فبل يوجد شيء عند اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ٖتزن عليه ألنه فات‬
‫‪ . .‬ولذلك كان قول ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل ‪َ { :‬وال َ َخ ْو ٌف عَلَي ْ ِه ْم َوال َ ُه ْم‬
‫ون } ‪ . .‬أدق ما ٯتكن أن يقال‬ ‫َ٭ت ْ َزن ُ َ‬
‫عن حالة ا‪١‬تؤمنُت يف اآلخرة ‪. .‬‬
‫أهنم يكونون فرحُت ٔتا عند اهلل ال‬
‫خوف عندهم وال حزن ‪.‬‬

‫ارى عََلَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َوقَالَت الْي َ ُه ُ‬
‫ود لَؼ ْ َست النَّ َص َ‬
‫ِ‬ ‫ش ٍ ِ‬
‫ارى لَؼ ْ َست الْي َ ُه ُ‬
‫ود‬ ‫َ ْيء َوقَالَت النَّ َص َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اب‬‫ون الْكت َ َ‬ ‫عََلَ َش ْيء َو ُه ْم يَتْل ُ َ‬
‫ون ِمث ْ َل‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫كَ َذل ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اّلل َ٭ت ْ ُك ُم بَؼْن َ ُه ْم ي َ ْو َم‬ ‫قَ ْو ِ ِ‪٢‬ت ْم فَ ّ َُ‬
‫ون‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫الْقِيام ِة فِيما كَانُوا فِي ِه َٮتْتَلِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫(‪)113‬‬

‫نقول إن أصدق ما قاله اليهود‬


‫والنصارى ‪ . .‬هو أن كل طائفة‬
‫منهم اْتمت األخرى بأهنا لؼست‬
‫عَل شيء ‪ . .‬فقال اليهود لؼست‬
‫النصارى عَل شيء وقالت النصارى‬
‫لؼست اليهود عَل شيء ‪. .‬‬
‫والعجيب إن الطائفتُت أهل كتاب‬
‫‪ . .‬اليهود أهل كتاب والنصارى‬
‫أهل كتاب ‪ . .‬ومع ذلك كل منهما‬
‫يتهم اآلخر بأنه ال إٯتان له وبذلك‬
‫تساوى مع ا‪١‬تشركُت ‪.‬‬
‫الذين يقولون إن أهل الكتاب‬
‫لؼسوا عَل شيء ‪ . .‬أي أن‬
‫ا‪١‬تشركُت يقولون اليهود لؼسوا عَل‬
‫شيء والنصارى لؼسوا عَل شيء ‪. .‬‬
‫واليهود يقولون ا‪١‬تشركون لؼسوا‬
‫عَل شيء والنصارى لؼسوا عَل شيء‬
‫‪ . .‬ثم يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪:‬‬
‫ال الذين ال َيَعْل َ ُم َ‬
‫ون‬ ‫{ َك َذل ِ َ‬
‫ك قَ َ‬
‫ِمث ْ َل قَ ْو ِ‪٢‬تِ ْم } ‪ . .‬وبذلك أصبح‬
‫لدينا ثبلث طوائف يواجهون‬
‫الدعوة اإلسبلمية ‪ . .‬طائفة ال‬
‫تؤمن ٔتنهج ‪ٝ‬تاوي وال برسالة‬
‫إ‪٢‬تية وهؤالء هم ا‪١‬تشركون ‪. .‬‬
‫وطائفتان ‪٢‬تم إٯتان ورسل وكتب‬
‫هم اليهود والنصارى ‪ . .‬ولذلك‬
‫قال ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬كَ َذل ِ َ‬
‫ك‬
‫ون ِمث ْ َل قَ ْو ِ ِ‪٢‬ت ْم }‬
‫ال الذين ال َيَعْ َ ُمل َ‬
‫قَ َ‬
‫‪ . .‬أي الذين ال يعلمون دينا وال‬
‫يعلمون إ‪٢‬تا وال يعلمون أي شيء‬
‫عن منهج السماء ‪ . .‬اٖتدوا يف‬
‫القول مع اليهود والنصارى وأصبح‬
‫قو‪٢‬تم واحدا ‪.‬‬
‫وكان ا‪١‬تفروض أن يتميز أهل‬
‫الكتاب الذين ‪٢‬تم صلة بالسماء‬
‫وكتب نزلت من اهلل ورسل‬
‫جاءْتم للهداية ‪ . .‬كان من‬
‫ا‪١‬تفروض أن يتميزوا عَل‬
‫ا‪١‬تشركُت ‪ . .‬ولكن تساوى الذين‬
‫يعلمون والذين ال يعلمون ‪. .‬‬
‫ك‬‫وهذا معٌت قوله تعاىل ‪ { :‬كَ َذل ِ َ‬
‫ون ِمث ْ َل قَ ْو ِ ِ‪٢‬ت ْم }‬
‫ال الذين ال َيَعْل َ ُم َ‬
‫قَ َ‬
‫‪ . .‬ومادامت الطوائف الثبلث قالوا‬
‫عَل بعضهم نفس القول ‪ . .‬يكون‬
‫حجم ا‪٠‬تبلف بؼنهم كبَتا ولؼس‬
‫صغَتا ‪ . .‬ألن كل واحد منهم‬
‫يتهم اآلخر أنه ال دين له ‪.‬‬
‫هذا ا‪٠‬تبلف الكبَت من الذي ٭تكم‬
‫فيه؟ ال ٭تكم فيه إال اهلل ‪ . .‬فهو‬
‫الذي يعلم كل شيء ‪ . .‬وهو‬
‫سبحانه القادر عَل أن يفصل بؼنهم‬
‫با‪ٟ‬تق ‪ . .‬ومىت يكون موعد هذا‬
‫الفصل أو ا‪ٟ‬تكم؟ أهو يف الدنيا؟ ال‬
‫‪ . .‬فالدنيا دار اخؾبار ولؼست دار‬
‫حساب وال ‪٤‬تاسبة وال فصل يف‬
‫قضايا اإلٯتان ‪ . .‬ولذلك فإن‬
‫ا‪ٟ‬تكم بؼنهم يتم يوم القيامة وعَل‬
‫مشهد من خلق اهلل ‪ٚ‬تيعا ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬
‫ِ‬
‫فاهلل َ٭ت ْ ُك ُم بَؼْن َ ُه ْم ي َ ْو َم القيامة ف َ‬
‫يما‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ون } ‪ . .‬ومعٌت‬ ‫كَانُوا ْفيه َٮتْتَل ُف َ‬
‫ا‪ٟ‬تكم هنا لؼس هو بيان ا‪١‬تخطئ‬
‫من ا‪١‬تصيب فالطوائف الثبلث‬
‫‪٥‬تطئة ‪ . .‬والطوائف الثبلث يف‬
‫إنكارها لئلسبلم قد خرجت عن‬
‫إطار اإلٯتان ‪ . .‬ويأيت ا‪ٟ‬تكم يوم‬
‫القيامة ليبُت ذلك ويواجه‬
‫ا‪١‬تخالفُت بالعذاب ‪.‬‬
‫و َم ْن أ َ ْظلَم ِ‪٦‬ت َّ ْن َمن َ َع مسا ِج َد َ ِ‬
‫اّلل أ َ ْن‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ا‪ٝ‬ت ُه َو َس ََع ِيف َخ َرابِهَا‬ ‫يها ْ ُ‬ ‫يُ ْذ َك َر فِ َ‬
‫وها إ َِّال‬ ‫ان َ‪٢‬ت ُ ْم أ َ ْن ي َ ْد ُخل ُ َ‬ ‫أُولَئِ َ‬
‫ك َما ك َ َ‬
‫ُت َ‪٢‬ت ُ ْم ِيف ال ُّدنْيَا ِخ ْز ٌي َو َ‪٢‬ت ُ ْم ِيف‬ ‫ِِ‬
‫َخائف َ‬
‫يم (‪)114‬‬ ‫ظ‬ ‫ْاآل ِخ َر ِة ع َ َذاب َع ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫فا‪ٟ‬تق جل جبلله بعد أن بُت لنا‬
‫موقف اليهود والنصارى‬
‫وا‪١‬تشركُت من بعضهم البعض‬
‫ومن اإلسالم ‪ ،‬وكيف أن هذه‬
‫الطوائف الثبلث تواجه اإلسبلم‬
‫بعداء ويواجه بعضها البعض‬
‫باْتامات ‪ . .‬فكل طائفة منها تتهم‬
‫األخرى أهنا عَل باطل ‪ . .‬أراد أن‬
‫٭تذرهم تبارك وتعاىل من ا‪ٟ‬ترب‬
‫ضد اإلسبلم و‪٤‬تاربة هذا الدين‬
‫فقال ‪َ { :‬و َم ْن أ َ ْظل َ ُم ِ‪٦‬ت َّ ْن َّمن َ َع‬
‫َم َسا ِج َد اهلل أَن يُ ْذكَ َر فِيهَا ا‪ٝ‬ته }‬
‫‪ . .‬مساجد اهلل هي األماكن اليت‬
‫يتم فيها السجود هلل ‪ . .‬والسجود‬
‫عبلمة ا‪٠‬تضوع وعبلمة العبودية‬
‫كما بؼنا ‪ . .‬ألنك تضع أشرف شيء‬
‫فيك وهو وجهك عَل األرض‬
‫خضوعا هلل وخشوعا له ‪.‬‬
‫قبل اإلسبلم كان ال ٯتكن أن يصلي‬
‫أتباع أي دين إال يف مكان خاص‬
‫بدينهم ‪ . .‬مكان ‪٥‬تصص ال ٕتوز‬
‫الصبلة إال فيه ‪ . .‬ثم جاء اهلل‬
‫باإلسبلم فجعل األرض كلها‬
‫مسجدا وجعلها طهورا ‪ . .‬ومعٌت‬
‫أن تكون األرض كلها مسجدا ًهو‬
‫توسيع عَل عباد اهلل يف مكان‬
‫التقائهم بربهم ويف أماكن‬
‫عبادْتم له حىت ٯتكن أن تلتقي‬
‫باهلل يف أي مكان ويف أي زمان ‪. .‬‬
‫ألنه ال ٭تدد لك مكانا معؼنا ال تصح‬
‫الصبلة إال فيه ‪ . .‬وأنت إذا أردت‬
‫أن تصلي ركعتُت هلل ٓتبلف‬
‫الفرض ‪ . .‬مثل صبلة الشكر أو‬
‫صبلة االستخارة أو صبلة ا‪٠‬توف ‪. .‬‬
‫أو أي صبلة من السنن اليت علمها‬
‫لنا رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ .‬فإنك تستطيع أن تؤديها يف أي‬
‫وقت ‪ . .‬فكأنك تلتقي باهلل سبحانه‬
‫أين ومىت ٖتب ‪.‬‬
‫ومادام اهلل تبارك وتعاىل أنعم عَل‬
‫رسوله صَل اهلل عليه وسلم وعَل‬
‫أمته بأن جعل ‪٢‬تم األرض مسجدا‬
‫طهورا فإ‪٪‬تا يريد أن يوسع دائرة‬
‫التقاء العباد بربهم‪ . .‬ورسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫« أُ ُ‬
‫عطيت ‪ٜ‬تسا لم يُعْ َط ُهن أحد‬
‫من األنؽياء قبلي ‪ .‬نُص ْر ُت بالرعب‬
‫وجعِل َ ْت ِيل َ ُ‬
‫األرض‬ ‫مسَتةَشهر ‪ُ ،‬‬
‫مسجدا وطهورا فأٯتا رجل من‬
‫أميت أدركته الصبلة فليصل‬
‫ِ‬
‫الغنائم ولم ٖتل ألحد‬‫ُ‬ ‫وأُحل َّ ْت ِيل َ‬
‫ِ‬
‫يت الشفاع َة وكان النبي‬ ‫قبلي وأُ ْعط ُ‬
‫ث إىل قومه خاصة َو ُبعِث ْ ُت إىل‬ ‫يُبْعَ ُ‬
‫الناس عامة »‬ ‫ِ‬
‫ولكن ‪١‬تاذا خص اهلل أمة ‪٤‬تمد بهذه‬
‫النعمة؟ ألن اإلسبلم جاء عَل موعد‬
‫مع ارتقاءات العقل وطموحات‬
‫الدنيا ‪ . .‬كلما ارتىق العقل يف علوم‬
‫الدنيا كشف قوانُت وتغلب عَل‬
‫عقبات ‪ . .‬وجاء ٔتؽتكرات‬
‫و‪٥‬تًتعات تفنت عقول الناس ‪. .‬‬
‫وٕتذبهم بعيدا عن الدين‬
‫فيعبدون األسباب بدال من خالق‬
‫األسباب ‪.‬‬
‫يريد ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل أن ‪٬‬تعل‬
‫عبادْتم له مؼسرة دائما حىت‬
‫يعصمهم من هذه الفؾنة ‪ . .‬وهو‬
‫جل جبلله يريدنا حُت نرى‬
‫التليفزيون مثبل ينقل األحداث‬
‫من أقىص األرض إىل أقصاها ومن‬
‫القمر إىل األرض يف نفس ‪ٟ‬تظة‬
‫حدوثها ‪.‬‬

‫‪ .‬أن نسجد هلل عَل نعمه اليت‬


‫كشف لنا عنها يف أي مكان نكون‬
‫فيه ‪ . .‬فخصائص الغبلف ا‪ٞ‬توي‬
‫موجودة يف الكون منذ خلق اهلل‬
‫السموات واألرض ‪ . .‬لم يضعها‬
‫أحد من خلق اهلل يف كون اهلل هذه‬
‫األيام ‪ . .‬ولكنها خلقت مع خلق‬
‫الكون ‪ . .‬وشاء اهلل أال ندرك‬
‫وجودها ونستخدمها إال هذه األيام‬
‫‪ . .‬فبلبد أن نسجد هلل شكرا عَل‬
‫نعمه اليت كشفت لنا أسرارا يف‬
‫الكون لم نكن نعرفها ‪ . .‬وهذه‬
‫األسرار تبُت لنا دقة ا‪٠‬تلق وتقربنا‬
‫إىل قضايا الغيب ‪.‬‬
‫فإذا قيل لنا أن يوم القيامة سيقف‬
‫خلق اهلل ‪ٚ‬تيعا وهم يشاهدون‬
‫ا‪ٟ‬تساب ‪ . .‬وإن كل واحد منهم‬
‫سَتى ا‪ٟ‬تساب ‪ٟ‬تظة حدوثه ‪ . .‬ال‬
‫نتعجب ونقول هذا مستحيل ‪. .‬‬
‫ألن أحداث العالم ا‪٢‬تامة نراها‬
‫اآلن كلها ‪ٟ‬تظة حدوثها و‪٨‬تن يف‬
‫منتىه الراحة ‪ . .‬و‪٨‬تن جالسون يف‬
‫منازلنا أمام التليفزيون ‪ . .‬أي أننا‬
‫نراها ‪ٚ‬تيعا يف وقت واحد دون‬
‫جهد ‪ . .‬فإذا كانت هذه هي قدرات‬
‫البشر للبشر ‪ . .‬فكيف بقدرات‬
‫خالق البشر للبشر؟ ‪.‬‬
‫عندما نرى أسرار قوانُت اهلل يف‬
‫كونه ‪ . .‬البد أن نسجد لعظمة‬
‫ا‪٠‬تالق سبحانه وتعاىل ‪ ،‬الذي وضع‬
‫كل هذا العلم واإلعجاز يف الكون ‪.‬‬
‫‪ .‬وهذا السجود يقتضي أن تكون‬
‫األرض كلها مساجد حىت ٯتكنك‬
‫وأنت يف مكانك أن تسجد هلل‬
‫شكرا ‪ . .‬وال تضطر للذهاب إىل‬
‫مكان آخر قد يكون بعيدا أو‬
‫الطريق إليه شاقا فُتسيك هذا‬
‫شكر اهلل والسجود له ‪ . .‬فاهلل‬
‫سبحانه وتعاىل شاء أن يوسع عَل‬
‫ا‪١‬تؤمنُت برسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم دائرة االلتقاء بربهم؛ ألن‬
‫هناك أشياء ستأيت الرسالة‬
‫ا‪١‬تحمدية يف موعد كشفها ‪٠‬تلق اهلل‬
‫‪ . .‬وكلما انكشف سر من أسرار‬
‫الوجود إغًت اإلنسان بنفسه ‪. .‬‬
‫ومادام الغرور قد دخل إىل النفس‬
‫البشرية ‪ . .‬فبلبد أن ‪٬‬تعل اهلل يف‬
‫الكون ما يعدل هذا الغرور ‪.‬‬
‫لقد كانت األمور عكس ذلك قبل‬
‫بعثة ‪٤‬تمد صَل اهلل عليه وسلم‪. .‬‬
‫كانت األمور فطرية فإذا امؾنعت‬
‫األمطار ونضبت العيون واآلبار ‪. .‬‬
‫لم يكن أمامهم إال أن يتوجهوا إىل‬
‫السماء بصبلة االسؾسقاء ‪. .‬‬
‫وكذلك يف كل أمر يصعب عليهم‬
‫مواجهته ‪ . .‬ولكن اآلن بعد أن‬
‫كشف اهلل ‪٠‬تلقه عن بعض أسراره‬
‫يف كونه ‪ . .‬أصبحت هناك أكثر‬
‫من وسيلة يواجه بها اإلنسان عددا‬
‫من أزمات الكون ‪ . .‬هذه الوسائل‬
‫قد جعلت البشر يعتقدون أهنم‬
‫قادرون عَل حل مشكبلْتم ‪. .‬‬
‫بعيدا عن اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫وّتهودهم ا‪٠‬تاصة ‪ . .‬فبدأ‬
‫االعتماد عَل ا‪٠‬تلق بدال من‬
‫اإلعتماد عَل ا‪ٟ‬تق ‪ . .‬ولذلك نزل‬
‫قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬اهلل‬
‫ور السماوات واألرض َمث َ ُل نُو ِر ِه‬ ‫نُ ُ‬
‫اح ا‪١‬تصباح ِيف‬ ‫َك ِم ْشكَا ٍة فِيهَا ِم ْصب َ ٌ‬
‫ب ُد ِّر ٌّي‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫اج ٍة الزجاجة كَأ َ َّ‬
‫هن‬ ‫ُز َج َ‬
‫ْ ٌ‬
‫يُوقَ ُد ِمن َش َج َر ٍة ُّمبار َك ٍة زَي ْ ُتون َ ٍة ال َّ‬
‫َ َ‬
‫َش ْرقِي َّ ٍة َوال َ َغ ْربِي َّ ٍة يَكَ ُاد زَي ْ ُتهَا يضياء‬
‫ور عَل نُو ٍر‬ ‫َول َ ْو ل َ ْم َ٘ت ْ َس ْس ُه ن َ ٌار ن ُّ ٌ‬
‫آء َوي َ ْض ِر ُب‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫يه ِدي اهلل ل ِ‬
‫ُ َ َ ُ‬ ‫َْ‬
‫اس واهلل بِ ُك ّ ِل َشيءٍ‬ ‫اهلل األمثال لِلنَّ ِ‬
‫ْ‬
‫وت أ َ ِذ َن اهلل أَن ُت ْرفَ َع‬
‫عَلَيِم * ِيف ُبي ٍ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫َويُ ْذ َك َر فِيهَا ا‪ٝ‬ته }‬

‫ػ النور ‪] 36-35 :‬‬


‫ما هي هذه الؽيوت اليت يرى فيها‬
‫الناس نور اهلل تبارك وتعاىل؟ هي‬
‫ا‪١‬تساجد ‪ . .‬فَ ُع َّم ُار ا‪١‬تساجد‬
‫وزوارها الدائمون عَل الصبلة فيها‬
‫هم الذين يرون نور اهلل ‪ . .‬فإذا أىت‬
‫قوم ‪٬‬تًتئون عليها وٯتنعون أن‬
‫يذكر اسم اهلل فيها ‪ . .‬فمعٌت ذلك‬
‫أن ا‪١‬تؤمنُت القائمُت عَل هذه‬
‫ا‪١‬تساجد ضعفاء اإلٯتان ضعفاء‬
‫الدين ٕترأ عليهم أعداؤهم ‪. .‬‬
‫ألهنم لو كانوا أقوياء ما كان ‪٬‬ترؤ‬
‫عدوهم عَل أن ٯتنع ذكر اسم اهلل يف‬
‫مساجد اهلل ‪ . .‬أو أن يسَع إىل‬
‫خرابها فتهدم وال تقام فيها صبلة‬
‫ا‪ٞ‬تمعة ‪ . .‬ولكن ساعة يوجد من‬
‫ٮترب بؼتا من بيوت اهلل ‪ . .‬يهب‬
‫الناس ‪١‬تنعه والضرب عَل يده‬
‫يكون اإلٯتان قويا ‪ . .‬فإن تركوه‬
‫فقد هان ا‪١‬تؤمنون عَل عدوهم ‪. .‬‬
‫‪١‬تاذا؟ ألن الكافر الذي يريد أن‬
‫يطفئ مكان إشعاع نور اهلل ‪٠‬تلقه ‪. .‬‬
‫يعؼش يف حركة الشر يف الوجود اليت‬
‫قتوى وتشتد كلما استطاع غَت‬
‫ا‪١‬تؤمنُت أن ٯتنعوا ذكر اسم اهلل يف‬
‫بؼته وأن ٮتربوه ‪.‬‬
‫وقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬
‫ان َ‪٢‬ت ُ ْم أَن ي َ ْد ُخل ُ َ‬
‫وهآ إِال َّ‬ ‫أولئك َما ك َ َ‬
‫ُت } ‪ . .‬أي أن هؤالء الكفار‬ ‫ِِ‬
‫َخآئف َ‬
‫ما كان يصح ‪٢‬تم أن يدخلوا‬
‫مساجد اهلل إال خائفُت أن يفتك‬
‫بهم ا‪١‬تؤمنون من أصحاب ا‪١‬تسجد‬
‫وا‪١‬تصلُت فيه ‪ . .‬فإذا كانوا قد‬
‫دخلوا غَت خائفُت ‪ . .‬فمعٌت ذلك‬
‫أن وازع اإلٯتان يف نفوس ا‪١‬تؤمنُت‬
‫قد ضعف ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪َ { :‬و َم ْن أ َ ْظل َ ُم } ‪. .‬‬
‫معناه أنه ال يوجد أحد أظلم من‬
‫ذلك الذي ٯتنع مساجد اهلل أن‬
‫يذكر فيها ا‪ٝ‬ته ‪ . .‬أي أن هذا هو‬
‫الظلم العظيم‪ . .‬ظلم القمة‪. .‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬وسَع ِيف َخ َرابِهَآ } ‪.‬‬
‫‪ .‬أي يف إزالتها أو بقائها غَت صا‪ٟ‬تة‬
‫ألداء العبادة ‪ . .‬والسعي يف خراب‬
‫ا‪١‬تسجد هو هدمه ‪.‬‬
‫وٮتتم ا‪ٟ‬تق سبحانه اآلية الكرٯتة‬
‫بقولة ‪٢َّ { :‬ت ُ ْم ِيف الدنيا ِخ ْز ٌي َو َ‪٢‬ت ُ ْم‬
‫ِ‬
‫يم } ‪ . .‬أي‬ ‫اب َعظ ٌ‬‫ِيف اآلخرة ع َ َذ ٌ‬
‫لن يًتكهم اهلل يف الدنيا وال يف‬
‫اآلخرة ‪ . .‬بل يصؼبهم يف الدنيا‬
‫خزي ‪ . .‬وا‪٠‬تزي هو الشيء القؽيح‬
‫الذي تكره أن يراك عليه الناس ‪.‬‬
‫‪ .‬قوله تعاىل ‪٢َّ { :‬ت ُ ْم ِيف الدنيا ِخ ْز ٌي‬
‫} ‪ . .‬هذا مظهر غَتة اهلل عَل بيوته‬
‫‪ . .‬وانظر إىل ما أذاقهم اهلل يف‬
‫الدنيا بالنسبة ليهود ا‪١‬تدينة الذين‬
‫كانوا يسعون يف خراب مساجد اهلل‬
‫‪ . .‬لقد أخذت أموا‪٢‬تم وطردوا من‬
‫ديارهم ‪ . .‬هذا حدث ‪ . .‬وهذا‬
‫معٌت قوله تعاىل ا‪٠‬تزي يف الدنيا‪. .‬‬
‫أما يف اآلخرة فإن أعداء اهلل‬
‫سيحاسبون حسابا عسَتا‬
‫لتطاو‪٢‬تم عَل مساجد اهلل سبحانه ‪،‬‬
‫ولكن يف الوقت نفسه فإن المؤمنُت‬
‫الذين سكتوا عَل هذا وٗتاذلوا عن‬
‫نصرة دين اهلل والدفاع عن بيوت‬
‫اهلل ‪ . .‬سيكون ‪٢‬تم أيضا عذاب‬
‫أليم ‪.‬‬
‫إنٍت أحذر كل مؤمن أن يتخاذل أو‬
‫يضعف أمام أولئك الذين ٭تاولون‬
‫أن ٯتنعوا ذكر اهلل يف مساجده ‪. .‬‬
‫ألنه يف هذه ا‪ٟ‬تالة يكون مرتكبا‬
‫لذنبهم نفسه ورٔتا أكثر ‪ . .‬وال‬
‫يًتكه اهلل يوم القيامة بل يسوقه‬
‫إىل النار ‪.‬‬

‫ّلل ا ْ‪١‬ت َ ْش ِر ُق َوا ْ‪١‬تَغ ْ ِر ُب فَأَيْن َ َما ُت َولُّوا‬


‫وَِ ِ‬
‫َّ‬
‫اّلل إ َِن َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اّللَ َواس ٌع عَل ٌ‬
‫يم‬ ‫فَث َ َّم َو ْج ُه َّ ّ ّ‬
‫(‪)115‬‬
‫بعد أن بُت اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫جزاء الذين ٮتربون مساجد اهلل‬
‫ويهدموهنا ‪ . .‬وٯتنعون أن يذكر‬
‫فيها ا‪ٝ‬ته والعذاب الذي‬
‫ينتظرهم يف اآلخرة أراد أن‬
‫يذكرنا بأن تنفيذ هذا عَل مستوى‬
‫تام وكامل عملية مستحيلة ألن‬
‫األرض كلها مساجد ‪ . .‬وٗتريبها‬
‫معناه أن ٗترب األرض كلها ‪ . .‬ألن‬
‫اهلل تبارك وتعاىل موجود يف كل‬
‫مكان فأينما كنتم فستجدون اهلل‬
‫مقببل عليكم بالتجليات ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فَث َ َّم َو ْج ُه اهلل } ‪. .‬‬
‫أي هناك وجه اهلل ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِ ِ‬
‫{ اهلل َواس ٌع عَل ٌ‬
‫يم } ‪ . .‬أي ال‬
‫تضيقوا ٔتكان التقاءاتكم بربكم؛‬
‫ألن اهلل واسع موجود يف كل مكان يف‬
‫هذا الكون ويف كل مكان خارج هذا‬
‫الكون ‪ . .‬ولكن إذا قال اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬و َ ِ‬
‫ّلل ا‪١‬تشرق‬ ‫َّ‬
‫وا‪١‬تغرب } ال يعٍت ٖتديد جهة‬
‫الشرق أو جهة الغرب فقط ‪. .‬‬
‫ولكنه يتعداها إىل كل ا‪ٞ‬تهات‬
‫شرقها وغربها ‪ . .‬مشا‪٢‬تا وجنوبها‬
‫والشمال الشريق وا‪ٞ‬تنوب الغرّب‬
‫وكل جهة تفكر فيها ‪.‬‬
‫ولكن ‪١‬تاذا ذكرت اآلية الشرق‬
‫والغرب فقط؟ ألن بعد ذلك كل‬
‫ا‪ٞ‬تهات ٖتدد بشروق الشمس‬
‫وغروبها ‪ . .‬فهناك مشال شريق‬
‫وجنوب شريق ومشال غرّب وجنوب‬
‫غرّب ‪ . .‬كما إن الشرق والغرب‬
‫معروف بالفطرة عند الناس ‪ . .‬فبل‬
‫أحد ‪٬‬تهل من أين تشرق الشمس‬
‫وال إىل أين تغرب ‪ .‬فأنت كل يوم‬
‫ترى شروقا وترى غروبا ‪.‬‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل حُت يقول ‪{ :‬‬
‫و َِ‬
‫ّلل ا‪١‬تشرق وا‪١‬تغرب } فلؼس‬ ‫َّ‬
‫معناها حصر ا‪١‬تلكية ‪٢‬تاتُت‬
‫ا‪ٞ‬تهتُت ولكنه ما يعرف‬
‫باالختصاص بالتقديم‪ . .‬كما‬
‫تقول بالقلم كؾبت وبالسيارة‬
‫أتيت ‪ . .‬أي أن الكتابة هي‬
‫خصوص القلم واإلتيان خصوص‬
‫السيارة ‪ . .‬وهذا ما يعرف‬
‫باالختصاص ‪ . .‬فهذا ‪٥‬تتص بكذا‬
‫ولؼس لغَته شيء فيه ‪ . .‬ولذلك‬
‫فإن معٌت ‪ { :‬و َ ِ‬
‫ّلل ا‪١‬تشرق وا‪١‬تغرب‬ ‫َّ‬
‫} ‪ . .‬أن ا‪١‬تلكية هلل سبحانه وتعاىل‬
‫ال يشاركه فيها أحد ‪ . .‬وتغيَت‬
‫القبلة من بيت ا‪١‬تقدس إىل الكعبة‬
‫لؼس معناه أن اهلل تبارك وتعاىل يف‬
‫بيت ا‪١‬تقدس واالٕتاه بعد ذلك إىل‬
‫الكعبة لؼس معناه أن اهلل جل‬
‫جبلله يف الكعبة ‪.‬‬
‫إن توحيد القبلة لؼس معناه أكثر‬
‫من أن يكون للمسلمُت إتاه‬
‫واحد يف الصبلة ‪ . .‬وذلك دليل عَل‬
‫وحدة ا‪٢‬تدف ‪ . .‬فيجب أن تفرق‬
‫بُت إتاه يف الصبلة وإتاه يف غَت‬
‫الصبلة ‪ . .‬إتاه يف الصبلة نكون‬
‫‪ٚ‬تيعا مٕتهُت إىل مكان ‪٤‬تدد‬
‫إختاره اهلل لنا لنتجه إليه يف الصبلة‬
‫‪ . .‬والناس تصلي يف ‪ٚ‬تيع أ‪٨‬تاء‬
‫العالم متجهة إىل الكعبة‪ . .‬الكعبة‬
‫مكاهنا واحد ال يتغَت ‪ . .‬ولكن‬
‫إتاهنا إليها من بقاع األرض هو‬
‫الذي يتغَت ‪ . .‬فواحد يتجه مشاال‬
‫وواحد يتجه جنوبا وواحد يتجه‬
‫شرقا وواحد يتجه غربا ‪ . .‬كل منا‬
‫يتجه إتاها ‪٥‬تتلفا حسب البقعة‬
‫اليت يوجد عليها من األرض ‪.‬‬

‫‪ .‬ولكننا ‪ٚ‬تيعا نتجه إىل الكعبة‬


‫رغم اختبلف وجهاتنا إال أننا‬
‫نلتقي يف إتاهنا إىل مكان واحد ‪.‬‬
‫اهلل جل جبلله يريدنا أن نعرف‬
‫أننا إذا قلنا ‪ « :‬و ِ‬
‫هلل ا‪١‬تش ُ‬
‫رق » فبل‬
‫نظن أن ا‪١‬تشرق إٕتاه واحد بل إن‬
‫ا‪١‬تشرق ٮتتلف باختبلف ا‪١‬تكان‪. .‬‬
‫فكل مكان يف األرض له مشرق وله‬
‫مغرب ‪ . .‬فإذا أشرقت الشمس يف‬
‫مكان فإهنا يف نفس الوقت تغرب يف‬
‫مكان آخر ‪ . .‬تشرق عندي وتغرب‬
‫عند غَتي ‪ . .‬وبعد دقيقة تشرق‬
‫عند قوم وتغرب عند آخرين ‪. .‬‬
‫فإذا نظرت إىل الشرق وإىل الغرب‬
‫بالنسبلشروق الشمس‬
‫ة‬
‫الظاهري وغروبها‪ٕ . .‬تد أن‬
‫ا‪١‬تشرق وا‪١‬تغرب ال ينتهيان من عَل‬
‫سطح األرض ‪ . .‬يف كل دقيقة‬
‫شروق وغروب ‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬إ َِّن اهلل َواس ٌع عَل ٌ‬
‫يم‬
‫} ‪ . .‬أي يؾسع لكل ملكه ال يشغله‬
‫شيء عن شيء ‪ . .‬ولذلك عندما‬
‫سئل اإلمام علي كرم اهلل وجهه ‪. .‬‬
‫كيف ٭تاسب اهلل الناس ‪ٚ‬تيعا يف‬
‫وقت واحد؟ قال كما يرزقهم‬
‫‪ٚ‬تيعا يف وقت واحد ‪. .‬‬
‫إذن فاهلل ال يشغله شيء عن شيء ‪. .‬‬
‫وال ٭تتاج يف عمله إىل شيء ‪ . .‬إ‪٪‬تا‬
‫عمله « كن فيكون » ‪.‬‬

‫َوقَالُوا َّاٗت َ َذ ّ َُ‬


‫اّلل َول َ ًدا ُسب ْ َحان َ ُه ب َ ْل ل َ ُه‬
‫ات َو ْاأل َ ْر ِض كُ ٌّل ُه َل‬ ‫السماو ِ‬
‫َما ِيف َّ َ َ‬
‫ِ‬
‫ون (‪)116‬‬ ‫قَان ُت َ‬
‫بعد أن بُت اهلل سبحانه وتعاىل أن له‬
‫كل شيء يف الكون ال يشغله شيء‬
‫عن شيء ‪ . .‬أراد أن يرد عَل الذين‬
‫حاولوا أن ‪٬‬تعلوا هلل معؼنا يف ملكه ‪.‬‬
‫‪ .‬الذين قالوا اٗتذ اهلل ولدا ً‪ . .‬اهلل‬
‫تبارك وتعاىل رد عليهم أنه ‪١‬تاذا‬
‫يتخذ ولدا وله ما يف السموات‬
‫واألرض كل له قانتون ‪ . .‬وجاء‬
‫الرد مركزا يف ثبلث نقاط ‪ . .‬قوله‬
‫تعاىل ‪ « :‬سبحانه » أي تزنه وتعاىل‬
‫أن يكون له ولد ‪ . .‬وقوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫ل َّ ُه َما ِيف السماوات واألرض} ‪. .‬‬
‫فإذا كان هذا ملكه وإذا كان الكون‬
‫كله من خلقه وخاضعا له فما‬
‫حاجته للولد؟‬
‫ون }‬ ‫ت‬ ‫وقوله سبحانه ‪ { :‬كُ ٌّل لَّه قَانِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ . .‬أي كل من يف السموات‬
‫واألرض عابدون هلل جل جبلله‬
‫مقرون بألوهؼته ‪.‬‬
‫قضية إن هلل سبحانه وتعاىل ولدا ً‬
‫جاءت يف القرآن الكريم تسع‬
‫عشرة مرة ومعها الرد عليها ‪. .‬‬
‫وألهنا قضية يف قمة العقيدة فقد‬
‫تكررت وتكرر الرد عليها مرة بعد‬
‫أخرى ‪ . .‬وإذا نظرت للذين قالوا‬
‫ذلك ٕتد أن هناك أقواال متعددة ‪. .‬‬
‫هناك قول قاله ا‪١‬تشركون ‪. .‬‬
‫واقرأ القرآن الكريم ‪ { :‬أَال َإ َِّهنُم‬
‫ِ ِ‬
‫ّم ْن إِفْك ِه ْم لَي َ ُقول ُ َ‬
‫ون * َول َ َد اهلل‬
‫ون * أ َ ْص َط َىف الؽنات عَل‬ ‫َوإ َِّهن ُ ْم لكَا ِذ ُب َ‬
‫البنُت } ػ الصافات ‪-151 :‬‬
‫‪] 153‬‬
‫وقول اليهود كما يروي لنا القرآن ‪:‬‬
‫{ َوقَال َ ِت اليهود ُع َزي ْ ٌر ابن اهلل } ػ‬
‫التوبة ‪] 30 :‬‬
‫وقول النصارى ‪َ { :‬وقَال َ ْت‬
‫النصارى ا‪١‬تسيح ابن اهلل} ػ‬
‫التوبة ‪] 30 :‬‬
‫ثم يف قصة خلق عؼىس عليه السبلم‬
‫من مريم بدون رجل ‪ . .‬اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬وقَالُوا ْ‬
‫اٗتذ الر‪ٛ‬تن َولَدا ً * ل َّ َق ْد ِجػ ْ ُت ْم َشؼْئا ً‬
‫إ ِّدا ً* تَكَ ُاد السماوات يَت َ َف َّط ْر َن ِمن ْ ُه‬
‫َوتَن َش ُّق األرض َو َ ِٗت ُّر ا‪ٞ‬تبال َه ّدا ً*‬
‫أَن دَ َع ْوا للر‪ٛ‬تن َولَدا ً* َو َما يَنبَغِي‬
‫للر‪ٛ‬تن أَن يَتَّ ِخ َذ َولَدا ً* إِن كُ ُّل َمن‬
‫ِيف السماوات واألرض إِال َّ ِآيت‬
‫الر‪ٛ‬تن َعبْدا ً} ػ مريم ‪-88 :‬‬
‫‪] 93‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل يريدنا أن‬
‫نعرف أن هذا إدعاء خطَت مستقبح‬
‫مسؾنكر و‪٦‬تقوت ‪ . .‬لقد عا‪ٞ‬تت‬
‫سورة مريم ا‪١‬تسألة عبلجا واسعا ‪.‬‬
‫‪ .‬عبلجا اشًتك فيه انفعال كل‬
‫أجناس الكون غَت اإلنسان ‪. .‬‬
‫انفعال السموات واألرض وا‪ٞ‬تبال‬
‫وغَتها من خلق اهلل اليت تلعن كل‬
‫من قال ذلك ‪ . .‬بل وتكاد شعورا‬
‫منها بفداحة ا‪ٞ‬ترٯتة أن تنفطر‬
‫السماء أي تسقط قطعا صغَتة ‪. .‬‬
‫وتنشق األرض أي تتمزق ‪ . .‬وٗتر‬
‫ا‪ٞ‬تبال أي تسقط كًتاب ‪ . .‬كل‬
‫هذا من هول ما قيل ومن كذب ما‬
‫قيل ‪ . .‬ألن هذا االدعاء افًتاء عَل‬
‫اهلل ‪ .‬ولقد جاءت كل هذه اآليات‬
‫يف سورة مريم اليت أعطؾنا معجزة‬
‫خلق عؼىس ‪ . .‬كما وردت القضية‬
‫يف عدة سور أخرى ‪.‬‬
‫والسؤال هنا ما هي الشبهة اليت‬
‫جعلتهم يقولون ولد اهلل؟ ما الذي‬
‫جعلهم يلجأون إىل هذا االفًتاء؟‬
‫القرآن يقول عن عؼىس بن مريم ‪.‬‬

‫‪ .‬كلمة اهلل ألقاها إىل مريم ‪. .‬‬


‫نقول ‪٢‬تم كلنا كلمة « كن » ‪.‬‬
‫‪١‬تاذا فنتتم يف عؼىس ابن مريم هذه‬
‫الفؾنة؟ واهلل سبحانه وتعاىل يشرح‬
‫ا‪١‬تسألة فيقول ‪ { :‬إ َِّن َمث َ َل عؼىس‬
‫ِعن َد اهلل َك َمث َ ِل ءَادَ َم َخل َ َق ُه ِمن‬
‫ال ل َ ُه ُكن فَي َ ُك ُ‬
‫ون } ػ‬ ‫ُت َر ٍ‬
‫اب ُث َّم قَ َ‬
‫آل عمران ‪] 59 :‬‬
‫قوله كمثل آدم ‪١‬تجرد ‪٣‬تاراة‬
‫ا‪٠‬تصم ‪ . .‬ولكن ا‪١‬تعجزة يف آدم‬
‫أقوى منها يف عؼىس عليه السبلم‪. .‬‬
‫أنتم فتنتم يف عؼىس ألن عنصر‬
‫األبوة ‪٦‬تؾنع ‪ . .‬وآدم امؾنع فيه‬
‫عنصر األبوة واألمومة ‪ . .‬إذن‬
‫فا‪١‬تعجزة أقوى ‪ . .‬وكان األوىل أن‬
‫تفؾنوا بآدم بدل أن تفؾنوا بعؼىس ‪.‬‬
‫‪ .‬ومن العجيب أنكم لم تذكروا‬
‫الفؾنة يف آدم وذكرتم الفؾنة فيما‬
‫فيه عنصر غائب من عنصرين‬
‫غائبُت يف آدم ‪ . .‬وكان من الواجب‬
‫أن تنسبوا هذه القضية إىل آدم‬
‫ولكنكم لم تفعلوا ‪.‬‬
‫ورسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم ‪. .‬‬
‫قال له اهلل إن القضية لؼست قضية‬
‫إنكار ولكنها قضية كاذبة ‪ . .‬واقرأ‬
‫قوله تبارك وتعاىل ‪ُ { :‬ق ْل إِن ك َ َ‬
‫ان‬
‫للر‪ٛ‬تن َول َ ٌد فَأَنَا ْأ َ َّو ُل العابدين } ػ‬
‫الزخرف ‪] 81 :‬‬
‫أي لن يضَت اهلل سبحانه وتعاىل أن‬
‫يكون له ولد ‪ . .‬ولكنه جل جبلله‬
‫لم يتخذ ولدا ‪ . .‬فبل ٯتكن أن يعبد‬
‫الناس شؼئا لم يكن هلل ‪ . .‬وإ‪٪‬تا‬
‫ابتدعوه واختلقوه ‪. .‬‬
‫اهلل جل جبلله يقول ‪َ { :‬وقَالُوا ْ‬
‫اٗتذ اهلل َولَدا ً ُسب ْ َحان َ ُه بَل ُه َّل َما ِيف‬
‫السماوات واألرض } ‪ . .‬قوله‬
‫تعاىل ‪ { :‬بَل ل َّ ُه َما ِيف السماوات‬
‫واألرض } تعطي اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ا‪١‬تلكية لكل ما يف الكون ‪. .‬‬
‫وا‪١‬تلكية تنايف الولدية ‪١ . .‬تاذا؟ ألن‬
‫ا‪١‬تلكية معناها أن كل ما يف الكون‬
‫من خلق اهلل ‪ . .‬كل شيء هو خالقه‬
‫بدون معارض ‪ . .‬ومادام هو خالقه‬
‫وموجده ‪ . .‬فبل ٯتكن أن يكون‬
‫هذا الشيء جزءا منه ‪ . .‬ألن الذي‬
‫ٮتلق شؼئا يكون فاعبل ‪ . .‬والفاعل‬
‫له مفعول ‪ . .‬وا‪١‬تفعول ال يكون منه‬
‫أبدا ‪ . .‬هل رأيت واحدا صنع‬
‫صنعة منه؟ الذي يصنع سيارة مثبل ‪.‬‬
‫‪ .‬هل صنعها من ‪ٟ‬تمه أو من ‪ٟ‬تم‬
‫البشر؟ وكذلك الطائرة والكرسي‬
‫والساعة والتليفزيون‪ . .‬هل هذه‬
‫ا‪١‬تصنوعات من جنس الذي‬
‫صنعها؟ طبعا ال ‪.‬‬
‫إذن مادام ملكية ‪ . .‬فبل يقال إهنا‬
‫من نفس جنس صانعها ‪ . .‬وال‬
‫يقال إن الفاعل أوجد من جنسه ‪.‬‬
‫‪ .‬ألن الفاعل ال يوجد من جنسه‬
‫أبدا ‪ . .‬كل فاعل يوجد شؼئا أقل‬
‫منه ‪ . .‬فقول اهلل ‪ « :‬سبحانه » ‪. .‬‬
‫أي تزنيه له تبارك وتعاىل‪١ . .‬تاذا؟‬
‫ألن الولد يتخذ السؾبقاء حياة‬
‫والده اليت ال يضمنها له واقع الكون‬
‫‪ . .‬فهو ٭تمل ا‪ٝ‬ته بعد أن ٯتوت‬
‫ويرث أمبلكه ‪ . .‬إذن هو من أجل‬
‫بقاء نوعه ‪ . .‬والذي يريد بقاء‬
‫النوع ال يكفيه أن يكون له ولد‬
‫واحد ‪.‬‬
‫لو فرضنا جدال إن له ولدا ً واحدا ً‬
‫فا‪١‬تفروض أن هذا الولد يكون له ‪.‬‬
‫‪ .‬ولكننا لم نر أوالدا ‪١‬تن زعموا أنه‬
‫ابن اهلل ‪ . .‬وعندما وقبلما يوجد‬
‫الولد ماذا كان اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫يفعل وهو بدون ولد؟ وماذا استجد‬
‫عَل اهلل وعَل كونه بعد أن اٗتذ ولدا‬
‫كما يزعمون ‪ . .‬لم يتغَت شيء يف‬
‫الوجود ‪ . .‬إذن إن وجود ولد‬
‫بالنسبة لئلله لم يعطه مظهرا من‬
‫مظاهر القوة ‪ . .‬ألن الكون قبل أن‬
‫يوجد الولد ا‪١‬تزعوم وبعده لم‬
‫يتغَت فيه شيء ‪.‬‬
‫إذن فما سبب اٗتاذ الولد؟ معونة؟‬
‫اهلل ال تضعف قوته ‪ . .‬ضمان‬
‫للحياة؟ اهلل حياته أزليه ‪ . .‬هو‬
‫الذي خلق ا‪ٟ‬تياة وهو الذي يهبها‬
‫وهو حي ال ٯتوت ‪ . .‬فما هي‬
‫حاجته ألي ضمان للحياة؟ ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل تنفعل له األشياء‪. .‬‬
‫أي أنه قادر عَل إبراز الشيء‬
‫ٔتقتىض حكمه ‪ . .‬وهو جل جبلله‬
‫له كمال الصفات أزال ‪ . .‬وبكمال‬
‫صفاته خلق هذا الكون وأوجده ‪. .‬‬
‫لذلك فهو لؼس يف حاجة إىل أحد‬
‫من خلقه ‪ . .‬ألنه ساعة خلق كانت‬
‫له كل صفات القدرة عَل ا‪٠‬تلق ‪. .‬‬
‫بل قبل أن ٮتلق كانت له كل‬
‫صفات ا‪٠‬تالق وبهذه الصفات خلق‬
‫‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل كان خالقا‬
‫قبل أن ٮتلق أحدا من خلقه ‪. .‬‬
‫وكان رزاقا قبل أن يوجد من‬
‫يرزقه ‪ . .‬وكان قهارا قبل أن يوجد‬
‫من يقهره ‪ . .‬وكان توابا قبل أن‬
‫يوجد من يتوب عليه ‪ . .‬وبهذه‬
‫الصفات أوجد وخلق ورزق وقهر‬
‫وتاب عَل خلقه ‪.‬‬
‫إذن كل هذا الكون لم يضف صفة‬
‫من صفات الكمال إىل اهلل ‪ . .‬بل‬
‫إن اهلل بكمال صفاته هو الذي‬
‫أوجد ‪ .‬ولذلك يقول اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يف حديث قدسي ‪ « :‬يا‬
‫عبادي ل َ ْو أ َ َّن أول َ ُكم َوآ ِخ َر ُكم‬
‫َوإِن ْ َس ُك ْم َو ِجنَّ ُك ْم قَا ُموا يف صعي ٍد‬
‫واح ٍد ‪ ،‬فسألوين ‪ ،‬فَأ َ ْع َطي ْ ُت كُ َّل‬
‫إنسان َم ْسألته ما نقص ذلك ِم ْن‬
‫ملكي شؼئا إال كما يَن ْ ُقص ِ‬
‫ا‪١‬تخ ُيط‬ ‫ُ‬
‫إذا ُغمس يف البحر ‪» . .‬‬
‫ثم إذا كان هلل سبحانه وتعاىل زوجة‬
‫وولد ‪ . .‬فمن الذي وجد أوال؟ ‪. .‬‬
‫إذا كان اهلل سبحانه وتعاىل قد وجد‬
‫أوال ‪ . .‬ثم بعد ذلك أوجد الزوجة‬
‫والولد فهو خالق و‪٫‬تا ‪٥‬تلوقان ‪. .‬‬
‫وإن كان كل منهم قد أوجد نفسه‬
‫فهم ثبلثة آ‪٢‬تة ولؼسوا إ‪٢‬تا واحدا ‪.‬‬
‫‪ .‬إذن فالولد إما أن يكون ‪٥‬تلوقا أو‬
‫يكون إ‪٢‬تا ‪ . .‬والكمال األول هلل‬
‫لم يزده الولد شؼئا ‪ . .‬ومن هنا‬
‫يصبح وجوده ال قيمة له ‪ . .‬وحُت‬
‫يعرض ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل هذه‬
‫القضية يعرضها عرضا واسعا يف‬
‫كثَت من سور القرآن الكريم‬
‫وأو‪٢‬تا سورة مريم يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫َوقَالُوا ْاٗتذ الر‪ٛ‬تن َولَدا ً} ػ مريم‬
‫‪] 88 :‬‬
‫إنه سبحانه مزنه عن التماثل مع‬
‫خلقه ‪ . .‬ال بالذات وال بالصفات‬
‫وال باألفعال ‪ . .‬كل شيء تراه يف‬
‫الوجود ‪ . .‬اهلل مزنه عنه ‪ . .‬وكل‬
‫شيء ٮتطر عَل بالك فاهلل غَت ذلك ‪.‬‬
‫‪ .‬قوله تعاىل ‪ { :‬ل َّ ُه َما ِيف السماوات‬
‫واألرض } ‪ . .‬فتلك قضية تناقض‬
‫اٗتاذ الولد ألن كل ما يف السموات‬
‫واألرض خاضع هلل ‪. .‬‬
‫ِ‬
‫قوله تعاىل؛ { كُ ٌّل ل َّ ُه قَان ُت َ‬
‫ون } ‪. .‬‬
‫أي خاضعون ‪ ،‬وهذا يؤكد لنا أن‬
‫كون اهلل يف قبضة اهلل خاضع‬
‫مستجيب اخؾيارا أو قهرا ألمر اهلل‬
‫‪.‬‬

‫ات َو ْاأل َ ْر ِض َوإِذَا‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬


‫بَدي ُع َّ َ َ‬
‫َ‬
‫ق ََىض أ ْم ًرا فَإ َِّ‪٪‬تَا ي َ ُق ُ‬
‫ول ل َ ُه ُك ْن فَي َ ُك ُ‬
‫ون‬
‫(‪)117‬‬
‫بعد أن بُت اهلل تبارك وتعاىل‪ . .‬أن‬
‫قو‪٢‬تم اٗتذ اهلل ولدا هو افًتاء عَل‬
‫اهلل ‪ . .‬أراد ا‪ٟ‬تق أن يلفؾنا إىل بعض‬
‫من قدراته ‪ . .‬فقال جل جبلله ‪{ :‬‬
‫ب َ ِدي ُع السماوات واألرض } ‪. .‬‬
‫أي خلق السموات واألرض وكل‬
‫ما فيها من خلق عَل غَت مثال سابق ‪.‬‬
‫‪ .‬أي لم يكن هناك ‪ٝ‬تاء أو أرض‬
‫أو مبلئكة أو جن أو إنسان ‪ . .‬ثم‬
‫جاء اهلل سبحانه وتعاىل وأوجد‬
‫متشابها ‪٢‬تم يف شكل أو حجم أو‬
‫قدرة ‪ . .‬أي أنه سبحانه لم يلجأ‬
‫إىل ما نسميه ‪٨‬تن بالقالب ‪.‬‬
‫إن الذي يصنع كوب ا‪١‬تاء يصنع أوال‬
‫قالبا يصب فيه خام الزجاج‬
‫ا‪١‬تنصهر ‪ . .‬فتخرج يف النهاية‬
‫أكواب متشابهة ‪ . .‬وكل صناعة‬
‫لغَت اهلل تتم عَل أساس صنع القالب‬
‫أوال ثم بعد ذلك يبدأ اإلنتاج ‪. .‬‬
‫ولذلك فإن التكلفة ا‪ٟ‬تقيقية هي يف‬
‫إعداد القالب ا‪ٞ‬تيد الذي يعطؼنا‬
‫صورة ‪١‬تا نريد ‪ . .‬والذي ٮتبز‬
‫رغيفا مثبل قد ال يستخدم قالبا‬
‫ولكنه يقلد شؼئا سبق ‪ . .‬فشكل‬
‫الرغيف وخامته سبق أن تم وه و‬
‫يقوم بتقليد‪٫‬تا يف كل مرة ‪. .‬‬
‫ولكنه ال يستطيع أن يعطي التماثل‬
‫يف ا‪١‬تيزان أو الشكل أو االستدارة ‪.‬‬
‫‪ .‬بل هناك اختبلف يف التقليد وال‬
‫يوجد كمال يف الصناعة ‪.‬‬
‫وحُت خلق اهلل جل جبلله ا‪٠‬تلق من‬
‫آدم إىل أن تقوم الساعة ‪ . .‬جعل‬
‫ا‪٠‬تلق متشابهُت يف كل شيء‪ . .‬يف‬
‫تكوين اًفسم ويف شكله يف الرأس‬
‫والقدمُت واليدين والعينُت ‪. .‬‬
‫وغَت ذلك من أعضاء ا‪ٞ‬تسم ‪. .‬‬
‫٘تاثبل دقيقا يف الشكل ويف الوظائف‬
‫‪ْ . .‬تيث يؤدي كل عضو مهمته يف‬
‫ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬ولكن هذا التماثل لم‬
‫يتم عَل قالب وإ‪٪‬تا تم بكلمة كن ‪.‬‬
‫‪ .‬ورغم التشابه يف ا‪٠‬تلق فكل منا‬
‫‪٥‬تتلف عن اآلخر اختبلفا ‪٬‬تعلك‬
‫قادرا عَل ٘تؼيزه بالعلم والعُت‪. .‬‬
‫فبالعلم كل منا له بصمة أصبع‬
‫وبصمة صوت ٯتكن أن ٯتيزها‬
‫خُباء الؾسجيل ‪ . .‬وبصمة‬
‫رائحة قد ال ‪٪‬تيزها ‪٨‬تن ولكن‬
‫٘تيزها الكبلب ا‪١‬تدربة ‪ . .‬فتشم‬
‫الشيء ثم تسرع فتدلنا عَل صاحبه‬
‫ولو كان بُت ألف من البشر‪. .‬‬
‫وبصمة شفرة تجعل ا‪ٞ‬تسد يعرف‬
‫بعضه بعضا‪ . .‬فإن جئت ٓتلية من‬
‫جسد آخر لفظها ‪ .‬وإن جئت ٓتلية‬
‫من ا‪ٞ‬تسد نفسه اٖتد معها وعاًف‬
‫جراحها ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا بعض ما وصل إليه‬
‫العلم ‪ . .‬فإن هناك الكثَت ‪٦‬تا قد‬
‫نصل إليه ليؤكد لنا أنه رغم‬
‫تشابه ببليُت األشخاص‪ . .‬فإن‬
‫لكل واحد ما ٯتيزه وحده وال‬
‫يتكرر مع خلق اهلل كلهم ‪ . .‬وهذا‬
‫هو اإلعجاز يف ا‪٠‬تلق ودليل عَل‬
‫طبلقة قدرة اهلل يف كونه ‪.‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل يعطؼنا ا‪١‬تعٌت‬
‫العام يف القرآن الكريم بأن هذا‬
‫من آياته وأنه لم ٭تدث مصادفة‬
‫ولم يأت بطريق غَت ‪٥‬تطط بل هو‬
‫معد بقدرة اهلل سبحانه ‪.‬‬

‫‪ .‬فيقول جل جبلله ‪َ { :‬و ِم ْن آيَاتِ ِه‬


‫َخل ْ ُق السماوات واألرض‬
‫واختبلف أَل ْ ِسنَتِ ُك ْم َوأَل ْ َوانِ ُك ْم إ َِّن‬
‫ُت } ػ الروم ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫‪١‬ت‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫ات ل ِ‬
‫ِيف ذلك آلي َ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪] 22‬‬
‫هذا االختبلف ٯتثل لنا طبلقة‬
‫قدرة اهلل سبحانه يف ا‪٠‬تلق عَل غَت‬
‫مثال ‪ . .‬فكل ‪٥‬تلوق ٮتتلف عمن‬
‫قبله وعمن بعده وعمن حوله ‪. .‬‬
‫مع أهنم يف الشكل العام متماثلون ‪.‬‬
‫‪ .‬ولو أنك ‪ٚ‬تعت الناس كلهم منذ‬
‫عهد آدم إىل يوم القيامة ٕتدهم يف‬
‫صورة واحدة ‪ . .‬وكل واحد منهم‬
‫‪٥‬تتلف عن اآلخر‪ . .‬فبل يوجد‬
‫بشران من خلق اهلل كل منهما‬
‫طبق األصل من اآلخر ‪ . .‬هذه دقة‬
‫الصنع وهذا ما نفهمه من قوله تعاىل‬
‫‪ « :‬بديع » ‪ . .‬والدقة تعطي‬
‫ا‪ٟ‬تكمة ‪ . .‬واإلبراز يف صور‬
‫متعددة يعطي القدرة ‪ . .‬ولذلك‬
‫بعد أن ‪٪‬توت وتؾبعثر عناصرنا يف‬
‫الًتاب ‪٬‬تمعنا اهلل يوم القيامة ‪. .‬‬
‫واإلعجاز يف هذا ا‪ٞ‬تمع هو أن كل‬
‫إنسان سؼبعث من عناصره نفسها‬
‫وصورته نفسها وهيػته نفسها اليت‬
‫كان عليها يف الدنيا ‪ .‬ولذلك قال‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ { :‬قَ ْد عَلِ ْمنَا َما‬
‫اب‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫تنق‬
‫ص األرض من ْ ُه ْم َوعن َدنَا كت َ ٌ‬‫َ ُ ُ‬
‫َح ِف ٌيظ } ػ ق ‪] 4 :‬‬
‫إذن اهلل سبحانه وتعاىل بطبلقة‬
‫قدرته يف اإل‪٬‬تاد قد خلقنا ‪. .‬‬
‫وبطبلقة قدرته يف إعادة ا‪٠‬تلق‬
‫٭تيؼنا بعد ا‪١‬توت ‪ . .‬بشكلنا و‪ٟ‬تمنا‬
‫وصفاتنا وكل ذرة فؼنا ‪ . .‬هل هناك‬
‫دقة بعد ذلك؟ ‪.‬‬
‫لو أننا أتؼنا بأدق الصناع وأمهرهم‬
‫وقلنا له ‪ :‬اصنع لنا شؼئا ٕتيده ‪ .‬فلما‬
‫صنعه قلنا له ‪ :‬اصنع مثله ‪ .‬إنه ال‬
‫ٯتكن أن يصنع ‪٪‬توذجا مثله‬
‫با‪١‬تواصفات نفسها؛ ألنه يفتقد‬
‫ا‪١‬تقايؼس الدقيقة اليت ٘تده‬
‫با‪١‬تواصفات نفسها اليت صنعها ‪.‬‬
‫إنه يستطيع أن يعطينا ‪٪‬توذجا‬
‫متشابها ولكن لؼس مثل ما صنع‬
‫٘تاما ‪ .‬لكن اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫يتوىف خلقه وساعة القيامة أو ساعة‬
‫بعثهم يعيدهم ٔتكوناْتم نفسها‬
‫اليت كانوا عليها دون زيادة أو نقص ‪.‬‬
‫وذلك ألنه اهلل جل جبلله ال ٮتلق‬
‫وفق قوالب معؼنة ‪ ،‬وإ‪٪‬تا يقول‬
‫للشيء ‪ :‬كن فيكون ‪.‬‬
‫اآليالكرٯتة ‪ { :‬ب َ ِدي ُع‬ ‫تقول ة‬
‫السماوات واألرض َوإِذَا قىض أ َ ْمرا ً‬
‫ون } ‪.‬‬ ‫ول ل َ ُه ُك ْن فَي َ ُك ُ‬
‫فَإ َِّ‪٪‬تَا ي َ ُق ُ‬
‫« وكن » وردت كثَتا يف القرآن‬
‫الكريم ‪ . .‬ويف اللغة شيء يس ىم‬
‫ا‪١‬تشًتك ‪ . .‬اللفظ يكون واحدا‬
‫ومعانيه ٗتتلف حسب السياق ‪. .‬‬
‫فمثبل كلمة قىض ‪٢‬تا معاين متعددة‬
‫و‪٢‬تا معٌت ‪٬‬تمع كل معانيها‪ . .‬مرة‬
‫يأيت بها ا‪ٟ‬تق ٔتعٌت فرغ أو انتىه ‪. .‬‬
‫يف قوله تعاىل ‪ { :‬فَإِذَا قَ َضؼ ْ ُت ْم‬
‫َّمنَا ِس َك ُك ْم فاذكروا اهلل َك ِذكْ ِر ُك ْم‬
‫آبَآءَ ُك ْم أ َ ْو أ َ َش َّد ِذكْرا ً} ػ البقرة ‪:‬‬
‫‪] 200‬‬
‫ومعناها إذا انتهؼتم من مناسك‬
‫ا‪ٟ‬تج ‪ . .‬ومرة يقول سبحانه ‪{ :‬‬
‫اض إ َِّ‪٪‬تَا تَ ْق ِضي‬
‫نت قَ ٍ‬ ‫فاقض َمآ أ َ َ‬
‫هذه ا‪ٟ‬تياة الدنيآ } ػ طه ‪] 72 :‬‬
‫وا‪١‬تعٌت إفعل ما تريد ‪ . .‬ويف آية‬
‫أخرى يقول اهلل تعاىل ‪َ { :‬و َما ك َ َ‬
‫ان‬
‫ِ‪١‬تُ ْؤ ِمنٍ َوال َ ُم ْؤ ِمن َ ٍة إِذَا ق ََىض اهلل‬
‫َ َ‬
‫َو َر ُسول ُ ُه أ ْمرا ًأن ي َ ُك َ‬
‫ون َ‪٢‬ت ُ ُم ا‪٠‬تَتة‬
‫ِم ْن أ َ ْم ِر ِه ْم }‬

‫ػ األحزاب ‪] 36 :‬‬
‫وا‪١‬تعٌت هنا أنه إذا قال اهلل شؼئا ال‬
‫يًتك للمؤمنُت حق االخؾيار ‪. .‬‬
‫ومرة يصور اهلل جل جبلله الكفار‬
‫يف اآلخرة وهم يف النار يريدون أن‬
‫يسًت٭توا من العذاب با‪١‬توت ‪.‬‬
‫واقرأ قوله سبحانه ‪َ { :‬ونَادَ ْوا ْ‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ؼ‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ِ‬
‫ْض‬ ‫ق‬ ‫ي‬‫يامالك لِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َْ َ ّ‬
‫ون } ػ الزخرف ‪77 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫إِن َّ ُكم َما ِ‬
‫ك‬
‫ْ ّ َ‬
‫]‬
‫لِيَق ِْض علؼنا هنا معناها ٯتيؾنا ‪. .‬‬
‫ومعٌت آخر يف قوله تعاىل ‪َ { :‬وقَ َ‬
‫ال‬
‫الشيطان َ‪١‬تَّا ُق ِض َي األمر } ػ‬
‫إبراهيم ‪] 22 :‬‬
‫أي ‪١‬تا انتىه األمر ووقع ا‪ٞ‬تزاء ‪. .‬‬
‫ويف موقع آخر قوله سبحانه ‪{ :‬‬
‫ار بِأ َ ْهلِ ِه‬
‫وىس األجل َو َس َ‬‫فَل َ َّما قىض ُم َ‬
‫} ػ القصص ‪] 29 :‬‬
‫قىض األجل هنا ٔتعٌت أتم األجل‬
‫ويف قوله تعاىل ‪َ { :‬و ُق ِض َي بَؼْن َ ُه ْم‬
‫ون } ػ‬ ‫بالقسط َو ُه ْم ال َيُ ْظل َ ُم َ‬
‫يونس ‪] 54 :‬‬
‫أي حكم وفصل بؼنهم ‪ . .‬وقوله‬
‫جل جبلله ‪َ { :‬وقَ َضؼْنَآ إىل ب َ ٍِت‬
‫يل ِيف الكتاب ل َ ُت ْف ِس ُد َّن ِيف‬ ‫إِ ْس َر ِائ َ‬
‫ُت } ػ اإلسراء ‪] 4 :‬‬ ‫األرض َم َّرتَ ْ ِ‬
‫ٔتعٌت أعلمنا بٍت إسرائيل يف‬
‫كتابهم ‪ . .‬إذن « قىض » ‪٢‬تا معان‬
‫متعددة ٭تددها السياق ‪ . .‬ولكن‬
‫هناك معٌت تلتقي فيه كل ا‪١‬تعاين ‪. .‬‬
‫وهو قىض أي حكم وهذا هو ا‪١‬تعٌت‬
‫األم ‪.‬‬
‫إذن معٌت قوله تعاىل ‪ { :‬إِذَا قىض‬
‫أ َ ْمرا ً} ‪ . .‬أي إذا حكم ْتكم فإنه‬
‫يكون ‪ . .‬عَل أننا ‪٬‬تب أن نبلحظ‬
‫قول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وإِذَا قىض أ َ ْمرا ًفَإ َِّ‪٪‬تَا‬
‫ول ل َ ُه ُك ْن } ‪ . .‬معٌت يقول له أن‬ ‫ي َ ُق ُ‬
‫األمر موجود عنده ‪ . .‬موجود يف‬
‫علمه ‪ . .‬ولكنه لم يصل إىل علمنا‬
‫‪ . .‬أي أنه لؼس أمرا جديدا ‪. .‬‬
‫ألنه مادام اهلل سبحانه وتعاىل قال ‪:‬‬
‫« يقول له » ‪ . .‬كأنه جل جبلله‬
‫ٮتاطب موجودا ‪ . .‬ولكن هذا‬
‫ا‪١‬توجود لؼس يف علمنا وال نعلم عنه‬
‫شؼئا ‪ . .‬وإ‪٪‬تا هو موجود يف علم اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ . .‬ولذلك قيل أن‬
‫هلل أمورا ًيبديها وال يؽتديها ‪ . .‬إهنا‬
‫موجودة عنده ألن األقبلم ُرفِعَ ْت ‪،‬‬
‫والصحف جفت ‪ . .‬ولكنه يبديها‬
‫لنا ‪٨‬تن الذين ال نعلمها فنعلمها ‪.‬‬

‫ون ل َ ْو َال يُكَلِ ّ ُمنَا‬


‫ال ال َّ ِذي َن َال يَعْل َ ُم َ‬‫َوقَ َ‬
‫ال ال َّ ِذي َن‬‫ك قَ َ‬ ‫اّلل أ َ ْو تَأْتِؼنَا آي َ ٌة كَ َذل ِ َ‬
‫َّ ُ‬
‫ِم ْن قَبْلِ ِه ْم ِمث ْ َل قَ ْو ِ ِ‪٢‬ت ْم تَ َشابَهَ ْت‬
‫ات ل ِ َق ْو ٍم‬
‫ُقلُوب ُهم قَ ْد بَؼَّنَّا ْاآلي َ ِ‬
‫ُ ْ‬
‫ون (‪)118‬‬ ‫ن‬ ‫يوقِ‬
‫ُ َ‬‫ُ‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حُت قال ‪{ :‬‬
‫الذين ال َيَعْل َ ُم َ‬
‫ون } ‪ . .‬أي ال‬
‫يعلمون عن كتاب اهلل شؼئا ألهنم‬
‫كفار ‪ . .‬وهؤالء سألوا رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم أن يكلمهم اهلل‬
‫‪ . .‬ومعٌت أن يكلمهم اهلل أن‬
‫يسمعوا كبلما من اهلل سبحانه ‪. .‬‬
‫كما ‪ٝ‬تع موىس كبلم اهلل ‪.‬‬
‫وماذا كانوا يريدون من كبلم اهلل‬
‫تبارك وتعاىل‪ . .‬أكانوا يريدون أن‬
‫يقول ‪٢‬تم اهلل إنه أرسل ‪٤‬تمدا ً‬
‫رسوال لؼبلغهم ٔتنهج السماء ‪. .‬‬
‫وكأن كل ا‪١‬تعجزات اليت أيد اهلل‬
‫بها رسوله صَل اهلل عليه وسلم وعَل‬
‫رأسها القرآن الكريم لم تكن‬
‫كافية إلقناعهم ‪ . .‬مع أن القرآن‬
‫كبلم معجز وقد أىت به رسول أمي ‪.‬‬
‫‪ .‬سألوه عن أشياء حدثت فأوىح اهلل‬
‫بها إليه بالتفصيل ‪ . .‬جاء القرآن‬
‫لؼتحدى يف أحداث ا‪١‬تستقبل ويف‬
‫أسرار النفس البشرية ‪ . .‬وكان‬
‫ذلك يكفيهم لو أهنم استخدموا‬
‫عقو‪٢‬تم ولكنهم أرادوا العناد كلما‬
‫جاءْتم آية كذبوا بها وطلبوا آية‬
‫أخرى ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل قد‬
‫أبلغنا أنه ال ٯتكن لطؽيعة البشر أن‬
‫تتلىق عن اهلل مباشرة ‪ . .‬واقرأ قوله‬
‫ان لِب َ َش ٍر أَن‬
‫سبحانه ‪َ { :‬و َما ك َ َ‬
‫يكَلِ ّمه اهلل إِال َّوحيا ًأَو ِمن ورآءِ‬
‫َْ ْ ََ‬ ‫ُ َُ‬
‫اب أ َ ْو يُ ْر ِس َل َر ُسوال ًفَيُو ِح َي‬ ‫ِح َج ٍ‬
‫آء } ػ الشورى ‪] 51 :‬‬ ‫ِِ‬
‫بِإِذْنه َما ي َ َش ُ‬
‫إذن فالبشر حىت ا‪١‬تصطىف من اهلل‬
‫وا‪١‬تؤهل للتلقي عن اهلل ‪ . .‬ال‬
‫إ‪٢‬تام خاط ٍر أو‬
‫يكلمه اهلل إال وحيا أو َ‬
‫من وراء حجاب كما كلم موىس ‪. .‬‬
‫أو يرسل رسوال مبلغا للناس ‪١‬تنهج‬
‫اهلل ‪ . .‬أما االتصال ا‪١‬تباشر فهو أمر‬
‫٘تنعه بشرية ا‪٠‬تلق ‪.‬‬
‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪ { :‬أ َ ْو‬
‫تَأْتِؼنَآ آي َ ٌة } ‪ . .‬واآليات اليت‬
‫يطلبها الكفار ويأيت بها اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل و٭تققها ‪٢‬تم ‪ . .‬ال‬
‫يؤمنون بها بل يزدادون كفرا‬
‫وعنادا ‪ . .‬واهلل جل جبلله يقول ‪:‬‬
‫{ و َما َمنَعَنَآ أَن ن ُّ ْر ِس َل باآليات إِال َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫أن كَ َّذ َب بِهَا األولون َوآتَؼْنَا ‪ٙ‬تَ ُودَ‬
‫الناقة ُمب ْ ِص َرة ًفَ َظل َ ُموا ْبِهَا } ػ‬
‫اإلسراء ‪] 59 :‬‬
‫إذن فاآليات اليت يطلبها الكفار‬
‫ليؤمنوا ال ٕتعلهم يؤمنون ‪ . .‬ولكن‬
‫يزدادون كفرا حىت ولو علموا يقؼنا‬
‫أن هذه اآليات من عند اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل كما حدث آلل فرعون ‪. .‬‬
‫واقرأ قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬
‫ِ‬
‫فَل َ َّما َجآءَْتْ ُ ْم آيَا ُتنَا ُمب ْ َ‬
‫صرة ًقَالُوا ْ‬
‫ُت * َو َج َح ُدوا ْبِهَا‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫م‬
‫ُ‬ ‫ر‬‫ٌ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫هذا ِ‬
‫س‬
‫ّ ٌ‬
‫واسؾيقنتهآ أ َ ُنف ُس ُه ْم ُظلْما ً َو ُعل ُ ّوا ً‬
‫ان عَاقِب َ ُة ا‪١‬تفسدين‬ ‫فانظر كَي ْ َف ك َ َ‬
‫} ػ النمل ‪] 14-13 :‬‬
‫وهكذا فإن طلبهم أن يكلمهم اهلل‬
‫أو تأتيهم آية كان من باب العناد‬
‫والكفر ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه يقول ‪{ :‬‬
‫ال الذين ِمن قَبْلِ ِه ْم ِّمث ْ َل‬ ‫كَ َذل ِ َ‬
‫ك قَ َ‬
‫قَ ْو ِ ِ‪٢‬ت ْم } ‪ . .‬فؽنو إسرائيل قالوا‬
‫‪١‬توىس أرنا اهلل جهرة ‪ . .‬الذين ال‬
‫يعلمون قالوا لوال يكلمنا اهلل ‪. .‬‬
‫ولكن الذين قالوا أرنا اهلل جهرة‬
‫كانوا يعلمون ألهنم كانوا يؤمنون‬
‫بالتوراة ‪.‬‬

‫‪ .‬فؾساوى الذين يعلمون والذين‬


‫ال يعلمون ‪ . .‬لذلك قال اهلل تبارك‬
‫وتعاىل ‪ { :‬تَ َشابَهَ ْت ُقل ُ ُ‬
‫وب ُه ْم} ‪. .‬‬
‫أي قلوب أولئك الذين كانوا‬
‫خاضعُت للمنهج والذين ال‬
‫ٮتضعون ‪١‬تنهج قد تشابهت ٔتنطق‬
‫واحد ‪.‬‬
‫ولو أن الذين ال يعلمون قالوا ولم‬
‫يقل الذين يعلمون ‪٢‬تان األمر ‪. .‬‬
‫وقلنا جهلهم هو الذي أوىح إليهم‬
‫ٔتا قالوا ‪ . .‬ولكن ما عذر الذين‬
‫علموا وعندهم كتاب أن يقولوا‬
‫أرنا اهلل جهرة ‪ . .‬إذن فهناك شيء‬
‫مشًتك بؼنهم تشابهت قلوبهم يف‬
‫ا‪٢‬توى ‪ . .‬إن مصدر كل حركة‬
‫سلوكية أو حركة جارحة إ‪٪‬تا هو‬
‫القلب الذي تصدر عنه دوافع‬
‫ا‪ٟ‬تركة ‪ . .‬ومادام القلب غَت‬
‫خالص هلل فؼستوى الذي يعلم‬
‫والذي ال يعلم ‪.‬‬
‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬
‫ون } ‪. .‬‬ ‫ن‬‫قَ ْد بؼَنَا اآليات ل ِ َقو ٍم يوقِ‬
‫ْ ُ ُ َ‬ ‫َّّ‬
‫ما هو اليقُت؟ هو استقرار القضية‬
‫يف القلب استقرارا ًال ٭تتمل شكا‬
‫وال زلزلة ‪ . .‬وال ٯتكن أن ٗترج‬
‫القضية مرة أخرى إىل العقل ‪. .‬‬
‫لؾناقش من جديد ألنه أصبح يقؼنا‬
‫‪ . .‬واليقُت يأيت من إخبار من تثق‬
‫به وتصبح أخباره يقؼنا‪ . .‬فإذا قال‬
‫اهلل قال اليقُت ‪ . .‬وإذا قال الرسول‬
‫صَل اهلل عليه وسلم فكبلمه حق ‪. .‬‬
‫ولذلك من مصداقية اإلٯتان أن‬
‫سيدنا أبا بكر رضي اهلل عنه ‪. .‬‬
‫عندما قيل له إن صاحبك يقول‬
‫إنه ُصعد به إىل السماء السابعة‬
‫وذهب إىل بيت ا‪١‬تقدس يف ليلة‬
‫واحدة ‪ . .‬قال إن كان قد قال فقد‬
‫صدق ‪.‬‬
‫إن اليقُت عنده نشأ من إخبار من‬
‫يثق فيه وهذا نسميه علم يقُت ‪. .‬‬
‫وقد يرتقي األمر ليصَت عُت يقُت ‪.‬‬
‫‪ .‬عندما ترى الشيء بعؼنك بعد أن‬
‫ُحدثت عن رؤية غَتك له ‪ . .‬ثم‬
‫تدخل يف حقيقة الشيء فيصبح حق‬
‫يقُت ‪ . .‬إذن اليقُت علم إذا جاء‬
‫عن إخبار من تثق به ‪ . .‬وعُت يقُت‬
‫إذا كان األمر قد شوهد مشاهدة‬
‫العُت ‪ . .‬وحق يقُت هو أن تدخل‬
‫يف حقيقة الشيء ‪ . .‬واهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يشرح هذا يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫أ َ ْ‪٢‬تَا ُك ُم التكاثر * حىت ُز ْر ُت ُم ا‪١‬تقابر‬
‫* كَبل َّ َس ْو َف تَعْل َ ُم َ‬
‫ون * ُث َّم كَبل َّ َس ْو َف‬
‫ون عِل ْ َم‬‫ون * كَبل َّل َ ْو تَعْل َ ُم َ‬
‫تَعْل َ ُم َ‬
‫اليقُت * ل َ ًَت َ ُو َّن ا‪ٞ‬تحيم } ػ التكاثر‬
‫‪] 6-1 :‬‬
‫هذه هي ا‪١‬ترحلة األوىل أن يأتؼنا‬
‫علم اليقُت من اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫‪ .‬ثم تأيت ا‪١‬ترحلة الثانية يف قوله‬
‫َ‬
‫تبارك وتعاىل ‪ُ { :‬ث َّم ل َ ًَت َ ُو ّهنَا ع َ ْ َ‬
‫ُت‬
‫اليقُت } ػ التكاثر ‪] 7 :‬‬
‫أي أنتم ستشاهدون جهنم‬
‫بأعؼنكم يوم القيامة ‪ . .‬هذا علم‬
‫يقُت وعُت يقُت ‪ . .‬يأيت بعد ذلك‬
‫حق اليقُت يف قوله تعاىل ‪َ { :‬وأ َ َّمآ إِن‬
‫كَ ِ‬
‫ان م َن ا‪١‬تكذبُت الضآلُت* فَ ُ ُ‬
‫زن ٌل‬ ‫َ‬
‫يم * إ َِّن‬‫يم * َوتَ ْصلِي ُة َج ِح ٍ‬ ‫ِّم ْن َ ِ‬
‫‪ٛ‬ت ٍ‬
‫َ‬
‫هذا َ‪٢‬ت ُ َو َح ُّق اليقُت } ػ الواقعة ‪:‬‬
‫‪] 95-92‬‬
‫وا‪١‬تؤمن عافاه اهلل من أن يعاين‬
‫النار كحق يقُت ‪ . .‬إنه سَتاها وهو‬
‫ٯتر عَل الصراط ‪ . .‬ولكن الكافر‬
‫هو الذي سيصبلها حقيقة يقُت ‪. .‬‬
‫ولقد قال أهل الكتاب ألنؽيائهم‬
‫ما يوافق قول غَت ا‪١‬تؤمنُت ‪. .‬‬
‫فاليهود قالوا ‪١‬توىس ‪ { :‬لَن ن ُّ ْؤ ِم َن‬
‫ك حىت نَرى اهلل َجهْ َرة ً } ‪. .‬‬ ‫لَ َ‬
‫وا‪١‬تسيحيون قالوا لعؼىس ‪َ { :‬ه ْل‬
‫زن َل عَلَؼْنَا َم ِآئ َدة ً‬ ‫ي َ ْست َ ِطي ُع َربُّ َ‬
‫ك أَن يُ َ ِ ّ‬
‫ِّم َن السمآء } قال ‪ { :‬اتقوا اهلل إِن‬
‫ُت } ‪ . .‬وهكذا شجع‬ ‫ِِ‬
‫ُكن ْ ُتم ُّم ْؤمن َ‬
‫ا‪١‬تؤمنون بالكتاب غَت ا‪١‬تؤمنُت بأن‬
‫يطلبوا رؤية اهلل ويطلبوا‬
‫ا‪١‬تعجزات المادية ‪.‬‬

‫إِن َّا أ َ ْر َسلْن َ َ‬


‫اك بِا ْ‪ٟ‬ت َ ّ ِق ب َ ِشَتًا َون َ ِذي ًرا‬
‫اب ا‪ٞ‬تْ َ ِح ِ‬
‫يم‬ ‫َو َال ُت ْسأ َ ُل َع ْن أ َ ْص َح ِ‬
‫(‪)119‬‬
‫هنا البد أن نلتفت إىل أن اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل حؼنما ٮتُبنا عن‬
‫قضية من فعله ‪ .‬يأيت دائما بنون‬
‫العظمة اليت نسميها نون ا‪١‬تتكلم ‪.‬‬
‫‪ .‬ونبلحظ أن نون العظمة‬
‫يستخدمها رؤساء الدول وا‪١‬تلوك‬
‫ويقولون ‪٨‬تن فبلن أمرنا ٔتا هو آت‬
‫‪ . .‬فكأن العظمة يف اإلنسان‬
‫سخرت ا‪١‬تواهب ا‪١‬تختلفة لؾنفيذ‬
‫القرار الذي يصدره رئؼس الدولة‬
‫‪ . .‬فيشًتك يف تنفيذه الشرطة‬
‫والقضاء والدولة والقوات‬
‫ا‪١‬تسلحة إذا كان قرار حرب ‪. .‬‬
‫تشًتك مواهب متعددة من‬
‫‪ٚ‬تاعات ‪٥‬تتلفة تتكاتف لؾنفيذ‬
‫القرار ‪ . .‬واهلل تبارك وتعاىل عنده‬
‫الكمال ا‪١‬تطلق ‪ . .‬كل ما هو الزم‬
‫للؾنفيذ من صفات اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ . .‬فإذا ٖتدث اهلل جل جبلله‬
‫عن فعل ٭تتاج إىل كمال ا‪١‬تواهب‬
‫من اهلل تبارك وتعاىل يقول « إنا »‬
‫‪ { :‬إِن َّا َ‪٨‬ت ْ ُن ن َ َّزلْنَا الذكر َوإ َّاِنل َ ُه‬
‫ون } ػ ا‪ٟ‬تجر ‪] 9 :‬‬ ‫ظ‬ ‫ُ‬ ‫َ‪ٟ‬تافِ‬
‫َ َ‬
‫ولكن حُت يتكلم اهلل عن ألوهؼته‬
‫وحده وعن عبادته وحده يستخدم‬
‫ضمَت ا‪١‬تفرد ‪ . .‬مثل قوله سبحانه‬
‫‪ { :‬إنٍت أَنَا اهلل ال إله إال أَنَا ْفاعبدين‬
‫َوأَقِ ِم الصبلة لذكري } ػ طه ‪14 :‬‬
‫]‬
‫وال يقول فاعبدنا ‪ . .‬إذن ففي كل‬
‫فعل يأيت اهلل سبحانه بنون العظمة‬
‫‪ . .‬ويف كل أمر يتعلق بالعبادة‬
‫والتوحيد يأيت با‪١‬تفرد ‪ . .‬وذلك‬
‫حىت نفهم أن الفعل من اهلل لؼس‬
‫وليد قدرته وحدها ‪ . .‬وال علمه‬
‫وحده وال حكمته وحدها وال‬
‫ر‪ٛ‬تته وحدها ‪ . .‬وإ‪٪‬تا كل فعل‬
‫من أفعال اهلل تكاملت فيه صفات‬
‫الكمال ا‪١‬تطلق هلل ‪.‬‬
‫إن نون العظمة تأيت لتلفؾنا إىل هذه‬
‫ا‪ٟ‬تقيقة لؾُبز للعقل تكامل‬
‫الصفات يف اهلل ‪ . .‬ألنك قد تقدر‬
‫وال تعلم ‪ . .‬وقد تعلم وال تقدر ‪،‬‬
‫وقد تعلم وتغيب عنك ا‪ٟ‬تكمة ‪.‬‬
‫إذن فتكامل الصفات مطلوب ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪ { :‬إِن َّا أ َ ْر َسلْن َ َ‬
‫اك با‪ٟ‬تق }‬
‫يعٍت بعؿناك با‪ٟ‬تق رسوال ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق‬
‫هو الشيء الثابت الذي ال يتغَت وال‬
‫يؾناقض ‪ . .‬فإذا رأيت حدثا‬
‫أمامك ثم طلب منك أن ٖتكي ما‬
‫رأيت رويت ما حدث ‪ . .‬فإذا‬
‫طلب منك بعد فًتة أن ترويه مرة‬
‫أخرى فإنك ترويه بنفس‬
‫التفاصيل ‪ . .‬أما إذا كنت تكذب‬
‫فستؾناقض يف أقوالك ‪ . .‬ولذلك‬
‫قيل إن كنت كذوبا فكن ذكورا ‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق ال يؾناقض وال يتغَت ‪. .‬‬
‫ومادام رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم قد أرسل با‪ٟ‬تق ‪َّ . .‬‬
‫فإن عليه‬
‫ألن يبلغه للناس وسؼبىق ا‪ٟ‬تق حقا‬
‫إىل يوم القيامة ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬ب َ ِشَتا ً َون َ ِذيرا ً} ‪. .‬‬
‫البشارة هي إخبار بشيء يسرك‬
‫زمنه قادم ‪ . .‬واإلنذار هو اإلخبار‬
‫بشيء يسوؤك زمنه قادم رٔتا‬
‫استطعت أن تتبلفاه ‪ . .‬بشَت‬
‫ٔتاذا؟ ونذير ٔتاذا؟ يبشر من آمن‬
‫بنعيم ا‪ٞ‬تنة وينذر الكافر بعذاب‬
‫النار ‪ . .‬والبشرى واإلنذار‬
‫يقتضيان منهجا يبلغ ‪ . .‬من آمن به‬
‫كان بشارة له ‪.‬‬

‫ومن ال يؤمن كان إنذارا له ‪.‬‬


‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪َ { :‬وال َ‬
‫ُت ْسأ َ ُل َع ْن أ َ ْص َحا ِب ا‪ٞ‬تحيم } ‪. .‬‬
‫أي أن رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم لؼس مسئوال عن الذين‬
‫سيلقون بأنفسهم يف النار والعذاب‬
‫‪ .‬إنه لؼس مسئوال عن هداهم‬
‫وإ‪٪‬تا عليه الببلغ ‪ . .‬واقرأ قوله‬
‫ك بَا ِخ ٌع‬ ‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬فَلَعَل َّ َ‬
‫ك عَل آثَا ِر ِه ْم إِن ل َّ ْم يُ ْؤ ِم ُنوا ْ‬
‫ن َّ ْف َس َ‬
‫بهذا ا‪ٟ‬تديث أ َ َسفا ً} ػ الكهف ‪6 :‬‬
‫]‬
‫ك بَا ِخ ٌع‬‫ويقول جل جبلله ‪ { :‬لَعَل َّ َ‬
‫ِِ‬ ‫ن َّ ْفس َ َ َ‬
‫ُت * إِن‬‫ك أال ّي َ ُكونُوا ْ ُم ْؤمن َ‬ ‫َ‬
‫زن ْل عَلَي ْ ِه ْم ِّم َن السمآء آيَةً‬ ‫ْ‬
‫ن َّ َشأ ن ُ َ ِ ّ‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ُت } ػ‬ ‫فَ َظل َّ ْت أ ْعنَا ُق ُه ْم َ‪٢‬تَا َخاضع َ‬
‫الشعراء ‪] 4-3 :‬‬
‫فاهلل سبحانه وتعاىل لو أرادنا أن‬
‫نؤمن قسرا وقهرا ‪ . .‬ما استطاع‬
‫واحد من ا‪٠‬تلق أن يكفر ‪ . .‬ولكنه‬
‫تبارك وتعاىل يريد أن نأتيه‬
‫بقلوب ٖتبه ولؼس بقلوب مقهورة‬
‫عَل اإلٯتان ‪ . .‬إن اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل خلق الناس ‪٥‬تتارين أن‬
‫يؤمنوا أو ال يؤمنوا ‪ . .‬ولؼس لرسول‬
‫أن يرغم الناس عَل اإلٯتان بالقهر‬
‫‪ . .‬ألن اهلل ولأراد لقهر كل خلقه ‪.‬‬
‫أما أصحاب ا‪ٞ‬تحيم فهم أهل النار‬
‫‪ .‬وا‪ٞ‬تحيم مأخوذة من ا‪ٞ‬تموح ‪. .‬‬
‫و‪ٚ‬تحت النار يعٍت اضطربت ‪،‬‬
‫وعندما ترى النار متأججة يقال‬
‫‪ٚ‬تحت النار ‪ . .‬أي أصبح ‪٢‬تؼبها‬
‫مضاعفا ْتيث يلتهم كل ما يصل‬
‫إليها فبل ٗتمد أبدا ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬
‫يطمئن رسوله صَل اهلل عليه وسلم‬
‫‪ . .‬أنه ال ‪٬‬تب أن ينشغل قلبه‬
‫بالذين كفروا ألنه قد أنذرهم ‪. .‬‬
‫وهذا ما عليه ‪ ،‬وهذه مهمته اليت‬
‫كلفه اهلل بها ‪.‬‬
‫َول َ ْن تَ ْر ََض َعن ْ َ‬
‫ك الْي َ ُه ُ‬
‫ود َو َال‬
‫ارى َح َّىت تَؾَّبِ َع ِملَّت َ ُه ْم ُق ْل إ َِّن‬ ‫النَّ َص َ‬
‫اّلل ُه َو ا ْ‪٢‬ت ُ َدى َولَئِ ِن ا َّتبَعْ َت‬ ‫ُه َدى َ ِ‬
‫ّ‬
‫ك ِم َن‬ ‫أ َ ْه َواءَ ُه ْم بَعْ َد ال َّ ِذي َجاءَ َ‬
‫اّلل ِم ْن َو ِيل ّ ٍ َو َال‬
‫ك ِم َن َ ِ‬
‫ّ‬ ‫الْعِل ْ ِم َما ل َ َ‬
‫َت (‪)120‬‬ ‫ن َ ِص ٍ‬
‫كان اليهود يدخلون عَل رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم مدخل لؤم‬
‫وكيد فيقولون هادنا ‪ ،‬أي قل لنا ما‬
‫يف كتابنا حىت ننظر إذا كنا نؾبعك أم‬
‫ال ‪ . .‬يريد اهلل تبارك وتعاىل أن‬
‫يقطع عَل اليهود سؽيل الكيد‬
‫وا‪١‬تكر برسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ . .‬بأنه ال اليهود وال‬
‫النصارى سيؾبعون ملتك‪ . .‬وإ‪٪‬تا‬
‫هم يريدون أن تؾبع أنت ملتهم ‪.‬‬
‫‪ .‬أنت تريد أن يكونوا معك وهم‬
‫يطمعون أن تكون معهم ‪ . .‬فقال‬
‫اهلل سبحانه ‪َ { :‬ول َ ْن ترَض َع َ‬
‫نك‬
‫اليهود َوال َالنصارى حىت تَؾَّبِ َع‬
‫ِملَّت َ ُه ْم } ‪. .‬‬
‫نبلحظ هنا تكرار النفي وذلك حىت‬
‫نفهم أن رضا اليهود غَت رضا‬
‫النصارى ‪ . .‬ولو قال ا‪ٟ‬تق تبارك‬
‫وتعاىل ‪ ،‬ولن ترَض عنك اليهود‬
‫والنصارى بدون ال‪ . .‬لكان معٌت‬
‫ذلك أهنم ‪٣‬تتمعون عَل رضا واحد‬
‫أو متفقون ‪ . .‬ولكنهم ‪٥‬تتلفون‬
‫بدليل أن اهلل تعاىل قال ‪َ { :‬وقَال َ ِت‬
‫اليهود لَؼس ِت النصارى عَل َشيءٍ‬
‫ْ‬ ‫َْ‬
‫َوقَال َ ِت النصارى لَؼ ْ َس ِت اليهود عَل‬
‫َش ْيءٍ } ػ البقرة ‪] 113 :‬‬
‫إذن فبل يصح أن يقال فلن ترَض‬
‫عنك اليهود والنصارى ‪ . .‬واهلل‬
‫سبحانه وتعاىل يريد أن يقول لن‬
‫ترَض عنك ايلهود ولن ترَض عنك‬
‫النصارى ‪ . .‬وإنك لو صادفت‬
‫رضا اليهود فلن ترَض عنك‬
‫النصارى ‪ . .‬وإن صادفت رضا‬
‫النصارى فلن ترَض عنك اليهود ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ { :‬حىت‬
‫تَؾَّبِ َع ِملَّت َ ُه ْم} ‪ . .‬وا‪١‬تلة هي الدين‬
‫و‪ٝ‬تيت با‪١‬تلة ألنك ٘تيل إليها‬
‫حىت ولو كانت باطبل ‪ . .‬واهلل‬
‫سْتانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬وال َأ َ ُنت ْم‬
‫ون َمآ أ َ ْعب ُ ُد * َوال َأَنَآ عَابِ ٌد َّما‬
‫عَابِ ُد َ‬
‫ون َمآ أ َ ْعب ُ ُد‬ ‫َ‬
‫َعبَد ّتُ ْم * َوال َأ ُنت ْم عَابِ ُد َ‬
‫* ل َ ُك ْم ِد ُين ُك ْم َو ِيل َدِي ِن } ػ‬
‫الكافرون ‪] 6-3 :‬‬
‫فجعل ‪٢‬تم دينا وهم كافرون‬
‫ومشركون ‪ . .‬ولكن ما الذي‬
‫يعصمنا من أن نتبع ملة اليهود أو‬
‫ملة النصارى ‪ . .‬ا‪ٟ‬تق جل جبلله‬
‫يقول ‪ُ { :‬ق ْل إ َِّن ا‪٢‬تدى ُه َدى اهلل‬
‫} ػ آل عمران ‪] 73 :‬‬
‫فاليهود حرفوا يف ملتهم والنصارى‬
‫حرفوا فيها ‪ . .‬ورسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم معه هدى اهلل ‪. .‬‬
‫وا‪٢‬تدى هو ما يوصلك إىل الغاية‬
‫من أقصر طريق ‪ . .‬أو هو الطريق‬
‫ا‪١‬تستقيم باعؾباره أقصر الطرق إىل‬
‫الغاية ‪ . .‬وهدى اهلل طريق واحد ‪،‬‬
‫أما هدى البشر فكل واحد له هدى‬
‫ينبع من هواه ‪.‬‬
‫ومن هنا فإهنا طرق متشعبة‬
‫ومتعددة توصلك إىل الضبلل ‪. .‬‬
‫ولكن ا‪٢‬تدى الذي يوصل للحق هو‬
‫هدى واحد ‪ . .‬هدى اهلل عز وجل‬
‫‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬ولَئِ ِن اتبعت‬
‫أ َ ْه َوآءَ ُه ْم } إشارة من اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل إىل أن ملة اليهود وملة‬
‫النصارى أهواء بشرية‪ . .‬واألهواء‬
‫‪ٚ‬تع هوى ‪ . .‬وا‪٢‬توى هو ما تريده‬
‫النفس باطبل بعيدا عن ا‪ٟ‬تق‪. .‬‬
‫لذلك يقول اهلل جل جبلله ‪{ :‬‬
‫َولَئِ ِن اتبعت أ َ ْه َوآءَ ُه ْم بَعْ َد الذي‬
‫ك ِم َن اهلل ِمن‬
‫ك ِم َن العلم َما ل َ َ‬ ‫َجآءَ َ‬
‫َت } ‪.‬‬ ‫َو ِيل ّ ٍ َوال َن َ ِص ٍ‬

‫‪.‬‬
‫واهلل تبارك وتعاىل يقول لرسوله لو‬
‫اتبعت الطريق ا‪١‬تعوج ا‪١‬تليء‬
‫بالشهوات بغَت حق ‪ . .‬سواء كان‬
‫طريق اليهود أو طريق النصارى‬
‫بعدما جاءك من اهلل من ا‪٢‬تدى‬
‫فلؼس لك من اهلل من ويل يتوىل‬
‫أمرك و٭تفظك وال نصَت ينصرك‬
‫‪.‬‬
‫وهذا ا‪٠‬تطاب لرسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم ‪٬‬تب أن نقف معه وقفة‬
‫لنتأمل كيف ٮتاطب اهلل رسوله‬
‫صَل اهلل عليه وسلم الذي اصطفاه‬
‫‪ . .‬فاهلل حُت يوجه هذا ا‪٠‬تطاب‬
‫‪١‬تحمد عليه الصبلة والسبلم‪. .‬‬
‫فا‪١‬تراد به أمة رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم أتباع رسول اهلل الذين‬
‫سيأتون من بعده ‪ . .‬وهم الذين‬
‫ٯتكن أن ٘تيل قلوبهم إىل اليهود‬
‫والنصارى ‪ . .‬أما الرسول فقد‬
‫عصمه اهلل من أن يؾبعهم ‪.‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل يريدنا أن‬
‫نعلم يقؼنا أن ما لم يقبله من‬
‫رسوله عليه الصبلة والسبلم‪ . .‬ال‬
‫ٯتكن أن يقبله من أحد من أمته‬
‫مهما عبل شأنه ‪ . .‬وذلك حىت ال‬
‫يأيت بعد رسول اهلل من يدعي العلم‬
‫‪ . .‬ويقول نؾبع ملة اليهود أو‬
‫النصارى لنجذبهم إلؼنا ‪ . .‬نقول‬
‫له ال ما لم يقبله اهلل من حبؼبه‬
‫ورسوله ال يقبله من أحد ‪.‬‬
‫إن ضرب ا‪١‬تثل هنا برسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم مقصود به أن‬
‫أتباع ملة اليهود أو النصارى‬
‫مرفوض ٘تاما ٖتت أي ظرف من‬
‫الظروف ‪ ،‬لقد ضرب اهلل سبحانه‬
‫ا‪١‬تثل برسوله حىت يقطع عَل‬
‫ا‪١‬تغرضُت أي طريق للعبث بهذا‬
‫الدين ْتجة التقارب مع اليهود‬
‫والنصارى ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الَّذي َن آتَؼْن َ ُاه ُم الْكت َ َ‬
‫اب يَتْلُون َ ُه َح َّق‬
‫ون بِ ِه َو َم ْن‬ ‫تِ َبلوتِ ِه أُولَئِ َ ِ‬
‫ك يُ ْؤم ُن َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ي َ ْك ُف ْر بِ ِه فَأُولَئِ َ‬
‫ك ُه ُم ا‪٠‬تَْاس ُر َ‬
‫ون‬
‫(‪)121‬‬
‫بعد أن بُت اهلل سبحانه وتعاىل أن‬
‫اليهود والنصارى قد حرفوا كؾبهم‬
‫‪ ،‬أراد أن يبُت أن هناك من اليهود‬
‫والنصارى من لم ٭ترفوا يف كؾبهم‬
‫‪ . .‬وأن هؤالء يؤمنون ٔتحمد عليه‬
‫الصبلة والسبلم وبرسالته‪. .‬‬
‫ألهنم يعرفونه من التوراة واإل‪٧‬تيل‬
‫‪.‬‬
‫ولو أن اهلل سبحانه لم يذكر هذه‬
‫اآلية لقال الذين يقرأون التوراة‬
‫واإل‪٧‬تيل عَل حقيقؾيهما ‪. .‬‬
‫ويفكرون يف اإلٯتان برسالة رسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم ‪ . .‬لقالوا‬
‫كيف تكون هذه ا‪ٟ‬تملة عَل كل‬
‫اليهود وكل النصارى و‪٨‬تن نعتزم‬
‫اإلٯتان باإلسبلم ‪ . .‬وهذا ما يقال‬
‫عنه قانون االحتمال ‪ . .‬أي أن‬
‫هناك عددا مهما قل من اليهود أو‬
‫النصارى يفكرون يف اعؾناق‬
‫اإلسبلم باعؾباره دين ا‪ٟ‬تق‪ . .‬وقد‬
‫كان هناك ‪ٚ‬تاعة من اليهود‬
‫عددهم أربعون قادمون من سؼناء‬
‫مع جعفر بن أّب طالب ليشهدوا‬
‫أمام رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫أهنم قرأوا التوراة غَت ا‪١‬تحرفة‬
‫وآمنوا برسالته ‪ . .‬وأراد اهلل أن‬
‫يكرمهم ويكرم كل من سيؤمن‬
‫من أهل الكتاب ‪ . .‬فقال جل‬
‫جبلله ‪ { :‬الذين آتَؼْن َ ُاه ُم الكتاب‬
‫يَتْلُون َ ُه َح َّق تِبل َ َوتِ ِه } ػ البقرة ‪:‬‬
‫‪] 121‬‬
‫أي يتلونه كما أنزل بغَت ٖتريف‬
‫وال تبديل ‪ . .‬فيعرفون ا‪ٟ‬تقائق‬
‫صافية غَت ‪٥‬تلوطة بهوى البشر‪. .‬‬
‫وال ابلتحريف الذي هو نقل شيء‬
‫من حق إىل باطل ‪.‬‬
‫يقول اهلل تبارك وتعاىل ‪ { :‬أولئك‬
‫ون بِ ِه َومن ي َ ْك ُف ْر بِ ِه فأولئك‬ ‫ِ‬
‫يُ ْؤم ُن َ‬
‫ُه ُم ا‪٠‬تاسرون } ‪ . .‬ونبلحظ أن‬
‫القرآن الكريم يأيت دائما‬
‫با‪١‬تقارنة ‪ . .‬ليكرم ا‪١‬تؤمنُت‬
‫ويلقي ا‪ٟ‬تسرة يف نفوس ا‪١‬تكذبُت ‪.‬‬
‫‪ .‬ألن ا‪١‬تقارنة دائما تظهر الفارق‬
‫بُت الشيئُت ‪.‬‬
‫إن اهلل سبحانه يريد أن يعلم‬
‫الذين آتاهم اهلل الكتاب فلم‬
‫٭ترفوه وآمنوا به ‪ . .‬ليصلوا إىل‬
‫النعمة اليت ستقودهم إىل النعيم‬
‫األبدي ‪ . .‬وهي نعمة اإلسبلم‬
‫واإلٯتان ‪ . .‬مقابل الذين ٭ترفون‬
‫التوراة واإل‪٧‬تيل فمصَتهم‬
‫ا‪٠‬تسران ا‪١‬تبُت وا‪٠‬تلود يف النار ‪.‬‬

‫يت ال َّ ِيت‬‫يل اذْ ُك ُروا نِعْ َم ِ‬ ‫َ‬ ‫يا ب َ ٍِت إِسر ِ‬


‫ائ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫أَنْعَ ْم ُت عَلَي ْ ُك ْم َوأ َ ِّين فَ َّضل ْ ُت ُك ْم عََلَ‬
‫ُت (‪)122‬‬ ‫الْعَا َ‪١‬ت ِ َ‬
‫لو رجعنا إىل ما قلناه عندما تعرضنا‬
‫لآلية ( ‪ ) 40‬من سورة البقرة ‪. .‬‬
‫يل‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬يَاب َ ٍِت إِ ْس َر ِائ َ‬
‫يت اليت أَنْعَ ْم ُت عَلَي ْ ُك ْم‬ ‫اذكروا نِعْ َم ِ‬
‫َ‬
‫وف بِعَهْ ِد ُك ْم‬‫وأَو ُفوا ْبعهدي أُ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اي فارهبون } ‪ . .‬فا‪ٟ‬تق‬ ‫َوإِي َّ َ‬
‫سبحانه وتعاىل لم ينه ا‪ٞ‬تولة مع بٍت‬
‫إسرائيل قبل أن يذكرهم ٔتا‬
‫بدأهم به ‪ . .‬إنه سبحانه ال ينهي‬
‫الكبلم معهم يف هذه ا‪ٞ‬تولة ‪ . .‬إال‬
‫بعد أن يذكرهم تذكَتا هنائيا‬
‫بنعمه عليهم وتفضيله ‪٢‬تم عَل‬
‫كثَت من خلقه ‪ . .‬ومن أكُب مظاهر‬
‫هذا التفضيل ‪ . .‬اآلية ا‪١‬توجودة يف‬
‫التوراة تبشر ٔتحمد عليه الصبلة‬
‫والسبلم وذلك تفضيل كبَت ‪.‬‬
‫التذكَت بالنعمة هنا وبالفضل هو‬
‫تقريع لؽٍت إسرائيل أهنم لم يؤمنوا‬
‫برسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم مع‬
‫أنه مذكور عندهم يف التوراة ‪. .‬‬
‫وكان ‪٬‬تب أن يأخذوا هذا الذكر‬
‫بقوة ويسارعوا لئلٯتان ٔتحمد‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ألنه تفضيل‬
‫كبَت من اهلل سبحانه وتعاىل ‪٢‬تم‪. .‬‬
‫واهلل جل جبلله قال حُت أخذت‬
‫اليهود الرجفة ‪ . .‬وطلب موىس‬
‫عليه السبلم من ربه الر‪ٛ‬تة‪. .‬‬
‫قال كما يروي لنا القرآن الكريم‬
‫‪ { :‬واكتب لَنا ِيف هذه الدنيا َح َسنَةً‬
‫ال‬
‫ك قَ َ‬ ‫َو ِيف اآلخرة إِن َّا ُه ْدنَآ إِلَي ْ َ‬
‫‪ٛ‬ت ِيت‬ ‫عذاّب أُ ِص ِ َ‬
‫آء َو َر ْ َ‬ ‫يب بِه َم ْن أ َش ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫َو ِسعَ ْت كُ َّل َش ْيءٍ فَ َسأكْ ُؾبُهَا لل َّ ِذي َن‬
‫ون الزكاة والذين ُهم‬ ‫ون َويُ ْؤ ُت َ‬ ‫يَتَّ ُق َ‬
‫ون‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ؾ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫الذ‬ ‫*‬ ‫ون‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫بِآياتِنا ي ْؤ ِ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫الرسول النبي األمي الذي َ ِ‪٬‬ت ُدون َ ُه‬
‫َم ْك ُتوبا ً ِعن َد ُه ْم ِيف التوراة واإل‪٧‬تيل‬
‫يَأ ْ ُم ُر ُهم با‪١‬تعروف َويَنْهَ ُاه ْم َع ِن‬
‫ا‪١‬تنكر َو ُ٭ت ِ ُّل َ‪٢‬ت ُ ُم الطؼبات َو ُ٭ت َ ّ ِر ُم‬
‫عَلَي ْ ِه ُم ا‪٠‬تبآئث َوي َ َض ُع َعن ْ ُه ْم‬
‫إِ ْص َر ُه ْم واألغبلل اليت كَان َ ْت‬
‫آمنُوا ْبِ ِه َو َع َّز ُر ُوه‬
‫عَلَي ْ ِه ْم فالذين َ‬
‫َون َ َص ُر ُوه واتبعوا النور الذي أُن ِز َل‬
‫َمعَ ُه أولئك ُه ُم ا‪١‬تفلحون } ػ‬
‫األعراف ‪] 157-156 :‬‬

‫َوا َّت ُقوا ي َ ْومًا َال َٕتْ ِزي ن َ ْف ٌس َع ْن ن َ ْف ٍس‬


‫َشؼْئًا َو َال يُ ْقب َ ُل ِمنْهَا ع َ ْد ٌل َو َال تَن ْ َف ُعهَا‬
‫ون (‪)123‬‬ ‫اع ٌة َو َال ُه ْم يُن ْ َص ُر َ‬ ‫َش َف َ‬
‫هذه اآلية الكرٯتة تشابهت مع‬
‫اآلية ‪ 48‬من سورة البقرة ‪ . .‬اليت‬
‫يقول فيها اهلل تبارك وتعاىل ‪:‬‬
‫{ واتقوا ي َ ْوما ًال َّ َٕتْ ِزي ن َ ْف ٌس َعن‬
‫ن َّ ْف ٍس َشؼْئا ً َوال َيُ ْقب َ ُل ِمنْهَا ع َ ْد ٌل َوال َ‬
‫ون } ‪.‬‬ ‫نص ُر َ‬ ‫اع ٌة َوال َ ُه ْم يُ َ‬ ‫تَن َف ُعهَا َش َف َ‬
‫نقول إن هذا التشابه ظاهري ‪. .‬‬
‫ولكن كل آية تؤدي معٌت مستقبل ‪.‬‬
‫‪ .‬ففي اآلية ‪ 48‬قال ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪:‬‬
‫{ ال َيُ ْقب َ ُل ِمنْهَا َش َف َ‬
‫اع ٌة َوال َيُ ْؤ َخ ُذ‬
‫ِمنْهَا ع َ ْد ٌل } ‪ . .‬ويف اآلية اليت ‪٨‬تن‬
‫بصددها قال ‪ { :‬ال َيُ ْقب َ ُل ِمنْهَا ع َ ْد ٌل‬
‫اع ٌة } ‪١ . .‬تاذا؟ ألن‬ ‫َوال َتَن َف ُعهَا َش َف َ‬
‫قوله تعاىل{ ال َّ َٕتْ ِزي ن َ ْف ٌس َعن‬
‫ن َّ ْف ٍس َشؼْئا ً} ‪ . .‬لو أردنا النفس‬
‫األوىل فالسياق يناسبها يف اآلية‬
‫األوىل ‪ . .‬ولو أردنا النفس الثانية‬
‫فالسياق يناسبها يف اآلية الثانية‬
‫اليت ‪٨‬تن بصددها ‪ . .‬فكأن معنا‬
‫نفسُت إحدا‪٫‬تا جازية والثانية‬
‫‪٣‬تزي عنها ‪ . .‬وا‪ٞ‬تازية هي اليت‬
‫تشفع ‪ . .‬فأول شيء يقبل منها هو‬
‫الشفاعة ‪ . .‬فإن لم تقبل شفاعتها‬
‫تقول أنا أٖتمل العدل ‪ . .‬أي أخذ‬
‫الفدية أو ما يقابل الذنب ‪. .‬‬
‫ولكن النفس ا‪١‬تجزي عنها أول ما‬
‫تقدم هو العدل أو الفداء ‪ . .‬فإذا لم‬
‫يقبل منها تبحث عن شفيع ‪. .‬‬
‫ولقد ٖتدثنا عن ذلك بالتفصيل‬
‫عند تعرض انلآلية ‪ 48‬من سورة‬
‫البقرة ‪.‬‬
‫وإِ ِذ ابْتََلَ إِب ْ َرا ِهيم ربُّ ُه بِكَلِم ٍ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ك لِلنَّ ِ‬‫ال إ ِِّين َجاعِل ُ َ‬ ‫َ‬
‫اس‬ ‫فَأ َ٘ت َّ ُه َّن قَ َ‬
‫إِماما قَ ِ‬
‫ال‬ ‫ال َوم ْن ُذ ِّري َّ ِيت قَ َ‬
‫ال َال يَن َ ُ‬ ‫َ ً َ‬
‫ِ‬ ‫الظ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُت (‪)124‬‬ ‫َعهْدي َّ َ‬
‫ا‪١‬ت‬
‫يأيت ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل إىل قصة‬
‫إبراهيم عليه السبلم ‪ . .‬ليصفي‬
‫ا‪ٞ‬تدل والتشكيك الذي أحدثه‬
‫اليهود عند تغيَت القبلة ‪ . .‬وإتاه‬
‫ا‪١‬تسلمُت إىل الكعبة ا‪١‬تشرفة بدال‬
‫من بيت ا‪١‬تقدس ‪ . .‬كذلك ا‪ٞ‬تدل‬
‫الذي أثاره اليهود بأهنم شعب اهلل‬
‫ا‪١‬تختار وأنه ال يأيت نبي إال منهم ‪.‬‬
‫يريد اهلل تبارك وتعاىل أن يبُت‬
‫صلة العرب بإبراهيم وصلتهم‬
‫بالؽيت ‪ . .‬فيقول ا‪ٟ‬تق جل جبلله ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ بت‬
‫{ َوإِذ ا َل إِب ْ َراه َ‬
‫يم َربُّ ُه } ‪. .‬‬
‫ومعناها اذكر إذا ابتَل اهلل إبراهيم‬
‫‪ . .‬وإذ هنا ظرف وهناك فرق بؼنها‬
‫وبُت إذا الشرطية يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫إِذَا َجآءَن َ ْص ُر اهلل والفتح * َو َرأَي ْ َت‬
‫ون ِيف دِي ِن اهلل أَفْ َواجا ً}‬
‫الناس ي َ ْد ُخل ُ َ‬
‫ػ النصر ‪] 2-1 :‬‬
‫إذا هنا ظرف ولكنه يدل عَل‬
‫الشرط ‪ . .‬أما إذ فهي ظرف فقط ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ بت‬
‫‪ .‬وقوله تعاىل ‪َ { :‬وإِذ ا َل إِب ْ َراه َ‬
‫يم‬
‫ات فَأ َ َ٘ت َّ ُه َّن } ‪ . .‬معناها‬
‫ربُّ ُه بِكَلِم ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اذكر وقت أن ابتَل إبراهيم‬
‫بكلمات ‪.‬‬
‫ما معٌت االبتبلء؟ الناس يظنون أنه‬
‫شر ولكنه يف ا‪ٟ‬تقيقة لؼس كذلك ‪.‬‬
‫‪ .‬ألن االبتبلء هو إمتحان إن ‪٧‬تحنا‬
‫فيه فهو خَت وإن رسؽنا فيه فهو شر‬
‫‪ . .‬فاالبتبلء لؼس شرا ولكنه‬
‫مقياس الخؾبار ا‪٠‬تَت والشر ‪.‬‬
‫الذي ابتَل هو اهلل سبحانه‪ . .‬هو‬
‫الرب ‪ . .‬والرب معناه ا‪١‬ترّب الذي‬
‫يأخذ من يربيه بأساليب تؤهله إىل‬
‫الكمال ا‪١‬تطلوب منه ‪ . .‬ومن‬
‫أساس الًتبية أن ٯتتحن ا‪١‬ترّب من‬
‫يربيه ليعلم هل ‪٧‬تح يف الًتبية أم‬
‫ال؟ واالبتبلء هنا بكلمات‬
‫والكلمات ‪ٚ‬تع كلمة ‪ . .‬والكلمة‬
‫قد تطلق عَل ا‪ٞ‬تملة مثل قوله تعاىل‬
‫‪َ { :‬ويُن ْ ِذ َر الذين قَالُوا ْاٗتذ اهلل‬
‫َولَدا ً* َّما َ‪٢‬ت ُ ْم بِ ِه ِم ْن عِل ْ ٍم َوال َ‬
‫ُب ْت كَلِ َمةً َٗت ْ ُر ُج ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫آلبَائ ِه ْم َك َُ‬
‫ون إِال َّ َك ِذبا ً} ػ‬ ‫َ ِ‬
‫أفْ َواه ِه ْم إِن ي َ ُقول ُ َ‬
‫الكهف ‪] 5-4 :‬‬
‫إذن فالكلمة قد تطلق عَل ا‪ٞ‬تملة‬
‫وقد تطلق عَل ا‪١‬تفرد ‪ . .‬كأن تقول‬
‫مثبل ‪٤‬تمد وتسكت ‪ . .‬ويف هذه‬
‫ا‪ٟ‬تالة ال تكون ‪ٚ‬تلة مفيدة ‪. .‬‬
‫والكلمة ا‪١‬ترادة يف هذه اآلية هي‬
‫التكليف من اهلل ‪.‬‬
‫قوله سبحانه إفعل وال تفعل ‪. .‬‬
‫فكأن التكليف من اهلل ‪٣‬ترد كلمة‬
‫وأنت تؤدي مطلوبها أو ال تؤديه ‪. .‬‬
‫وقد اختلف العلماء حول الكلمات‬
‫اليت تلقاها إبراهيم من ربه ‪. .‬‬
‫نقول ‪٢‬تم أن هذه الكلمات البد أن‬
‫تناسب مقام إبراهيم أّب األنؽياء ‪.‬‬
‫‪ .‬إهنا ابتبلء ‪٬‬تعله أهبل ‪ٟ‬تمل‬
‫الرسالة ‪ . .‬أي البد أن يكون‬
‫االبتبلء كبَتا ً‪ . .‬ولقد قال العلماء‬
‫إن االبتبلءات كانت عشرة وقالوا‬
‫أربعُت منها عشرة يف سورة التوبة‬
‫وهي قوله تعاىل ‪ { :‬التائبون‬
‫العابدون ا‪ٟ‬تامدون السائحون‬
‫الراكعون الساجدون اآلمرون‬
‫با‪١‬تعروف والناهون َع ِن المنكر‬
‫وا‪ٟ‬تافظون ِ‪ٟ‬ت ُ ُدو ِد اهلل } ػ التوبة ‪:‬‬
‫‪] 112‬‬
‫وهذه رواية عبد اهلل بن عباس ‪. .‬‬
‫وعشرة ثانية يف سورة ا‪١‬تؤمنون ‪.‬‬
‫ويف قوله سبحانه ‪ { :‬قَ ْد أَفْل ََح‬
‫ا‪١‬تؤمنون * الذين ُه ْم ِيف َصبل َ ِ ِْت ْم‬
‫ون * والذين ُه ْم َع ِن اللغو‬ ‫ِ‬
‫َخاش ُع َ‬
‫ون * والذين ُه ْم لِل َّزكَا ِة‬ ‫ُّمعْر ُِض َ‬
‫ون * والذين ُه ْم ل ِ ُف ُرو ِج ِه ْم‬ ‫فَاعل ُ َ‬
‫ِ‬
‫ون * إِال َّعَل أَزْ َوا ِج ِه ْم أ َ ْو َما‬ ‫ظ‬‫ُ‬ ‫حافِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مل َ َك ْت أ َ ْٯت ُاهنُم فَإ َِّهنُم غ َ ْ ِ‬
‫َت َملُوم َ‬
‫ُت *‬ ‫َ ْ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫فَ َم ِن ابتىغ َو َرآءَ ذلك فأولئك ُه ُم‬
‫العادون * والذين ُه ْم أل َ َمان َ ِ ِ‬
‫اْت ْم‬
‫ِ‬
‫ون * والذين ُه ْم عىل‬ ‫َو َعهْ ِده ْم َرا ُع َ‬
‫ون * أولئك ُه ُم‬ ‫ظ‬
‫ُ‬ ‫اْتم ُ٭تافِ‬
‫ِ‬ ‫صلَو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫الوارثون }‬

‫ػ ا‪١‬تؤمنون ‪] 10-1 :‬‬


‫وبعد ذلك قال ‪ { :‬أولئك ُه ُم‬
‫الوارثون } ‪.‬‬
‫ويف سورة األحزاب يذكر منهم‬
‫قوله جل جبلله ‪ { :‬إ َِّن ا‪١‬تسلمُت‬
‫وا‪١‬تسلمات وا‪١‬تؤمنُت وا‪١‬تؤمنات‬
‫والقانتُت والقانتات والصادقُت‬
‫والصادقات والصابرين‬
‫والصابرات وا‪٠‬تاشعُت وا‪٠‬تاشعات‬
‫وا‪١‬تتصدقُت وا‪١‬تتصدقات‬
‫والصائمُت والصائمات‬
‫وج ُه ْم وا‪ٟ‬تافظات‬ ‫وا‪ٟ‬تافظُت ُف ُر َ‬
‫والذاكرين اهلل كَثَِتا ًوالذاكرات‬
‫أَع َ َّد اهلل َ‪٢‬تُم َّمغ ْ ِف َرة ً َوأ َ ْجرا ً َع ِظيما ً‬
‫} ػ األحزاب ‪] 35 :‬‬
‫ويف سورة ا‪١‬تعارج يقول ‪ { :‬إِال َّ‬
‫ا‪١‬تصلُت * الذين ُه ْم عَل َصبل َ ِ ِْت ْم‬
‫ون * والذين يف أ َ ْم َو ِا‪٢‬تِ ْم َح ٌّق‬ ‫م‬ ‫دآ ِ‬
‫ئ‬
‫َ ُ َ‬
‫لس ِآئ ِل وا‪١‬تحروم *‬ ‫وم * ل ِ ّ َّ‬
‫َّمعْل ُ ٌ‬
‫ون بِي َ ْو ِم الدين *‬ ‫والذين يُ َص ِ ّد ُق َ‬
‫اب َر ِبّ ِهم‬‫والذين ُهم ِّم ْن ع َ َذ ِ‬
‫ِ‬
‫َت‬ ‫ون * إ َِّن ع َ َذ َ ِ ِ‬
‫اب َربّه ْم غ َ ْ ُ‬ ‫ُّم ْشف ُق َ‬
‫َمأ ْ ُمونٍ * والذين ُه ْم ل ِ ُف ُرو ِج ِه ْم‬
‫ون * إِال َّعَل أَزْ َوا ِج ِه ْم أ َ ْو َما‬ ‫ِ‬
‫َحاف ُظ َ‬
‫مل َ َك ْت أ َ ْٯت ُاهنُم فَإ َِّهنُم غ َ ْ ِ‬
‫َت َملُوم َ‬
‫ُت *‬ ‫َ ْ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ك فأولئك ُه ُم‬ ‫فَ َم ِن ابتىغ َو َرآءَ ذَل ِ َ‬
‫اْت ْم‬‫العادون * والذين ُه ْم أل َ َمان َ ِ ِ‬
‫ون * َوال َّ ِذي َن ُه ْم‬ ‫ِ‬
‫َو َعهْ ِده ْم َرا ُع َ‬
‫الي َن ُه ْم‬ ‫ون * َو ِذ َّ‬ ‫م‬ ‫اْتم قَا ِ‬
‫ئ‬ ‫ِ‬ ‫بِ َشهَاد ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون} ػ ا‪١‬تعارج ‪:‬‬ ‫عَل َصبل َ ِْت ْم ُ٭تَاف ُظ َ‬
‫‪] 34-22‬‬
‫‪٩‬ترج من هذا ا‪ٞ‬تدل ‪ ،‬بأن نقول إن‬
‫اهلل ابتَل إبراهيم بكلمات تكليفية‬
‫افعل كذا وال تفعل كذا ‪ . .‬وابتبله‬
‫بأن أُلقِي يف النار وهو حي فلم ‪٬‬تزع‬
‫ولم يًتاجع ولم يتجه إال هلل وكانت‬
‫قمة االبتبلء أن يذبح ابنه ‪.‬‬
‫وكون إبراهيم أدى ‪ٚ‬تيع‬
‫التكليفات بعشق وحب وزاد عليه‬
‫من جنسها ‪ . .‬وكونه يلىق يف النار‬
‫وال يبايل يأتيه جُبيل فيقول ألك‬
‫حاجة فَتد إبراهيم أما إليك فبل ‪.‬‬
‫‪ .‬وأما إىل اهلل فعلمه ْتايل يغنيه عن‬
‫سؤايل ‪ . .‬وكونه وهو شيخ كبَت‬
‫يؽتَل بذبح ابنه الوحيد فيطيع‬
‫بنفس مطمػنة ورضا بقدر اهلل ‪. .‬‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أ َ ْم ل َ ْم يُنَبَّأ ْ ِٔتَا ِيف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم الذي وىف‬ ‫ُص ُحف موىس * َوإِب ْ َراه َ‬
‫} ػ النجم ‪] 37-36 :‬‬
‫أي َو َّيف كل ما طلب منه وأداه بعشق‬
‫للمنهج والبتبلءات اهلل ‪ . .‬لقد ‪٧‬تح‬
‫إبراهيم عليه السبلم يف كل ما‬
‫ابتلي به أو اخؾُب به‪ . .‬واهلل كان‬
‫أعز عليه من أهله ومن نفسه ومن‬
‫ولده ‪ . .‬ماذا كافأه اهلل به؟ قال ‪{ :‬‬
‫ك لِلنَّ ِ‬
‫اس إ َِماما ً} ػ‬ ‫ال إ ِِّين َجاعِل ُ َ‬
‫قَ َ‬
‫البقرة ‪] 124 :‬‬
‫أي أن ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل أئتمنه أن‬
‫يكون إماما ًللبشر ‪ . .‬واهلل سبحانه‬
‫كان يعلم وفاء إبراهيم ولكنه‬
‫اخؾُبه لنعرف ‪٨‬تن البشر كيف‬
‫يصطفي اهلل تعاىل عباده ا‪١‬تقربُت‬
‫وكيف يكونوا أئمة يتولون قيادة‬
‫األمور ‪ . .‬استقبل إبراهيم هذه‬
‫البشرى من اهلل وقال كما يروي لنا‬
‫ال َو ِمن‬
‫القرآن الكريم ‪ { :‬قَ َ‬
‫ُذ ِّري َّ ِيت } ػ البقرة ‪] 124 :‬‬
‫ما هي الذرية؟ هي النسل الذي‬
‫يأيت والولد الذي ‪٬‬تئ ‪ . .‬ألنه ٭تب‬
‫استطراق ا‪٠‬تَت عَل أوالده وأحفاده‬
‫وهذه طؽيعة البشر ‪ ،‬فهم يعطون‬
‫‪ٙ‬ترة حركتهم وعملهم يف ا‪ٟ‬تياة‬
‫ألوالدهم وأحفادهم وهم‬
‫مسرورون ‪.‬‬

‫‪ .‬ولذلك أراد إبراهيم أن ينقل‬


‫اإلمامية إىل أوالده وأحفاده ‪ . .‬حىت‬
‫ال ٭ترموا من القيم اإلٯتانية ٖترس‬
‫حياْتم وتؤدي بهم إىل نعيم ال‬
‫يزول ‪ . .‬ولكن اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫يرد عَل إبراهيم بقضية إٯتانية‬
‫أيضا هي تقريع لليهود ‪ . .‬الذي‬
‫تركوا القيم وعبدوا ا‪١‬تادة فيقول‬
‫ال َعهْ ِدي‬
‫جل جبلله ‪ { :‬ال َيَن َ ُ‬
‫الظا‪١‬تُت } ػ البقرة ‪] 124 :‬‬
‫فكأن إبراهيم بأعماله قد وصل‬
‫إىل اإلمامية ‪ . .‬ولكن هذا ال ينتقل‬
‫إال للصا‪ٟ‬تُت من عباده العابدين‬
‫ا‪١‬تسبحُت ‪.‬‬
‫وقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ { :‬ال َيَن َ ُ‬
‫ال‬
‫َعهْ ِدي الظا‪١‬تُت } مقصود به‬
‫اليهود الذين باعوا قيمهم‬
‫اإلٯتانية با‪١‬تادة ‪ ،‬وهو استقراء‬
‫للغيب أنه سيأيت من ذرية إبراهيم‬
‫من سيفسق ويظلم ‪.‬‬
‫ومن العجائب أن موىس وهارون‬
‫عليهما السبلم كانا رسولُت‪. .‬‬
‫الرسول األصيل موىس وهارون‬
‫جاء ليشد أزره ألنه فصيح اللسان ‪.‬‬
‫‪ .‬وشاءت إرادة اهلل سبحانه أن‬
‫تستمر الرسالة يف ذرية هارون‬
‫ولؼس يف ذرية موىس ‪ . .‬والرسالة‬
‫لؼست مَتاثا ‪. .‬‬
‫ال َعهْ ِدي‬
‫وقوله تعاىل { ال َيَن َ ُ‬
‫الظا‪١‬تُت } ‪ . .‬فكأن عهد اهلل هو‬
‫الذي ‪٬‬تذب صاحبه أي هو الفاعل‬
‫‪ . .‬نأيت بعد ذلك إىل مسألة ا‪ٞ‬تنس‬
‫والدم واللون ‪ . .‬بنوة األنؽياء غَت‬
‫بنوة الناس كلهم فاألنؽياء‬
‫اصطفاؤهم اصطفاء قيم‬
‫وأبناؤهم هم الذين يأخذون‬
‫منهم هذه القيم ولؼسوا الذين‬
‫يأخذون ا‪ٞ‬تنس والدم واللون ‪. .‬‬
‫ولو رجعنا إىل قصة نوح عليه‬
‫السبلم حُت غرق ابنه‪ . .‬رفع‬
‫يديه إىل السماء وقال ‪َ { :‬ر ِ ّب إ َِّن‬
‫ابٍت ِم ْن أ َ ْهلِي } ػ هود ‪] 45 :‬‬
‫فرد عليه ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل فقال ‪:‬‬
‫َت‬ ‫{ إِن ّ َُه لَؼ ْ َس ِم ْن أ َ ْهلِ َ‬
‫ك إِن ّ َُه َع َم ٌل غ َ ُْ‬
‫اٌف } ػ هود ‪] 46 :‬‬ ‫َص ِ ٍ‬
‫إن أهل النبوة هم الذين يأخذون‬
‫القيم عن األنؽياء ‪ . .‬ولوال أن ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه قال لنا { إِن ّ َُه َع َم ٌل غ َ ْ ُ‬
‫َت‬
‫اٌف } ‪ . .‬العتقدنا أنه رٔتا جاء‬ ‫َص ِ ٍ‬
‫من رجل آخر أو غَت ذلك ‪ . .‬ولكن‬
‫اهلل يريدنا أن نعرف أن عدم‬
‫نسبة ابن نوح إىل أبيه بسبب { إِن ّ َُه‬
‫عم ٌل غَت ص ِ‬
‫اٌفٍ } ‪.‬‬ ‫َ َ َُْ َ‬
‫اس َوأ َ ْمنًا‬ ‫َوإِذْ َجعَلْنَا الْؽَي َت َمثَابَةً لِلنَّ ِ‬
‫ْ‬
‫يم ُم َص ًَّل‬ ‫اٗت ُذوا ِم ْن مقَا ِم إِب ْ َرا ِ‬
‫ه‬ ‫و َّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يل أ َ ْن‬ ‫ِ‪ٝ‬تا ِع َ‬ ‫يم َوإ ْ َ‬
‫ِ‬
‫َو َع ِه ْدنَا إ َِىل إِب ْ َراه َ‬
‫ُت‬ ‫الا ِك ِ‬
‫ف‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ُت‬ ‫َط ِّه َرا بَؼ ْ ِيت ل ِ َّلط ِائ ِ‬
‫ف‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫لس ُجو ِد (‪)125‬‬ ‫َوال ُّر َّك ِع ا ُّ‬
‫وضحت لنا اآلية اليت سبقت أن‬
‫ّ‬
‫اليهود قد انتفت صلتهم بإبراهيم‬
‫عليه السبلم ‪ . .‬بعد أن تركوا‬
‫القيم والدين وإتهوا إىل ماديات‬
‫ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬أنتم تدعون أنكم أفضل‬
‫شعوب األرض ألنكم من ذرية‬
‫إسحق بن إبراهيم والعرب ‪٢‬تم‬
‫هذه األفضلية والشرف ألهنم من‬
‫ذرية إ‪ٝ‬تاعيل بن إبراهيم ‪ . .‬إذن‬
‫فأنتم غَت مفضلُت عليهم ‪ . .‬فإذا‬
‫انتقلنا إىل قصة بيت ا‪١‬تقدس‬
‫وٖتول القبلة إىل الكعبة‪ . .‬نقول‬
‫إن ذلك مكتوب منذ بداية ا‪٠‬تلق‬
‫أن تكون الكعبة قبلة كل من يعبد‬
‫اهلل ‪.‬‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬وإِذْ‬
‫َجعَلْنَا الؽيت َمثَابَةً ل ِ ّلنَّ ِ‬
‫اس َوأ َ ْمنا ً} ‪.‬‬
‫‪ .‬تأمل كلمة الؽيت وكلمة مثابة ‪.‬‬
‫‪ .‬بيت مأخوذ من البؼتوته وهو‬
‫ا‪١‬تأوى الذي تأوى إليه وتسكن فيه‬
‫وتسًتيح وتكون فيه زوجتك‬
‫وأوالدك ‪ . .‬ولذلك ‪ٝ‬تيت الكعبة‬
‫بؼتا ألهنا هي ا‪١‬تكان الذي يسًتيح‬
‫إليه كل خلق اهلل ‪ . .‬ومثابة يعٍت‬
‫مرجعا تذهب إليه وتعود ‪. .‬‬
‫ولذلك فإن الذي يذهب إىل بيت‬
‫اهلل ا‪ٟ‬ترام مرة ٭تب أن يرجع‬
‫مرات ومرات ‪ . .‬إذن فهو مثابة له‬
‫ألنه ذاق حبلوة وجوده يف بيت ربه ‪.‬‬
‫‪ .‬وأٖتدى أن يوجد شخص يف بيت‬
‫اهلل ا‪ٟ‬ترام يشغل ذهنه غَت ذكر اهلل‬
‫وكبلمه وقرآنه وصبلته ‪ . .‬تنظر‬
‫إىل الكعبة فيذهب كل ما يف‬
‫صدرك من ضيق وهم وحزن وال‬
‫تتذكر أوالدك وال شئون دنياك ولو‬
‫ظلت جاذبية بيت اهلل يف قلوب‬
‫الناس مستمرة لًتكوا كل شئون‬
‫دنياهم لؼبقوا ّتوار الؽيت ‪. .‬‬
‫ولذلك كان عمر بن ا‪٠‬تطاب‬
‫حريصا عَل أن يعود الناس إىل‬
‫أوطاهنم وأوالدهم بعد انتهاء‬
‫مناسك ا‪ٟ‬تج مباشرة ‪. .‬‬
‫ومن ر‪ٛ‬تة ا‪ٟ‬تق سبحانه أن الدنيا‬
‫ٗتتفي من عقل ا‪ٟ‬تاج وقلبه ‪ . .‬ألن‬
‫ا‪ٟ‬تجيج يف بيت ربهم ‪ . .‬وكلما‬
‫كربهم شيء أو ‪٫‬تهم شيء توجهوا‬
‫إىل ربهم وهم يف بؼته فيذهب‬
‫عنهم ا‪٢‬تم والكرب ‪ . .‬ولذلك‬
‫فإن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬
‫فاجعل أَفْئِ َدة ً ِّم َن الناس ْتوي‬
‫إِلَي ْ ِه ْم } ػ إبراهيم ‪] 37 :‬‬
‫أفئدة ولؼست أجساما وْتوى أي‬
‫يلقون أنفسهم إىل الؽيت ‪ . .‬وا‪ٟ‬تج‬
‫هو الركن الوحيد الذي ٭تتال‬
‫الناس ليؤدوه ‪ . .‬حىت غَت ا‪١‬تستطيع‬
‫يشق عَل نفسه ليؤدي الفريضة ‪. .‬‬
‫والذي يؤديه مرة ويسقط عنه‬
‫التكليف يريد أن يؤديه مرة أخرى‬
‫ومرات ‪.‬‬
‫إن من ا‪٠‬تَت أن تًتك الناس يثوبون‬
‫إىل بيت اهلل ‪ . .‬ليمحو اهلل سبحانه‬
‫ما يف صدورهم من ضيق و‪٫‬توم‬
‫مشكبلت ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬مثَابَةً ل ِ ّلنَّ ِ‬
‫اس َوأ َ ْمنا ً‬
‫} ‪ . .‬أمنا يعٍت يؤ ّمن الناس فيه ‪. .‬‬
‫العرب حىت بعد أن ٖتللوا من دين‬
‫إ‪ٝ‬تاعيل وعبدوا األصنام كانوا‬
‫يؤمنون حجاج بيت اهلل ا‪ٟ‬ترام ‪. .‬‬
‫يلقي أحدهم قاتل أبيه يف بيت اهلل‬
‫فبل يتعرض له إال عندما ٮترج ‪.‬‬

‫واهلل سبحانه وتعاىل يضع من‬


‫التشريعات ما يريح الناس من‬
‫تقاتلهم و٭تفظ ‪٢‬تم كُبياءهم‬
‫فيأيت إىل مكان و‪٬‬تعله آمنا ‪ . .‬ويأيت‬
‫إىل شهر و‪٬‬تعله آمنا ال قتال فيه‬
‫لعلهم حُت يذوقون السبلم‬
‫والصفاء ٯتؾنعون عن القتال ‪.‬‬
‫والكبلم عن هذه اآلية يسوقنا إىل‬
‫توضيح الفرق بُت أن ٮتُبنا اهلل أن‬
‫الؽيت آمن وأن يطلب منا جعله‬
‫آمنا ‪ . .‬إنه سبحانه ال ٮتُبنا بأن‬
‫الؽيت آمن ولكن يطلب منا أن‬
‫نؤ ّمن من فيه ‪ . .‬الذي يطيع ربه‬
‫يؤمن من يف الؽيت والذي ال يطيعه‬
‫ال يؤمنه ‪ . .‬عندما ٭تدث هياج من‬
‫‪ٚ‬تاعة يف ا‪ٟ‬ترم اٗتذته ستارا ً‬
‫لتحقيق أهدافها ‪ . .‬هل يتعارض‬
‫هذا مع قوله تعاىل ‪َ { :‬مثَابَةً ل ِ ّلنَّ ِ‬
‫اس‬
‫َوأ َ ْمنا ً} ‪ . .‬نقول ال ‪. .‬‬
‫إن اهلل لم يعط لنا هذا كخُب ولكن‬
‫كتشريع ‪ . .‬إن أطعنا اهلل نفذنا‬
‫هذا التشريع وإن لم نطعه ال ننفذه‬
‫‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬واتخذوا ِمن َّم َقا ِم‬
‫يم ُم َص ًَّل } ‪ . .‬وهنا نقف‬ ‫ِ‬
‫إِب ْ َراه َ‬
‫قليبل فهناك َمقام بفتح ا‪١‬تيم‬
‫ومقام بضم ا‪١‬تيم ‪ . .‬قوله تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ُ‬
‫ياأهل يَث ْ ِر َب ال َ ُم َق َ‬
‫ام ل َ ُك ْم } ػ‬
‫األحزاب ‪] 13 :‬‬
‫َمقام بفتح ا‪١‬تيم إسم ‪١‬تكان من قام‬
‫ومقام بضم ا‪١‬تيم اسم ‪١‬تكان‬ ‫‪ُ ..‬‬
‫من أقام ‪ . .‬فإذا نظرت إىل اإلقامة‬
‫فقل ُمقام بضم ا‪١‬تيم ‪ . .‬وإذا‬
‫نظرت إىل مكان القيام فقل مقام‬
‫بفتح ا‪١‬تيم ‪ . .‬إذن فقوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫يم ُم َص ًَّل }‬ ‫واٗتذوا ِمن َمقَا ِم إِب ْ َرا ِ‬
‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫بفتح ا‪١‬تيم اسم ا‪١‬تكان الذي قام‬
‫إبراهيم فيه لَتفع القواعد من‬
‫الؽيت ويوجد فيه ا‪ٟ‬تجر الذي‬
‫وقف إبراهيم عليه وهو يرفع‬
‫القواعد ‪.‬‬
‫ولكن ‪١‬تاذا أمرنا اهلل بأن نتخذ من‬
‫مقام إبراهيم مصَل؟ ألهنم كانوا‬
‫يتحرجون عن الصبلة فيه ‪. .‬‬
‫فالذي يصلي خلف ا‪١‬تقام يكون‬
‫ا‪ٟ‬تجر بؼنه وبُت الكعبة‪ . .‬وكان‬
‫ا‪١‬تسلمون يتحرجون أن يكون‬
‫بؼنهم وبُت الكعبة شيء فيخلون‬
‫من الصبلة ذلك ا‪١‬تكان الذي فيه‬
‫مقام إبراهيم ‪ . .‬ولذلك قال‬
‫سيدنا عمر بن ا‪٠‬تطاب رضي اهلل‬
‫عنه لرسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫‪ :‬أال نتخذ من مقام إبراهيم‬
‫مصَل؟ وسؤال عمر ينبع من‬
‫ا‪ٟ‬ترص عَل عدم الصبلة وبؼنه‬
‫وبُت الكعبة عائق وهم ال يريدون‬
‫ذلك ‪ . .‬و‪١‬تا رأى عمر مكانا يف‬
‫الؽيت لؼس فيه صبلة يصنع فج وة‬
‫بُت ا‪١‬تصلُت أراد أن تعم الصبلة‬
‫كل الؽيت ‪ . .‬فزنلت اآلية الكرٯتة‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ { :‬واٗتذوا من َّم َقام إِب ْ َراه َ‬
‫يم‬
‫ُم َص ًَّل } ‪.‬‬
‫وإذا كان اهلل سبحانه وتعاىل قد‬
‫أمرنا أن نتخذ من مقام إبراهيم‬
‫مصَل ‪ . .‬فكأنه جل جبلله أقر‬
‫وجود مكان إبراهيم يف مكانه فاصبل‬
‫بُت ا‪١‬تصلُت خلفه وبُت الكعبة‪. .‬‬
‫وذلك ألن مقام إبراهيم له قصة‬
‫تتصل بالعبادة وإ٘تامها عَل الوجه‬
‫األكمل ‪ ،‬وا‪١‬تقام سيعطؼنا حيؿية‬
‫اإل٘تام ألن اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫ام‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ات‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ؼ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ات‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫آي‬ ‫يقول ‪ { :‬فِي ِ‬
‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫يم } ػ آل عمران ‪] 97 :‬‬ ‫ِ‬
‫إِب ْ َراه َ‬
‫إذن هناك آيات واضحة يريدنا‬
‫اهلل سبحانه أن نراها ونتفهمها ‪.‬‬

‫‪ .‬فمقام إبراهيم هو مكان قيامه‬


‫عندما أمره اهلل برفع القواعد من‬
‫الؽيت ‪ . .‬والًتتيب الزمٍت‬
‫لؤلحداث هو أن الؽيت ُوجد أوال ‪.‬‬
‫‪ .‬ثم بعد ذلك رفعت القواعد‬
‫ووضع ا‪ٟ‬تجر األسود يف موقعه وقد‬
‫وضعه إبراهيم عليه السبلم ‪.‬‬
‫إن اهلل سبحانه وتعاىل ال يريد أن‬
‫يعطؼنا التاريخ بقدر ما يريد أن‬
‫يعطؼنا العُبة؛ فقصة بناء الؽيت‬
‫وقع فيها خبلف بُت العلماء ‪ . .‬مىت‬
‫بٍت الؽيت؟ بعض العلماء جعلوا‬
‫بداية الؽناء أيام إبراهيم وبعضهم‬
‫يرى أنه من عهد آدم وفريق ثالث‬
‫يقول إنه من قبل آدم ‪ . .‬وإذا‬
‫حكمنا ا‪١‬تنطق والعقل وقرأنا قول‬
‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪َ { :‬وإِذْي َ ْرفَ ُع‬
‫يم القواعد ِم َن الؽيت‬‫ُ‬
‫إِب ْ َرا ِ‬
‫ه‬
‫ِ‪ٝ‬تا ِع ُيل َربَّنَا تَ َقب َّ ْل ِمنَّآ إِن ّ ََك أ َ َ‬
‫نت‬ ‫َوإ ْ َ‬
‫السميع العليم } ػ البقرة ‪127 :‬‬
‫]‬
‫نسأل ما الرفع أوال؟ هو الصعود‬
‫واإلعبلء ‪ ،‬فكل بناء له طول وله‬
‫عرض وله ارتفاع ‪ . .‬ومادامت‬
‫مهمة إبراهيم هي رفع القواعد‬
‫فكأن هناك طوال وعرضا للؽيت‬
‫وإن إبراهيم سيحدد البعد الثالث‬
‫وهو االرتفاع ‪ . .‬إن الؽيت كان‬
‫موجودا قبل إبراهيم ‪ . .‬ثم جاء‬
‫الطوفان الذي غمر األرض يف‬
‫عهد نوح فأخىف معا‪١‬ته ‪ . .‬فأراد‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل أن يظهره ويبُت‬
‫مكانه للناس ‪.‬‬
‫والكعبة لؼست هي الؽيت ولكنها‬
‫هي ا‪١‬تكُت الذي يدلنا عَل مكان‬
‫الؽيت ‪ . .‬إذن فالذين فهموا من‬
‫يم‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬وإِذْي َ ْرفَ ُع إِب ْ َرا ِ‬
‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫القواعد ِم َن الؽيت } ‪ٔ . .‬تعٌت أن‬
‫إبراهيم هو الذي بٌت الؽيت‪. .‬‬
‫نقول ‪٢‬تم إن الؽيت كان موجودا‬
‫قبل إبراهيم وأن مهمة إبراهيم‬
‫اقتصرت عَل رفع القواعد إلظهار‬
‫مكان الؽيت للناس ‪ . .‬ودليلنا عَل‬
‫ذلك أنه اآلن وقد ارتفع الؽناء حول‬
‫الكعبة‪ . .‬من يصلي عَل السطح ال‬
‫يسجد للكعبة ولكنه يسجد ‪ٞ‬ت ّو‬
‫الكعبة‪ . .‬ومن يصلي يف الدور‬
‫األسفل يصلي أيضا للكعبة ألن‬
‫ا‪١‬تكان غَت ا‪١‬تكُت ‪.‬‬
‫ولعل أكُب دليل عَل ذلك من‬
‫القرآن الكريم ‪ . .‬أن إبراهيم‬
‫حُت أخذ هاجر وابنها إ‪ٝ‬تاعيل‬
‫وتركهما يف بيت اهلل ا‪ٟ‬ترام ولم‬
‫يكن قد بٌت الكعبة يف ذلك الوقت ‪.‬‬
‫‪ .‬ذكر الؽيت واقرأ قول ا‪ٟ‬تق تبارك‬
‫وتعاىل يف دعاء إبراهيم وهو يًتك‬
‫هاجر وطفلها الرضيع ‪َّ { :‬ربَّنَآ إين‬
‫َت ِذي زَ ْر ٍع‬ ‫نت ِمن ُذ ِّري َّ ِيت بِ َوا ٍد غ َ ْ ِ‬
‫أ ْس َك ُ‬
‫َ‬
‫يموا ْ‬ ‫ك ا‪١‬تحرم ربَّنا لِيقِ‬ ‫ِعن َد بَؼْتِ َ‬
‫َ َ ُ ُ‬
‫الصبلة } ػ إبراهيم ‪] 37 :‬‬
‫يعٍت أن الؽيت كان موجودا‬
‫وإ‪ٝ‬تاعيل طفل رضيع ‪ . .‬ولكن‬
‫القواعد من الؽيت قد أقيمت بعد‬
‫أن أصبح إ‪ٝ‬تاعيل شابا يافعا‬
‫يستطيع أن يعاون أباه يف بناء‬
‫الكعبة‪ . .‬إذن فمكان بيت اهلل‬
‫ا‪ٟ‬ترام كان موجودا قبل أن يؽٍت‬
‫إبراهيم عليه السبلم الكعبة‪. .‬‬
‫ولكن مكان الؽيت لم يكن ظاهرا‬
‫للناس ‪ ،‬ولذلك بُت اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل إلبراهيم مكان الؽيت حىت‬
‫يضع له العبلمة اليت تدل الناس‬
‫عليه ‪ . .‬واقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ان الؽيت‬ ‫{ َوإِذْ ب َ َّوأنَا ِإلب ْ َراه َ‬
‫يم َمكَ َ‬
‫أَن ال َّ ُت ْش ِر ْ‬
‫ك ِّب َشؼْئا ً}‬

‫ػ ا‪ٟ‬تج ‪] 26 :‬‬
‫إن كثَتا من ا‪١‬تفسرين ٮتىف عليهم‬
‫حقيقة ما جاء يف القرآن ‪.‬‬
‫وا‪١‬تفروض أننا حُت نتعرض‬
‫لقضية بناء الؽيت البد أن‬
‫نستعرض ‪ٚ‬تيع اآليات اليت وردت‬
‫يف القرآن الكريم حول هذه‬
‫القصة ‪ . .‬ومنها قوله تبارك وتعاىل‬
‫اس لَل َّ ِذي‬‫‪ { :‬إ َِّن أ َ َّو َل بَي ٍت و ِض َع لِلنَّ ِ‬
‫ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ُت} ػ آل‬ ‫بِب َ َّك َة ُمب َ َ‬
‫اركا ً َو ُه ًدى ل ّلْعَا َ‪١‬ت ِ َ‬
‫عمران ‪] 96 :‬‬
‫والكبلم هنا عن الؽيت ‪ .‬والقول إنه‬
‫وضع للناس ‪ .‬والناس هم آدم‬
‫وذريته حىت تقوم الساعة ‪ . .‬وعَل‬
‫ذلك البد أن نفهم أن الؽيت مادام‬
‫وضع للناس فالناس لم يضعوه ‪. .‬‬
‫ولكن اهلل سبحانه وتعاىل هو الذي‬
‫وضعه وحدده ‪ ،‬وعدل اهلل يأىب إال‬
‫أن يوجد الؽيت قبل أن ٮتلق آدم ‪.‬‬
‫ولذلك فإن ا‪١‬تبلئكة هم الذين‬
‫وضعوه بأمر اهلل وحيث أراد اهلل‬
‫لبؼته أن يوضع ‪ . .‬واهلل مع نزول‬
‫آدم إىل األرض شرع التوبة وأعد‬
‫هذا الؽيت لؼتوب الناس فيه إىل‬
‫ربهم وليقيموا الصالة ويتعبدوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫وعندما أراد إبراهيم أن يقيم‬
‫القواعد من الؽيت كان يكفي أن‬
‫يقيمها عَل قدر طول قامته ولكنه‬
‫أىت با‪ٟ‬تجر ليزيد القواعد ٔتقدار‬
‫ارتفاع ا‪ٟ‬تجر ‪ . .‬ويريد اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ٔتقام إبراهيم‬
‫واٗتاذه مصَل أن يلفؾنا إىل أن‬
‫اإلنسان ا‪١‬تؤمن البد أن يعشق‬
‫التكليف ‪ . .‬فبل يؤديه شكبل ولكن‬
‫يؤديه ْتب ويتحايل ليزيد تطوعا‬
‫من جنس ما فرض اهلل عليه ‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تجر ا‪١‬توجود يف مقام إبراهيم‬
‫إ‪٪‬تا هو دليل عَل عشقه عليه‬
‫السبلم لتكاليف ربه و‪٤‬تاولته أن‬
‫يزيد عليها ‪ .‬وإن ا‪ٟ‬تجر الذي كان‬
‫يقف عليه إبراهيم به حفر عَل‬
‫شكر قدميه ‪ . .‬و‪٫‬تا يبن قائل أن‬
‫ا‪ٟ‬تجر الن ٖتت قدمي إبراهيم من‬
‫خشية اهلل ‪ . .‬وبُت قائل إن‬
‫إبراهيم هو الذي قام ْتفر مكان يف‬
‫ا‪ٟ‬تجر عَل هؼئة قدميه ‪ . .‬حىت إذا‬
‫وقف عليه ورفع يده إىل أعَل ما‬
‫ٯتكن ليعلي القواعد من الؽيت كان‬
‫توازنه ‪٤‬تفوظا ‪.‬‬
‫يت } دليل‬ ‫ط ِه ِ‬ ‫ق‬
‫و وله تعاىل ‪َ ّ َ { :‬را بَؼ ْ َ‬
‫عَل الؽيت زالت معا‪١‬ته ٘تاما‬
‫وأصبح مثل سائر األرض فذْتت‬
‫فيه الذبائح وألقيت ا‪١‬تخلفات ‪،‬‬
‫فأمر اهلل سبحانه وتعاىل أن يطهر‬
‫هو وإ‪ٝ‬تاعيل الؽيت من كل هذا‬
‫الدنس و‪٬‬تعله مكانا لثبلث طوائف‬
‫‪ « :‬الطائفُت » وهذه مأخوذة من‬
‫الطواف وهو الدوران حول الشيء‬
‫‪ . .‬ولذلك يسمون شرطة اٌفراسة‬
‫بالليل طوافة ألهنم يطوفون يف‬
‫الشوارع يف أثناء الليل ‪ .‬واهلل جل‬
‫جبلله يقول ‪ { :‬فَ َط َ‬
‫اف عَلَيْهَا‬
‫ِ‬ ‫َط ِآئ ٌف ِّمن َّر ِبّ َ‬
‫ك َو ُه ْم نَآئ ُم َ‬
‫ون *‬
‫فَأ َ ْصب َ َح ْت كالصريم } ػ القلم ‪:‬‬
‫‪] 20-19‬‬
‫وهذه هي قصة ا‪ٟ‬تديقة اليت منع‬
‫أوالد الرجل الصاٌف بعد وفاته حق‬
‫الفقراء وا‪١‬تساكُت فيها فأرسل‬
‫اهلل سبحانه من طاف بها ‪ . .‬أي‬
‫مىش يف كل جزء منها فأحرق‬
‫أشجارها ‪ . .‬فالطائف هو الذي‬
‫يطوف ‪ { . .‬والعاكفُت } هم‬
‫ا‪١‬تقيمون { والركع السجود } هم‬
‫ا‪١‬تصلون فتطهَت الؽيت للطواف به‬
‫واإلقامة والصبلة فيه ‪ . .‬وهو‬
‫مطهر أيضا ألنه سيكون قبلة‬
‫للمسلمُت لكل راكع أو ساجد يف‬
‫األرض حىت قيام الساعة ‪.‬‬

‫اجعَ ْل َه َذا‬‫يم َر ِ ّب ْ‬ ‫وإِذْقَ َ ب ِ‬


‫ال إِ ْ َراه ُ‬ ‫َ‬
‫بَل َ ًدا آ ِمنًا وار ُز ْق أ َ ْهل َ ُه ِم َن الث ّ ََم َر ِ‬
‫ات‬ ‫َ ْ‬
‫اّلل َوالْي َ ْو ِم ْاآل ِخ ِر‬
‫َم ْن آ َم َن ِمن ْ ُهم بِ َ ِ‬
‫ْ ّ‬
‫ال َو َم ْن كَ َف َر فَأُ َمتِّ ُع ُه قَلِ ً‬
‫يبل ُث َّم‬ ‫قَ َ‬
‫اب النَّا ِر َوبِػ َْس‬ ‫أ َ ْض َط ُّر ُه إ َِىل ع َ َذ ِ‬
‫َت (‪)126‬‬ ‫ا ْ‪١‬ت َ ِ‬
‫ص‬
‫ُ‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬وإِذْ‬
‫َجعَلْنَا الؽيت َمثَابَةً ل ِ ّلنَّ ِ‬
‫اس َوأ َ ْمنا ً} ‪.‬‬
‫‪ .‬ومادام اهلل قد جعله أمنا فما هي‬
‫جدوى دعوة إبراهيم أن تكون‬
‫مكة بلدا آمنا ‪ . .‬نقول إذا رأيت‬
‫طلبا ‪١‬توجود فاعلم أن القصد منه‬
‫هو دوام بقاء ذلك ا‪١‬توجود ‪ . .‬فكأن‬
‫إبراهيم يطلب من اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل أن يديم نعمة األمن يف‬
‫الؽيت ‪ . .‬ذلك ألنك عندما تقرأ‬
‫قول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪ { :‬يَا أَيُّهَا‬
‫الذين آ َم ُنوا ْآ ِم ُنوا ْباهلل َو َر ُسول ِ ِه‬
‫والكتاب الذي ن َ َّز َل عَل َر ُسول ِ ِه‬
‫والكتاب الذي أَن َز َل ِمن قَب ْ ُل َو َمن‬
‫ي َ ْك ُف ْر باهلل وم ِ‬
‫آلئ َكتِ ِه َو ُك ُؾبِ ِه َو ُر ُسلِ ِه‬ ‫ََ‬
‫واليوم اآلخر فَ َق ْد َض َّل َضبلَال ً‬
‫بَعِيدا ً} ػ النساء ‪] 136 :‬‬
‫هو خاطبهم بلفظ اإلٯتان ثم طلب‬
‫منهم أن يؤمنوا ‪ . .‬كيف؟ نقول إن‬
‫اهلل سبحانه يأمرهم أن يستمروا‬
‫ويداوموا عَل اإلٯتان ‪ . .‬ولذلك‬
‫فإن كل مطلوب ‪١‬توجود هو ٌ‬
‫طلب‬
‫الستمرار هذا ا‪١‬توجود ‪.‬‬
‫وقول إبراهيم ‪َ { :‬ر ِ ّب اجعل هذا‬
‫بَلَدا ًآ ِمنا ً} ‪ . .‬أي يا رب إذا كنت‬
‫قد جعلت هذا الؽيت آمنا من قبل‬
‫فأمنه حىت قيام الساعة ‪ . .‬ليكون‬
‫كل من يدخل إليه آمنا ألنه موجود‬
‫يف واد غَت ذي زرع ‪ . .‬وكانت الناس‬
‫يف ا‪١‬تاضي ٗتاف أن تذهب إليه‬
‫لعدم وجود األمان يف الطريق ‪ . .‬أو‬
‫آمنا أي أن يديم اهلل عَل كل من‬
‫يدخله نعمة اإلٯتان ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬اجعل هذا بَلَدا ً‬
‫آ ِمنا ً} تكررت يف آية أخرى تقول‬
‫‪ { :‬اجعل هذا البلد آ ِمنا ً} ‪. .‬‬
‫فمرة جاء بها نكرة ومرة جاء بها‬
‫معرفة ‪ . .‬نقول إن إبراهيم حُت‬
‫قال ‪َ { :‬ر ِ ّب اجعل هذا البلد آ ِمنا ً‬
‫} ‪ . .‬طلب من اهلل شيئُت ‪ . .‬أن‬
‫‪٬‬تعل هذا ا‪١‬تكان بلدا وأن ‪٬‬تعله‬
‫آمنا ‪.‬‬
‫ما معٌت أن ‪٬‬تعله بلدا؟ هناك أ‪ٝ‬تاء‬
‫تؤخذ من ا‪١‬تحسات ‪ . .‬فكلمة‬
‫غصب تعٍت سلخ ا‪ٞ‬تلد عن الشاة‬
‫وكأن من يأخذ شؼئا من إنسان‬
‫غصبا كأنه يسلخه منه بؼنما ه و‬
‫متمسك به ‪.‬‬
‫كلمة بلد حُت تسمعها تنصرف إىل‬
‫ا‪١‬تدينة ‪ . .‬والبلد هو البقة تنشأ يف‬
‫ا‪ٞ‬تلد فتميزه عن بايق ا‪ٞ‬تلد كأن‬
‫تكون هناك بقعة بيضاء يف الوجه أو‬
‫الذراعُت فتكون البقعة اليت‬
‫ظهرت ‪٦‬تيزة بؽياض اللون ‪. .‬‬
‫وا‪١‬تكان إذا لم يكن فيه مساكن‬
‫ومبان فيكون مستويا باألرض ال‬
‫تستطيع أن ٘تيزه بسهولة ‪ . .‬فإذا‬
‫أقمت فيه مباين جعلت فيه عبلمة‬
‫٘تيزه عن بايق األرض ا‪١‬تحيطة به ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬وارزق أ َ ْهل َ ُه ِم َن‬
‫الثمرات } ‪ . .‬هذه من‬
‫مستلزمات األمن ألنه مادام هناك‬
‫رزق و‪ٙ‬ترات تكون مقومات ا‪ٟ‬تياة‬
‫موجودة فؼبىق الناس يف هذا البلد ‪. .‬‬
‫ولكن إبراهيم قال ‪ { :‬وارزق‬
‫أ َ ْهل َ ُه ِم َن الثمرات َم ْن آ َم َن ِمن ْ ُه ْم }‬
‫فكأنه طلب الرزق للمؤمنُت‬
‫وحدهم ‪١ . .‬تاذا؟ ألنه حؼنما قال‬
‫له اهلل ‪:‬‬

‫اس إ َِماما ً} ػ‬ ‫ك لِلنَّ ِ‬


‫{ إ ِِّين َجاعِل ُ َ‬
‫البقرة ‪] 124 :‬‬
‫قال إبراهيم ‪َ { :‬و ِمن ُذ ِّري َّ ِيت } ػ‬
‫البقرة ‪] 124 :‬‬
‫ال َعهْ ِدي‬
‫سبحان ‪ { :‬ال َيَن َ ُ‬ ‫ه‬ ‫قال اهلل‬
‫الظا‪١‬تُت } ػ البقرة ‪] 124 :‬‬
‫فخشي إبراهيم وهو يطلب ‪١‬تن‬
‫سيقيمون يف مكة أن تكون‬
‫استجابة اهلل سبحانه كاالستجابة‬
‫السابقة ‪ . .‬كأن يقال له ال ينال‬
‫رزق اهلل الظا‪١‬تون ‪ .‬فاستدرك‬
‫إبراهيم وقال ‪ { :‬وارزق أ َ ْهل َ ُه ِم َن‬
‫الثمرات َم ْن آ َم َن ِمن ْ ُه ْم } ‪. .‬‬
‫ولكن اهلل سبحانه أراد أن يلفت‬
‫إبراهيم إىل أن عطاء األلوهية‬
‫لؼس كعطاء الربوبية ‪ . .‬فإمامة‬
‫الناس عطاء ألوهية ال يناله إال‬
‫ا‪١‬تؤمن ‪ ،‬أما الرزق فهو عطاء‬
‫ربوبية يناله ا‪١‬تؤمن والكافر ‪ .‬ألن‬
‫اهلل هو الذي استدعانا ‪ٚ‬تيعا إىل‬
‫ا‪ٟ‬تياة وكفل لنا ‪ٚ‬تيعا رزقنا ‪. .‬‬
‫وكأن ا‪ٟ‬تق سبحانه حُت قال ‪ { :‬ال َ‬
‫ال َعهْ ِدي الظا‪١‬تُت } ‪ . .‬كان‬
‫يَن َ ُ‬
‫يتحدث عن قيم ا‪١‬تنهج اليت ال تعىط‬
‫إال للمؤمن ولكن الرزق يعىط‬
‫للمؤمن والكافر ‪ . .‬لذلك قال اهلل‬
‫سبحانه ‪َ { :‬و َمن كَ َف َر } ‪ . .‬ويف‬
‫هذا تصحيح مفاهيم بالنسبة‬
‫إلبراهيم ليعرف أن كل من‬
‫استدعاه اهلل تعاىل للحياة له رزقه‬
‫مؤمنا كان أو كافرا ‪ .‬وا‪٠‬تَت يف الدنيا‬
‫عَل الشيوع ‪ .‬فمادام اهلل قد‬
‫استدعاك فإنه ضمن لك رزقك ‪.‬‬
‫إن اهلل لم يقل للشمس أشريق عَل‬
‫أرض ا‪١‬تؤمن فقط ‪ ،‬ولم يقل‬
‫للهواء ال يؾنفسك ظالم وإ‪٪‬تا أعىط‬
‫نعمة اسؾبقاء ا‪ٟ‬تياة واستمرارها‬
‫لكل من خلق آمن أو كفر ‪ . .‬ولكن‬
‫من كفر قال عنه اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫‪َ { :‬و َمن كَ َف َر فَأُ َمتِّ ُع ُه قَلِيبل ً} ‪. .‬‬
‫التمتع هو شيء ٭تبه اإلنسان‬
‫ويتمٌت دوامه وتكراره ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فَأُ َمتِّ ُع ُه } دليل عَل‬
‫دوام متعته ‪ ،‬أي له ا‪١‬تتعة يف الدنيا‪.‬‬
‫ولكل نعمة متعة ‪ ،‬فالطعام له متعة‬
‫والشراب له متعة وا‪ٞ‬تنس له متعة‬
‫‪ . .‬إذن التمتع يف الدنيا بأشياء‬
‫متعددة ‪ .‬ولكن اهلل تبارك وتعاىل‬
‫وصفه بأنه قليل ‪ . .‬ألن ا‪١‬تتعة يف‬
‫الدنيا مهما بلغت وتع ّددت ألواهنا‬
‫فهي قليلة ‪.‬‬
‫واقرأ قوله تعاىل ‪ُ { :‬ث َّم أ َ ْض َط ُّر ُه إىل‬
‫اب النار } ‪ . .‬ومعٌت أضطره‬ ‫ع َ َذ ِ‬
‫أنه ال اخؾيار له يف اآلخرة ‪ ،‬فكأن‬
‫اإلنسان له اخؾيار يف ا‪ٟ‬تياة الدنيا‬
‫يأخذ هذا ويًتك هذا ولكن يف‬
‫اآلخرة لؼس له اخؾيار ‪ . .‬فبل‬
‫يستطيع وهو من أهل النار مثبل أن‬
‫ٮتتار ا‪ٞ‬تنة بل إن أعضاءه ا‪١‬تسخرة‬
‫‪٠‬تدمته يف ا‪ٟ‬تياة الدنيا واليت يأمرها‬
‫با‪١‬تعصية فتفعل ‪ ،‬ال والية له عليها‬
‫يف اآلخرة وهذا معٌت قوله سبحانه ‪:‬‬
‫{ ي َ ْو َم تَ ْشهَ ُد عَلَي ْ ِه ْم أَل ْ ِسن َ ُت ُه ْم‬
‫َوأَي ْ ِدي ِه ْم َوأ َ ْر ُجل ُ ُه ْم ِٔتَا كَانُوا ْ‬
‫ون } ػ النور ‪] 24 :‬‬ ‫يَعْ َمل ُ َ‬
‫أي أن ا‪ٞ‬توارح اليت كانت تطيع‬
‫الكافر يف ا‪١‬تعاصي يف الدنيا ال تطيعه‬
‫يوم القيامة؛ فاللسان الذي كان‬
‫ينطق كلمة ر‬
‫الكفوالعياذ باهلل يأيت‬
‫يوم القيامة يشهد عَل صاحبه ‪. .‬‬
‫والقدم اليت كانت ٘تشي إىل أماكن‬
‫ا‪٠‬تمر واللهو والفسوق تشهد عَل‬
‫صاحبها ‪ ،‬واليد اليت كانت تقتل‬
‫وتسرق تشهد عَل صاحبها ‪ .‬وقوله‬
‫‪ « :‬اضطره » معناه أن اإلنسان‬
‫يفقد اخؾياره يف اآلخرة ثم ينتهي‬
‫إىل النار وإىل العذاب الشديد‬
‫مصداقا لقوله تعاىل ‪ُ { :‬ث َّم أ َ ْض َط ُّر ُه‬
‫اب النار َوبِػ َْس ا‪١‬تصَت} ‪. .‬‬ ‫إىل ع َ َذ ِ‬
‫أي أن اهلل سبحانه وتعاىل ٭تذر‬
‫الكافرين بأن ‪٢‬تم النار والعذاب يف‬
‫اآلخرة لؼس عَل اخؾيار منهم‬
‫ولكن وهم مقهورون ‪.‬‬

‫يم ال ْ َق َواعِ َد ِم َن‬ ‫يف ب ِ‬


‫َوإِذْ َ ْر َ ُع إِ ْ َراه ُ‬
‫ِ‪ٝ‬تا ِع ُيل َربَّنَا تَ َقب َّ ْل ِمنَّا‬
‫الْؽَي ْ ِت َوإ ْ َ‬
‫يم (‪)127‬‬ ‫لس ِمي ُع الْعلِ‬‫إِن ّ ََك أَن ْ َت ا َّ‬
‫َ ُ‬
‫يقول اهلل سبحانه وتعاىل لرسوله‬
‫صَل اهلل عليه وسلم اذكر عندما‬
‫كان إبراهيم يرفع القواعد من‬
‫الؽيت ‪ . .‬وجاءت { ي َ ْرفَ ُع } هنا‬
‫فعبل مضارعا لِتصوي ِر ا‪ٟ‬تدث اآلن‬
‫ويف ا‪١‬تستقبل ‪.‬‬
‫ولكن هل يرفع إبراهيم القواعد‬
‫من الؽيت اآلن؟ أم أنه رفع وانتىه؟‬
‫طبعا هو رفع وانتىه ‪ ،‬ولكن اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل يريد أن يستحضر‬
‫حالة إبراهيم وإ‪ٝ‬تاعيل و‪٫‬تا‬
‫يرفعان القواعد من الؽيت ‪ . .‬واهلل‬
‫يريد من ا‪١‬تؤمنُت أن يتصوروا‬
‫عملية الرفع ‪ ،‬فلم يكن إبراهيم‬
‫ٯتلك سلما حىت يرفعه ويقف فوقه‬
‫‪ ،‬ولم يكن ٯتلك « سقالة » ‪. .‬‬
‫ولكن غياب هذه النعم لم ٯتنع‬
‫إبراهيم من أن يتحايل ويأيت‬
‫با‪ٟ‬تجر ‪.‬‬
‫إن اهلل يريد منا أال ننىس هذه‬
‫العملية ‪ ،‬وإبراهيم وابنه‬
‫إ‪ٝ‬تاعيل يذهبان للبحث عن‬
‫حجر ‪ ،‬والبد أن يكون ا‪ٟ‬تجر‬
‫خفيف الوزن لؼستطيعا أن ٭تمبله‬
‫إىل مكان الؽناء ‪ . .‬ثم يقف‬
‫إبراهيم عَل ا‪ٟ‬تجر وإ‪ٝ‬تاعيل‬
‫يناوله األحجار األخرى اليت سؼتم‬
‫بها رفع القواعد من الؽيت ‪ .‬ورغم‬
‫ا‪١‬تشقة اليت يتحملها االثنان ‪. .‬‬
‫‪٫‬تا سعيدان ‪ . .‬وكل ما يطلبانه من‬
‫اهلل هو أن يتقبل منهما ‪ .‬والقبول‬
‫وا‪١‬تقابلة واالستقبال كلها من مادة‬
‫مواجهة ‪ . .‬أي أهنما يسأالن اهلل يف‬
‫موقف ا‪١‬تعرض عن عمله ‪ ،‬إهنما ال‬
‫يريدان إال الثواب ‪ { :‬تَ َقب َّ ْل ِمنَّآ }‬
‫أي أعطنا الثواب عما نعمله‬
‫ألجلك وتنفيذا ألمرك ‪.‬‬
‫نت السميع‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬إِن ّ ََك أ َ َ‬
‫العليم } ‪ . .‬أي أنت يا رب‬
‫السميع الذي تسمع دعاءنا وتسمع‬
‫ما نقول ‪ « . .‬والعليم » ‪ . .‬العليم‬
‫بنيؾنا ومدى إخبلصنا لك ‪ . .‬وإننا‬
‫نفعل هذا العمل ابتغاء لوجهك‬
‫وال نقصد غَتك ‪ . .‬ذلك أن‬
‫األعمال بالنيات ‪ ،‬وقد يعمل‬
‫رجبلن عمبل واحدا ‪ .‬أحد‪٫‬تا‬
‫يثاب ألنه يعمله إرضاء هلل وتقربا‬
‫منه واآلخر ال يثاب ألنه يفعله من‬
‫أجل الدنيا ‪.‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل عليم بالنية‬
‫فإن كان العمل خاصا هلل تقبله ‪،‬‬
‫وإذا لم يكن خالصا لوجهه ال يتقبله‬
‫‪ . .‬ورسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫يقول ‪:‬‬
‫« إ‪٪‬تا األعمال بالنيات وإ‪٪‬تا لكل‬
‫امرئ ما نوى ‪ ،‬فمن كانت هجرته‬
‫إىل اهلل ورسوله ‪ ،‬فهجرته إىل اهلل‬
‫ورسوله ومن كانت هجرته إىل دنيا‬
‫يصؼبها أو امرأة ينكحها فهجرته‬
‫إىل ما هاجر إليه » إذن فالعمل إن‬
‫لم يكن خالصا هلل فبل ثواب عليه ‪.‬‬

‫ك َو ِم ْن‬ ‫اجعَلْنَا ُم ْسلِ َم ْ ِ‬


‫ُت ل َ َ‬ ‫َربَّنَا َو ْ‬
‫ك َوأ َ ِرنَا‬
‫ُذ ِّريَّؾِنَا أُ َّمةً ُم ْسلِ َمةً ل َ َ‬
‫ب عَلَؼْنَا إِن ّ ََك أَن ْ َت‬ ‫ِ‬
‫َمنَاس َكنَا َو ُت ْ‬
‫يم (‪)128‬‬ ‫التّ ََو ل ِ‬
‫اب ا َّرح ُ‬ ‫ّ ُ‬
‫هناك فرق بُت أن ُتكَل َّ َف بشيء‬
‫فتفعله ْتب ‪ ،‬وأن تفعل شكلية‬
‫التكليف وٗترج من عملك خروج‬
‫الذي ألىق عن كاهله عبء التكليف‬
‫‪ . .‬يف هذه اآلية الكرٯتة دعاء‬
‫إبراهيم وابنه إ‪ٝ‬تاعيل وكانا‬
‫يقوالن يا رب أنت أمرتنا أن نرفع‬
‫القواعد من الؽيت وقد فعلنا ما‬
‫أمرتنا ‪ . .‬ولؼس معٌت ذلك أننا‬
‫اكتفؼنا بتكليفك لنا ألننا نريد أن‬
‫نذوق حبلوة التكليف منك مرات‬
‫ومرات ‪َ { . .‬ربَّنَا واجعلنا‬
‫ك } نسلم كل أمورنا‬ ‫ُم ْسلِ َم ْ ِ‬
‫ُت ل َ َ‬
‫إليك ‪.‬‬
‫إن اإلنسان ال ٯتكن أن ينتهي من‬
‫تكليف ليطلب تكليفا غَته إال إذا‬
‫كان قد عشق حبلوة التكليف ووجد‬
‫فيه استمتاعا ‪ . .‬وال ‪٬‬تد اإلنسان‬
‫استمتاعا يف التكليف إال إذا‬
‫استحضر ا‪ٞ‬تزاء عليه ‪ . .‬كلما‬
‫عمل شؼئا استحضر النعيم الذي‬
‫ينتظره عَل هذا العمل فطلب‬
‫ا‪١‬تزيد ‪.‬‬
‫إبراهيم وإ‪ٝ‬تاعيل عليهما‬
‫السبلم ٔتجرد أن فرغا من رفع‬
‫القواعد من الؽيت قاال ‪َ { :‬ربَّنَا‬
‫ك } ولم‬ ‫واجعلنا ُم ْسلِ َم ْ ِ‬
‫ُت ل َ َ‬
‫يكتفيا بذلك بل أرادا امتداد‬
‫حبلوة التكليف إىل ذريتهما من‬
‫بعد‪٫‬تا ‪ . .‬فيقوالن ‪َ { :‬و ِمن ُذ ِّريَّؾِنَآ‬
‫ك } ‪ . .‬لؼتصل أمد‬ ‫أُ َّمةً ُّم ْسلِ َمةً ل َّ َ‬
‫منهج اهلل يف األرض ويستمر‬
‫التكليف من ذرية إىل ذرية إىل يقوم‬
‫القيامة ‪ . .‬ثم يقوالن ‪َ { :‬وأ َ ِرنَا‬
‫َمنَا ِس َكنَا } ‪ . .‬أي بُت لنا يا رب ما‬
‫تريده منا ‪ .‬بُت لنا كيف نعبدك‬
‫وكيف نتقرب إليك ‪ . .‬وا‪١‬تناسك‬
‫هي األمور اليت يريد اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل أن نعبده بها ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وأ َ ِرنَا َمنَا ِس َكنَا } ترينا‬
‫أن إبراهيم يرغب يف فتح أبواب‬
‫التكليف عَل نفسه ‪ ،‬ألنه ال يرى يف‬
‫كل تكليف إال تطهَتا للنفس وخَتا‬
‫للذرية ونعيما يف اآلخرة ‪. .‬‬
‫ولذلك يقول كما يروي لنا ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫نت التواب‬‫ب عَلَؼْنَآ إِن ّ ََك أ َ َ‬
‫{ َو ُت ْ‬
‫الرحيم } ‪ . .‬وتب علؼنا لؼس‬
‫ضروريا أن نفهمها عَل أهنا توبة‬
‫من ا‪١‬تعصية ‪ . .‬وأن إبراهيم‬
‫وإ‪ٝ‬تاعيل وقعا يف ا‪١‬تعصية‬
‫فَتيدان التوبة إىل اهلل ‪ . .‬وإ‪٪‬تا‬
‫ألهنما علما أن من سيأيت بعد‪٫‬تا‬
‫سيقع يف الذنب فطلبا التوبة‬
‫لذريتهما ‪ . .‬ومن أين عَلِما؟‬
‫عندما قال اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫إلبراهيم ‪َ { :‬و َمن َك َف َر فَأُ َمتِّ ُع ُه‬
‫اب النار‬ ‫قَلِيبل ً ُث َّم أ َ ْض َط ُّر ُه إىل ع َ َذ ِ‬
‫َوبِػ َْس ا‪١‬تصَت } ‪. .‬‬
‫لقد طلبا من اهلل تبارك وتعاىل‬
‫التوبة والر‪ٛ‬تة لذريتهما ‪ . .‬واهلل‬
‫٭تب التوبة من عباده وهو سبحانه‬
‫أفرح بتوبة عبده ا‪١‬تؤمن من‬
‫أحدكم وقع عَل بعَته وقد أضله يف‬
‫فبلة ‪ . .‬ألن ا‪١‬تعصية عندما تأخذ‬
‫اإلنسان من منهج اهلل لتعطيه نفعا‬
‫عاجبل فإن حبلوة اإلٯتان إن كان‬
‫مؤمنا ستجذبه مرة أخرى إىل‬
‫اإلٯتان بعيدا عن ا‪١‬تعاصي ‪. .‬‬
‫ولذلك قيل إن انتفعت بالتوبة‬
‫وندمت عَل ما فعلت فإن اهلل ال‬
‫يغفر لك ذنوبك فقط ولكن يبدل‬
‫سؼئاتك حسنات ‪ . .‬وقلنا أن‬
‫تشريع التوبة كان وقاية للمجتمع‬
‫كله من أذى وشر كبَت ‪ . .‬ألنه لو‬
‫كان الذنب الواحد ‪٬‬تعلك خالدا‬
‫يف النار وال توبة بعده لتجُب العصاة‬
‫وازدادوا شرا ‪ . .‬وألصيب ا‪١‬تجتمع‬
‫كله بشرورهم ولَي َ ِػ َس الناس من‬
‫آخرْتم ألن رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫« كل بٍت آدم خطاء وخَت ا‪٠‬تطائُت‬
‫التوابون »‬
‫لذلك فمن ر‪ٛ‬تة اهلل سبحانه أنه‬
‫شرع لنا التوبة لَت‪ٛ‬تنا من شراسة‬
‫األذى وا‪١‬تعصية ‪.‬‬

‫ث فِي ِه ْم َر ُس ً‬
‫وال ِم ْهن ُ ْم يَتْلُو‬ ‫َربَّنَا َوابْعَ ْ‬
‫اب‬ ‫ِ‬ ‫عَلَي ِهم آيَاتِ َ ِ‬
‫ك َويُعَل ّ ُم ُه ُم الْكت َ َ‬ ‫ْ ْ‬
‫َوا ِْ‪ٟ‬ت ْك َم َة َويُ َز ِ ّكي ِه ْم إِن ّ ََك أَن ْ َت‬
‫يم (‪)129‬‬ ‫لع ِي ِ‬
‫ا ْ َز ُز ا ْ‪ٟ‬تَك ُ‬
‫دعاء إبراهيم عليه السبلم اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل لؼتم نعمته عَل‬
‫ذريته ويزيد ر‪ٛ‬تته عَل عباده ‪. .‬‬
‫بأن يرسل ‪٢‬تم رسوال يبلغهم منهج‬
‫السماء حىت ال ٖتدث فًتة ظبلم يف‬
‫األرض تنتشر فيها ا‪١‬تعصية‬
‫والفساد والكفر ويبعد الناس فيها‬
‫األصنام كما حدث قبل إبراهيم ‪.‬‬
‫كلمة { َر ُسوال ً ِّمن ْ ُه ْم } ترد عَل‬
‫اليهود الذين أحزهنم أن رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم من العرب ‪،‬‬
‫وأن الرسالة كان ‪٬‬تب أن تكون‬
‫فيهم ‪ . .‬و‪٨‬تن نقول ‪٢‬تم إن جدنا‬
‫وجدكم إبراهيم وأنتم من ذرية‬
‫يعقوب بن اسحق ‪ .‬و‪٤‬تمد صَل اهلل‬
‫عليه وسلم من ذرية إ‪ٝ‬تاعيل بن‬
‫إبراهيم وأخ إلسحاق ‪ . .‬وال حجة‬
‫‪١‬تا تدعونه من أن اهلل فَ َّضلَكم‬
‫واختاركم عَل سائر الشعوب ‪. .‬‬
‫إ‪٪‬تا أراد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن‬
‫يسلب منكم النبوة ألنكم ظلمتم‬
‫يف األرض وعهد اهلل ال يناله‬
‫الظا‪١‬تون ‪.‬‬
‫أراد ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل أن يقول‬
‫‪٢‬تم أن هذا النبي من نسل‬
‫إبراهيم وأنه ينتمي إىل إ‪ٝ‬تاعيل‬
‫بن إبراهيم عليهما السبلم ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬يَتْلُوا ْعَلَي ْ ِه ْم آيَاتِ َ‬
‫ك‬
‫} ‪ . .‬أي آيات القرآن الكريم ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬ويُ َع ِ ّ‪١‬تُ ُه ُم الكتاب‬
‫وا‪ٟ‬تكمة } ‪٬ . .‬تب أن نعرف أن‬
‫هناك فرقا بُت التبلوة وبُت‬
‫التعليم ‪ .‬فالتبلوة هي أن تقرأ‬
‫القرآن ‪ ،‬أما التعليم فهو أن تعرف‬
‫معناها وما جاءت به لتطبقه وتعرف‬
‫من أين جاءت ‪ . .‬وإذا كان الكتاب‬
‫هو القرآن الكريم فإن ا‪ٟ‬تكمة‬
‫هي أحاديث رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم اليت قال ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل فيها يف خطابه لزوجات‬
‫النبي ‪ { :‬واذكرن َما يتَل ِيف‬
‫ات اهلل وا‪ٟ‬تكمة }‬ ‫ُبيوتِ ُك َّن ِم ْن آي َ ِ‬
‫ُ‬
‫ػ األحزاب ‪] 34 :‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬ويُ َز ِ ّكي ِه ْم } أي‬
‫ويطهرهم ويقودهم إىل طريق‬
‫ا‪٠‬تَت و٘تام اإلٯتان ‪.‬‬
‫ك أَ َ‬
‫نت‬ ‫وقوله جل جبلله ‪ { :‬إ َِّن َ‬
‫العزيز ا‪ٟ‬تكيم } ‪ . .‬أي العزيز‬
‫الذي ال يغلب ‪ٞ‬تُبوته وال يسأله‬
‫أحد ‪ « . .‬وا‪ٟ‬تكيم » الذي ال‬
‫يصدر منه الشيء إال ْتكمة بالغة ‪.‬‬

‫يم إ َِّال‬ ‫و َم ْن ي َ ْر َغب َع ْن ِمل َّ ِة إِب ْ َرا ِ‬


‫ه‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اص َط َفؼْن َ ُاه ِيف‬‫َم ْن َس ِف َه ن َ ْف َس ُه َول َ َق ِد ْ‬
‫ُت‬ ‫ِ‬
‫ا‪ٟ‬ت‬ ‫الص ِ‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ال ُّدنْيا وإِن ّ َُه ِيف ْاآل ِخ َر ِة َ‪١‬ت ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫(‪)130‬‬
‫ما ملة إبراهيم؟ إهنا عبادة اهلل‬
‫وحده ال شريك له وعشق‬
‫التكاليف؛ فإبراهيم َو َّىف كل ما كلفه‬
‫به اهلل وزاد عليه ‪ . .‬وقابل االبتبلء‬
‫بالطاعة الصُب‪ . .‬فعندما ابتبله‬
‫اهلل بذبح ابنه الوحيد لم يًتدد‬
‫وكان يؤدي التكاليف بعشق و٭تاول‬
‫أن يسؾبقي ا‪١‬تنهج السليم يف ذريته‬
‫‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪َ { :‬و َمن ي َ ْر َغ ُب } يعٍت‬
‫يعرض ويرفض ‪ .‬ويقال رغب يف‬
‫كذا أي أحبه وأراده ‪ .‬ورغب عن‬
‫كذا أي َص َّد عنه وأعرض ‪. .‬‬
‫والذين يص ُّدون عن ملة إبراهيم‬
‫ويرفضوهنا هؤالء هم السفهاء‬
‫ا‪ٞ‬تهلة ‪ ،‬لذلك قال عنهم اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬إِال َّ َمن َس ِف َه‬
‫ن َ ْف َس ُه } ‪ . .‬دليل عَل ضعف الرأي‬
‫وعدم التفرقة بُت النافع والضار‪. .‬‬
‫فعندما يكون هناك من ورثوا ماال ً‬
‫وهم غَت ناضجي العقل ال يتفق‬
‫عقلهم مع سنهم نسميهم‬
‫السفهاء ‪ . .‬والسفيه هو من لم‬
‫ينضج رأيه ولذلك تنقل قوامته عَل‬
‫ألن بِ َس َف ِه ِه‬
‫ماله إىل ويل أو وصي؛ ه‬
‫غَت قادر عَل أن ينفق ا‪١‬تال فيما‬
‫ُ‬
‫ينفع ‪.‬‬
‫والقرآن الكريم يعاًف هذه‬
‫ا‪١‬تسألة عبلجا دقيقا فيقول ‪َ { :‬وال َ‬
‫ُت ْؤ ُتوا ْالسفهآء أ َ ْم َوال َ ُك ُم اليت َجعَ َل‬
‫اهلل ل َ ُك ْم قِيَاما ًوارزقوهم فِيهَا‬
‫واكسوهم َو ُقولُوا ْ َ‪٢‬ت ُ ْم قَ ْوال ً َّمعْ ُروفا ً‬
‫} ػ النساء ‪] 5 :‬‬
‫نبلحظ أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ٝ‬تى‬
‫أموال السفهاء بأموايل الويل ولم‬
‫يعؾُبها مال السفيه ألنه لؼس أهبل‬
‫للقيام عليها ‪ . .‬وجعل هذه‬
‫األموال ٖتت إشراف شخص آخر‬
‫أكثر نضجا وحكمة ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ « :‬أموالكم » ليكون‬
‫الويل أو الوصي حريصا عليها كَ َمال ِ ِه‬
‫أو أكثر ولكن هو قيم فقط ‪ . .‬فإذا‬
‫بلغ اإلنسان سن الرشد أو شىف‬
‫السفيه من سفاهته يرد إليه ماله‬
‫لؼتصرف فيه ‪.‬‬
‫و‪٨‬تن نرى عددا من األبناء يرفعون‬
‫قضايا عَل آبائهم وأمهاْتم‬
‫يتهموهنم فيها بالسفه ألهنم ال‬
‫٭تسنون التصرف يف أموا‪٢‬تم ‪ . .‬ثم‬
‫يأخذون هذه األموال ويبعثروهنا‬
‫هم ‪ . .‬والذي ‪٬‬تب أن يعلمه كل‬
‫من يقوم بهذه العملية أنه ال حق له‬
‫يف إنفاق ا‪١‬تال وتبذيره ‪ٟ‬تسابه‬
‫ا‪٠‬تاص ‪ ،‬ولك ّن هناك حكمُت ‪ :‬إما‬
‫أن يكون الشخص فقَتا فله أن‬
‫يأكل با‪١‬تعروف ‪ . .‬وإما أن يكون‬
‫غنيا فيجعل عمله يف الوالية هلل ال‬
‫يتقاَض عنه شؼئا ‪ . .‬أما أن يأخذ‬
‫ا‪١‬تال ويبعثره عَل نفسه وشهواته‬
‫وعَل زوجته وأوالده فهذا مرفوض‬
‫و٭تاسب عليه ‪ . .‬واهلل سبحانه‬
‫ان َغ ِنيّا ً‬
‫وتعاىل يقول ‪َ { :‬و َمن ك َ َ‬
‫ان فَقَِتا ًفَلْيَأْكُ ْل‬
‫فَلْؼ َ ْستَعْ ِف ْف َو َمن ك َ َ‬
‫با‪١‬تعروف } ػ النساء ‪] 6 :‬‬
‫إذن الذي يعرض عن ملة إبراهيم‬
‫هو سفيه ال ٯتلك عقبل ٯتيز بُت‬
‫الضار والنافع ‪.‬‬
‫ويول اهلل سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬ول َ َق ِد‬ ‫ق‬
‫اصطفؼناه ِيف الدنيا َوإِن ّ َُه ِيف اآلخرة‬
‫َ‪١‬ت ِ َن الصا‪ٟ‬تُت } ‪ . .‬اصطفاه يف‬
‫الدنيا با‪١‬تنهج وبأن جعله إماما‬
‫وباالبتبلء ‪ . .‬وكثَت من الناس يظن‬
‫أن ارتفاع مقامات بعضهم يف أمور‬
‫الدنيا هو اصطفاء من اهلل ‪٢‬تم بأن‬
‫أعطاهم زخرف ا‪ٟ‬تياة الدنيا‬
‫ويكون هذا مُبرا ألن يعتقدوا أن‬
‫‪٢‬تم مزنلةً عالية يف اآلخرة ‪ . .‬نقول‬
‫ال ‪ ،‬فمنازل الدنيا ال عبلقة ‪٢‬تا‬
‫باآلخرة ‪ .‬ولذلك قال اهلل تبارك‬
‫وتعاىل ‪َ { :‬ول َ َق ِد اصطفؼناه ِيف الدنيا‬
‫} ‪ . .‬وأضاف ‪َ { :‬وإِن ّ َُه ِيف اآلخرة‬
‫َ‪١‬ت ِ َن الصا‪ٟ‬تُت } ‪ . .‬لنعلم أن‬
‫إبراهيم عليه السبلم له مزنلة‬
‫عالية يف الدنيا ونعيم يف اآلخرة أي‬
‫االثنُت معا ‪.‬‬

‫ال أ َ ْسل َ ْم ُت‬


‫ال ل َ ُه َربُّ ُه أ َ ْسلِ ْم قَ َ‬
‫إِذْقَ َ‬
‫ُت (‪)131‬‬ ‫ِ‬ ‫‪١‬ت‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫لِ‬
‫َ ّ َ َ‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل يريد أن يلفؾنا‬
‫إىل أنه قال إلبراهيم أسلم فقال‬
‫أسلمت ‪ . .‬إذن فمطلوب ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل من عبده أن يسلم‬
‫إليه ‪ . .‬ولم يقل ا‪ٟ‬تق أسلم إِيل ّ‪،‬‬
‫ألهنا مفهومة ‪ . .‬ولم يقل أسلم‬
‫لربك ألن اإلسبلم ال يكون إال هلل ‪.‬‬
‫ألنه هو سبحانه ا‪١‬تأمون علؼنا ‪. .‬‬
‫عَل أن إبراهيم عليه السبلم قال يف‬
‫رده ‪ { :‬أ َ ْسل َ ْم ُت ل ِ َر ِ ّب ي‬
‫العالمن } ‪.‬‬
‫ومعٌت ذلك أنه لن يكون وحده يف‬
‫الكون ‪ .‬ألنه إذا أسلم هلل الذي‬
‫سخر له ما يف السماوات واألرض ‪.‬‬
‫‪ .‬يكون قد انسجم مع الكون‬
‫ا‪١‬تخلوق من اهلل لئلنسان ‪ . .‬و َم ْن‬
‫أكث ُر نضجا ًيف العقل ‪٦‬تن يُسلم‬
‫وجهه هلل سبحانه ‪ . .‬ألنه يكون‬
‫بذلك قد أسلمه إىل عزيز حكيم‬
‫قوي ال يقهر ‪ ،‬قادر ال تنتهي قدرته‬
‫‪ . .‬غالب ال يغلب ‪ ،‬رزاق ال يأيت‬
‫الرزق إال منه ‪ .‬فكأنه أسلم وجهه‬
‫للخَت كله ‪.‬‬
‫والدين عند اهلل سبحانه وتعاىل منذ‬
‫عهد آدم إىل يوم القيامة هو إسبلم‬
‫الوجه هلل ‪ ،‬و‪١‬تاذا الوجه؟ ألن الوجه‬
‫أشرف شيء يف اإلنسان يعتز به‬
‫ويعؾُبه ‪ٝ‬تة من ‪ٝ‬تات كرامته‬
‫وعزته ‪ . .‬ولذلك فنحن حُت نريد‬
‫منتىه ا‪٠‬تضوع هلل يف الصبلة نضع‬
‫جباهنا ووجوهنا عَل األرض ‪. .‬‬
‫وهذا منتىه ا‪٠‬تشوع و ا‪٠‬تضوع أن‬
‫تضع أشرف ما فيك وهو وجهك‬
‫عَل األرض إعبلنا ‪٠‬تضوعك هلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫واهلل جل جبلله يريد من اإلنسان‬
‫أن يسلم قيادته هلل ‪ . .‬بأن ‪٬‬تعل‬
‫اخؾياراته يف الدنيا ‪١‬تا يريده اهلل‬
‫تبارك وتعاىل‪ . .‬فإذا ٖتدث ال‬
‫يكذب ‪ ،‬ألن اهلل ٭تب الصدق ‪،‬‬
‫وإذا كلف بشيء يفعله ألن التكليف‬
‫يف صا‪ٟ‬تنا وال يستفيد اهلل منه شؼئا ‪.‬‬
‫‪ .‬وإذا قال اهلل تعاىل تصدق ٔتالك‬
‫أسرع يتصدق ٔتاله لَتد له أضعافا‬
‫مضاعفة يف اآلخرة وبقدرة اهلل ‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن ا‪٠‬تَت كله لئلنسان‬
‫هو أن ‪٬‬تعل مراداته يف ا‪ٟ‬تياة الدنيا‬
‫طبقا ‪١‬تا أراده اهلل ‪ . .‬ويف هذه ا‪ٟ‬تالة‬
‫يكون قد انسجم مع الكون كله‬
‫وٕتد أن الكون ٮتدمه ويعطيه وهو‬
‫سعيد ‪.‬‬
‫أما من يسلم وجهه لغَت اهلل فقد‬
‫اعتمد عَل قوي ٯتكن أن يضعف ‪،‬‬
‫وعَل غٍت ٯتكن أن يفتقر ‪ . .‬وعَل‬
‫موجود ٯتكن أن ٯتوت ويصبح ال‬
‫وجود له ‪ .‬ولذلك فهو يف هذه ا‪ٟ‬تالة‬
‫يتصف بالسفاهة ألنه اعتمد عَل‬
‫الضار وترك النافع ‪.‬‬
‫وو َّىص بِهَا إِب ْ َرا ِه ِ ِ‬
‫وب يَا‬‫يم بَنيه َويَعْ ُق ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫اّللَ ا ْص َط َىف ل َ ُك ُم ال ِ ّدي َن فَ َبل‬
‫ٍت إ َِّن َّ‬ ‫ب َ ِ َّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ون (‪)132‬‬ ‫َ٘تُو ُت َّن إ َِّال َوأن ْ ُت ْم ُم ْس‪١‬تُ َ‬
‫عندما تقرأ كلمة وىص فاعلم أن‬
‫الوصية تأيت ‪ٟ‬تمل اإلنسان عَل‬
‫شيء نافع يف آخر وقت لك يف‬
‫الدنيا؛ ألن آخر ساعات اإلنسان‬
‫يف الدنيا إن كان قد عاش فيها يغش‬
‫الناس ‪ٚ‬تيعا فساعة ٭تتضر ال يغش‬
‫نفسه أبدا وال يغش أحدا من‬
‫الناس ‪١‬تاذا؟ ألنه ٭تس إنه مقبل‬
‫عَل اهلل سبحانه فيقول كلمة ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬
‫النصح أو الوصية هي عظة ٖتب أن‬
‫يستمسك بها من تنصحه وتقو‪٢‬تا‬
‫له ‪٥‬تلصا يف آخر ‪ٟ‬تظة من ‪ٟ‬تظات‬
‫حياته ‪ . .‬ولذلك سيأيت اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ليبُت لنا ذلك يف قوله ‪ { :‬أ َ ْم‬
‫ُك ُنت ْم ُشهَ َدآءَإِذْ َح َض َر يَعْ ُق َ‬
‫وب‬
‫ون ِمن‬ ‫ا‪١‬توت إِذْقَ َ ِ ِ‬
‫ال لب َ ِنيه َما تَعْب ُ ُد َ‬
‫بَعْ ِدي } ػ البقرة ‪] 133 :‬‬
‫وهكذا يريد اهلل سبحانه أن يبُت‬
‫لنا أن الوصية دائما تكون ‪١‬تن ٖتب‬
‫‪ . .‬وأن حب اإلنسان ألوالده أكيد‬
‫سواء أكان هذا اإلنسان مؤمنا أم‬
‫كافرا ‪ . .‬و‪٨‬تن ال نتمٌت أن يكون يف‬
‫الدنيا من هو أحسن منا إال أبناءنا‬
‫ونعمل عَل ذلك ليكون ‪٢‬تم ا‪٠‬تَت‬
‫كله ‪.‬‬
‫وىص إبراهيم بنيه ‪ ،‬ويعقوب وىص‬ ‫ّ‬
‫بنيه ‪ . .‬وكانت الوصية { يَاب َ ِ َّ‬
‫ٍت إ َِّن‬
‫اهلل اصطىف ل َ ُك ُم الدين } إذن‬
‫فالوصية لم تكن أمرا من عند‬
‫إبراهيم وال أمرا من عند يعقوب ‪.‬‬
‫ولكن كانت أمرا اختاره اهلل للناس‬
‫فلم ‪٬‬تد إبراهيم وال يعقوب أن‬
‫يوصيا أوالد‪٫‬تا إال ٔتا اختاره اهلل ‪.‬‬
‫‪ .‬فكأن إبراهيم ائتمن اهلل عَل‬
‫نفسه فنفذ التكاليف وائتمنه عَل‬
‫أوالده فأراد منهم أن يتمسكوا ٔتا‬
‫اختاره ‪٢‬تم اهلل ‪.‬‬
‫ب ِ‬ ‫ق‬
‫وله تعاىل ‪ { :‬ووىص بِهَآ إِ ْ َراه ُ‬
‫يم‬
‫وب } ‪ . .‬إبراهيم هو‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ب َ ِني ِ‬
‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫األب الكبَت وابنه اسحق وابن‬
‫اسحق يعقوب ‪ . .‬ويعقوب هو‬
‫األب ا‪١‬تباشر لليهود ‪ . .‬ويعقوب‬
‫وصاهم كما يروي لنا القرآن‬
‫يم‬ ‫ه‬ ‫الكريم ‪ { :‬ووىص بِهَآ إِب ْ َرا ِ‬
‫ُ‬
‫ٍت إ َِّن اهلل اصطىف‬ ‫وب يَاب َ ِ َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫بَنيه َويَعْ ُق ُ‬
‫ل َ ُك ُم الدين فَبل َ َ٘تُو ُت َّن إَال َّ َوأَن ْ ُتم‬
‫ِ‬
‫ُّم ْسل ُم َ‬
‫ون } ‪.‬‬
‫أنت ال تنىه إنسانا عن أمر إال إذا‬
‫كان يف إمكانه أن يتجنبه وال تأمره‬
‫به إال إذا كان يف إمكانه أن ينفذه ‪. .‬‬
‫فهل ٯتلك أوالد يعقوب أن ٯتوتوا‬
‫وهم مسلمون؟ وا‪١‬توت ال ٯتلكه‬
‫أحد ‪ . .‬إنه يأيت يف أي وقت فجأة ‪.‬‬
‫‪ .‬ولكن مادام يعقوب قد وىص بنيه‬
‫ون }‬ ‫م‬ ‫‪ { :‬ال َ َ٘تو ُت َن إَال َّوأَنْتم ُمسلِ‬
‫ُ ّ َ ُ ّ ْ ُ َ‬
‫فا‪١‬تعٌت ال تفارقوا اإلسبلم ‪ٟ‬تظة‬
‫حىت ال يفاجئكم ا‪١‬توت إال وأنتم‬
‫مسلمون ‪.‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل أخىف موعد‬
‫ا‪١‬توت ومكانه وسؽبه ‪ . .‬ليكون هذا‬
‫إعبلما به ويتوقعه الناس يف أي سن‬
‫ويف أي مكان ويف أي زمان ‪. .‬‬
‫ولذلك قد نلتمس العافية يف أشياء‬
‫يكون ا‪١‬توت فيها ‪ . .‬والشاعر‬
‫يقول ‪:‬‬
‫إن نام عنك فكل طب نافع ‪ ...‬أو‬
‫لم ينم فالطب من أسبابه‬
‫أي إن لم يكن قد جاء األجل ‪،‬‬
‫فالطب ينفعك ويكون من أسباب‬
‫الشفاء ‪ . .‬أما إذا جاء األجل‬
‫فيكون الطب سؽبا يف ا‪١‬توت ‪ ،‬كأن‬
‫تذهب إلجراء عملية جراحية‬
‫فتكون سبب موتك ‪ . .‬فاإلنسان‬
‫البد أن يتمسك باإلسبلم‬
‫وبا‪١‬تنهج وال يغفل عنه أبدا ‪ . .‬حىت‬
‫ال يأتيه ا‪١‬توت يف غفلته فيموت غَت‬
‫مسلم ‪ . .‬والعياذ باهلل ‪.‬‬
‫َ‬
‫أ ْم ُكن ْ ُت ْم ُشهَ َداءَإِذْ َح َض َر يَعْ ُق َ‬
‫وب‬
‫ون ِم ْن‬ ‫د‬
‫ُ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ال لِب ِني ِ‬
‫ا ْ‪١‬ت َ ْو ُت إِذْقَ َ َ َ ُ َ‬
‫ه‬
‫ك َوإِل َ َه آب َ ِائ َ‬
‫ك‬ ‫بَعْ ِدي قَالُوا نَعْب ُ ُد إِ َ‪٢‬ت َ َ‬
‫اق إِ َ‪٢‬تًا‬ ‫ِ‪ٝ‬تا ِع َ‬
‫يل َوإ ِْس َح َ‬ ‫يم َوإ ْ َ‬
‫ِ‬
‫إِب ْ َراه َ‬
‫ون (‪)133‬‬ ‫م‬ ‫وا ِح ًدا و َ‪٨‬تْن لَه مسلِ‬
‫َ ُ ُُ ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫هذا خطاب من يعقوب ينطبق‬
‫وٯتس اليهود ا‪١‬تعاصرين لزنول‬
‫القرآن الكريم ‪ . .‬يعقوب قال‬
‫ألبنائه ماذا تعبدون من بعدي ‪{ :‬‬
‫ك‬‫قَالُوا ْنَعْب ُ ُد إ‪٢‬تك وإله آب َ ِائ َ‬
‫اق إ‪٢‬تا‬ ‫ِ‪ٝ‬تا ِع َ‬
‫يل َوإ ِْس َح َ‬ ‫يم َوإ ْ َ‬
‫ِ‬
‫إِب ْ َراه َ‬
‫ون } ‪. .‬‬ ‫م‬ ‫وا ِحدا ًو َ‪٨‬تْن لَه مسلِ‬
‫َ ُ ُُ ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫هذا إقرار من األسباط أبناء يعقوب‬
‫بأهنم مسلمون وأن آباءهم‬
‫مسلمون ‪ . .‬وتأمل دقة األداء‬
‫القرآين يف قوله تعاىل ‪ { :‬نَعْب ُ ُد إ‪٢‬تك‬
‫ك } ‪ . .‬فكأنه لم ٭تدث‬ ‫وإله آب َ ِائ َ‬
‫بعد موت إبراهيم وحُت كان‬
‫يعقوب ٯتوت لم ٭تدث أن تغَت‬
‫ا‪١‬تعبود وهو اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫الواحد ‪ . .‬ولذلك قالوا كما يروي‬
‫لنا القرآن الكريم ‪ { :‬إ‪٢‬تا َوا ِحدا ً‬
‫} ‪ . .‬وسنأخذ من هذه اآلية لقطة‬
‫تفيدنا يف أشياء كثَتة ألن القرآن‬
‫سؼتعرض يف قصة إبراهيم أنه‬
‫ٖتدث مع أبيه يف شئون العقيدة ‪. .‬‬
‫فقال كما يروي لنا القرآن‬
‫يم ألَبِي ِه‬ ‫الكريم ‪ { :‬وإِذْقَ َ ب ِ‬
‫ال إِ ْ َراه ُ‬ ‫َ‬
‫آزَ َر أَتَتَّ ِخ ُذ أ َ ْصنَاما ً ِآ‪٢‬تَةًإين أ َ َر َ‬
‫اك‬
‫ُت } ػ األنعام‬ ‫ك ِيف َضبل َ ٍل ُّمبِ ٍ‬ ‫َوقَ ْو َم َ‬
‫‪] 74 :‬‬
‫و‪٨‬تن نعلم أن رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم من سبللة إ‪ٝ‬تاعيل ابن‬
‫إبراهيم ‪ . .‬والرسول عليه الصبلة‬
‫والسبلم قال ‪ « :‬أنا سيد ولد آدم »‬
‫آزر أبو إبراهيم كافرا ً‬
‫فإذا كان ُ‬
‫وعابدا ًلؤلصنام‪ . .‬فكيف تصح‬
‫سلسلة النسب الشريف؟ نقول‬
‫إنه لو أن القرآن قال { َوإِذْقَ َ‬
‫ال‬
‫يم ألَبِي ِه } وسكت لكان‬ ‫ب ِ‬
‫إِ ْ َراه ُ‬
‫ا‪١‬تعٌت أن ا‪١‬تخاطب هو أبو إبراهيم‬
‫‪ . .‬ولكن قول اهلل ‪ { :‬ألَبِي ِه آزَ َر }‬
‫‪ . .‬جاءت ‪ٟ‬تكمة ‪ .‬ألنه ساعة‬
‫يذكر اسم األب يكون لؼس األب‬
‫ولكن العم ‪ . .‬فأنت إذا دخلت‬
‫مزنال وقابلك أحد األطفال تقول‬
‫له هل أبوك موجود وال تقول أبوك‬
‫فبلن ألنه معروف ْتيث لن ٮتطئ‬
‫الطفل فيه ‪ . .‬ولكن إذا كنت‬
‫تقصد العم فإنك تسأل الطفل‬
‫هل أبوك فبلن موجود؟ فأنت يف‬
‫هذه ا‪ٟ‬تالة تقصد العم وال تقصد‬
‫األب ‪ . .‬ألن العم يف مزنلة األب‬
‫خصوصا إذا كان األب متوفيا ‪.‬‬
‫إذن قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬
‫ألَبِي ِه آزَ َر } بذكر االسم فمعناه‬
‫لعمه آزر ‪ . .‬فإذا قال إنسان هل‬
‫هناك دليل عَل ذلك؟ نقول نعم‬
‫هناك دليل من القرآن يف هذه اآلية‬
‫الكرٯتة ‪ { :‬أ َ ْم ُك ُنت ْم ُشهَ َدآءَإِذْ‬
‫ال لِب َ ِني ِه َما‬
‫وب ا‪١‬توت إِذْقَ َ‬ ‫َح َض َر يَعْ ُق َ‬
‫ون ِمن بَعْ ِدي قَالُوا ْنَعْب ُ ُد إ‪٢‬تك‬ ‫تَعْب ُ ُد َ‬
‫ك } ‪ . .‬واآلباء ‪ٚ‬تع أب ‪،‬‬ ‫وإله آب َ ِائ َ‬
‫ثم حدد اهلل تبارك وتعاىل اآلباء ‪،‬‬
‫إبراهيم وهو ا‪ٞ‬تد يطلق عليه أب ‪.‬‬
‫‪ .‬وإ‪ٝ‬تاعيل وهو العم يطلق عليه‬
‫أب واسحق وهو أبو يعقوب وجاء‬
‫إ‪ٝ‬تاعيل قبل اسحق ‪.‬‬
‫إذن ففي هذه اآلية ‪ٚ‬تع أب من‬
‫ثبلثة هم إبراهيم وإ‪ٝ‬تاعيل‬
‫واسحق ‪ . .‬ويعقوب الذي حضره‬
‫ا‪١‬توت وهو ابن اسحق ‪ ،‬ولكن أوالد‬
‫يعقوب ‪١‬تا خاطبوا أباهم قالوا‬
‫آباءك ثم جاءوا بأ‪ٝ‬تائهم‬
‫بالتحديد ‪ . .‬وهم إبراهيم ا‪ٞ‬تد‬
‫وإ‪ٝ‬تاعيل العم واسحق أبو يعقوب‬
‫وأطلقوا عليهم ‪ٚ‬تيعا لقب األب ‪.‬‬

‫‪ .‬فكأن إ‪ٝ‬تاعيل أطلق عليه األب‬


‫وهو العم وإبراهيم أطلق عليه‬
‫األب وهو ا‪ٞ‬تد واسحق أطلق عليه‬
‫األب وهو األب ‪ . .‬فإذا قال رسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫« أنا أشرف الناس حسبا ًوال فخر »‬
‫يقول بعض الناس كيف ذلك ووالد‬
‫إبراهيم كان غَت مسلم ‪ . .‬ورسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫« أنا سيد ولد آدم »‬
‫فإذا قال أحدهم كيف هذا وأبو‬
‫إبراهيم عليه السبلم كان مشركا‬
‫عابدا لؤلصنام‪ . .‬نقول له لم يكن‬
‫آزر أبا إلبراهيم وإ‪٪‬تا كان عمه ‪،‬‬
‫ولذلك قال القرآن الكريم {‬
‫ألَبِي ِه آزَ َر } وجاء باالسم يريد به‬
‫األبوة غَت ا‪ٟ‬تقيقية ‪ . .‬فأبوة‬
‫إبراهيم وأبوة اسحق معلومة‬
‫ألوالد يعقوب ‪ . .‬ولكن إ‪ٝ‬تاعيل‬
‫كان مقيما يف مكة بعيدا عنهم ‪،‬‬
‫فلماذا جاء ا‪ٝ‬ته بُت إبراهيم‬
‫واسحق؟ نقول جاء بالًتتيب‬
‫الزمٍت ألن إ‪ٝ‬تاعيل أكُب من‬
‫اسحق بأربعة عشر عاما‪. .‬‬
‫وكونه وصف الثبلثة بأهنم آباء‪. .‬‬
‫إشارة ل انمن اهلل سبحانه وتعاىل أن‬
‫لفظ األب يطلق عَل العم ‪. .‬‬
‫واهلل تبارك وتعاىل يريدنا أن نتنبه‬
‫‪١‬تعٌت كلمة آزر ‪ . .‬ويريد أن يلفؾنا‬
‫أيضا إىل أن تعدد الببلغ عن اهلل ال‬
‫يعٍت تعدد اآل‪٢‬تة ‪ . .‬لذلك قال‬
‫سبحانه ‪ { :‬إ‪٢‬تا َوا ِحدا ً} ‪. .‬‬

‫تِل ْ َ‬
‫ك أُ َّم ٌة قَ ْد َخل َ ْت َ‪٢‬تَا َما كَ َسب َ ْت‬
‫َ‬
‫َول َ ُك ْم َما َك َسؽ ْ ُت ْم َو َال ُت ْسأل ُ َ‬
‫ون َع َّما‬
‫ون (‪)134‬‬ ‫كَانُوا يَعْ َمل ُ َ‬
‫وقوله تعاىل ‪ « :‬خلت » أي انفردت‬
‫‪ .‬وخبل فبلن بفبلن أي انفرد به ‪. .‬‬
‫وخبل ا‪١‬تكان من نزيله أي أصبح‬
‫ا‪١‬تكان منفردا ‪ ،‬والزنيل منفردا وال‬
‫عبلقة ألحد‪٫‬تا باآلخر ‪ . .‬اهلل‬
‫تبارك وتعاىل يقول ‪َ { :‬وإِذَا َخل َ ْوا ْ‬
‫إىل َشيَا ِطؼ ِن ِه ْم قالوا إِن َّا َمعَ ُك ْم إ َِّ‪٪‬تَا‬
‫َ‪٨‬ت ْ ُن ُم ْستَهْ ِز ُئ َ‬
‫ون } ػ البقرة ‪] 14 :‬‬
‫أي إنفردوا هم وشياطؼنهم ولم‬
‫يعد يف ا‪١‬تكان غَتهم؛ ولقد قلنا إن‬
‫كل حدث البد أن يكون له ‪٤‬تدث ‪،‬‬
‫وال حدث يوجد بذاته ‪ ،‬وكل‬
‫حدث ٭تتاج إىل زمان و٭تتاج إىل‬
‫مكان ‪ . .‬فإذا قال ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل‬
‫‪ { :‬تِل ْ َ‬
‫ك أُ َّم ٌة قَ ْد َخل َ ْت } فمعناه‬
‫إنه انقىض زماهنا وانفرد عن‬
‫زمانكم ‪.‬‬
‫وا‪١‬تقصود بقوله تعاىل ‪ { :‬تِل ْ َ‬
‫ك أُ َّم ٌة‬
‫قَ ْد َخل َ ْت } أي انتىه زماهنا ‪. .‬‬
‫وتلك إسم إشارة ‪١‬تؤنث ‪٥‬تاطب‬
‫وأمة هي ا‪١‬تشار إليه ‪ ،‬وا‪٠‬تطاب‬
‫للنبي صَل اهلل عليه وسلم ولعامة‬
‫ا‪١‬تسلمُت ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬
‫حُت يقول ‪ { :‬تِل ْ َ‬
‫ك أُ َّم ٌة } فكأهنا‬
‫‪٦‬تيزة بوحدة عقيدْتا ووحدة‬
‫إٯتاهنا حىت أصبحت شؼئا واحدا ‪.‬‬
‫‪ .‬ولذلك البد أن ٮتاطبها بالوحدة ‪.‬‬
‫‪ .‬واقرأ قوله تعاىل ‪ { :‬إ َِّن هذه‬
‫أُ َّم ُت ُك ْم أُ َّمةً َوا ِح َدة ً َوأَنَا ْ َربُّ ُك ْم‬
‫فاعبدون } ػ األنؽياء ‪] 92 :‬‬
‫وتلك هنا إشارة ألمة إبراهيم‬
‫وإ‪ٝ‬تاعيل واسحق ويعقوب ‪. .‬‬
‫هم ‪ٚ‬تاعة كثَتة ‪٢‬تم عقيدة‬
‫واحدة ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪٢َ { :‬تَا َما َك َسب َ ْت َول َ ُك ْم‬
‫َّما َك َسؽ ْ ُت ْم } ‪ . .‬أي تلك ‪ٚ‬تاعة‬
‫عَل دين واحد ٖتاسب عما فعلته‬
‫كما ستحاسبون أنتم عَل ما فعلتم ‪.‬‬
‫‪ .‬ولكن اهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪:‬‬
‫ان أُ َّمةً} ػ النحل‬ ‫ِ‬
‫{ إ َِّن إِب ْ َراه َ‬
‫يم ك َ َ‬
‫‪] 120 :‬‬
‫وإبراهيم فرد ولؼس ‪ٚ‬تاعة؟ نقول‬
‫نعم إن إبراهيم فرد ولكن‬
‫اجتمعت فيه من خصال ا‪٠‬تَت‬
‫ومواهب الكمال ما ال ‪٬‬تتمع إال يف‬
‫أمة ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬قَ ْد َخل َ ْت } يراد بها‬
‫إفهام اليهود أال ينسبوا أنفسهم‬
‫إىل إبراهيم نسبا كاذبا ألن نسب‬
‫األنؽياء لؼس نسبا ًدمويا أو جنسيا‬
‫أو انتماء ‪ . .‬وإ‪٪‬تا نسب منهج‬
‫واتباع ‪ . .‬فكأن ا‪ٟ‬تق يقول لليهود‬
‫لن ينفعكم أن تكونوا من سبللة‬
‫إبراهيم وال اسحق وال يعقوب ‪. .‬‬
‫ألن نسب النبوة هو نسب إٯتاين‬
‫يفه اتباع للمنهج والعقيدة ‪ . .‬وال‬
‫يشفع هذا النسب يوم القيامة ألن‬
‫لكل واحد عمله ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪٢َ { :‬تَا َما َك َسب َ ْت َول َ ُك ْم‬
‫َّما كَ َسؽ ْ ُت ْم } ‪ . .‬الكسب يؤخذ عَل‬
‫ا‪٠‬تَت واالكؾساب يؤخذ يف الشر‬
‫ألن الشر فيه افتعال ‪.‬‬
‫إننا البد أن نلتفت ونتنبه إىل آيات‬
‫القرآن الكريم حىت نستطيع أن‬
‫نرد عَل أولئك الذين ٭تاولون‬
‫الطعن يف القرآن ‪ . .‬فبل يوجد معٌت‬
‫آلية ْتدمها آية أخرى ولكن يوجد‬
‫عدم فهم ‪.‬‬
‫يأيت بعض ا‪١‬تستشرقُت ليقول‬
‫هناك آية يف القرآن تؤكد أن اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل يعطي باألنساب‬
‫وذلك يف قوله جل جبلله ‪{ :‬‬
‫والذين آ َم ُنوا ْواتبعتهم ُذ ِّري َّ ُت ُهم‬
‫بِإِٯتَانٍ أ َ ْ‪ٟ‬تَقْنَا بِ ِه ْم ُذ ِّريَّت َ ُه ْم َو َمآ‬
‫أَلَؾْن َ ُاه ْم ِّم ْن َع َملِ ِهم ِّمن َش ْيءٍ } ػ‬
‫الطور ‪] 21 :‬‬
‫األبناء مؤمنون ‪ ،‬وقوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫أ َ ْ‪ٟ‬ت َ ْقنَا بِ ِه ْم ُذ ِّريَّت َ ُه ْم } كلمة أ‪ٟ‬تقنا‬
‫تأيت عندما تلحق ناقصا بكامل ‪.‬‬

‫‪ .‬فإذا كان االثنان مؤمنُت فكأنك‬


‫تزيد درجة األبناء إكراما آلبائهم‬
‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ . .‬نقول إن اإلٯتان شيء‬
‫والعمل ٔتقتىض اإلٯتان شيء آخر‬
‫‪ . .‬األب والذرية مؤمنون ولكن‬
‫اآلباء تفانوا يف العمل واألبناء رٔتا‬
‫قصروا قليبل ‪ . .‬ولكن هنا رفع‬
‫درجة بالنسبة للمؤمنُت أي البد‬
‫أن يكون األب والذرية مؤمنُت ‪. .‬‬
‫ولكن غَت ا‪١‬تؤمنُت مبعدون لؼس‬
‫‪٢‬تم عبلقة بآبائهم انقطعت الصلة‬
‫بؼنهم بسبب اإلٯتان والكفر ‪. .‬‬
‫فاآلباء ‪٢‬تم أعمال حسنة كثَتة ‪. .‬‬
‫واألبناء ‪٢‬تم أعمال حسنة أقل ‪. .‬‬
‫يزنل اهلل األبناء يف ا‪ٞ‬تنة مع آبائهم‬
‫ألن اإلٯتان واحد ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َمآ أَلَؾْن َ ُاه ْم } أي‬
‫أنقصناهم من عملهم من شيء ‪. .‬‬
‫إذن فاآلباء والذرية مأخوذون‬
‫بإٯتاهنم ‪ ،‬واهلل بفضله يلحق‬
‫األبناء باآلباء ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪٢َ { :‬تَا َما َك َسب َ ْت َول َ ُك ْم‬
‫َّما كَ َسؽ ْ ُت ْم } ‪ . .‬هذه عملية‬
‫اإلٯتان يف العقيدة ‪ . .‬قد يقول‬
‫البعض إن اهلل تبارك وتعاىل يقول‪:‬‬
‫ُت } ػ‬ ‫ٔت‬‫{ كُ ُّل امرىء ِ‬
‫ب َر َه ٌ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫الطور ‪] 21 :‬‬
‫ويقول سبحانه ‪َ { :‬وأَن لَّؼ ْ َس‬
‫ان إِال َّ َما سَع } ػ النجم ‪:‬‬
‫نس ِ‬ ‫ِ‬
‫ل ِئل َ‬
‫‪] 39‬‬
‫فكيف يأخذ األبناء جزاء بدون‬
‫سعي؟ نقول افهموا النصوص جيدا‬
‫َ َ ِ‬
‫‪ .‬قوله تعاىل ‪َ { :‬وأن ل ّؼ ْ َس ل ِئل َ‬
‫نس ِ‬
‫ان‬
‫إِال َّ َما سَع } ٖتدد العدل ولكنها ال‬
‫ٖتدد الفضل الذي يعطيه اهلل‬
‫سبحانه ‪١‬تن شاء من عباده ‪ ،‬وهذا‬
‫يعطي ببل حساب ‪ . .‬ثم من الذي‬
‫قال إن هذا لؼس من سعيهم؟ إن‬
‫إ‪ٟ‬تاق األبناء ا‪١‬تؤمنُت با‪١‬تزنلة‬
‫العالية آلبائهم تكريم لعمل‬
‫اآلباء ولؼس زيادة لعمل األبناء ‪.‬‬
‫ولقد روى لنا العلماء أن ولدا كان‬
‫مؤمنا طائعا عابدا وأبوه كان مسرفا‬
‫عَل نفسه ‪ . .‬فلما مات األب حزن‬
‫عليه ابنه ولكنه رأى أن أباه جالس‬
‫فوق رأسه ومعه واحدة من ا‪ٟ‬تور‬
‫العُت تؤنسه ‪ . .‬فتعجب اإلبن‬
‫كيف ينال أبوه هذه ا‪١‬تكافأة وقد‬
‫كان مسرفا عَل نفسه فسأله ‪ :‬كيف‬
‫وصلت ‪٢‬تذه ا‪١‬تزنلة؟ فقال األب‬
‫أي مزنلة ‪ . .‬قال االبن أن تكون‬
‫معك واحدة من ا‪ٟ‬تور العُت ‪. .‬‬
‫فقال األب وهل فهمت أهنا نعيم‬
‫يل ‪ . .‬قال االبن نعم ‪ . .‬فقال األب‬
‫‪ :‬ال ‪ ،‬أنا عقوبة ‪٢‬تا ‪ . .‬اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يقول ‪ُ { :‬ق ْل بِ َف ْض ِل اهلل‬
‫‪ٛ‬تتِ ِه فَبِ َذل ِ َ‬
‫ك فَلْي َ ْف َر ُحوا ْ ُه َو َخ َْتٌ‬ ‫َوبِ َر ْ َ‬
‫ون } ػ يونس ‪] 58 :‬‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫‪٬‬ت‬
‫َ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ِّ‬
‫‪٦‬ت‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫إذن أنت يف اآلخرة ستفرح بفضل‬
‫اهلل ور‪ٛ‬تته أكثر من فرحك‬
‫بعملك الصاٌف‪ . .‬مصداقا ‪ٟ‬تديث‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫« سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن‬
‫يُ ْد ِخ َل ا‪ٞ‬تنة أحدا ً َع َملُه ‪ ،‬قالوا وال‬
‫أنت يا رسول اهلل قال وال أنا إال أن‬
‫يتغمدين اهلل منه ب ه‬
‫ر‪ٛ‬تت»‬
‫رٔتا يأيت أحد ويقول الصبلة عَل‬
‫ا‪١‬تيت ما هو القصد الشرعي منها ‪.‬‬
‫‪ .‬إن كانت تفيده فستكون الفائدة‬
‫زيادة عَل عمله ‪ . .‬وإن لم تكن‬
‫تعطيه أكثر من عمله فما فائدْتا؟‬
‫‪.‬‬
‫نقول مادام الشرع كلفنا بها فلها‬
‫فائدة ‪.‬‬
‫وهل تظن أن الصبلة عَل ا‪١‬تيت‬
‫لؼست من عمله؟ هي داخلة يف‬
‫عمله ألنه مؤمن وإٯتانه هو الذي‬
‫دفعك للصبلة عليه ‪ . .‬والذي تدعو‬
‫له با‪٠‬تَت وبالر‪ٛ‬تة وبا‪١‬تغفرة‬
‫ويتقبلها اهلل ‪ . .‬أيقال أنه أخذ غَت‬
‫عمله؟ ال؛ إنك لم تدع له إال بعد‬
‫أن أصابك ا‪٠‬تَت منه‪ . .‬ولكنك ال‬
‫تدعو مثبل إلنسان أخذ بيدك إىل‬
‫‪ٜ‬تارة أو إىل فاحشة أو إىل منكر ‪. .‬‬
‫بل تدعو ‪١‬تن أعطاك خَتا فإن‬
‫استجاب اهلل لك فهو من عمله ‪.‬‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل يقول إن ما كان‬
‫يعمله من سبقكم من األمم ال‬
‫تسألون عنه ‪ . .‬وإن كنتم تدعون‬
‫أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا‬
‫نقل لكم أنتم لن تسألوا عما كان‬
‫يعمل إبراهيم ولكن عليكم‬
‫أنفسكم ‪ . .‬السؤال يكون عن‬
‫عملكم ‪.‬‬
‫َ‬
‫َوقَالُوا ُكونُوا ُهودًا أ ْو ن َ َص َ‬
‫ارى ْتَ ْت َ ُدوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم َح ِنيفًا َو َما ك َ َ‬
‫ان‬ ‫ُق ْل ب َ ْل ملَّةَ إِب ْ َراه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُت (‪)135‬‬ ‫م َن ا ْ‪١‬تُ ْش ِرك َ‬
‫عندما تأيت قالوا فمعناها إن الذين‬
‫قالوا ‪ٚ‬تاعة ‪ . .‬الذين قالوا هم‬
‫اليهود والنصارى ‪ .‬ولكن كبل منهم‬
‫قال قوال ‪٥‬تتلفا عن اآلخر ‪ . .‬قالت‬
‫اليهود كونوا هودا ‪ .‬وقالت‬
‫النصارى كونوا نصارى ‪. .‬‬
‫و‪٨‬تن عندنا عناصر ثبلثة ‪ :‬اليهود‬
‫والنصارى وا‪١‬تشركون ‪ .‬ويقابل‬
‫كل هؤالء ا‪١‬تؤمنون ‪َ { . .‬وقَالُوا ْ‬
‫ُكونُوا ْ} من ا‪١‬تقصود با‪٠‬تطاب؟‬
‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ . .‬أو قد يكون ا‪١‬تعٌت‬
‫وقالت اليهود للمؤمنُت‬
‫وا‪١‬تشركُت والنصارى كونوا هودا‬
‫‪ . .‬وقالت النصارى لليهود‬
‫وا‪١‬تشركُت وا‪١‬تؤمنُت كونوا‬
‫نصارى ‪ . .‬ألن كل واحد منهما ال‬
‫يرى ا‪٠‬تَت إال يف نفسه ‪ . .‬ولكن‬
‫اإلسبلم جاء وأخذ من اليهودية‬
‫موىس وتوراته الصحيحة ‪ ،‬وأخذ‬
‫من ا‪١‬تسيحية عؼىس وإ‪٧‬تيله‬
‫الصحيح ‪ . .‬وكل ما جاء به ‪٤‬تمد‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومعٌت ذلك أن اإلسبلم أخذ وحدة‬
‫الصفقة اإلٯتانية ا‪١‬تعقودة بُت اهلل‬
‫سبحانه وبُت كل مؤمن‪ . .‬ولذلك‬
‫ٕتد يف القرآن الكريم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ُت أ َ َح ٍد ِّمن ُّر ُسلِ ِه } ػ‬
‫{ ال َن ُ َف ّ ِر ُق ب َ ْ َ‬
‫البقرة ‪] 285 :‬‬
‫ونبلحظ أن ا‪١‬تشركُت لم يدخلوا‬
‫يف القول ألهنم لؼسوا أهل كتاب ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله تعاىل ‪ { :‬ب َ ْل ملَّةَ إِب ْ َراه َ‬
‫يم‬
‫َح ِنيفا ً} ‪ . .‬أي رد عليهم ‪،‬‬
‫وا‪٠‬تطاب لرسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم بأنٍت سأكون تابعا لدين‬
‫إبراهيم وهو ا‪ٟ‬تنيفية ‪ . .‬وهم ال‬
‫ٯتكن أن ٮتالفوا يف إبراهيم‬
‫فاليهود اعؾُبوه نؽيا من أنؽيائهم ‪.‬‬
‫‪ .‬والنصارى اعؾُبوه نؽيا من‬
‫أنؽيائهم ولم ينفوا عنه النبوة‬
‫ولكن كبل منهم أراد أن ينسبه‬
‫لنفسه ‪.‬‬
‫ما معٌت حنيفا؟ إن االشتقاقات‬
‫اللفظية البد أن يكون ‪٢‬تا عبلقة‬
‫با‪١‬تعٌت غ‬
‫اللوي‪ . .‬ا‪ٟ‬تنف ميل يف‬
‫القدمُت أن ٘تيل قدم إىل أخرى ‪.‬‬
‫‪ .‬هو تقوس يف القدمُت فتميل‬
‫القدم اليمٌت إىل الؼسار أو‬
‫الؼسرى إىل اليمُت هذا هو ا‪ٟ‬تنف ‪.‬‬
‫‪ .‬ولكن كيف يؤيت بلفظ يدل عَل‬
‫العوج و‪٬‬تعله رمزا للصراط‬
‫ا‪١‬تستقيم؟ ‪.‬‬
‫لقد قلنا إن الرسل ال يأتون إال‬
‫عندما تعم الغفلة منهج اهلل‪ . .‬ألنه‬
‫مادام وجد من أتباع الرسول من‬
‫يدعو إىل منهجه ويأمر با‪١‬تعروف‬
‫وينىه عن ا‪١‬تنكر يكون هناك خَت ‪.‬‬
‫النفس البشرية ‪٢‬تا ألوان ‪. .‬‬
‫فهناك النفس اللوامة تصنع شرا‬
‫مرة فيأيت من داخل النفس ما‬
‫يسؾنكر هذا الشر فتعود إىل ا‪٠‬تَت ‪.‬‬
‫‪ .‬ولكن هناك النفس األمارة‬
‫بالسوء وهي اليت ال تعؼش إال يف‬
‫الشر تأمر به وتغري اآلخرين‬
‫بفعله ‪ . .‬إذا فسد ا‪١‬تجتمع‬
‫وأصبحت النفوس أمارة بالسوء‬
‫ينطبق عليها قول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪{ :‬‬
‫كَانُوا ْال َيَؾَنَا َه ْو َن َعن ُّمن َك ٍر فَعَل ُ ُ‬
‫وه }‬
‫ػ ا‪١‬تائدة ‪] 79 :‬‬
‫تتدخل السماء برسول يعاًف‬
‫اعوجاج ا‪١‬تجتمع ‪ . .‬ولكن اهلل‬
‫تبارك وتعاىل وضع عنصر ا‪٠‬تَتية‬
‫يف أمة ‪٤‬تمد صَل اهلل عليه وسلم إىل‬
‫قيام الساعة ‪.‬‬
‫قال تعاىل ‪ُ { :‬كن ْ ُت ْم َخ َْت َأُ َّم ٍة‬
‫أُ ْخ ِرجت لِلنَ ِ ْ‬
‫ون با‪١‬تعروف‬ ‫اس تَأ ُم ُر َ‬ ‫َ ْ ّ‬
‫ون باهلل‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫وتَنْهَون َع ِن ا‪١‬تنكر و ُت ْؤ ِ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬
‫َ‬
‫َول َ ْو آ َم َن أ ْه ُل الكتاب لكَ َ‬
‫ان َخ َْتا ً‬
‫ل َّ ُه ْم ِّمن ْ ُه ُم ا‪١‬تؤمنون َوأ َ ْكث َ ُر ُه ُم‬
‫الفاسقون }‬

‫ػ آل عمران ‪] 110 :‬‬


‫إذن فقد ائتمن اهلل تبارك وتعاىل‬
‫أمة ‪٤‬تمد عَل ا‪١‬تنهج ‪ . .‬ومادام فيها‬
‫من يأمر با‪١‬تعروف وينهي عن‬
‫ا‪١‬تنكر فلن يأيت رسول بعد ‪٤‬تمد‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫نعود إىل قوله تعاىل حنيفا ‪ . .‬قلنا إن‬
‫اٌفنف هو االعوجاج‪ . .‬ونقول إن‬
‫االعوجاج عن ا‪١‬تعوج اعتدال ‪. .‬‬
‫والرسل ال يأتون إال بعد اعوجاج‬
‫كامل يف ا‪١‬تجتمع ‪ . .‬ليصرفوا‬
‫الناس عن االعوجاج القائم‬
‫فيميلون إىل االعتدال ‪ . .‬ألن‬
‫‪٥‬تالفة االعوجاج اعتدال ‪. .‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ « :‬حنيفا » تذكرنا‬
‫بنعمة اهلل عَل الوجود كله ألنه‬
‫يصحح غفلة البشر عن منهج اهلل‬
‫ويأخذ الناس من االعوجاج‬
‫ا‪١‬توجود إىل االعتدال ‪ . .‬وا‪٢‬تداية‬
‫عند اليهود والنصارى مفهومها‬
‫ٖتقيق شهوات نفوسهم ألن بشرا‬
‫يهدي بشرا ‪ . .‬واهلل سبحانه‬
‫وتعاىل قال ‪َ { :‬ول َ ْن ترَض َع َ‬
‫نك‬
‫اليهود َوال َالنصارى حىت تَؾَّبِ َع‬
‫ِملَّت َ ُه ْم } ػ البقرة ‪] 120 :‬‬
‫ولقد تعايش رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم يف ا‪١‬تدينة مع اليهود‬
‫ولكنهم حاربوه ولم يرضوا عنه ‪.‬‬
‫‪ .‬وإبراهيم عليه السبلم كان مؤمنا‬
‫حقا ولم يكن مشركا ‪. .‬‬
‫اّلل َو َما أُن ْ ِز َل إِلَؼْنَا َو َما‬ ‫ُقولُوا آمنَّا بِ َ ِ‬
‫َ ّ‬
‫يل‬ ‫يم َوإ ِْس َام ِع َ‬ ‫ِ‬
‫أن ْ ِز َل إ َِىل إِب ْ َراه َ‬
‫ُ‬
‫اط َو َما‬ ‫اق ويَعْ ُقوب و ْاألَسب ِ‬
‫َ َ َْ‬ ‫َوإ ِْس َح َ َ‬
‫ون‬ ‫ِي‬
‫ؽ‬ ‫َ‬ ‫لن‬ ‫ا‬ ‫ويت‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ىس‬ ‫ؼ‬ ‫أُ ِويت موىس وعِ‬
‫ُ‬
‫ََ َ ّ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ َ‬
‫ُت أ َ َح ٍد ِمن ْ ُه ْم‬ ‫ِ‬
‫م ْن َر ِبّ ِه ْم َال ن ُ َف ّ ِر ُق ب َ ْ َ‬
‫ون (‪)136‬‬ ‫م‬ ‫و َ‪٨‬تْن لَه مسلِ‬
‫َ ُ ُُ ْ ُ َ‬
‫هذه اآلية الكرٯتة تعطؼنا تفسَتا‬
‫لقوله تعاىل ‪ِ { :‬ملَّةَ إِب ْ َرا ِهي َم } ‪. .‬‬
‫إٯتان باهلل وحده ال شريك له ‪. .‬‬
‫إٯتان ٔتا أنزل إلؼنا وهو القرآن‬
‫وما أنزل إلبراهيم وإ‪ٝ‬تاعيل‬
‫واسحق ويعقوب واألسباط وما‬
‫أويت موىس أي التوراة وما أويت‬
‫عؼىس أي اإل‪٧‬تيل وما أويت النؽيون‬
‫باإل‪ٚ‬تال ‪ . .‬فالببلغ الصحيح عن‬
‫اهلل منذ عهد آدم حىت اآلن هو‬
‫وحدة العقيدة بأنه ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال شريك له ‪ . .‬ووحدة‬
‫الكون بأن اهلل هو ا‪٠‬تالق وهو‬
‫ا‪١‬تدبر وكل شيء ٮترج عن األلوهية‬
‫هلل الواحد األحد ‪ . .‬وأن كل شيء‬
‫ٮترج عن ذلك يكون من ٖتريف‬
‫الديانات السابقة هو افًتاء عَل‬
‫اهلل سبحانه ال نقبله ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪ { :‬قولوا َ‬
‫آمنَّا باهلل َو َمآ‬
‫أُن ْ ِز َل إِلَؼْنَا } وهو القرآن الكريم ‪.‬‬
‫وال ٯتكن أن يعطف عليه ما‬
‫يصطدم معه ‪ . .‬ولذلك فإن ما‬
‫أنزل عَل إبراهيم وإ‪ٝ‬تاعيل‬
‫واسحق ويعقوب واألسباط هذه‬
‫ملة إبراهيم ‪ . .‬وهذا يؤكد لنا أن‬
‫ملة إبراهيم من وحي اهلل إليه ‪. .‬‬
‫والرساالت كلها كما قلنا تدعو‬
‫لعبادة اهلل الواحد الواحد الذي ال‬
‫شريك له ‪.‬‬
‫ون‬ ‫م‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬و َ‪٨‬تْن لَه مسلِ‬
‫َ ُ ُُ ْ ُ َ‬
‫} ‪ . .‬أي أن إبراهيم كان مسلما‬
‫وكل األنؽياء كانوا مسلمُت وكل ما‬
‫ٮتالف ذلك من صنع البشر‪. .‬‬
‫ومعٌت اإلسبلم أن هناك مسلما‬
‫ومسلما إليه هو اهلل عز وجل ‪.‬‬
‫و‪٨‬تن نسلم له يف العبودية سبح انه‬
‫ويف اتباع منهجه ‪ . .‬واإلنسان ال‬
‫يسلم وجهه إال ‪١‬تن هو أقدر منه‬
‫وأعلم منه وأقوى منه و‪١‬تن ال هوى‬
‫له ‪ . .‬فإن تشككت يف أحد‬
‫العناصر فإسبلمك لؼس حقيقة‬
‫وإ‪٪‬تا ٗتيل ‪ . .‬وأنت ال تسلم‬
‫زمامك هلل سبحانه وتعاىل إال وأنت‬
‫متأكد أن قدراته سبحانه فوق‬
‫قدرات ا‪١‬تخلوقُت ‪ٚ‬تيعا ‪ ،‬وأنه‬
‫سبحانه غٍت عن العا‪١‬تُت ‪ ،‬ولذلك‬
‫فإنه غَت ‪٤‬تتاج إىل ما يف يدك بل هو‬
‫يعطيك جل جبلله من ا‪٠‬تَت والنعم‬
‫وال يوجد إال الوجود األعَل لؾسلم‬
‫وجهك له ‪.‬‬

‫آمن ْ ُت ْم بِ ِه فَ َق ِد‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫ِ‬


‫ٔت‬‫فَإِن آمنوا ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َُ‬
‫ْاهت َ َد ْوا َوإ ِْن تَ َول َّ ْوا فَإ َِّ‪٪‬تَا ُه ْم ِيف ِش َقاقٍ‬
‫لس ِمي ُع‬‫اّلل َو ُه َو ا َّ‬ ‫ِ‬
‫فَ َسي َ ْكفي َك ُه ُم َّ ُ‬
‫يم (‪)137‬‬ ‫الْعلِ‬
‫َ ُ‬
‫نقول إن السؤال الذي يطرح‬
‫نفسه بالنسبة ‪٢‬تذه اآلية ‪ . .‬هل ِ‪١‬تا‬
‫آمنا به مثل حىت يؤمنوا به؟ إنك‬
‫لكي تؤمن البد أن تقول ال إله إال‬
‫اهلل ‪٤‬تمد رسول اهلل ‪ . .‬فهل إذا‬
‫قا‪٢‬تا أحد بعدك يكون قال ما قلته‬
‫مث ما قلته؟ يكون قال مثل ما‬ ‫أم ل‬
‫قلت ‪ .‬أي إنٍت حُت أعلن إٯتاين‬
‫وآخذ الشهادة اليت قلتها أنت أكون‬
‫قد قلت مثلها ألن ما نطقت به ال‬
‫يفارقك أنت ‪ . .‬ولكٍت إذا صنعت‬
‫شؼئا وقلت لغَتي إصنع مثله ‪ ،‬هو‬
‫سيصنع شؼئا جديدا ولن يصنع ما‬
‫صنعته أنا ‪.‬‬
‫الشيء نفسه حُت تقول يل ‪ :‬تصدق‬
‫ٔتث ما تصدق به فبلن ‪ .‬لن تكون‬ ‫ل‬
‫الصدقة هي ا‪١‬تال نفسه بل تكون‬
‫مثله ‪ .‬نقول ‪١‬تن يردد هذا الكبلم ‪:‬‬
‫إنك لم تفهم ا‪١‬تعٌت إٯتاهنم أن‬
‫يقولوا ال إله إال اهلل ‪٤‬تمد رسول اهلل‬
‫وإٯتان غَتهم أن يقولوا مثل هذه‬
‫العبارة أي أن يعلنوا إٯتاهنم مثلنا‬
‫باهلل ورسوله ‪ . .‬فا‪١‬تثل هنا يرتبط‬
‫بالشهادة وكل من آمن باإلسبلم‬
‫نطق بالشهادتُت مثل من سبقوه يف‬
‫اإلٯتان ‪ .‬فا‪١‬تثلية هنا يف العبارة‬
‫وإٯتاهنم هو أن يقولوا مثل ما قلنا ‪.‬‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل ‪ { :‬فَإ ِْن‬
‫آمن ْ ُت ْم بِ ِه فَ َق ِد اهتدوا‬ ‫ِ‬
‫آ َم ُنوا ْ ِٔتث ْ ِل َمآ َ‬
‫} أي اهتدوا إىل ا‪ٟ‬تق ‪َّ { . .‬وإِن‬
‫تَ َول َّ ْوا ْفَإ َِّ‪٪‬تَا ُه ْم ِيف ِش َقاقٍ } وتولوا‬
‫يعٍت أعرضوا ‪ .‬وشقاق يعٍت خبلفا‬
‫معكم وخبلفا مع بعضهم البعض؛‬
‫فلكل منهم وجهة نظر يدعيها ‪،‬‬
‫وهداية اخًتعها ‪ . .‬حىت إذا التقوا‬
‫يف الكفر فلن يلتقوا يف أسباب‬
‫الكفر كل واحد اٗتذ سؽبا ولذلك‬
‫اختلفوا ‪ . .‬والشقاق من ا‪١‬تشقة‬
‫والزناع وا‪١‬تشاجرة ‪ ،‬والشق هو‬
‫الفرقة بُت شيئُت ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فَ َسي َ ْك ِفي َك ُه ُم اهلل‬
‫} أي ال تلتفت إىل معاركهم وال إىل‬
‫حوارهم فاهلل يكفيك بكل‬
‫الوسائل عمن سواه واقرأ قوله‬
‫سبحانه ‪ { :‬أَلَؼ ْ َس اهلل بِكَ ٍ‬
‫اف َعب ْ َد ُه‬
‫ك بالذين ِمن ُدونِ ِه َو َمن‬ ‫َو ُٮت َ ِ ّو ُفون َ َ‬
‫يضلِ ِل اهلل فَ َما ل َ ُه ِم ْن َها ٍد } ػ الزمر‬ ‫ُْ‬
‫‪] 36 :‬‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل يقول لنؽيه صَل‬
‫اهلل عليه وسلم إذا حاول اليهود‬
‫والنصارى وا‪١‬تنافقون أن يكيدوا‬
‫لك ويؤذوك وا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬فاهلل‬
‫سبحانه وتعاىل يكفيك ألنه عليم‬
‫‪ٝ‬تيع بصَت ال ٮتىف عليه شيء ‪. .‬‬
‫ولقد حاول اليهود قتل رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم أكثر من مرة‬
‫وحاولوا إيذاءه بالسحر فأبطل اهلل‬
‫كيدهم وأظهر ما خفي منه وأطلع‬
‫رسوله عليه ‪ . .‬فمهما استخدموا‬
‫من وسائل ظاهرة أو خفية‬
‫فسيكفيك اهلل شرها ولذلك قال‬
‫تعاىل ‪ { :‬فَ َسي َ ْك ِفي َك ُه ُم اهلل َو ُه َو‬
‫السميع العليم } ‪ . .‬أي ‪ٝ‬تيع ا‬
‫بم‬
‫يقال ‪ ،‬عليم ٔتا يدبرونه ‪ .‬بل‬
‫يعلم ما يف صدورهم قبل أن‬
‫ينطقوا به ‪ . .‬فبل تعتقد أن شؼئا‬
‫يفوت عَل اهلل سبحانه أو يفلت منه‬
‫‪ .‬إن كل حركة قبل أن ٖتدث‬
‫يعلمها سبحانه ‪ ،‬وكل كيد قبل أن‬
‫يتم هو ‪٤‬تبطه ‪ .‬فإذا كان اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل معك فماذا ٗتىش؟‬
‫و‪٦‬تن ٗتاف؟ ومن ذا الذي يستطيع‬
‫أن يصل إليك؟ ‪ .‬وأنت معك‬
‫عليم بكل ما سيحدث حىت يوم‬
‫القيامة وبعد يوم القيامة ‪. .‬‬
‫ومادام معك القوي الذي ال يضعف‬
‫أبدا وا‪ٟ‬تي الذي ال ٯتوت أبدا‬
‫والعليم بكل شيء فبل ٗتىش أحدا‬
‫ألنك يف أمان اهلل سبحانه ‪.‬‬
‫اّلل و َم ْن أ َ ْح َسن ِم َن َ ِ‬
‫ِ‬
‫اّلل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِصبْغَةَ َّ َ‬
‫ِ‬
‫ون (‪)138‬‬ ‫صب ْ َغة ً َو َ‪٨‬ت ْ ُن ل َ ُه عَابِ ُد َ‬
‫ما هي الصبغة؟ الصبغة هي إدخال‬
‫لون عَل شيء ْتيث يغَته بلون آخر‬
‫‪ . .‬تصبغ الشيء أ‪ٛ‬تر أو أزرق أو‬
‫أي لون ٗتتاره ‪ .‬والصبغ ينفذ يف‬
‫ا‪١‬تصبوغ خاصة إذا كان ا‪١‬تصبوغ له‬
‫شعَتات مسام كالقطن أو الصوف‬
‫‪ . .‬ولذلك فإن األلياف الصناعية ال‬
‫يمكن أن تصبغ ‪١‬تاذا؟ ألن شعرة‬
‫القطن أو الصوف أشبه باألنبوبة يف‬
‫تركؼبها ‪.‬‬
‫وإذا جػنا بقنديل من الزيت‬
‫ووضعنا فيه فؾيبل من القطن ْتيث‬
‫يكون رأس الفؾيل يف الزيت ثم‬
‫تشغله من أعبله ‪٧‬تد أن الزيت‬
‫يسري يف األنابيب ويشعل الفؾيل‬
‫‪ . .‬فإذا جربنا هذا يف األلياف‬
‫الصناعية فبل ٯتكن أن يسري فيها‬
‫الزيت وإ‪٪‬تا النار تأكل األلياف‬
‫ألنه لؼس فيها أنابيب شعرية‬
‫كالقطن والصوف ‪ . .‬ولذلك ٕتد‬
‫األلياف الصناعية سهلة يف الغسيل‬
‫ألن العرق ال يدخل يف مسامها‬
‫بؼنما ا‪١‬تبلبس القطنية ٖتتاج ‪ٞ‬تهد‬
‫كبَت ألن مسامها مشبعة بالعرق‬
‫والًتاب ‪.‬‬
‫إذن الصبغة البد أن تتدخل مادْتا‬
‫من مسام القماش ‪ . .‬أما الطبلء‬
‫فهو ‪٥‬تتلف ‪ .‬إنه طبقة خارجية‬
‫تستطيع أن تزيلها ‪ . .‬ولذلك فإن‬
‫الذين يفتون يف طبلء األظافر‬
‫بالنسبة للسيدات ويقولون إنه‬
‫مثل ا‪ٟ‬تناء نقول ‪٢‬تم ال ‪ . .‬ا‪ٟ‬تناء‬
‫صبغة تتخلل ا‪١‬تادة ا‪ٟ‬تية وتبىق حىت‬
‫يذهب ا‪ٞ‬تلد بها أي ال تستطيع أن‬
‫تزيلها عندما تريد ‪ . .‬ولكن‬
‫الطبلء ٯتكن أن تزيله يف أي وقت‬
‫ولو بعد إ٘تامه بلحظات ‪ . .‬إذن‬
‫فطبلء األظافر لؼس صبغة ‪.‬‬
‫قوله سبحانه ‪ِ { :‬صبْغَةَ اهلل } فكأن‬
‫اإلٯتان باهلل وملة إبراهيم وما‬
‫أنزل اهلل عَل رسله هي الصبغة‬
‫اإل‪٢‬تية اليت تتغلغل يف ا‪ٞ‬تسد‬
‫البشري ‪ . .‬و‪١‬تاذا كلمة صبغة؟‬
‫حىت نعرف أن اإلٯتان يتخلل‬
‫جسدك كله ‪ . .‬إنه لؼس صبغة من‬
‫خارج جسمك ولكنها صبغة‬
‫جعلها اهلل يف خبليا القلب موجودة‬
‫فيه ساعة ا‪٠‬تلق ‪ . .‬ولذلك فإن‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫يقول ‪:‬‬
‫« كل مولود يولد عَل الفطرة حىت‬
‫يعرب عنه لسانه فأبواه يه ّودانه أو‬
‫ينصرانه أو ٯتجسانه »‬
‫فكأن اإلٯتان صبغة موجودة‬
‫بالفطرة ‪ . .‬إهنا صبغة اهلل ‪ . .‬فإن‬
‫كان أبواه مسلمُت ظل عَل الفطرة‬
‫‪ .‬وإن كان أبواه من اليهود أو‬
‫النصارى يهودانه أو ينصرانه أي‬
‫يأخذانه ويضعانه يف ماء ويقولون‬
‫صبغناه ٔتاء ا‪١‬تعمودية ‪ . .‬هذا هو‬
‫معٌت صبغة اهلل ‪.‬‬
‫ويريد ا‪ٟ‬تق سبحانه أن يبُت لنا‬
‫ذلك بأن ‪٬‬تعل من آيات قدرته‬
‫اختبلف ألواننا ‪ . .‬هذا االختبلف‬
‫يف اللون من صبغة اهلل ‪ . .‬اختبلف‬
‫ألوان البشر لؼس طبلء وإ‪٪‬تا يف‬
‫ذات التكوين ‪ . .‬فيكون هذا‬
‫أبيض وهذا أ‪ٝ‬تر وهذا أصفر‬
‫وهذا أ‪ٛ‬تر ‪ ،‬هذه هي صبغة اهلل ‪. .‬‬
‫وما يفعلونه من تعميد للطفل ال‬
‫يعطي صبغة ‪.‬‬
‫ألن اإلٯتان والدين ال يأيت من‬
‫خارج اإلنسان وإ‪٪‬تا يأيت من داخله‬
‫‪ . .‬ولذلك فإن اإلٯتان يهز كل‬
‫أعضاء ا‪ٞ‬تسد البشري ‪ .‬واقرأ قول‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬اهلل ن َ َّز َل‬
‫أ َ ْح َس َن ا‪ٟ‬تديث ِكتَابا ً ُّمت َ َشابِها ً َّمث َ ِاين َ‬
‫ود الذين َٮت ْ َش ْو َن‬ ‫ِ ِ‬
‫تَقْ َشع ُّر من ْ ُه ُجل ُ ُ‬
‫ِ‬
‫وب ُه ْم‬‫ود ُه ْم َو ُقل ُ ُ‬
‫ُت ُجل ُ ُ‬
‫َربَّ ُه ْم ُث َّم تَل ُ‬
‫ك ُه َدى اهلل يَهْ ِدي‬ ‫إىل ِذ ْك ِر اهلل ذَل ِ َ‬
‫آء َو َمن يُ ْضلِ ِل اهلل فَ َما ل َ ُه‬ ‫بِه َمن ي َ َش ُ‬
‫ِ‬
‫ِم ْن َها ٍد } ػ الزمر ‪] 23 :‬‬
‫هذا هو التأثَت الذي يضعه اهلل يف‬
‫القلوب ‪ . .‬أمر داخلي ولؼس‬
‫خارجيا ‪ . .‬أما إٯتان غَت ا‪١‬تسلمُت‬
‫فهو طبلء خارجي ولؼس صبغة‬
‫ألهنم تركوا صبغة اهلل ‪ . .‬ونقول‬
‫‪٢‬تم ‪ :‬ال ‪ .‬هذا الطبلء من عندكم‬
‫أنتم ‪ ،‬أما ديننا فهو صبغة اهلل ‪. .‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َم ْن أ َ ْح َس ُن ِم َن اهلل‬
‫ِصبْغَةً} ‪ . .‬استفهام ال ٯتكن أن‬
‫يكذبوه ولكن ا‪ٞ‬تواب يأيت عَل وفق‬
‫ما يريده السائل سبحانه من أنه ال‬
‫يوجد من هو أحسن من اهلل صبغة ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َ‪٨‬ت ْ ُن ل َ ُه عَابِ َ‬
‫دون }‬
‫أي مطيعون ألوامره والعابد هو من‬
‫يطيع أوامر اهلل و‪٬‬تؾنب ما هنى عنه ‪.‬‬
‫واألوامر دائما تأيت بأمر فيه مشقة‬
‫يطلب منك أن تفعله والنهي يأيت‬
‫عن أمر ‪٤‬تبب إىل نفسك هناك‬
‫مشقة أن تًتكه ‪ . .‬ذلك أن‬
‫اإلنسان يريد النفع العاجل ‪ ،‬النفع‬
‫السطحي ‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل‬
‫يوجهنا إىل النفع ا‪ٟ‬تقيقي ‪ . .‬النفع‬
‫العاجل يعطيك لذة عاجلة‬
‫وٯتنحك نعيما دائما يف اآلخرة‬
‫و٘تتعا بقدرات اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫‪..‬‬
‫وأنت حُت تسمع ا‪١‬تؤذن وال تقوم‬
‫للصبلة ألهنا ثقيلة عَل نفسك قد‬
‫أعطيت نفسك لذة عاجلة كأن‬
‫تشغل نفسك با‪ٟ‬تديث مع شخص‬
‫أو بلعب الطاولة أو بغَت ذلك ‪. .‬‬
‫وتًتك ذلك النفع ا‪ٟ‬تقيقي الذي‬
‫يقودك إىل ا‪ٞ‬تنة ‪ . .‬ولذلك قال اهلل‬
‫سبحانه ‪ { :‬إ َِّهنَا ل َ َكبَِتَةٌ إِال َّعََلَ‬
‫ون أ َ َّهنُم‬
‫ا‪٠‬تاشعُت * الذين ي َ ُظنُّ َ‬
‫ب ْم } ػ البقرة ‪-45 :‬‬ ‫مبلقوا َر ِّه‬
‫‪] 46‬‬
‫إذن العبادة أمر وهني ‪ . .‬أمر يشق‬
‫عَل نفسك فؾسؾثقله ‪ ،‬وهنى عن‬
‫شيء ‪٤‬تبب إىل نفسك يعطيك لذة‬
‫عاجلة ولذلك تريد أن تفعله ‪. .‬‬
‫إذن فقوله تعاىل ‪َ { :‬و َ‪٨‬ت ْ ُن ل َ ُه‬
‫دون } ‪ . .‬أي مطيعون ألوامره‬ ‫عَابِ َ‬
‫ألننا آمنا باآلمر إ‪٢‬تا وربا يعبد ‪. .‬‬
‫فإذا آمنت حبب اهلل إليك فعل‬
‫األشياء اليت كنت تسؾثقلها وسهل‬
‫عليك االمؾناع عن األشياء اليت‬
‫ٖتبها ألهنا تعطيك لذة عاجلة ‪. .‬‬
‫هذه هي صبغة اهلل اليت تعطؼنا‬
‫العبادة ‪ . .‬واقرأ قوله تبارك وتعاىل‬
‫ول اهلل ل َ ْو‬ ‫‪ { :‬واعلموا أ َ َّن فِي ُك ْم َر ُس َ‬
‫َت ِّم َن األمر لَعَ ِنتُّ ْم‬
‫يُ ِط ُيع ُك ْم ِيف َكثِ ٍ‬
‫ب إِلَي ْ ُك ُم اإلٯتان‬ ‫لك‬
‫و ن اهلل َحب َّ َ‬
‫َوزَيَّن َ ُه ِيف ُقلُوبِ ُك ْم َو َك َّر َه إِلَي ْ ُك ُم‬
‫الكفر والفسوق والعصيان أولئك‬
‫ُه ُم الراشدون } ػ ا‪ٟ‬تجرات ‪] 7 :‬‬
‫وهكذا فإن اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫بصبغة اإلٯتان ٭تبب إلؼنا ا‪٠‬تَت‬
‫و‪٬‬تعلنا نبغض الشر ‪ . .‬ال عن رياء‬
‫ونفاق خارج النفس كالطبلء ولكن‬
‫كالصبغة اليت تتخلل الشيء وتصبح‬
‫هي وهو شؼئا واحدا ال يفًتقان ‪. .‬‬
‫ُق ْل أ َ ُٖتَا ُّجونَنَا ِيف َ ِ‬
‫اّلل َو ُه َو َربُّنَا‬
‫ّ‬
‫َو َربُّ ُك ْم َولَنا أ َ ْع َمالُنَا َول َ ُك ْم‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫أ ْع َمال ُ ُك ْم َو َ‪٨‬ت ْ ُن ل َ ُه ُ‪٥‬تْل ُص َ‬
‫ون‬
‫(‪)139‬‬
‫ٖتديد األمر بِ ُق ْل إيقاظ ‪١‬تهمة‬
‫التكليف عند رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ . .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬
‫حُت يقول لرسوله عليه الصبلة‬
‫والسبلم قل كان يكفي أن يقول ما‬
‫يريده سبحانه ‪ . .‬فأنت إذا قلت‬
‫البنك اذهب إىل أخيك وقل له‬
‫أبوك يأمرك بكذا فيذهب الولد‬
‫ويقول هذا الكبلم دون أن يقول‬
‫كلمة قل ‪ . .‬ولكن خطاب اهلل‬
‫لرسوله صَل اهلل عليه وسلم بكلمة‬
‫قل تلفؾنا إىل أن هذا األمر لؼس من‬
‫عنده ولكنه من عند اهلل سبحانه ‪،‬‬
‫ومهمة الرسول هي الببلغ ‪.‬‬
‫إن تكرار كلمة « قل » يف اآليات‬
‫هي نسبة الكبلم ا‪١‬تقول إىل عظمة‬
‫قائله األول وهو اهلل تبارك وتعاىل ‪.‬‬
‫‪ .‬فالكبلم لؼس من عند رسول اهلل‬
‫ولكن قائله هو اهلل جل جبلله ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪ُ { :‬ق ْل أ َ ُٖتَآ ُّجونَنَا ِيف َ ِ‬
‫اّلل‬
‫ّ‬
‫َو ُه َو َربُّنَا َو َربُّ ُك ْم } ‪ . .‬ا‪١‬تحاجة‬
‫معناها حوار با‪ٟ‬تجة ‪ ،‬كل من‬
‫ا‪١‬تتحاورين يأيت با‪ٟ‬تجة اليت تؤيد‬
‫رأيه أو وجهة نظره ‪ . .‬وإذا قرأت‬
‫قوله تعاىل ‪ { :‬أَل َ ْم تَ َر إ َِىل الذي َح َّ‬
‫آج‬
‫يم ِيف َر ِبّ ِه } ػ البقرة ‪258 :‬‬ ‫ِ‬
‫إِب ْ َراه َ‬
‫]‬
‫أي قال كل منهما حجته ‪ . .‬والبد‬
‫أن يكونا خصمُت كل منهما يعاند‬
‫رأيه الرأي اآلخر وكل ٭تاول أن‬
‫يأيت با‪ٟ‬تجة اليت تؿبت صدق كبلمه‬
‫فَتد عليه خصمه با‪ٟ‬تجة اليت ْتدم‬
‫هذا الكبلم وهكذا ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪ { :‬أ َ ُت َحآ ُّجونَنَا ِيف َ ِ‬
‫اّلل َو ُه َو‬
‫ّ‬
‫َربُّنَا َو َربُّ ُك ْم } ‪ . .‬ومادام اهلل رب‬
‫ا‪ٞ‬تميع كان من ا‪١‬تنطق أن نلتقي‬
‫ألنه رّب وربكم حظنا منه سواء ‪. .‬‬
‫ولكن مادامت قد قامت ا‪ٟ‬تجة‬
‫بيننا فأحدنا عَل باطل ‪ . .‬واقرأ‬
‫قوله سبحانه ‪ { :‬والذين ُ٭تَآ ُّج َ‬
‫ون‬
‫ِيف اهلل ِمن بَعْ ِد َما استجيب ل َ ُه‬
‫ُح َّج ُت ُه ْم دَا ِح َض ٌة ِعن َد َر ِبّ ِه ْم‬
‫اب َش ِدي ٌد‬ ‫َوعَلَي ْ ِه ْم َغ َض ٌ‬
‫ب َو َ‪٢‬ت ُ ْم ع َ َذ ٌ‬
‫} ػ الشورى ‪] 16 :‬‬
‫وا‪١‬تحاجة ال ٯتكن أن تقوم بُت حق‬
‫وحق وإ‪٪‬تا تقوم بُت حق وباطل‬
‫وبُت باطل وباطل ‪ . .‬ألن هناك‬
‫حقا واحدا ولكن هناك مائة طريق‬
‫إىل الباطل ‪ . .‬فمادامت ا‪١‬تحاجة‬
‫قد قامت بيننا وبؼنكم و‪٨‬تن عَل‬
‫حق فبلبد أنكم عَل باطل ‪. .‬‬
‫وليحسم ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل هذه‬
‫ا‪١‬تسألة وٯتنع ا‪ٞ‬تدل وا‪ٞ‬تدال قال‬
‫سبحانه ‪َ { :‬ولَنآ أ َ ْع َمالُنَا َول َ ُك ْم‬
‫ون} ‪. .‬‬ ‫ص‬ ‫أَعمال ُ ُكم و َ‪٨‬تْن لَه ُ‪٥‬تْلِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ ُ‬
‫أي ال نريد جدال ألن ا‪ٞ‬تدل لن‬
‫يفيد شؼئا ‪٨ . .‬تن لنا أعمالنا وأنتم‬
‫لكم أعمالكم وكل عمل‬
‫سيجازى صاحبه عليه ٔتدى‬
‫إخبلصه هلل ‪ . .‬و‪٨‬تن أخلصنا‬
‫العبادة هلل وحدة وأنتم إتهتم‬
‫بعبادتكم إىل ما ٖتبه أهواؤكم ‪.‬‬
‫إن اهلل سبحانه وتعاىل الذي هو ربنا‬
‫وربكم ال يفضل أحدا عَل أحد إال‬
‫بالعمل الصاٌف ا‪١‬تخلص لوجه اهلل‪.‬‬
‫‪ .‬ولذلك فنحن نضع اإلخبلص‬
‫أوال وقد يكون العمل واحدا أمام‬
‫الناس ‪ . .‬هذا يأخذ به ثوابا وذلك‬
‫يأخذ به وزرا وعذابا فا‪١‬تهم هو أن‬
‫يكون العمل خالصا هلل ‪.‬‬
‫قد يقول إنسان إن اإلخبلص يف‬
‫العمل والعمل مكانه القلب ‪. .‬‬
‫ومادام اإلنسان ال يؤذي أحدا وال‬
‫يفعل منكرا فلؼس من الضروري‬
‫أن يصلي مادامت النية خالصة ‪. .‬‬
‫نقول إن ا‪١‬تسألة لؼست نيات فقط‬
‫ولكنها أعمال ونيات ‪ . .‬ورسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫« إ‪٪‬تا األعمال بالنيات »‬
‫فبلبد من عمل بعد النية ‪ . .‬ألن‬
‫النية تنتفع بها وحدك والعمل‬
‫ويعود عَل الناس ‪ . .‬فإذا كان يف‬
‫نؼتك أن تتصدق وتصدقت انتفع‬
‫الفقراء ٔتالك ‪ . .‬ولكن إذا لم‬
‫يكن يف نؼتك فعل ا‪٠‬تَت وفعلته‬
‫لتحصل عَل ‪ٝ‬تعة أو لًتضي بشرا‬
‫انتفع الفقراء ٔتالك ولن تنتفع‬
‫أنت بثواب هذا ا‪١‬تال ‪ . .‬واهلل‬
‫سبحانه وتعاىل يريد أن يقًتن‬
‫عملك بنية اإلخبلص هلل ‪. .‬‬
‫والعمل حركة يف ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬والنية هي‬
‫اليت تعطي الثواب لصاحبه أو ٘تنع‬
‫عنه الثواب ولذلك يقول اهلل جل‬
‫جبلله ‪ { :‬إِن ُتب ْ ُدوا ْالصدقات‬
‫ِ‬
‫فَ ِنعِ َّما ه َي َوإِن ُٗت ْ ُف َ‬
‫وها َو ُت ْؤ ُت َ‬
‫وها‬
‫الفقرآء فَ ُه َو َخ َْتٌ ل َّ ُك ْم َويُ َك ِّف ُر‬
‫َعن ُكم ِّمن َس ِؼّئَاتِ ُك ْم واهلل ِٔتَا‬
‫ون َخبَِتٌ} ػ البقرة ‪] 271 :‬‬ ‫تَعْ َمل ُ َ‬
‫فاهلل سبحانه وتعاىل يريدنا أن‬
‫نتصدق ‪ . .‬والفقَت سينتفع‬
‫بالصدقة سواء كانت نؼتك أن‬
‫يقال عنك رجل ا‪٠‬تَت ا‪١‬تتصدق ‪. .‬‬
‫أو أن يقال عنك رجل الُب‬
‫والتقوى أو أن ٗتفي صدقتك ‪. .‬‬
‫فالعمل يفعل فينتفع به الناس‬
‫سواء أردت أو لم ترد ‪.‬‬
‫أنت إذا قررت أن تؽٍت عمارة ‪،‬‬
‫النية هنا هي التملك ‪ .‬ولكن انتفع‬
‫ألوف الناس بهذا العمل ابتداء من‬
‫الذي باع لك قطعة األرض والذي‬
‫أعد لك الرسم ا‪٢‬تندسي وعمال‬
‫ا‪ٟ‬تفر والذي وضع األساس ومن‬
‫قام بالؽناء وغَتهم وغَتهم‪. .‬‬
‫هؤالء انتفعوا من عملك برزق ‪٢‬تم‬
‫‪ . .‬سواء أكان يف بالك اهلل أم لم‬
‫يكن يف بالك اهلل فقد انتفعوا ‪.‬‬
‫إذن فكل عمل فيه نفع للناس‬
‫أردت أو لم ترد ‪ . .‬ولكن اهلل ال‬
‫‪٬‬تزي عَل األعمال بإطبلقها وإ‪٪‬تا‬
‫‪٬‬تزي عَل النيات بإخبلصها ‪ . .‬فإن‬
‫كان عملك خالصا هلل جزاك اهلل‬
‫عليه ‪ . .‬وإن كان عملك ‪٢‬تدف‬
‫آخر فبل جزاء لك عند اهلل ألنه‬
‫سبحانه أغٌت الشركاء عن الشرك‬
‫‪.‬‬
‫إن الذين يتعجبون من أن إنسانا‬
‫كافرا قدم كشفا ًهاما ًللبشرية‬
‫ولكنه لم يكن مؤمنا باهلل ‪. .‬‬
‫يتعجبون أيعذب يف النار؟ نقول‬
‫نعم ألنه عمل ولؼس يف قلبه اهلل ‪.‬‬
‫‪ .‬ولذلك ‪٬‬تازى يف ا‪ٟ‬تياة الدنيا ‪،‬‬
‫فتقام له التماثيل ويطلق ا‪ٝ‬ته عَل‬
‫ا‪١‬تيادين وٮتلد ا‪ٝ‬ته يف الدنيا اليت‬
‫عمل من أجلها ‪ . .‬ولكن مادام‬
‫لؼس يف نؼته اهلل فبل جزاء له عند‬
‫اهلل ‪.‬‬

‫يل‬‫ِ‪ٝ‬تا ِع َ‬ ‫يم َوإ ْ َ‬


‫ِ‬
‫ون إ َِّن إِب ْ َراه َ‬ ‫أ ْم تَ ُقول ُ َ‬
‫َ‬
‫وب َو ْاأل َ ْسب َ َاط كَانُوا‬ ‫اق َويَعْ ُق َ‬ ‫َوإ ِْس َح َ‬
‫ارى ُق ْل أَأَن ْ ُت ْم أَعْل َ ُم أ َ ِم‬ ‫َ‬
‫ُهودًا أ ْو ن َ َص َ‬
‫اّلل َو َم ْن أ َ ْظل َ ُم ِ‪٦‬ت َّ ْن كَت َ َم َشهَادَة ً‬
‫َّ ُ‬
‫اّلل بِغَافِ ٍل َع َّما‬ ‫ِعن ْ َد ُه ِمن َ ِ‬
‫اّلل َو َما ّ َُ‬
‫َ ّ‬
‫ون (‪)140‬‬ ‫تَعْ َمل ُ َ‬
‫اليهود والنصارى إدعوا أن األنؽياء‬
‫السابقُت ‪١‬توىس وعؼىس كانوا يهودا‬
‫أو نصارى ‪ .‬فاليهود ادعوا أهنم‬
‫كانوا يهودا ‪ .‬والنصارى ادعوا أهنم‬
‫كانوا نصارى ‪ ،‬اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫يرد عليهم بقوله ‪ُ { :‬ق ْل أَأ َ ُْتن ْم‬
‫أَعْل َ ُم أ َ ِم اهلل } ‪.‬‬
‫والسؤال هنا ال يوجد له إال رد واحد‬
‫ألهنم لن يستطيعوا أن يقولوا ‪٨‬تن‬
‫أعلم من اهلل ‪ . .‬وقلنا إنه إذا طرح‬
‫سؤال يف القرآن الكريم فبلبد أن‬
‫يكون جوابه مؤيدا ٔتا يريده ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل وال يوجد له إال‬
‫جواب واحد ‪ . .‬ولذلك فإن قوله‬
‫تعاىل ‪ { :‬أَأَن ْ ُت ْم أَعْل َ ُم أ َ ِم اهلل} واهلل‬
‫الشك أعلم وهذا واقع ‪.‬‬
‫إذن فكأن اهلل بالسؤال قد أخُب عن‬
‫القضية ‪ . .‬ولكن يبلحظ يف هذه‬
‫اآلية الكرٯتة ذكر إبراهيم‬
‫وإ‪ٝ‬تاعيل واسحق ويعقوب‬
‫واألسباط ‪ . .‬ويف ذكر إ‪ٝ‬تاعيل‬
‫دائما مع اسحق ويعقوب يدل عَل‬
‫وحدة الببلغ اإلٯتاين عن اهلل؛ ألن‬
‫إ‪ٝ‬تاعيل كان يف أمة العرب‬
‫واسحق ويعقوب كانا يف بٍت‬
‫إسرائيل ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يتحدث عن‬
‫وحدة ا‪١‬تصدر اإلٯتاين ‪٠‬تلقه؛ ألنه‬
‫ال عبلقة أن يكون إ‪ٝ‬تاعيل للعرب‬
‫واسحق لغَت العرب بوحدة ا‪١‬تنهج‬
‫اإل‪٢‬تي ‪ .‬ولذلك تقرأ قول ا‪ٟ‬تق تعاىل‬
‫ك‬‫‪ { :‬قَالُوا ْنَعْب ُ ُد إ‪٢‬تك وإله آب َ ِائ َ‬
‫اق إ‪٢‬تا‬ ‫ِ‪ٝ‬تا ِع َ‬
‫يل َوإ ِْس َح َ‬ ‫يم َوإ ْ َ‬
‫ِ‬
‫إِب ْ َراه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َواحدا ً َو َ‪٨‬ت ْ ُن ل َ ُه ُم ْسل ُم َ‬
‫ون } ػ‬
‫البقرة ‪] 133 :‬‬
‫واهلل الذي بعث إ‪ٝ‬تاعيل هو اهلل‬
‫الذي بعث اسحق إله واحد أحد‪. .‬‬
‫ومادام اإلله واحدا ًفا‪١‬تنهج اإلٯتاين‬
‫البد أن يكون واحدا ‪ . .‬فإذا حدث‬
‫خبلف فا‪٠‬تبلف من البشر الذين‬
‫٭ترفون ا‪١‬تنهج ليحققوا شهوات‬
‫ومكاسب ‪٢‬تم ‪ . .‬وكل نفس ‪٢‬تا ما‬
‫كسبت فلن ينفعكم نسبكم‬
‫إليهم ولن يضيف إليكم شؼئا يف‬
‫اآلخرة ‪ . .‬إن كانوا مؤمنُت فلن‬
‫ينفعكم أن تكفروا وأن تقولوا ‪٨‬تن‬
‫ننؾسب إىل إبراهيم وإ‪ٝ‬تاعيل‬
‫واسحق ‪ . .‬وإن كانوا غَت ذلك فبل‬
‫يضركم شيئا ‪.‬‬

‫تِل ْ َ‬
‫ك أُ َّم ٌة قَ ْد َخل َ ْت َ‪٢‬تَا َما كَ َسب َ ْت‬
‫َ‬
‫َول َ ُك ْم َما َك َسؽ ْ ُت ْم َو َال ُت ْسأل ُ َ‬
‫ون َع َّما‬
‫ون (‪)141‬‬ ‫كَانُوا يَعْ َمل ُ َ‬
‫بعض الناس يقول إن هذه اآلية‬
‫مكررة فقد تقدمتها آية تقول ‪{ :‬‬
‫َ‬
‫أ ْم ُك ُنت ْم ُشهَ َدآءَإِذْ َح َض َر يَعْ ُق َ‬
‫وب‬
‫ون ِمن‬‫ا‪١‬توت إِذْقَ َ َ َ ُ َ‬
‫د‬
‫ُ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ال لِؽ ٍِت ِ‬
‫ه‬
‫بَعْ ِدي قَالُوا ْنَعْب ُ ُد إ‪٢‬تك وإله آب َ ِائ َ‬
‫ك‬
‫اق إ‪٢‬تا‬‫يل َوإ ِْس َح َ‬ ‫ِ‪ٝ‬تا ِع َ‬ ‫يم َوإ ْ َ‬
‫ِ‬
‫إِب ْ َراه َ‬
‫ون * تِل ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫َواحدا ً َو َ‪٨‬ت ْ ُن ل َ ُه ُم ْسل ُم َ‬
‫أُ َّم ٌة قَ ْد َخل َ ْت َ‪٢‬تَا َما َك َسب َ ْت َول َ ُك ْم َّما‬
‫ون َع َّما كَانُوا‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫كَسؽتم وال َ ُتسأ َ‬
‫َ ُْ ْ َ ْ َ‬
‫ون} ػ البقرة ‪-133 :‬‬ ‫َي ْع َمل ُ َ‬
‫‪] 134‬‬
‫بعض السطحيُت يقولون إن يف‬
‫هاتُت اآليتُت تكرارا‪ . .‬نقول‬
‫إنك لم تفهم ا‪١‬تعٌت ‪ . .‬اآلية األوىل‬
‫تقول لليهود إن نسبكم إىل‬
‫إبراهيم واسحق لن يشفع لكم‬
‫عند اهلل ٔتا حرفتموه وغَت٘توه يف‬
‫التوراة ‪ . .‬ؤتا تفعلونه من غَت ما‬
‫شرع اهلل ‪ .‬فاعملوا أن عملكم هو‬
‫اهلل ستحاسبون عليه ولؼس‬
‫نسبكم ‪.‬‬
‫أما يف اآلية اليت ‪٨‬تن بصددها فقد‬
‫قالوا إن إبراهيم وإ‪ٝ‬تاعيل‬
‫واسحق كانوا هودا أو نصارى ‪. .‬‬
‫اهلل تبارك وتعاىل ال ‪٬‬تاد‪٢‬تم وإ‪٪‬تا‬
‫يقول ‪٢‬تم لنفرض وهذا فرض غَت‬
‫صحيح إن إبراهيم وإ‪ٝ‬تاعيل‬
‫واسحق كانوا هودا أو نصارى فهذا‬
‫لن يكون عذرا لكم ‪ . .‬ألن ‪٢‬تم ما‬
‫كسبوا ولكم ما كسؽتم ‪ ،‬فبل‬
‫تأخذوا ذلك حجة عَل اهلل يوم‬
‫القيامة ‪ . .‬وال تقولوا إننا كنا‬
‫‪٨‬تسب أن إبراهيم وإ‪ٝ‬تاعيل‬
‫واسحق كانوا هودا أو نصارى أي‬
‫كانوا عَل غَت دين اإلسبلم ألن هذه‬
‫حجة غَت مقبولة ‪ . .‬وهل أنتم‬
‫سبحانالذي يشهد‬
‫أعلم أم اهلل ه‬
‫بأهنم كانوا مسلمُت ‪.‬‬
‫إياك أن تقول إن هناك تكرارا ً‪. .‬‬
‫فإن السياق يف اآلية األوىل يقول ال‬
‫شفاعة لكم يوم القيامة يف نسبكم‬
‫إىل إبراهيم وإ‪ٝ‬تاعيل واسحق ‪. .‬‬
‫والسياق يف اآلية الثانية يقول ال‬
‫حجة لكم يوم القيامة يف قولكم‬
‫إهنم كانوا هودا أو نصارى ‪ . .‬فلن‬
‫ينفعكم نسبكم إليهم ولن يقبل‬
‫اهلل حجتكم ‪ . .‬وهكذا فإن ا‪١‬تعٌت‬
‫‪٥‬تتلف ٘تاما ٯتس موقفُت ‪٥‬تتلفُت‬
‫يوم القيامة ‪.‬‬
‫اس َما‬‫الس َفهَ ُاء ِم َن النَّ ِ‬ ‫ول ُّ‬ ‫َسي َ ُق ُ‬
‫َو َّال ُه ْم َع ْن قِبْلَتِ ِه ُم ال َّ ِيت كَانُوا عَلَيْهَا‬
‫ُق ْل ِ َ ِ‬
‫ّلل ا ْ‪١‬ت َ ْش ِر ُق َوا ْ‪١‬تَغ ْ ِر ُب يَهْ ِدي َم ْن‬ ‫ّ‬
‫اط م ْستَقِ ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫يم (‪)142‬‬ ‫َيَش ُاء إ َِىل ص َر ُ‬
‫هذه اآلية نزلت لتصفي مسألة‬
‫توجه ‪٤‬تمد صَل اهلل عليه وسلم‬
‫وا‪١‬تؤمنُت إىل الكعبة بدال من بيت‬
‫ا‪١‬تقدس ‪ . .‬وهذا أول نسخ يف‬
‫القرآن الكريم ‪ . .‬يريد اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل أن يعطيه العناية‬
‫البلئقة؛ ألنه سيكون مثار‬
‫تشكيك وجدل عنيف من كل من‬
‫يعادي اإلسبلم؛ فكفار قريش‬
‫سيأخذون منه ذريعة للتشكيك‬
‫وكذلك ا‪١‬تنافقون واليهود ‪.‬‬
‫اهلل تبارك وتعاىل يريد أن ٭تدد‬
‫ا‪١‬تسألة قبل أن تتم هذه‬
‫التشكيكات ‪ . .‬فيقول جل جبلله ‪:‬‬
‫ول السفهآء ِم َن الناس َما‬ ‫{ َسي َ ُق ُ‬
‫َوال َّ ُه ْم َعن قِبْلَتِ ِه ُم اليت كَانُوا ْعَلَي ْ َها‬
‫} ‪ . .‬حرف السُت هنا يؤكد إهنم‬
‫لم يقولوا بعد ‪ . .‬ولذلك قال‬
‫ول السفهآء }‬‫سبحانه ‪َ { :‬سي َ ُق ُ‬
‫فقبل أن يتم ٖتويل القبلة قال ا‪ٟ‬تق‬
‫تعاىل ‪ :‬إن هذه العملية ستحدث‬
‫هزة عنيفة يستغلها ا‪١‬تشككون ‪.‬‬
‫وبرغم أن اهلل سبحانه وتعاىل قال ‪:‬‬
‫ول السفهآء } ‪ . .‬أي أهنم‬ ‫{ َسي َ ُق ُ‬
‫لم قيولوها إال بعد أن نزلت هذه‬
‫اآلية ‪٦ . .‬تا يدل عَل أهنم سفهاء‬
‫حقا؛ ألن اهلل جل جبلله أخُب‬
‫رسوله صَل اهلل عليه وسلم يف قرآن‬
‫يتَل ويصَل به وال يتغَت وال يؾبدل‬
‫إىل يوم القيامة ‪ . .‬قال ‪َ { :‬سي َ ُق ُ‬
‫ول‬
‫السفهآء ِم َن الناس } ‪ . .‬فلو أهنم‬
‫امؾنعوا عن القول ولم يعلقوا عىل‬
‫ٖتويل القبلة لكان ذلك تشكيكا يف‬
‫القرآن الكريم ‪ . .‬ألهنم يف هذه‬
‫ا‪ٟ‬تالة كانوا يستطيعون أن يقولوا ‪:‬‬
‫إن قرآنا أنزله اهلل عَل رسوله صَل‬
‫اهلل عليه وسلم ال يتغَت وال يؾبدل‬
‫إىل يوم القيامة ‪ . .‬قال ‪َ { :‬سي َ ُق ُ‬
‫ول‬
‫السفهآء ِم َن الناس َما َوال َّ ُه ْم َعن‬
‫قِبْلَتِ ِه ُم } ‪ . .‬ولم يقل أحد شؼئا ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ولكن ألهنم سفهاء فعبل ‪ . .‬والسفه‬
‫جهل و‪ٛ‬تق وطؼش قالوها ‪. .‬‬
‫فكانوا وهم الكافرون بالقرآن‬
‫الذين يريدون هدم هذا الدين من‬
‫ا‪١‬تثبتُت لئلٯتان الذين تشهد‬
‫أعما‪٢‬تم بصدق القرآن ‪ .‬ألن اهلل‬
‫سبحانه قال ‪َ { :‬سي َ ُق ُ‬
‫ول السفهآء }‬
‫وهم قالوا فعبل ‪ . .‬ولقد قال كفار‬
‫مكة عن الكعبة إهنا بيؾنا وبيت‬
‫آبائنا ولؼست بيت اهلل ‪ . .‬فصرف‬
‫اهلل رسوله يف أول اإلسبلم ووجهه‬
‫إىل بيت ا‪١‬تقدس ‪ . .‬وعندئذ قال‬
‫اليهود ‪ :‬يسفه ديننا ويؾبع قبلؾنا ‪. .‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل أراد أن ٭تتوي‬
‫اإلسبلم كل دين قبله فتكون‬
‫القداسة للكل ‪ . .‬ولذلك أسرى‬
‫برسول صَل اهلل عليه وسلم من‬
‫مكة إىل بيت ا‪١‬تقدس ‪ . .‬حىت‬
‫يدخل بيت ا‪١‬تقدس يف مقدسات‬
‫اإلسبلم ألنه أصبح ‪٤‬تتوى يف‬
‫اإلسبلم ‪.‬‬
‫ولم يشأ اهلل أن ‪٬‬تعل القبلة إىل‬
‫الكعبة أول األمر ألهنم كانوا‬
‫يقدسوهنا عَل أهنا بيت العرب‬
‫وكانوا يضعون فيها أصنامهم ‪. .‬‬
‫ووضع األصنام يف الكعبة شهادة‬
‫بأن ‪٢‬تا قداسة يف ذاْتا ‪ . .‬فالقداسة‬
‫لم تأت بأصنامهم بل هم أرادوا‬
‫أن ٭تموا هذه األصنام فوضعوها‬
‫يف الكعبة ‪.‬‬

‫‪١ .‬تاذا لم يضعوها يف مكان آخر؟ ألن‬


‫الكعبة مقدسة بدون أصنام ‪.‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل حُت قال ‪{ :‬‬
‫ول السفهآء ِم َن الناس َما‬ ‫َسي َ ُق ُ‬
‫َوال َّ ُه ْم َعن قِبْلَتِ ِه ُم اليت كَانُوا ْعَلَيْهَا‬
‫} ‪َ . .‬والّه يعٍت حرفه ورده ‪. .‬‬
‫والقبلة اليت كانوا عليها هي بيت‬
‫ا‪١‬تقدس ‪ . .‬وهنا يأيت ا‪ٟ‬تق برد جامع‬
‫هو أن أوامر اهلل اإلٯتانية ال ترتبط‬
‫بالعلة ‪ . .‬إ‪٪‬تا علة الؾنفيذ فيما‬
‫يأمرنا اهلل سبحانه به جل جبلله‬
‫أن اهلل هو اآلمر ‪ . .‬ولو أن ا‪ٟ‬تق‬
‫تبارك وتعاىل بُت لنا السبب أو‬
‫العلة يف تغيَت القبلة ‪١‬تا كان األمر‬
‫امتحانا لئلٯتان يف القلوب‪ . .‬ألن‬
‫اإلٯتان والعبادة هي طاعة معبود‬
‫فيما يأمر وما ينهي ‪ . .‬يقول لك‬
‫اهلل عظم هذا ا‪ٟ‬تجر وهو ا‪ٟ‬تجر‬
‫األسود ا‪١‬توجود يف الكعبة وتعظمه‬
‫باالستبلم والتقؽيل ‪ . .‬ويقول لك‬
‫‪ :‬ارجم هذا ا‪ٟ‬تجر الذي يرمز إىل‬
‫إبلؼس فًت‪ٚ‬ته با‪ٟ‬تىص ‪ ،‬وال يقول‬
‫اهلل سبحانه ‪١‬تاذا؟ ألنه لو قال ‪١‬تاذا‬
‫ضاع اإلٯتان هنا وأصبح األمر‬
‫مسألة إقناع واقؾناع ‪.‬‬
‫فأنا حُت أقول لك ال تأكل هذا ألنه‬
‫مر وكل هذا ألنه حلو يكون‬
‫السبب واضحا ‪ . .‬ولكن اهلل‬
‫تبارك وتعاىل يقول لك كل هذا وال‬
‫تأكل هذا ‪ . .‬فإن أكلت ‪٦‬تا حرمه‬
‫تكون آ‪ٙ‬تا ‪ .‬وإن امؾنعت تكون‬
‫طائعا وتثاب ‪.‬‬
‫إذن العلة اإلٯتانية هي أن األمر‬
‫صادر من اهلل سبحانه ‪ . .‬ولو أنك‬
‫امؾنعت عن شرب ا‪٠‬تمر ألهنا‬
‫ضارة بالصحة أو تفسد الكبد فبل‬
‫ثواب لك ‪ ،‬ولو امؾنعت عن أكل‬
‫‪ٟ‬تم ا‪٠‬تزنير ألن فيه كمية كبَتة‬
‫من الكولسًتول وله مضار كثَتة‬
‫فبل ثواب لك ‪ . .‬ولكنك لو امؾنعت‬
‫عن شرب ا‪٠‬تمر وأكل ‪ٟ‬تم ا‪٠‬تزنير‬
‫ألن اهلل حرمهما ‪ . .‬فهذه هي‬
‫العبادة وهذا هو الثواب ‪.‬‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل أراد أن يرد عَل‬
‫هؤالء السفهاء فقال ‪ُ { :‬قل َ ِ‬
‫ّلل‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ا‪١‬تشرق وا‪١‬تغرب َ ْيهدي َمن ي َ َش ُ‬
‫آء‬
‫يم } ‪ . .‬أي أنك‬ ‫إىل ِص َر ٍ‬
‫اط ُّم ْستَقِ ٍ‬
‫إذا إتهت إىل بيت ا‪١‬تقدس أو‬
‫إتهت إىل الكعبة أو إتهت إىل أي‬
‫مكان يف هذا الكون فاهلل موجود فيه‬
‫‪ . .‬فؽيت ا‪١‬تقدي لؼس له‬
‫خصوصية بذاته ‪ ،‬والكعبة لؼس ‪٢‬تا‬
‫خصوصية بذاْتا ‪ . .‬ولكن أمر اهلل‬
‫تبارك وتعاىل هو الذي يعطيهما‬
‫هذه ا‪٠‬تصوصية ‪ . .‬فإذا إتهنا إىل‬
‫بيت ا‪١‬تقدس فنحن نتجه إليه‬
‫طاعة ألمر اهلل ‪ . .‬فإذا قال اهلل‬
‫سبحانه إتهوا إىل الكعبة إتهنا‬
‫إليها طاعة ألمر اهلل ‪.‬‬
‫ِ‬
‫قوله تعاىل ‪ { :‬يَهْدي َمن ي َ َش ُ‬
‫آء إىل‬
‫يم } ‪ . .‬الصراط هو‬ ‫ِص َر ٍ‬
‫اط ُّم ْستَقِ ٍ‬
‫الطريق ا‪١‬تستقيم ال التواء فيه‬
‫ْتيث يكون أقرب ا‪١‬تسافات إىل‬
‫ا‪٢‬تدف ‪ .‬واهلل سبحانه وجهنا لؽيت‬
‫ا‪١‬تقدس فهو صراط مستقيم نؾبعه‬
‫‪ . .‬وجهنا إىل الكعبة فهو صراط‬
‫مستقيم نؾبعه ‪ . .‬فاألمر هلل ‪.‬‬

‫ك َجعَلْنَا ُك ْم أُ َّمةً َو َس ًطا‬ ‫َوكَ َذل ِ َ‬


‫ون‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ي‬‫و‬ ‫اس‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الن‬ ‫َلَ‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫اء‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ش‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ن‬‫و‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫لِ‬
‫َ َ ّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يدا َو َما َجعَلْنَا‬ ‫ول لعََي ْ ُك ْم َش ِه ً‬ ‫ال َّر ُس ُ‬
‫الْقِبْل َ َة ال َّ ِيت ُكن ْ َت عَلَيْهَا إ َِّال لِنَعْل َ َم َم ْن‬
‫ول ِ‪٦‬ت َّ ْن يَنْقَلِ ُب عََلَ َعقِؽَي ْ ِه‬ ‫يَؾَّبِ ُع ال َّر ُس َ‬
‫َوإ ِْن كَان َ ْت ل َ َكبَِتَة ًإ َِّال عََلَ ال َّ ِذي َن‬
‫اّلل لِي ُ ِضي َع‬
‫ان َّ ُ‬ ‫اّلل َو َما ك َ َ‬
‫َه َدى َّ ُ‬
‫اس ل َ َر ُء ٌ‬
‫وف‬ ‫اّلل بِالنَّ ِ‬
‫ك ْم إ َِّن َّ َ‬‫إِٯتَان َ ُ‬
‫يم (‪)143‬‬ ‫ِ‬
‫َرح ٌ‬
‫ساعة ترى كذلك فهناك تشؽيه ‪.‬‬
‫‪ .‬ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريدنا أن‬
‫نتنبه إىل نعمته يف أنه جعلنا أمة‬
‫وسطا ً‪ . .‬فكل ما يشرعه اهلل‬
‫يدخل يف باب النعم عَل ا‪١‬تؤمنُت ‪.‬‬
‫‪ .‬وإذا كان االٕتاه إىل الكعبة هو‬
‫اخؾبار لليقُت اإلٯتاين يف نفوس‬
‫ا‪١‬تسلمُت ‪ . .‬فإنه سبحانه جعلنا‬
‫أمة وسطا نعمة منه ‪ ،‬ومادمنا وسطا‬
‫فبلبد أن هناك أطرافا حىت يتحدد‬
‫الوسط ‪ . .‬هذا طرف ثم الوسط ثم‬
‫طرف آخر ‪ . .‬ووسط الشيء‬
‫منتصفه أو ما بُت الطرفُت ‪.‬‬
‫ولكن ما معٌت أمة وسطا؟ وسط يف‬
‫اإلٯتان والعقيدة ‪ .‬فهناك من‬
‫أنكروا وجود اإلله ا‪ٟ‬تق ‪ . .‬وهناك‬
‫من أسرفوا فعددوا اآل‪٢‬تة ‪ . .‬هذا‬
‫الطرف ‪٥‬تطئ وهذا الطرف ‪٥‬تطئ ‪.‬‬
‫‪ .‬أما ‪٨‬تن ا‪١‬تسلمُت فقلنا ال إله إال‬
‫اهلل وحده ال شريك له واحد أحد ‪.‬‬
‫‪ .‬وهذه بديهية من بديهيات هذا‬
‫الكون ‪ . .‬ألن اهلل تبارك وتعاىل‬
‫خلق الكون وخلق كل ما فيه وقال‬
‫سبحانه إنه خلق ‪ . .‬ولم يأت ولن‬
‫يأيت من يدعي ا‪٠‬تلق ‪ . .‬إذن‬
‫فالدعوى خالصة هلل تبارك وتعاىل‬
‫‪ . .‬ولو كان يف هذا الكون آ‪٢‬تة‬
‫متعددة الدىع كل واحد منهم ا‪٠‬تلق‬
‫‪ . .‬ولذلك فإن اهلل جل جبلله‬
‫يقول ‪َ { :‬ما اٗتذ اهلل ِمن َول َ ٍد َو َما‬
‫ب كُ ُّل ه‬
‫إل‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ِذ‬ ‫إ‬ ‫كَان معَ ُه ِم ْن إِل َ ٍ‬
‫ه‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫ِٔتَا َخل َ َق َولَعَبل َبَعْ ُض ُه ْم عَل بَعْ ٍض}‬
‫ػ ا‪١‬تؤمنون ‪] 91 :‬‬
‫أي لؾنازع ا‪٠‬تلق والضطرب الكون‬
‫‪ . .‬فاإلسبلم دين وسط بُت اإل‪ٟ‬تاد‬
‫وتعدد اآل‪٢‬تة ‪ . .‬عَل أن هناك أناسا ً‬
‫يسرفون يف ا‪١‬تادية ويهملون القيم‬
‫الروحية ‪ . .‬وأناسا ًيهملون ا‪١‬تادة‬
‫ويؤمنون بالقيم الروحية وحدها ‪.‬‬
‫واقع ا‪ٟ‬تياة أن ا‪١‬تاديُت يفؾنون‬
‫الروحانيُت ألن عندهم ا‪١‬تال‬
‫والقوة ‪ . .‬اإلسبلم جاء وسطا فيه‬
‫ا‪١‬تادة والروح ‪ . .‬وإياك أن تقول‬
‫أن الروح أحسن من ا‪١‬تادة أو ا‪١‬تادة‬
‫أحسن من الروح ‪ . .‬فا‪١‬تادة وحدها‬
‫والروح وحدها مسخرة وعابدة‬
‫ومسبحة هلل تعاىل‪ . .‬لكن حُت‬
‫ٗتتلط ا‪١‬تادة بالروح فإنه توجد‬
‫النفس ‪ ،‬والنفس هي اليت ‪٢‬تا اخؾيار‬
‫تطيع أو تعصي ‪ . .‬تعبد أو تكفر‬
‫والعياذ باهلل ‪.‬‬
‫اهلل سبحانه يريد من ا‪١‬تؤمنُت أن‬
‫يعيشوا مادية ا‪ٟ‬تياة بقيم السماء ‪.‬‬
‫‪ .‬وهذه وسطية اإلسبلم ‪ ،‬لم يأخذ‬
‫الروح وحدها وال ا‪١‬تادة وحدها ‪. .‬‬
‫وإ‪٪‬تا أوجد مادية ا‪ٟ‬تياة ‪٤‬تروسة‬
‫بقيم السماء ‪ . .‬فحُت ٮتُبنا اهلل‬
‫سبحانه أنه سيجعلنا أمة وسطا‬
‫ٕتمع خَت الطرفُت نعرف أن‬
‫الدين جاء ليعصم البشر من أهواء‬
‫البشر ‪.‬‬
‫اهلل تبارك وتعاىل يريدنا أن نبحث‬
‫يف ماديات الكون ٔتا ٮتلق التقدم‬
‫والرفاهية والقوة للبشرية ‪ . .‬فما‬
‫هو مادي معملي ال ٮتتلف البشر فيه‬
‫‪ . .‬لكن ما يدخل فيه أهواء البشر‬
‫ستضع السماء لكم قانونه‪ . .‬فإذا‬
‫عشتم باألهواء ستشقون ‪.‬‬

‫‪ .‬وإذا عشتم بنظريات السماء‬


‫سؾسعدون ‪.‬‬
‫قد يؾساءل البعض هل الشيوعية‬
‫اليت جاءت منذ أكثر من نصف قرن‬
‫ارتقت بشعوبها أم ال؟ نقول‬
‫انظروا إليها اآلن لقد بنت ما‬
‫ادعته من ارتقاءات عَل الكذب‬
‫والزيف ‪ . .‬ثم تراجعت ثم‬
‫اهنارت ٘تاما ‪ . .‬وكما اهنارت‬
‫الشيوعية سؾنهار الرأ‪ٝ‬تالية‬
‫ألهنما طرفان مؾناقضان إ‪٪‬تا ‪٨‬تن‬
‫أمة وسطا ‪ . .‬ولذلك أعطانا اهلل‬
‫سبحانه خَتي الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه يقول ‪ { :‬ل ِ ّت َ ُكونُوا ْ‬
‫ُشهَ َدآءَ عََلَ الناس } ‪ . .‬أي أن‬
‫ا‪ٟ‬تجة ستكون لكم يف ا‪١‬تستقبل ‪. .‬‬
‫وسيضطر العالم إىل الرجوع إىل ما‬
‫يقننه دينكم ‪ . .‬واهلل تبارك وتعاىل‬
‫قال ‪ { :‬أُ َّمةً َو َسطا ً} ولم يقل‬
‫الوسط بكسر الواو أي ا‪١‬تنتصف‬
‫حىت ال يقال إن هؤالء الرأ‪ٝ‬تاليُت‬
‫والشيوعيُت سؼًتاجعون إىل ا‪ٟ‬تق‬
‫٘تاما ‪ . .‬ولكن بعضهم سيميل‬
‫قليبل إىل هذه الناحية أو تلك ْتيث‬
‫يتم اللقاء ‪ . .‬ولذلك عندما‬
‫يقولون نأخذ أموال األغنياء‬
‫ونوزعها عَل الفقراء ‪ . .‬نقول ‪٢‬تم‬
‫وعندما يأيت فقَت يف ا‪١‬تستقبل ‪. .‬‬
‫من أين تعطيه بعد أن قضيت عَل‬
‫األغنياء؟ ‪.‬‬
‫وقد ‪ٝ‬تعت من شخص له ٕتربة يف‬
‫السياسة وا‪ٟ‬تكم ‪ . .‬قال إن الذي‬
‫كان يعمل معي وأضاع ماله كله عَل‬
‫ا‪٠‬تمر والقمار والنساء كان أحسن‬
‫مٍت ‪ . .‬ألنٍت احتفظت بأموايل‬
‫و‪٪‬تؼتها فقالوا إنك إقطاعي‬
‫وصادروها ‪ . .‬بؼنما ذلك الذي‬
‫أسرف لم يفعلوا به شؼئا ‪ . .‬قلت‬
‫إن اهلل سبحانه وتعاىل يريد منك‬
‫أن تنمي مالك ‪ . .‬ألنك إن لم‬
‫تنمه ودفعت عنه زكاة ‪%5 . 2‬‬
‫فا‪١‬تال يفٌت خبلل أربعُت سنة ‪. .‬‬
‫ولكن إذا ‪٪‬تيت مالك وجاءوا إىل‬
‫ناتج عملك وأخذوه بدعوى أنك‬
‫إقطاعي فإهنم يقضون عَل العمل‬
‫يف ا‪١‬تجتمع ‪ . .‬ألنه إذا كنت ستأخذ‬
‫ناتج عمله بدون حق فلماذا‬
‫يعمل؟ إن اإلسبلم جاء ليزيد ‪٣‬تال‬
‫حركة ا‪ٟ‬تياة ويضمن مال‬
‫ا‪١‬تتحرك ‪ . .‬ليأخذ من ماله زكاة‬
‫ويعُت غَت القادر حىت ال ٭تقد عَل‬
‫ا‪١‬تجتمع ‪ . .‬هذا وسط ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬ل ِ ّت َ ُكونُوا ْ ُشهَ َدآءَ عََلَ‬
‫الناس } ‪ . .‬فكأن اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل أخُبنا أنه ستحدث يف‬
‫الكون معركة لن يفصل فيها إال‬
‫شهادة هذه األمة ‪ . .‬فاليمُت أو‬
‫الرأ‪ٝ‬تالية عَل خطأ ‪ ،‬والشيوعية‬
‫عَل خطأ ‪ . .‬أما منهج اهلل الذي‬
‫وضع ا‪١‬توازين القسط للكون و‪ٟ‬تياة‬
‫اإلنسان فهو الصواب ‪ . .‬ثم ٮتُبنا‬
‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل أن الرسول صَل‬
‫اهلل عليه وسلم سيكون شهيدا‬
‫علؼنا ‪ . .‬هل كان عملنا وٖتركنا‬
‫مطابقا ‪١‬تا أنزله عَل رسوله صَل اهلل‬
‫عليه وسلم وبلغه الرسول عليه‬
‫الصبلة والسبلم لنا؟ أم أننا اتبعنا‬
‫أهواءنا وا‪٨‬ترفنا عن ا‪١‬تنهج ‪.‬‬
‫الرسول صَل اهلل عليه وسلم‬
‫سيكون شهيدا ًعلؼنا يف هذه النقطة‬
‫‪ . .‬تلك اآلية وإن كانت قد بشرت‬
‫األمة الوسط بأن العالم سيعود إىل‬
‫حكمها ‪ ،‬فذلك ال ٯتكن أن ٭تدث‬
‫إال إذا سادت شهادة ا‪ٟ‬تق والعدل‬
‫فيها ‪:‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َما َجعَلْنَا القبلة‬
‫نت عَلَيْهَآ إِال َّلِنَعْل َ َم َمن يَؾَّبِ ُع‬
‫اليت ُك َ‬
‫الرسول ِ‪٦‬تَّن يَن َقلِ ُب عَل َعقِؽَي ْ ِه } ‪.‬‬

‫‪ .‬هذه عودة إىل ٖتويل القبلة من‬


‫بيت ا‪١‬تقدس إىل الكعبة ‪ . .‬اهلل‬
‫تبارك وتعاىل ال يفضل إتاها عَل‬
‫إتاه ‪ . .‬ولذلك فإن الذين‬
‫يتجهون إىل الكعبة ستختلف‬
‫إتاهاْتم حسب موقع ببلدهم من‬
‫الكعبة‪ . .‬هذا يتجه إىل الشرق ‪.‬‬
‫وهذا يتجه إىل الشمال الشريق‪. .‬‬
‫وهذا يتجه إىل ا‪ٞ‬تنوب الغرّب ‪.‬‬
‫إنه لؼس هناك عند اهلل إتاه‬
‫مفضل عَل إتاه ‪ . .‬ولكن تغيَت‬
‫القبلة جعله اهلل سبحانه اخؾبارا‬
‫إٯتانيا لؼس علم معرفة ولكن علم‬
‫مشهد ‪ . .‬ألن اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫يعلم ‪ . .‬ولكنه جل جبلله يريد أن‬
‫يكون اإلنسان شهيدا عَل نفسه‬
‫يوم القيامة ‪ . .‬ولكنه اخؾبار إٯتاين‬
‫ليعلم اهلل مدى إٯتانكم ومن‬
‫سيطيع الرسول فيما جاءه من اهلل‬
‫ومن سؼنقلب عَل عقؽيه ‪ . .‬فكأن‬
‫أمر ٖتويل القبلة سيحدث هزة‬
‫إٯتانية عنيفة يف ا‪١‬تسلمُت‬
‫أنفسهم ‪ . .‬فيعلم اهلل من يستمر‬
‫يف إٯتانه واتباعه لرسول اهلل‪. .‬‬
‫ومن سَتفض ويتحول عن دين‬
‫اإلسبلم ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وإِن كَان َ ْت ل َ َكبَِتَة ً‬
‫إِال َّعََلَ الذين َه َدى اهلل } ‪ . .‬واهلل‬
‫يريد هنا العلم الذي سيكون‬
‫شهيدا عَل الناس يوم القيامة ‪. .‬‬
‫وعملية االبتبلء أو االخؾبار يف‬
‫تغيَت القبلة عملية شاقة ‪ . .‬إال عَل‬
‫ا‪١‬تؤمنُت الذين يرحبون بكل‬
‫تكليف ‪ . .‬ألهنم يعرفون أن‬
‫اإلٯتان هو الطاعة وال ينظرون إىل‬
‫علة األشياء ‪.‬‬
‫ولكن الكفار وا‪١‬تنافقُت واليهود لم‬
‫يًتكوا عملية ٖتويل القبلة ٘تر‬
‫هكذا فقالوا ‪ :‬إن كانت القبلة هي‬
‫الكعبة فقد ضاعت صبلتكم أيام‬
‫إتهتم إىل بيت ا‪١‬تقدس ‪ . .‬وإن‬
‫كانت القبلة هي بيت ا‪١‬تقدس‬
‫فستضيع صبلتكم وأنتم متجهون‬
‫إىل الكعبة ‪.‬‬
‫نقول ‪٢‬تم ال تعزلوا ا‪ٟ‬تكم عن زمنه‬
‫‪ . .‬قبلة بيت ا‪١‬تقدس كانت يف‬
‫زمنها والكعبة تأيت يف زمنها ‪ . .‬ال‬
‫هذه اعتدت عَل هذه وال هذه‬
‫اعتدت عَل هذه ‪ . .‬ولقد مات‬
‫أناس من ا‪١‬تؤمنُت وهم يصلون إىل‬
‫بيت ا‪١‬تقدس فقام ا‪١‬تشككون‬
‫وقالوا صبلْتم غَت مقبولة ‪ . .‬ورد‬
‫اهلل سبحانه بقوله ‪َ { :‬و َما ك َ َ‬
‫ان اهلل‬
‫لِي ُ ِضي َع إِٯتَان َ ُك ْم } ‪ . .‬ألن الذين‬
‫ماتوا وهم يصلون إىل بيت ا‪١‬تقدس‬
‫كانوا مطيعُت هلل مؤمنُت به فبل‬
‫يضيع اهلل إٯتاهنم ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬إ َِّن اهلل بالناس‬
‫يم } ‪ . .‬أي تذكروا‬ ‫ل َ َرء ٌ ِ‬
‫وف َّرح ٌ‬ ‫ُ‬
‫أنكم تؤمنون برب رءوف ال يريد‬
‫بكم مشقة ‪ . .‬رحيم ٯتنع الببلء‬
‫عنكم ‪.‬‬
‫السماءِ‬ ‫ب َو ْج ِه َ‬ ‫ن‬
‫ك ِيف َّ َ‬ ‫قَ ْد َ َرى تَقَل ُّ َ‬
‫ك قِبْلَةً تَ ْر َض َ‬
‫اها فَ َو ِ ّل‬ ‫فَل َ ُن َولِ ّؼَنَّ َ‬
‫شط َر ا ْ‪١‬ت َ ْس ِج ِد ا ْ‪ٟ‬ت َ َرا ِم‬‫ك َْ‬ ‫َو ْجهَ َ‬
‫وه ُك ْم‬ ‫ث َما ُكن ْ ُت ْم فَ َولُّوا ُو ُج َ‬ ‫َو َحي ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ُ‬
‫َش ْط َر ُه َوإ َِّن الَّذي َن أو ُتوا الْكت َ َ‬
‫اب‬
‫ون أَن ّ َُه ا ْ‪ٟ‬ت َ ُّق ِم ْن َر ِبّ ِه ْم َو َما ّ َُ‬
‫اّلل‬ ‫لَيَعْل َ ُم َ‬
‫ِ‬
‫ون (‪)144‬‬ ‫بِغَاف ٍل َع َّما يَعْ َمل ُ َ‬
‫‪٨‬تن نعلم أن « قد » للتحقيق ‪ . .‬و‬
‫« نرى » ‪ . .‬فعل مضارع ‪٦‬تا يدل‬
‫عَل أن ا‪ٟ‬تدث يف زمن التكلم ‪. .‬‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعطؼنا صورة‬
‫لرسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم ‪. .‬‬
‫أنه ٭تب ويشتاق أن يتجه إىل‬
‫الكعبة بدال من بيت ا‪١‬تقدس ‪. .‬‬
‫وكان عليه الصبلة والسبلم قد‬
‫اعتاد أن يأتيه الوحي من علو ‪. .‬‬
‫فكأنه صَل اهلل عليه وسلم كان‬
‫يتجه ببصره إىل السماء مكان إيتاء‬
‫الوحي ‪ . .‬وال يأيت ذلك إال إذا كان‬
‫قبله متعلقا بأن يأتيه الوحي بتغيَت‬
‫القبلة ‪ . .‬فكأن هذا أمر شغله ‪.‬‬
‫إن اهلل سبحانه ٭تيط رسوله صَل‬
‫اهلل عليه وسلم بأنه قد رأى تقلب‬
‫وجه رسوله الكريم يف السماء‬
‫وأجابه لؼتجه إىل القبلة اليت‬
‫يرضاها ‪ . .‬فهل معٌت ذلك أن‬
‫القبلة اليت كان عليها الرسول صَل‬
‫اهلل عليه وسلم وهي بيت ا‪١‬تقدس‬
‫لم يكن راضيا عنها؟ نقول ال ‪. .‬‬
‫وإ‪٪‬تا الرضا دائما يتعلق بالعاطفة ‪،‬‬
‫وهناك فرق بُت حب العاطفة‬
‫وحب العقل ‪ . .‬ولذلك ال يقول‬
‫أحد إن رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم لم يكن راضيا عن قبلة بيت‬
‫ا‪١‬تقدس ‪ . .‬وإ‪٪‬تا كان يتجه إىل‬
‫بيت ا‪١‬تقدس ويف قلبه عاطفة تتجه‬
‫إىل الكعبة ‪ . .‬هذا يدل عَل الطاعة‬
‫وااللتزام ‪.‬‬
‫اهلل يقول لرسوله عليه الصبلة‬
‫والسبلم ‪ { :‬فَل َ ُن َولِ ّؼَنَّ َ‬
‫ك قِبْلَةً‬
‫اها } أي ٖتبها بعاطفتك‪. .‬‬ ‫تَ ْر َض َ‬
‫ورسول اهلل عليه الصبلة والسبلم‬
‫كان يتطلع إىل هذا التغيَت ‪ ،‬فكأن‬
‫عواطفه صَل اهلل عليه وسلم‬
‫إتهت لتضع مقدمات التحويل ‪.‬‬
‫ك َش ْط َر‬
‫قال اهلل تعاىل ‪ { :‬فَ َو ِ ّل َو ْجهَ َ‬
‫ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام } ‪ . .‬وا‪١‬تراد‬
‫بالوجه هو الذات كلها وكلمة شطر‬
‫معناها ا‪ٞ‬تهة ‪ ،‬والشطر معناه‬
‫النصف ‪ . .‬وكبل ا‪١‬تعنيُت صحيح‬
‫ألنه حُت يوجد اإلنسان يف مكان‬
‫يصبح مركزا ًلدائرة ينتهي بشيء‬
‫ا‪ٝ‬ته األفق وهو مدى البصر ‪ . .‬وما‬
‫ٮتيل إليك عنده أن السماء‬
‫انطبقت عَل األرض ‪.‬‬
‫إن كل إنسان منا له دائرة عَل‬
‫حسب نظره فإذا ارتفع اإلنسان‬
‫تؾسع الدائرة ‪ . .‬وإذا كان بصره‬
‫ضعيفا يكون أفقه أقل ‪ ،‬ويكون هو‬
‫يف وسط دائرة نصفها أمامه ونصفها‬
‫خلفه ‪.‬‬
‫إذن الذي يقول الشطر هو النصف‬
‫صحيح والذي يقول أن الشطر هو‬
‫ا‪ٞ‬تهة صحيح ‪.‬‬
‫ك َش ْط َر‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فَ َو ِ ّل َو ْجهَ َ‬
‫ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام } ‪ . .‬أي اجعل‬
‫وجهك جهة ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام أو‬
‫اجعل ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام يف نصف‬
‫الدائرة اليت أمامك ‪ . .‬ويف الزمن‬
‫ا‪١‬تاضي كانت العبادات تتم يف‬
‫أماكن خاصة ‪ . .‬إىل أن جاء رسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم فجعل اهلل‬
‫له األرض كلها مسجدا ‪.‬‬
‫إن ا‪١‬تسجد هو مكان السجود ونظرا ً‬
‫ألن السجود هو منتىه ا‪٠‬تضوع هلل‬
‫فسمي ا‪١‬تكان الذي نصلي فيه‬
‫مسجدا ‪.‬‬

‫‪ .‬ولكن هناك فرق بُت مكان‬


‫تسجد فيه ومكان ٕتعله مقصورا‬
‫عَل الصبلة هلل وال تزاول فيه شؼئا‬
‫آخر ‪ .‬ا‪١‬تسجد ‪٥‬تصص للصبلة‬
‫والعبادة ‪ . .‬أما ا‪١‬تكان الذي تسجد‬
‫فيه وتزاول حركة حياتك فبل‬
‫يس ىم مسجدا ًإال ساعة تسجد فيه‬
‫‪ . .‬والكعبة بيت اهلل ‪ .‬باخؾيار اهلل‬
‫‪ .‬و‪ٚ‬تيع مساجد األرض بيوت اهلل‬
‫باخؾيار خلق اهلل ‪ . .‬ولذلك كان‬
‫ّبت اهلل باخؾيار اهلل قبلة لؽيوت‬
‫اهلل باخؾيار خلق اهلل ‪.‬‬
‫ث َما ُكن ْ ُت ْم }‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َحي ْ ُ‬
‫يعٍت أينما كنتم ‪ { . .‬فَ َولُّوا ْ‬
‫ُو ُج ِو َه ُك ْم َش ْط َر ُه } ‪ . .‬ألن اآلية‬
‫نزلت وهم يف مسجد بٍت سلمة‬
‫با‪١‬تدينة فتحول ا‪١‬تسلمون إىل‬
‫ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام ‪ . .‬وحىت ال يعتقد‬
‫أحد أن التحويل يف هذا ا‪١‬تسجد‬
‫فقط وىف الوقت الذي نزلت فيه‬
‫ث َما‬‫اآلية فقط قال تعاىل ‪َ { :‬و َحي ْ ُ‬
‫ُكن ْ ُت ْم فَ َولُّوا ْ ُو ُج ِو َه ُك ْم َش ْط َر ُه } ‪. .‬‬
‫وقوله جل جبلله ‪َ { :‬وإ َِّن الذين‬
‫ون أَن ّ َُه ا‪ٟ‬تق ِمن‬
‫أُو ُتوا ْالكتاب لَيَعْل َ ُم َ‬
‫ِ‬
‫َّربِّ ِه ْم َو َما اهلل بِغَاف ٍل َع َّما يَعْ َمل ُ َ‬
‫ون‬
‫} ‪ . .‬أي أن الذين أوتوا الكتاب‬
‫و٭تاولون التشكيك يف اتباع رسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم ‪ . .‬يعلمون‬
‫أن رسول اهلل هو الرسول ا‪٠‬تاتم‬
‫ويعرفون أوصافه اليت ذكرت يف‬
‫التوراة واإل‪٧‬تيل ‪ . .‬ويعلمون أنه‬
‫صاحب القبلتُت ‪ . .‬ولو لم يتجه‬
‫الرسول صَل اهلل عليه وسلم من‬
‫بيت ا‪١‬تقدس إىل الكعبة ‪ . .‬لقالوا‬
‫إن التوراة واإل‪٧‬تيل تقوالن إن‬
‫الرسول ا‪٠‬تاتم ‪٤‬تمدا ًصَل اهلل عليه‬
‫وسلم يصلي إىل قبلتُت فلماذا لم‬
‫تتحقق؟ ولكان هذا أدىع إىل‬
‫التشكيك ‪.‬‬
‫إذن فالذين أوتوا الكتاب يعلمون‬
‫أنه ا‪ٟ‬تق من ربهم ‪ . .‬ألنه يف‬
‫التوراة أن الرسول الذي سيجيء‬
‫وسؼتجه إىل بيت ا‪١‬تقدس ثم يتجه‬
‫إىل الؽيت ا‪ٟ‬ترام ‪ . .‬فكأن هذا‬
‫التحويل بالنسبة ألهل الكتاب‬
‫تثؽيت إلٯتاهنم بالرسول عليه‬
‫الصبلة والسبلم ولؼس سؽبا يف‬
‫زعزعة اليقُت ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َما اهلل بِغَافِ ٍل َع َّما‬
‫ون } ‪ . .‬يريد ا‪ٟ‬تق تبارك‬ ‫يَعْ َمل ُ َ‬
‫وتعاىل أن يطمئن رسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم أن تشكيكهم ال‬
‫يقدم وال يؤخر ‪ . .‬فموقفهم لؼس‬
‫لطلب ا‪ٟ‬تجة ولكن للمكابرة ‪. .‬‬
‫فهم ال يريدون حجة وال دليبل‬
‫إٯتانيا ً‪ . .‬ولكنهم يريدون‬
‫ا‪١‬تكابرة ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ َ‬
‫َولَئ ْن أتَي ْ َت الَّذي َن أو ُتوا الْكت َ َ‬
‫اب‬
‫ك َو َما أَن ْ َت‬ ‫بِ ُك ّ ِل آي َ ٍة َما تَبِ ُعوا قِبْلَت َ َ‬
‫بِتَابِ ٍع قِبْلَت َ ُه ْم َو َما بَعْ ُض ُه ْم بِتَابِ ٍع قِبْل َ َة‬
‫بَعْ ٍض َولَئِ ِن اتَّبَعْ َت أ َ ْه َواءَ ُه ْم ِم ْن بَعْ ِد‬
‫ك ِم َن الْعِل ْ ِم إِن ّ ََك إِذًا َ‪١‬ت ِ َن‬
‫َما َجاءَ َ‬
‫ِ‬ ‫الظ ِ‬
‫ُت (‪)145‬‬ ‫َّ َ‬‫ا‪١‬ت‬

‫اتباع القبلة مظهر إٯتاين يف الدين ‪،‬‬


‫فمادمت آمنت بدينك فاتبع‬
‫قبلتك ‪ . .‬ال أؤمن بدينك ال اتبع‬
‫قبلتك ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬ولَئِ ْن أَتَي ْ َت } ساعة‬
‫تسمع « ولئن » واو والم وإن ‪. .‬‬
‫هذا قسم ‪ .‬فكأن ا‪ٟ‬تق تبارك‬
‫وتعاىل أقسم أنه لو أىت رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم أهل الكتاب‬
‫بكل آية ما آمنوا بدينه وال اتبعوا‬
‫قبلته ‪١ . .‬تاذا؟ ألهنم ال يْتثون عن‬
‫دليل وال يريدون االقؾناع بصحة‬
‫الدين ا‪ٞ‬تديد ‪ . .‬ولو كانوا يريدون‬
‫دليبل أو اقؾناعا لوجدوه يف كؾبهم‬
‫اليت أنبأْتم عن رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم وأنه النبي ا‪٠‬تاتم‬
‫وأعطتهم أوصافه ‪ . .‬فكأن الدليل‬
‫عندهم ولكنهم يأخذون األمر‬
‫سفها وعنادا ومكابرة ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َمآ أ َ َ‬
‫نت بِتَابِ ٍع‬
‫قِبْلَت َ ُه ْم } ‪ . .‬فكأنه حُت جاءت‬
‫اآلية بتغَت القبلة أعلمنا اهلل أن‬
‫ا‪١‬تسلمُت لن يعودوا مرة أخرى إىل‬
‫االٕتاه ‪٨‬تو بُت ا‪١‬تقدس ولن ٭تو‪٢‬تم‬
‫اهلل إىل جهة ثالثة ‪ . .‬ولكي يعلمنا‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل أن اليهود‬
‫والنصارى سيكونون يف جانب‬
‫ونحن سنكون يف جانب آخر ‪. .‬‬
‫وأنه لؼس هناك التقاء بيننا وبؼنهم‬
‫‪ .‬قال سبحانه ‪َ { :‬و َما بَعْ ُض ُهم‬
‫بِتَابِ ٍع قِبْل َ َة بَعْ ٍض} ‪ . .‬فا‪٠‬تبلف يف‬
‫القبلة مستمر إىل يوم القيامة ‪.‬‬
‫وقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬ولَئِ ِن اتبعت‬
‫ك ِم َن‬
‫أ َ ْه َواءَ ُهم ِّمن بَعْ ِد َما َجآءَ َ‬
‫العلم إِن ّ ََك إِذَا ً َّ‪١‬ت ِ َن الظا‪١‬تُت } ‪. .‬‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫حُت ٮتاطب ُ‬
‫رسوله وحبؼبه ‪٤‬تمدا ًصَل اهلل عليه‬
‫وسلم بهذه اآلية ‪ . .‬وهو يعلم أن‬
‫‪٤‬تمدا الرسول ا‪١‬تعصوم ال ٯتكن‬
‫أن يؾبع أهواءهم ‪ . .‬نقول إن‬
‫ا‪١‬تقصود بهذه اآلية هي أمة ‪٤‬تمد‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫إن اهلل ٮتاطب أمته يف شخصه قائبل‬
‫‪َ { :‬ولَئِ ِن اتبعت أ َ ْه َواءَ ُهم ِّمن بَعْ ِد‬
‫ك ِم َن العلم إِن ّ ََك إِذَا ً َّ‪١‬ت ِ َن‬
‫َما َجآءَ َ‬
‫الظا‪١‬تُت } ‪ . .‬ما هي أهواء أهل‬
‫الكتاب؟ هي أن يهادهنم رسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم أو يقول إن‬
‫ما حرفوه يف كؾبهم أنزله اهلل ‪. .‬‬
‫وهكذا ‪٬‬تعل هوى نفوسهم أمرا ً‬
‫مؾبعا ‪ . .‬فكأن اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫يريد أن يلفت أمة ‪٤‬تمد عليه‬
‫الصبلة والسبلم‪ . .‬إىل أن كل من‬
‫يؾبع أهواء أهل الكتاب وما حرفوه‬
‫سيكون من الظا‪١‬تُت مهما كانت‬
‫درجته من اإلٯتان ‪ . .‬وإذا كان اهلل‬
‫تبارك وتعاىل لن يقبل هذا من‬
‫رسوله وحبؼبه فكيف يقبله من أي‬
‫فرد من أمة ‪٤‬تمد صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ؟‬
‫إن ا‪٠‬تطاب هنا ٯتس قمة من قمم‬
‫اإلٯتان اليت تفسد العقيدة كلها ‪. .‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل يريدنا أن‬
‫نعرف أنه ال يؾسامح فيها وال يقبلها‬
‫حىت لو حدثت من رسوله ولو أهنا لن‬
‫ٖتدث ‪ . .‬ولكن لنعرف أهنا‬
‫مرفوضة ٘تاما من اهلل عَل أي‬
‫مستوى من مستويات اإلٯتان حىت‬
‫يف مستوى القمة فتؽتعد أمة ‪٤‬تمد‬
‫عن مثل هذا الفعل ٘تاما ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب يَعْ ِر ُفون َ ُه‬‫الَّذي َن آتَؼْن َ ُاه ُم الْكت َ َ‬
‫ون أَبْنَاءَ ُه ْم َوإ َِّن فَ ِريقًا‬
‫َك َما يَعْ ِر ُف َ‬
‫ِ‬
‫من ْ ُه ْم لَي َ ْك ُت ُم َ‬
‫ون ا ْ‪ٟ‬ت َ َّق َو ُه ْم يَعْل َ ُم َ‬
‫ون‬
‫(‪)146‬‬
‫اهلل تبارك وتعاىل يقول إن الذين‬
‫جاءهم الكتاب قبل رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم يعرفونه ‪. .‬‬
‫يعرفون ماذا؟ هل يعرفون أمر‬
‫ٖتويل القبلة؟ أم يعرفون أمر‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫وبعثه ورسالته اليت ٭تاولون أن‬
‫يشككوا فيها؟ اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫يشرح لنا ذلك يف قوله تعاىل ‪َ { :‬و َ‪١‬تَّا‬
‫اب ِّم ْن ِعن ِد اهلل ُم َص ِ ّد ٌق‬ ‫ِ‬
‫َجآءَ ُه ْم كت َ ٌ‬
‫ون‬ ‫ح‬ ‫ِ ّ‪١‬تا معهم وكَانُوا ْ ِمن قَب ُل يَست َ ْفتِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ََُ ْ َ‬
‫عََلَ الذين كَ َف ُروا ْفَل َ َّما َجآءَ ُه ْم َّما‬
‫َع َر ُفوا ْ َك َف ُروا ْبِ ِه فَلَعْن َ ُة اهلل عََلَ‬
‫الكافرين } ػ البقرة ‪] 89 :‬‬
‫فكأن اليهود والنصارى يعرفون‬
‫رسالة ‪٤‬تمد صَل اهلل عليه وسلم ‪. .‬‬
‫ومكتوب يف التوراة واإل‪٧‬تيل أنه‬
‫ا‪ٟ‬تق ومطلوب منهم أن يؤمنوا به ‪.‬‬
‫‪ .‬إن كعب األحبار كان جالسا‬
‫وعمر بن ا‪٠‬تطاب رضي اهلل عنه‬
‫كان موجودا فسأله عمر أكنتم‬
‫تعرفونه يا كعب؟ أي أكنتم‬
‫تعرفون ‪٤‬تمدا ًصَل اهلل عليه وسلم‬
‫ورسالته وأوصافه؟ فقال كعب‬
‫وهو من أحبار اليهود ‪ . .‬أعرف‬
‫كمعرفيت البٍت ‪ ،‬ومعرفيت ‪١‬تحمد‬
‫أشد ‪ . .‬فلما سألوه ‪١‬تاذا؟ قال ألن‬
‫ابٍت أخاف أن تكون امرأيت خانؾٍت‬
‫فيه أما ‪٤‬تمد ( صَل اهلل عليه وسلم‬
‫) فأوصافه مذكورة بالدقة يف‬
‫التوراة ْتيث ال ‪٩‬تطئه ‪.‬‬
‫إذا فأهل الكتاب يعرفون رسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم ويعرفون‬
‫زمنه ورسالته ‪ . .‬والذين أسلموا‬
‫منهم وآمنوا فعلوا ذلك عن اقؾناع‬
‫‪ ،‬أما الذين لم يؤمنوا وكفروا ٔتا‬
‫جاء به رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم عرفوا ولكنهم كتموا ما‬
‫يعرفونه ‪ . .‬ولذلك يقول اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل عنهم ‪َ { :‬وإ َِّن‬
‫ون ا‪ٟ‬تق َو ُه ْم‬‫فَ ِريقا ً ِّم ْهن ُ ْم لَي َ ْك ُت ُم َ‬
‫ون } ‪ . .‬وساعة تقول كتم‬ ‫يَعْل َ ُم َ‬
‫الشيء ‪ . .‬فكأن الشيء بطؽيعته كان‬
‫‪٬‬تب أن يُبز وينتشر ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق‬
‫بطؽيعته البد أن يُبز وينتشر‬
‫ولكن إنكار ا‪ٟ‬تق وكتمه ٭تتاج إىل‬
‫‪٣‬تهود ‪.‬‬
‫إن الذين ٭تققون يف القضايا‬
‫الدقيقة ٭تاولون أن ٯتنعوا القوة أن‬
‫تكتم ا‪ٟ‬تق‪ . .‬فيجعلون من‬
‫٭تققون معه ال ينام حىت تنهار قواه‬
‫فؼنطق با‪ٟ‬تقيقة ‪ . .‬ألن النطق با‪ٟ‬تق‬
‫ال ٭تتاج إىل ‪٣‬تهود ‪ ،‬أما كتم ا‪ٟ‬تق فهو‬
‫الذي ٭تتاج إىل كجهود وقوة ‪ ،‬وعدم‬
‫النطق با‪ٟ‬تق عملية شاقة ‪ . .‬ولكن‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪{ :‬‬
‫يل َ ُم َ‬
‫ون} ‪. .‬‬ ‫ون ا‪ٟ‬تق َو ُه ْم َع ْ‬
‫لَي َ ْك ُت ُم َ‬
‫أي أهنم لؼسوا جاهلُت ولكنهم‬
‫عَل علم با‪ٟ‬تقيقة ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق من اهلل‬
‫فهل يستطيع هؤالء كتمانه؟ طبعا‬
‫ال ‪ ،‬البد أن يظهر ‪ . .‬فإذا انتشر‬
‫الكذب والباطل فهو كاأللم الذي‬
‫٭تدث يف ا‪ٞ‬تسد ‪ . .‬الناس تكره‬
‫األلم ولكن األلم من جنود الشفاء‬
‫ألنه ‪٬‬تعلك ٖتس أن هناك شؼئا‬
‫أصابه مرض فؾتجه إليه بأسباب‬
‫العافية ‪.‬‬
‫إن أخطر األمراض هي اليت ال‬
‫يصاحبها ألم وال ٖتس بها إال بعد‬
‫أن يكون قد فات وقت العبلج ‪. .‬‬
‫وا‪ٟ‬تق دائما غالب عَل أمره ولذلك‬
‫ال توجد معركة بُت حقُت ‪ . .‬أما‬
‫الباطل فتوجد معركة بُت باطل‬
‫وباطل ‪ .‬وبُت حق وباطل ‪ .‬ألنه ال‬
‫يوجد إال حق واحد أما الباطل‬
‫فكثَت ‪. .‬‬
‫وا‪١‬تعارك بُت ا‪ٟ‬تق والباطل تنتهي‬
‫بهزٯتة الباطل بسرعة ‪ . .‬ولكن‬
‫الذي يطول هو معركة بُت باطلُت‬
‫‪ . .‬ولذلك فإن معارك العصر‬
‫ا‪ٟ‬تديث تطول وتتعب الدنيا ‪. .‬‬
‫فمعارك ا‪ٟ‬ترب العا‪١‬تية الثانية‬
‫مثبل الزالت آثارها ‪٦‬تتدة حىت اآلن‬
‫يف ا‪ٟ‬ترب الباردة وغَت ذلك من‬
‫ا‪ٟ‬تروب الصغَتة ‪ . .‬ورسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫« ال يؤمن أحدكم حىت يكون هواه‬
‫تبعا ‪١‬تا جئت به »‬

‫ك فَ َبل تَ ُكون َ َّن ِم َن‬


‫ا ْ‪ٟ‬ت َ ُّق ِم ْن َربِّ َ‬
‫ًتي َن (‪)147‬‬ ‫ا ْ‪١‬تم َ ِ‬
‫ُْ‬
‫ا‪ٟ‬تق من اهلل سبحانه وتعاىل ‪. .‬‬
‫ومادام من اهلل فبل تكونن من‬
‫الذين يشكون يف أن ا‪ٟ‬تق سينتصر‬
‫‪ . .‬ولكن ا‪ٟ‬تق البد من قوة ٖتميه ‪.‬‬
‫‪ .‬وكما يقول الشاعر ‪:‬‬
‫السيف إن يزىه ّتوهره ‪ ...‬ولؼس‬
‫يعمل إال يف يدي بطل‬
‫فما فائدة أن يكون معك سيف‬
‫بتار ‪ . .‬دون أن توجد اليد القوية‬
‫اليت ستضرب به ‪ . .‬و‪٨‬تن غالبا‬
‫نكون مضيعُت للحق ألننا ال نوفر‬
‫له القوة اليت ينتصر بها ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فَبل َتَ ُكون َ َّن ِم َن‬
‫ا‪١‬تمًتين } ‪ . .‬ا‪١‬تمًتي هو الذي‬
‫يشك يف حدوث الشيء ‪ . .‬والشك‬
‫معناه أنه لؼست هناك نسبة تتغلب‬
‫عَل نسبة ‪ . .‬أي أن االحتمالُت‬
‫مؾساويان ‪ . .‬ولكن ا‪ٟ‬تق من اهلل‬
‫وال توجد نسبة تقابله ‪ . .‬ولذلك ال‬
‫‪٬‬تب أن نشك وال ندخل يف جدل‬
‫عقيم حول انتصار ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬
‫َول ِ ُك ّ ٍل ِو ْجهَ ٌة ُه َو ُم َولِ ّيهَا فَا ْسؾَبِ ُقوا‬
‫ات أَي ْ َن َما تَ ُكونُوا يَأ ْ ِت بِ ُك ُم‬ ‫ا‪٠‬تْ َ َْت ِ‬
‫َ‬
‫اّللَ عََلَ كُ ّ ِل َش ْيءٍ قَ ِدي ٌر‬
‫اّلل َ‪ٚ‬تِيعًا إ َِّن َّ‬
‫َّ ُ‬
‫(‪)148‬‬

‫شاء اهلل سبحانه أن ‪٬‬تعل اإلنسان‬


‫‪٥‬تتارا‪ . .‬ومن هنا فإن هلاالخؾيار‬
‫يف أن يؤمن أو ال يؤمن ‪ . .‬أن ينصر‬
‫ا‪ٟ‬تق أو ينصر الباطل ‪ . .‬أن يفعل‬
‫ا‪٠‬تَت أو يفعل الشر ‪ . .‬كل هذه‬
‫اخؾبارات شاء اهلل أن يعطيها‬
‫لئلنسان يف الدنيا ْتيث يستطيع أن‬
‫يفعل أو ال يفعل ‪ . .‬ولكن هذا لن‬
‫يبىق إىل األبد ‪ .‬إن هذا االخؾيار‬
‫موجود يف ا‪ٟ‬تياة الدنيا ‪.‬‬
‫ولكن بشرية اإلنسان تنتهي ساعة‬
‫االحتضار فعند مواجهة ا‪١‬توت‬
‫وهناية العمر يصبح اإلنسان‬
‫مقهورا ولؼس ‪٥‬تتارا ‪ . .‬فهو ال‬
‫ٯتلك شؼئا لنفسه وال يستطيع أن‬
‫يقول لن أموت اآلن ‪ . .‬انتهت‬
‫بشريته وسيطرته عَل نفسه حىت‬
‫أعضاؤه تشهد عليه ‪ . .‬ففي ا‪ٟ‬تياة‬
‫الدنيا كل واحد ٮتتار الوجهة اليت‬
‫يتجه إليها ‪ ،‬هذا ٮتتار الكفر وهذا‬
‫ٮتتار اإلٯتان ‪ . .‬هذا ٮتتار الطاعة‬
‫وهذا ٮتتار ا‪١‬تعصية ‪ ،‬فمادام‬
‫لئلنسان اخؾيار فكل واحد له‬
‫وجهة ‪٥‬تتلفة عن اآلخر ‪ . .‬والذي‬
‫يهديه اهلل يتجه إىل ا‪٠‬تَتات وكأنه‬
‫يؾسابق إليها ‪١ . .‬تاذا؟ ألنه ال‬
‫يعرف مىت ٯتوت ولذلك كلما‬
‫تسابق إىل خَت كان ذلك حسنة‬
‫أضافها لرصيده ‪.‬‬
‫إن ا‪١‬تطلوب من ا‪١‬تؤمنُت يف ا‪ٟ‬تياة‬
‫الدنيا أن يؾسابقوا إىل ا‪٠‬تَتات‬
‫قبل أن يأتيهم األجل وال ٭تسب‬
‫واحد منهم أنه سيفلت من اهلل ‪. .‬‬
‫ألنه كما يقول عز وجل ‪ { :‬أَي ْ َن َما‬
‫تَ ُكونُوا ْيَأ ْ ِت بِ ُك ُم اهلل َ‪ٚ‬تِيعا ً} ‪. .‬‬
‫أي أنه لؼس هناك مكان‬
‫تستطيعون أن ٗتتفوا فيه عن علم‬
‫اهلل تبارك وتعاىل بل هو يعرف‬
‫أماكنكم ‪ٚ‬تيعا واحدا واحدا‬
‫وسيأيت بكم ‪ٚ‬تيعا مصداقا لقوله‬
‫َت ا‪ٞ‬تبال َوتَ َرى‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫تعاىل ‪َ { :‬و َ ْو َم ن ُ َس ّ ُ‬
‫األرض بَا ِرزَة ً َو َح َش ْرن َ ُاه ْم فَل َ ْم‬
‫نُغَا ِد ْر ِمن ْ ُه ْم أ َ َحدا ً} ػ الكهف ‪:‬‬
‫‪] 47‬‬
‫وقوله سبحانه ‪ { :‬ففروا إ َِىل اهلل إ ِِّين‬
‫ِ‬
‫ُت } ػ الذاريات‬ ‫ل َ ُك ْم ّمن ْ ُه ن َ ِذي ٌر ُّمبِ ٌ‬
‫‪] 50 :‬‬
‫أي أن ا‪ٟ‬تق جل جبلله يريدنا أن‬
‫نعرف يقؼنا أننا ال نستطيع أن نفر‬
‫من علمه ‪ .‬وال من قدره وال من‬
‫عذابه ‪ . .‬وأن الطريق الوحيد‬
‫ا‪١‬تفتوح أمامنا هو أن نفر إىل اهلل ‪. .‬‬
‫وأنال منجاة من اهلل إال إليه ‪. .‬‬
‫ه‬
‫ولذلك ال يظن كافر أو عاص أنه‬
‫سيفلت من اهلل ‪ . .‬وال يظن أنه لن‬
‫يكون موجودا يوم القيامة أو أنه لن‬
‫٭تاسب أو أنه يستطيع أن ٮتتفي ‪.‬‬
‫إن غرور الدنيا قد يركب بعض‬
‫الناس فيظنون أهنم يف منعة من اهلل‬
‫وأهنم لن يبلقوه ‪ . .‬نقول ‪٢‬تم‬
‫إنكم ستفاجأون يف اآلخرة حُت‬
‫تعرفون أن ا‪ٟ‬تساب حق وا‪ٞ‬تنة حق‬
‫والنار حق ‪ .‬ستفاجأون ٔتا‬
‫سيحدث لكم ‪ . .‬ومن لم يؤمن‬
‫ولم يسارع إىل ا‪٠‬تَت سيلىق ا‪٠‬تزي‬
‫والعذاب األليم ‪ . .‬إن اهلل ينصحنا‬
‫أن نؤمن وأن نسارع يف ا‪٠‬تَتات‬
‫لننجوا من عذابه ‪ ،‬ويقول لنا لن‬
‫يفلت واحد منكم وال ذرة من‬
‫ذرات جسده من الوقوف بُت يدي‬
‫اهلل للحساب ‪ . .‬ولذلك ختم اهلل‬
‫هذه اآلية الكرٯتة بقوله ‪ { :‬إ َِّن‬
‫اهلل عَل كُ ّ ِل َش ْيءٍ قَ ِدي ٌر } ‪ . .‬أي أن‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل ال يعجزه شيء‬
‫وال ٮترج عن طاعته شيء ‪ . .‬إنه‬
‫سبحانه عَل كل شيء قدير ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ك‬ ‫ث َخ َر ْج َت فَ َو ِ ّل َو ْج َه َ‬ ‫َوم ْن َحي ْ ُ‬
‫َش ْط َر ا ْ‪١‬ت َ ْس ِج ِد ا ْ‪ٟ‬ت َ َرا ِم َوإِن ّ َُه لَل ْ َح ُّق ِم ْن‬
‫ك وما َ ِ‬
‫ون‬‫اّلل بِغَاف ٍل َع َّما تَعْ َمل ُ َ‬ ‫َر ِبّ َ َ َ ّ ُ‬
‫(‪)149‬‬
‫البد أن نتأمل كم مرة أكد القرآن‬
‫الكريم قضية ٖتويل القبلة ‪. .‬‬
‫أكدها ثبلث مرات متقاربة ‪. .‬‬
‫ألن ٖتويل القبلة أحدث هزة‬
‫عنيفة يف نفوس ا‪١‬تؤمنُت ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل يريد أن يُذهب هذا‬
‫األثر ويؤكد ٖتويل القبلة تأكيدا‬
‫إٯتانيا ‪.‬‬
‫لقد جاء بثبلث آيات اليت هي أقل‬
‫ا‪ٞ‬تمع ‪ . .‬واحدة للمتجه إىل الكعبة‬
‫وهو داخل ا‪١‬تسجد ‪ . .‬والثانية‬
‫للمتجه وهو خارج ا‪١‬تسجد ‪. .‬‬
‫والثالثة للمتجه من ا‪ٞ‬تهات ‪ٚ‬تيعا ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪َ { :‬و ِم ْن َحي ْ ُ‬
‫ث َخ َر ْج َت‬
‫ك َش ْط َر ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام‬
‫فَ َو ِ ّل َو ْجهَ َ‬
‫} ‪ . .‬هو رد عَل ا‪١‬تنافقُت واليهود‬
‫والنصارى الذين حاولوا التشكيك‬
‫يف اإلسبلم ‪ . .‬بأن واجهوا‬
‫ا‪١‬تسلمُت بقضية تغيَت القبلة ‪. .‬‬
‫عَل أساس أهنا قضية ما كان ‪٬‬تب أن‬
‫تتم ألنه لؼس فيها زيادة يف التكليف‬
‫وال مشقة زائدة تزيد ثواب ا‪١‬تؤمن‬
‫‪ . .‬فا‪ٞ‬تهد الذي يبذله ا‪١‬تؤمن يف‬
‫االٕتاه إىل ا‪١‬تسجد األقىص هو نفس‬
‫ا‪ٞ‬تهد الذي يبذله يف االٕتاه إىل‬
‫الؽيت ا‪ٟ‬ترام ‪ . .‬فأنت إذا إتهت‬
‫يف صبلتك ٯتؼنا أو مشاال أو شرقا أو‬
‫غربا فإن ذلك ال يضيف إليك‬
‫مشقة ‪ .‬فما هو سبب التغيَت؟ ‪.‬‬
‫نقول ‪٢‬تم إن ه ذه لؼست حجة‬
‫للتشكيك يف ٖتويل القبلة ألن‬
‫االٕتاه إىل ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام هو طاعة‬
‫اهلل ‪ . .‬ومادام اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫قد قال فعلؼنا أن نطيع طاعة‬
‫إٯتانية ‪ . .‬يقول ا‪١‬توىل جل جبلله ‪:‬‬
‫{ َوإِن ّ َُه لَل ْ َح ُّق ِمن َّر ِبّ َ‬
‫ك َو َما اهلل‬
‫ِ‬
‫ون } ‪ . .‬أي أن ما‬ ‫بِغَاف ٍل َع َّما تَعْ َمل ُ َ‬
‫فعلتموه من ٖتويل القبلة هو حق‬
‫جاءكم من اهلل تبارك وتعاىل‪. .‬‬
‫واهلل عز وجل لؼس غافبل عن‬
‫عملكم ْتيث تكونون قد إتهتم‬
‫إىل الؽيت ا‪ٟ‬ترام ‪ .‬بل اهلل يعلم ما‬
‫تبدون وما تكتمون ‪ . .‬فاطمػنوا‬
‫أنكم عَل ا‪ٟ‬تق وولوا وجوهكم ٕتاه‬
‫ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام ‪ . .‬واعملوا أن اهلل‬
‫سبحان ‪٤‬تيط بكم يف كل ما‬
‫ه‬
‫تعملون ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ث َخ َر ْج َت فَ َو ِ ّل َو ْجهَ َ‬
‫ك‬ ‫َوم ْن َحي ْ ُ‬
‫َش ْط َر ا ْ‪١‬ت َ ْس ِج ِد ا ْ‪ٟ‬ت َ َرا ِم َو َحي ْ ُ‬
‫ث َما‬
‫وه ُك ْم َش ْط َر ُه لِئ َ َّبل‬ ‫ُكن ْ ُت ْم فَ َولُّوا ُو ُج َ‬
‫اس عَلَي ْ ُك ْم ُح َّج ٌة إ َِّال‬‫ون لِلنَّ ِ‬ ‫ي َ ُك َ‬
‫ال َّ ِذي َن َظل َ ُموا ِمن ْ ُه ْم فَ َبل َٗت ْ َش ْو ُه ْم‬
‫َوا ْخ َش ْو ِين َو ِ ُألتِ َّم نِعْ َم ِيت عَلَي ْ ُك ْم‬
‫ون (‪)150‬‬ ‫َولَعَل َّ ُك ْم ْتَ ْت َ ُد َ‬
‫ا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل يؤكد لرسوله‬
‫صَل اهلل عليه وسلم أن يتوجه هو‬
‫وا‪١‬تسلمون إىل ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام ‪. .‬‬
‫سواء كانوا يف ا‪١‬تدينة أو يف خارج‬
‫ا‪١‬تدينة أو يف أي مكان عَل األرض ‪.‬‬
‫‪ .‬وتلك هي قبلتهم يف كل صبلة‬
‫بصرف النظر عن ا‪١‬تكان الذين‬
‫يصلون فيه ‪.‬‬
‫ون لِلنَّ ِ‬
‫اس‬ ‫ِ‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬لئَبل َّي َ ُك َ‬
‫عَلَي ْ ُك ْم ُح َّج ٌة } ‪ . .‬الناس هنا‬
‫ا‪١‬تقصود بهم ا‪١‬تنافقون واليهود‬
‫والنصارى ‪ . .‬حجة يف ماذا؟ ألن‬
‫ا‪١‬تسلمُت كانوا يتجهون إىل بيت‬
‫ا‪١‬تقدس فإتهوا إىل ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام‬
‫‪ . .‬ولؼس لؽيت ا‪١‬تقدس قدسية يف‬
‫ذاته وال للمسجد ا‪ٟ‬ترام قدسية يف‬
‫ذاته كما قلنا ‪ . .‬ولكن ‪٨‬تن نطيع‬
‫األمر من اآلمر األعَل وهو اهلل ‪. .‬‬
‫إن اهلل تبارك وتعاىل أطلق عَل‬
‫ا‪١‬تنافقُت واليهود والنصارى كلمة (‬
‫ظلموا ) ووصفهم بأهنم الذين‬
‫ظلموا ‪ . .‬فمن هو الظالم؟ الظالم‬
‫هو من ينكر اٌفق أو يغَت وجهته ‪ .‬أو‬
‫ينقل ا‪ٟ‬تق إىل باطل والباطل إىل‬
‫حق ‪ . .‬والظلم هو ٕتاوز ا‪ٟ‬تد وكأنه‬
‫سبحانه وصفهم بأهنم ق ٕتاوزوا‬
‫ا‪ٟ‬تق وأنكروه يقول سبحانه ‪{ :‬‬
‫فَبل َ َٗت ْ َش ْو ُه ْم } أي ال ٗتشوا الذين‬
‫ظلموا ‪ { :‬واخشوين َوألُتِ َّم نِعْ َم ِيت‬
‫ون } ‪ . .‬أي‬ ‫عَلَي ْ ُك ْم َولَعَل َّ ُك ْم ْتَ ْت َ ُد َ‬
‫أن ا‪٠‬تشية هلل وحده وا‪١‬تؤمن ال‬
‫ٮتىش بشرا ‪ . .‬ألنه يعلم أن القوة‬
‫هلل ‪ٚ‬تيعا ‪ . .‬ولذلك فإنه يقدم عَل‬
‫كل عمل بقلب ال يهاب أحدا إال‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬
‫وقوله سبحانه ‪َ { :‬وألُتِ َّم نِعْ َم ِيت‬
‫ون } ‪٘ . .‬تام‬ ‫عَلَي ْ ُك ْم َولَعَل َّ ُك ْم ْتَ ْت َ ُد َ‬
‫النعمة هو اإلٯتان ‪ .‬و٘تام النعمة‬
‫هو تنفيذ مطلوبات اإلٯتان ‪ . .‬فإذا‬
‫هدانا اهلل لئلٯتان فهذا من ٘تام‬
‫لك‬
‫نعمة علؼنا ‪ .‬و ي يك ُ‬
‫ون اإلٯتان‬
‫صحيحا ومقبوال فبلبد أن أؤدي‬
‫مطالبه وا‪١‬تداومة عَل تنفيذ‬
‫تكليفات اهلل لنا ‪ ،‬فبل ‪٧‬تعل التكليف‬
‫ينقطع ‪ .‬ألن التكليف نعمة بغَتها‬
‫ال تصلح حياتنا وال تتواىل نعم‬
‫التكليف من اهلل سبحانه وتعاىل إال‬
‫إذا أقبلنا عَل منهج اهلل بعشق ‪. .‬‬
‫وأنت حؼنما تأيت إىل ا‪١‬تنهج قد‬
‫يكون شاقا ‪ ،‬ولكن إذا تذكرت‬
‫ثواب كل طاعة فإنك ستخشع‬
‫وتعشق التكليف ‪ . .‬ألنك تعرف‬
‫العمل الصاٌف بثوابه والعمل يف‬
‫ا‪١‬تعصية بعقابه‪ . .‬ولذلك قال اهلل‬
‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬واستعؼنوا بالصُب‬
‫والصبلة َوإ َِّهنَا ل َ َكبَِتَةٌ إِال َّعََلَ‬
‫ون أ َ َّهنُم‬
‫ا‪٠‬تاشعُت * الذين ي َ ُظنُّ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫مبلقوا َر ِبّ ِه ْم َوأ َّهن ُ ْم إِلَيْه َراج ُع َ‬
‫ون }‬
‫ػ البقرة ‪] 46-45 :‬‬
‫إذن ا‪٠‬تاشعون هم الذين يقرنون‬
‫الطاعة بالثواب وا‪١‬تعصية بالعقاب‬
‫والعذاب ‪ ،‬ألن الذي ينصرف عن‬
‫الطاعة ‪١‬تشقتها عزل الطاعة عن‬
‫الثواب فأصبحت ثقيلة ‪ ،‬والذي‬
‫يذهب إىل ا‪١‬تعصية عزل ا‪١‬تعصية‬
‫عن العقاب فأصبحت سهلة ‪. .‬‬
‫فمن ٘تام النعمة أن يديم اهلل‬
‫علؼنا فعل مطلوبات اإلٯتان ‪. .‬‬
‫ولذلك يف حجة الوداع نزلت عَل‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫اآلية الكرٯتة ‪ { :‬اليوم أَكْ َمل ْ ُت‬
‫ل َ ُك ْم ِدين َ ُك ْم َوأ َ ْ٘ت َ ْم ُت عَلَي ْ ُك ْم‬
‫ِ‬
‫نعْ َم ِيت َو َر ِض ُ‬
‫يت ل َ ُك ُم اإلسبلم ِدينا ً‬
‫}‬

‫ػ ا‪١‬تائدة ‪] 3 :‬‬
‫وكان ذلك إخبارا بتمام رسالة‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم بأن‬
‫األحكام التكليفية قد انتهت ‪. .‬‬
‫ولكن الذين يسؾثقلون التكليف‬
‫ٕتدهم يقولون لك لقد عم الفساد‬
‫واهلل ال يكلف نفسا إال وسعها ‪. .‬‬
‫كأنه ٭تكم بأن هذا يف وسعه وهذا‬
‫لؼس يف وسعه وعَل ضوئه يأخذ‬
‫التكليف ‪ . .‬نقول له أَكَل َّ َف اهلل أم‬
‫لم يُكلِ ّف ‪ ،‬إن كان قد كَلّف فيكون‬
‫التكليف يف وسعك ‪ . .‬ألنه سبحانه‬
‫حُت ‪٬‬تد مشقة يأمر التخفيف مثل‬
‫إباحة قصر الصبلة ل‪١‬تسافر‬
‫وإباحة اإلفطار يف رمضان‬
‫للمريض وا‪١‬تسافر فهو سبحانه قد‬
‫حدد ما يف وسعك ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪َ { :‬ولَعَل َّ ُك ْم ْتَ ْت َ ُد َ‬
‫ون } ‪.‬‬
‫‪ .‬ا‪٢‬تداية هي الطريق ا‪١‬تستقيم‬
‫ا‪١‬توصل إىل الغاية وهو أقصر‬
‫الطرق ‪ ،‬وغاية هذه ا‪ٟ‬تياة هي أن‬
‫تصل إىل نعيم اآلخرة ‪ . .‬اهلل‬
‫أعطاك يف الدنيا األسباب لتحكم‬
‫حركة حياتك ولكن هذه لؼست‬
‫غاية ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬بل الغاية أن نذهب‬
‫إىل حياة ببل أسباب وهذه هي‬
‫عظمة قدرة اهلل سبحانه وتعاىل‪. .‬‬
‫واهلل جل جبلله يأيت ليعلمنا يف‬
‫اآلخرة أنه خلقنا لنعؼش يف الدنيا‬
‫باألسباب ويف اآلخرة لنعؼش يف‬
‫كنفه ببل أسباب ‪.‬‬
‫إذن قوله تعاىل ‪َ { :‬ولَعَل َّ ُك ْم ْتَ ْت َ ُد َ‬
‫ون‬
‫} ‪ . .‬أي لعلكم تنؾبهون وتعرفون‬
‫الغاية ا‪١‬تطلوبة منكم ‪ . .‬وال يظن‬
‫أحدكم أن ا‪ٟ‬تياة الدنيا هي الغاية‬
‫أو هي النهاية أو هي ا‪٢‬تدف ‪. .‬‬
‫فيعمل من أجل الدنيا فيأخذ منها‬
‫ما يستطيع حبلال أو حراما‬
‫باعؾبارها ا‪١‬تتعة الوحيدة ا‪١‬تخلوقة‬
‫له ‪ . .‬قنول ال ‪ ،‬إنه يف هذه ا‪ٟ‬تالة‬
‫يكون قد ضل ولم يهتد ألنه لو‬
‫اهتدى لعرف أن ا‪ٟ‬تياة ا‪ٟ‬تقيقية‬
‫لئلنسان هي يف اآلخرة ‪ .‬ولعرف أن‬
‫نعيم اآلخرة الذي ال تفوته وال‬
‫يفوتك ‪٬ . .‬تب أن يكون هدفنا يف‬
‫ا‪ٟ‬تياة الدنيا فنعمل ما نستطيع‬
‫لنصل إىل النعيم ببل أسباب يف ا‪ٞ‬تنة‬
‫‪.‬‬

‫سَا فِي ُك ْم َر ُس ً‬
‫وال ِمن ْ ُك ْم يَتْلُو‬ ‫كَ َما أ َ ْر َلْن‬
‫عَلَي ْ ُك ْم آيَاتِنَا َويُ َز ِ ّكي ُك ْم َويُعَلِ ّ ُم ُك ُم‬
‫اب َوا ْ‪ٟ‬تِ ْك َمةَ َويُعَلِ ّ ُم ُك ْم َما ل َ ْم‬‫الْكت َ َ‬
‫ِ‬
‫ون (‪)151‬‬ ‫تَ ُكونُوا تَعْل َ ُم َ‬
‫اهلل جل جبلله بعد أن حدثنا عن‬
‫ا‪٢‬تداية إىل منهجه وإىل طريقه ‪.‬‬
‫حدثنا عن نعمته علؼنا بإرسال‬
‫رسول يتلو علؼنا آيات اهلل ‪.‬‬
‫ورسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم هو‬
‫الذي ستأيت عَل يديه قمة النعم‬
‫وهو القرآن والدين ا‪٠‬تاتم ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪َ { :‬ر ُسوال ً ِّمن ْ ُك ْم } أي‬
‫لؼس من جنس آخر ‪ .‬ولكنه صَل‬
‫اهلل عليه وسلم رسول منكم‬
‫تعرفونه قبل أن يكلف بالرسالة‬
‫وقبل أن يأيت با‪ٟ‬تجة ‪١ . .‬تاذا؟ ألنه‬
‫معروف با‪٠‬تلق العظيم وبالقول‬
‫الكريم واألمانة وبكل ما يزيد‬
‫اإلنسان رفعة وعلوا واحًتاما ‪. .‬‬
‫إن أول من آمن برسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم هم أولئك الذين‬
‫يعرفونه أكثر من غَتهم ‪ . .‬كأّب‬
‫بكر الصديق وزجته صَل اهلل عليه‬
‫وسلم السيدة خد‪٬‬تة وابن عمه‬
‫علي بن أّب طالب ‪ . .‬هؤالء آمنوا‬
‫دون أن يطلبوا دليبل ألهنم أخذوا‬
‫اإلٯتان من معرفتهم برسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم قبل أن يكلف‬
‫بالرسالة ‪ . .‬فهم لم يعرفوا عنه‬
‫كذبا قط ‪ .‬فقالوا إن الذي ال‬
‫يكذب عَل الناس ال ٯتكن أن‬
‫يكذب عَل اهلل فآمنوا ‪ . .‬فاهلل‬
‫سبحانه وتعاىل من ر‪ٛ‬تته أنه‬
‫أرسل إليهم رسوال منهم أميا‬
‫ليعلمه ربه ‪ . .‬ولذلك قال ا‪ٟ‬تق‬
‫تبارك وتعاىل ‪ { :‬لَقَ ْد َجآءَ ُك ْم‬
‫ول ِّم ْن أ َ ُنف ِس ُك ْم َعزِي ٌز عَلَي ْ ِه َما‬
‫َر ُس ٌ‬
‫ِ‬
‫ص عَلَي ْ ُك ْم با‪١‬تؤمنُت‬ ‫َعنتُّ ْم َحرِي ٌ‬
‫يم } ػ التوبة ‪] 128 :‬‬ ‫رء ٌ ِ‬
‫وف َّرح ٌ‬ ‫َُ‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه يقول ‪ { :‬يَت ْ ُو‬
‫لا ْ‬
‫عَلَي ْ ُك ْم آيَاتِنَا َويُ َز ِ ّكي ُك ْم } ‪. .‬‬
‫اآليات هي القرآن الكريم‬
‫والتزكية هي التطهَت والبد أن‬
‫يكون هناك دنس ليطهرهم منه ‪.‬‬
‫‪ .‬فيطهرهم من عبادة األصنام‬
‫ومن وأد الؽنات وا‪٠‬تمر وا‪١‬تؼسر‬
‫والربا ‪ . .‬ومعٌت التزكية أيضا‬
‫سلب الضار فكأنه جاءهم بالنفع‬
‫وسلب منهم الضر ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬ويُعَلِ ّ ُم ُك ُم الكتاب‬
‫وا‪ٟ‬تكمة } ‪ . .‬الكتاب عَل إطبلقه‬
‫ينصرف إىل القرآن الكريم‬
‫وا‪ٟ‬تكمة هي وضع الشيء يف‬
‫موضعه ‪ . .‬والكتاب يعطيك‬
‫التكليف إما أن يأمرك بشيء وإما‬
‫أن ينهاك عن شيء ‪.‬‬
‫إذن فهي دائرة بُت الفعل والًتك ‪.‬‬
‫‪ .‬وا‪ٟ‬تكمة أن تفعل الفعل الذي‬
‫٭تقق لك خَتا وٯتنع عنك الشر ‪.‬‬
‫وهي مأخوذة من ا‪ٟ‬تكمة أو‬
‫ا‪ٟ‬تديدة اليت توضع يف فم ا‪ٞ‬تواد‬
‫لتحكم حركته يف السَت والوقوف ‪،‬‬
‫وتصبح كل حركة تؤدي الغرض‬
‫منها وا‪ٟ‬تكمة أيضا هي أحاديث‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫مصداقا لقوله تعاىل ‪ { :‬واذكرن َما‬
‫يتَل ِيف ُبيوتِ ُك َّن ِم ْن آي َ ِ‬
‫ات اهلل‬ ‫ُ‬
‫وا‪ٟ‬تكمة } ػ األحزاب ‪] 34 :‬‬
‫وقوله سبحانه ‪َ { :‬ويُعَلِ ّ ُم ُكم َّما ل َ ْم‬
‫ون } ألنكم أمة أمية‬ ‫تَ ُكونُوا ْتَعْل َ ُم َ‬
‫‪ .‬فإن بهرتكم الدنيا ْتضارْتا‬
‫فسؾبهروهنم باإلشعاعات‬
‫اإلٯتانية اليت ٕتعلكم متفوقُت‬
‫عليهم ‪ . .‬فكل ما يأتيكم من‬
‫السماء هو فوق كل حضارات‬
‫األرض ‪ . .‬لذلك يقول عمر بن‬
‫ا‪٠‬تطاب رضي اهلل عنه ‪ :‬ما عمر‬
‫لوال اإلسبلم ‪.‬‬

‫وين أَذْ ُك ْر ُك ْم َوا ْش ُك ُروا ِيل َو َال‬


‫فَاذْ ُك ُر ِ‬
‫ون (‪)152‬‬ ‫تَ ْك ُف ُر ِ‬
‫قوله تعاىل ‪ « :‬فاذكروين » أي كل‬
‫هذه النعم والفضل عليكم ‪٬‬تب أال‬
‫تنسوها ‪ . .‬أن تعيشوا دائما يف ذكر‬
‫من أنعم عليكم ‪ . .‬فاهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يريد من عباده الذكر وهم‬
‫كلما ذكروه سبحانه وشركوه‬
‫شكرهم وزادهم ‪ . .‬واهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يقول يف حديث قدسي ‪:‬‬
‫« أنا عند حسن ظن عبدي ّب وأنا‬
‫معه إذا ذكرين ‪ ،‬فإن ذكرين يف نفسه‬
‫ذكرته يف نفسي ‪ ،‬وإن ذكرين يف مؤل‬
‫ذكرته يف مؤل خَت منه ‪ ،‬وإن تقرب‬
‫إيل ّبشُب تقربت إليه ذراعا ًوإن‬
‫تقرب إيل ّذراعا ًتقربت إليه باعا ً‬
‫وإن أتاين ٯتشي أتؼته هرولة »‬
‫هذه هي رغبة الكريم يف أن يعطي‬
‫بشرط أن نكون أهبل للعطاء ألنه‬
‫يريد أن يعطيك أكثر وأكثر ‪. .‬‬
‫فقوله تعاىل ‪ « :‬اذكروين » أي‬
‫اذكروا اهلل يف كل شيء ‪ .‬يف نعمه ‪.‬‬
‫عطائ ‪ .‬يف سًته ‪ .‬يف ر‪ٛ‬تته ‪ .‬يف‬
‫يف ه‬
‫توبته ‪ .‬يقول بعض الصا‪ٟ‬تُت ‪:‬‬
‫‪ٝ‬تعت فيمن ‪ٝ‬تع عن حبؼبي رسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم أنك إذا ما‬
‫أقبلت عَل شرب ا‪١‬تاء فقسمه ثبلثا‬
‫‪ . .‬أول جرعة قبل باسم اهلل‬
‫واشربها ‪ ،‬ثم قل ا‪ٟ‬تمد هلل وابدأ‬
‫شرب ا‪ٞ‬ترعة الثانية وقل باسم‬
‫اهلل وبعد االنتهاء منها قل ا‪ٟ‬تمد هلل‬
‫‪ . .‬ثم قل باسم اهلل واشرب‬
‫ا‪ٞ‬ترعة الثالثة واختمها بقولك‬
‫ا‪ٟ‬تمد هلل ‪ .‬فمادام هذه ا‪١‬تاء يف‬
‫جوفك فلن ٖتدثك ذرة من‬
‫جسدك ٔتعصية اهلل ‪ .‬جربها يوما‬
‫يف نفسك وقل باسم اهلل واشرب ‪،‬‬
‫وقل ا‪ٟ‬تمد هلل وكررها ثبلث‬
‫مرات فإنك تكون قد استقبلت‬
‫النعمة بذكر ا‪١‬تنعم وأبعدت عن‬
‫نفسك حولك وقوتك ‪ ،‬وأهنيت‬
‫النعمة ْتمد اهلل ‪ .‬ولكن ‪١‬تاذا ا‪١‬تاء؟‬
‫ألن ا‪١‬تاء يف ا‪ٞ‬توف أشبع من أي شيء‬
‫آخر ‪.‬‬
‫قوله تعاىل ‪ { :‬واشكروا ِيل َوال َ‬
‫ون } الشكر عَل النعمة‬ ‫تَ ْك ُف ُر ِ‬
‫‪٬‬تعل اهلل سبحانه وتعاىل يزيدك‬
‫منها ‪ .‬واقرأ قوله تبارك وتعاىل ‪{ :‬‬
‫لَئِن َشك َْر ُت ْم أل َ ِزي َدن َّ ُك ْم } ػ‬
‫إبراهيم ‪] 7 :‬‬
‫وشكر اهلل يذهب الغرور عن‬
‫نفسك فبل تفؾنك األسباب وتقول‬
‫أوتؼته عَل علم مٍت ‪َ { .‬وال َ‬
‫ون } أي ال تسًتوا نعم اهلل‬ ‫تَ ْك ُف ُر ِ‬
‫بل اجعلوها دائما عَل ألسنتكم ‪. .‬‬
‫فإن كل نعمة من نعم اهلل لو‬
‫استقبلت بقولك « ما شاء اهلل ال قوة‬
‫إال باهلل » ال ترى يف النعمة مكروها‬
‫أبدا ألنك حصنت النعمة بسياج‬
‫ا‪١‬تنعم ‪ . .‬أعطيت هلل حقه يف نعمته‬
‫فإن لم تفعل وتركتها كأهنا منك‬
‫وأنت موجدها ونسيت ا‪١‬تنعم وهو‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل فإن النعمة‬
‫تًتكك ‪.‬‬
‫يَا أَيُّهَا ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا ا ْستَعِ ُؼنوا‬
‫صال ِة إ َِّن َّ‬
‫اّللَ َم َع‬ ‫ُب َوال ّ َ‬‫الص ْ ِ‬‫بِ َّ‬
‫الصابِرِي َن (‪)153‬‬ ‫َّ‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل يطالؽنا أن‬
‫نستعُت بالصُب والصبلة‪ . .‬عَل‬
‫ماذا؟ عَل كل ما يطلبه منا اهلل ‪. .‬‬
‫عَل تكليفاته ومنهجه نستعُت عَل‬
‫ذلك بالصُب والصبلة ‪ . .‬ولكن ‪١‬تاذا‬
‫الصُب؟ ألن الصُب هو منع النفس‬
‫من أي شيء ٭تدث وهو يأخذ ألوانا‬
‫شىت حسب تسامي الناس يف العبادة‬
‫‪.‬‬
‫فمثبل سئل اإلمام علي رضي اهلل‬
‫عنه عن حق ا‪ٞ‬تار؟ قال ‪ :‬تعلمون‬
‫أنك ال تؤذيه؟ قالوا نعم ‪ . .‬قال‬
‫وأن تصُب عَل أذاه ‪ . .‬فكأنه لؼس‬
‫مطلوبا منك فقط أال تؤذي جارك‬
‫بل تصُب عَل أذاه ‪ . .‬والصُب هو‬
‫الذي يعؼنك عَل أن تفعل ما أمرك‬
‫اهلل به وال تفعل ما هناك عنه ‪.‬‬
‫إن اهلل منعك من أشياء هي من‬
‫شهوات النفس وأمرك بأشياء فيها‬
‫مشقة وهذه ‪٤‬تتاجة إىل الصُب ‪. .‬‬
‫وأنت أن أخذت منهج اهلل تعبدا ً‬
‫ستأخذه فيما بعد عادة ‪ .‬يقول أحد‬
‫الصا‪ٟ‬تُت يف دعائه ‪ :‬اللهم إين‬
‫أسألك أال تكلٍت إىل نفسي فإين‬
‫أخىش يا رب أال تثيؽٍت عَل الطاعة‬
‫ألنٍت أصبحت أشتهيها فسبحانك‬
‫أمرتنا أن ‪٨‬تارب شهواتنا ‪ . .‬انظر‬
‫إىل الطاعة من كثرة حب اهلل‬
‫أصبحت مرغوبة ‪٤‬تؽبة إىل النفس‪.‬‬
‫‪ .‬رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫كان يقول لببلل ساعة اآلذان ‪:‬‬
‫« أرحنا بها يا ببلل »‬
‫ولم يقل كما يقول بعض الناس‬
‫والعياذ باهلل أرحنا منها؛ ذلك أن‬
‫هناك من يقول لك أن الصبلة‬
‫تكون عَل كتفي مثل ا‪ٞ‬تبل وأرتاح‬
‫‪ ،‬نقول له أنت ترتاح بها وال ترتاح‬
‫منها؛ ألنك وقفت بُت يدي اهلل‬
‫ا‪١‬تكلف ‪ ،‬ومادام اإلنسان واقفا‬
‫أمام ربه فكل أمر شاق يصبح سهبل‬
‫‪.‬‬
‫يقول أحد العابدين ‪ :‬أنا ال أواجه‬
‫اهلل بعبودييت ولكن أواجهه‬
‫بربوبؼته فأرتاح ألنه رّب ورب‬
‫العا‪١‬تُت ‪ . .‬الذي له أب يعؼنه ال‬
‫٭تمل ‪٫‬تا فما بالك بالذي له رب‬
‫يعؼنه وينصره ‪.‬‬
‫قول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ { :‬إ َِّن اهلل َم َع‬
‫الصابرين} أي أنه يطلب منك‬
‫أن تواجه ا‪ٟ‬تياة يف معية اهلل؛ فأنت‬
‫لو واجهت ا‪١‬تشكبلت يف معية من‬
‫تثق يف قوته تواجه األمور بشجاعة‬
‫فما بالك إذا كنت يف معية اهلل وكل‬
‫شيء يف الوجود خاضع هلل ‪ ،‬أ‪٬‬ترؤ‬
‫شيء أن يقف أمامك وأنت مع اهلل؟‬
‫إن األحداث ال ٘تؤل ا‪٠‬تلق بالفزع‬
‫وا‪٢‬تلع إال ساعة االنفبلت من‬
‫حضانة ربهم ‪ . .‬وإ‪٪‬تا من يعؼش‬
‫يف حضانة ربه ال ‪٬‬ترؤ عليه‬
‫الشيطان فالشيطان خناس ‪ . .‬ما‬
‫معٌت خناس؟ إذا سهوت عن اهلل‬
‫اجًتأ عليك وإذا ذكرت اهلل خنس‬
‫وضعف؛ فهو ال قوة له ‪ . .‬وهو ال‬
‫يدخل مع اهلل سبحانه وتعاىل يف‬
‫معركة ‪ ،‬وإ‪٪‬تا يدخل مع خلق اهلل‬
‫الذين ينسون اهلل ويؽتعدون عنه‬
‫يقول القرآن الكريم ‪:‬‬
‫‪ٚ‬ت ِعي َن‬ ‫ال فَبِعِ َّزتِ َ‬
‫ك ألُ ْغ ِويَنَّ ُه ْم أ َ ْ َ‬ ‫{ قَ َ‬
‫ك ِمن ْ ُه ُم ا‪١‬تخلصُت } ػ‬ ‫* إِال َّ ِعبَادَ َ‬
‫ص ‪] 83-82 :‬‬
‫ومادام اهلل سبحانه وتعاىل مع‬
‫الصابرين فبلبد أن نعشق الصُب ‪.‬‬
‫‪ .‬وكيف ال نعشق ما ‪٬‬تعل اهلل معنا؟‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق جل جبلله يف ا‪ٟ‬تديث‬
‫القدسي ‪:‬‬
‫« يا ابن آدم مرضت فلم تعدين‬
‫قال ‪ :‬يا رب وكيف أعودك وأنت‬
‫رب ي‬
‫العالمن؟ قال ‪ :‬أما علمت أن‬
‫عبدي فبلنا ًمرض فلم تعده؟ أما‬
‫علمت أنك لو عدته لوجدتٍت عنده‬
‫» يقول بعض الصا‪ٟ‬تُت ‪ :‬اللهم إين‬
‫استحي أن أسألك الشفاء والعافية‬
‫حىت ال يكون ذلك زهدا يف معؼيت‬
‫لك ‪ . .‬إذن البد أن نعشق الصُب‬
‫ألنه ‪٬‬تعلنا دائما ًيف معية اهلل ‪.‬‬
‫اهلل سبحانه وتعاىليقول ‪ { :‬إ َِّن اهلل‬
‫َم َع الصابرين} ‪ . .‬و‪٨‬تن نريد أن‬
‫يكون اهلل سبحانه معنا دائما ‪ . .‬إن‬
‫هذه اآلية ال ٕتعل اإلنسان ييأس‬
‫مهما لىق يف حركة حياته من‬
‫ا‪١‬تشقة ‪.‬‬
‫ِيل َ ِ‬
‫اّلل‬ ‫ِ‬ ‫ؽ‬ ‫س‬ ‫يف‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ق‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫و َال تَ ُقولُوا ِ‬
‫‪١‬ت‬
‫ّ‬ ‫َُْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ع‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫ات ب ْل أَحياء ول َ ِ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ون‬
‫ُ َ‬‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫أ ْم َو ٌ َ ْ َ ٌ َ‬
‫(‪)154‬‬
‫ا‪ٟ‬تق جل جبلله يعلم أن أحداث‬
‫اإلٯتان وخصوم اإلٯتان‬
‫سيواجهون ا‪١‬تسلمُت ٔتشقة‬
‫عنيفة ‪ . .‬ال ْتددهم يف أموا‪٢‬تم‬
‫فقط ولكن ْتددهم يف نفوسهم ‪،‬‬
‫فأراد اهلل عز وجل أن يعطي‬
‫ا‪١‬تؤمنُت مناعة ضد هذه األحداث‬
‫‪ . .‬وأوصاهم بالصُب والصبلة‬
‫يواجهون بها كل حدث يهزهم‬
‫بعنف ‪ . .‬قال ‪٢‬تم إن ا‪١‬تسألة قد‬
‫تصل إىل القتل ‪ . .‬إىل االستشهاد يف‬
‫سؽيل اهلل ‪ .‬وأراد أن يطمػنهم‬
‫بأن الشهادة هي أعَل مرتبة إٯتانية‬
‫يستطيع اإلنسان ا‪١‬تؤمن أن يصل‬
‫إليها يف الدنيا فقال سبحانه ‪َ { :‬وال َ‬
‫تَ ُقولُوا ْ ِ‪١‬ت َ ْن يُقْت َ ُل ِيف َس ِ‬
‫ؽيل اهلل‬
‫ات } ‪.‬‬ ‫أ َ ْم َو ٌ‬
‫إن القتل هو أشد ما ٯتكن أن يقع‬
‫عَل اإلنسان ‪ . .‬فأنت تصاب يف‬
‫مالك أو يف ولدك أو يف رزقك أو يف‬
‫صحتك ‪ ،‬أما أن تصاب يف نفسك‬
‫فتقتل فهذه هي ا‪١‬تصؼبة الكُبى ‪.‬‬
‫وت مصؼبة‬ ‫‪ٝ‬تَى ا‪١‬ت َ‬ ‫‪ .‬واهلل سبحانه َ ّ‬
‫واقرأ قوله تعاىل ‪ { :‬إ ِْن أ َ ُنت ْم‬
‫َض َرب ْ ُت ْم ِيف األرض فَأ َ َصابَت ْ ُكم‬
‫ُّم ِصؼب َ ُة ا‪١‬توت } ػ ا‪١‬تائدة ‪106 :‬‬
‫]‬
‫اهلل تبارك وتعاىل أراد أن يفهم‬
‫ا‪١‬تؤمنون أن الذي يقتل يف سؽيل‬
‫اهلل ال ٯتوت ‪ . .‬وإ‪٪‬تا يعطيه اهلل‬
‫لونا جديدا من ا‪ٟ‬تياة فيه من النعم‬
‫ما ال يعد وال ٭تىص ‪ .‬يقول جل‬
‫جبلله ‪َ { :‬وال َتَ ُقولُوا ْ ِ‪١‬ت َ ْن يُ ْقت َ ُل ِيف‬
‫ات ب َ ْل أ َ ْحي ٌاء ول َ ِكن ال َّ‬ ‫ؽيل اهلل أ َ ْم َو ٌ‬
‫َس ِ‬
‫َ َ‬
‫تَ ْش ُع ُر َ‬
‫ون } ‪.‬‬
‫ما هو مظهر ا‪ٟ‬تياة اليت يعيشوهنا؟‬
‫ا‪ٟ‬تياة عندنا مظهرها ا‪ٟ‬تركة ‪،‬‬
‫والذي قتل يف سؽيل اهلل ما هي‬
‫حركته؟ حركته بالنسبة لغَت‬
‫ا‪١‬تؤمنُت خصوم اإلسبلم واإلٯتان‬
‫بأنه لن يسلب منه ا‪ٟ‬تياة ‪ . .‬ألنه‬
‫سيذهب إىل حياة أسعد وا‪١‬توت‬
‫ينقلإىل خَت ‪٦‬تا هو يعؼش فيه ‪. .‬‬
‫ه‬
‫فإذا كان الكفار قد قتلوه فهم لم‬
‫يسلبوه شؼئا وإ‪٪‬تا نقلوه إىل نعمة‬
‫أكُب ‪٦‬تا كان يعؼش فيها ‪ . .‬أما‬
‫بالنسبة للمؤمنُت فإنه سيحمي‬
‫‪٢‬تم منهج اهلل ليصل إليهم إىل أن‬
‫تقوم الساعة ‪.‬‬
‫إن كل ا‪١‬تعارك اليت يستشهد فيها‬
‫ا‪١‬تؤمنون إ‪٪‬تا هي سلسلة متصلة‬
‫‪ٟ‬تماية حركة اإلٯتان يف الوجود ‪. .‬‬
‫وعظمة ا‪ٟ‬تياة لؼست يف أن أٖترك‬
‫أنا ولكن أن اجعل َمن بعدي‬
‫يتحرك ‪ . .‬وا‪١‬تؤمن حُت يستشهد‬
‫يبىق أثره يف الوجود لكل حركة من‬
‫متحرك بعده‪ . .‬فكل حركة‬
‫‪ٟ‬تماية اإلٯتان تستشهد به ؤتا‬
‫فعله وتأخذ من سلوكه اإلٯتاين‬
‫دافعا لتقاتل وتسؾشهد ‪ .‬فكأن‬
‫ا‪ٟ‬تركة متصلة والعملية متصلة‪. .‬‬
‫أما الكافر فإن ا‪ٟ‬تياة تنتهي عنده‬
‫با‪١‬توت ولكن تنتظره حياة أخرى‬
‫حؼنما يبعث اهلل الناس ‪ٚ‬تيعا ثم‬
‫يأيت با‪١‬توت فيموت ‪ . .‬وحُت‬
‫ٯتوت ا‪١‬توت تصبح ا‪ٟ‬تياة ببل موت‬
‫إما يف ا‪ٞ‬تنة وإما يف النار ‪.‬‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل يريدنا أن نعلم‬
‫أن من يقتل يف سؽيل اهلل هو حي‬
‫عند ربه ينتقل من ا‪ٟ‬تياة الدنيا إىل‬
‫ا‪ٟ‬تياة اآلخرة مباشرة ‪.‬‬

‫‪ .‬وال يكتب عليه ا‪١‬توت يف حياة‬


‫الُبزخ حىت يوم القيامة مثل من‬
‫ٯتوت مؼتة طؽيعية وال ٯتوت‬
‫شهيدا ‪ . .‬وألن هذه ا‪ٟ‬تياة حياة‬
‫الشهداء أخىف اهلل سبحانه عنا‬
‫تفاصيلها ألهنا من حياة اآلخرة ‪. .‬‬
‫وهي غيب عنا قال تبارك وتعاىل ‪:‬‬
‫ِ‬
‫{ َولَكن ال َّتَ ْش ُع ُر َ‬
‫ون } ‪ . .‬ومادمنا‬
‫ال نشعر بها فبلبد أن تكون حياة‬
‫أعَل من حياتنا الدنيوية ‪.‬‬
‫الذي استشهد يف عرف الناس‬
‫سلب نفسه ا‪ٟ‬تياة ولكنه يف عرف‬
‫اهلل أخذ حياة جديدة ‪ . .‬و‪٨‬تن حُت‬
‫نفتح قُب أحد الشهداء ‪٧‬تد جسد ه‬
‫كما هو فنقول إنه ميت أمامنا ‪. .‬‬
‫البد أن تتنبه إنك ‪ٟ‬تظة فتحت‬
‫عليه انتقل من عالم الغيب إىل‬
‫عالم الشهادة واهلل سبحانه قال ‪{ :‬‬
‫أ َ ْحي َ ٌاء ِعن َد َر ِبّ ِه ْم } ولم يقل أحياء‬
‫يف عالم الشهادة‪ . .‬فهو حي مادام‬
‫يف عالم الغيب ولكن أن تفتح‬
‫وتكشف ٕتده جسدا يف قُبه ألنه‬
‫انتقل من عالم الغيب إىل عالم‬
‫الشهادة ‪ . .‬أما كيف؟ قلنا إن‬
‫الغيب لؼس فيه كيف ‪ . .‬لذلك لن‬
‫تعرف ولؼس مطلوبا منك أن‬
‫تعرف ‪.‬‬
‫إننا حُت ‪٧‬تري عملية جراحية‬
‫‪١‬تريض يعطيه الطؽيب ( الؽنج )‬
‫لكي يفقده الوعي وا‪ٟ‬تس ولكن ال‬
‫يعطيه له ليموت ثم يبدأ ‪٬‬تري‬
‫العملية فبل يشعر ا‪١‬تريض بشيء‬
‫من األلم ‪.‬‬
‫فا‪١‬تادة ال ٖتس ألهنا هي اليت أجريت‬
‫عليها العملية وا‪ٞ‬تسد الزال فيه‬
‫ا‪ٟ‬تياة من نبض وتنفس ولكنه ال‬
‫٭تس ‪ . .‬ولكن النفس الواعية اليت‬
‫غابت هي اليت ٖتس باأللم ‪.‬‬
‫أنت عندما يكون هناك ألم يف‬
‫جسدك وتنام ينقطع اإلحساس‬
‫باأللم فكأن األلم لؼس مسألة‬
‫عضوية ولكنه مرتبط بالوعي ‪. .‬‬
‫فعند النوم تنتقل إىل عالم آخر‬
‫قوانؼنه ‪٥‬تتلفة ‪ . .‬والعلماء فحصوا‬
‫مخ اإلنسان وهو نائم فوجدوا أنه‬
‫ال يستطيع أن يعمل أكثر من سبع‬
‫ثوان يرى فيها رؤيا يظل ٭تكيها‬
‫ساعات ‪ . .‬فإذا قال ا‪ٟ‬تق تبارك‬
‫وتعاىل ‪ « :‬إهنم أحياء عند ربهم »‬
‫‪ . .‬فبلبد أن نأخذ هذه ا‪ٟ‬تياة عَل‬
‫أهنا بقدرات اهلل ومن عنده ‪. .‬‬
‫واهلل عز وجل أراد أن يقرب لنا‬
‫مسألة البعث والقيامة مثل مسألة‬
‫النوم ‪.‬‬
‫واقرأ قول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬
‫ُت َم ْو ِْتَا واليت‬ ‫ِ‬
‫اهلل يَت َ َو َّىف األنفس ح َ‬
‫ك اليت‬ ‫ل َ ْم َ٘ت ُ ْت ِيف َمنَا ِمهَا فَي ُ ْم ِس ُ‬
‫قىض عَلَيْهَا ا‪١‬توت َويُ ْر ِس ُل األخرى‬
‫إىل أ َ َج ٍل ُّم َس ًّىم } ػ الزمر ‪] 42 :‬‬
‫فكأن ا‪ٟ‬تق جل جبلله يعطي‬
‫الشهداء حياة دائمة خالدة ألهنم‬
‫ماتوا يف سؽيله ‪ . .‬ومادام تعاىل قال‬
‫‪ « :‬ال تشعرون » فبل ٖتاول أن‬
‫تدركها بشعورك وحسك ألنك‬
‫لن تدركها عَل أن الشهيد البد أن‬
‫يقتل يف سؽيل اهلل ويلس ألي‬
‫غرض دنيوي ‪ . .‬وإ‪٪‬تا لتكون‬
‫كلمة اهلل هي العليا ‪.‬‬
‫َولَنَبْل ُ َون َّ ُك ْم ِب َش ْيءٍ ِم َن ا‪٠‬تْ َ ْو ِف‬
‫َوا‪ٞ‬تُْو ِع َونَق ٍْص ِم َن ْاأل َْم َو ِال‬
‫ات َوب َ ِّش ِر‬
‫و ْاألَن ْ ُف ِس والث ّ ََم َر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الصابِرِي َن (‪)155‬‬ ‫َّ‬
‫نعرف أن ‪٣‬ترد االبتبلء لؼس شرا ‪،‬‬
‫ولكن الشر هو أن تسقط يف االبتبلء‬
‫‪ ،‬فكل ابتبلء هو اخؾبار وامتحان ‪،‬‬
‫ولم يقل أحد ‪ :‬إن االمتحانات شر‬
‫‪ ،‬إهنا تصَت شرا ًمن وجهة نظر‬
‫الذي لم يتحمل مشاق العمل‬
‫للوصول إىل النجاح ‪ ،‬أما الذي بذل‬
‫ا‪ٞ‬تهد وفاز با‪١‬تركز األول ‪،‬‬
‫فاالمتحانات خَت بالنسبة له ‪ ،‬إذن‬
‫فقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬ولَنَبْل ُ َون َّ ُك ْم } أي‬
‫سنصنع لكم امتحانا ًيصفي البطولة‬
‫للعقيدة ا‪ٞ‬تديدة ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه قد ذكر لنا قبل هذه‬
‫اآلية قمة االبتبلءات؛ وهي أن‬
‫ينال اإلنسان االستشهاد يف سؽيل‬
‫اهلل ‪ ،‬وذكر ثواب الشهيد ‪ ،‬وهو‬
‫البقاء عَل هؼئة من ا‪ٟ‬تياة عند ربه ‪،‬‬
‫وكان ذلك مقدمة لبلبتبلءات‬
‫األقل ‪ ،‬فقمة االبتبلء يف حدود‬
‫إدراكنا هي فقد ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وأراد ا‪ٟ‬تق‬
‫أن يعطي ا‪١‬تؤمنون مناعة فيما دون‬
‫ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬مناعة من ا‪٠‬توف وا‪ٞ‬توع‬
‫ونقص األموال واألنفس‬
‫والثمرات ‪ .‬وكل ما دون حياة الفرد‬
‫هو أمر تريف بالنسبة لفقد ا‪ٟ‬تياة‬
‫نفسها ‪ ،‬فمن لم يفقد حياته ‪،‬‬
‫فستأيت له ابتبلءات فيما دون‬
‫حياته وه ي ابتبلءات ا‪٠‬توف‬
‫وا‪ٞ‬توع ونقص األموال ‪ ،‬ونقص يف‬
‫عدد األخوة ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬وكذلك‬
‫نقص يف الثمرات ‪ ،‬وكل هذه أشياء‬
‫٭تبها اإلنسان ‪ ،‬ويأيت التكليف‬
‫ليطلب من ا‪١‬تؤمن أن يًتك بعضا‬
‫‪٦‬تا ٭تب ‪ ،‬وتلك االبتبلءات تدخل‬
‫يف نطاق بقاء التكليف ‪.‬‬
‫وأول تلك االبتبلءات هو ا‪٠‬توف ‪،‬‬
‫وا‪٠‬توف هو انزعاج النفس وعدم‬
‫اطمػناهنا من توقع شيء ضار ‪،‬‬
‫فالنفس ‪٢‬تا ملكات متعددة ‪ ،‬وعندما‬
‫يصؼبها ا‪٠‬توف ‪ ،‬فهي تعاين من عدم‬
‫االنسجام ‪ ،‬وا‪٠‬توف خ ٌ‬
‫ور ال‬
‫ضرورة له ‪ ،‬ألنك إذا كنت تريد أن‬
‫تؤمن نفسك من أمر ُٮتيفك ‪،‬‬
‫فأنت ٖتتاج إىل أن ٕتتهد بأسبابك‬
‫لتعوق هذا الذي ُٮتيفك ‪ ،‬أما إن‬
‫اسؾسلمت لبلنزعاج ‪ ،‬فلن‬
‫تستطيع مواجهة األمر ا‪١‬تخيف‬
‫بكل ملكاتك ‪ ،‬ألنك ستواجهه‬
‫ببعض من ا‪١‬تلكات ا‪٠‬تائرة‬
‫ا‪١‬تضطربة ‪ ،‬بؼنما أنت ٖتتاج إىل‬
‫استقرار ا‪١‬تلكات النفسية ساعة‬
‫ا‪٠‬توف؛ حىت تستطيع أن ٘تد‬
‫نفسك ٔتا يؤمنك من هذا ا‪٠‬توف ‪.‬‬
‫أما إن زاد انزعاجك عن ا‪ٟ‬تد ‪،‬‬
‫فأنت بذلك تكون قد أعنت‬
‫مصدر ا‪٠‬توف عَل نفسك؛ ألنك‬
‫لن تواجه األمر ّتميع قواك ‪ ،‬وال‬
‫ّتميع تفكَتك ‪.‬‬
‫إذن فالذي ٮتاف من ا‪٠‬توف؛ نقول‬
‫له ‪ :‬أنت معُت ‪١‬تصدر ا‪٠‬توف عَل‬
‫نفسك ‪ ،‬وخوفك وانزعاجك لن‬
‫ٯتنع ا‪٠‬توف ‪ ،‬ولذلك البد لك من‬
‫أن تنشغل ٔتا ٯتنع األمر ا‪١‬تخوف ‪،‬‬
‫ودع األمر ا‪١‬تخوف إىل أن يقع ‪ ،‬فبل‬
‫تعش يف فزعه قبل أن يأتيك ‪ ،‬فآفة‬
‫الناس أهنم يعيشون يف ا‪١‬تصائب‬
‫قبل وقوعها ‪ ،‬وهم بذلك يطيلون‬
‫عَل أنفسهم أمد ا‪١‬تصائب ‪ .‬إن‬
‫ا‪١‬تصؼبة قد تأيت مثبل بعد شهر ‪،‬‬
‫فلماذا تطيل من عمر ا‪١‬تصؼبة‬
‫بالتوجس منها والرهبة من‬
‫مواجهتها؟ إنك لو تركتها إىل أن‬
‫تقع؛ تكون قد قصرت مسافتها ‪.‬‬
‫ولك أن تعرف أن ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل ساعة تأيت ا‪١‬تصؼبة فهو‬
‫بر‪ٛ‬تته يزنل معه اللطف ‪ ،‬فكأنك‬
‫إن عشت يف ا‪١‬تصؼبة قبل أن تقع ‪،‬‬
‫فأنت تعؼش يف ا‪١‬تصؼبة وحدها‬
‫معزولة عن اللطف ا‪١‬تصاحب ‪٢‬تا ‪،‬‬
‫لكن لو ظللت صابرا ً‪٤‬تؾسبا ًقادرا ً‬
‫عَل مواجهة أي أمر صعب ‪ ،‬فأنت‬
‫لن تعؼش يف ا‪١‬تصؼبة بدون اللطف ‪.‬‬

‫لقد كانت الدعوة إىل اهلل باإلسبلم‬


‫ما زالت وليدة ‪ ،‬لذلك كان البد من‬
‫إعداد القدوة ا‪١‬تؤمنة إعدادا ًقويا ً‪،‬‬
‫وكان ا‪٠‬توف متوقعا ً‪ ،‬ألن خصوم‬
‫الدعوة يكيدون ‪٢‬تا ويُبَؼتون ‪،‬‬
‫وهذا هو االبتبلء ‪ .‬وما ا‪١‬تراد من‬
‫ا‪١‬تؤمن حُت يواجه ابتبلء اٍفوف؟‬
‫إن عليه أن ‪٬‬تعل من ا‪٠‬توف ذريعة‬
‫الستكمال األسباب اليت ٘تنع وقوع‬
‫األمر ا‪١‬تخوف ‪ ،‬فإن صنع ذلك‬
‫يكون قد ‪٧‬تح يف هذا االبتبلء ‪.‬‬
‫ونأيت إىل االبتبلء الثاين يف هذه اآلية‬
‫الكرٯتة ‪ ،‬وهو ا‪ٞ‬توع ‪ .‬إن ا‪ٞ‬توع‬
‫شهوة غالبة إىل الطعام ‪ ،‬وهو‬
‫ضروري السؾبقاء ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬ومن‬
‫ر‪ٛ‬تة ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫باإلنسان أن ضمن له يف ذاته غذاء‬
‫يدخره من وقت رخائه لؼنفعه‬
‫وقت شدته ‪ .‬فاإلنسان ٭تتفظ‬
‫بالغذاء الزائد عَل صورة شحم‬
‫و‪ٟ‬تكم ‪ ،‬وحُت ‪٬‬توع وال ‪٬‬تد طعاما ً‬
‫‪ ،‬فهو يأخذ من هذا الشحم ‪ ،‬فإذا‬
‫انتىه الشحم ‪ ،‬فهو يأخذ من‬
‫اللحم ‪ ،‬وإذا انتىه اللحم يأخذ‬
‫ا‪ٞ‬تسم غذاءه من العظم ‪ ،‬من أجل‬
‫أن يسؾبىق اإلنسان ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬
‫واإلنسان مكون من أجهزة متعددة‬
‫‪ ،‬وسيد هذه األجهزة ا‪١‬تخ ‪،‬‬
‫ومادامت ا‪ٟ‬تياة موجودة يف خبليا‬
‫ا‪١‬تخ فإن كل شيء فيك جاهز‬
‫للعمل ‪ ،‬لكن إذا ماتت هذه ا‪٠‬تبليا‬
‫‪ ،‬انتىه كل شيء ‪ ،‬وذلك هو السبب‬
‫يف أن يقال ‪ :‬إن فبلنا ًمات ثم‬
‫أعطوه دواء معؼنا فعادت إليه ا‪ٟ‬تياة‬
‫‪ .‬إهنم يؾناسون ا‪ٟ‬تقيقة العلمية‬
‫ا‪١‬تؤكدة ‪ ،‬وهي أن ا‪ٟ‬تياة ال تغادر‬
‫اإلنسان إال إذا توقف ا‪١‬تخ عن‬
‫العمل ‪ ،‬ولذلك فهناك إنسان قد‬
‫يتوقف قلبه فيعا‪ٞ‬ته األطباء بصدمة‬
‫كهربية تعيد تشغيل القلب ‪ ،‬أو‬
‫يشقون الصدر لتدليك القلب ‪.‬‬
‫لكن إذا ماتت خبليا ا‪١‬تخ فهذا هو‬
‫ا‪١‬توت ‪ .‬فأجهزة ا‪ٞ‬تسم كلها يف‬
‫خدمة ذلك السيد وهو ا‪١‬تخ ‪.‬‬
‫ومن العجيب أنك ٕتد سيد‬
‫اإلنسان وهو ا‪١‬تخ يف قمته ‪،‬‬
‫وا‪ٟ‬تيوانات كذلك ‪٥‬تها يف قمتها ‪،‬‬
‫أما النبات فسيده يف جذوره ‪،‬‬
‫فالورق يذبل أوال ‪ ،‬ثم ٖتف‬
‫األغصان الرفيعة ‪ ،‬ثم ا‪ٞ‬تذع ‪،‬‬
‫و‪٬‬تف ا‪ٞ‬تذر يف النهاية عندما ال‬
‫يأتيه بعض ا‪١‬تاء ‪ ،‬وعندما يأيت‬
‫بعض ا‪١‬تاء إىل ا‪ٞ‬تذور يف الوقت‬
‫ا‪١‬تناسب فهي تعود إىل االخضرار ‪،‬‬
‫وتنمو وتعود إليها ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وكذلك‬
‫ا‪١‬تخ يف اإلنسان ‪ ،‬فساعة ينهي‬
‫اإلنسان ‪٥‬تزونه من شحمه ومن‬
‫‪ٟ‬تمه ويتغذى عَل العظام ‪ ،‬فإنقاذه‬
‫يأيت من إيصال الغذاء إىل ا‪١‬تخ ‪.‬‬
‫ولذلك قالت ا‪١‬ترأة العربية اليت لم‬
‫تكن تعرف التشريح ‪٨ « :‬تن مرت‬
‫علؼنا سنون ‪ ،‬سنة أذابت الشحم ‪،‬‬
‫وسنة َ‪٤‬تَقَ ْت اللحم ‪ ،‬وسنة ‪٤‬تت‬
‫العظم » ‪.‬‬
‫و‪٬‬تب أن نفهم أن ا‪ٞ‬توع ُ٭ت ّ ِسن لنا‬
‫كل رزق يف ا‪ٟ‬تياة؛ فإنك إن كنت‬
‫جوعان صار كل طعام شهيا ً‪،‬‬
‫والذي يرغم الناس عَل إعداد‬
‫ألوان ‪٥‬تتلفة من األطعمة؛ إ‪٪‬تا هو‬
‫عدم ا‪ٞ‬توع؛ فاإلنسان يريد أن‬
‫يُ ِّ‬
‫شهي لنفسه ليأكل ‪ ،‬لكنه لو كان‬
‫جوعان لكفاه أي طعام ‪ ،‬ولذلك‬
‫قالوا ‪ « :‬طعام ا‪ٞ‬تائع هنئ وفراش‬
‫ا‪١‬تتعب وطئ » ‪.‬‬
‫فساعة يكون اإلنسان متعبا فهو‬
‫ينام عَل أرض خشنة؛ ويستغرق يف‬
‫النوم ‪ ،‬وإن لم يكن اإلنسان متعبا‬
‫‪ ،‬فهو يظل يتقلب يف الفراش حىت‬
‫ولو كان من الديباج ‪.‬‬
‫إذن فابتبلء ا‪ٞ‬توع هو أن تصُب عَل‬
‫الضروري من الطعام الذي يقيم‬
‫لك ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وأنت تأكله كوقود‬
‫‪ٟ‬تركة ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وال تأكله التذاذا ‪،‬‬
‫وحُت يقتات اإلنسان ليضمن‬
‫لنفسه وقود ا‪ٟ‬تياة فأي طعام يكفيه‬
‫‪ .‬ولذلك شرع اهلل الصوم لنصُب‬
‫عَل أذى ا‪ٞ‬توع ‪ ،‬ألن ا‪١‬تؤمنُت قد‬
‫تضطرهم معركة ما ألن يعيشوا‬
‫فيها ساعات طويلة دون طعام ‪ ،‬فإن‬
‫لم يكونوا مدربُت عَل ٖتمل قسط‬
‫من ا‪ٞ‬توع فسيخورون ويتعبون ‪.‬‬
‫إذن فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬
‫يعد ا‪١‬تؤمن إعدادا كافيا كامبل ‪،‬‬
‫فا‪١‬تؤمن يواجه ا‪٠‬توف فؼستعد ‪،‬‬
‫ويواجه ا‪ٞ‬توع فيأخذ من قوت‬
‫ا‪ٟ‬تياة بقدر الضرورة ‪.‬‬
‫ولذلك ٕتد أن ا‪١‬تجتمعات تواجه‬
‫متاعب االقتصاد بالتقشف ‪ ،‬ولكن‬
‫بعض ا‪١‬تجتمعات ال تستطيع ذلك ‪،‬‬
‫فتجد الناس يف تلك ا‪١‬تجتمعات ال‬
‫تتقشف ‪ ،‬و‪٢‬تذا نقول ‪١‬تن يعؼش‬
‫حياة الًتف ‪ :‬أنت ال تعد نفسك‬
‫اإلعداد البلزم ‪١‬تواجهة تقلبات‬
‫الزمن ‪.‬‬
‫وأقول كما قال إبراهيم بن أدهم ‪:‬‬
‫وإذا غبل شيء عل َّي تركته ‪...‬‬
‫فيكون أرخص ما يكون إذا غبل‬
‫إن أي شيء إذا غبل سعره ‪ ،‬ال‬
‫يشًتيه ‪ ،‬ويًتكه ‪ ،‬فيكون أرخص‬
‫شيء ألنه لن يدفع فيه ماال ليشًتيه‬
‫‪.‬‬
‫وأما االبتبلء الثالث وهو نقص‬
‫األموال فمصدره أن ا‪١‬تؤمنُت‬
‫سينشغلون عن حياْتم بأمر‬
‫الدعوة ‪ ،‬وإذا ما شغلوا عن حركة‬
‫ا‪ٟ‬تياة ‪١‬تواجهة العدو فسيضطرون‬
‫إىل التضحية ْتركة ا‪ٟ‬تياة اليت تنتج‬
‫ا‪١‬تال ولذلك تنقص األموال ‪ ،‬ألن‬
‫حركتهم يف ا‪ٟ‬تياة توجهت إىل‬
‫مقاومة خصوم اهلل ‪ .‬وكذلك‬
‫سيواجهون العدو مقاتلُت؛ وقد‬
‫يستشهد منهم عدد ‪ .‬وأخَتا ً‬
‫يواجهون نقص الثمرات ‪،‬‬
‫والثمرات هي الغاية من كل عمل‬
‫‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حُت يعدنا‬
‫هذا اإلعداد ‪ ،‬فإذا ‪٧‬تحنا فيه تكون‬
‫لنا البشرى ‪ ،‬ألننا صُبنا عَل كل‬
‫هذه ا‪١‬تنغصات ‪ :‬صُب عَل ا‪٠‬توف ‪،‬‬
‫وصُب عَل ا‪ٞ‬توع ‪ ،‬وصُب عَل نقص‬
‫األموال ‪ ،‬وصُب عَل نقص األنفس‬
‫‪ ،‬وصُب عَل نقص الثمرات ‪.‬‬
‫إذن فا‪١‬تهم أن ينجح ا‪١‬تؤمن يف كل‬
‫هذه االبتبلءات؛ حىت يواجه ا‪ٟ‬تياة‬
‫صلبا؛ ويواجه ا‪ٟ‬تياة قويا ‪ .‬ويعلم‬
‫أن ا‪ٟ‬تياة معُب ‪ ،‬وال يشغله ا‪١‬تعُب عن‬
‫الغاية؛ ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ { :‬الذين إِذَآ أ َ َصابَت ْ ُهم‬
‫ّلل َوإِن َّآ إِلَي ْ ِه‬
‫ُم ِصؼب ٌة قَالُوا ْإِن َّا َ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ َ‬
‫ِ‬
‫ون }‬ ‫َراج ُع َ‬
‫ال َّ ِذي َن إِذَا أ َ َصابَت ْ ُه ْم ُم ِصؼب َ ٌة قَالُوا إِن َّا‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ون (‪)156‬‬ ‫َّّلل َوإِن َّا إِلَيْه َراج ُع َ‬
‫وا‪١‬تصؼبة هي األمر الذي ينال‬
‫اإلنسان منه ا‪١‬تشقة واأللم ‪ ،‬وهي‬
‫مأخوذة من إصابة ا‪٢‬تدف ‪.‬‬
‫وا‪١‬تؤمن يستقبل ا‪١‬تصؼبة واثقا أهنا‬
‫عَل قدر إيبلمها يكون الثواب‬
‫عليها ‪ ،‬ولذلك عندما فرح الكفار‬
‫ٔتا يصيب ا‪١‬تسلمُت يف بعض‬
‫ا‪١‬تعارك ‪ ،‬أنزل اهلل ذلك القول‬
‫ا‪ٟ‬تق للمؤمنُت ‪ُ { :‬قل لَّن يُ ِصيؽَنَآ‬
‫ب اهلل لَنا } ػ التوبة ‪51 :‬‬ ‫إِال َّ َما َكت ََ‬
‫]‬
‫أي قولوا أيها ا‪١‬تؤمنون ‪٢‬تؤالء‬
‫ا‪ٟ‬تمىق من الكافرين ‪ :‬إنه لن ٭تدث‬
‫لنا إال ما كؾبه اهلل ‪.‬‬
‫وعندما نتأمل قوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬ما‬
‫ب اهلل لَنا } أي أن ا‪١‬تسألة‬‫كَت َ َ‬
‫ستكون ‪ٟ‬تسابنا ‪ ،‬وسنأخذ عليها‬
‫حسن الثواب من اهلل ‪ ،‬ولم يقل‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪ :‬كتب اهلل علؼنا ‪ ،‬ألهنا لو‬
‫كانت كذلك لكان معناها أهنا جزاء‬
‫وعقاب من اهلل ‪.‬‬
‫وأي أمر يصيب اإلنسان ‪ ،‬إما أن‬
‫يكون له دخل فيه ‪ ،‬وعند ذلك ال‬
‫يصح أن ‪٬‬تزع ألنه هو الذي جاء‬
‫باألمر ا‪١‬تؤلم لنفسه ‪ ،‬وإما أن‬
‫تكون مصؼبة ال دخل له بها ‪،‬‬
‫وحدثت له من غَته مثبل ‪ ،‬وعند‬
‫ذلك عليه أن يبحث عن سؽبها ‪:‬‬
‫أعدال أم ظلما؟ إن كانت عدال فهي‬
‫قد جُبت الذنب ‪ ،‬وإن كانت ظلما‬
‫فسوف يقتص اهلل له ‪٦‬تن ظلمه ‪.‬‬
‫وعَل هذا اف‪١‬تؤمن يف كلتا ا‪ٟ‬تالتُت‬
‫رابح ‪.‬‬
‫إذن فا‪١‬تؤمن يستقبل كل مصؼبة‬
‫متوقعا أن يأيت له منها خَت ‪ .‬وعَل‬
‫كل مؤمن أن يقيم نفسه تقؼيما‬
‫حقيقيا ‪ « ،‬هل يل عَل اهلل حق؟ أنا‬
‫‪٦‬تلوك اهلل ولؼس يل حق عنده ‪ ،‬فما‬
‫‪٬‬تريه علي فهو ‪٬‬تريه يف ملكه هو »‬
‫‪ .‬ومن ال يعجبه ذلك فلؼتأب عَل أي‬
‫مصيبة؛ ويقول ‪٢‬تا ‪ « :‬ال تصيبؼٍت‬
‫» ‪ ،‬ولن تستطيع درء أي مصؼبة‬
‫ومادمنا ال نستطيع أن ‪٪‬تنع وقوع‬
‫ا‪١‬تصائب واألحداث ‪ ،‬فلنقبلها‬
‫كمؤمنُت ألن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫يريد بنسبؾنا إليه أن يعزنا‬
‫ويكرمنا ‪ .‬إنه يدعونا أن نقول ‪{ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫إِن َّا َّّلل َوإِن َّآ إِلَيْه َراج ُع َ‬
‫ون } ‪ .‬إننا‬
‫بهذا القول ننسب ملكيؾنا إىل اهلل‬
‫ونقبل ما حدث لنا ‪ .‬والبد لنا هنا‬
‫أن نأيت ٔتثال وهلل ا‪١‬تثل األعَل هل‬
‫رأيت إنسانا يفسد ملكه؟ أبدا ً‪.‬‬
‫إن صاحب ا‪١‬تلك يعمل كل ما‬
‫يؤدي إىل الصبلح يف ملكه ‪ ،‬وإن‬
‫رأى الناس يف ظاهر األمر أنه فساد‬
‫‪ ،‬فما بالنا باهلل سبحانه وتعاىلو‪٨‬تن‬
‫ملك له ‪ ،‬وهو سبحانه ال يُع ّ ِرض‬
‫ملكه أبدا ًللضرر ‪ ،‬وإ‪٪‬تا يقيمه عَل‬
‫ا‪ٟ‬تكمة والصبلح ‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ون } أي‬ ‫{ إِن َّا َّّلل َوإِن َّآ إِلَيْه َراج ُع َ‬
‫‪٨‬تن ‪٦‬تلوكون هلل ‪ ،‬و‪٨‬تن راجعون‬
‫إليه ‪ ،‬وحىت إن كان يف مصائب‬
‫الدنيا ظلم لنا وقع علؼنا من إنسان‬
‫‪ ،‬فسوف نأخذ ثواب ما ُظلمنا فيه‬
‫عند الرجوع إىل اهلل ‪ ،‬إذن فنحن هلل‬
‫ابتداء با‪١‬تلكية ‪ ،‬و‪٨‬تن هلل هناية يف‬
‫ا‪١‬ترجع؛ هو سبحانه ملك‬
‫القوسُت؛ االبتداء واالنتهاء ‪،‬‬
‫ولذلك علمنا رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم عند أي مصؼبة تصيب‬
‫اإلنسان أن يسًتجع؛ أي أن يقول‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ { :‬إِن َّا َّّلل َوإِن َّآ إِلَيْه َراج ُع َ‬
‫ون } ‪.‬‬

‫وزادنا أيضا أن نقول ‪ « :‬اللهم‬


‫أجرين يف مصيؽيت واخلف يل خَتا‬
‫منها » إنك إذا ما قلتها عند أي‬
‫مصؼبة تصؼبك فبل بد أن ٕتد فيما‬
‫يأيت بعدها خَتا ًمنها ‪ ،‬وحىت إن‬
‫نىس اإلنسان أن يقول ذلك عند‬
‫وقوع ا‪١‬تصؼبة ‪ ،‬ثم تذكرها وقا‪٢‬تا‬
‫فله جزاؤها ‪ ،‬كأنه قا‪٢‬تا ساعة‬
‫ا‪١‬تصؼبة ‪.‬‬
‫وهناك قصة عن أم سلمة رضي‬
‫اهلل عنها؛ حُت مات أبو سلمة‬
‫زوجها وكان ملء السمع والبصر‬
‫وجزعت عليه أم سلمة ‪ ،‬فقيل ‪٢‬تا‬
‫قويل ‪ :‬ما علمنا رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬قالت ‪ :‬وما علمكم؟‬
‫قالوا ‪ « :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون ‪،‬‬
‫اللهم أجرين يف مصيؽيت واخلف يل‬
‫خَتا منها » فقالت ما قيل ‪٢‬تا ‪ ،‬فإذا‬
‫بها بعد انقضاء عدْتا يذهب إليها‬
‫النبي خاطبا ‪ ،‬فقيل ‪٢‬تا ‪ :‬أوجد خَت‬
‫من أّب سلمة أم لم يوجد؟ قالت ‪:‬‬
‫ما كنت ألتساىم أي أتوقع مثل هذا‬
‫ا‪١‬توقف « ‪.‬‬
‫فإذن ‪ ،‬كل مصؼبة يتعرض ‪٢‬تا‬
‫اإلنسان ‪٬‬تب أن يقول عندها ‪» :‬‬
‫إنا هلل وإنا إليه راجعون ‪ ،‬اللهم‬
‫أجرين يف مصيؽيت وأخلف يل خَتا‬
‫منها « ‪.‬‬
‫وماذا يكون حال الذين يقولون‬
‫هذا الدعاء؟ ‪ .‬هاهو ذا ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل يقول ‪ { :‬أولئك عَلَي ْ ِه ْم‬
‫صلَو ٌ ِ‬
‫‪ٛ‬ت ٌة ‪} . . .‬‬ ‫ات ّمن َّربِّ ِه ْم َو َر ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ات ِم ْن َر ِبّ ِه ْم‬
‫ك عَلَي ْ ِه ْم َصل َ َو ٌ‬‫أُولَئِ َ‬
‫ون‬ ‫‪ٛ‬ت ٌة َوأُولَئِ َ‬
‫ك ُه ُم ا ْ‪١‬تُهْت َ ُد َ‬ ‫َو َر ْ َ‬
‫(‪)157‬‬

‫فلننظر إىل غاية الغايات اليت‬


‫يدربنا اهلل عليها لنحمل الدعوة ‪،‬‬
‫ولنحمي منهج ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬ولنهدم دولة‬
‫ا‪١‬تبطلُت ‪ ،‬هذه غاية؛ لكنها لؼست‬
‫الغاية النهائية ‪ ،‬فالغاية النهائية‬
‫أننا نفعل ذلك لنأخذ ر‪ٛ‬تات اهلل‬
‫وبركاته يف اآلخرة ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬فالغاية النهائية يف كل إٯتان‬
‫ويف كل عمل هي ابتغاء مرضاة اهلل‬
‫ور‪ٛ‬تته ‪.‬‬
‫وكما قال ا‪١‬ترحوم الشيخ سيد‬
‫قطب ر‪ٛ‬تة اهلل عليه ‪ :‬إياك أن‬
‫يشغلك عن صلوات اهلل وٖتياته‬
‫وبركاته شيء ولو انتصار العقيدة‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫كأن انتصار العقيدة وسيلة لؾنال‬
‫بها الصلوات والر‪ٛ‬تة من ربك ‪،‬‬
‫فكل شيء ما عدا ذلك وسيلة تسلم‬
‫إىل غاية ‪ ،‬وغاية ا‪١‬تؤمن أن يكون‬
‫من الذين يشملهم قول اهلل ‪:‬‬
‫ات ِّمن َّر ِبّ ِه ْم‬
‫{ أولئك عَلَي ْ ِه ْم َصل َ َو ٌ‬
‫‪ٛ‬ت ٌة وأولئك ُه ُم ا‪١‬تهتدون } ػ‬ ‫َو َر ْ َ‬
‫البقرة ‪] 157 :‬‬
‫و‪٨‬تن نعرف أن الصبلة يف اللغة هي‬
‫الدعاء ‪ ،‬للناس صبلة ‪ ،‬وللمبلئكة‬
‫صبلة ‪ ،‬وهلل صبلة ‪ ،‬فهو القائل ‪{ :‬‬
‫هو الذي يصلي عليكم ومبلئكته‬
‫} ػ األحزاب ‪] 43 :‬‬
‫وكلنا نعؼش بر‪ٛ‬تات اهلل ‪ ،‬حىت‬
‫الكافر يعؼش عَل األرض بر‪ٛ‬تة‬
‫اهلل ‪ ،‬ويأخذ أسباب حياته بر‪ٛ‬تة‬
‫اهلل ‪ ،‬والنعم وا‪٠‬تَتات اليت يعؼش‬
‫عليها تأتيه بسبب ر‪ٛ‬تة اهلل ‪،‬‬
‫وا‪١‬تؤمن يأخذ نعم الدنيا بر‪ٛ‬تة‬
‫اهلل ويزيد اهلل له بالُبكة‬
‫واالطمػنان ‪ ،‬واالطمػنان نعمة‬
‫كُبى ‪ ،‬فمن يعش يف هذه ا‪ٟ‬تياة‬
‫وهو مطمئن إىل غاية أفضل من‬
‫هذه ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬فهذا لون عظيم من‬
‫االطمػنان ‪.‬‬
‫فالصبلة من اهلل عطاء الر‪ٛ‬تة‬
‫والُبكة ‪.‬‬
‫والصبلة من ا‪١‬تبلئكة استغفار ‪.‬‬
‫والصبلة من ا‪١‬تؤمنُت دعاء ‪.‬‬
‫والدعاء حُت تدعوه ‪١‬تحمد صَل‬
‫اهلل عليه وسلم با‪٠‬تَت وبالر‪ٛ‬تة‬
‫وبالُبكة وهو دعاء لك ‪١ ،‬تاذا؟ ألن‬
‫كل مزنلة ينا‪٢‬تا رسول اهلل عائدة‬
‫ألمته وللعالم أ‪ٚ‬تع ‪.‬‬
‫فمن الذي يشفع عند اهلل يف يوم‬
‫ا‪ٟ‬تشر ليعجل اهلل بالفصل بُت‬
‫ا‪٠‬تبلئق؟ ‪ .‬إنه رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫إذن فكل خَت يناله رسول اهلل صىل‬
‫اهلل عليه وسلم هو خَت ألمته ‪ ،‬فإذا‬
‫دعوت له فكأنك تدعو لنفسك‬
‫إنك عندما تصلي عليه مرة يصلي‬
‫اهلل عليك عشرا ً‪.‬‬
‫ألؼس يف ذلك خَت لك؟‬
‫ات ِّمن َّر ِبّ ِه ْم‬
‫{ أولئك عَلَي ْ ِه ْم َصل َ َو ٌ‬
‫‪ٛ‬ت ٌة وأولئك ُه ُم ا‪١‬تهتدون } ػ‬
‫َو َر ْ َ‬
‫البقرة ‪] 157 :‬‬
‫وا‪١‬تهتدون هم الذين التزموا‬
‫الطريق ا‪١‬توصل للغاية ‪ ،‬والغاية‬
‫هي صلوات من ربهم ور‪ٛ‬تة ‪،‬‬
‫وأنت اآلن متمتع بنعم اهلل بأسباب‬
‫اهلل ‪ ،‬وعند اهلل يف اآلخرة سوف‬
‫تتمتع بإذن اهلل بنعم اهلل وبلقاء اهلل‬
‫‪.‬‬
‫بعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬إ َِّن الصفا‬
‫وا‪١‬تروة ِمن َشعَآ ِئ ِر اهلل ‪} . . .‬‬
‫الص َفا وا ْ‪١‬ت َ ْروةَ ِم ْن َشعا ِئ ِر َ ِ‬
‫اّلل‬
‫َ ّ‬ ‫إ َِّن َّ َ َ‬
‫فَ َم ْن َح َّج الْؽَي ْ َت أ َ ِو ا ْعت َ َم َر فَ َبل ُجن َ َ‬
‫اح‬
‫عَلَي ْ ِه أ َ ْن ي َ َّط َّو َف بِ ِه َما َو َم ْن تَ َط َّو َع‬
‫يم (‪)158‬‬ ‫اّلل َشا ِك ٌر عَلِ‬
‫ٌ‬ ‫َخ َْتًا فَإ َِّن َّ َ‬
‫والصفا وا‪١‬تروة جببلن صغَتان ‪،‬‬
‫يعرفهما الذين زاروا األماكن‬
‫ا‪١‬تقدسة ‪ ،‬والذين لم يذهبوا؛‬
‫أسأل اهلل أن يرو‪٫‬تا عُت اليقُت ‪،‬‬
‫وحُت يروهنما يكون هذا علم‬
‫اليقُت ‪ .‬وهذان ا‪ٞ‬تببلن كانت‬
‫سيدتنا هاجر أم إ‪ٝ‬تاعيل قد‬
‫ترددت بؼنهما لتطلب ا‪١‬تاء لولدها‬
‫بعد أن تركهما إبراهيم عليه‬
‫السبلم عند بيت اهلل ا‪ٟ‬ترام ‪.‬‬
‫وباهلل عليك ‪ ،‬فبماذا تفكر امرأة‬
‫عندما يًتكها زوجها مع رضيعها‬
‫يف مكان ال طعام فيه وال ماء؟‬
‫هنا قالت هاجر قولتها ا‪١‬تشهورة ‪:‬‬
‫إىل من تكلنا؟ آهلل أمرك بذلك؟‬
‫فقال سيدنا إبراهيم ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫فقالت ‪ :‬إذن لن يضيعنا ‪ ،‬لقد‬
‫استغنت با‪٠‬تالق عن ا‪١‬تخلوق ‪ ،‬ولم‬
‫تنطق مثل هذا القول إال بوحي من‬
‫ا‪١‬تسبب ‪ ،‬وهذه أول قضية إٯتانية‬
‫مع مبلحظة األرضية اإلٯتانية اليت‬
‫وجدت عليها ‪ ،‬حؼنما دعا إبراهيم‬
‫عليه السبلم ربه قائبل ‪َّ { :‬ربَّنَآ إين‬
‫َت ِذي زَ ْر ٍع‬ ‫نت ِمن ُذ ِّري َّ ِيت بِ َوا ٍد غ َ ْ ِ‬
‫أ ْس َك ُ‬
‫َ‬
‫يموا ْ‬ ‫ك ا‪١‬تحرم ربَّنا لِيقِ‬ ‫ِعن َد بَؼْتِ َ‬
‫َ َ ُ ُ‬
‫الصبلة } ػ إبراهيم ‪] 37 :‬‬
‫َت ِذي زَ ْر ٍع } فاعلم‬
‫وإذا قرأت { غ َ ْ ِ‬
‫أنه غَت ذي ماء ‪ ،‬فحيث يوجد ا‪١‬تاء؛‬
‫يوجد الزرع ‪ ،‬فا‪١‬تاء هو األصل‬
‫األصيل يف اسؾبقاء ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وعندما‬
‫يغيب ا‪١‬تاء عن أم ووليدها ‪ ،‬فماذا‬
‫يكون حا‪٢‬تما؟‬
‫لقد عطش ولدها وأرادت أن‬
‫تبحث عن نبع ماء أو طَت يزنل يف‬
‫مكان لتعلم أن فيه ماء ‪ ،‬أو ترى‬
‫قافلة تسَت ومعها ماء؛ لذلك‬
‫خرجت إىل أعَل مكان وتركت‬
‫الوادي ‪ ،‬وصعدت إىل أعَل جبل‬
‫الصفا فلم ٕتد شؼئا ‪ ،‬فنظرت إىل‬
‫ا‪ٞ‬تهة األخرى؛ إىل ا‪١‬تروة ‪،‬‬
‫وصعدت عليها فلم ٕتد شؼئا ‪.‬‬
‫وظلت تًتدد بُت الصفا وا‪١‬تروة‬
‫سبعة أشواط ‪ .‬ولنا أن نتصور حالتها‬
‫‪ ،‬امرأة يف مثل سنها ‪ ،‬ويف مثل‬
‫وحدْتا ‪ ،‬ويف مثل عدم وجود ماء‬
‫عندها ‪ ،‬والبد أهنا عطشت كما‬
‫عطش وليدها ‪ ،‬وعندما بلغ منها‬
‫ا‪ٞ‬تهد ‪ ،‬انتهت ‪٤‬تاوالْتا ‪ ،‬وعادت‬
‫إىل حيث يوجد الوليد ‪.‬‬
‫ولو أن سعيها بُت الصفا وا‪١‬تروة‬
‫أجدى ‪ ،‬فرأت ماء لقلنا ‪ :‬إن السعي‬
‫وحده قد جاء ‪٢‬تا با‪١‬تاء ‪ ،‬لكنها هي‬
‫اليت قالت من قبل ‪ « :‬إذن لن‬
‫يضيعنا » ‪ ،‬وهي بهذا القول قد‬
‫ارتبطت با‪١‬تسبِ ّب ال بالسبب ‪ ،‬فلو‬
‫أنه أعطاها بالسبب ا‪١‬تباشر وهو‬
‫ْتثها عن ا‪١‬تاء ‪١‬تا كان عندها حجة‬
‫عَل صدقها يف قو‪٢‬تا ‪ « :‬إذن لن‬
‫يضيعنا » ‪ .‬ويريد ا‪ٟ‬تق أن ينتهي‬
‫سعيها سبع مرات ببل نؾيجة ‪ ،‬وتعود‬
‫إىل وليدها؛ فتجد ا‪١‬تاء عند قدم‬
‫الوليد ‪ .‬وهكذا صدقت هاجر يف‬
‫يقؼنها ‪ ،‬عندما وثقت أن اهلل لن‬
‫يضيعها ‪ ،‬وأراد اهلل أن يقول ‪٢‬تا ‪:‬‬
‫نعلم لن أضيعك ‪ ،‬ولؼس بسعيك؛‬
‫ولكن بقدم طفلك الرضيع؛‬
‫يضرب بها األرض ‪ ،‬فينبع منها‬
‫ا‪١‬تاء ‪ .‬وضرب الوليد لؤلرض‬
‫بقدمه سبب غَت فاعل يف العادة ‪،‬‬
‫لكن اهلل أراده سؽبا حىت يسؾبىق‬
‫السبؽية ولو لم تؤد إىل الغرض ‪.‬‬

‫وحُت وجدت هاجر ا‪١‬تاء عند قدم‬


‫رضيعها أيقنت حقا أن اهلل لم‬
‫يضيعها ‪ .‬وظل السعي شعَتة من‬
‫شعائر ا‪ٟ‬تج إىل بيت اهلل ا‪ٟ‬ترام ‪،‬‬
‫استدامة إلٯتان ا‪١‬ترء با‪١‬تسبب‬
‫وعدم إ‪٫‬تاله للسبب ‪ ،‬وحىت يقبل‬
‫اإلنسان عَل كل عمل وهو يؤمن‬
‫با‪١‬تسبب ‪ .‬ولذلك ‪٬‬تب أن نفرق‬
‫الوكل والتواكل ‪ .‬إن التوكل‬‫بُت ت‬
‫عمل قلب ولؼس عمل جوارح ‪،‬‬
‫والتواكل تعطيل عمل جوارح ‪.‬‬
‫لؼس يف اإلسبلم تواكل ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬
‫ا‪ٞ‬توارح تعمل والقلوب تتوكل ‪.‬‬
‫هكذا كان توكل هاجر ‪ ،‬لقد‬
‫عملت وتوكلت عَل اهلل؛ فرزقها‬
‫اهلل ٔتا تريد بأهون األسباب ‪ ،‬وهي‬
‫ضربة قدم الوليد لؤلرض ‪،‬‬
‫وبقيت تلك ا‪١‬تسألة شعَتة من‬
‫شعائر ا‪ٟ‬تج وهي سبعة أشواط بُت‬
‫الصفا وا‪١‬تروة ‪.‬‬
‫وعندما غفل الناس عن عبادة اهلل ‪،‬‬
‫ودخلت عبادة األصنام يف ا‪ٞ‬تزيرة‬
‫العربية أوجدوا عَل جبل الصفا‬
‫صنما أ‪ٝ‬توه « إسافا » وعَل ا‪١‬تروة‬
‫صنما أ‪ٝ‬توه « نائلة » ‪ .‬وكانوا‬
‫يًتددون بُت إساف ونائلة ‪ ،‬ال بُت‬
‫الصفا وا‪١‬تروة ‪ ،‬لقد نقلوا العبادة من‬
‫خالصية التوحيد إىل شائؽية الوثنية‬
‫‪.‬‬
‫فلما جاء اإلسبلم أراد اهلل أال يوجه‬
‫ا‪١‬تسلمُت يف صبلْتم إىل الؽيت‬
‫ا‪١‬تحرم إال بعد أن يطهر الؽيت‬
‫و‪٬‬تعله خالصا هلل ‪ ،‬فلما ذهب بعض‬
‫ا‪١‬تؤمنُت إىل الكعبة ٖترجوا أن‬
‫يسعوا بُت الصفا وا‪١‬تروة؛ ألن «‬
‫إسافا » و « نائلة » فوق ا‪ٞ‬تبلُت ‪،‬‬
‫فكأهنم أرادوا أن يقطعوا كل‬
‫صلتهم بعادات ا‪ٞ‬تاهلية ‪ ،‬واستكُب‬
‫إٯتاهنم أن يًتددوا بُت « إساف »‬
‫و « نائلة » ‪ ،‬فأنزل اهلل قوله ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫{ إ َِّن الصفا وا‪١‬تروة ِمن َشعَآ ِئ ِر اهلل‬
‫فَ َم ْن َح َّج الؽيت أ َ ِو اعتمر فَبل َ ُجن َ َ‬
‫اح‬
‫عَلَي ْ ِه أَن ي َ َّط َّو َف بِ ِه َما َو َمن تَ َط َّوعَ‬
‫ِ ِ‬
‫يم } ‪ ،‬أي ال‬ ‫َخ َْتا ًفَإ َِّن اهلل َشاك ٌر عَل ٌ‬
‫تتحرجوا يف هذا األمر ألنكم‬
‫سؾسعون بُت الصفا وا‪١‬تروة؛ ال بُت‬
‫إساف ونائلة كما كان يفعل‬
‫ا‪١‬تشركون الوثنيون ‪ ،‬إذن فالعمل‬
‫هنا كان بالنية ‪.‬‬
‫لقد كانت نية السعي األوىل عند‬
‫هاجر هي اإلٯتان باهلل واألخذ‬
‫باألسباب ‪ ،‬لكن الوثنية قلبت قمة‬
‫اإلٯتان إىل حضيض الكفر ‪ ،‬وكان‬
‫البد أن يستعيد ا‪١‬تسلمون نية‬
‫اإلٯتان األوىل عند زيارة الؽيت‬
‫ا‪١‬تحرم بالسعي بُت الصفا وا‪١‬تروة‬
‫‪ ،‬فنحن يف اإلسبلم نرضخ ألمر‬
‫اآلمر ‪ ،‬قال لنا ‪ « :‬قبلوا ا‪ٟ‬تجر‬
‫األسود » ‪ ،‬ويف الوقت نفسه أمرنا‬
‫أن نرجم ا‪ٟ‬تجر الذي يرمز إىل‬
‫إبلؼس ‪ ،‬هكذا تكون العُبة‬
‫بالنية؛ ولؼس بشكل العمل ‪،‬‬
‫وتكون العُبة يف إطاعة أمر اهلل ‪.‬‬
‫وكأن ا‪ٟ‬تق بهذه اآلية يقول‬
‫للمؤمنُت ‪ :‬إن ا‪١‬تشركُت عبدوا «‬
‫إسافا » و « نائلة » ‪ ،‬لكن أنتم‬
‫اطرحوا ا‪١‬تسألة من بالكم ‪،‬‬
‫واذهبوا إىل الصفا وا‪١‬تروة ‪ ،‬فالصفا‬
‫وا‪١‬تروة من شعائر اهلل ‪ ،‬ولؼستا من‬
‫شعائر الوثنية ‪ ،‬ولكن ضبلل‬
‫ا‪١‬تشركُت هو الذي خلع عليهما‬
‫الوثنية يف إساف ويف نائلة ‪ .‬لقد‬
‫أراد الوثنيون بوضع « إساف » عَل‬
‫الصفا « ونائلة » عَل ا‪١‬تروة أن‬
‫يأخذوا صفة التقديس لؤلوثان ‪،‬‬
‫فلوال أن الصفا وا‪١‬تروة من‬
‫ا‪١‬تقدسات سابقا ‪١‬تا وضعوا عليهما‬
‫أحجارهم و‪١‬تا جاءوا بأصنامهم‬
‫ليضعوها عَل الكعبة ‪ ،‬هذا دليل عَل‬
‫أن قداسة هذه األماكن أسبق من‬
‫أصنامهم ‪ ،‬لقد ‪ٛ‬توا وثنؼتهم‬
‫بوضع « إساف » و « نائلة » عَل‬
‫الصفا وا‪١‬تروة ‪.‬‬

‫وبعد أن بُت ا‪ٟ‬تق للمؤمنُت أن‬


‫الصفا وا‪١‬تروة من شعائر اهلل ‪ ،‬ينبه‬
‫عَل أن ا‪١‬تكُت ساكن ا‪١‬تكان ال‬
‫ينجس ا‪١‬تكان ‪ ،‬بدليل أن اإلٯتان‬
‫عندما كؾبت له الغلبة ‪ ،‬كسر‬
‫األصنام وأزا‪٢‬تا من الكعبة وأصبح‬
‫الؽيت طاهرا ‪ ،‬وعندما كان‬
‫ا‪١‬تؤمنون يتحرجون عن أن يفعلوا‬
‫فعبل من أفعال ا‪ٞ‬تاهلية طمأهنم‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وقال ‪٢‬تم ‪:‬‬
‫{ إ َِّن الصفا وا‪١‬تروة ِمن َشعَآ ِئ ِر اهلل‬
‫}‪.‬‬
‫وكلمة « صفا » معناها ا‪ٟ‬تجر‬
‫األملس ‪ ،‬وأصبح كذلك من كثرة‬
‫ا‪١‬تبلمسُت له عَل مر الزمان ‪ ،‬وقيل‬
‫‪ :‬إن الصفا منسوبة إىل اصطفاء‬
‫آدم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن ا‪١‬تروة منسوبة إىل‬
‫ا‪١‬ترأة اليت هي حواء ‪ ،‬لكنه كبلم‬
‫يقال ال نتوقف عنده كثَتا ‪ ،‬ألنه‬
‫علم ال ينفع وجهل ال يضر ‪ ،‬فا‪١‬تهم‬
‫بالنسبة لنا أنه مكان ترددت بؼنه‬
‫هاجر وهي تطلب ا‪١‬تاء البنها ‪ ،‬إن‬
‫ا‪ٟ‬تق جعل السعي بؼنهما من شعائر‬
‫اهلل ‪ ،‬والشعائر هي معالم العبادة ‪،‬‬
‫وتطلق دائما ًعَل ا‪١‬تعالم ا‪١‬تكانية ‪،‬‬
‫ويقال ‪ :‬هذا مطاف ‪ ،‬وهذا مسَع ‪،‬‬
‫وهذا مرىم ا‪ٞ‬تمرات ‪ ،‬وهذا ا‪١‬تشعر‬
‫ا‪ٟ‬ترام ‪.‬‬
‫إن كلمة « ا‪١‬تشعر » تعٍت ا‪١‬تكان‬
‫الذي له عبادة ‪٥‬تصوصة ‪ ،‬ؤتا أن‬
‫الصفا وا‪١‬تروة مكانان فقد جاء‬
‫وصفهما بأهنما { ِمن َشعَآ ِئ ِر اهلل }‬
‫‪ { .‬فَ َم ْن َح َّج الؽيت أ َ ِو اعتمر فَبل َ‬
‫اح عَلَي ْ ِه أَن ي َ َّط َّو َف بِ ِه َما } كأن‬
‫ُجن َ َ‬
‫ا‪ٟ‬تج والعمرة ‪٢‬تما شيء ‪٬‬تعلهما يف‬
‫مقام الفرضية و‪٢‬تما شيء آخر‬
‫‪٬‬تعلهما يف مقام التطوع ‪ ،‬فإن أدى‬
‫ا‪١‬تسلم ا‪ٟ‬تج والعمرة مرة يكون قد‬
‫أدى الفرض ‪ ،‬وهذا ال ٯتنع من أن‬
‫تكرار ا‪ٟ‬تج والعمرة هو تطوع‬
‫مقبول بإذن اهلل ‪ ،‬له شكر من اهلل ‪.‬‬
‫وساعة نقول ‪ « :‬ال جناح عليك أن‬
‫تفعل كذا » فمعٌت ذلك أنك إن‬
‫فعلت فبل إثم عليك ‪ ،‬لكن لؼس‬
‫خطأ يف أن تفعل ‪ ،‬ولؼس فرضا ًيف‬
‫أن تفعل ‪ ،‬وهذا ما جعل بعض‬
‫الناس يقولون ‪ :‬إن السعي بُت‬
‫الصفا وا‪١‬تروة لؼس ركنا من أركان‬
‫ا‪ٟ‬تج ‪ ،‬ونقول ‪٢‬تؤالء ‪ :‬هذه آية‬
‫جاءت لسبب ‪ ،‬وهو أهنم كانوا‬
‫يتحرجون من الطواف يف مكان‬
‫يطوف فيه ا‪١‬تشركون فقال ‪٢‬تم ‪:‬‬
‫{ فبل جناح عليه أن يطوف بهما }‬
‫‪.‬‬
‫إن نفي ا‪ٞ‬تناح ال يعٍت أنك إن لم‬
‫تفعل يصح ‪ ،‬ال ‪ ،‬إنه سبحانه يرد‬
‫عَل حالة كانوا يتحرجون منها ‪،‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬ي َ َّط َّو َف بِ ِه َما }‬
‫يستدعي منا وقفة ‪ ،‬إن ا‪ٟ‬تاج أو‬
‫ا‪١‬تعتمر يسَع بُت الصفا وا‪١‬تروة ‪،‬‬
‫فلماذا وصف ا‪ٟ‬تق هذا السعي ب{‬
‫ي َ َّط َّو َف بِ ِه َما } ‪.‬‬
‫لكي نعرف ذلك البد أن نوضح‬
‫معٌت « طاف » و « جال » و « دار‬
‫» ‪ .‬إن « طاف » تعٍت « دار حول‬
‫الشيء » ‪ ،‬فما هي الدورة اليت بُت‬
‫الصفا وا‪١‬تروة؛ حىت يسميها ا‪ٟ‬تق‬
‫طوافا؟ ‪.‬‬
‫إن الدائر حول الدائرة يبدأ من أي‬
‫نقطة منها كبداية ‪ ،‬لتكون تلك‬
‫النقطة هناية ‪ ،‬فكل طواف حول‬
‫دائرة ٕتد فيه أن كل بداية فيها‬
‫تعؾُب هناية ‪ ،‬وكل هناية تعؾُب بداية‬
‫‪ ،‬وأي حركة من وإىل شيء واحد‬
‫يصنع دائرة ‪.‬‬
‫وصحيح أن من يسَع بُت الصفا‬
‫وا‪١‬تروة ال يدور ‪ ،‬ولكنه سيذهب‬
‫من الصفا إىل ا‪١‬تروة ثم ينقلب‬
‫عائدا إىل الصفا ‪ ،‬ثم منها إىل ا‪١‬تروة‬
‫‪ ،‬وهكذا يصَت األمر ط ا‬
‫واف‪ .‬ومثال‬
‫آخر من حياتنا اليومية ‪ ،‬إن‬
‫الشرطي الذي يطوف ‪ٟ‬تراسة‬
‫الشوارع وا‪١‬تنازل بالليل ‪ ،‬قد يلف‬
‫ا‪١‬تدينة كلها ‪ ،‬وٯتكن أن يلف‬
‫شارعا ًواحدا ًهو مكان حراسته ‪،‬‬
‫هذا الدوران يف الشارع من أوله إىل‬
‫آخره عدة مرات يس ىم طوافا‬
‫بؼنهما ‪ ،‬وهكذا نفهم معٌت {‬
‫ي َ َّط َّو َف بِ ِه َما } ‪ ،‬أي ٯتشي بؼنهما‬
‫عدة مرات من بداية إىل هناية ‪.‬‬
‫وهكذا ‪٧‬تد أن السعي بُت الصفا‬
‫وا‪١‬تروة هو جزء من شعائر ا‪ٟ‬تج‬
‫والعمرة ‪ .‬و‪٧‬تد أن الفرضية يف ا‪ٟ‬تج‬
‫والعمرة أساسية ‪ ،‬والتطوع بتكرار‬
‫ا‪ٟ‬تج والعمرة هو خَت ‪َ { .‬و َمن‬
‫ِ ِ‬
‫تَ َط َّو َع َخ َْتا ًفَإ َِّن اهلل َشاك ٌر عَل ٌ‬
‫يم }‬
‫وه ذا القول يقتضي أن نفهم أن‬
‫الشاكر أصابته نعمة من ا‪١‬تشكور‬
‫‪ ،‬فما الذي أصاب ا‪ٟ‬تق هنا من‬
‫تكرار ا‪ٟ‬تج؟ ‪.‬‬
‫إن ا‪١‬تؤمن عندما يؤدي ما افًتضه‬
‫اهلل عليه فهو يؤدي الفرض ‪ ،‬لكن‬
‫عندما يزيد بالتطوع حبا يف النسك‬
‫ذاته فهذه زيادة يشكره اهلل عليها ‪،‬‬
‫إذن فالشكر من اهلل عز وجل يفيد‬
‫أن نعمة ستجيء ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل حُت يفًتض عَل عبدا كذا‬
‫من الفروض يلتزم العبد بذلك ‪،‬‬
‫فإذا زاد العبد من جنس ما افًتضه‬
‫اهلل عليه ‪ ،‬فقد دل ذلك عَل حبه‬
‫وعشقه للتكليف من اهلل ‪ ،‬وإذا ما‬
‫أحب وعشق التكليف من اهلل بدون‬
‫أن يطلبه اهلل منه ويلزمه به بل‬
‫حؽبه إليه ‪ ،‬فهو يستحق أن يشكره‬
‫اهلل عليه ‪ ،‬وشكر اهلل للعبد هو عطاء‬
‫ببل هناية ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق من بعد ذلك ‪ { :‬إ َِّن‬
‫ون َمآ أَن َزلْنَا ِم َن‬
‫الذين ي َ ْك ُت ُم َ‬
‫البؼنات وا‪٢‬تدى ِمن بَعْ ِد َما بَؼَّنَّ ُاه‬
‫اس ِيف الكتاب أولئك يَلعَ ُن ُه ُم‬ ‫لِلنَّ ِ‬
‫اهلل َويَلْعَ ُن ُه ُم البلعنون }‬

‫ون َما أَن ْ َزلْنَا ِم َن‬ ‫إ َِّن ال َّ ِذي َن ي َ ْك ُت ُم َ‬


‫ات َوا ْ‪٢‬ت ُ َدى ِم ْن بَعْ ِد َما بَؼَّنَّ ُاه‬
‫الْب ِؼّن َ ِ‬
‫َ‬
‫اب أُولَئِ َ‬
‫ك يَلْعَ ُن ُه ُم‬ ‫لِلنَّ ِ‬
‫اس ِيف ال ْ ِكت َ ِ‬
‫البل ِ‬
‫ون (‪)159‬‬ ‫اّلل َويَلْعَ ُن ُه ُم َّ َ‬
‫ن‬
‫ُ‬ ‫ع‬
‫َّ ُ‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه حُت يعرض هذه‬
‫القضية ‪ ،‬يبُت لنا موقف ا‪ٞ‬تزاء من‬
‫الذين يك٘تون ما أنزل اهلل ‪ ،‬لقد‬
‫كتم بعض من أهل الكتاب‬
‫البؼنات اليت أنز‪٢‬تا اهلل يف الكتاب‬
‫الذي معهم ‪ ،‬بؼنات تؿبت صدق‬
‫‪٤‬تمد صَل اهلل عليه وسلم يف نبوته ‪،‬‬
‫وهذا الكتمان سيورث شرورا ‪،‬‬
‫وكلما نال العالم شر من كتماهنم‬
‫فسيلعنهم ‪ ،‬واللعن هو الطرد‬
‫واإلبعاد من ر‪ٛ‬تة اهلل ‪.‬‬
‫واٌفق سبحانه وتعاىل ينبه ا‪١‬تؤمنُت‬
‫بسيدنا ‪٤‬تمد صَل اهلل عليه وسلم‬
‫إىل أن هذا ا‪ٞ‬تزاء من الطرد ومن‬
‫اللعن لؼس مقصورا عَل هؤالء ‪،‬‬
‫وإ‪٪‬تا ينسحب ويشمل كل من‬
‫يكتم ما أنزل اهلل من البؼنات ‪ ،‬إذن‬
‫فذلك فيه واقع ‪٦‬تا حدث من أهل‬
‫الكتاب ‪ ،‬وفيه أيضا ٖتذير للذين‬
‫يؤمنون باإلسبلم أن يكتموا بؼنات‬
‫اهلل؛ وإال صاروا إىل ما صار إليه‬
‫هؤالء ‪ ،‬وهو اللعن ‪.‬‬
‫وكلمة « اللعن » وردت يف القرآن‬
‫إحدى وأربعُت مرة ‪ ،‬وساعة تأيت‬
‫للعذاب تكون للطرد واإلبعاد‬
‫بغضب ‪ ،‬وهو ا‪٠‬تلود يف النار ‪ ،‬وساعة‬
‫يكون الطرد إبعاد تأديب ‪ ،‬فبل‬
‫يوجد بغضب؛ ألن ا‪١‬تؤدب ال‬
‫يغضب عَل من يؤدبه ‪ ،‬وإ‪٪‬تا يغضب‬
‫‪١‬تن يؤدبه ‪.‬‬
‫وعندما ٭تدث الطرد من بعد‬
‫غضب ‪ ،‬فذلك دليل عَل أنه لؼس‬
‫من بعد ذلك رجعة ‪ ،‬فاإلنسان إذا‬
‫ترك لشيء صامت ليعذب به‬
‫كالنار ‪ ،‬يقول لنفسه ‪ « :‬رٔتا جاء‬
‫من يرق ‪ٟ‬تايل ويعطف علي‬
‫فيخرجٍت من النار » ‪ ،‬إنه يقول‬
‫ذلك لنفسه ‪ :‬ألن الذي يعذب به‬
‫صامت ال عاطفة له ‪ ،‬لكن ما‬
‫ا‪١‬تخرج إذا كانت اللعنة من اهلل‬
‫وا‪١‬تبلئكة والناس؟ كما يقول ا‪ٟ‬تق‬
‫يف آية أخرى ‪ { :‬أولئك َج َز ُآؤ ُه ْم‬
‫أ َ َّن عَلَي ْ ِه ْم لَعْن َ َة اهلل وا‪١‬تبلئكة‬
‫ُت } ػ آل عمران ‪:‬‬ ‫والناس أ َ ْ َ ِ‬
‫‪ٚ‬تع َ‬
‫‪] 87‬‬
‫ويتضح لنا هنا أن لعنة اهلل تكون يف‬
‫الدنيا ويف اآلخرة ‪ ،‬ويلعنهم‬
‫البلعنون من الناس ‪ ،‬ويف اآلية اليت‬
‫‪٨‬تن بصدد خواطرنا فيها ‪٧‬تد أن‬
‫اللعنة أمشل ‪ ،‬ألن « البلعنون »‬
‫تضم الناس وغَت الناس من‬
‫الكائنات األخرى ‪ ،‬كأن كل من يف‬
‫الوجود يشًتك يف لعنهم ‪ ،‬وعَل‬
‫سؽيل ا‪١‬تثال ‪ ،‬إذا حؽس اهلل ا‪١‬تاء‬
‫عن قوم لعصياهنم ‪ ،‬فالنبات‬
‫يلعنهم ألنه ُحرم من ا‪١‬تاء ‪،‬‬
‫وتلعنهم ا‪ٟ‬تيوانات ألهنا ُحرمت‬
‫من ا‪١‬تاء ‪ ،‬وتلعنهم األمكنة ألهنم‬
‫خالفوا ما عليه األمكنة من الؾسؽيح‬
‫هلل ‪ .‬أما لعنة اآلخرة حيث ال ري‬
‫لنبات أو حيوان؛ فسيكون اللعن‬
‫‪٢‬تم صادرا من اهلل وا‪١‬تبلئكة‬
‫والناس أ‪ٚ‬تعُت ‪ .‬والناس هم بنو‬
‫آدم إىل أن تقوم الساعة ‪ ،‬وهؤالء‬
‫منهم كافر ومنهم مؤمن ‪ ،‬كيف إذن‬
‫يوجد اللعن ‪٦‬تن كفر مع أنه هو‬
‫أيضا ملعون؟‬
‫نقول ‪٨ :‬تن يف الدنيا ‪٧‬تد من ٮتدع‬
‫غَته يف دين اهلل ‪ ،‬وهناك من‬
‫ينخدع ‪ ،‬فإذا ما ا‪٧‬تلت األمور يف‬
‫اآلخرة ‪ ،‬وانفضح ا‪٠‬تادعون ‪،‬‬
‫وأسقط يف يد ا‪١‬تخدوعُت ‪ ،‬فهنا‬
‫يؾُبأ الذين اتُّبِ ُعوا من الذين اتَّب َ ُعوا‬
‫‪ ،‬يؾُبأ ا‪٠‬تادع من ا‪١‬تخدوع ‪ ،‬ويؾُبأ‬
‫ا‪١‬تخدوع من ا‪٠‬تادع ‪ ،‬وكلما دخلت‬
‫أمة من ا‪١‬تخدوعُت إىل النار لعنت‬
‫األمة اليت خدعتها ‪ ،‬وكلما دخلت‬
‫أمة خادعة إىل النار ‪ ،‬فإهنا تلعن‬
‫الذين اسؾسلموا للخديعة ‪،‬‬
‫ويؾبادلون اللعن ‪.‬‬

‫ُبأ َ ذ‬
‫الين اتبعوا‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬إِذْ تَ َ َّ‬
‫ِم َن الذين اتبعوا } ػ البقرة ‪166 :‬‬
‫]‬
‫ويقول أيضا ‪ { :‬كُل َّ َما دَ َخل َ ْت أُ َّم ٌة‬
‫لَّعَن َ ْت أُ ْختَهَا } ػ األعراف ‪] 38 :‬‬
‫إذن فاللعنة موجودة بُت الكافرين‬
‫بعضهم لبعض ‪ ،‬كما هي موجودة‬
‫يف الدنيا أيضا ‪ ،‬فالذين يكفرون‬
‫ٔتنهج اهلل وينحرفون ويظلمون ‪،‬‬
‫هؤالء يتلقون اللعنة من أهل منهج‬
‫اهلل ‪ ،‬ويتلقون اللعنة من ا‪١‬تظلومُت‬
‫منهم ‪ ،‬ثم يأيت ‪٢‬تم موقف آخر ‪،‬‬
‫يأيت ‪٢‬تم من يظلمهم ‪ ،‬فيلعنونه‬
‫ويلعنهم ‪ ،‬وهكذا يلعنهم الناس‬
‫أ‪ٚ‬تعون ‪.‬‬
‫واللعن بطرد وغضب وزجر ٮتتلف‬
‫عن اللعن التأديبي الذي يأخذ‬
‫صيغة اإلبعاد ‪ ،‬كما فعل رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم مع ا‪١‬تتخلفُت‬
‫يف غزوة تبوك ‪ ،‬وغزوة تبوك كانوا‬
‫يسموهنا غزوة العسرة ‪ ،‬ألهنا‬
‫جاءت يف مشقة من كل جهاْتا ‪،‬‬
‫لبعد ا‪١‬تكان بُت تبوك وا‪١‬تدينة ‪،‬‬
‫ومشقة أخرى من نقص الدواب‬
‫اليت ٖتمل ا‪١‬تقاتلُت ‪ ،‬فقد كان كل‬
‫عشرة من ا‪١‬تقاتلُت يؾناوبون عَل‬
‫دابة واحدة ‪ ،‬ومشقة وعسرة يف‬
‫الزاد ‪ ،‬حىت أهنم كانوا يأكلون التمر‬
‫بدوده ‪ ،‬وكانوا يأكلون الشحم‬
‫والدهن واإلهالة الز‪٩‬تة ‪ ،‬وعسرة‬
‫يف ا‪١‬تاء حىت أهنم كانوا يذْتون‬
‫البعَت ليشربوا من فرثه وكرشه‬
‫ا‪١‬تاء ‪ ،‬وعسرة يف ا‪ٞ‬تو القائظ‬
‫الشديد ا‪ٟ‬ترارة ‪ ،‬كانت كل‬
‫الظروف صعبة وقاسية وٖتتم أال‬
‫ٮترج للغزوة إال الصادق يف يقؼنه ‪.‬‬
‫لقد كانت تلك الغزوة اخؾبارا‬
‫وابتبلء لئلٯتانية يف نفوس الناس ‪.‬‬
‫ولذلك فإن بعضهم اسؾسلم‬
‫‪ٟ‬تديث النفس يف أن يظل با‪١‬تدينة‬
‫‪ ،‬وقال واحد منهم ‪ « :‬أظل ظليل‬
‫وراحة ورسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم يف القيظ؟! واهلل ال يكون‬
‫هذا أبدا » ‪ ،‬ثم قام وتبع جؼش‬
‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬وآخر عنده بستان فيه‬
‫ظبلل و‪ٙ‬تار؛ فنظر إىل بستانه‬
‫وقال ‪ « :‬أأنت الذي منعؾٍت أن‬
‫أكون يف ركاب رسول اهلل؟! واهلل ال‬
‫تكون ملكي بعد اآلن ‪ ،‬وأنت هلل يف‬
‫سؽيل اهلل » ‪ ،‬وثالث جلس يف بؼته‬
‫وأمامه زوجته ا‪ٞ‬تميلة وحوله‬
‫أشجار وزروع ‪ ،‬فقال ‪ « :‬أأجلس‬
‫يف ظل ورطب وماء وامرأة حسناء‬
‫ورسول اهلل يف ‪ٛ‬تارة القيظ ‪ ،‬واهلل ال‬
‫يكون هذا أبدا » ‪ ،‬وامتىط حصانه‬
‫إىل الصحراء لؼنضم ‪ٞ‬تؼش‬
‫ا‪١‬تسلمُت ‪.‬‬
‫وعندما رجع رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم منتصرا اعتذر له من‬
‫لم يشاركوه رحلة النصر بأهنم‬
‫كانوا ال ٯتلكون وسائل ا‪ٟ‬ترب من‬
‫دواب ودروع وسيوف ونبال ‪ ،‬فقبل‬
‫رسول اهلل عبلنؼتهم وترك‬
‫سرائرهم هلل ‪ ،‬إال ثبلثة صدقوا‬
‫وقالوا ‪ « :‬يا رسول اهلل ما كنا أغٌت‬
‫منا ساعة امؾنعنا عن الذهاب معك‬
‫فعندنا عدة ا‪ٟ‬ترب والدواب » ‪.‬‬
‫لقد أمر رسول اهلل الناس أال‬
‫يكلموهم وال يتعاملوا معهم ‪،‬‬
‫واستكان اثنان منهم وظبل يف‬
‫وهمهبلل بن أمية ‪،‬‬‫بؼتهما ‪ ،‬ا‬
‫ومرارة بن الربيع ‪ ،‬أما كعب بن‬
‫مالك فكان ٮترج ويلىق الناس فبل‬
‫يكلمه أحد ‪ ،‬ويذهب للصبلة مع‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫ويسارق النظر إىل النبي ويسلم‬
‫عليه ‪ ،‬لكن رسول اهلل ال يرد ‪،‬‬
‫ويغض طرفه ويعرض عنه ‪ ،‬حىت‬
‫أن كعبا ًيقول ‪ « :‬فانظر هل حرك‬
‫رسول اهلل شفؾيه برد السبلم أم ال؟‬
‫»‪.‬‬

‫‪١‬تاذا كل ذلك؟ ‪ .‬لقد أرادها النبي‬


‫صَل اهلل عليه وسلم وسيلة إيضاح‬
‫لكيفية إبعاد التأديب ‪ .‬وضاقت‬
‫الدنيا عَل الثبلثة ‪ ،‬وذهب كعب إىل‬
‫ابن عمه أّب قتادة وتسلق عليه‬
‫ا‪ٟ‬تائط ‪ ،‬ألنه يعلم أنه لو طرق‬
‫الباب فلن يفتح له ‪ .‬ورغم تسلق‬
‫ا‪ٟ‬تائط إال أن ابن العم أعرض عنه‬
‫‪ ،‬فقال راجيا ‪ « :‬أنشدك اهلل ‪،‬‬
‫أنشدك اهلل ‪ ،‬أنشدك اهلل » كل‬
‫ذلك وابن عمه ال يرد عليه ‪ ،‬ثم‬
‫قال له ‪ « :‬تعلم أين أحب رسول اهلل‬
‫» ‪ .‬فلم يرد عليه ابن العم وظل‬
‫يتوسل سائبل عن موعد العفو ‪،‬‬
‫فقال أبو قتادة ‪ « :‬اهلل ورسوله أعلم‬
‫»‪.‬‬
‫فلما مضت أربعون ليلة عَل هذا‬
‫اإلبعاد ‪ ،‬فإذا برسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم يصعد التأديب فيطلب‬
‫من الرجال الثبلثة من خبلل‬
‫رسول أرسله إليهم أال يقربوا‬
‫نساءهم ‪ .‬لقد دخل العزل إىل‬
‫دائرة جديدة وهي دائرة المجتمع‬
‫ا‪٠‬تاص حيث الرجل وامرأته ‪،‬‬
‫فقال كعب لرسول رسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ « :‬أطلق زوجيت‬
‫»؟ ‪ .‬قال الرسول ‪ « :‬بل ال تقربها‬
‫» ‪ .‬وقال قوم لكعب ‪ :‬اذهب إىل‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم أو‬
‫فلتذهب امرأتك لؾستأذنه يف أن‬
‫تظل معك لتخدمك؛ فقد‬
‫استأذنت امرأة هبلل بن أمية‬
‫رسول اهلل؛ فأذن ‪٢‬تا أن ٗتدم‬
‫زوجها ‪ .‬فقال كعب ‪ :‬واهلل ال أفعل‬
‫‪ ،‬ألن امرأة هبلل حؼنما ذهبت إىل‬
‫رسول اهلل قال ‪٢‬تا ‪ « :‬ال يقربنك »‬
‫فقالت ‪ « :‬يا رسول اهلل واهلل إن‬
‫هبلال ما به حركة لشيء » فأذن ‪٢‬تا‬
‫أن تظل لتخدمه ‪ .‬لكٍت رجل‬
‫شاب وأخاف أن أستأذن رسول اهلل‬
‫فبل يعطؼٍت هذا ا‪ٟ‬تق‪.‬‬
‫هكذا كان إبعاد التأديب ‪ ،‬ولؼس‬
‫بالطرد الكامل من حظَتة اإلٯتان ‪،‬‬
‫بدليل أن رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم جعل من يتلقون التأديب‬
‫أهبل ألوامر يلقيها عليهم ‪ ،‬ثم‬
‫جاءت البشرى باإلفراج بعد‬
‫عشرة أيام عندما أنزل ا‪ٟ‬تق قوله ‪:‬‬
‫{ َوعََلَ الثبلثة الذين ُخ ّ ُِفلوا ْحىت إِذَا‬
‫َضاقَ ْت عَلَي ْ ِه ُم األرض ِٔتَا َر ُحب َ ْت‬
‫َو َضاقَ ْت عَلَي ْ ِه ْم أ َ ُنف ُس ُه ْم وظنوا أَن‬
‫َ ِ‬ ‫َ َِ‬
‫ال ّ َمل ْ َجأ م َن اهلل إِال ّإِلَيْه ُث َّم تَ َ‬
‫اب‬
‫عَلَي ْ ِه ْم لؼتوبوا إ َِّن اهلل ُه َو التواب‬
‫الرحيم } ػ التوبة ‪] 118 :‬‬
‫وهكذا لم يقفل ا‪ٟ‬تق الباب بل‬
‫مفوحا أمام اإلنسان ‪ ،‬حىت‬ ‫جعله ت‬
‫‪١‬تن كفر ‪ ،‬وحىت ‪١‬تن كتم ‪ ،‬فبل يظن‬
‫أن سابق كفره أو تراخيه عن نصرة‬
‫ا‪ٟ‬تق سيغلق أمامه الباب ‪ ،‬أو ٭تول‬
‫بؼنه وبُت ربه ‪ ،‬لذلك يقول ا‪ٟ‬تق‪:‬‬
‫{ إِال َّالذين تَا ُبوا ْ َوأ َ ْصل َ ُحوا ْ َوبَؼَّ ُنوا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وب عَلَي ْ ِه ْم َوأنَا التّ ََّو ُ‬
‫اب‬ ‫فأولئك أ ُت ُ‬
‫يم }‬ ‫ل ِ‬
‫ا َّرح ُ‬
‫إ َِّال ال َّ ِذي َن تَا ُبوا َوأ َ ْصل َ ُحوا َوبَؼَّ ُنوا‬
‫اب‬ ‫َو‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫لت‬ ‫ا‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ك أ َ ُتوب عَلَي ِهم وأ َ‬ ‫َ‬ ‫فَأُولَئِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫يم (‪)160‬‬ ‫ل ِ‬
‫ا َّرح ُ‬
‫أي أعلنوا التوبة وهي أمر ذايت ‪،‬‬
‫وأصلحوا ٔتقدار ما أفسدوا ‪،‬‬
‫وبؼنوا للناس ٔتقدار ما كتموا ‪،‬‬
‫إذن شرط التوبة أن يعود كل حق‬
‫لصاحبه ‪ ،‬فالذي كتم شؼئا عليه أن‬
‫يبؼنه ‪ ،‬فالكتمان ال يؤثر فقط يف‬
‫العبلقة بُت العبد والرب ‪ ،‬ولكنه‬
‫يضر العباد ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق سبحانه حُت‬
‫يفتح باب التوبة للعبد يقول ‪{ :‬‬
‫تاب عليهم لؼتوبوا } ػ التوبة ‪:‬‬
‫‪] 118‬‬
‫ومادة « تاب » تعٍت الرجوع إىل اهلل‬
‫‪ ،‬فعندما يتوب العبد فهو يعود إىل‬
‫ربه طالبا ا‪١‬تغفرة عن العصيان‬
‫والذنب ‪ ،‬وعندما يتوب اهلل عَل‬
‫عبد ‪ ،‬فذلك يعٍت أن اهلل قبل توبته‬
‫‪ ،‬فبعد أن كان مقدرا له أن يعذب‬
‫فإن اهلل يعفو عنه فبل يعذبه ‪ ،‬إذن‬
‫فالتوبة كلها رجوع إىل اهلل ‪ ،‬وحُت‬
‫تقدم التوبة من اهلل عَل التوبة من‬
‫العباد يف قوله ‪ { :‬تاب عليهم‬
‫لؼتوبوا } ‪ ،‬فمعٌت ذلك أن ا‪ٟ‬تق‬
‫شرع التوبة وقننها ليفتح باب‬
‫الرجوع إليه ‪ ،‬فهناك ثبلث‬
‫مراحل للتوبة ‪:‬‬
‫ا‪١‬ترحلة األوىل ‪ :‬هي أن اهلل شرع‬
‫التوبة ‪.‬‬
‫ا‪١‬ترحلة الثانية ‪ :‬هي أن يتوب‬
‫العبد ‪.‬‬
‫ا‪١‬ترحلة الثالثة ‪ :‬أن يقبل اهلل‬
‫التوبة ‪.‬‬
‫وكلها تعٍت الرجوع عن ا‪١‬تعصية‬
‫والذنب ‪.‬‬
‫إذن فأي إنسان يذنب ذنبا البد أن‬
‫يصلح هذا الذنب من جنس ما‬
‫فعل ‪ ،‬فإن فعل ذنبا سرا فيكفيه أن‬
‫يتوب سرا ‪ ،‬أما إن كسر حدود اهلل‬
‫علنا ‪ ،‬فنقول له ‪ :‬ال يستقيم أبدا أن‬
‫تعصي اهلل علنا أمام الناس وتكون‬
‫أسوة سؼئة ألناس ٕتعلهم يتجرأون‬
‫ولذلك فا‪١‬تثل العامي يقول ‪« :‬‬
‫تضربٍت يف شارع وتصا‪ٟ‬تٍت يف حارة‬
‫»‪.‬‬
‫إن الذي يكسر حدا ًمن حدود اهلل‬
‫أمام الناس نقول له ‪ :‬البد أن تعلن‬
‫توبتك أمام الناس ‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬ولذلك‬
‫‪٨‬تن ندرأ ا‪ٟ‬تدود بالشبهات ‪ ،‬لكن‬
‫الذي يؾباىه بأنه ارتكب الذنب ال‬
‫نًتكه ‪ ،‬مثبل الذي شهد عليه أربعة‬
‫بأنه ارتكب ذنبا من الكبائر كالزىن‬
‫‪ ،‬لقد ظل يفعل الذنب باستهتار‬
‫إىل أن شهد عليه أربعة ‪ ،‬هل يعقل‬
‫أن نقول له ‪ :‬ندرأها بالشبهات؟ ‪.‬‬
‫ال ‪ .‬هو كسر ا‪ٟ‬تد علنا فوجبت‬
‫معاقؽته بإقامة ا‪ٟ‬تد ‪.‬‬
‫وأما الذين تابوا وأصلحوا ما‬
‫أفسدوه وبؼَّنوا للناس ما كتموه‬
‫فجزاؤهم توبة من اهلل ‪.‬‬
‫ومن لطف اهلل باإلنسان أن شرع‬
‫التوبة حىت يشعر الناس بالذنب ‪،‬‬
‫وجعلها من فعل التائب؛ ومن فعل‬
‫قابل التوبة ‪ ،‬وهو اهلل سبحانه فقال‬
‫‪ { :‬تابوا } و { أتوب } ‪ ،‬كل ذلك‬
‫حىت ال يستشعر اإلنسان عندما‬
‫يرتكب ذنبا ويتوب أهنا مسألة‬
‫مستعصية ‪ ،‬إن ا‪ٟ‬تق يقول ‪{ :‬‬
‫َ‬ ‫فَأُولَئِ َ َ‬
‫وب عَلَي ْ ِه ْم َوأنَا التّ ََّو ُ‬
‫اب‬ ‫ك أ ُت ُ‬ ‫ْ‬
‫يم } إنه سبحانه يتوب عَل‬ ‫ح‬ ‫ال َّر ِ‬
‫ُ‬
‫من تاب عن الذنب ويتوب عن‬
‫ا‪١‬تذنبُت ‪ٚ‬تيعا ‪ ،‬فهو تعاىل « تواب‬
‫» وهي كلمة تعٍت ا‪١‬تبالغة يف الصفة‬
‫‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪ { :‬إِن‬
‫ال َّ ِذي َن كَ َف ُروا َو َما ُتوا َو ُه ْم ُك ّف ٌ‬
‫َار‬
‫ك عَلَي ْ ِه ْم لَعْن َ ُة اهلل وا‪١‬تبلئكة‬‫أُولَئِ َ‬
‫ُت}‬ ‫َ ِ‬
‫والناس أ ْج َعم َ‬
‫إ َِّن ال َّ ِذي َن كَ َف ُروا َو َما ُتوا َو ُه ْم ُك ّف ٌ‬
‫َار‬
‫اّلل َوا ْ‪١‬ت َ َبل ِئ َك ِة‬
‫ك عَلَي ِهم لَعْن َ ُة َ ِ‬
‫ّ‬ ‫أولَئ َ ْ ْ‬
‫ُ ِ‬
‫ُت (‪)161‬‬ ‫اس أ َ ْ َ ِ‬
‫َوالنَّ ِ‬
‫‪ٚ‬تع َ‬
‫إهنم الذين أصروا عَل عدم التوبة‬
‫فكان جزاؤهم لعنة اهلل وا‪١‬تبلئكة‬
‫والناس أ‪ٚ‬تعُت ‪ .‬ويضيف سبحانه‬
‫‪َ { :‬خال ِ ِدي َن ِفيهَا ال َ ُٮت َ ّف َُف َعن ْ ُه ُم‬
‫ون }‬‫العذاب َوال َ ُه ْم يُن ْ َظ ُر َ‬
‫َخال ِ ِدي َن فِيهَا َال ُٮت َ ّف َُف َعن ْ ُه ُم‬
‫ون (‪)162‬‬ ‫اب َو َال ُه ْم يُن ْ َظ ُر َ‬ ‫الْعَ َذ ُ‬
‫وساعة يأيت ا‪ٟ‬تق يف عذاب الكافرين‬
‫ويتكلم عن النار عذابا وعن الزمان‬
‫خلودا ثم يُ َص ّعِد ا‪٠‬تلود باألبدية ‪،‬‬
‫فنحن نعرف بذلك أن هناك‬
‫عذابا ًيف النار ‪ ،‬وخلودا ًفيها ‪،‬‬
‫وأبدية ‪ .‬وألن ر‪ٛ‬تة اهلل سبقت‬
‫غضبه يف التقنُت العذاّب ‪ ،‬لم يذكر‬
‫ا‪٠‬تلود يف النار أبدا ًإال يف سورة ا‪ٞ‬تن ‪،‬‬
‫قال ‪َ { :‬و َمن يَعْ ِص اهلل َو َر ُسول َ ُه‬
‫ار َجهَنَّ َم َخال ِ ِدي َن فِيهَآ أَبَدا ً‬
‫فَإ َِّن ل َ ُه ن َ َ‬
‫} ػ ا‪ٞ‬تن ‪] 23 :‬‬
‫ومادام فيه مقيد ‪ ،‬فإن كل مطلق‬
‫من التأبيد ُ٭تمل عليه ‪ ،‬وكون ا‪ٟ‬تق‬
‫لم يأت بكلمة « أبدا ً» عند ذكر‬
‫العذاب ‪ ،‬فهذا دليل عَل أن ر‪ٛ‬تته‬
‫سبقت غضبه حىت يف تقنُت العذاب‬
‫‪ ،‬وهناك إشكال ي َ ِر ُد يف سطحية‬
‫الفهم فحُت يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ي َ ْو َم‬
‫يَأ ْ ِت ال َتَكَل َّ ُم ن َ ْف ٌس إِال َّ بِإِذْنِ ِه فَ ِمن ْ ُه ْم‬
‫َشقِ ٌّي َو َسعِي ٌد * فَأ َ َّما الذين َش ُقوا ْفَ ِفي‬
‫النار َ‪٢‬ت ُ ْم فِيهَا زَفَِتٌ َو َش ِهي ٌق *‬
‫َخال ِ ِدي َن فِيهَا َما دَ َام ِت السماوات‬
‫ك‬‫ك إ َِّن َربَّ َ‬ ‫واألرض إِال َّ َما َشآءَ َربُّ َ‬
‫يد * َوأ َ َّما الذين ُسعِ ُدوا ْ‬ ‫ال ِ ّ‪١‬تَا يُ ِر ُ‬
‫فَ َّع ٌ‬
‫فَ ِفي اًفنة َخال ِ ِدي َن فِيهَا َما دَ َام ِت‬
‫السماوات واألرض إِال َّ َما َشآءَ‬
‫ك َع َطآء ًغ َ َْت َ َ‪٣‬ت ْ ُذو ٍذ } ػ هود ‪:‬‬ ‫َربُّ َ‬
‫‪] 108-105‬‬
‫فإن ا‪ٟ‬تق يتحدث عن يوم ا‪ٟ‬تشر ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وعن البشر شقيهم وسعيدهم ‪،‬‬
‫فالذين شقوا ففي النار ‪٢‬تم فيها‬
‫زفَت وشهيق ‪ ،‬ولنا أن نتخيل صورة‬
‫الؾنفس داخل النار وسط جوها‬
‫ا‪١‬تكفهر باللهب ‪ .‬إن اإلنسان‬
‫يؾنفس لؼسًتوح با‪٢‬تواء؛ فكيف‬
‫يأخذه من النار؟ ‪ .‬إن يف ذلك‬
‫عذابا ًعظيما ً‪ .‬وأهل النار خالدون‬
‫فيها مادامت السماوات واألرض‬
‫‪ .‬ويؾساءل السطحيون « إن اهلل‬
‫يضع الذين شقوا يف النار مادامت‬
‫السماوات واألرض ‪ ،‬ويقول‬
‫القول نفسه عن الذين سعدوا‬
‫با‪ٞ‬تنة » ونقول ‪٢‬تم ‪ :‬السماوات‬
‫واألرض اآلن؛ ٗتتلف عن‬
‫السماوات واألرض يف اآلخرة ‪ ،‬إن‬
‫السماوات واألرض يف الدنيا هي‬
‫أسباب ومعاش ‪ ،‬أما يف اآلخرة‬
‫فنحن ال نأكل باألسباب ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬
‫با‪١‬تسبب ‪٨ ،‬تن ‪٨‬تيا يف اآلخرة بكلمة‬
‫« كن » ‪ ،‬وال نعؼش بأسباب‬
‫ا‪ٟ‬ترث والزرع وا‪١‬تطر ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق‬
‫يبدل السماوات واألرض يف اليوم‬
‫اآلخر ‪ ،‬واقرأ إن شئت قول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫{ ي َ ْو َم ُتب َ ّد َُل األرض غ َ َْت َاألرض‬
‫والسماوات } ػ إبراهيم ‪] 48 :‬‬
‫ومن هذا القول نفهم أن ا‪١‬تقصود‬
‫هو السماوات واألرض ا‪١‬تبدلة ‪.‬‬
‫ونلحظ أن ا‪ٟ‬تق جاء يف أمر خلود‬
‫األشقياء با‪١‬تشؼئة فقال ‪ { :‬إِال َّ َما‬
‫ك } ‪ ،‬فكأن خلود األشقياء‬ ‫َشآءَ َربُّ َ‬
‫يف النار تنقضه وتضع هناية له‬
‫مشؼئة اهلل؛ ألن األشقياء لؼسوا‬
‫هم الكفار فحسب ‪ ،‬بل منهم‬
‫بعض ا‪١‬تؤمنُت العصاة األشقياء ‪،‬‬
‫وهؤالء ا‪١‬تؤمنون العصاة سيدخلون‬
‫النار عَل قدر حظهم من ا‪١‬تعاصي ‪،‬‬
‫وساعة تقوم الساعة ويأيت ا‪ٞ‬تزاء‬
‫يدخلون النار ويأخذون جزاءهم ‪،‬‬
‫لكن بعد أخذ ا‪ٞ‬تزاء ٮترجون ‪ ،‬إذن‬
‫‪ ،‬فسينتهي ا‪٠‬تلود من آخر الزمن ‪،‬‬
‫ك}‬ ‫فيكون ا‪١‬تعٌت ‪ { :‬إِال َّ َما َشآءَ َربُّ َ‬
‫أن يستمروا يف النار إىل وقت ‪٤‬تدد ‪.‬‬
‫أما بالنسبة للجنة ‪ .‬فاالستؿناء‬
‫يكون من البدء ‪١ ،‬تاذا؟ ألن ا‪١‬تؤمن‬
‫الذي عىص اهلل لن يدخل ا‪ٞ‬تنة من‬
‫البداية ‪ ،‬وإ‪٪‬تا سيقضي فًتة يف النار‬
‫ثم يدخل ا‪ٞ‬تنة ‪ ،‬إذن فا‪٠‬تلود يف‬
‫ا‪ٞ‬تنة بالنسبة له قد نقص من أولؼته‬
‫‪.‬‬
‫أما الشقي فا‪٠‬تلود يف النار نقص من‬
‫ك}‬ ‫آخريته ‪ ،‬إذن { إِال َّ َما َشآءَ َربُّ َ‬
‫؛ تعٍت أن ا‪١‬تؤمن العاصي لن يدخل‬
‫ا‪ٞ‬تنة من بدء اآلخرة ‪ .‬إذن ‪ « :‬إال »‬
‫هنا جاء الستؿناء الزمن أوله‬
‫بالنسبة للسعداء ‪ ،‬أو استؿناء‬
‫الزمن من آخره بالنسبة للعصاة‬
‫األشقياء ‪ ،‬ولذلك ال ٕتد تناقضا ‪،‬‬
‫ذلك الؾناقض الذي تصنعه سطحية‬
‫الفهم ‪.‬‬
‫أما قوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ال َ ُٮت َ ّف َُف َعن ْ ُه ُم‬
‫العذاب } فهو أن اإلنسان عندما‬
‫يعذب بشيء فإن تكرار العذاب‬
‫عليه رٔتا ‪٬‬تعله يألف العذاب ‪،‬‬
‫لكن الواقع يقول ‪ :‬إن العذاب‬
‫يشتد عليه ‪ ،‬فالتخفيف ال عبلقة له‬
‫بالزمن ‪ ،‬وقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ ُه ْم‬
‫ون } نعرف منه أن اإلنظار‬ ‫يُن ْ َظ ُر َ‬
‫هو اإلمهال ‪ ،‬وا‪١‬تعٌت أهنم ال‬
‫يؤخرون عن عذابهم؛ أو ال‬
‫ينظرون ٔتعٌت ال ينظر إليهم ‪.‬‬
‫وهناك آية تفيد هذا ا‪١‬تعٌت يف قوله‬
‫تعاىل ‪َ { :‬وال َيُكَلِ ّ ُم ُه ُم اهلل َوال َي َ ُنظ ُر‬
‫إِلَي ْ ِه ْم ي َ ْو َم القيامة َوال َيُ َز ِ ّكي ِه ْم }‬
‫{ آل عمران ‪] 77 :‬‬
‫ألن النظر يعطي شؼئا من ا‪ٟ‬تنان ‪،‬‬
‫و‪١‬تاذا قال ‪ :‬ال ينظرون؟ ‪ .‬ألنك قد‬
‫تتجه ناحؼته فؾنظره دون قصد ‪،‬‬
‫بتلقائية ‪ .‬ولكن النظرة ال تتجه‬
‫عطفا عليه ‪ ،‬وهو سبحانه ال ينظر‬
‫إليهم أساسا ‪ ،‬ألن النظرة قد توحي‬
‫بلون من الشفقة ‪ ،‬بذلك تكون ال‬
‫يُنظرون؛ أي ال ينظر إليهم أبدا ً‪،‬‬
‫فكأهنم أ‪٫‬تلوا إ‪٫‬تاال تاما ً‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق من بعد ذلك ‪{ :‬‬
‫وإ‪٢‬تكم إله َوا ِح ٌد ال َّإله إِال َّ ُه َو‬
‫الر‪ٛ‬تن الرحيم }‬

‫َوإِ َ‪٢‬ت ُ ُك ْم إِل َ ٌه َوا ِح ٌد َال إِل َ َه إ َِّال ُه َو‬


‫‪ٛ‬تن ال َّر ِ‬
‫يم (‪)163‬‬ ‫ُ‬ ‫ح‬ ‫ال َّر ْ َ ُ‬
‫وتلك هي قضية ا‪ٟ‬تق األساسية ‪ ،‬و‬
‫{ وإ‪٢‬تكم } يعٍت أن ا‪١‬تعبود إله‬
‫واحد ‪ ،‬فالواقع أن اإلله ا‪ٟ‬تق موجود‬
‫قبل أن يوجد الكفر ‪ .‬و { ال َّإله إِال َّ‬
‫ُه َو } هذه قضية ثانية ‪ ،‬ألن غفلة‬
‫الناس هي اليت جعلت بعضا من‬
‫نفوس الناس تلتفت إىل آ‪٢‬تة أخرى‬
‫‪ .‬وقوله ا‪ٟ‬تق أنه سبحانه ‪ { :‬إله‬
‫َوا ِح ٌد } أي لؼس له ثان ‪ ،‬والفارق‬
‫بُت { واحد } و { أحد } هو أن {‬
‫واحد } تعٍت لؼس ثان ‪ ،‬و { أحد }‬
‫يعٍت لؼس مركبا ًوال مكونا ًمن‬
‫أجزاء ‪ ،‬ولذلك فاهلل ال ٯتكن أن‬
‫نصفه بأنه « كل » أو « كلي » ألن‬
‫« كل » يقابلها « جزء » و « كلي »‬
‫يقابلها « جزئي » ‪ ،‬و « كل » هو‬
‫أن ‪٬‬تتمع من أجزاء ‪ .‬واهلل متفرد‬
‫بالوحدانية ‪ ،‬وسبحانه ا‪١‬تزنه عن‬
‫كل شيء وله ا‪١‬تثل األعَل ‪ ،‬وأضرب‬
‫هذا ا‪١‬تثل للتقريب ال للتشؽيه ‪ ،‬إن‬
‫الكرسي « كل » مكون من خشب‬
‫ومسامَت وغراء وطبلء ‪ ،‬فهل‬
‫ٯتكن أن نطلق عَل ا‪٠‬تشب أنه «‬
‫كرسي » أو عَل ا‪١‬تسامَت أو عَل‬
‫الغراء أو عَل الطبلء؟ ‪ .‬ال ‪ .‬إذن كل‬
‫جزء ال يطلق عَل « الكل » ‪ ،‬بل‬
‫الكل ينشأ من اجتماع األجزاء ‪.‬‬
‫و « الكلي » يطلق عَل أشياء كثَتة؛‬
‫لكن كل شيء منها ٭تقق الكلي ‪،‬‬
‫فكلمة « إنسان » نقول عنها «‬
‫كلي »؛ جزئياْتا ‪٤‬تمد وزيد وبكر‬
‫وعمر وخالد ‪ ،‬فنقول ‪ :‬زيد إنسان‬
‫‪ ،‬وهو قول صحيح ‪ ،‬ونقول عمر‬
‫إنسان وذلك قول صحيح ‪ .‬واهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ال هو « كلي » ألنه‬
‫واحد ‪ ،‬وال هو « كل » ألنه أحد ‪.‬‬
‫إن القضية األساسية يف الدين هي‬
‫{ وإ‪٢‬تكم إله واحد ال إله إال هو }‬
‫والقرآن ال ينفي ويقول‪ { :‬ال َّإله‬
‫إِال َّ ُه َو } إال حُت توجد غفلة تعطي‬
‫األلوهية لغَت اهلل ‪ ،‬أو تعطي‬
‫األلوهية هلل ولشركاء معه ‪ ،‬إن‬
‫القرآن ينفي ذلك ويقول ‪ { :‬ال َّإله‬
‫إِال َّ ُه َو الر‪ٛ‬تن الرحيم } ولؼس‬
‫هناك شيء غَت اهلل إال نعمة منه‬
‫سبحانه أو ُمنَعم عليه ‪.‬‬
‫إن ما دون اهلل إما نعمة وإما منعم‬
‫عليه بالنعمة ‪ ،‬وهذه كلها نفح‬
‫الر‪ٛ‬تن ‪ ،‬ونفح الرحيم ‪ .‬ومادام‬
‫كل شيء ما عدا اهلل إما نعمة وإما‬
‫منعم عليه فبل توصف النعمة بأهنا‬
‫إله ‪ ،‬وال يقال يف ا‪١‬تنعم عليه ‪ :‬إنه‬
‫إله ‪ ،‬ألن ا‪١‬تُنعم عليه معناه أن غَته‬
‫أفاض عليه نعمه ‪ ،‬ألن النعمة‬
‫والمعم عليه موهوب إليه‬
‫موهوبة ‪ ،‬ن ُ َ‬
‫‪ ،‬فإذا كانت هبة أو موهوبة إليه فبل‬
‫يصح أن تكون إ‪٢‬تا ‪ ،‬لكن الذين‬
‫يُفؾنون إ‪٪‬تا يفؾنون يف األسباب ‪،‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل هو ا‪١‬تسبب‬
‫لكل األسباب ‪ .‬وبعد ذلك يلفؾنا‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه إىل خدمة هذه القضية‬
‫فيدعونا أن ننظر يف الكون ونتأمل‬
‫المجودة لنا ‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫يف النعمة و‬
‫فأنت يا من أنعم اهلل عليه بهذه‬
‫النعمة إن وجدت أحدا يدعيها‬
‫لنفسه فأعطها واتركها له وانسب‬
‫النعم إىل موجدها وهو اهلل وإياك‬
‫أن تشرك يف نعمة اهلل أحدا ًغَته ‪،‬‬
‫ألن اهلل يقول ‪ :‬يف ا‪ٟ‬تديث القدسي‬
‫‪ « :‬أنا أغٌت الشركاء عن الشرك‬
‫فمن عمل عمبل أشرك فيه غَتي‬
‫تركته وشركه » ‪.‬‬
‫ويلفؾنا ا‪ٟ‬تق إىل الكون فيقول ‪{ :‬‬
‫إ َِّن ِيف َخل ْ ِق السماوات واألرض‬
‫واختبلف اليل والنهار ‪} . . .‬‬

‫ات َو ْاأل َ ْر ِض‬ ‫السماو ِ‬


‫إ َِّن ِيف َخل ْ ِق َّ َ َ‬
‫ك‬‫اختِ َبل ِف اللَّي ِل والنَّهَا ِر وال ْ ُفل ْ ِ‬ ‫َو ْ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫ال َّ ِيت َٕتْ ِري ِيف الْب َ ْح ِر ٔتَا يَن ْ َف ُع النَّ َ‬
‫اس‬
‫السماءِ ِمن ماءٍ‬ ‫ن‬ ‫اّلل ِ‬
‫م‬ ‫َن‬
‫َْ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو َما أ ْ َز َل َّ ُ‬
‫ث‬‫فَأ َ ْحيَا بِ ِه ْاأل َ ْر َض بَعْ َد َم ْو ِْتَا َوب َ َّ‬
‫فِيهَا ِم ْن كُ ّ ِل دَابَّ ٍة وتَ ْص ِر ِ‬
‫يف ال ّ ِريَا ِح‬ ‫َ‬
‫السماءِ‬
‫ُت َّ َ‬ ‫اب ا ْ‪١‬تُ َس َّخ ِر ب َ ْ َ‬
‫الس َح ِ‬‫َو َّ‬
‫ون‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ات ل ِ َقو ٍم يَعْقِ‬ ‫و ْاألَر ِض َآلي َ ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫(‪)164‬‬

‫إن اهلل سبحانه بر‪ٛ‬تته خلق‬


‫اإلنسان منعما ًعليه ‪ ،‬وخلق كل ما‬
‫يف الكون نعمة له ‪ ،‬ويلفؾنا إىل‬
‫الدليل عَل هذه القضية بالكون‬
‫نفسه ‪ .‬و٭تدد مظاهر يف الكون لم‬
‫يدع أحد أنه خلقها وأوجدها ‪ ،‬فإذا‬
‫ما جاء الناس الذين ال يؤمنون‬
‫باإلله الواحد يزحزحون األلوهية‬
‫إىل سواه نقول ‪٢‬تم ‪ :‬هذا الكون‬
‫العجيب الذي يتمثل يف األرض‬
‫ويتمثل يف السماء ‪ ،‬ويتمثل يف‬
‫اختبلف الليل والنهار ‪ ،‬ويتمثل يف‬
‫الفلك اليت ٕتري يف البحر ‪،‬‬
‫ويتمثل يف ما أنزل اهلل من السماء‬
‫من ماء ‪ ،‬ويتمثل يف السحاب‬
‫ا‪١‬تسخر بُت السماء واألرض؛ كل‬
‫هذه اآليات أي األمور العجؼبة ‪. .‬‬
‫تلفت إىل أن موجدها أعظم منها ‪.‬‬
‫إنه سبحانه يريد أن ينبه العقل إىل‬
‫أن يستقبل نعمة الوجود يف ذاته ويف‬
‫الكون ا‪١‬تسخر له لؼستنبط من هذه‬
‫اآليات العجؼبة صدق اهلل يف قوله ‪:‬‬
‫{ ‪ . .‬وإ‪٢‬تكم إله َوا ِح ٌد } ‪ ،‬ألنه‬
‫لؼس من ا‪١‬تعقول أن ٮتلق غَت اهلل‬
‫كل ذلك ا‪٠‬تلق ثم يسكت عنه! ‪،‬‬
‫فضبل عن أن أحدا ًلم يدع أنه‬
‫خلقها ‪ ،‬وما دام لم يدع أح ٌد ذلك ‪،‬‬
‫وأنت أيها اإلنسان لم ٗتلقها ‪،‬‬
‫ورغم الكفر والعناد لم يدع أحد‬
‫هذه القضية قط ‪ ،‬إذن سيظل ا‪١‬تلك‬
‫هلل وحده إىل أن يقول أح ٌد ‪ :‬أنا يل‬
‫ا‪١‬تلك ‪ ،‬ولم يوجد إىل اآلن من ‪٬‬ترؤ‬
‫عَل هذه الكلمة ‪ ،‬وهذا دليل عَل أن‬
‫اهلل واحد أحد ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫يقول ‪٠ { :‬تََل ْ ُق السماوات‬
‫ُب ِم ْن َخل ْ ِق الناس‬ ‫َ‬
‫واألرض أكْ َ ُ‬
‫َ‬
‫ولكن أكْث َ َر الناس ال َيَعْل َ ُم َ‬
‫ون } ػ‬
‫غافر ‪] 57 :‬‬
‫‪١‬تاذا؟ ‪ .‬ألن الناس من األرض قد‬
‫ُخلقوا ‪ ،‬ؤتا يف األرض عاشوا ‪،‬‬
‫فاألصل هو أن خلق السماوات‬
‫واألرض أَكُب من خلق الناس؛‬
‫فالناس أبناء األرض ‪ ،‬واقؾياْتم‬
‫منها وبقاء حياْتم عليها ‪ .‬ومن‬
‫ا‪١‬تعقول أن ا‪ٟ‬تق سبحانه قد خلق ما‬
‫ٮتلق منه اإلنسان قبل أن ٮتلق‬
‫اإلنسان ‪ ،‬وحىت يعؼش ذلك‬
‫اإلنسان أمده اهلل ّتنس ما ُخلِق‬
‫منه ‪ .‬واذكروا جيدا أننا قلنا إن اهلل‬
‫حُت يعرض قضية ا‪٠‬تلق لئلنسان؛‬
‫فهو سبحانه يعرضها عرضا فيه‬
‫مناعة ضد أي قضية أخرى‬
‫تناقضها ‪ .‬ولذلك يقول لنا ‪ :‬إن‬
‫خلق السماوات واألرض‬
‫وخلقكم هو أمر غؼبي ‪ ،‬وما دام‬
‫أمرا ًغيؽيا ًفبل رائي له وال مشاهد له‬
‫إال الذي خلقه ‪ ،‬فخذوا علم ا‪٠‬تلق‬
‫منه ‪ ،‬ولذلك قال سبحانه وتعاىل ‪:‬‬
‫دْت ُ ْم َخل ْ َق السماوات‬ ‫{ َّمآ أ َ ْشهَ ُّ‬
‫واألرض َوال َ َخل ْ َق أَن ْ ُف ِس ِه ْم َو َما‬
‫نت ُمتَّ ِخ َذ ا‪١‬تضلُت َع ُضدا ً} ػ‬ ‫ُك ُ‬
‫الكهف ‪] 51 :‬‬
‫فيجب أن ‪٨‬تذر هؤالء ا‪١‬تضللُت‬
‫الذين ٭تاولون إضبللنا بقضايا‬
‫لؼست حقيقية ‪ ،‬فا‪ٟ‬تق قد علم أزال‬
‫بأنه سيوجد قوم يقولون ‪ :‬إن‬
‫السماء واألرض خلقتا بطريقة‬
‫كذا ‪ ،‬واإلنسان خلق بأسلوب كذا‬
‫‪ ،‬وعندما نسمع هؤالء نقول ‪:‬‬
‫هؤالء هم ا‪١‬تضللون ‪ ،‬وقد نبهنا اهلل‬
‫أزال إليهم ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬فوجود ا‪١‬تضللُت هو عُت‬
‫الدليل عَل صدق اهلل ‪ ،‬هؤالء‬
‫الذين قالوا ‪ :‬األرض كانت جزءا‬
‫من الشمس وانفصلت عنها ‪،‬‬
‫واإلنسان أصله قرد ‪ ،‬ألنه لو لم‬
‫يوجد مضللون لقلنا ‪ « :‬أين يا رب‬
‫ما قلت عنهم إهنم مضللون؟ » ‪.‬‬
‫وحؼنما يعرض اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫أنه خلقنا من األرض؛ وجعل‬
‫اقؾياتنا منها ‪ ،‬فإن العلم يأيت حىت‬
‫من الكافرين باهلل ليؤيد هذه‬
‫القضية ‪ .‬فحؼنما حللوا اإلنسان؛‬
‫وجدوه مكونا من ستة عشر‬
‫عنصرا ‪ ،‬وحللوا الطُت الذي يأيت‬
‫منه الزرع وا‪٠‬تصوبة فوجدوه ستة‬
‫عشر عنصرا أيضا تتطابق مع‬
‫عناصر اإلنسان ‪ ،‬أو‪٢‬تا األكسجُت‬
‫وآخرها ا‪١‬تنجنيز ‪ .‬وعَل ذلك فا‪ٟ‬تق‬
‫عندما يقول ‪ :‬أنا خلقت اإلنسان‬
‫من طُت ‪ .‬نقول له ‪ :‬صدقت يا رب‬
‫فقد جعلت اقؾياتنا ‪٦‬تا ٮترج من‬
‫الطُت ‪.‬‬
‫إذن فمسألة خلق السماوات‬
‫واألرض ‪٬‬تب أن يبدأ منها‬
‫التعجب ‪ ،‬وأنت أيها اإلنسان ‪٬‬تب‬
‫أن تفطن إىل ما ُخلق لك لؾستدل‬
‫عَل خالقك ‪ ،‬ولتؤمن ولتشهد أنه‬
‫إله واحد ‪ ،‬وإن حاول أحد‬
‫إضبللك وقال لك ‪ :‬هناك إله آخر‬
‫‪ ،‬فقل ‪ :‬ال إله إال هو سبحانه ‪.‬‬
‫وحُت يتكلم ا‪ٟ‬تق عن اإلنسان فهو‬
‫سبحانه يتكلم عن مكُت يف الكون‬
‫‪ ،‬وهذا ا‪١‬تكُت يف الكون ٭تتاج إىل‬
‫شيئُت ‪ :‬إىل زمان ‪ ،‬وإىل مكان ‪.‬‬
‫وا‪١‬تكان لئلنسان هو األرض اليت‬
‫يسَت عليها والسماء اليت تظلله ‪،‬‬
‫والزمان هو ما ينشأ من الليل وما‬
‫ينشأ من النهار ‪ ،‬ولذلك يريد ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه أن يعطؼنا العُبة يف‬
‫اختبلف الليل والنهار ‪ .‬ومعٌت‬
‫اختبلف الليل والنهار أن كبل‬
‫منهما يأيت خلف اآلخر ‪ ،‬والنهار‬
‫يأيت خلف الليل ‪ ،‬والليل يأيت خلف‬
‫النهار ‪َ { .‬و ُه َو الذي َجعَ َل اليل‬
‫والنهار ِخل ْ َفةً ِ ّ‪١‬ت َ ْن أ َ َرادَ أَن ي َ َّذ َّك َر أ َ ْو‬
‫أ َ َرادَ ُش ُكورا ً} ػ الفرقان ‪] 62 :‬‬
‫فاختبلف الليل والنهار يعٍت أال‬
‫يكون النهار سرمدا ًأي دائما ال‬
‫ينقطع ‪ ،‬وال يكون الليل كذلك‬
‫سرمدا ً‪ ،‬ولذلك فإن هناك آيات‬
‫أخرى ٯتنت فيها ا‪ٟ‬تق علؼنا بهذه‬
‫النعمة فيقول ‪ُ { :‬ق ْل أ َ َرأَي ْ ُت ْم إِن‬
‫َجعَ َل اهلل عَلَي ْ ُك ُم اليل َس ْر َمدا ًإىل‬
‫َت اهلل يَأْتِي ُك ْم‬ ‫ي َ ْو ِم القيامة َم ْن إله غ َ ُْ‬
‫ون* ُق ْل أ َ َرأَي ْ ُت ْم‬ ‫ٍَ‬
‫بِ ِضيَآء أفَبل َتَ ْس َم ُع َ‬
‫إِن َجعَ َل اهلل عَلَي ْ ُك ُم النهار َس ْر َمدا ً‬
‫َت اهلل‬‫إىل ي َ ْو ِم القيامة َم ْن إله غ َ ُْ‬
‫ون فِي ِه أَفبل َ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ٍ‬
‫ل‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫يَأْتِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫ون } ػ القصص ‪72-71 :‬‬ ‫ِ‬
‫ُتبْص ُر َ‬
‫]‬
‫إذن فأنت أيها ا‪١‬تتحرك يف الكون‬
‫ينطبق عليك ما ينطبق عَل كل‬
‫متحرك ‪ ،‬البد لك من سكون‬
‫بقدر حركتك ‪ ،‬ولذلك انقسم‬
‫الزمان إىل ليل تسكن فيه ‪ ،‬وإىل‬
‫هنار تتحرك فيه ‪ ،‬ولذلك يقول‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و ُه َو ال َّ ِذي َجعَ َل ل َ ُك ُم اليل‬
‫لِبَاسا ًوالنوم ُسبَاتا ً َو َجعَ َل النهار‬
‫ن ُ ُشورا ً} ػ الفرقان ‪] 47 :‬‬
‫ويعلم سبحانه أزال أنه ال ٯتكن أن‬
‫يكون الليل أي وقت الراحة‬
‫سباتا لكل الناس ‪ ،‬بل البد من‬
‫أناس يقومون بأمور تقتضي‬
‫اليقظة بالليل ‪ ،‬و‪٢‬تؤالء يقول‬
‫سبحانه ‪َ { :‬و ِم ْن آيَاتِ ِه َمن َ ُام ُكم‬
‫باليل والنهار } ػ الروم ‪] 23 :‬‬
‫إنه يعطي فرصة ‪٢‬تؤالء الذين تظل‬
‫عيوهنم ساهرة طوال الليل‬
‫لؼسًت٭توا بالنهار إذن فمن عظمة‬
‫ا‪ٟ‬تق أنه جعل الزمان خلفة ‪ ،‬فلو‬
‫كان الليل سرمدا والنهار سرمدا‬
‫لفسدت ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬ولذلك ‪٧‬تد أن‬
‫ا‪ٟ‬تق أقسم بقوله ‪:‬‬
‫{ والضٌق * واليل إِذَا سًق } ػ‬
‫الضٌق ‪] 2-1 :‬‬
‫فالضٌق ‪٤‬تل ا‪ٟ‬تركة والكدح ‪،‬‬
‫والليل ‪٤‬تل السكون ‪ ،‬والبد أن‬
‫يوجد االثنان معا ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫يقول ‪ { :‬إ َِّن ِيف َخل ْ ِق السماوات‬
‫واألرض واختبلف اليل والنهار‬
‫والفلك اليت َٕتْ ِري ِيف البحر}‬
‫وكلمة « فلك » يستوي فيها‬
‫ا‪١‬تفرد وا‪ٞ‬تمع ‪ ،‬كقوله عن سفؼنة‬
‫نوح ‪ { :‬واصنع الفلك بِأَعْي ِننَا } ‪.‬‬
‫ُ‬
‫يعٍت يصنع سفؼنة واحدة أما الفلك‬
‫اليت ٕتري فهي كل الفلك ‪ .‬وكيف‬
‫يكون جريان الفلك يف ا‪١‬تاء آية؟ ‪.‬‬
‫إن اإلنسان يدرك أن ا‪١‬تاء وللم‬
‫يكن عَل هذه السيولة ‪١ ،‬تا‬
‫استطاعت ا‪١‬تراكب أو الفلك‬
‫اإلْتار فوقه ‪ ،‬بل البد أن يكون‬
‫ا‪١‬تاء سائبل حىت تستطيع أن ٕتري‬
‫فوقها الفلك ‪ ،‬وقبل اخًتاع آالت‬
‫البخار كانت هذه الفلك ٕتري يف‬
‫البحر بقوة الرياح ‪١ ،‬تاذا؟ ‪ .‬ألن‬
‫ا‪١‬تائية تنقسم قسمُت ‪:‬‬
‫* مائية أهنار ‪.‬‬
‫* ومائية ْتار ‪.‬‬
‫ومياه األهنار ٕتري دائما من أعَل‬
‫إىل أسفل ناحية ا‪١‬تصب ‪ ،‬ولذلك‬
‫فمن ا‪١‬تعقول أن نسلم جريان‬
‫السفؼنة فيها إىل ‪٣‬ترى ا‪١‬تاء ‪ ،‬ولكن‬
‫إذا كنا نريد أن نسَتها عكس‬
‫جريان ا‪١‬تاء؛ فبل بد من الريح‬
‫لؼساعدنا عَل ذلك ‪ ،‬و‪٨‬تن نأخذ‬
‫كلمة الريح عَل أهنا ا‪٢‬تواء ‪ .‬ولكن‬
‫الريح هي القوة؛ ألن اهلل سبحانه‬
‫يقول ‪َ { :‬وال َتَنَازَ ُعوا ْفَت َ ْف َشلُوا ْ‬
‫ب ِر ُ٭ت ُك ْم } ػ األنفال ‪46 :‬‬
‫َوتَ ْذ َه َ‬
‫]‬
‫يعٍت قوتكم ‪ ،‬أي أن الزناع إ‪٪‬تا‬
‫ينتج عنه تبديد القوة ‪ ،‬وكانت‬
‫الريح قوة ظاهرة ‪ ،‬وعندما توصل‬
‫اإلنسان إىل اخًتاع آلة البخار‬
‫وتم تشغيل السفن به ‪ ،‬استغٌت‬
‫اإلنسان عن تشغيل السفن بالريح‬
‫‪ .‬وهكذا نعرف أن كلمة « الريح »‬
‫تؤخذ عَل أهنا الرياح ‪ ،‬وتؤخذ أيضا‬
‫عَل أهنا مطلق القوة ‪ ،‬وتؤخذ ثالثا‬
‫عَل معٌت الرائحة ‪.‬‬
‫والقرآن يوضح لنا ذلك ‪ ،‬فعند‬
‫استخدام معٌت الريح كمطلق القوة‬
‫‪٧‬تد القرآن يقول ‪ { :‬إِن ي َشأ ْ‬
‫َ‬
‫يُ ْس ِك ِن الريح فَي َ ْظلَل َْن َر َوا ِك َد عَل‬
‫َظهْ ِر ِه } ػ الشورى ‪] 33 :‬‬
‫أي أن اهلل حُت يشاء يعطل القوة‬
‫ا‪١‬تحركة ألي شيء فهو سبحانه‬
‫يفعل ‪ .‬أما عن معٌت الريح كرائحة‬
‫فنحن ‪٧‬تده يف قوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و َ‪١‬تَّا‬
‫ال أ َ ُب ُ‬
‫وه ْم إ ِِّين أل َ ِج ُد‬ ‫فَ َصل َ ِت العَت قَ َ‬
‫وسف } ػ يوسف ‪] 94 :‬‬ ‫ِي ي‬
‫ر َح ُ ُ‬
‫إن يعقوب والد يوسف عليهما‬
‫السبلم كان ٯتلك حاسة شم قوية ‪،‬‬
‫فعندما خرجت القافلة من مصر ‪،‬‬
‫قال والده ‪ :‬إين أشم رائحة يوسف‬
‫‪ .‬ويف الريف ‪٨‬تن نسمع من يقول ‪:‬‬
‫« سأنتقم من فبلن وال اجعل له‬
‫ر٭تة يف األرض » ‪ ،‬ويقصد أنه لن‬
‫‪٬‬تعل له أثرا ًيف األرض ‪ ،‬و‪١‬تاذا‬
‫استخدم هنا كلمة الرائحة؟ ‪ .‬لقد‬
‫ثبت حديثا فقط أن الرائحة هي‬
‫أبىق اآلثار بالنسبة إىل الكائن ا‪ٟ‬تي ‪،‬‬
‫بدليل أن الذين عندهم حاسة‬
‫الشم قوية من الكائنات كالكبلب‬
‫البولؼسية يستدلون برائحة ا‪ٞ‬تاين‬
‫عَل مكان وجوده ‪ ،‬كأن ا‪ٞ‬تاين يًتك‬
‫أثرا لرائحته يف مكان ا‪ٞ‬ترٯتة ‪،‬‬
‫وكل ما هو مطلوب أن يوجد من له‬
‫حاسة شم قوية لؼستدل عليه ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أعطانا العقل‬
‫‪ ،‬ولكنه أبىق لبعض منا ولغَت العاقل‬
‫ما ال تستطيع أغلبيؾنا أن تصل إليه‬
‫‪ ،‬وأصبح الكلب الذي هو حيوان‬
‫بهيم أعجم يستدل عَل أشياء ال‬
‫نستطيع ‪٨‬تن أن نستدل عليها ‪،‬‬
‫ألنه ال يزال يف عالم ا‪ٟ‬تس فقط ‪،‬‬
‫بينما اإلنسان أخذ جانبا ًمن عالم‬
‫ا‪ٟ‬تس ‪ .‬وجانبا من العقل ‪.‬‬
‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و َمآ أَن َز َل اهلل ِم َن‬
‫السمآء ِمن َّمآءٍ فَأ َ ْحيَا بِ ِه األرض‬
‫بَعْ َد َم ْو ِْتَا } فهل يعٍت هذا القول‬
‫أن ا‪١‬تاء يف السماء؟ ‪ .‬ال ‪ .‬إن ا‪١‬تاء‬
‫أصله يف األرض ‪ ،‬لكن ماء األرض‬
‫الثابت ال ينفع لرينا وال لري زرعنا‬
‫إنه ملح أجاج ُم ٌّر ‪ ،‬والذي يوجد‬
‫عَل األرض منه هو ‪٥‬تزون فقط ‪،‬‬
‫ولذلك وضع اهلل له ا‪١‬تواد‬
‫الكيماوية اليت ٕتعله ال يفسد وال‬
‫تتغَت صفاته وطؽيعته ‪ ،‬ثم تؾسع‬
‫رقعة ا‪١‬تاء عَل قدر اليابس ثبلث‬
‫مرات ‪١ ،‬تاذا؟ ‪ .‬ألن اهلل يريد أن‬
‫تؾسع صفحة ا‪١‬تاء اتساعا يجعل‬
‫للبخر مصادر كبَتة واسعة هذا‬
‫البخر هو عملية التقطَت اإل‪٢‬تي ‪.‬‬
‫إن إنزال ا‪١‬تاء من السماء هو الذي‬
‫نراه عَل هؼئة ا‪١‬تطر ‪ ،‬لكن تسبق‬
‫نزوله مراحل متعددة هي ٓتر‬
‫وتكؿيف وتلقيح الرياح للسحاب‬
‫وغَتها ‪ .‬وتلك ا‪١‬تراحل ا‪١‬تتعددة‬
‫اهتدينا إليها مؤخرا ‪ ،‬بدليل أننا‬
‫حاولنا تقليد هذه الدورة ‪ ،‬بأن‬
‫نبخر ا‪١‬تاء ا‪١‬تاٌف ونكثفه لنستخرج‬
‫ماء مقطرا ‪ ،‬لكن ذلك له تكاليفه‬
‫ا‪١‬تالية العالية ‪ ،‬فكوب واحد من‬
‫ا‪١‬تاء ا‪١‬تقطر يستغرق وقتا ويستلزم‬
‫جهدا وتكاليف بؼنما ا‪١‬تعمل‬
‫اإل‪٢‬تي يدر لنا ماء ًغدقا ًال حصر‬
‫لكمياته ‪ ،‬إن هذا ا‪١‬تعمل يعمل‬
‫و‪٨‬تن ال ندري ‪.‬‬
‫إن الدورة ا‪١‬تائية تبدأ بصعود‬
‫البخار من ا‪١‬تاء ‪ ،‬وبعد ذلك يصادف‬
‫منطقة باردة فيزنل ماء عذبا ‪ .‬ومن‬
‫دقة ا‪٠‬تالق ا‪ٟ‬تكيم سبحانه أن جعل‬
‫منسوب ا‪١‬تاء العذب دائما أعَل من‬
‫منسوب ا‪١‬تاء الصاٌف ‪ ،‬فلو كان‬
‫منسوب ا‪١‬تاٌف أعَل من العذب‬
‫فسيطىغ عليه ويفسده ‪ ،‬وال ‪٧‬تد ماء‬
‫نشربه ‪ ،‬لكن اٍفالق ا‪ٟ‬تكيم جعل‬
‫منسوب ا‪١‬تياه العذبة يف األهنار أعَل‬
‫من ماء البحار وا‪١‬تحيطات حىت‬
‫ينساب ا‪١‬تاء من النهر إىل البحر؛‬
‫وذلك ال يسبب ضررا ‪.‬‬
‫فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعلمنا أنه‬
‫أنزل من السماء ماء ‪ ،‬كيف يزنل‬
‫هذا ا‪١‬تاء؟ ‪ .‬هذا ما عرفناه مؤخرا ‪،‬‬
‫وبا‪١‬تاء العذب ُ٭تيي اهلل األرض بعد‬
‫موْتا ‪ ،‬وما هو ا‪١‬توت؟ إن ا‪١‬توت هو‬
‫ذهاب ا‪ٟ‬تركة ‪ ،‬كذلك األرض‬
‫عندما ٕتف فبل تبىق ‪٢‬تا حركة ‪،‬‬
‫و‪٨‬تن ال نستطيع ْتواسنا أن ندرك‬
‫حركة األرض أثناء ‪٪‬تو النبات ‪،‬‬
‫لكن اهلل عز وجل يؤكد ذلك يف‬
‫قوله { َوتَ َرى األرض َها ِم َدة ًفَإِذَآ‬
‫أَن َزلْنَا عَلَيْهَا ا‪١‬تآء اهتزت َو َرب َ ْت } ػ‬
‫ا‪ٟ‬تج ‪] 5 :‬‬
‫فاألرض عندما يزنل عليها ا‪١‬تطر‬
‫تنتفخ قشرْتا ‪ ،‬وتطفو تلك القشرة‬
‫عَل سطح األرض ‪ ،‬ثم ماذا ٭تدث؟‬
‫‪َ { .‬وأَنؽَت َ ْت ِمن كُ ّ ِل زَ ْو ٍج ب َ ِهي ٍج } ػ‬
‫ا‪ٟ‬تج ‪] 5 :‬‬
‫وهذا هو معٌت قوله تعاىل ‪ { :‬فَأ َ ْحيَا‬
‫بِ ِه األرض بَعْ َد َم ْو ِْتَا } ‪ .‬ثم ٘تضي‬
‫ث فِيهَا ِمن كُ ّ ِل دَآبَّ ٍة }‬
‫اآلية { َوب َ َّ‬
‫أي نشر فيها كل ما يدب عَل‬
‫يف الرياح }‬ ‫األرض ‪ ،‬و { وتَ ْص ِر ِ‬
‫َ‬
‫ومعٌت التصريف هو التحويل‬
‫والتغيَت ‪ ،‬أي توجيه الرياح إىل‬
‫نواح ‪٥‬تتلفة سواء إىل الشمال أو‬
‫ا‪ٞ‬تنوب أو الشرق أو الغرب ‪ ،‬وهذا‬
‫االختبلف لم ‪٬‬تعل للهواء مسارا ً‬
‫رتؼبا ً‪ ،‬وعندما نتأمل عملية‬
‫االستطراق يف ا‪٢‬تواء ‪٧‬تد أهنا تعطي‬
‫اعتداال مزاجيا للهواء ‪ ،‬فمرة يأيت‬
‫من ناحية حارة؛ ليهب عَل ا‪١‬تناطق‬
‫الباردة ‪ ،‬ومرة يأيت من ا‪١‬تناطق‬
‫الباردة؛ فيهب عَل ا‪١‬تناطق ا‪ٟ‬تارة ‪،‬‬
‫وهذا التصريف نعمة من نعم اهلل ‪،‬‬
‫فلو كانت الرياح ثابتة لصارت‬
‫مرهقة للبشر ‪.‬‬
‫و‪٨‬تن نسمع عن أ‪ٝ‬تاء الرياح مثل‬
‫الصبا والدابور ‪ ،‬وريح الشمال ‪،‬‬
‫وريح ا‪ٞ‬تنوب ‪ ،‬والنكباء ‪ ،‬والزعزع‬
‫‪ ،‬والصرصر ‪ ،‬وساعة تسمع كلمة‬
‫{ الرياح } بصيغة ا‪ٞ‬تمع ‪ ،‬فلنعم‬
‫أهنا للخَت ‪ ،‬وإن جاءت « ريح »‬
‫بصيغة ا‪١‬تفرد فلنعلم أهنا عقيم‬
‫ضارة ‪ .‬مثل قوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬بِرِي ٍح‬
‫َص ْر َص ٍر عَاتِي َ ٍة} ‪ ،‬لكن هذه‬
‫القاعدة كسرْتا آية واحدة يف قوله‬
‫تعاىل ‪َ { :‬و َج َري ْ َن بِ ِهم بِرِي ٍح َط ِؼّب َ ٍة‬
‫} ػ يونس ‪] 22 :‬‬
‫‪١‬تاذا؟ ‪ .‬ألن الريح لو اختلفت عَل‬
‫السفؼنة لكانت كارثة؛ فكان البد‬
‫أن تأيت الرياح إىل السفؼنة من إتاه‬
‫واحد ‪ ،‬ولذلك لم يًتك اهلل كلمة‬
‫« ريح » مطلقة ‪ ،‬وإ‪٪‬تا وصفها بأهنا‬
‫ريح طؼبة ‪ .‬ويف قول آخر يقول ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل ‪َ { :‬وفَر ُِحوا ْبِهَا‬
‫اص ٌف } ػ يونس ‪:‬‬ ‫َجآءَْتْ َا رِي ٌح ع َ ِ‬
‫‪] 22‬‬
‫إنه سبحانه يلفؾنا إىل قدرته ‪ ،‬حىت‬
‫ال يعتقد أحد أن اهلل خلق ا‪٠‬تلق‬
‫وخلق ‪٢‬تم قانونا ثم ٗتَل عن‬
‫سبحانهو ما‬
‫ه‬ ‫حكمهم ‪ ،‬ال ‪ ،‬إنه‬
‫يزال قيوم السماوات واألرض‬
‫وله مطلق القدرة { والسحاب‬
‫ُت السمآء واألرض} ‪.‬‬ ‫ا‪١‬تسخر ب َ ْ َ‬
‫والؾسخَت معناه ‪ٛ‬تل الشيء عَل‬
‫حركة مطلوبة منه ال اخؾيار له فيها‬
‫‪ ،‬واهلل يسخر السحاب ألنه يريده‬
‫أن ٯتطر هنا ‪ ،‬فيأيت مسخر الرياح‬
‫فؼسوقه إىل حيث يريد اهلل ‪ ،‬وأنت‬
‫تنتع ٔتطر يزنل من سحابة يف‬‫قد ف‬
‫غَت مكانك ‪ ،‬و‪٨‬تن ننتفع يف مصر‬
‫ٔتاء النيل برغم أن ا‪١‬تطر يزنل يف‬
‫جنوب السودان ‪ ،‬ويف هضاب‬
‫ا‪ٟ‬تبشة ‪ ،‬ولو اقتصرنا عَل ا‪١‬تاء الذي‬
‫يزنل من ‪ٝ‬تاء مصر لكنا قد هلكنا‬
‫عطشا ‪ ،‬وهذا يؤكد معٌت قوله تعاىل‬
‫‪ { :‬إِذَآ أَقَل َّ ْت َس َحابا ًثِقَاال ً ُسق َْن ُاه‬
‫لِبَل َ ٍد َّم ِي ّ ٍت فَأَن ْ َزلْنَا بِ ِه ا‪١‬تآء } ػ‬
‫األعراف ‪] 57 :‬‬
‫إن السحاب يسَت مسخرا ًإىل غاية‬
‫مطلوبة منه وال إرادة له فيها ‪.‬‬
‫وٮتتم ا‪ٟ‬تق اآلية بقوله ‪ { :‬آلي َ ٍ‬
‫ات‬
‫ون } أي أهنا عجائب‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ل ِ ّ َقو ٍم يَعْقِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫لقوم يعقلون ‪ .‬وحُت يقول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫ون } فكأنه ينبه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫{ ل ِ ّ َقو ٍم يَعْقِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ا‪١‬تَل َ َكة ا‪١‬تفكرة العاقلة يف اإلنسان ‪.‬‬
‫وحُت ٮتاطبك ‪٥‬تاطب؛ وينبه فيك‬
‫ا‪١‬تلكة العاقلة؛ فأعلم أن ما ٮتُب به‬
‫ينتهي عقلك إليه ٔتجرد أن تفكر‬
‫‪ ،‬وإال ّلو لم يكن األمر كذلك؛ ما‬
‫كانت هناك ضرورة أن يذكر لك‬
‫كلمة العقل ‪.‬‬
‫والقرآن الكريم دائما يقول ‪« :‬‬
‫يتفكرون » ‪ ،‬و « يعقلون » و «‬
‫يتدبرون » و « يتذكرون » وكل‬
‫ذلك معناه أهنم لو فكروا ‪ ،‬ولو‬
‫عقلوا ‪ ،‬ولو تدبروا ‪ ،‬ولو تذكروا؛‬
‫النتهوا إىل ا‪ٟ‬تقيقة اليت يريدها اهلل‬
‫‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ينبه ا‪١‬تسلم‬
‫دائما ألن يستقبل األمور بعقله‬
‫وبفكره وبتدبره وبتذكره ‪ ،‬ألنه‬
‫سبحانه يعلم أن اإلنسان إذا فكر‬
‫أو عقل أو تذكر أو تدبر فسوف‬
‫ينتهي إىل ذات القضية ‪.‬‬
‫ومن بعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و ِم َن‬
‫الناس َمن يَتَّ ِخ ُذ ِمن ُد ِ‬
‫ون اهلل أَن َدادا ً‬
‫ب اهلل ‪} . . .‬‬ ‫ُ٭تِب ُّ َ‬
‫وهن ُ ْم كَ ُح ِ ّ‬
‫ون َ ِ‬
‫اّلل‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫اس من يتَ ِخ ُذ ِ‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الن‬ ‫ن‬ ‫وِ‬
‫م‬
‫ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اّلل َوال َّ ِذي َن‬‫أَن ْ َدادا ُ٭تِبُّون َ ُهم َكح ِب َ ِ‬
‫ْ ُ ّ ّ‬ ‫ً‬
‫آ َم ُنوا أ َ َش ُّد حبًا ِ َ ِ‬
‫ّلل َول َ ْو ي َ َرى ال َّ ِذي َن‬ ‫ُّ ّ‬
‫َظلَموا إِذْي َ َرون الْع َذاب أ َ َن ال ْ ُق َوةَ ِ َ ِ‬
‫ّلل‬‫َْ َ َ ّ ّ ّ‬ ‫ُ‬
‫يد الْعَ َذ ِ‬
‫اب‬ ‫َ‪ٚ‬تِيعًا َوأ َ َّن َّ‬
‫اّللَ َش ِد ُ‬
‫(‪)165‬‬

‫الند هو الشؽيه والنظَت ‪ ،‬والكافر هو‬


‫من ‪٬‬تعل هلل شؽيها ًونظَتا ً‪،‬‬
‫وا‪١‬تشركون ال ٮتلون اهلل عن‬
‫األلوهية ‪ ،‬إ‪٪‬تا يشركون معه غَته‬
‫أندادا ً‪ ،‬وهم ٭تبون هؤالء األنداد‬
‫كحبكم‬ ‫كحبهم هلل ‪ ،‬أو ُ٭تبوهنم ُ‬
‫أنتم هلل ‪ ،‬فكما ُ٭تب ا‪١‬تؤمن ربه ‪،‬‬
‫٭تب الكافر إ‪٢‬ته الذي اٗتذه معبودا ً‬
‫‪ { .‬والذين آ َم ُنوا ْأ َ َش ُّد حبا ً َ ِ‬
‫ّلل }‬ ‫ُّ ّ‬
‫‪١‬تاذا؟ ‪ .‬ألن هذا هو ا‪ٟ‬تب الذي ال‬
‫ٮتتلف عليه أحد ‪ ،‬ولكن حب هؤالء‬
‫ا‪١‬تشركُت لآل‪٢‬تة ا‪١‬تتعددة ا‪١‬تزيفة‬
‫ٮتتلف؛ فعندما ٯتس ا‪١‬تشرك‬
‫الضر يضرع إىل اهلل ولؼس إىل‬
‫اآل‪٢‬تة ا‪١‬تزيفة ‪ ،‬مصداقا لقوله تعاىل‬
‫‪َ { :‬وإِذَا َم َّس اإلنسان الضر دَعَانَا‬
‫ِ‪ٞ‬تَنبِ ِه أ َ ْو قَاعِدا ًأ َ ْو قَ ِآئما ً} ػ يونس ‪:‬‬
‫‪] 12‬‬
‫إن ا‪١‬تشرك يكتشف بفطرته‬
‫كذبه عَل نفسه يف مسألة اٗتاذه‬
‫أندادا هلل ‪ ،‬ولذلك إذا عزت عليه‬
‫األسباب ‪ ،‬ووقع يف مأزق فهو ال‬
‫ٮتدع نفسه ويقول ‪ :‬يا صنم أ‪٧‬تدين‬
‫‪ :‬وإ‪٪‬تا يقول ‪ « :‬يا رب أنقذين » ‪.‬‬
‫أما ا‪١‬تؤمن فهو ال يغَت ُحبه هلل أبدا ً‪،‬‬
‫ا‪١‬تؤمن ٭تب ربه يف السراء والضراء‬
‫‪ ،‬وعَل ذلك يكون الذين آمنوا أشد‬
‫حبا ًهلل ‪ ،‬ألهنم ال ينسونه ‪ ،‬ال يف‬
‫الرخاء وال يف الشدة لكن الكافرين‬
‫ال يعرفون اهلل ا‪ٟ‬تق إال يف الشدائد ‪،‬‬
‫فإذا مرت ا‪١‬تسألة فإهنم يسلكون‬
‫كما يصف القرآن سلوك كل كافر‬
‫منهم ‪َ { :‬م َّر كَأَن ل َّ ْم ي َ ْد ُعنَآ إىل ُض ّ ٍر‬
‫َّم َّس ُه } ػ يونس ‪َ { ] 12 :‬و َجعَ َل‬
‫ّلل أَن َدادا ًلِ ّي ِض َّل َعن َسؽِيلِ ِه ُق ْل َ٘تَتَّ ْع‬
‫َِ ِ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫اب‬ ‫ك قَلِيبل ًإِن ّ ََك ِم ْن أ َ ْص َح ِ‬
‫بِ ُك ْف ِر َ‬
‫النار } ػ الزمر ‪] 8 :‬‬
‫إهنم ينسون اهلل ‪ ،‬ويعودون إىل‬
‫تقديس األنداد ا‪١‬تزيفة ‪ ،‬وهم‬
‫بذلك يظلمون أنفسهم ‪ { .‬ولو‬
‫يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب‬
‫أن القوة هلل ‪ٚ‬تيعا ًوأن اهلل شديد‬
‫العذاب } ‪ ،‬ويفاجأ هؤالء‬
‫ا‪١‬تشركون بأمر عجيب لم يكن يف‬
‫حسباهنم ‪ ،‬هم آمنوا بأنداد‬
‫ويأتون يوم القيامة لَتوا تلك‬
‫األنداد وهي وقود للنار تعذبهم ‪،‬‬
‫ولو لم تأت معهم حجارة األصنام‬
‫اليت كانوا يعبدوهنا لقالوا ‪ « :‬إن‬
‫ا‪ٟ‬تجارة ستجدنا من هذا العذاب »‬
‫‪ .‬وها هو ذا ا‪ٟ‬تق سبحانه يبُت ‪٢‬تم ‪:‬‬
‫أن ا‪ٟ‬تجارة لؼست معكم يف‬
‫العذاب فقط ‪ ،‬بل هي وقود النار‬
‫اليت تعذبون بها ‪ ،‬ومصداقا لقوله‬
‫ون ِمن‬
‫تعاىل ‪ { :‬إِن َّ ُك ْم َو َما تَعْب ُ ُد َ‬
‫ون اهلل َح َص ُب َجهَنَّ َم } ػ األنؽياء‬ ‫ُد ِ‬
‫‪] 98 :‬‬
‫وكذلك قوله ا‪ٟ‬تق عن النار ‪{ :‬‬
‫ود َها الناس وا‪ٟ‬تجارة } ػ البقرة‬ ‫َو ُق ُ‬
‫‪] 24 :‬‬
‫وبذلك ينقطع عن الكافرين‬
‫ا‪١‬تشركُت كل أمل يف أن تنقذهم‬
‫آ‪٢‬تتهم ا‪١‬تزيفة ‪ { .‬إِذْي َ َر ْو َن‬
‫العذاب } أي يرون العذاب حق‬
‫اليقُت ‪ ،‬وقد سبق أن أُخُبوا به ‪،‬‬
‫لكنهم لم يؤمنوا باليوم اآلخر؛‬
‫لكن لو صدقوا بيوم القيامة وآمنوا‬
‫لكفاهم أن يروا العذاب عُت‬
‫اليقُت ‪ ،‬وٮتتم ا‪ٟ‬تق سبحانه اآلية‬
‫الكرٯتة بقوله ‪ { :‬أ َ َن القوة َ ِ‬
‫ّلل‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يد العذاب } أي‬ ‫َ‪ٚ‬تِيعا ً َوأ َ َّن اهلل َش ِد ُ‬
‫أهنم ساعة يرون العذاب حق‬
‫اليقُت سيدركون عندها أ ن القوة‬
‫هلل وأنه شديد العقاب ‪.‬‬
‫ثم يبُت ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ماذا‬
‫سيكون حا‪٢‬تم عندما يرون‬
‫ُبأ َالذين‬ ‫العذاب ‪ ،‬فيقول ‪ { :‬إِذْ تَ َ َّ‬
‫اتبعوا ِم َن الذين اتبعوا َو َرأ َ ُوا ْ‬
‫العذاب َوتَقَ َّطعَ ْت بِ ِه ُم األسباب }‬
‫ُبأ َال َّ ِذي َن ا ّتُبِ ُعوا ِم َن ال َّ ِذي َن اتَّ َُع‬
‫بوا‬ ‫إِذْ تَ َ َّ‬
‫اب َوتَ َق َّطعَ ْت بِ ِه ُم‬ ‫َ‬
‫َو َرأ ُوا الْعَ َذ َ‬
‫اب (‪)166‬‬ ‫ْاأل َ ْسب َ ُ‬
‫إن كل من زين الكفر والعصيان‬
‫لغَته سيؾُبأ من كل من زَي ّ ََن ‪٢‬تم‬
‫معصية اهلل والشرك به ‪ ،‬حىت‬
‫العمدة يف إغوائهم‬ ‫الشيطان؛ ُ‬
‫سيؾُبأ منهم ‪ ،‬وسيقول ساعتها ‪{ :‬‬
‫إ َِّن اهلل َوع َ َد ُك ْم َوع ْ َد ا‪ٟ‬تق‬
‫َ‬
‫َو َو َعد ّتُ ُك ْم فَأ ْخل َ ْف ُت ُك ْم َو َما ك َ َ‬
‫ان ِيل َ‬
‫عَلَي ْ ُك ْم ِّمن ُسل ْ َطانٍ إِال َّأَن دَ َع ْو ُت ُك ْم‬
‫وين ولوموا‬ ‫فاستجؽتم ِيل فَبل َتَلُو ُم ِ‬
‫أ َ ُنف َس ُك ْم َّمآ أَنَا ْ ِ ُٔت ْص ِر ِخ ُك ْم َو َمآ‬
‫أ َ ُنت ْم ِ ُٔت ْص ِر ِخ َّي } ػ إبراهيم ‪22 :‬‬
‫]‬
‫فلن يستطيع الشيطان أن ينقذ‬
‫أحدا من المشركُت ‪ ،‬ولن يصرخ‬
‫فيأيت له ا‪١‬تشركون إلنقاذه ‪ ،‬وإن‬
‫صرخ ا‪١‬تشركون؛ فلن يأيت ‪٢‬تم‬
‫الشيطان لؼنقذهم ‪ ،‬وسيؾُبأ كل‬
‫منهم من اآلخر ‪ ،‬وسيؾُبأ الكافرون‬
‫من كل من زين ‪٢‬تم الشرك باهلل ‪،‬‬
‫أو سيقول الكافرون ‪١‬تن زينوا ‪٢‬تم‬
‫الشرك باهلل ‪٨ « :‬تن أبرياء منكم‬
‫وال عبلقة لنا بكم » ‪ .‬وجاءت اآلية‬
‫بالذين اتبعوا أوال ألهنم ا‪١‬تفتون‬
‫فيهم ‪ ،‬ثم جاءت بالذين اتبعوا من‬
‫بعد ذلك ‪ ،‬إهنم يرون العذاب‬
‫وتتقطع بهم األسباب ‪ ،‬وأصبحت‬
‫كل نفس ٔتا كسبت رهؼنة ‪،‬‬
‫والشيطان نفسه يعًتف بأنه لم‬
‫يكن صاحب سلطان إال بأن داهم‬
‫‪ ،‬فمن استجاب له ‪ ،‬جيء به إىل هذا‬
‫ا‪١‬تصَت ‪ ،‬والسلطان إما أن يكون‬
‫سلطان حجة ‪ ،‬وإما سلطان قهر ‪،‬‬
‫ولم يكن للشيطان سلطان قهر عَل‬
‫الكافرين ‪ ،‬ولم يكن له إال عمل‬
‫واحد ببل سلطان ‪ ،‬وهو أن دعاهم‬
‫إىل الشرك باهلل؛ فاستجابوا له‪.‬‬
‫فماذا ٭تدث عندما تتقطع بهم‬
‫األسباب؟ إن ا‪ٟ‬تق سبحانه يقول ‪:‬‬
‫ال الذين اتبعوا ل َ ْو أ َ َّن لَنا َك َّرة ً‬ ‫{ َوقَ َ‬
‫ُب ُءوا ْ ِمنَّا ‪} . . .‬‬ ‫ُبأ َ ِمن ْ ُه ْم َك َما تَ َ َّ‬
‫فَنَؾ َ َ َّ‬
‫ال ال َّ ِذي َن ا َّتب َ ُعوا ل َ ْو أ َ َّن لَنا كَ َّرة ً‬
‫َوقَ َ‬
‫ُب ُءوا ِمنَّا كَ َذل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ُبأ َ ِمن ْ ُه ْم كَ َما تَ َ َّ‬ ‫فَنَؾ َ َ َّ‬
‫اّلل أ َ ْعما َ‪٢‬تم َح َس َر ٍ‬
‫ات‬ ‫يُ ِري ِه ُم َّ ُ َ ُ ْ‬
‫ُت ِم َن النَّا ِر‬ ‫ِ‬
‫عَلَي ْ ِه ْم َو َما ُه ْم ب ا َخ ِر ِج َ‬
‫(‪)167‬‬

‫إن تُبؤ الذين اتَّب َ ُعوا من الذين‬


‫ا ّتُبِ ُعوا لن ينفعهم ‪ ،‬و٘تنيهم أن‬
‫تكون ‪٢‬تم كرة أي عودة ليؾُبأوا‬
‫منهم لن ‪٬‬تدي ‪ ،‬ويريهم اهلل‬
‫أعما‪٢‬تم اليت سبقت حسرات‬
‫عليهم ‪ .‬وال تكون ا‪ٟ‬تسرة إال إذا‬
‫أصيب اإلنسان ٔتصؼبة ال منأى‬
‫من النجاة منها ‪َ { ،‬و َما ُهم‬
‫ُت ِم َن النار } أي لن ينفعهم‬ ‫ِٓتَا ِر ِج َ‬
‫ندمهم عَل ما سبق من أعما‪٢‬تم‬
‫السؼئة ‪ ،‬ولن ‪٬‬تدي هذا الندم يف‬
‫إخراجهم من النار ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق‬
‫من بعد ذلك ‪ { :‬ياأيها الناس كُلُوا ْ‬
‫ِ‪٦‬تَّا ِيف األرض َحبلَال ً َط ِؼّبا ً َوال َتَؾَّبِ ُعوا ْ‬
‫ات الشيطان إِن ّ َُه ل َ ُك ْم ع َ ُد ٌّو‬ ‫ُخ ُطو ِ‬
‫َ‬
‫ُت ‪} . . .‬‬ ‫ُّمبِ ٌ‬
‫اس كُلُوا ِ‪٦‬تَّا ِيف ْاأل َ ْر ِض‬ ‫َ‬
‫يَا أيُّهَا النَّ ُ‬
‫َح َبل ًال َط ِؼّبا و َال تَؾَّبِ ُعوا ُخ ُطو ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫ً َ‬
‫ان إِن ّ َُه ل َ ُك ْم ع َ ُد ٌّو ُمبِ ٌ‬
‫ُت‬ ‫ال َّشي ْ َط ِ‬
‫(‪)168‬‬

‫إن من ر‪ٛ‬تة اهلل عز وجل عَل عباده‬


‫أنه لم يقصر ا‪٠‬تطاب عَل الذين‬
‫آمنوا؛ وإ‪٪‬تا وسع الدائرة لتشمل‬
‫ا‪١‬تؤمنُت وغَتهم؛ فقال ‪ { :‬ياأيها‬
‫الناس } فكأنه خلق ما يف األرض‬
‫‪ٚ‬تيعا للناس ‪ٚ‬تيعا ‪ ،‬وهذا ما قلنا‬
‫عنه ‪ :‬إنه عطاء الربوبية لكل البشر‬
‫‪ ،‬من آمن منهم ومن لم يؤمن ‪ ،‬فهو‬
‫سبحانه خلق كل ا‪٠‬تلق ‪ ،‬مؤمنهم‬
‫وكافرهم ‪ ،‬ومادام قد خلقهم‬
‫واستدعاهم إىل الوجود فهو يوجه‬
‫ا‪٠‬تطاب ‪٢‬تم ‪ٚ‬تيعا؛ مؤمنهم‬
‫وكافرهم؛ وكأن ا‪٠‬تطاب يقول‬
‫للكافرين ‪ :‬حىت ولو لم تؤمنوا باهلل ‪،‬‬
‫فخذوا من ا‪١‬تؤمنُت األشياء ا‪ٟ‬تبلل‬
‫واستعملوها ألهنا تفيدكم يف‬
‫دنياكم؛ وإن لم تؤمنوا باهلل ‪ ،‬ألن‬
‫من مصلحتكم أن تأكلوا ا‪ٟ‬تبلل‬
‫الطيب ‪ ،‬فاهلل لم ٭ترم إال كل ضار‬
‫‪ ،‬ولم ٭تلل إال كل طيب ‪.‬‬
‫هنا موقف يقفه كثَت من الذين‬
‫أسرفوا عَل أنفسهم ‪ ،‬و٭تبون أن‬
‫تكون قضية الدين وقضية‬
‫التحريم وقضية التحليل ‪ ،‬قضايا‬
‫كاذبة؛ ألنه ال ينجيهم أمام‬
‫أنفسهم إال أن ‪٬‬تدوا أشياء‬
‫يكذبون بها الدين ‪ ،‬ألهنم لم‬
‫يستطيعوا أن ٭تملوا أنفسهم عَل‬
‫مطلوبات اهلل ‪ ،‬فلما لم يستطيعوا‬
‫ذلك لم ‪٬‬تدوا منفذا ‪٢‬تم إال أن‬
‫يقولوا ‪ :‬إن قضايا الدين كاذبة ٔتا‬
‫فيها التحليل والتحريم ‪ .‬إهنم‬
‫يقولون ‪ :‬مادام اهلل قد حرم شؼئا‬
‫فلماذا خلقه يف الكون؟ ‪.‬‬
‫كأهنم يعتقدون أن كل ‪٥‬تلوق يف‬
‫األرض قد ُخلق ليؤكل ‪ ،‬وما علموا‬
‫أن لكل ‪٥‬تلوق يف األرض مهمة ‪،‬‬
‫فهم اآلن ٯتسكون ا‪ٟ‬تيات‬
‫والثعابُت لؼستخلصوا منها‬
‫السموم؛ حىت يقتلوا بها‬
‫ا‪١‬تيكروبات اليت تقتل اإلنسان ‪،‬‬
‫وكانوا قبل اكتشاف فائدة السم يف‬
‫الثعبان يؾساءلون « وما فائدة خلق‬
‫مثل هذه الثعابُت؟ » ‪ .‬فلما‬
‫أحوجهم اهلل وأ‪ٞ‬تأهم إىل أن‬
‫يستفيدوا ٔتا يف الثعابُت من سم؛‬
‫ليجعلوه عبلجا ًأدركوا حكمة اهلل‬
‫من خلق هذه األنواع ‪ ،‬لقد خلقها ال‬
‫لنأكلها ‪ ،‬وإ‪٪‬تا لنعاًف بها ‪.‬‬
‫فأنت إذا رأيت شؼئا ‪٤‬ترما ال تقل‬
‫‪١‬تاذا خلقه اهلل ‪ ،‬ألنك ال تعرف ما‬
‫هي مهمته ‪ ،‬فلؼست مهمة كل‬
‫‪٥‬تلوق أن يأكله اإلنسان ‪ ،‬إ‪٪‬تا لكل‬
‫‪٥‬تلوق مهمة قد ال تشعر بأدائها يف‬
‫الكون ‪ .‬وهذه مسألة نستعملها‬
‫‪٨‬تن يف ذوات نفوسنا ‪ ،‬عَل سؽيل‬
‫ا‪١‬تثال؛ عندما يأيت الصيف و‪٩‬تىش‬
‫عَل مبلبسنا الصوفية من‬
‫ا‪ٟ‬تشرات؛ فنأيت ‪٢‬تا ٔتا يقتل‬
‫ا‪ٟ‬تشرات ‪ ،‬وهو « النفتالُت » ‪،‬‬
‫و‪٨‬تذر أبناءنا من عدم االقًتاب‬
‫منه وأكله ‪ .‬إن « النفتالُت » ال‬
‫يؤكل ‪ ،‬ولكنه مفيد يف قتل‬
‫ا‪ٟ‬تشرات الضارة ‪.‬‬
‫كذلك « الفينيك » نشًتيه‬
‫ونضعه يف زجاجة يف ا‪١‬تزنل لنطهر‬
‫به أي مكان ملوث ‪ ،‬و‪٨‬تذر األطفال‬
‫منه ألنه ضار ‪٢‬تم ‪ ،‬ولكنه نافع يف‬
‫تطهَت ا‪١‬تزنل من ا‪ٟ‬تشرات ‪،‬‬
‫وكذلك ا‪١‬تخلوقات اليت ال نعرف‬
‫حكمة خلقها ‪ ،‬لقد خلقها اهلل‬
‫‪١‬تهمة خاصة بها ‪ ،‬فبل تنقل شؼئا‬
‫من مهمته إىل مهمة أخرى ‪.‬‬

‫وإذا كان اإلنسان لم يدرك حىت‬


‫اآلن فائدة بعض ا‪١‬تخلوقات ‪ ،‬فما‬
‫أكثر ما ‪٬‬تهل ‪ ،‬وهو يكتشف كل‬
‫يوم سرا من أسرار ‪٥‬تلوقات اهلل ‪.‬‬
‫وعَل سؽيل ا‪١‬تثال ‪ ،‬كانوا ينظرون‬
‫إىل نوع من السمك ال يتجاوز‬
‫حجمه عقلة اإلصبع؛ وال يكُب‬
‫أبدا ‪ ،‬واحتاروا يف فائدته ‪ ،‬وعندما‬
‫ذه بنا للسعودية ورأينا األماكن اليت‬
‫نأخذ منها ا‪١‬تاء الذي قد يفسد ‪،‬‬
‫ووجدنا هذا النوع من السمك‬
‫بكثرة ‪ ،‬فسألناهم عن حقيقة هذا‬
‫السمك ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إنه ال يكُب‬
‫ويظل عَل هذا ا‪ٟ‬تجم ‪ ،‬ومهمته‬
‫تنقية ا‪١‬تياه يف األماكن اليت ال يقوم‬
‫اإلنسان بؾنقؼتها ‪ .‬وجربنا حقيقة‬
‫ما قالوا؛ فألقؼنا بعضا من ‪٥‬تلفات‬
‫الطعام؛ فوجدنا هذه األ‪ٝ‬تاك‬
‫ٗترج من حيث ال ندري وتلقف‬
‫هذه البقايا؛ وال تًتكها حىت تنهيها‬
‫‪.‬‬
‫هكذا ٮتلق ا‪ٟ‬تي القيوم ‪٥‬تلوقات‬
‫لتحفظ ‪٥‬تلوقات أخرى ‪ ،‬هو‬
‫سبحانه يقول لئلنسان ‪ :‬ال تأكل‬
‫هذا وكل ذاك؛ ‪ٟ‬تكمة قد ال نعرفها‬
‫‪.‬‬
‫مثال آخر ‪ ،‬الطائر ا‪١‬تعروف بأّب‬
‫قردان صديق الفبلح ‪ ،‬كانت‬
‫وظيفته يف ا‪ٟ‬تياة أن يأكل ا‪ٟ‬تشرات‬
‫والديدان عند ري األرض ‪ ،‬ومنذ‬
‫أن اختىف هذا الطائر بؼتأثر‬
‫ا‪١‬تؽيدات؛ استفحل خطر الديدان‬
‫عَل الزرع وٓتاصة دودة القطن ‪.‬‬
‫إهنا معادلة إ‪٢‬تية مركبة تركؼبا‬
‫دقيقا ‪ .‬وكذلك الذباب ‪ ،‬يؾساءل‬
‫بعض الناس « ما حكمة وجوده يف‬
‫ا‪ٟ‬تياة؟ » وهم ال يعرفون أن‬
‫الذباب يؤدي لئلنسان دورا هاما‬
‫هو أكل القاذورات وما بها من‬
‫أمراض ‪ ،‬ولو ٖتصن الناس بالنظافة‬
‫‪١‬تا جاءهم الذباب ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬فكل شيء يف الوجود مرتب‬
‫ترتؼبا دقيقا ‪ ،‬إنه ترتيب خالق‬
‫عليم حكيم ‪ ،‬مادام ا‪ٟ‬تكيم هو‬
‫الذي خلق؛ فبل يعًتض أحد‬
‫ويقول ‪١‬تاذا خلق كذا وكذا؟ ‪ ،‬ألن‬
‫لكل ‪٥‬تلوق دورا ًيؤديه يف الكون ‪.‬‬
‫ولذلك ينبه ا‪٠‬تالق الناس مؤمنهم‬
‫وكافرهم بأن يأكلوا ا‪ٟ‬تبلل الطيب‬
‫من األرض ‪ ،‬وهو يقول للكافر؛‬
‫إنك إن تعقلت األمور؛ لوجدت‬
‫أن كل ما أمرتك به هو لصا‪ٟ‬تك ‪،‬‬
‫وحىت لو لم تؤمن فأنا أدلك عَل ما‬
‫ينفع ‪ ،‬فبل تأكل إال ا‪ٟ‬تبلل الطيب ‪،‬‬
‫انظر إىل ا‪١‬تؤمنُت ٔتاذا ‪ٝ‬تح ‪٢‬تم‬
‫من طعام وكل مثلهم ‪.‬‬
‫وقد أثبت الواقع والتاريخ؛ أن‬
‫الكافرين يلجأون إىل منهج اهلل يف‬
‫بعض األقضية؛ ليحلوا مشاكل‬
‫حياْتم ‪ ،‬ال بدين اهلل كدين ‪،‬‬
‫ولكن بأوامر اهلل كنظام ‪ ،‬فلو كان‬
‫عند الكافرين باهلل حكمة حىت‬
‫فيما يتعلق بشئون دنياهم؛‬
‫ألخذوا ما أمر اهلل به ا‪١‬تؤمنُت‬
‫واتبعوه ‪.‬‬
‫وا‪١‬تثال عَل ذلك؛ عندما ٭ترم ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ٟ‬تم ا‪١‬تؼتة ‪ ،‬أي اليت‬
‫ماتت ولم تذبح ‪ ،‬إن ‪ٟ‬تمها ضار‬
‫بالصحة ‪ ،‬ألن أوعية الدم يف‬
‫ا‪ٟ‬تيوان ويف كل كائن حي هي‬
‫وعاءان! إما أوردة وإما شرايُت ‪،‬‬
‫والدم قبل أن يذهب إىل الكَل أو‬
‫الرئة يكون دما فاسدا ‪ ،‬و‪٨‬تن‬
‫عندما نذبح ا‪ٟ‬تيوان يسيل منه‬
‫الدم الفاسد وغَت الفاسد وٮترج ‪،‬‬
‫ويصَت اللحم خالصا ‪ ،‬لكن ا‪ٟ‬تيوان‬
‫الذي لم يذبح؛ لم يذك ‪ ،‬يعٍت لم‬
‫يُ َط ّهر من فساد الدم ‪ ،‬وهو ضار‬
‫لئلنسان ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل عندما يقول ‪:‬‬
‫{ ياأيها الناس } فكأنه يدعو غَت‬
‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ :‬لو عقلتم ‪ ،‬لوجب أن‬
‫ٖتتاطوا إىل حياتكم بأال تأكلوا إال‬
‫حبلال أحله اهلل للمؤمنُت ‪َ { .‬وال َ‬
‫ات الشيطان } ‪ .‬أي ال‬ ‫تَؾَّبِ ُعوا ْ ُخ ُطو ِ‬
‫َ‬
‫تسَتوا وراء الشيطان ‪ ،‬فا‪٠‬تطوة‬
‫هي ا‪١‬تسافة بُت القدمُت عند‬
‫ا‪١‬تشي ‪ ،‬أي بُت النقلة والنقلة ‪ ،‬وال‬
‫ٕتعلوا الشيطان قائدكم؛ ألن‬
‫الشيطان عداوته لكم مسبقة ‪،‬‬
‫و‪٬‬تب أن ٖتتاطوا بسوء الظن فيه؛‬
‫فهو الذي عىص ربه؛ وال يصح أن‬
‫يطاع يف أي أمر ‪ { ،‬إِن ّ َُه ل َ ُك ْم ع َ ُد ٌّو‬
‫ُت } وعداوة الشيطان لئلنسان‬ ‫ُّمبِ ٌ‬
‫قدٯتة من أيام آدم ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق عن أوامر الشيطان ‪:‬‬
‫{ إ َِّ‪٪‬تَا يَأ ْ ُم ُر ُك ْم بالسواء والفحشآء‬
‫َ‬
‫َوأن تَ ُقولُوا ْعََلَ اهلل َما ال َتَعْل َ ُم َ‬
‫ون }‬
‫لسوءِ وال ْ َفح َشاءِ‬ ‫ْ‬
‫إ َِّ‪٪‬تَا يَأ ُم ُر ُك ْم بِا ُّ َ ْ‬
‫وأَن تَ ُقولُوا عََلَ َ ِ‬
‫اّلل َما َال تَعْل َ ُم َ‬
‫ون‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ‬
‫(‪)169‬‬

‫والسوء هو كل ذنب ال حد فيه ‪،‬‬


‫مثل الغؼبة أو النميمة ‪ ،‬والفحشاء‬
‫هي كل ذنب فيه حد وفيه عقوبة ‪.‬‬
‫والشيطان يأمركم أن تقولوا عَل‬
‫اهلل ما ٕتهلون ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق من بعد ذلك ‪َ { :‬وإِذَا‬
‫يل َ‪٢‬ت ُ ُم اتبعوا َمآ أَن َز َل اهلل قَالُوا ْ‬ ‫قِ َ‬
‫ب َ ْل نَؾَّبِ ُع َمآ أَل ْ َفؼْنَا عَلَي ْ ِه آبَآءَنَآ أ َ َول َ ْو‬
‫ِ‬
‫ان آب َ ُاؤ ُه ْم ال َيَعْقل ُ َ‬
‫ون َشؼْئا ً َوال َ‬ ‫كَ َ‬
‫ون }‬ ‫يت َ ُد َ‬ ‫َ ْه‬
‫يل َ‪٢‬ت ُ ُم اتَّبِ ُعوا َما أَن ْ َز َل ّ َُ‬
‫اّلل‬ ‫َوإِذَا قِ َ‬
‫قَالُوا ب َ ْل نَؾَّبِ ُع َما أَل ْ َفؼْنَا عَلَي ْ ِه آبَاءَنَا‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ان آب َ ُاؤ ُه ْم َال يَعْقل ُ َ‬
‫ون َشؼْئًا َو َال‬ ‫أ َول َ ْو ك َ َ‬
‫ون (‪)170‬‬ ‫يَهْت َ ُد َ‬
‫وهذه اآلية تعاًف قضية خطَتة يف‬
‫ا‪١‬تجتمع اإلسبلمي ‪ ،‬قضية تقليد‬
‫الناس لعادات آبائهم ‪ .‬والتقليد‬
‫هو نشأة طؽيعية يف اإلنسان ‪ ،‬ألن‬
‫اإلنسان حُت ٮترج للوجود ُ‪٦‬تدا ً‬
‫بطاقة ا‪ٟ‬تياة؛ فهذه الطاقة تريد أن‬
‫تتحرك؛ وحركتها تأيت دائما وفق‬
‫ما ترى من حركة السابق ‪٢‬تا ‪،‬‬
‫فالطفل الصغَت ال يعرف أن يده‬
‫تؾناول أشياء إال إذا رأى يف البؼئة‬
‫المحيطة به إنسانا يفعل ذلك ‪،‬‬
‫وحُت يريد الطفل أن يتحرك ‪،‬‬
‫فهو يقلد حركة الذين حوله ‪،‬‬
‫ولذلك ٕتد األطفال دائما يقلدون‬
‫آباءهم يف معظم حركاْتم ‪ ،‬وحُت‬
‫يوجد األطفال مع أجيال متعاقبة‬
‫٘تثل أعمارا ً‪٥‬تتلفة ‪ ،‬فإن الطفل‬
‫الصغَت يقلد يف حركته البدائية‬
‫خليطا ًمن حركات هذه األجيال ‪،‬‬
‫فهو يقلد جده ‪ ،‬ويقلد جدته ‪،‬‬
‫ويقلد أباه وأمه ‪ ،‬وإخوته؛ فتنشأ‬
‫حركات ‪٥‬تتلطة ٘تثل األجيال كلها‬
‫‪.‬‬
‫ولذلك فاندماج الطفل يف أسرة‬
‫مكونة من آباء وأجداد ‪٘ ،‬تثل يف‬
‫اإلنسان طؽيعة ا‪ٟ‬تياة ا‪١‬تتصلة‬
‫ٔتنهج ا‪ٟ‬تركة يف األرض ؤتنهج‬
‫السماء؛ ألن الطفل حُت يعؼش مع‬
‫أبيه فقط ‪ ،‬قد ‪٬‬تده مشغوال يف‬
‫حركة ا‪ٟ‬تياة اليت رٔتا شدته عن‬
‫قيم ا‪ٟ‬تياة أو عن منهج السماء؛‬
‫لكنه حُت يرى أبا ألبيه؛ هو جده‬
‫قد فزع من حركة ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وإته إىل‬
‫منهج القيم؛ ألنه قريب عهد فيما‬
‫يظن بلقاء اهلل ‪ ،‬فإن كان ال يصلي‬
‫يف شبابه فهو يصلي اآلن ‪ ،‬وإن كان‬
‫ال يفعل الطاعات سابقا؛ أصبح‬
‫يفعلها اآلن ‪ ،‬وهكذا يرى الطفل‬
‫حركة ا‪ٟ‬تياة ا‪ٞ‬تا‪٤‬تة يف الدنيا‬
‫والتلهف عليها من أبيه ‪ ،‬و‪٬‬تد‬
‫اإلقبال عَل القيم والعبادات من‬
‫جده ‪ ،‬ولذلك ٕتده رٔتا عاون جده‬
‫عَل الطاعة؛ فساعة يسمع الطفل‬
‫ا‪١‬تؤذن يقول ‪ « :‬اهلل أكُب » ‪ ،‬فهو‬
‫يعرف أن جده يريد أن يصلي؛‬
‫فيذهب هو ويأيت بالسجادة‬
‫ويفرشها ‪ٞ‬تده؛ ويقف مقلدا ًجده ‪،‬‬
‫وإن كانت بنتا ‪ ،‬فنحن ‪٧‬تدها تقلد‬
‫أمها أو جدْتا وتضع الغطاء عَل‬
‫رأسها لتصلي ‪ ،‬إذن ‪ ،‬فاندماج‬
‫األجيال يعطي ا‪٠‬تَت من ا‪ٟ‬تركتُت ‪،‬‬
‫حركة مادية ا‪ٟ‬تياة وحركة قيم‬
‫منهج السماء ‪ ،‬ولذلك ٯتنت ا‪ٟ‬تق‬
‫علؼنا قائبل ‪َ { :‬و َجع َ َل ل َ ُك ْم ِّم ْن‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ُت َو َح َف َدة ً} ػ النحل‬ ‫أزْ َوا ِج ُكم بَن َ‬
‫‪] 72 :‬‬
‫إذن ‪ ،‬فتقليد األجيال البلحقة‬
‫لؤلجيال السابقة أمر تقتضيه‬
‫طؽيعة الوجود ‪.‬‬
‫وحُت يدعو اهلل الناس أن يؾبعوا ما‬
‫يزنله عَل الرسل فهو ينهاهم أن‬
‫يؾبعوا تقليد اآلباء يف كل حركاْتم ‪،‬‬
‫ألنه قد تكون حركة اآلباء قد‬
‫اختلت بالغفلة عن ا‪١‬تنهج أو‬
‫بنسيان ا‪١‬تنهج ‪ ،‬لذلك يدعونا‬
‫ويأمرنا سبحانه ‪ :‬أن ننخلع عن‬
‫هذه األشياء ونؾبع ما أنزل اهلل ‪ ،‬وال‬
‫هنبط إىل مستوى األرض ‪ ،‬ألن‬
‫عادات ومنهج األرض قد تتغَت ‪،‬‬
‫ولكن منهج السماء دائما ال يتغَت ‪،‬‬
‫فاتبعوا ما أنزل اهلل ‪.‬‬
‫والناس حُت ٭تتجون يقولون ‪ :‬بل‬
‫نؾبع ما وجدنا عليه آباءنا ‪ .‬وتلك‬
‫قضية تُبيرية يف الوجود ‪ ،‬ولو كان‬
‫ذلك حقا ًوصدقا ً‪ ،‬ومطابقا للواقع ‪،‬‬
‫‪١‬تا كرر اهلل الرساالت بعد أن علم‬
‫آدم كل ا‪١‬تنهج الذي يريد؛ ألننا لو‬
‫كنا نؾبع ما ألفؼنا عليه آباءنا ‪.‬‬

‫لكان أبناء آدم سيؾبعون ما كان‬


‫يفعله آدم ‪ ،‬وأبناء أبناء آدم يؾبعون‬
‫آباءهم ‪ ،‬وهكذا يظل منهج‬
‫السماء موجودا ًمتوارثا ًفبل تغيَت‬
‫فيه ‪.‬‬
‫إذن فما الذي اقتىض أن يتغَت منهج‬
‫السماء؟‬
‫إن هذا دليل عَل أن الناس قد غَتوا‬
‫ا‪١‬تنهج ‪ ،‬ولذلك فقو‪٢‬تم ‪ { :‬نَؾَّبِ ُع َمآ‬
‫أَل ْ َفؼْنَا عَلَي ْ ِه آبَآءَنَآ } هي قضية‬
‫مكذوبة ‪ ،‬ألهنم لو اتبعوا ما وجدوا‬
‫عليه آباءهم؛ لظل منهج اهلل يف‬
‫األرض مضؼئا غَت متأثر بغفلة‬
‫الناس وال متأثرا با‪٨‬ترافات أهل‬
‫األرض عن منهج السماء ‪ .‬وهو‬
‫تُبير يكشف أن ما وجدوا عليه‬
‫آباءهم يوافق أهواءهم ‪.‬‬
‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬اتبعوا } أي اجعلوا‬
‫ما أنزل عليكم من السماء متبوعا‬
‫وكونوا تابعُت ‪٢‬تذا ا‪١‬تنهج؛ ال‬
‫تابعُت لسواه؛ ألن ما سوى منهج‬
‫السماء هو منهج من صناعة أهل‬
‫األرض ‪ ،‬وهو منهج غَت مأمون ‪،‬‬
‫وقو‪٢‬تم ‪َ { :‬مآ أَل ْ َفؼْنَا عَلَي ْ ِه آبَآءَنَآ }‬
‫أي ما وجدنا عليه آباءنا ‪ ،‬وما‬
‫تفتحت عليه عيوننا فوجدناه‬
‫حركة ُٖتتذى و ُتقتدى ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق يبُت ‪٢‬تم أن هذا كبلم خاطئ‬
‫‪ ،‬وكبلم تُبيري وأنتم غَت صادقُت‬
‫فيه ‪ ،‬وعدم الصدق يتضح يف أنكم‬
‫لو كنتم مؾبعُت ‪١‬تنهج السماء؛ ‪١‬تا‬
‫تغَت ا‪١‬تنهج ‪ ،‬هذا أوال ‪ ،‬أما ثانيا ‪،‬‬
‫فأنتم يف كثَت من األشياء ٗتتلفون‬
‫عن آبائكم ‪ ،‬فحُت تكون لؤلبناء‬
‫شخصية وذاتية فإننا ‪٧‬تد األبناء‬
‫حريصُت عَل االختبلف ‪ ،‬و‪٧‬تد‬
‫أجياال متفسخة ‪ ،‬فاألب يريد شؼئا‬
‫واالبن يريد شؼئا آخر ‪ ،‬لذلك ال‬
‫يصح أن يقولوا ‪ { :‬ب َ ْل نَؾَّبِ ُع َمآ‬
‫أَل ْ َفؼْنَا عَلَي ْ ِه آبَآءَنَآ } ؛ ألنه لو صح‬
‫ذلك ‪١‬تا اختلف منهج اهلل عَل‬
‫األرض لكن ا‪١‬تنهج اختلف لدخول‬
‫أهواء البشر ‪ ،‬ومع ذلك نرى بعضا ً‬
‫من ا‪٠‬تبلف يف سلوك األبناء عن‬
‫اآلباء ‪ ،‬ونقبل ذلك ونقول ‪ :‬هذا‬
‫ْتكم تغيَت واختبلف األجيال ‪ ،‬أي‬
‫أن األبناء أصبحت ‪٢‬تم ذاتية ‪.‬‬
‫ولذلك فالقول باتباع األبناء لآلباء‬
‫كذب ال ٯتثل الواقع ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يرد عَل هذه‬
‫القضية ألهنا قضية تُبيرية ال دليل‬
‫‪٢‬تا من صدق ‪ ،‬وال برهان ‪٢‬تا من‬
‫َ‬
‫واقع ‪ .‬ويقول سبحانه ‪ { :‬أ َول َ ْو ك َ َ‬
‫ان‬
‫ِ‬
‫ون‬ ‫آب َ ُاؤ ُه ْم ال َيَعْقل ُ َ‬
‫ون َشؼْئا ً َوال َيَهْت َ ُد َ‬
‫} أي أيؾبعون ما وجدوا عليه‬
‫آباءهم حىت ولو كان آباؤهم ال‬
‫يعقلون وال يهتدون؟ ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬الرد جاء من ناحيتُت ‪ ،‬من‬
‫ناحية التعقل ‪ ،‬ومن ناحية‬
‫االهتداء ‪ ،‬وكل من التعقل‬
‫واالهتداء منفي عن اآلباء يف هذه‬
‫اآلية ‪ ،‬فأنتم تؾبعوهنم اتباعا ببل‬
‫تفكَت ‪ ،‬اتباعا أع ىم ‪ .‬واإلنسان ال‬
‫يطيع طاعة عمياء إال ‪١‬تن يؾيقن‬
‫صدق بصَتته النافذة ا‪١‬تطلقة ‪،‬‬
‫وهذه ال ٯتكن أن تتأىت من بشر إىل‬
‫بشر ‪ ،‬فالطاعة ا‪١‬تطلقة ال تصح أن‬
‫تكون لشيء إال ‪١‬تنهج ال‪ٝ‬تاء ‪،‬‬
‫وحُت تكون طاعة عمياء ‪١‬تن تثق‬
‫ببصره الشايف الكايف ا‪ٟ‬تكيم؛ فهي‬
‫طاعة مبصرة وبصَتة يف آن واحد‪.‬‬
‫ألنك ٖتمي نفسك من خطأ‬
‫بصرك ‪ ،‬وخطأ بصَتتك ‪ ،‬وتلتزم‬
‫يف الؾبعية ٔتن تعتقد أن بصره‬
‫وبصَتته ال ٮتطئان أبدا ً‪ ،‬عندها ال‬
‫تكون طاعة عمياء ‪.‬‬
‫إذن ‪ .‬فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ينبههم‬
‫إىل أنه ال يصح أن تقولوا ‪ :‬إنكم‬
‫تؾبعون ما وجدتم عليه آباءكم؛‬
‫ألنه ‪٬‬توز أن يكون آباؤكم ال‬
‫يعقلون ‪ ،‬و‪٬‬توز أن يكونوا غَت‬
‫مهتدين ‪ .‬لو كان آباؤكم ‪٢‬تم عقل‬
‫أو ‪٢‬تم اهتداء ‪ ،‬عند ذلك يكون‬
‫اتباعكم ‪٢‬تم أمرا سليما ‪ ،‬ال‬
‫ألنكم اتبعتم آباءكم ‪ ،‬ولكن‬
‫ألنكم اتبعتم المعقول وا‪٢‬تدى‪.‬‬
‫وهكذا ‪٧‬تد أن قضية التقليد هي‬
‫أمر مزعوم ‪ ،‬ألنك ال تقلد‬
‫مساويك أبدا ً‪ ،‬ولكنك تؾبع من‬
‫تعتقد أنه أحكم منك ‪ ،‬ومادام‬
‫مساويا لك فبل يصح أن تقلده يف‬
‫كل حركة ‪ .‬بل ‪٬‬تب أن تعرض‬
‫ا‪ٟ‬تركة عَل ذهنك ‪ ،‬ولذلك فتكليف‬
‫اهلل لعباده لم ينشأ إال بعد اكتمال‬
‫العقل بالبلوغ ‪ .‬فهو سبحانه ال‬
‫يأخذ العقل عَل غرة قبل أن‬
‫ينضج؛ بل ال يكلف اهلل عبدا ًإال إذا‬
‫نضج عقله؛ وال يكلفه إن لم يوجد‬
‫له عقبل ً‪ ،‬وال يكلفه إن لم تكن قوته‬
‫وراء عقله؛ فإن كان اإلنسان سليم‬
‫القوة والعقل فإن تكليفه يكون تاما‬
‫‪ ،‬فسبحانه ال يكلف إال صاحب‬
‫العقل الناضج والذي لديه قدره‬
‫٘تكنه من تنفيذ ما اهتدى إليه‬
‫عقله ‪ ،‬أي غَت ُمكره ‪.‬‬
‫فالذي يكلف اإلنسان ٔتقتىض هذه‬
‫األشياء هو عالم أن العقل إن وجد‬
‫ناضجا ببل إكراه فبل بد أن يهتدي‬
‫إىل قضية ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه لم يكلف اإلنسان‬
‫إال بعد أن تكتمل كل ملكات‬
‫تتون يف‬‫نفسه ‪ ،‬ألن آخر ملكة ك‬
‫اإلنسان هي َمل َ َكة الغريزة ‪ ،‬أي أن‬
‫يكون صا‪ٟ‬تا لئل‪٧‬تاب ‪ ،‬وصا‪ٟ‬تا ألن‬
‫٘تتد به ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬وقلنا من قبل ‪ :‬إن‬
‫الثمرة اليت نأكلها ال تصبح ‪ٙ‬ترة‬
‫شهية ناضجة إال بعد أن تؤدي‬
‫مهمتها األوىل؛ فمهمتها لؼست يف‬
‫أن يأكلها اإلنسان فقط ‪ .‬إ‪٪‬تا أن‬
‫توجد منها بذرة صا‪ٟ‬تة المتداد‬
‫ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وعندما توجد البذرة يكون‬
‫أكل الثمرة صا‪ٟ‬تا ‪ ،‬كذلك‬
‫اإلنسان؛ ال يكون صا‪ٟ‬تا ًالمتداد‬
‫ا‪ٟ‬تياة إال بعد البلوغ أو يف سن البلوغ‬
‫‪ ،‬وسبحانه وتعاىل جعل ‪٢‬تذه‬
‫الغريزة سعاراً؛ ألن ا‪ٟ‬تياة اليت‬
‫ستأيت من خبل‪٢‬تا ‪٢‬تا تبعات أوالد‬
‫ومشقات ‪ ،‬فلو لم يربطها اهلل بهذه‬
‫اللذة النصرف عنها كثَت من‬
‫الناس ‪ ،‬لكنه سبحانه يربطها‬
‫باللذة حىت يوجد امتداد ا‪ٟ‬تياة‬
‫بدافع عنيف وقوي من اإلنسان ‪.‬‬
‫فا‪ٟ‬تق سبحانه ال يفاجئ اإلنسان‬
‫بتكليف إال بعد أن يُعِده إعدادا‬
‫كامبل ‪ ،‬ألنه لو كلفه قبل أن ينضج‬
‫غريزيا ‪ ،‬وقبل أن تصبح له قدرة‬
‫عَل اسؾبقاء النوع ‪ ،‬لقال اإلنسان ‪:‬‬
‫إن اهلل كلفٍت قبل أن يُوجد يفَّ ذلك ‪،‬‬
‫عندئذ ال يكون التعاقد اإلٯتاين‬
‫صحيحا ً‪.‬‬
‫ولذلك يؤخر ا‪ٟ‬تق تكليفه لعباده‬
‫حىت يكتمل ‪٢‬تم نضج العقل‬
‫ونضج الغريزة معا ‪ ،‬وحىت يدخل‬
‫اإلنسان يف التكليف بكل مقوماته ‪،‬‬
‫وبكل غرائزه ‪ ،‬وانفعاالته؛ حىت إذا‬
‫تعاقد إٯتانيا؛ فإن عليه أن يلتزم‬
‫بتعاقده ‪.‬‬
‫إذن فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬
‫يرّب يف اإلنسان ذاتؼته من فور أن‬
‫يصبح صا‪ٟ‬تا السؾبقاء النوع يف غَته‬
‫‪ ،‬ومادامت قد أصبحت له ذاتية‬
‫متكاملة ‪ ،‬فا‪ٟ‬تق يريد أن يُنهي عنه‬
‫الؾبعية لغَته ‪ ،‬عند ذلك ال يقولن‬
‫أحد ‪ « :‬أفعل مثل فعل أّب » ‪.‬‬
‫لكن هناك من قالوا ‪ { :‬نَؾَّبِ ُع َمآ‬
‫أَل ْ َفؼْنَا عَلَي ْ ِه آبَآءَنَآ } ‪١ ،‬تاذا يؾبعون‬
‫آباءهم يف ا‪١‬تنهج الباطل ‪ ،‬وال‬
‫يؾبعوهنم يف بايق أمور الدنيا ‪ ،‬ويف‬
‫ا‪١‬تبلبس ‪ ،‬ويف األكل ‪ ،‬ويف كل‬
‫مناحي ا‪ٟ‬تياة؟ ‪.‬‬
‫إذن فبل شيء قد جعلهم يؾبعون ما‬
‫وجدوا عليه آباءهم إال ألهنم‬
‫وجدوا فيه ما يوافق هواهم ‪،‬‬
‫بدليل أهنم انسلخوا عن تبعؼتهم‬
‫آلبائهم يف أشياء رأوها يف سلوك‬
‫اآلباء وخالفوهم فيها ‪ ،‬وماداموا قد‬
‫خالفوهم يف أشياء كثَتة؛ فلماذا‬
‫يؾبعوهنم يف الدين الزائف؟ ‪.‬‬
‫إن اهلل يريد أن ٮتلص اإلنسان من‬
‫إسار هذا االتباع ‪ ،‬ويلفت العباد ‪.‬‬
‫تعقلوا يا من أصْتت لكم ذاتية ‪،‬‬
‫وليعلم كل منكم أنه بنضج العقل‬
‫‪٬‬تب أن يصل إىل ا‪٢‬تداية إىل ا‪٠‬تالق‬
‫الواحد األحد ‪ ،‬فإن كنت قد‬
‫التحمت بأبيك يف أول األمر ألنه‬
‫يعولك وٯتدك ‪ ،‬فهذا األب هو‬
‫‪٣‬ترد سبب أراده اهلل لك ‪ ،‬ولكن اهلل‬
‫هو خالقك ‪ ،‬وهو الذي أنزل ا‪١‬تنهج‬
‫الذي ‪٬‬تب أن تلتحم به لتصَت‬
‫حياتك إىل ‪٪‬تاء وخَت ‪.‬‬
‫وهو سبحانه يقول ‪ { :‬واخشوا‬
‫ي َ ْوما ًال َّ َ‪٬‬ت ْ ِزي َوال ِ ٌد َعن َول َ ِد ِه َوال َ‬
‫ود ُه َو َجا ٍز َعن َوال ِ ِد ِه َشؼْئا ً} ػ‬
‫َم ْول ُ ٌ‬
‫لقمان ‪] 33 :‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يفصل لنا‬
‫هذا األمر بدقة ‪ ،‬فإذا كان اآلباء ال‬
‫يعقلون؛ فماذا عن موقف األبناء؟ ‪.‬‬
‫إن عَل األبناء أن يصلحوا أنفسهم‬
‫ٔتنهج ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬
‫وقد وردت يف سورة ا‪١‬تائدة آية‬
‫أخرى با‪١‬تعٌت نفسه ولكن ٓتبلف‬
‫يف اللفظ ‪ ،‬فهنا يف سورة البقرة يقول‬
‫يل َ‪٢‬ت ُ ُم اتبعوا َمآ‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وإِذَا قِ َ‬
‫أَن َز َل اهلل } ‪ .‬ويف آية سورة ا‪١‬تائدة‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وإِذَا قِ َ‬
‫يل َ‪٢‬ت ُ ْم تَعَال َ ْوا ْ‬
‫إىل َمآ أَن َز َل اهلل َوإ َِىل الرسول قَالُوا ْ‬
‫َح ْسؽُنَا َما َو َج ْدنَا عَلَي ْ ِه آبَاءَنَآ أ َ َول َ ْو‬
‫ان آب َ ُاؤ ُه ْم ال َيَعْل َ ُم َ‬
‫ون َشؼْئا ً َوال َ‬ ‫كَ َ‬
‫ون } ػ ا‪١‬تائدة ‪] 104 :‬‬ ‫يَهْت َ ُد َ‬
‫وبُت اآليتُت اتفاق واختبلف ‪،‬‬
‫فقوله ا‪ٟ‬تق هنا ‪ { :‬اتبعوا َمآ أَن َز َل‬
‫اهلل } وهي تعٍت أن ‪٪‬تعن النظر وأن‬
‫نطبق منهج اهلل ‪ .‬وآية سورة ا‪١‬تائدة‬
‫{ تَعَال َ ْوا ْإىل َمآ أَن َز َل اهلل َوإ َِىل‬
‫الرسول } هذا هو ا‪٠‬تبلف األول ‪.‬‬
‫وا‪٠‬تبلف الثاين يف اآليتُت هو يف‬
‫جوابهم عَل كبلم ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬ففي هذه‬
‫السورة سورة البقرة قالوا ‪ { :‬ب َ ْل‬
‫نَؾَّبِ ُع َمآ أ َل ْ َفؼْنَا عَلَي ْ ِه آبَآءَنَآ } وهذا‬
‫القول فيه مؤاخذة ‪٢‬تم ‪ .‬لكنهم يف‬
‫سورة ا‪١‬تائدة قالوا ‪َ { :‬ح ْسؽُنَا َما‬
‫َو َج ْدنَا عَلَي ْ ِه آبَاءَنَآ } ‪ ،‬وهذه تعٍت‬
‫أهنم اكتفوا ٔتا عندهم؛ ونفوا‬
‫اتباع منهج السماء ‪ ،‬وهذا ا‪١‬توقف‬
‫أقوى وأشد نفيا ‪ ،‬لذلك ‪٧‬تد أن ا‪ٟ‬تق‬
‫لم ٮتاطبهم يف هذه اآلية ب{‬
‫اتبعوا } بل قال ‪٢‬تم ‪ { :‬تَعَال َ ْوا ْ}‬
‫أي ارتفعوا من حضيض ما عندكم‬
‫إىل اإلٯتان ٔتنهج السماء ‪.‬‬

‫ومادمتم قد قلتم ‪ :‬حسؽنا ٔتلء‬


‫الفم؛ فهذا يعٍت أنكم اكتفؼتم ٔتا‬
‫أنتم عليه ‪ .‬وكلمة { َح ْسؽُنَا }‬
‫فيها ْتث لطيف؛ ألن من يقول‬
‫هذه الكلمة قد حسب كبلمه‬
‫واكتىف ‪ ،‬وكلمة ا‪ٟ‬تساب تدل عَل‬
‫الدقة ‪ ،‬وا‪ٟ‬تساب يفيد العدد‬
‫واألرقام ‪ .‬فقو‪٢‬تم ‪َ { :‬ح ْسؽُنَا }‬
‫تعٍت أهنم حسبوا األمر واكتفوا به‬
‫و‪٧‬تد كل ورود ‪٢‬تذه الكلمة يف‬
‫القرآن يفيد أهنا مرة تأيت ‪ٟ‬تساب‬
‫الرقم ا‪١‬تادي ‪ ،‬ومرة تأيت ‪ٟ‬تساب‬
‫اإلدراك الظٍت ‪ .‬فا‪ٟ‬تق يقول ‪{ :‬‬
‫ب الناس أَن يًتكوا أَن يقولوا‬ ‫َ ِ‬
‫أ َحس َ‬
‫ون } ػ العنكبوت‬‫آمنَّا َو ُه ْم ال َيُ ْفؾ َ ُن َ‬
‫َ‬
‫‪]2:‬‬
‫ومعناها ‪ :‬هل ظن الناس أن يًتكوا‬
‫دون اخؾبار إلٯتاهنم؟ ‪ .‬هذا‬
‫حساب لؼس بالرقم ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬
‫حساب بالفكر ‪ ،‬وا‪ٟ‬تساب بالفكر‬
‫ٯتكن أن ٮتطئ ‪ ،‬ولذلك نسميه‬
‫الظن ‪.‬‬
‫َ ِ‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه يقول ‪ { :‬أفَ َحسب ْ ُ ْ‬
‫تم‬
‫أ َ َّ‪٪‬تَا َخل َ ْقنَا ُك ْم عَؽَثا ً َوأَن َّ ُك ْم إِلَؼْنَا ال َ‬
‫ون } ػ ا‪١‬تؤمنون ‪] 115 :‬‬ ‫ُت ْر َج ُع َ‬
‫إذن ‪ ،‬فكلمة « حساب » تأيت مرة‬
‫ٔتعٌت الشيء ا‪١‬تحسوب وا‪١‬تعدود ‪،‬‬
‫ومرة تأيت يف ا‪١‬تعنويات ‪ ،‬ونعرفها‬
‫ب‬‫بالفعل ‪ ،‬فإذا قلت ‪َ :‬ح َس َ‬
‫َ٭ت ِسب؛ فا‪١‬تعٌت ع َ َّد ‪ .‬وإذا قلت ‪:‬‬
‫ب َ٭ت َسب؛ فهي للظن ‪.‬‬ ‫س‬‫َح ِ‬
‫َ‬
‫ماض وفيه مضارع ‪ ،‬إن كنت‬ ‫وفيه ٍ‬
‫تريد العد الرقمي الذي ال ٮتتلف‬
‫ب بفتح‬‫فيه أحد تقول ‪َ « :‬ح َس َ‬
‫السُت يف ا‪١‬تاضي وبكسرها يف‬
‫ا‪١‬تضارع َ٭ت ِسب » ‪ .‬وإن أردت بها‬
‫حسبان الظن الذي ٭تدث فيه خلل‬
‫ب » بالكسر ‪،‬‬ ‫س‬‫تقول ‪َ « :‬ح ِ‬
‫َ‬
‫وا‪١‬تضارع « َ٭ت ْ َس ُب » بالفتح ‪.‬‬
‫وعندما يتكلم ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫عن حساب اآلخرة ‪ ،‬فمعٌت ذلك‬
‫أنه شيء ‪٤‬تسوب ‪ ،‬لكن إذا بولغ يف‬
‫ا‪١‬تحسوب يكون حسبانا ‪ ،‬وكما‬
‫نقول ‪ « :‬غفر غفرا ً» و « شكر‬
‫شكرا ً» ‪ ،‬ٯتكن أن نقول ‪ « :‬غفر‬
‫غفرانا ً» و « شكر شكرانا ً» ‪.‬‬
‫كذلك « حسب حسبانا ً» ‪،‬‬
‫وا‪ٟ‬تسبان هو ا‪ٟ‬تساب الدقيق جدا ً‬
‫الذي ال ٮتطئ أبدا ً‪ .‬ولذلك يأيت‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل بكلمة «‬
‫حسبان » يف األمور الدقيقة اليت‬
‫خلقت بقدر ونظام دقيق؛ إن‬
‫اختل فيها شيء ٭تدث خلل يف‬
‫الكون ‪ ،‬فيقول ‪ { :‬الر‪ٛ‬تن * عَل َّ َم‬
‫القرآن * َخل َ َق اإلنسان * عَل َّ َم ُه‬
‫الؽيان * الشمس والقمر ِ ُْت ْسبَانٍ‬
‫} ػ الر‪ٛ‬تن ‪] 15 :‬‬
‫أي أن الكون يسَت بنظام دقيق‬
‫جداً؛ ال ٮتتل أبدا ً‪ ،‬ألنه لو حدث‬
‫أدىن خلل يف أداء الشمس والقمر‬
‫لوظيفؾيهما؛ فنظام الكون يفسد‬
‫‪ .‬لذلك لم يقل ا‪ٟ‬تق ‪ « :‬الشمس‬
‫والقمر ْتساب » ‪ ،‬وإ‪٪‬تا قال ‪{ :‬‬
‫ْتسبان } وبعد ذلك فيه فرق بُت‬
‫« ا‪ٟ‬تسبان » و « ا‪١‬تحسوب‬
‫با‪ٟ‬تسبان »؛ وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫حؼنما يقول ‪ { :‬فَال ِ ُق اإلصباح‬
‫َو َجعَ َل اليل َس َكنا ًوالشمس‬
‫والقمر ُح ْسبَانا ً} ػ األنعام ‪96 :‬‬
‫]‬
‫لم يقل ‪ْ :‬تسبان ‪ ،‬ألهنا هي يف ذاْتا‬
‫حساب ولؼست ‪٤‬تسوبة ‪ ،‬أي أن‬
‫حسابها آيل ‪.‬‬
‫وتأيت الكلمة بصورة أخرى يف سورة‬
‫الكهف يف قوله تعاىل ‪َ { :‬ويُ ْر ِس َل‬
‫عَلَيْهَا ُح ْسبَانا ً ِّم َن السمآء } ػ‬
‫الكهف ‪] 40 :‬‬
‫ا‪١‬تعٌت هنا شيء للعقاب عَل قدر‬
‫الظلم ‪.‬‬

‫٘تاما هذه هي مادة ا‪ٟ‬تساب ‪. .‬‬


‫وقو‪٢‬تم ‪َ { :‬ح ْسؽُنَا َما َو َج ْدنَا عَلَي ْ ِه‬
‫آبَاءَنَآ } يف ظاهرها أبلغ من قو‪٢‬تم‬
‫‪ { :‬نَؾَّبِ ُع َمآ أَل ْ َفؼْنَا عَلَي ْ ِه آبَآءَ َنآ }‬
‫لكن كل من اللفظُت مناسب‬
‫للسياق الذي جاء فيه ف { اتبعوا}‬
‫يناسبها { نَؾَّبِ ُع َمآ أَل ْ َفؼْنَا } وقوله‬
‫تعاىل ‪َ { :‬وإِذَا قِ َ‬
‫يل َ‪٢‬ت ُ ْم تَعَال َ ْوا ْ}‬
‫يناسبها قو‪٢‬تم ‪َ { :‬ح ْسؽُنَا َما َو َج ْدنَا‬
‫عَلَي ْ ِه آبَاءَنَآ } ؛ يعٍت كافؼنا ما عندنا‬
‫وال نريد شؼئا غَته ‪.‬‬
‫ومن هنا نفهم ‪١‬تاذا جاء ا‪ٟ‬تق يف آية‬
‫البقرة بقوله ‪ { :‬اتبعوا } ‪ ،‬ويف آية‬
‫ا‪١‬تائدة ‪ { :‬تَعَال َ ْوا ْ} ‪ ،‬وجاء‬
‫جوابهم يف سورة البقرة ‪ { :‬ب َ ْل‬
‫نَؾَّبِ ُع } ‪ ،‬ويف سورة ا‪١‬تائدة ‪{ :‬‬
‫َح ْسؽُنَا } ‪.‬‬
‫وهناك خبلف ثالث يف اآليتُت ‪:‬‬
‫َ‬
‫ففي آية البقرة قال ‪ { :‬أ َول َ ْو ك َ َ‬
‫ان‬
‫ِ‬
‫ون َشؼْئا ً} ‪ .‬ويف آية‬ ‫آبَا ُؤ ُه ْم ال َيَعْقل ُ َ‬
‫َ‬
‫ان آب َ ُاؤ ُه ْم ال َ‬ ‫ا‪١‬تائدة قال؛ { أ َول َ ْو ك َ َ‬
‫ون َشؼْئا ً} ‪ .‬ا‪٠‬تبلف يف { ال َ‬ ‫يَعْل َ ُم َ‬
‫ون } ‪.‬‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫{‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫ون‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫يَعْقِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫وما الفرق بُت « يعقلون » و «‬
‫يعلمون »؟ ‪ .‬إن « يعقلون » تعٍت‬
‫ما ينشأ عن فكرهم وتدبرهم‬
‫لؤلمور ‪ ،‬لكن هناك أناس ال‬
‫يعرفون كيف يعقلون ‪ ،‬ولذلك‬
‫يأخذون القضايا مسلما ًبها كعلم‬
‫من غَتهم الذي عقل ‪.‬‬
‫إذن فالذي يعلم أقل مزنلة من‬
‫الذي يعقل ‪ ،‬ألن الذي عقل هو‬
‫إنسان قد استنبط ‪ ،‬وأما الذي علم‬
‫فقد أخذ علم غَته ‪ .‬وعَل سؽيل‬
‫ا‪١‬تثال ‪ ،‬فاألمي الذي أخذ حكما‬
‫من األحكام هو قد علمه من غَته ‪،‬‬
‫لكنه لم يتعقله ‪ ،‬إذن فنفي العلم‬
‫عن شخص أبلغ من نفي التعقل؛‬
‫ألن معٌت « ال يعلم » أي أنه لؼس‬
‫لديه شيء من علم غَته أو علمه ‪.‬‬
‫وعندما يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ { :‬ال َ‬
‫ون َشؼْئا ً} فمعٌت ذلك أنه من‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫يَعْقِ‬
‫َ‬
‫ا‪١‬تحتمل أن يعلموا ‪ ،‬لكن عندما‬
‫يقول ‪ { :‬ال َيَعْل َ ُم َ‬
‫ون } فمعناه أهنم‬
‫ال يعقلون وال يعلمون ‪ ،‬وهذا‬
‫يناسب ردهم ‪ .‬فعندما قالوا ‪{ :‬‬
‫ب َ ْل نَؾَّبِ ُع } فكان وصفهم ب { ال َ‬
‫ون } ‪ .‬وعندما قالوا ‪{ :‬‬ ‫ِ‬
‫يَعْقل ُ َ‬
‫َح ْسؽُنَا } وصفهم بأهنم { ال َ‬
‫يَعْل َ ُم َ‬
‫ون } كا‪ٟ‬تيوانات ٘تاما ‪.‬‬
‫و‪٩‬تلص ‪٦‬تا سبق أن هناك ثبلث‬
‫ملحوظات عَل اآليتُت ‪:‬‬
‫يف اآلية األوىل قال ‪ { :‬اتبعوا } ‪،‬‬
‫وكان الرد منهم { نَؾَّبِ ُع َمآ أَل ْ َفؼْنَا }‬
‫َ‬
‫ان آب َ ُاؤ ُه ْم ال َ‬‫والرد عَل الرد { أ َول َ ْو ك َ َ‬
‫ون َشؼْئا ً} ‪.‬‬‫ُ‬ ‫ل‬‫يَعْقِ‬
‫َ‬
‫ويف اآلية الثانية قال ‪ { :‬تَعَال َ ْوا ْ} ‪،‬‬
‫وكان الرد منهم { َح ْسؽُنَا } ‪ ،‬فكان‬
‫َ‬
‫الرد عليهم { أ َول َ ْو ك َ َ‬
‫ان آب َ ُاؤ ُه ْم ال َ‬
‫يَعْل َ ُم َ‬
‫ون َشؼْئا ً} ‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن كبل من اآليتُت‬
‫منسجمة ‪ ،‬وال يقولن أحد ‪ :‬إن آية‬
‫جاءت بأسلوب ‪ ،‬واألخرى‬
‫بأسلوب آخر ‪ ،‬فكل آية جاءت عَل‬
‫أسلوبها يتطلبها فهي األبلغ ‪ ،‬فكل‬
‫آية يف القرآن منسجمة كلماْتا مع‬
‫‪ٚ‬تلها ومع سياقها ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وإِذَا قِ َ‬
‫يل َ‪٢‬ت ُ ْم }‬
‫مبنية للمفعول لؼتضمن كل قول‬
‫جاء عَل لسان أي رسول من اهلل من‬
‫بدء الرساالت ‪ ،‬فهي لؼست قضية‬
‫اليوم فقط إ‪٪‬تا هي قضية قيلت من‬
‫قبل ذلك ‪ .‬إن ا‪١‬تعٌت هو ‪ :‬إذا قيل‬
‫‪٢‬تم من أي رسول ‪ ،‬اتبعوا ما أنزل‬
‫اهلل قالوا ‪ { :‬ب َ ْل نَؾَّبِ ُع َمآ أَل ْ َف ْينَا عَلَي ْ ِه‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ان آب َ ُاؤ ُه ْم ال َيَعْقل ُ َ‬
‫ون‬ ‫آبَآءَنَآ أ َول َ ْو ك َ َ‬
‫ون } ‪.‬‬ ‫َشؼْئا ً َوال َيَهْت َ ُد َ‬
‫وٮتتم ا‪ٟ‬تق اآلية يف سورة البقرة‬
‫ون } ‪ .‬وكذلك‬ ‫بقوله ‪َ { :‬وال َيَهْت َ ُد َ‬
‫كان ختام آية ا‪١‬تائدة ‪َ { :‬وال َ‬
‫ون } ؛ لنعلم أن هدى‬ ‫يَهْت َ ُد َ‬
‫السماء ال ٮتتلف بُت عقل وعلم ‪،‬‬
‫فاألوىل جاءت بعد قوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫ون َشؼْئا ً َوال َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫أَولَو كَان آب ُاؤهم ال َيَعْقِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ُ ْ‬
‫ون } والثانية جاءت يف ختام‬ ‫يَهْت َ ُد َ‬
‫َ‬
‫ان آب َ ُاؤ ُه ْم ال َ‬ ‫قوله تعاىل ‪ { :‬أ َول َ ْو ك َ َ‬
‫ون } وذلك‬ ‫ون َشؼْئا ً َوال َيَهْت َ ُد َ‬ ‫يَعْل َ ُم َ‬
‫للداللة عَل أن هدى السماء ال‬
‫ٮتتلف بُت منيعقلون ومن‬
‫يعلمون ‪.‬‬

‫َو َمث َ ُل ال َّ ِذي َن كَ َف ُروا َك َمث َ ِل ال َّ ِذي‬


‫يَنْعِ ُق ِٔتَا َال ي َ ْس َم ُع إ َِّال ُدعَاء ً َونِ َد ًاء‬
‫ِ‬
‫ُص ٌّم ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي فَ ُه ْم َال يَعْقل ُ َ‬
‫ون‬
‫(‪)171‬‬
‫والذي ينعق هو الذي يُ َص ِ ّو ُت‬
‫ويصرح للبهائم ‪ ،‬وهو الراعي ‪،‬‬
‫إذن ‪ ،‬فكلمة ينعق أعطؾنا صورة‬
‫راع يرىع بهائم ‪ .‬وكان هذا‬
‫الصياح من الراعي ليلفت ا‪١‬تاشية‬
‫ا‪١‬ترعية لؾسَت خلفه ‪ ،‬وهو ال يقول‬
‫‪٢‬تا ما يريده أن تفعله ‪ ،‬وإ‪٪‬تا ينبهها‬
‫بالصوت إىل ما يريد ‪ ،‬ويسَت‬
‫أمامها لؾسَت خلفه إىل ا‪١‬ترىع أو إىل‬
‫نبع ا‪١‬تاء ‪ ،‬فالنداء لفتة ودعاء فقط ‪،‬‬
‫لكن ما يراد من الدعاء يصَت أمرا‬
‫حركيا تراه ا‪١‬تاشية ‪ .‬فكأن ا‪١‬تاشية‬
‫ا‪١‬ترعية ال تفهم من الراعي إال‬
‫النداء والدعاء ‪ ،‬إ‪٪‬تا دعاء ونداء‬
‫‪١‬تاذا؟ فهي ال تعرف ا‪٢‬تدف منه ‪ ،‬إال‬
‫بأن يسلك الراعي أمامها ٔتا‬
‫يرشدها ‪ .‬وهكذا نفهم أن هناك‬
‫« راعيا » ‪ ،‬و « ماشية » ‪ ،‬و «‬
‫صوتا من الراعي » وهو ‪٣‬ترد دعاء‬
‫ونداء ‪.‬‬
‫مقابل هؤالء الثبلثة يف قضيؾنا هو‬
‫الرسول حُت يدعو فيكون هو «‬
‫الراعي » ويدعو من؟ ‪ ،‬يدعو «‬
‫الرعية » الذين هم الناس ‪.‬‬
‫ؤتاذا يدعو الرعية؟ ‪ .‬أيناديها‬
‫فقط لتأتيه ‪ ،‬أم يناديها لتأتيه‬
‫ويأمرها بأشياء؟ ‪ .‬إنه يأمرها‬
‫باتباع منهج السماء ‪.‬‬
‫وهذا هو الفارق بُت الراعي يف‬
‫ا‪١‬تاشية والراعي يف اآلدميُت ‪.‬‬
‫فعندما يأيت الرسول ويقول ‪ « :‬يا‬
‫قوم إين لكم رسول ‪ ،‬وإين لكم‬
‫نذير » فهذا هو الدعاء ‪ ،‬ومضمون‬
‫ذلك الدعاء هو « اعبدوا اهلل » ‪.‬‬
‫« انظروا يف السماوات واألرض »‬
‫‪ « ،‬افعلوا كذا من أوامر وانتهوا‬
‫عن تلك النواهي » ‪ ،‬هذا ما يريده‬
‫الرسول ‪.‬‬
‫إذن فالرسول يشًتك مع الراعي يف‬
‫الدعاء والنداء ‪ ،‬وهم اشًتكوا مع‬
‫ا‪١‬ت َ ْر ِىع ّيف أهنم لم يفهموا إال الدعاء‬
‫والنداء فقط ‪ ،‬ويف االستجابة هم {‬
‫ُص ٌّم ُب ْك ٌم ُع ْم ٌي} ‪ ،‬فا‪١‬تدعو به لم‬
‫يسمعوه ‪ ،‬وكأهنم اشًتكوا مع‬
‫ا‪ٟ‬تيوان يف أهنم ال يستمعون إال‬
‫للدعاء والنداء ‪ ،‬إ‪٪‬تا ا‪١‬تدعو به‬
‫ومضمون النداء هم ال يعقلونه وال‬
‫يفهمونه ‪ .‬وبكم ال ينطقون‬
‫ٔتطلوب الدعوة وهو « شهادة أن ال‬
‫إله إال اهلل وأن ‪٤‬تمدا ًرسول اهلل » ‪،‬‬
‫ولؼس عندهم عقل يدير حركة‬
‫العيون لؼنظروا يف ملكوت‬
‫السماوات واألرض ليظهر ‪٢‬تم‬
‫وجه ا‪ٟ‬تق يف هذه ا‪١‬تسألة ‪.‬‬
‫إذن فمثل الذين كفروا بالرسول‬
‫كمثل ا‪١‬تاشية مع الراعي ‪ ،‬فهم ال‬
‫يسمعون إال ‪٣‬ترد الدعاء ‪ ،‬كما أن‬
‫ا‪١‬تاشية تسمع الراعي وال تعقل ‪،‬‬
‫مع الفارق؛ ألن الدواب لؼس‬
‫مطلوبا منها أن ترد عَل من يناديها ‪.‬‬
‫وال تسمع غَت ذلك من ا‪١‬تدعو به‬
‫لذا كان الكافرون شر الدواب ‪.‬‬
‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ُ { :‬ص ٌّم } أي مصابون‬
‫بالصمم؛ وهو آفة ٘تنع األذن من‬
‫أداء مهمتها ‪ .‬و { ُب ْك ٌم } أي‬
‫مصابون بآفة تصيب اللسان؛‬
‫فتمنعه من أداء مهمته ‪ ،‬إال أن‬
‫السبب يف الصمم سبب إ‪٬‬تاّب ‪ ،‬ألن‬
‫هناك شؼئا قد سد منفذ السمع فبل‬
‫تسمع ‪ ،‬وبسبب الصمم فهم بكم‬
‫‪ ،‬والبكم هو عجز اللسان عن‬
‫الكبلم ‪ ،‬ألن اإلنسان إن لم يسمع‬
‫فهو لن يتكلم ‪.‬‬

‫ولذلك فإن اإلنسان إذا وجد يف‬


‫بؼئة عربية فهو يتكلم اللغة العربية‬
‫‪ ،‬وإذا نشأ اإلنسان يف بؼئة إ‪٧‬تليزية‬
‫فهو يتكلم لغة إ‪٧‬تليزية ‪ .‬وهب‬
‫أنك قد نشأت يف بؼئة تتكلم‬
‫العربية ثم لم تسمع كلمة من‬
‫كلماْتا هل تتكلم بها؟ ال ‪ .‬إذن‬
‫فاللسان ينطق ٔتا تسمعه األذن ‪،‬‬
‫فإذا لم تسمع األذن ال يتكلم‬
‫اللسان ‪ .‬والصمم يسبق البكم ‪،‬‬
‫ولذلك فالبكم هو آفة سلؽية ‪،‬‬
‫وٕتد أن اللسان يتحرك ويُص ّوت‬
‫أصواتا ًال مدلول ‪٢‬تا وال مفهوم ‪.‬‬
‫فهل نفهم من قوله تعاىل عنهم ‪{ :‬‬
‫ُص ٌّم } أهنم مصابون بالصمم؟ ‪.‬‬
‫ال ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق يقول ‪ :‬لقد جعلت‬
‫األذن لؾسمع السماع ا‪١‬تفيد؛‬
‫فكأهنا معطلة ال تسمع شؼئا ‪.‬‬
‫وكذلك اللسان أوجدته لؼتكلم‬
‫الكبلم ا‪١‬تفيد ‪ْ ،‬تيث من ال يتكلم به‬
‫كأنه أبكم ‪ ،‬والعقل أوجدته‬
‫ليفكر به؛ فإذا لم يفكر تفكَتا‬
‫سليما منطقيا ً‪ ،‬فكأن صاحبه ال‬
‫عقل له ‪ .‬فاألصم حقيقة خَت من‬
‫الذي ٯتلك حاسة السمع وال يفهم‬
‫بها ‪ ،‬ألن األصم له عذره ‪،‬‬
‫واألبكم كذلك ‪ ،‬وا‪١‬تجنون أيضا‬
‫له عذره ‪ ،‬فليت هؤالء الكفار كانوا‬
‫كذلك ‪ ،‬لقد صموا آذاهنم عن‬
‫‪ٝ‬تاع الدعوة ‪ ،‬وهم بكم عن‬
‫النطق ٔتا ينجيهم بشهادة أن ال إله‬
‫إال اهلل وأن ‪٤‬تمدا ًرسول اهلل ‪ ،‬وهم‬
‫عمي عن النظر يف آيات الكون ‪،‬‬
‫فلو أن عندهم بصر لنظروا يف‬
‫الكون كما قال اهلل تعاىل ‪ { :‬إ َِّن ِيف‬
‫َخل ْ ِق السماوات واألرض‬
‫واختبلف اليل والنهار آلي َ ٍ‬
‫ات أل ُْو ِيل‬
‫األلباب } ػ آل عمران ‪] 190 :‬‬
‫فلو أهنم نظروا يف خلق السماوات‬
‫واألرض؛ الهتدوا بفطرْتم إىل أن‬
‫‪٢‬تذا الوجود ا‪١‬تتقن ا‪١‬تحكم صانعا‬
‫قد صنعه ‪ ،‬لكنهم ال يعقلون ‪ ،‬ألن‬
‫عملية العقل تنشأ بعد أن تسمع ‪،‬‬
‫وبعد اكتمال ا‪ٟ‬تواس ‪ ،‬ولذلك‬
‫فاإلنسان يف تكوينه األول حركي‬
‫حس ّي ‪ ،‬يرى ويسمع ويتذوق ثم‬
‫يتكون عنده من بعد ذلك القضايا‬
‫العقلية ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪ { :‬ياأيها‬
‫الذين آ َم ُنوا ْكُلُوا ْ ِمن َط ِؼّب ِ‬
‫ات َما‬‫َ‬
‫َرزَقْنَا ُك ْم ‪} . . .‬‬
‫ات‬‫يَا أَيُّهَا ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا كُلُوا ِم ْن َط ِؼّب ِ‬
‫َ‬
‫ما رزَقْنَا ُكم وا ْش ُكروا ِ َ ِ‬
‫ّلل إ ِْن ُكن ْ ُت ْم‬‫ْ َ ُ ّ‬ ‫َ َ‬
‫ون (‪)172‬‬ ‫إِي َّ ُاه تَعْب ُ ُد َ‬
‫وهذا خطاب من اهلل للذين آمنوا‬
‫بأن يأكلوا من الطؼبات ‪ ،‬وقد سبق‬
‫يف اآلية ‪ 168‬خطاب ‪٦‬تاثل يف‬
‫ا‪١‬توضوع نفسه؛ ولكن للناس‬
‫‪ٚ‬تيعا وهو قوله تعاىل ‪ { :‬ياأيها‬
‫الناس كُلُوا ْ ِ‪٦‬تَّا ِيف األرض َحبلَال ً َط ِؼّبا ً‬
‫} ‪ .‬وقلنا ‪ :‬إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫ساعة ٮتاطب الناس ‪ٚ‬تيعا ‪ ،‬فهو‬
‫يلفتهم إىل قضية اإلٯتان ‪ ،‬ولكن‬
‫حُت ٮتاطب ا‪١‬تؤمنُت فهو يعطيهم‬
‫أحكام اإلٯتان ‪ ،‬فاهلل ال يكلف ْتكم‬
‫إال من آمن به ‪ ،‬أما من لم يؤمن به ‪،‬‬
‫فبل يكلفه بأي حكم ‪ ،‬ألن اإلٯتان‬
‫التزام ‪ .‬ومادمت قد التزمت بأنه‬
‫إله حكيم؛ فخذ منه أحكام دينك ‪.‬‬
‫وعدل اهلل اقتىض أال يكلف إال من‬
‫يؤمن ‪ ،‬وهذا عَل خبلف مألوف‬
‫البشر ‪ ،‬ألن تكليفات القادة من‬
‫البشر للبشر تكون ‪١‬تن يرَض‬
‫بقيادْتم ومن لم يرض ‪ ،‬وإذا كان‬
‫للقائد من البشر قوة ‪ ،‬فإنه‬
‫يستخدمها إلرغام من يوجدون‬
‫ٖتت واليته عَل تنفيذ ما يقول ‪.‬‬
‫وخطاب اهلل للمؤمنُت هنا جاء‬
‫بقوله ‪ { :‬كُلُوا ْ ِمن َط ِؼّب ِ‬
‫ات َما‬ ‫َ‬
‫َرزَقْنَا ُك ْم } ‪ ،‬ذلك أن ا‪١‬تؤمن يتقُت‬
‫٘تاما بأن اهلل هو ا‪٠‬تالق وهو الذي‬
‫يرزق ‪ .‬ويذيل اآلية الكرٯتة‬
‫ول ‪ { :‬واشكروا َ ِ‬
‫ّلل إِن ُكن ْ ُت ْم‬ ‫بق ه‬
‫ّ‬
‫ون } ‪ ،‬فشكر العبد‬ ‫إِي َّ ُاه تَعْب ُ ُد َ‬
‫ا‪١‬تؤمن للرب ا‪٠‬تالق واجب ‪ ،‬مادام‬
‫العبد ا‪١‬تؤمن ٮتتص اهلل بالعبادة ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪ { :‬إ َِّ‪٪‬تَا َح َّر َم‬
‫عَلَي ْ ُك ُم ا‪١‬تؼتة والدم َو َ‪ٟ‬ت ْ َم ا‪٠‬تزنير‬
‫َت اهلل ‪} . . .‬‬‫َو َمآ أُ ِه َّل بِ ِه لِغ َ ْ ِ‬

‫إ َِّ‪٪‬تَا َح َّر َم عَلَي ْ ُك ُم ا ْ‪١‬تَؼْت َ َة َوال ّد ََم َو َ‪ٟ‬ت ْ َم‬


‫َت َ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫اّلل فَ َم ِن‬ ‫ا‪٠‬تِْ ْ ِزني ِر َو َما أُه َّل بِه لغ َ ْ ِ ّ‬
‫ا ْض ُط َّر غ َ َْت َبَا ٍغ َو َال عَا ٍد فَ َبل إِث َْم عَلَي ْ ِه‬
‫يم (‪)173‬‬ ‫اّلل َغ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫إ َِّن َّ َ ٌ‬
‫و‪٧‬تد أن استخدام « ا‪١‬توت » يأيت‬
‫يف كلمات منوعة ‪ ،‬ففيه ‪َ « :‬ميِ ّت »‬
‫و « َمؼْتَة » ‪ ،‬و « مؼّتة » ومثال ذلك‬
‫ما يقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَ ُسقْن َ ُاه إىل بَل َ ٍد‬
‫َّم ِي ّ ٍت } ػ فاطر ‪] 9 :‬‬
‫و « ا‪١‬تيّت » بتشديد الياء هو من‬
‫ينتهي أمره إىل ا‪١‬توت وإن كان حيا ً‪،‬‬
‫فكل واحد يقال له أنت ميّت ‪ ،‬أي‬
‫مصَته إىل ا‪١‬توت ‪ ،‬ولذلك ٮتاطب‬
‫اهلل رسوله ‪ { :‬إِن ّ ََك َم ِي ّ ٌت َوإ َِّهن ُ ْم‬
‫ون } ػ الزمر ‪] 30 :‬‬ ‫َّم ِؼّ ُت َ‬
‫إذن فكلمة « َميّت » معناها أنك‬
‫ستموت ‪ ،‬رغم أنك اآلن حي ‪.‬‬
‫لكن عندما نقول ‪َ « :‬ميْت » ‪،‬‬
‫بؾسكُت الياء ‪ ،‬فمعناها مات‬
‫بالفعل ‪ ،‬ويف الشعر العرّب جاء‪:‬‬
‫وما ا‪١‬تيْت إال من إىل القُب ُ٭تمل ‪...‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪ { :‬إ َِّ‪٪‬تَا‬
‫َح َّر َم عَلَي ْ ُك ُم ا‪١‬تؼتة والدم } ‪ ،‬ولو‬
‫قال ‪ِ « :‬‬
‫ا‪١‬تؼّتة » بتشديد الياء ‪،‬‬
‫لقلنا ‪ :‬إن كل شيء سيموت يصَت‬
‫‪٤‬ترما ‪ ،‬لكن كبلم اهلل هنا « ا‪١‬تؼْتة »‬
‫بالياء الساكنة وهي ا‪١‬تؼتة بالفعل ‪،‬‬
‫وهي اليت خرجت روحها حتفا؛‬
‫ألنه فيه خروج الروح إزهاقا ٔتعٌت‬
‫أن تذْته فيموت؛ لكن هناك‬
‫‪٥‬تلوقات ٘توت حتف أنفها ‪،‬‬
‫وساعة ٘توت ا‪ٟ‬تيوانات حتف‬
‫أنفها ُٖتتؽس فيها خبلصة األغذية‬
‫اليت تناولتها وهي ا‪١‬توجودة بالدم؛‬
‫وهذا الدم فيه أشياء ضارة كثَتة ‪،‬‬
‫ففي الدم مواد ضارة فاسدة‬
‫استخلصتها أجهزة ا‪ٞ‬تسم وهو حي‬
‫‪ ،‬وكانت يف طريقها إىل ا‪٠‬تروج منه‬
‫‪ ،‬فإذا ما ذْتناه؛ سال كل الدم‬
‫الفاسد والسليم ‪ ،‬وألن درء‬
‫ا‪١‬تفسدة مقدمة عَل جلب ا‪١‬تصلحة‬
‫‪ ،‬فإننا نضحي بالدم السليم مع‬
‫الدم الفاسد ‪ .‬وهذا الدم ٮتتزنه‬
‫ا‪ٞ‬تسم عندما ٯتوت ‪ ،‬وتظل‬
‫بداخله األشياء الضارة فيصبح‬
‫اللحم ‪٦‬تلوءا ًبا‪١‬تواد الضارة اليت‬
‫تصيب اإلنسان باألمراض ‪.‬‬
‫ونظرة بسيطة إىل دجاجتُت ‪،‬‬
‫إحدا‪٫‬تا مذبوحة أريق دمها ‪،‬‬
‫واألخرى منخنقة أي لم يرق دمها‬
‫‪ ،‬فإننا ‪٧‬تد اختبلفا ظاهرا يف اللون ‪،‬‬
‫حىت لو قمنا بطهي هذه وتلك‬
‫فسنجد اختبلفا يف الطعم ‪ ،‬سنجد‬
‫طعم الدجاجة ا‪١‬تذبوحة مقبوال ‪،‬‬
‫وسنجد طعم الدجاجة ا‪١‬تؼتة غَت‬
‫مقبول ‪ ،‬وكان الذين ال يؤمنون بإله‬
‫أو ٔتنهج يقومون بذبح ا‪ٟ‬تيوانات‬
‫قبل أكلها ‪١ ،‬تاذا؟ لقد هدْتم‬
‫ٕتاربهم إىل أن هذه عملية فيها‬
‫مصلحة ‪ ،‬وإن لم يعرفوا طريقة‬
‫الذبح اإلسبلمية ‪.‬‬
‫وحُت ٭ترم اهلل { ا‪١‬تؼتة } فلؼس‬
‫هناك أحد منا مطالب أن ‪٬‬تيب عن‬
‫اهلل؛ ‪١‬تاذا حرم ا‪١‬تؼتة؟ ‪ ،‬ألنه‬
‫يكفؼنا أن اهلل قال ‪ :‬إهنا حرام ‪ ،‬وما‬
‫دام الذي رزقك قال لك ‪ :‬ال تأكل‬
‫هذه؛ فقد أخرجها من رزقيه‬
‫النفعية ا‪١‬تباشرة ‪ ،‬ولو لم يكن فيها‬
‫ضرر نعلمه ‪ ،‬هو سبحانه قد قال ‪:‬‬
‫ال تأكلها ‪ ،‬فبل تأكلها ‪ ،‬ألنه هو الذي‬
‫رزق ‪ ،‬وهو الذي خلقك ‪ ،‬وهو‬
‫الذي يأمرك بأال تأكلها ‪ ،‬فليس‬
‫من حقك بعد ذلك أن تسأل ‪١‬تاذا‬
‫حرمها علي؟ ‪.‬‬
‫وهب أننا لم هنتد إىل حكمة‬
‫التحريم ‪ ،‬ولم نعرف األذى الذي‬
‫يصيب اإلنسان من أكل ا‪١‬تؼتة؟‬
‫هل كان الناس يقفون عند األمر‬
‫حىت تبدو علته ‪ ،‬أم كانوا ينفذون‬
‫أوامر اهلل ببل تفكَت؟ لقد استمع‬
‫ا‪١‬تؤمنون ألوامر ا‪ٟ‬تق ونفذوها دون‬
‫تردد ‪.‬‬

‫إذن ‪ ،‬فما دام اهلل ٮتاطؽنا ‪،‬‬


‫فبمقتىض حيؿية اإلٯتان ‪٬‬تب أن‬
‫نتقبل عنه ا‪ٟ‬تكم وعلة قبول‬
‫ا‪ٟ‬تكم هي صدوره من الذي حكم‬
‫‪ .‬أما أن نعرف علة ا‪ٟ‬تكم ‪ ،‬فهذه‬
‫عملية إيناس للعقل ‪ ،‬وتطمُت عَل‬
‫أن اهلل لم يكلفنا بأمر إال وفيه نفع‬
‫لنا ‪ ،‬وا‪١‬تؤمن ال يصح أن ‪٬‬تعل إٯتانه‬
‫رهنا بمعرفة العلة‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬إ َِّ‪٪‬تَا َح َّر َم عَلَي ْ ُك ُم‬
‫ا‪١‬تؼتة } واآلية صر٭تة يف أن كل‬
‫مؼتة حرام ‪ ،‬ومادامت مؼتة فقد‬
‫كان فيها حياة وروح ثم خرجت ‪،‬‬
‫لكننا نأكل السمك وهو ميت ‪،‬‬
‫وذلك ٗتصيص من السنة لعموم‬
‫القرآن ‪ ،‬فقد قال صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬أحل لكم ميؾتان ‪:‬‬
‫السمك وا‪ٞ‬تراد ‪ ،‬ودمان ‪ :‬الكبد‬
‫والطحال » ‪.‬‬
‫‪١‬تاذا هذا االستؿناء يف التحليل؟ ألن‬
‫للعرف يف ٖتديد ألفاظ الشارع‬
‫مدخبل ً‪ ،‬فإذا حلفت أال تأكل ‪ٟ‬تما ً‬
‫وأكلت ‪ٝ‬تكا فهل ٖتنث؟ ‪ .‬ال ٖتنث‬
‫‪ ،‬وٯتؼنك صادقة؛ رغم أن اهلل‬
‫وصف السمك بأنه ‪ٟ‬تم طري ‪ ،‬إال‬
‫أن العرف ساعة يُطلق اللحم لم‬
‫يدخل فيه السمك ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬فالعرف له اعؾبار ‪ ،‬لذلك‬
‫فالز‪٥‬تشري صاحب الكشاف‬
‫يقول يف هذه ا‪١‬تسألة ‪ « :‬لو حلفت‬
‫أال تأكل اللحم وأكلت السمك‬
‫فإ‪ٚ‬تاع العلماء عَل أنك لم ٖتنث يف‬
‫ٯتؼنك » ‪ .‬وضرب مثبل آخر فقال‬
‫‪ :‬لو حلفت بأن تركب دابة ‪،‬‬
‫والكافر قد أ‪ٝ‬تاه اهلل دابة فقال ‪{ :‬‬
‫إ َِّن َش َّر الدواب ِعن َد اهلل الذين‬
‫َك َف ُروا ْ} فهل ‪٬‬توز ركوب الكافر؟‬
‫‪ .‬ال ‪٬‬توز فكان مقتىض اآلية أنه‬
‫يصح لك أن تركبه وعلق عَل ذلك‬
‫قائبل ‪ :‬صحيح أن الدابة هي كل ما‬
‫يدب عَل األرض ‪ ،‬إال أن العرف‬
‫خصها بذوات األربع ‪.‬‬
‫‪٢‬تذا كان للعرف مدخل يف مسائل‬
‫التحليل والتحريم ‪ .‬فإذا قال‬
‫قائل ‪ :‬إن اهلل حرم ا‪١‬تؼتة ‪،‬‬
‫والسمك وا‪ٞ‬تراد مؼتة فلماذا‬
‫نأكلها؟ ‪ .‬نرد عليه ‪ :‬إن العرف‬
‫جرى عَل أن السمك وا‪ٞ‬تراد لؼسا‬
‫‪ٟ‬تما ً‪ ،‬بدليل قو‪٢‬تم ‪ « :‬إذا كثر‬
‫ا‪ٞ‬تراد أرخص اللحم » ‪ ،‬وذلك‬
‫يعٍت أن ا‪ٞ‬تراد لؼس من اللحم ‪.‬‬
‫أما بالنسبة للسمك ‪ ،‬فالسمك لم‬
‫يكن ة‬
‫كا‪١‬تيتاليت حرمها اهلل ألن‬
‫ا‪١‬تؼتة ا‪١‬تحرمة هي كل ما يذبح‬
‫ويسيل دمه ‪ ،‬والسمك ال نفس‬
‫سائلة له أي ال دم له ‪ .‬وا‪ٞ‬تراد أيضا‬
‫ال دم فيه ‪ ،‬إذن ‪ ،‬فتحليل أكله وهو‬
‫ميت إ‪٪‬تا جاء بسبب عدم وجود‬
‫نفس سائلة يًتتب عليها انتقال ما‬
‫يضر من داخله إىل اإلنسان ‪،‬‬
‫ضلؼسا‬‫وكذلك الكبد والطحال أي ا‬
‫بدم؛ فالدم له سيولة ‪ ،‬والكبد‬
‫والطحال ‪ٟ‬تم متجمد متماسك ‪،‬‬
‫خبلصة دم تكّون منه عضو الكبد‬
‫وعضو الطحال ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬السنة ‪٢‬تا لدور بيان يف‬
‫التحليل والتحريم ‪ ،‬وقوله ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫{ إ َِّ‪٪‬تَا َح َّر َم عَلَي ْ ُك ُم ا‪١‬تؼتة والدم }‬
‫يعٍت أنه سبحانه قد حرمها ألجل‬
‫بقاء الدم يف ا‪١‬تؼتة وعدم سيبلنه ‪،‬‬
‫ومن باب أوىل؛ كان ٖتريم الدم‬
‫أمرا ًواجبا ً‪.‬‬

‫وحرم ا‪ٟ‬تق « ‪ٟ‬تم ا‪٠‬تزنير » وقلنا‬


‫إن علة اإلقبال عليه ا‪ٟ‬تكم هو أمر‬
‫اهلل به ‪ ،‬فإذا أثبت الزمن صدق‬
‫القضية اإلٯتانية يف التحليل؛‬
‫فذلك موضوع يؤكد عملية‬
‫اإلٯتان ‪ ،‬لكن لو انتظرنا وأجلنا‬
‫تنفيذ حكم اهلل حىت نتأكد من علة‬
‫التحريم؛ لكنا نؤمن بالعلماء‬
‫واالكتشافات العلمية قبل أن‬
‫نؤمن باهلل ‪ .‬ألننا إن انتظرنا حىت‬
‫يقول العلماء كلمتهم؛ فقد‬
‫اعؾُبنا العلماء آمن علؼنا من اهلل ‪.‬‬
‫وهل يوجد ‪٥‬تلوق آمن عَل ‪٥‬تلوق‬
‫من ا‪٠‬تالق؟ ‪.‬‬
‫إن ذلك مستحيل ‪ .‬إذن فا‪١‬تؤمن‬
‫من يأخذ كل حكم صادر من اهلل ‪،‬‬
‫وهو مؾيقن أن اهلل ال يأمره إال‬
‫بشيء نافع له ‪ ،‬ويف ا‪ٟ‬تقيقة فالشيء‬
‫الضار غَت ضار يف ذاته ‪ ،‬فقد ينفع‬
‫يف أشياء أخرى ‪ .‬ونضرب هذا‬
‫ا‪١‬تثل وهلل ا‪١‬تثل األعَل فأنت ساعة‬
‫تعاقب ابنك بأمر من األمور ‪،‬‬
‫فتحرمه من ا‪١‬تصروف أو ٖترمه من‬
‫أكلة شهية ‪ ،‬فإن ذلك العقاب يلس‬
‫ضارا ًيف ذاته ‪ ،‬إ‪٪‬تا إغراقك إياه ٔتا‬
‫٭تب ويطلب ‪ ،‬مع سَته يف طريق ال‬
‫ترتضيه ‪ ،‬هو دعوة لبلبن أن‬
‫يستمر يف فعل ما ال ترتضيه ‪ .‬إن‬
‫عدم تربية االبن بالثواب والعقاب‬
‫هو أمر ضار ‪.‬‬
‫ولذلك نقول للذين يريدون أن‬
‫يوجدوا علة لكل ُ‪٤‬ت َ َّرم ‪ :‬أنتم لم‬
‫تفطنوا إىل ٖتريم التأديب ‪ ،‬فهناك‬
‫ٖتريم ألمر ألنه ضار ‪ ،‬وهناك‬
‫ٖتريم ألمر آخر ألنك تريد أن‬
‫ٖترمه تأديبا ًله ‪ ،‬وأنت ال يصح منك‬
‫أن ٕتعل عملية التأديب يف القيم‬
‫دون عملية اإلصبلح يف ا‪١‬تادة‬
‫البدنية ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫أرحم ٓتلقه من األب بابنه ‪ ،‬وهو‬
‫قد حرم بعضا ًمن طؼبات ا‪ٟ‬تياة عَل‬
‫بين إسرائيل للتأديب ‪ ،‬فقال عز‬
‫وجل ‪ { :‬فَبِ ُظل ْ ٍم ِّم َن الذين َه ُادوا ْ‬
‫ات أُ ِحل َّ ْت َ‪٢‬ت ُ ْم }‬
‫َح َّرمنَا عَلَي ِهم َط ِؼّب ٍ‬
‫ْ ْ ْ َ‬
‫ػ النساء ‪] 160 :‬‬
‫فا‪ٟ‬تق حرم عليهم الطؼبات‬
‫كتأديب ‪٢‬تم عَل ظلمهم ألنفسهم‬
‫‪ .‬إذن ‪ ،‬ساعة ترى ٖترٯتا ًفبل تنظر‬
‫إىل ٖتريم الشيء الضار ‪ ،‬لكن انظر‬
‫أيضا إىل أن هناك ٖترٯتا ًمن أجل‬
‫التأديب ‪ ،‬ألن إباحة بعض من‬
‫الطؼبات ‪٢‬تؤالء مع كوهنم ‪٥‬تالفُت‬
‫للمنهج هو إغراء ‪٢‬تم بأن يكونوا‬
‫‪٥‬تالفُت دائما ً‪ ،‬ظا‪١‬تُت ألنفسهم ‪.‬‬
‫فا‪ٟ‬تق قد منع ما يضر اإلنسان يف‬
‫بدنه ‪ ،‬ومنع أيضا بعضا من الطؼبات‬
‫عَل بعض ا‪١‬تخالفُت كتأديب ‪٢‬تم ‪.‬‬
‫وبالنسبة لتحريم ا‪٠‬تزنير ‪ ،‬فقد‬
‫شاءت إرادة اهلل عز وجل أن‬
‫يكشف ‪٠‬تلقه سر التحريم ‪،‬‬
‫فأثبت العلماء أن هناك أمراضا ًيف‬
‫ا‪٠‬تزنير لم تكن معروفة قبل ذلك ‪،‬‬
‫وتبُت ‪٢‬تم خطورْتا مثل الدودة‬
‫الشريطية ‪ ،‬وإِذا كان ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل قد كشف ‪٢‬تم سرا ًواحدا ًهو‬
‫الدورة الشريطية ‪ ،‬فرٔتا هنا‬
‫أسرار أخرى أخطر من الدودة‬
‫الشريطية ‪.‬‬
‫و٭ترم ا‪ٟ‬تق أيضا { َو َمآ أُ ِه َّل بِ ِه لِغ َ ْ ِ‬
‫َت‬
‫اهلل } واإلهبلل هو رفع الصوت ‪،‬‬
‫ولذلك يقال ‪ :‬هلل أي رفع صوته‬
‫ببل إله إال اهلل ‪ ،‬ويس ىم ا‪٢‬تبلل‬
‫هبلالً؛ ألننا ساعة نراه هنلل ونقول‬
‫‪ « :‬اهلل أكُب ‪ ،‬رّب وربك اهلل »‬
‫وساعة يولد الولد ‪ ،‬وٮترج من بطن‬
‫أمه يتنبه إىل حياته وإىل ذاتية‬
‫وجوده بعد أن كان ملتحما بذاتية‬
‫أمه فهو يصرخ ‪ ،‬إنه يبدأ حياته‬
‫بالصراخ ‪ ،‬ولذلك فالذين‬
‫ينتظرون مولد الطفل عندما‬
‫يستمعون لصرخته يطمػنون ‪.‬‬

‫ولذلك يقول الشاعر ‪:‬‬


‫‪١‬تا تؤذن الدنيا به من صروفها ‪...‬‬
‫يكون بكاء الطفل ساعة يولد‬
‫كأن الوليد يقبل عَل شيء فيه نكد ‪،‬‬
‫وال يلتفت إىل ما يف اتساع الدنيا‬
‫ورغد العؼش فيها ‪ .‬وإال فما يبكيه‬
‫وإهنا ألوسع ما كان فيه وأرغد؟ ‪.‬‬
‫فكأن صرخة الوليد هي صرخة‬
‫االنتقال من رحم األم إىل مواجهة‬
‫ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬
‫كانت حياة الطفل يف بطن أمة‬
‫رتؼبة وغذاؤه من ا‪ٟ‬تبل السري ‪،‬‬
‫لكنه ساعة ينفصل من أمه تنقطع‬
‫صلته ّتهاز ٖتضَت الغذاء يف رحم‬
‫األم ‪ ،‬وفقد ا‪١‬تدد الغذائي يف ‪ٟ‬تظة‬
‫خروجه من بطن أمه ولم يأته مدد‬
‫الرضاعة بعد؛ فالرضاعة من مدد‬
‫الدنيا ‪ ،‬وال يأخذها إال إذا أخذ أقل‬
‫نسبة من ا‪٢‬تواء ليدير الرئة ‪،‬‬
‫ولذلك ٭ترص األطباء يف أن يزنل‬
‫الوليد من جهة رأسه دائما ً‪ ،‬ألنه لو‬
‫نزل من ناحية رجليه ورأسه‬
‫مازال بالداخل ‪ ،‬فإن أنفاسه‬
‫تكون ‪٤‬تبوسة يف بطن أمه ‪ ،‬ويكاد‬
‫ٯتوت ‪ ،‬ولذلك يكشفون اآلن عَل‬
‫األم ليعرفوا وضع ا‪ٞ‬تنُت ‪ ،‬ويقوم‬
‫الطؽيب بإجراء ا‪ٞ‬تراحة القيصرية‬
‫حرصا عَل حياة الوليد ‪ ،‬وأول شيء‬
‫يقوم به الطؽيب بعد ميبلد الطفل‬
‫هو أن يسلك منافذ ا‪٢‬تواء إىل أنفه ‪،‬‬
‫وبعد ذلك يعاًف بقية األعضاء ‪.‬‬
‫إهنا صرخة الغريزة ‪٘ ،‬تاما ًمثل ما‬
‫تسهو أُمه عنه وجاء موعد رضعته‬
‫فهو يصرخ وهكذا نعرف أن‬
‫اإلهبلل هو رفع الصوت ‪ ،‬وقوله‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و َمآ أُ ِه َّل بِ ِه لِغ َ ْ ِ‬
‫َت اهلل }‬
‫يعٍت هو رفع الصوت ‪ٟ‬تظة الذبح ‪،‬‬
‫والذبح نوعان ‪ :‬ذبح لنفعك لتأكل‬
‫ويأكل غَتك ‪ ،‬وذبح قرىب هلل ‪ .‬وما‬
‫أهل به هلل ‪ ،‬هو ذبح قرىب هلل ‪ ،‬أما {‬
‫َو َمآ أُ ِه َّل بِ ِه لِغ َ ْ ِ‬
‫َت اهلل } فهو الذبح‬
‫‪١‬تنفعة اإلنسان فقط ‪ ،‬وتقربا ًإىل‬
‫أصنامهم وأوثاهنم وما يعبدونه‬
‫من دون اهلل ‪.‬‬
‫ومادام اهلل هو الذي أعىط‬
‫ا‪ٟ‬تيوانات وسخرها لنا من أجل أن‬
‫نأكلها؛ فعلؼنا أن نذكر ا‪١‬تنعم ‪،‬‬
‫وأن تكون القرىب هلل وحده هي‬
‫القصد األول ‪ .‬ولذلك فا‪١‬تؤمنون‬
‫يتقربون ويأكلون ‪ ،‬أما الكفار‬
‫فيأكلون وال يتقربون هلل وإ‪٪‬تا‬
‫يذْتون ويتقربون إىل آ‪٢‬تتهم ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حؼنما شرع ‪،‬‬
‫فتشريعه يضع االحتماالت ‪،‬‬
‫ولؼس كا‪١‬تشرعُت من البشر الذين‬
‫تضطرهم أحداث ا‪ٟ‬تياة بعد‬
‫التشريع إىل أن يغَتوا ما شرعوا؛‬
‫ألنه حدثت أقضية بعد تطؽيق‬
‫التشريع لم تكن يف با‪٢‬تم ساعة‬
‫شرعوا ‪ ،‬وذلك لقصور علمهم عما‬
‫٭تدث يف الكون من القضايا اليت‬
‫تضطرهم وتلجئهم إىل أن يعدلوا‬
‫القانون ‪ .‬فتعديل أي قانون‬
‫بشري معناه حدوث أقضية ال‬
‫يوجد ‪٢‬تا تكؼيف يف القانون عند‬
‫التطؽيق؛ فيلجأ ا‪١‬تشرعون إىل‬
‫تعديل القانون ‪ ،‬ليضعوا فيه ما‬
‫يؾسع ‪٢‬تذه األقضية ‪.‬‬
‫ولكن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ساعة‬
‫قنن ‪ . .‬فهو يقنن تقنؼنا ٭تمل يف‬
‫طياته كل ما ٯتكن أن يستجد من‬
‫أقضية دون حاجة إىل تعديل ‪ ،‬وألن‬
‫اإلسبلم جاء منهاجا ًخا٘تا وال منهج‬
‫للسماء بعده ‪ ،‬لذلك كان متضمنا‬
‫كافة االحتماالت ‪ .‬لقد كان من‬
‫ا‪١‬تعقول تعديل التقنؼنات عندما‬
‫كانت الرسل تتواىل ‪ ،‬لكن عندما‬
‫ختم اهلل رساالت السماء ٔتحمد‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬كان البد أن‬
‫تكون التشريعات اليت أنز‪٢‬تا اهلل‬
‫عَل رسوله ٖتمل يف ذاْتا ضمانات‬
‫تكفل ذلك ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬فالضرورات اليت اقتضت‬
‫ا‪١‬تشروع الوضعي أن يعدل قانونا ً‬
‫غفل عن جزئياته ساعة وضعه‬
‫األول ‪ ،‬مثل هذه األمور ال توجد يف‬
‫تشريعات السماء ‪ ،‬ألن اهلل يعلم‬
‫األقضية اليت ٕتئ ‪.‬‬
‫وهب أن الضرورة اليت تستلزم‬
‫التعديل لم تكن موجودة ‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك جدت ضرورات ‪ ،‬أكان ا‪ٟ‬تق‬
‫ٯتيت خلقه ألنه قال ‪ :‬ال تأكلوا‬
‫ا‪١‬تؼتة؟ عندئذ كنا سنقول ‪ :‬ما هذه‬
‫ا‪ٟ‬تكاية؟ صحيح ا‪١‬تؼتة ستضر ‪،‬‬
‫وإ‪٪‬تا ا‪١‬تخمصة وا‪١‬تجاعة ستميت‬
‫‪ ،‬فلماذا ال نتحمل أكل ما يضر‬
‫بدال ًمن أن ‪٪‬تؾنع عن األكل‬
‫فنموت من ا‪ٞ‬توع؟‬
‫إذن فهي عدالة ا‪ٟ‬تق اليت قالت ‪{ :‬‬
‫فَ َم ِن اضطر غ َ َْت َبَا ٍغ َوال َعَا ٍد فبل إِث َْم‬
‫عَلَي ْ ِه } فاالضطرار له شرط هو ‪{ :‬‬
‫غ َ َْت َبَا ٍغ َوال َعَا ٍد } ‪ .‬وغَت باغ يعٍت‬
‫غَت متجاوز ا‪ٟ‬تد ‪ ،‬فيأخذ عَل قدر‬
‫حاجته الضرورية ‪ ،‬مثبل ً‪ ،‬ال يقول ‪:‬‬
‫إن اهلل أحل ا‪١‬تؼتة ‪١‬تثل ما أنا عليه‬
‫من االضطرار وٯتؤل بطنه منها ‪ ،‬ال‬
‫‪ ،‬إن عليه أن يأخذ عَل قدر اسؾبقاء‬
‫ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬وال يظن أن ذلك يصبح‬
‫حبلال ً‪ ،‬بل يقول ‪ :‬إن هذا حرام‬
‫أبيح لبلضطرار ‪.‬‬
‫وأيضا البد أن نلحظ قٯتة ا‪ٟ‬تقوق‬
‫ا‪١‬تتعلقة باآلخرين ‪ ،‬هب أن إنسانا ً‬
‫ٯتلك فنجان ماء ال يكفيه إال‬
‫لَتوي حلقه ‪ ،‬وبعد ذلك جاء‬
‫شخص آخر مضطر وقوي وضربه‬
‫ليأخذ منه هذا الفنجان ‪ .‬نقول‬
‫‪٢‬تذا ا‪١‬تعتدي ‪ :‬ال تعتد ألن للملكية‬
‫سبقا ً‪ ،‬فإن اتسعت لكما كمية‬
‫ا‪١‬تاء معا ًفأهبل ًوسهبل ً‪ ،‬وإن لم‬
‫تؾسع ‪ ،‬فصاحب ا‪١‬تلكية أوىل با‪١‬تاء‬
‫‪ ،‬وال يقولن هذا اآلخر ‪ « :‬أنا‬
‫مضطر ألن آخذها منه » ‪ .‬إن‬
‫اضطراره سيدفع عنه ا‪١‬تضرة‬
‫ويوقعها يف غَته ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬فا‪١‬تقايؼس عند الضرورة‬
‫تظل كما هي ‪ ،‬فبلبد من احًتام‬
‫ا‪ٟ‬تق والسبق ‪ ،‬وال يصح أن نتجاوز‬
‫بالضرورة قدرها ‪ ،‬هذا معٌت قوله ‪:‬‬
‫{ فَ َم ِن اضطر غ َ َْت َبَا ٍغ َوال َعَا ٍد فبل‬
‫إِث َْم عَلَي ْ ِه } ‪ ،‬وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فبل‬
‫إِث َْم عَلَي ْ ِه } يدل عَل أن ا‪١‬تسألة‬
‫فيها إثم أباحها اهلل عز وجل‬
‫للضرورة؛ وذلك حىت ال ‪٨‬تلها ٖتليبل ً‬
‫دائما ً‪ ،‬فإذا مازالت الضرورة عدنا‬
‫إىل أصل ا‪ٟ‬تكم ‪.‬‬
‫وٮتتم ا‪ٟ‬تق اآلية بقوله ‪ { :‬إ َِّن اهلل‬
‫يم } ونؾساءل ‪ :‬ما عبلقة‬ ‫َغ ُف ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫ٌ‬
‫يم } بهذه اآلية؛ إن‬ ‫{ َغ ُف ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫ٌ‬
‫ا‪١‬تغفرة والر‪ٛ‬تة تقتضيان ذنوبا ً‪،‬‬
‫وما سبق كله هو قول ا‪ٟ‬تق وتشريعه‬
‫‪ ،‬وٖتريم ا‪١‬تؼتة إال عند الضرورة‬
‫هو كبلم ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬وا‪١‬تضطر حُت يأخذ‬
‫منها عَل قدر الضرورة فإ‪٪‬تا هو‬
‫إباحة من ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬فبل ذنب إذن‬
‫يقتضي تذييل اآلية بقوله ‪ { :‬إ َِّن‬
‫يم } ؟ ‪.‬‬ ‫اهلل َغ ُف ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫ٌ‬
‫ونقول ‪ :‬إذا كان اهلل يغفر مع الذنب‬
‫‪ ،‬أفبل يغفر مع الضرورة اليت شرع‬
‫‪٢‬تا ا‪ٟ‬تكم ‪ ،‬إن ا‪١‬تنطق يقول ‪ :‬إن‬
‫اهلل يغفر الذنب الذي ٭تدث ببل‬
‫مناسبة تستدعيه ‪ ،‬أفبل يغفر‬
‫للمضطر الذي أجُبته الظروف‬
‫عَل أكل ا‪١‬تؼتة؟ ‪ .‬إن اهلل غفور يف‬
‫األصل أفبل يغفر ‪١‬تن أعطاه‬
‫رخصة؟ إذن فهو غفور رحيم ‪ ،‬ولن‬
‫يكتب عَل ا‪١‬تضطر ذنبا ًمن جراء‬
‫اضطراره ‪ .‬إن ر‪ٛ‬تة اهلل اليت تغفر‬
‫للعاصي الذي اجًتأ عَل ا‪ٟ‬تق ببل‬
‫مناسبة ‪ ،‬هو سبحانه الذي كتب‬
‫ا‪١‬تغفرة ‪١‬تن اضطر وكسر قاعدة‬
‫التحريم عند االضطرار ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪ { :‬إ َِّن الذين‬
‫ون َمآ أَن َز َل اهلل ِم َن الكتاب‬ ‫ي َ ْك ُت ُم َ‬
‫ون بِ ِه ‪ٙ‬تَ َنا ًقَلِيبل ًأولئك َما‬
‫ًت َ‬‫َوي َ ْش َ ُ‬
‫ون ِيف ُب ُط ِ ِ‬
‫وهن ْم إِال َّالنار ‪} . . .‬‬ ‫ْ‬
‫يَأكُل ُ َ‬
‫اّلل ِم َن‬
‫ون َما أَن ْ َز َل ّ َُ‬ ‫إ َِّن ال َّ ِذي َن ي َ ْك ُت ُم َ‬
‫يبل‬‫ون ِهب‪ٙ‬تَ َنًا قَلِ ً‬ ‫اب َوي َ ْش ًَتُ َ‬ ‫ال ْ ِكت َ ِ‬
‫ون ِيف ُب ُط ِ ِ‬ ‫أُولَئِ َ ْ‬
‫وهن ْم إ َِّال النَّ َ‬
‫ار‬ ‫ك َما يَأكُل ُ َ‬
‫اّلل ي َ ْو َم الْقِي َ َام ِة َو َال‬ ‫ِ‬
‫َو َال يُكَل ّ ُم ُه ُم َّ ُ‬
‫يم‬ ‫يُ َز ِ ّكي ِهم و َ‪٢‬تم ع َذ َ ِ‬
‫اب أل ٌ‬ ‫ْ َ ُْ َ ٌ‬
‫(‪)174‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يزنل‬
‫بوساطة رسله عَل خلقه ليحكم‬
‫ا‪١‬تنهج حركة ا‪ٟ‬تياة للناس وعَل‬
‫الناس ‪ ،‬إنه ٭تكم للناس أي‬
‫‪١‬تصا‪ٟ‬تهم ‪ ،‬و٭تكم عَل الناس إن‬
‫فوتوا ا‪١‬تصاٌف ‪ ،‬ألن الذي يُ َف ِ ّوت‬
‫مصلحة لسواه عنده ‪ ،‬البد أن‬
‫يلحظ أن غَته سيف ّوت عليه‬
‫مصلحة عنده ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬فمن اإلنصاف يف التشريع أن‬
‫ٕتعل له وعليه ‪ ،‬فكل « تكليف عليه‬
‫» يقابله « تكليف له » ‪ ،‬ألنه إن‬
‫كان له حق ‪ ،‬فحقه واجب عَل سواه‬
‫‪ ،‬ومادام حقه واجبا ًعَل ما سواه ‪،‬‬
‫فلزم أن يكون حق غَته واجبا ً‬
‫عليه؛ وإال فمن أين يأخذ صاحب‬
‫ا‪ٟ‬تق حقه؟‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل حُت يزنل‬
‫ا‪١‬تنهج يبلغه الرسل و٭تمله أولو‬
‫العلم؛ لؼبلغوه للناس ‪ ،‬فالذين‬
‫يكتمون ما أنزل اهلل إ‪٪‬تا‬
‫يصادمون منهج السماء ‪ .‬ومصادمة‬
‫منهج السماء من خلق اهلل ال تتأىت‬
‫إال من إنسان يريد أن ينتفع‬
‫بباطل ا‪ٟ‬تياة؛ ليأكل حق الناس ‪.‬‬
‫فحُت يكتمون ما أنزل اهلل ‪ ،‬فقد‬
‫أصبحوا عوائق ‪١‬تنهج اهلل الذي جاء‬
‫لؼسيطر عَل حركة ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬
‫وما نفعهم يف ذلك؟ ‪ .‬البد أن يوجد‬
‫نفع ‪٢‬تم ‪ ،‬هذا النفع ‪٢‬تم هو الثمن‬
‫القليل ‪ ،‬مثل « الرشا » ‪ ،‬أو األشياء‬
‫اليت كانوا يأخذوهنا من أتباعهم‬
‫ليجعلوا أحكام اهلل عَل مقتىض‬
‫شهوات الناس ‪.‬‬
‫فاهلل يبُت ‪٢‬تم ‪ :‬أن الشيء ال يُثمن‬
‫إال بؾثمُت من يعلم حقيقته ‪،‬‬
‫وأنتم ُتث َ ّمنون منهج اهلل ‪ ،‬وال يصح‬
‫أن يُث َ ِ ّمن منهج اهلل إال اهلل ‪ .‬ولذلك‬
‫‪٬‬تب أن يكون الثمن الذي وضعه‬
‫اهلل لتطؽيق ا‪١‬تنهج ‪ٙ‬تنا مرْتا مقنعا‬
‫لكم ‪ ،‬فإن أخذتم ‪ٙ‬تنا عَل كتمان‬
‫منهج اهلل وأرضؼتم الناس بتقنُت‬
‫يوافق أهواءهم وشهواْتم ‪ ،‬فقد‬
‫خسرتم يف الصفقة؛ ألن ذلك‬
‫الثمن مهما عبل بالتقدير البشري‬
‫‪ ،‬فهو ‪ٙ‬تن قليل وعمره قصَت ‪.‬‬
‫واأل‪ٙ‬تان عادة تبدأ من أول شيء‬
‫يتعقل ْتياة اإلنسان هو قوام‬
‫حياته من مأكل ومشرب ‪ ،‬لذلك‬
‫قال اهلل سبحانه وتعاىل ‪ { :‬أولئك‬
‫ون ِيف ُب ُط ِوهنِ ْم إِال َّالنار } وإذا‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ك‬‫ما يأ ْ‬
‫َ َ َ‬
‫كانوا يأكلون يف بطوهنم نارا ًفكيف‬
‫يكون اسؾيعاب النار لكل تلك‬
‫البطون؟‬
‫ألن ا‪١‬تؤمن كما قال الرسول يأكل‬
‫يف معي واحد ‪ ،‬والكافر يأكل يف سبعة‬
‫أمعاء ‪ ،‬أي أن الكافر ال يأكل إال‬
‫تلذذا ًبالطعام؛ فهو يريد أن يتلذذ‬
‫به دائما حىت يضيق بطنه ٔتا‬
‫يدخل فيه ‪ .‬لكن ا‪١‬تؤمن يأخذ من‬
‫الطعام بقدر قوام ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬فسيد‬
‫ا‪٠‬تلق ‪٤‬تمد بن عبد اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم يقول يف ا‪ٟ‬تديث‬
‫الشريف ‪ « :‬حسب ابن آدم‬
‫لقيمات يقمن أوده » ‪.‬‬
‫إذن فاألكل عند ا‪١‬تؤمن هو‬
‫‪١‬تقومات ا‪ٟ‬تياة وكوقود للحركة ‪،‬‬
‫ولكن الكافر يأخذ األكل كأنه متعة‬
‫ذاتية ‪ .‬وا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬أولئك َما‬
‫ون ِيف ُب ُط ِ ِ‬
‫وهن ْم إِال َّالنار } يعٍت‬ ‫ْ‬
‫يَأكُل ُ َ‬
‫كما أرادوا امتبلء بطوهنم شهوة‬
‫ولذة ‪ ،‬فكذلك ‪٬‬تعل اهلل العذاب‬
‫‪٢‬تم من جنس ما فعلوه بالثمن‬
‫القليل الذي أخذوه ‪ ،‬فهم أخذوا‬
‫ليمؤلوا بطوهنم من خؽيث ما‬
‫أخذوا وسيمؤل اهلل بطوهنم نارا ً‪،‬‬
‫جزاء وفاقا ‪١‬تا فعلوا ‪ ،‬وهذا لون من‬
‫العقاب ا‪١‬تادي يؾبعه لون آخر من‬
‫العقاب هو { َوال َيُكَلِ ّ ُم ُه ُم اهلل } أي‬
‫أن ا‪ٟ‬تق ينصرف عنهم يوم ال أنس‬
‫للخلق إال بوجه ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬

‫و‪٨‬تن حُت نقرأ كلمة « ال يكلم‬


‫فبلن فبلنا ً» نستشعر منها‬
‫الغضب؛ ألن الكبلم يف البشر هو‬
‫وسيلة األنس ‪ ،‬فإذا ما امؾنع إنسان‬
‫عن كبلم إنسان ‪ ،‬فكأنه يبغضه‬
‫ويكرهه ‪ .‬إذن { َوال َيُكَلِ ّ ُم ُه ُم اهلل‬
‫} معناها أنه يبغضهم ‪ ،‬وحسبك‬
‫بصدود اهلل عن خلقه عقابا وعذابا‬
‫‪ .‬لقد واالهم بالنعمة وبعد ذلك‬
‫يصد عنهم ‪ .‬ويقول قائل ‪ :‬كيف‬
‫نقرأ هنا أن ا‪ٟ‬تق ال يكلمهم ‪ ،‬وهو‬
‫سبحانه القائل ‪ { :‬قَالُوا ْ َربَّنَا غَلَب َ ْت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُت *‬ ‫عَلَؼْنَا شقْ َو ُتنَا َو ُكنَّا قَ ْوما ً َضآل ّ َ‬
‫َربَّنَآ أ َ ْخ ِر ْجنَا ِمنْهَا فَإ ِْن ُع ْدنَا فَإِن َّا‬
‫ال اخسئوا فِيهَا َوال َ‬ ‫ِ‬
‫ون * قَ َ‬ ‫َظا‪١‬تُ َ‬
‫ون } ػ ا‪١‬تؤمنون ‪-106 :‬‬ ‫ُتكَلِ ّ ُم ِ‬
‫‪] 108‬‬
‫نقول ‪ :‬صحيح أنه سبحانه يقول‬
‫ون } ولكن‬ ‫‪٢‬تم ‪َ { :‬وال َ ُتكَلِ ّ ُم ِ‬
‫الكبلم حُت ينفي من اهلل فا‪١‬تقصود‬
‫به هو كبلم ا‪ٟ‬تنان وكبلم الر‪ٛ‬تة‬
‫وكبلم اإليناس واللطف ‪ ،‬أما كبلم‬
‫العقوبة فهو اللعنة ‪ .‬إذن { َوال َ‬
‫يُكَلِ ّ ُم ُه ُم اهلل } أي ال يكلمهم ا‪ٟ‬تق‬
‫وصبل لؤلنس ‪ .‬ولذلك حُت يؤنس‬
‫اهلل بعض خلقه يطيل معهم الكبلم‬
‫‪ .‬ومثال ذلك عندما جاء موىس‬
‫‪١‬تيقات ربه ‪ ،‬ماذا قال اهلل له؟ قال‬
‫ك بِي َ ِمؼ ِن َ‬
‫ك‬ ‫عز وجل ‪َ { :‬و َما تِل ْ َ‬
‫ياموىس } ػ طه ‪] 17 :‬‬
‫فهل يعٍت هذا السؤال أن اهلل‬
‫يستفهم من موىس عما بيده؟ ‪ .‬إنه‬
‫سؤال اإليناس يف الكبلم حىت ٮتلع‬
‫موىس من دوامة ا‪١‬تهابة ‪.‬‬
‫وضربنا مثبل لذلك وهلل ا‪١‬تثل‬
‫األعَل حؼنما يذهب شخص إىل‬
‫بيت صديقه ليزوره ‪ ،‬فيأيت ولده‬
‫الصغَت ومعه لعبة ‪ ،‬فيقول الضيف‬
‫للطفل ‪ :‬ما الذي معك؟ إن الضيف‬
‫يرى اللعبة يف ديالطفل ‪ ،‬لكن‬
‫كبلمه مع الطفل هو لئليناس ‪.‬‬
‫وعندما جاء كبلم اهلل باإليناس‬
‫ك بِي َ ِمؼ ِن َ‬
‫ك‬ ‫‪١‬توىس قال له ‪َ { :‬و َما تِل ْ َ‬
‫ياموىس } ػ طه ‪] 17 :‬‬
‫كان يكفي موىس أن يقول ‪ :‬عصا ‪،‬‬
‫وتنتهي إجابته عن السؤال ‪ ،‬ولو‬
‫قال موىس ‪ :‬عصا ‪ ،‬لكان ذلك منه‬
‫عدم اسؾيعاب لتقدير إيناس اهلل له‬
‫بالكبلم ‪ ،‬لكن سيدنا موىس عليه‬
‫السبلم انتهز سؤال اهلل له ليطيل‬
‫ال ِه َي‬
‫األنس باهلل فيقول ‪ { :‬قَ َ‬
‫اي أَتَ َوكَّأُ عَلَيْهَا َوأ َ ُه ُّش بِهَا عَل‬
‫َع َص َ‬
‫َغن َ ِمي َو ِيل َفِيهَا َمآ ِر ُب أخرى } ػ‬
‫طه ‪] 18 :‬‬
‫تأمل التطويل يف إجابة موىس ‪ّ .‬‬
‫إن‬
‫كلمة { ِهي } زائدة ‪ ،‬و { أَتَوكَّأُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عَلَيْهَا } زائدة أي غَت ‪٤‬تتاج إليها يف‬
‫إفادة ا‪١‬تعٌت ‪ ،‬و { َوأ َ ُه ُّش بِهَا عَل‬
‫َغن َ ِمي } تطويل أكثر « و { َو َِ‬
‫يل‬
‫فِيهَا َمآ ِر ُب أخرى } رغبة منه يف‬
‫إطالة ا‪ٟ‬تديث أكثر ‪.‬‬
‫إذن فكبلم اهلل والنظر إليه سبحانه‬
‫افضل النعم اليت ينعم اهلل بها عَل‬
‫ا‪١‬تؤمنُت يوم القيامة ‪.‬‬
‫فإذا كان اهلل سيمنع عن الكافرين‬
‫وسائل التكريم ا‪١‬تادي فبل‬
‫يكلمهم ‪ ،‬فهذه مسألة صعبة ‪{ .‬‬
‫َوال َيُكَلِ ّ ُم ُه ُم اهلل ي َ ْو َم القيامة َوال َ‬
‫يم } وبعد‬ ‫يُ َز ِ ّكي ِهم و َ‪٢‬تم ع َذ َ ِ‬
‫اب أل ٌ‬
‫ْ َ ُْ َ ٌ‬
‫أن ٭ترمهم من الكبلم واالستػناس‬
‫ْتضرته؛ وال يطهرهم من ا‪٠‬تبائث‬
‫اليت ارتكبوها؛ وال ‪٬‬تعلهم أهبل‬
‫لقربه ‪ ،‬بعد ذلك يعذبهم عذابا ً‬
‫شديداً؛ كأن فيه عذابا سابقا؛ ثم‬
‫يأيت العذاب األشد ‪ ،‬ألهنم البد أن‬
‫يبلقوا عذابا مضاعفا ً‪ ،‬ألهنم كتموا‬
‫منهج اهلل عن خلق اهلل ‪ ،‬فؾسؽبوا يف‬
‫إضبلل ا‪٠‬تلق ‪ ،‬فعليهم وزر‬
‫ضبل‪٢‬تم وأوزار فوق أوزارهم‬
‫ألهنم أضلوا سواهم ‪.‬‬
‫ومسألة كبلم اهلل للناس أخُبنا بها‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم حُت‬
‫قال ‪ « :‬ثبلثة ال يكلمهم اهلل يوم‬
‫القيامة وال يزكيهم وال ينظر‬
‫إليهم و‪٢‬تم عذاب أليم ‪ :‬شيخ زانٍ‬
‫‪ ،‬وملك كذاب ‪ ،‬وعائل مستكُب »‬
‫‪.‬‬
‫ما سر حرمان هؤالء من كبلم اهلل‬
‫وتزكؼته والنظر إليهم؟ إن الشيخ‬
‫الزاين يرتكب إ‪ٙ‬تا ً‪ ،‬ال ضرورة له‬
‫ألنه ال يعاين من سعار ا‪١‬تراهقة ‪.‬‬
‫وا‪١‬تلك الذي يكذب ‪ ،‬إ‪٪‬تا يكذب‬
‫عَل قوم هم رعؼته ‪ ،‬والكذب‬
‫خوف من ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬ف ِم ّم ْن ٮتاف ا‪١‬تلك‬
‫إذا كان الناس ٖتت حكمه؟ ‪.‬‬
‫وعائل األسرة عندما يصؼبه الكُب‬
‫وهو فقَت ‪ ،‬سؼسبب له هذا الكُب‬
‫الكثَت من ا‪١‬تتاعب ويضيق عليه‬
‫سبل الرخاء وسبل العؼش و‪٬‬تعله يف‬
‫شقاء من العيلة ‪ ،‬فإن أراد أحد‬
‫مساعدته فسيكون الكُب‬
‫واالستعبلء عَل الناس حائبل ًبؼنه‬
‫وبُت مساعدته ‪ ،‬وهذا هو معٌت « ال‬
‫يكلمهم وال يزكيهم » ‪ ،‬فما معٌت‬
‫« وال ينظر إليهم »؟ إن النظر‬
‫شراك العطف ‪ ،‬ولذلك يقطع اٌفق‬
‫عنهم باب الر‪ٛ‬تة والعطف من‬
‫األصل ‪ ،‬وهو النظر إليهم ‪ ،‬ويذيل‬
‫ا‪ٟ‬تق اآلية الكرٯتة بقوله ‪َ { :‬و َ‪٢‬ت ُ ْم‬
‫يم } أي مؤلم ‪ ،‬وعندما‬ ‫ع َذاب أَلِ‬
‫َ ٌ ٌ‬
‫تسمع صيغة « فعيل » فنحن‬
‫نأخذها ٔتعٌت فاعل أو مفعول ‪،‬‬
‫لذلك نفهم « أليم » عَل أنه مؤلم‬
‫‪.‬‬
‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أولئك الذين‬
‫اشًتوا الضبللة با‪٢‬تدى والعذاب‬
‫با‪١‬تغفرة ‪} . . .‬‬

‫أُولَئِ َ‬
‫ك ال َّ ِذي َن ا ْش ًَت َ ُوا َّ‬
‫الض َبلل َ َة‬
‫اب بِا ْ‪١‬تَغ ْ ِف َر ِة فَ َما‬
‫بِا ْ‪٢‬ت ُ َدى َوالْعَ َذ َ‬
‫ُب ُه ْم عََلَ النَّا ِر (‪)175‬‬ ‫َ‬
‫أ ْص َ َ‬
‫يذكر اهلل لنا حيؿية ا‪ٟ‬تكم عليهم؛‬
‫و‪١‬تاذا ال يكلمهم؛ و‪١‬تاذا ال يزكيهم‬
‫‪ ،‬و‪١‬تاذا يكون ‪٢‬تم يف اآلخرة عذاب‬
‫أليم؟ ّإهنم قد بدلوا الضبللة‬
‫با‪٢‬تدى؛ والعذاب با‪١‬تغفرة ‪.‬‬
‫وعندما ترى فظاعة العقاب فبل‬
‫تستهوله ‪ ،‬ولكن انظر إىل فظاعة‬
‫ا‪ٞ‬ترم ‪ .‬إن الناس حُت يفصلون‬
‫ا‪ٞ‬ترٯتة عن العقاب فهم يعطفون‬
‫عَل ا‪١‬تجرم؛ ألهنم ال يرون ا‪١‬تجرم‬
‫إال حالة عقابه و‪٤‬تاكمته ونسوا‬
‫جرٯتته ‪ ،‬ولذلك فساعة ترى‬
‫عقوبة ما وتستفظعها؛ فعليك‬
‫استحضار ا‪ٞ‬ترم الذي أوجب تلك‬
‫العقوبة ‪ .‬ولذلك ‪٧‬تد الناس غالبا ًما‬
‫يعطفون عَل كل ا‪١‬تجرمُت الذين‬
‫٭تاكمون وتصدر عليهم عقوبات‬
‫صارمة ‪ ،‬ألن ا‪ٞ‬ترٯتة مر عليها‬
‫وقت طويل ‪ ،‬ولم نرها ‪ ،‬وآثارها‬
‫وتبعاْتا انتهت ‪ .‬ولم يبق إال‬
‫ا‪١‬تجرم؛ فيعطفون عليه ‪ ،‬ولذلك‬
‫فمن ا‪٠‬تطأ أن تطول اإلجراءات يف‬
‫ا‪١‬تحاكمات ‪ ،‬بل البد من ‪٤‬تاكمة‬
‫ا‪١‬تجرم من فور وقوع ا‪ٞ‬ترٯتة وهي‬
‫ساخنة؛ حىت ال يعطف عليه‬
‫ا‪ٞ‬تمهور ‪ ،‬ألن تعطيف قلب‬
‫ا‪ٞ‬تمهور عليه ‪٬‬تعل العقوبة قاسية ‪.‬‬
‫{ أولئك الذين اشًتوا الضبللة‬
‫با‪٢‬تدى } ونعرف أن « الباء »‬
‫تدخل عَل ا‪١‬تًتوك ‪ ،‬فالضبللة هنا‬
‫أُ ِخ َذ ْت وترك ا‪٢‬تدى ‪ ،‬واسؾبدلوا‬
‫العذاب با‪١‬تغفرة ‪ ،‬وماداموا قد‬
‫أخذوا الضبللة بدال من ا‪٢‬تدى ‪،‬‬
‫والعذاب بدال من ا‪١‬تغفرة ‪،‬‬
‫فالعدالة أن يأخذوا العذاب األليم‬
‫‪.‬‬
‫وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَ َمآ‬
‫أ َ ْص َُبَ ُه ْم عََلَ النار } هذا تبشيع‬
‫نِفر منه الناس ‪.‬‬ ‫للعقاب حىت يُ ّ َ ِ‬
‫ويريد منا اهلل أن نتعجب ‪ ،‬كيف‬
‫‪٬‬توز للضال أن يًتك ا‪٢‬تدى ويأخذ‬
‫الضبلل ‪ ،‬وبعد ذلك تكون النؾيجة‬
‫أن يأخذ العذاب ويًتك ا‪١‬تغفرة ‪.‬‬
‫فما الذي يعطيه األمل يف أن يصُب‬
‫عَل النار؟ ‪ ،‬هل عنده صُب إىل هذا‬
‫ا‪ٟ‬تد ‪٬‬تعله يقبل عَل الذنب الذي‬
‫يدفعه إىل النار؟ ‪ .‬وما الذي جعله‬
‫يصُب عَل هذا العذاب؟ أعنده قوة‬
‫ُت َص ُِّبه عَل النار؟ وما هذه القوة؟ ‪.‬‬
‫وكأن ا‪ٟ‬تق يقول ‪ :‬أنت غَت مدرك‬
‫‪١‬تا ينتظرك من ا‪ٞ‬تزاء وإال ما الذي‬
‫يصُبك عَل هذه النار؟ إنك‬
‫تتمادى يف طغيانك وضبللك ‪،‬‬
‫وتنىس أن النار ستكون من‬
‫نصؼبك؛ فإذا كنت مؾيقنا ًأن النار‬
‫من نصؼبك؛ فكيف أخذت أمانا ً‬
‫من صُبك عَل النار ‪ .‬فالنار أمر ال‬
‫يصُب عليه إنسان أبدا ً‪.‬‬
‫ك بِأ َ َّن‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪ { :‬ذَل ِ َ‬
‫اهلل ن َ َّز َل الكتاب با‪ٟ‬تق‪} . . .‬‬

‫اب بِا ْ‪ٟ‬ت َ ّ ِق‬ ‫ت‬ ‫اّلل ن َ َّز َل ال ْ ِ‬


‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ك بِأ َ‬
‫َ‬ ‫ذَل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اب ل َ ِفي‬ ‫َوإ َِّن ال َّ ِذي َن ا ْختَل َ ُفوا ِيف ال ْ ِكت َ ِ‬
‫ِشقَاقٍ بَعِي ٍد (‪)176‬‬
‫وذلك إشارة إىل ما تقدم ‪ ،‬وما تقدم‬
‫هو الضبللة اليت أخذوها وتركوا‬
‫ا‪٢‬تدى ‪ ،‬والعذاب الذي أخذوه‬
‫بدال ًمن ا‪١‬تغفرة ‪ ،‬ونار يعذبون فيها‬
‫‪ ،‬وقد صُبوا عليها ‪ ،‬إهنا ثبلثة‬
‫أشياء ملتقية؛ العذاب ‪ ،‬والضبللة ‪،‬‬
‫والنار ‪.‬‬
‫فالضبلل هو السبب األصيل يف‬
‫العذاب ‪ ،‬فإذا قال اهلل ‪ :‬عاقؽتهم‬
‫بكذا ألهنم ضلوا ‪ ،‬فذلك صحيح ‪،‬‬
‫وإذا قال ‪ :‬فعلت فيهم ذلك ألهنم‬
‫استحقوا العذاب ‪ ،‬فهو صادق ‪،‬‬
‫والعذاب كحكم عام يكون بالنار‬
‫‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬عندما يقول ا‪ٟ‬تق ‪ :‬بالنار أو‬
‫بالعذاب أو بالضبلل فمرجعها‬
‫‪ٚ‬تيعا واحد ‪ ،‬يقال عنه ‪ « :‬ذلك »‬
‫ك بِأ َ َّن اهلل ن َ َّز َل الكتاب‬
‫‪ { .‬ذَ ِل َ‬
‫با‪ٟ‬تق } والذي يغَت الكتاب‬
‫ويكتمه إ‪٪‬تا يكره ا‪ٟ‬تق ‪َ { .‬وإ َِّن‬
‫الذين اختلفوا ِيف الكتاب ل َ ِفي ِش َقاقٍ‬
‫بَعِي ٍد } ‪ .‬إهنا هوة واسعة يسقطون‬
‫فيها ‪ ،‬فالشقاق يف القيم ا‪١‬تنهجية‬
‫السماوية هو هوة كبَتة ‪ ،‬فلو كان‬
‫ا‪٠‬تبلف يف أمور مادية ألمكن للبشر‬
‫أن يتحملوها فيما بؼنهم ‪ ،‬ولكانت‬
‫مسألة سهلة ‪ .‬ولكن ا‪٠‬تبلف يف أمر‬
‫قيمي ال يقدر البشر عَل أن‬
‫يصلحوه فيما بؼنهم ‪ ،‬من هنا فإن‬
‫شقة ا‪٠‬تبلف واسعة ‪ ،‬وال يقوى عَل‬
‫حلها إال اهلل ‪ ،‬ولذلك قال سبحانه ‪:‬‬
‫{ إن اهلل ٭تكم بؼنهم يف ما هم فيه‬
‫ٮتتلفون } ػ الزمر ‪] 3 :‬‬

‫وه ُك ْم قِب َ َل‬ ‫ُب أ َ ْن ُت َولُّوا ُو ُج َ‬


‫َيل ْ َس ال ْ ِ َّ‬
‫ِ‬
‫ُب َم ْن‬‫ا ْ‪١‬ت َ ْش ِر ِق َوا ْ‪١‬تَغ ْ ِر ِب َولَك َّن ال ْ ِ َّ‬
‫اّلل َوالْي َ ْو ِم ْاآل ِخ ِر َوا ْ‪١‬ت َ َبل ِئ َك ِة‬
‫آ َم َن بِ َ ِ‬
‫ّ‬
‫ال عََلَ‬
‫آىت ا ْ‪١‬ت َ َ‬‫ُت َو َ‬ ‫اب َوالنَّبِيِ ّ َ‬ ‫َوال ْ ِكت َ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُحبِ ّه ذَ ِوي ال ْ ُق ْر َىب َوالْؼَت َ َاىم َوا ْ‪١‬ت َ َساك َ‬
‫ُت‬
‫ِيل و َ ِ ِ‬ ‫َواب ْ َن َّ‬
‫ُت َو ِيف‬‫السائل َ‬ ‫السؽ ِ َ ّ‬
‫آىت ال َّزكَاةَ‬ ‫الص َبلةَ َو َ‬ ‫ام َّ‬ ‫ال ّ ِرقَ ِ َ‬
‫اب َوأقَ َ‬
‫اه ُدوا‬ ‫ون بِعَهْ ِد ِه ْم إِذَا ع َ َ‬ ‫َوا ْ‪١‬تُو ُف َ‬
‫الصابِرِين ِيف الْبأْساءِ وا َّلض َراءِ‬ ‫َو َّ‬
‫َ َ َ َ ّ‬
‫ك ال َّ ِذي َن َص َد ُقوا‬‫ُت الْبَأ ْ ِس أُولَئِ َ‬
‫َوح َ‬
‫ِ‬
‫ون (‪)177‬‬ ‫َوأُولَئِ َ‬
‫ك ُه ُم ا ْ‪١‬تُتّ َُق َ‬
‫وعندما جاء األمر من ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل بتحويل القبلة إىل الكعبة‬
‫وإتاه ا‪١‬تسلمُت يف صلواْتم إليها‬
‫بعد أن كانوا يصلون ووجهتهم إىل‬
‫بيت ا‪١‬تقدس ‪ ،‬عند ذلك حدثت‬
‫بلبلة ‪ ،‬وصار لكل أتباع ملة قبلة‬
‫خاصة ‪ :‬فا‪١‬تسلون يتجهون إىل‬
‫الكعبة ‪ ،‬واليهود يتجهون إىل بيت‬
‫ا‪١‬تقدس ‪ ،‬والنصارى يتجهون إىل‬
‫الشرق ‪.‬‬
‫وهذه اآلية تؤكد أن ا‪٠‬تبلف لؼس‬
‫يف مسألة إتاه الصبلة ‪ ،‬وقبل‬
‫ٖتويل القبلة كان كل من يصلي‬
‫يتجه إىل ُمتجه ‪ ،‬وتغيَت ا‪١‬تتجه لؼس‬
‫فيه مشقة ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪٢‬تم ‪ :‬ال‬
‫ٕتعلوا أمر االٕتاه إىل الكعبة هو كل‬
‫الُب؛ ألن هذا األمر ال مشقة فيه؛‬
‫فبل مشقة يف توجه ا‪١‬تسلمُت إىل‬
‫الكعبة بعد أن كانوا متوجهُت إىل‬
‫بيت ا‪١‬تقدس ‪ ،‬إ‪٪‬تا ا‪١‬تسألة هي‬
‫امؾثال ألمر اآلمر ‪ ،‬فالُب إذن لؼس‬
‫يف األمور السهلة اليت ال مشقة فيها‬
‫‪ ،‬وإ‪٪‬تا يف ا‪٠‬تَت الواسع الكثَت ‪،‬‬
‫ويشمل اإلٯتان ويشمل التقوى ‪،‬‬
‫ويشمل الصدق ‪ ،‬ويشمل الطاعة‬
‫‪ ،‬ويشمل اإلحسان ‪ ،‬وكل وجوه‬
‫ا‪٠‬تَت تدخل يف كلمة « الُب » ‪.‬‬
‫فالُب معناه كبَت واسع ‪ ،‬ومادام معناه‬
‫مؾسعا هكذا فكل ناحية منه ٖتتاج‬
‫إىل مشقة ‪.‬‬
‫وانظروا إىل مطلوب الُب ‪،‬‬
‫ومتعلقات الُب اليت تتطلب منكم‬
‫ا‪١‬تشقة ‪ ،‬وال ٗتتلفوا يف ا‪١‬تسألة‬
‫السهلة الؼسَتة اليت اليوجد فيها‬
‫أدىن تعب مثل مسألة تغيَت إتاه‬
‫القبلة ‪ ،‬فإن كنتم تعتقدون أن‬
‫ذلك هو الُب نقول لكم ‪ :‬ال ‪ ،‬الُب له‬
‫مسئوليات ٗتتلف ‪ ،‬إن ُمتعلق الُب‬
‫هو أن ُٮتؾُب صدق اإلٯتان ‪ ،‬ويظهر‬
‫اإليثار ‪١‬تطلوب اهلل عَل الراحة ‪،‬‬
‫ويتطلب من ا‪١‬تؤمن أن يقبل عَل‬
‫الطاعة وإن شقت عليه ‪ ،‬ويتطلب‬
‫أن ٯتؾنع ا‪١‬تسلم عن ا‪١‬تعاصي؛ وأن‬
‫يعرف أن للمعاصي لذة عاجلة ‪،‬‬
‫لكن عقابها كبَت ‪ ،‬كل ذلك هو من‬
‫مطلوبات الُب واإلٯتان ‪ ،‬فبل ٕتعلوا‬
‫مسألة التوجه إىل الكعبة أو إىل بيت‬
‫ا‪١‬تقدس ‪ ،‬أو إىل ا‪١‬تشرق هو‬
‫ا‪١‬تشكلة؛ ألن وجوهكم سؾتوىل إىل‬
‫جهة ما وإن لم تؤمروا ‪ .‬والُب كما‬
‫نعلم هو ا‪٠‬تَت الواسع الذي يشمل‬
‫كل وجوه ا‪ٞ‬تمال يف الكون يقول‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ولكن الُب َم ْن آ َم َن } ‪.‬‬
‫و‪١‬تاذا جعل اهلل ا‪ٟ‬تديث عن الُب‬
‫حديثا عن ذات ‪٣‬تسدة؛ برغم أن‬
‫الُب معٌت؟ ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق ‪٬‬تسد ا‪١‬تعٌت‬
‫وهو الُب يف ذات العبد الذي آمن‬
‫ألنه سبحانه حؼنما يريد أن يؤكد‬
‫معٌت من ا‪١‬تعاين ‪٬‬تعل الذات ‪٣‬تسدة‬
‫فيه ‪ .‬وعَل سؽيل ا‪١‬تثال وهلل ا‪١‬تثل‬
‫األعَل عندما نقول ‪ « :‬فبلن عادل‬
‫» ‪ ،‬أي ‪٨‬تن نصفه ٔتا ٭تقق للسامع‬
‫أنه رجل يعرف العدل ‪ .‬ولكن‬
‫عندما نقول ‪ « :‬فبلن عدل » فكأنه‬
‫هو العدل ذاته ‪ ،‬وكذلك عندما‬
‫نقول ‪ « :‬فبلن صادق » فمعٌت‬
‫ذلك أنه صاحب ذات اتصفت‬
‫بالصدق ‪ ،‬ومن ا‪١‬تمكن للذات أن‬
‫تنفصل عن الصدق يوما ‪ ،‬ولكن‬
‫حُت نقول ‪ « :‬فبلن صدق »‬
‫فمعٌت ذلك أن الصدق قد امتزج‬
‫به فبل ينحل عنه أبدا ‪ ،‬أو أن ا‪ٟ‬تق‬
‫يريد أن يقول لنا ‪ :‬لكن صاحب‬
‫الُب هو من آمن باهلل ‪ ،‬أو يقول ‪« :‬‬
‫ولكن الُب هو بر من آمن باهلل » ‪ ،‬أو‬
‫أن اإلخبار بالذات « من آمن »‬
‫عن الصفة « الُب » دليل عَل‬
‫امتزاج الذات يف الصفة امتزاجا ال‬
‫تتخَل عنه أبدا فكأن الُب قد ٕتسد‬
‫فيهم ‪.‬‬
‫وكل هذه األقوال يؾسع ‪٢‬تا النص‬
‫القرآين الكريم ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬ولكن الُب َم ْن آ َم َن‬
‫باهلل } هذه بداية اإلٯتان ‪ ،‬ويأيت‬
‫بعد ذلك بنهاية اإلٯتان وهو‬
‫ضرورة اإلٯتان ب { اليوم اآلخر‬
‫} ‪ ،‬إن بداية القوس هي اإلٯتان‬
‫باهلل وطرفه األخَت اإلٯتان باليوم‬
‫اآلخر ‪ .‬وهنا نؾساءل ‪ :‬وكيف يأيت‬
‫اإلٯتان باليوم اآلخر؟ نقول ‪ :‬يأيت‬
‫اإلٯتان باليوم اآلخر بأن تؤمن‬
‫باهلل ثم تؤمن ٔتا ٮتُبك به اهلل ‪،‬‬
‫فبل تقل ‪ :‬أنا جعلتهما يف صف‬
‫واحد ‪ ،‬بل اإلٯتان باهلل أوال ‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك اإلٯتان ٔتا أخُبين به اهلل ‪،‬‬
‫وقد أخُب سبحانه ‪ :‬أن هناك يوما‬
‫آخر ‪ ،‬فصدقت ما أخُب به ‪ .‬وتأيت‬
‫مسألة اإلٯتان با‪١‬تبلئكة فيقول‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬وا‪١‬تبلئكة } فكيف نؤمن‬
‫ٓتلق من خلق اهلل ال نراه؟ ‪.‬‬
‫إننا مادمنا قد آمنا بالقمة ‪ ،‬وهي‬
‫اإلٯتان باهلل ‪ ،‬واهلل أخُبنا بأن‬
‫هناك مبلئكة ‪ ،‬وحىت لو كان وجود‬
‫ا‪١‬تبلئكة غيؽيا فنحن نؤمن بها؛ ألن‬
‫الذي أخُب بها هو اهلل ‪ ،‬وكذلك‬
‫نؤمن با‪ٞ‬تن برغم أننا ال نراه ‪ ،‬وكل‬
‫ما يتعلق بالغيؽيات هو إخبار ‪٦‬تن‬
‫آمنت به ‪ ،‬لذلك تؤمن بها ‪.‬‬
‫وا‪١‬تسائل اإلٯتانية كلها غيؽية ‪ ،‬وال‬
‫تقول يف األمر ا‪ٟ‬تسي ‪ « :‬إنٍت‬
‫آمنت به » ‪ ،‬إ‪٪‬تا تقول ‪ « :‬آمنت »‬
‫يف األمر الغؼبي؛ ألنه أمر غؼبي ال‬
‫تأنس به ا‪ٟ‬تواس واإلدراكات ‪،‬‬
‫وتريد أن ٕتعله عقيدة ‪ ،‬والعقيدة‬
‫هي أمر يُعقد فبل ينحل أبدا ‪ ،‬وألنه‬
‫أمر غؼبي فرٔتا ينفلت منا؛ ألنه لو‬
‫كان أمرا مشهديا ‪١‬تا غفل عنه‬
‫اإلنسان أبدا؛ ألن مشهديته‬
‫ستجعلك تتذكره ‪ ،‬إ‪٪‬تا هو أمر‬
‫غؼبي ‪ ،‬ويس ىم عقيدة ‪ ،‬أي أمرا ً‬
‫معقودا ًال ُ٭تل أبدا ‪.‬‬
‫والقمة العقدية هي أن تؤمن باهلل ‪،‬‬
‫ثم تؤمن ٔتا ٮتُبك به اهلل من‬
‫غيؽيات ال دليل لك عليها إال أن اهلل‬
‫قال بها ‪ ،‬فإن رأيت يف متعلقات‬
‫اإلٯتان أمورا ‪٤‬تسة فاعلم أن ا‪ٞ‬تهة‬
‫يف اإلٯتان منفكة؛ ألنه سيأيت ذكر‬
‫ا‪١‬تبلئكة واليوم اآلخر وكبل‪٫‬تا‬
‫غيب ‪ ،‬وبعد ذلك سيذكر الكتاب‬
‫والنبيُت ‪ ،‬و‪٫‬تا ‪٤‬تسوسان ‪.‬‬
‫صحيح أن الكتاب أمر ‪٤‬تس‬
‫والنبيُت كذلك ‪ ،‬لكننا لم ‪٨‬تس أن‬
‫اهلل أنزل الكتاب ‪ ،‬وأن اهلل بعث‬
‫النبيُت ‪ .‬و‪٨‬تن لم نكن عَل قيد‬
‫ا‪ٟ‬تياة وقت نزول الكتاب وال وقت‬
‫بعث النبي ‪ ،‬وجاء إٯتاننا ألننا‬
‫صدقنا أن اهلل أنزل وحيا ًعَل ‪٤‬تمد‬
‫صَل اهلل عليه وسلم هذا الوحيث‬
‫نزل بالكتاب ‪ ،‬وأن اهلل اختار‬
‫‪٤‬تمدا ًصَل اهلل عليه وسلم ليكون‬
‫مبلغا ‪٢‬تذا الوحي ‪ ،‬وكل هذه أمور‬
‫غيؽية لم نرها ‪.‬‬
‫والغيؽيات هي أرضية ا‪ٟ‬تركة‬
‫اإلٯتانية؛ أو أساس اإلٯتان ‪.‬‬
‫وبعد ذلك تنتقل اآلية من ا‪ٟ‬تديث‬
‫عن األمر العقدي ‪ ،‬لتبُت لنا أن الُب‬
‫مكون من أمور عقدية هي أساس‬
‫ألمور حركية ‪ ،‬واألمور ا‪ٟ‬تركية‬
‫هي ا‪١‬تقصودة من كل تدين ‪ .‬فا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه ال يعنيه أن يؤمن به أحد ‪،‬‬
‫وال يعنيه أن تؤمن ٔتبلئكته ‪،‬‬
‫وكؾبه ورسله ‪ ،‬لكن األمر الذي‬
‫يريده اهلل هو أن تنتظم حركة‬
‫ا‪ٟ‬تياة يف األرض ٔتنهج اهلل ‪ ،‬ولذلك‬
‫ينتقل ا‪ٟ‬تديث إىل األمر ا‪١‬تادي‬
‫آىت ا‪١‬تال عَل ُحبِ ّ ِه }‬
‫فيقول ‪َ { :‬و َ‬
‫كأن اإلنسان قد ملك ا‪١‬تال وبعد‬
‫ذلك « آتاه » ‪ .‬وعندما تقول ‪« :‬‬
‫آتيت » فهي تعٍت أعطيت ‪ ،‬وهي‬
‫ٗتتلف عن « أتيت » اليت تعٍت «‬
‫جئت » ‪.‬‬
‫وما هو ا‪١‬تال؟ إن ا‪١‬تال هو كل ما‬
‫يتمول إال أننا نصرفه إىل شيء‬
‫ٯتكن أن يأيت بكل متمول وأ‪ٝ‬تؼناه‬
‫بالنقد ‪ .‬وأصبحت له الغلبة؛ ألننا‬
‫نشًتي بالنقد كل شيء ‪ ،‬لكن‬
‫ا‪١‬تعٌت األصلي للمال هو كل ما‬
‫يتمول ‪ ،‬وكيف ‪٬‬تئ ا‪١‬تال لك أو يل‬
‫أو ألي إنسان؟ ‪ .‬أ َ َخ َر َج أحد منا من‬
‫بطن أمه وهو ٯتلك شؼئا؟ ‪ .‬ال ‪.‬‬
‫إن ما ٯتلكه اإلنسان يأيت إما من‬
‫متحرك يف ا‪ٟ‬تياة قبلك إن كان‬
‫والدك أو جدك وإما من حركتك‬
‫أنت ‪.‬‬
‫إذن ال يقال ‪ « :‬آىت ا‪١‬تال » إال إذا‬
‫ثؽتت له حركة ذاتية يصَت بها‬
‫متموال ‪ ،‬أو ورث عن متمول ‪،‬‬
‫وا‪١‬تتمول هو الذي يتحرك يف ا‪ٟ‬تياة‬
‫حركة قد تكون لنفسه ‪ ،‬وإن‬
‫اتسعت حركته فستكون ألبنائه ‪،‬‬
‫وإن اتسعت أكثر فستكون‬
‫ألحفاده ‪.‬‬
‫آىت ا‪١‬تال عَل ُحبِ ّ ِه‬
‫وا‪ٟ‬تق يقول ‪َ { :‬و َ‬
‫} وكلمة ا‪ٟ‬تب مصدر ‪ ،‬وا‪١‬تصدر‬
‫أحيانا يضاف إىل فاعله ‪ ،‬وأحيانا‬
‫يضاف إىل ا‪١‬تفعول الواقع عليه ‪،‬‬
‫مثبل كلمة « ضرب » ‪٨‬تن نقول ‪:‬‬
‫ضرب زيد ُع َم َر ‪ ،‬وهكذا ‪٧‬تد‬
‫ضاربا هو « زيد » ومضروبا هو «‬
‫عمر » ‪.‬‬
‫َ‬
‫وإذا قيل ‪ « :‬أعجؽٍت َض ْر ُب زي ٍد »‬
‫‪ .‬إن قلت ‪ « :‬لعمر » عرفنا‬
‫الضارب وا‪١‬تضروب ‪ ،‬وإن سكت‬
‫عند قولك ‪ :‬أعجؽٍت ضرب زيد «‬
‫فهي ٖتتمل معنيُت ‪ ،‬الضرب‬
‫الصادر من زيد ‪ ،‬أو الضرب الواقع‬
‫عَل زيد ‪ .‬فساعة تأيت با‪١‬تصدر‬
‫ويضاف إىل شيء فيصح أن يضاف‬
‫إىل فاعله وأن يضاف إىل مفعوله ‪.‬‬
‫آىت ا‪١‬تال عَل ُحبِ ّ ِه } ٯتكن أن‬
‫{ َو َ‬
‫نفهمه عَل أكثر من معٌت ‪ :‬ٯتكننا‬
‫أن نفهمها عَل أنه يعطي ا‪١‬تال وهو‬
‫٭تب ا‪١‬تال ‪ ،‬و٭تتمل أن نفهمها عَل‬
‫أنه يؤيت ا‪١‬تال ألنه ٭تب أن يعطي ‪٦‬تا‬
‫٭تبه من ا‪١‬تال عمبل بقول اهلل تعاىل‬
‫{ لَن تَنَالُوا ْالُب حىت ُتن ْ ِف ُقوا ْ ِ‪٦‬تَّا‬
‫ون } ‪ . .‬وهي ٖتتمل ا‪١‬تعنيُت ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ُِ‬
‫ٖت‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫وٯتكن أن ُت َص ّعِد ا‪١‬تعٌت فيصَت »‬
‫وآىت ا‪١‬تال عَل حب اإليتاء أي‬
‫اإلعطاء « أي ُ٭تب اإلعطاء‬
‫وترتاح نفسه لئلعطاء ‪ ،‬ومن‬
‫ا‪١‬تمكن تصعيدها تصعيدا آخر‬
‫يشمل كل ما سبق فيصبح ا‪١‬تعٌت ‪:‬‬
‫وآىت ا‪١‬تال عَل حب اهلل الذي شرع‬
‫له ذلك ‪ ،‬وكل هذه ا‪١‬تعاين ‪٤‬تتملة ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ون الطعام‬ ‫وا‪ٟ‬تق يقول ‪َ { :‬ويُ ْطع ُم َ‬
‫عَل ُحبِ ّ ِه ِم ْس ِكؼنا ً َويَؾِيما ً َوأ َ ِسَتا ً} ػ‬
‫اإلنسان ‪] 8 :‬‬
‫ويقول سبحانه أيضا ‪ { :‬لَن تَنَالُوا ْ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ون } ػ آل‬ ‫الُب حىت ُتنْف ُقوا ْ‪٦‬تَّا ُٖتب ُّ َ‬
‫عمران ‪] 92 :‬‬
‫وتعطؼنا كل هذه اآليات وضوح‬
‫الفرق بُت ا‪١‬تلكية ‪ ،‬وبُت حب‬
‫ا‪١‬تملوك ‪ ،‬فمن ا‪١‬تمكن أن تكون‬
‫لديك أشياء كثَتة أنت مالكها ‪،‬‬
‫ولكن لؼس كل ما ٘تلكه ٖتبه ‪،‬‬
‫فعندما تؤيت ا‪١‬تال فمن ا‪١‬تحتمل أن‬
‫تكون قد نزعته من ملكؼتك‬
‫وأنت ال ٖتبه ‪ .‬وبذلك أخرجته من‬
‫ملكؼتك فقط ‪ ،‬وإما أن تكون ‪٤‬تبا‬
‫للشيء الذي تعطيه لغَتك ‪،‬‬
‫وبذلك تكون قد أخرجته من‬
‫ملكؼتك ‪ ،‬ومن حبك له ‪.‬‬
‫وإما أن يكون ا‪١‬تال الذي يف يدك‬
‫‪٣‬ترد أداة لك ولغَتك ولؼس له‬
‫مكانة يف قلبك ولذلك يقول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫ال أبايل توفَت مايل لدهري ‪ ...‬منفقا‬
‫فيه يف رخاء وبأس‬
‫إن يكن يف يدي ولؼس بقلّب ‪...‬‬
‫فهو ملكي ولؼس ٯتلك نفسي‬
‫آىت ا‪١‬تال عَل ُحبِ ّ ِه‬
‫إن قوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و َ‬
‫} تعطؼنا إما مزنلة إخراجه من‬
‫ا‪١‬تلك وإما مزنلة إخراجه من‬
‫القلب الذي ٭تبه ‪ .‬ولذلك يعيب‬
‫ا‪ٟ‬تق عَل ‪ٚ‬تاعة من الناس يريدون‬
‫العمل عَل طاعة اهلل ‪ ،‬لكنهم ال‬
‫ينفقون هلل إال ‪٦‬تا يكرهون ‪ .‬ويقول‬
‫اهلل يف حقهم { و َ‪٬‬تْعَلُون ِ َ ِ‬
‫ّلل َما‬‫َ ّ‬ ‫َ‬
‫يَك َْر ُه َ‬
‫ون } ‪.‬‬
‫ولكن ‪١‬تن يكون ذلك ا‪١‬تال الذي‬
‫ينطبق عليه القول ‪َ { :‬و َ‬
‫آىت ا‪١‬تال‬
‫عَل ُحبِ ّ ِه } ؟ ‪.‬‬
‫إنه ‪ ،‬ل { ذَ ِوي القرىب } أال ترون‬
‫إنسانا ًله حركة يف ا‪ٟ‬تياة قد‬
‫اتسعت لنفسه ‪ ،‬ثم نرى قرباه‬
‫الذين ال يقدرون عَل ا‪ٟ‬تركة‬
‫‪٤‬تتاجُت ‪ ،‬كيف تكون حالة‬
‫نفسؼته إذن؟ ‪ .‬البد أن تكون‬
‫نفسية متعبة؛ ألن ا‪١‬تفروض يف‬
‫اإلنسان ا‪١‬تؤمن أن ‪٬‬تعل كل الناس‬
‫قرباه ‪ ،‬ونذكر يف هذا ا‪١‬تقام قصة‬
‫معاوية عندما كان أمَتا ً‬
‫للمسلمُت ‪ ،‬ودخل عليه ا‪ٟ‬تاجب‬
‫وهو يقول ‪ :‬يا أمَت ا‪١‬تؤمنُت رجل‬
‫بالباب يدعي أنه « أخوك » ‪،‬‬
‫فقال معاوية ‪ :‬أبلغ بك األمر أال‬
‫تعرف إخويت؟ أدخله ‪.‬‬
‫فلما دخل الرجل قال له معاوية ‪:‬‬
‫أي إخويت أنت؟‬
‫قال ‪ :‬أخوك من آدم ‪.‬‬
‫فماذا قال معاوية ‪ :‬؟ ‪.‬‬
‫رحم مقطوعة ‪ ،‬واهلل‬
‫قال ‪ٌ :‬‬
‫ألكونن أول من َوصلها ‪ .‬وأكرمه ‪.‬‬
‫فإذا كان اإلنسان ال يستطيع أن‬
‫يصل قرباه من الناس كافة ‪ ،‬أال‬
‫يستطيع أن يصل خاصة أقاربه؟ ‪.‬‬
‫كيف يستطيب ا‪١‬تؤمن إذن نعيم‬
‫ا‪ٟ‬تياة وهو ‪٬‬تد أقاربه ‪٤‬تتاجُت ‪،‬‬
‫حىت لو نظرنا بعيدا عن الدين‬
‫واإلنسانية ‪ ،‬أال تستحق ا‪١‬تسألة أن‬
‫‪٬‬تود اإلنسان ٔتا عنده عَل أهله؟ ‪.‬‬
‫ويف دائرة اإلٯتان حُت ‪٬‬تعل اهلل‬
‫حركة ا‪ٟ‬تياة يف التكافل دوائر ‪ ،‬فهو‬
‫سبحانه يريد أن يوزع خَت‬
‫ا‪١‬تجتمع عَل ا‪١‬تجتمع؛ ألنه سبحانه‬
‫حؼنما أراد اسؾبقاء النوع شرع لنا‬
‫طهر االلتقاء بُت الرجل وا‪١‬ترأة‬
‫بعقد علٍت وشهود ‪١ ،‬تاذا؟ ‪.‬‬
‫ألن الثمرة من الزواج هي األبناء‬
‫اليت ستأيت بقطاع جديد من البشر‬
‫يف الكون ‪ ،‬وهذا القطاع البد أن‬
‫يكون ‪٤‬تسوبا عَل الرجل أمام‬
‫الناس ‪ ،‬وإن لم يرع الرجل يف‬
‫أبنائه حق اهلل يلمه الناس عَل ذلك‬
‫ألهنم أبناؤه ‪.‬‬
‫ولذلك عندما نرى شخصا ٮتفي‬
‫زواجه ‪ ،‬كأن يتزوج زواجا عرفيا‬
‫مثبل نقول له ‪ :‬أنت تريد أن تأيت‬
‫بثمرة منك ثم تنكرها ‪ ،‬فيأيت أبناء‬
‫غَت ‪٤‬تسوبُت عليك ‪ .‬ولذلك‬
‫فلنكن عَل ثقة من أن كل مشرد يف‬
‫األرض نراه هو نؾيجة ‪٠‬تطؼئة إما‬
‫معلنة ‪ ،‬وإما ال يقدر عَل إعبلهنا‬
‫رجل لم يتحمل مسئولية عبلقته‬
‫با‪١‬ترأة ‪ ،‬وال يهمل رجل ولدا‬
‫منسوبا له إال إذا تشكك يف نسبه‬
‫إليه ‪ ،‬وهذا ما ‪٬‬تعله ينكر نسبه ‪.‬‬
‫إذن فعملية الطهر اليت أرادها اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل يف االلتقاءات بُت‬
‫الرجل وا‪١‬ترأة ‪ ،‬إ‪٪‬تا أرادها‬
‫سبحانه ألنه يشرع لؽناء أجيال‬
‫جديدة ‪ ،‬ينشأ منها ‪٣‬تتمع‬
‫ا‪١‬تستقبل ‪ ،‬وقبل أن يوجد هؤالء‬
‫األبناء البد أن يكون ‪٢‬تم رصيد‬
‫وأساس يتحملهم ‪ ،‬فجعل اهلل لنا‬
‫األوالد واألحفاد ‪ ،‬ويوصي اهلل‬
‫األبناء عَل الوالدين قبل ذلك ‪ ،‬ثم‬
‫تؾسع الدائرة للقرابة ق‬
‫الريبة ‪.‬‬
‫وهات واحدا واصنع له هذه‬
‫الدائرة ‪ ،‬وهات آخر واصنع له‬
‫الدائرة نفسها ‪ ،‬وثالثا ًواصنع له‬
‫دائرته ‪ ،‬واصنع إحصاء للقادرين‬
‫وحدد دوائرهم العائلية ‪ ،‬ستجد‬
‫كل إنسان يف الكون يدخل يف‬
‫دائرة من هذه الدوائر ‪ ،‬فإن رأيت‬
‫عوجا فاعلم أن مركز الدائرة قد‬
‫ٗتَل عن ‪٤‬تيط الدائرة ‪.‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬و َ‬
‫آىت‬
‫ا‪١‬تال عَل ُحبِ ّ ِه ذَ ِوي القرىب } ‪ ،‬تأمل‬
‫إذن ا‪ٟ‬تث عَل الُب ٕتد أن أول ما جاء‬
‫فيه هو إيتاء ذوي القرىب؛ ألن ‪٢‬تم‬
‫مكانة خاصة؛ وعندما يؤيت كل منا‬
‫قرباه و٭تملهم عَل فائض ماله‬
‫وفائض حركته فلن يوجد ‪٤‬تتاج‬
‫وإذا ُو ِج َد ا‪١‬تحتاج فسيكون نزرا ً‬
‫يسَتا ً‪ ،‬وتؾسع له الزكاة الواجبة‪.‬‬
‫أو كما قال بعض العلماء ‪ :‬ا‪١‬تقصود‬
‫بذوي القرىب هم قرىب رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬يقولون ذلك؛‬
‫ألن يف القرآن آية تقول ‪ُ { :‬قل ال َّ‬
‫أ َ ْسأَل ُ ُك ْم عَلَي ْ ِه أ َ ْجرا ًإِال َّا‪١‬تودة ِيف‬
‫القرىب } ػ الشورى ‪] 23 :‬‬
‫و‪١‬تاذا قرىب رسول اهلل؟‬
‫ألهنم لؼس ‪٢‬تم حق يف الزكاة؛ حىت‬
‫يُبأ ا‪١‬تبلغ عن اهلل من أي نفع يعود‬
‫عليه ‪ ،‬أو يعود عَل آله ‪ ،‬لذلك منع‬
‫اهلل عنهم أي حق يف الزكاة ‪ .‬وكأن‬
‫اهلل يريد أن يقول لنا ‪ :‬ال يصح أن‬
‫ٕتعلوا الناس الذين رفعهم اهلل‬
‫وكرمهم عن أخذ الزكاة اليت‬
‫يأخذها أي فقَت منكم ‪٦‬تنوعُت من‬
‫أخذ كل شيء ‪ ،‬فبلبد أن تتخذوهم‬
‫أقارب لكم ْتيث ال ٕتعلوهنم‬
‫‪٤‬تتاجُت ‪.‬‬
‫وعَل فرض أن اآلية تريد ُقربانا ً‬
‫نقول ‪ { :‬النبي أوىل با‪١‬تؤمنُت ِم ْن‬
‫أَن ْ ُف ِس ِه ْم } ‪ ،‬فقرباه وآله أوىل من‬
‫قربانا وأهلنا ‪.‬‬
‫وبعد ذلك جاء اهلل بقوله ‪{ :‬‬
‫والؼتاىم } ‪ ،‬ونعرف أن اليؾيم هو‬
‫من فقد أباه ولم يبلغ مبلغ الرجال ‪.‬‬

‫واليؾيم يف اإلنسان غَت اليؾيم يف‬


‫ا‪ٟ‬تيوان؛ فاليؾيم يف ا‪ٟ‬تيوان هو من‬
‫فقد أمه ‪ ،‬ولكن اليؾيم يف اإلنسان‬
‫هو من فقد أباه ‪ .‬واليؾيم ال يكون‬
‫له وصي إال إذا كان عنده شيء من‬
‫مال ‪ ،‬عندئذ يكون هناك وصي‬
‫إلدارة أمور اليؾيم ‪ .‬ولذلك جاء‬
‫ا‪ٟ‬تق باألمر بإعطاء ا‪١‬تال عَل حبه‬
‫للؼتاىم ‪ ،‬ولم يقل ‪ « :‬لذوي الؼتاىم‬
‫» ‪ .‬فرٔتا كان هناك يؾيم ضاع ال‬
‫يتقدم أحد للوصاية عليه ‪ ،‬ولؼس‬
‫عنده ما يستحق الوصاية؛ لذلك‬
‫فعلؼنا أن نؤيت اليؾيم من مال اهلل‬
‫حىت ندخل يف صفات الُب ‪ ،‬أو‬
‫نعطي للوصي عَل اليؾيم ف‬
‫لُتق عليه‬
‫إن كان له وصي ‪.‬‬
‫وكذلك نؤيت ا‪١‬تال للمساكُت ‪،‬‬
‫وا‪١‬تسكُت مأخوذة من السكون ‪،‬‬
‫وهو اإلنسان الذي ال قدرة له عَل‬
‫ا‪ٟ‬تركة ‪ ،‬كأن استخذاءه وذله يف‬
‫ا‪ٟ‬تياة منعاه من ا‪ٟ‬تركة ‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء حول من هو الفقَت‬
‫‪ ،‬ومن هو ا‪١‬تسكُت ‪ ،‬قال بعضهم ‪:‬‬
‫إن الفقَت هو من ال ٯتلك شيئا ‪،‬‬
‫وا‪١‬تسكُت ٯتلك ما ال يكفيه ‪ ،‬أي‬
‫ٯتلك شؼئا دون ما ٭تتاجه ‪ ،‬وقال‬
‫البعض اآلخر ‪ :‬إن الفقَت هو الذي‬
‫ٯتلك ما هو دون حاجته ‪،‬‬
‫وا‪١‬تسكُت من ال ٯتلك ‪.‬‬
‫وعَل كل حال فقد شاءت حكمة‬
‫اهلل عز وجل أن ‪٬‬تعل للفقَت نصؼبا‬
‫من الُب وللمسكُت أيضا نصؼبا‬
‫كاآلخر ‪ ،‬وا‪٠‬تبلف بُت العلماء ال‬
‫يؤدي إىل منع أحد‪٫‬تا من ا‪١‬تال ‪ ،‬ألن‬
‫كبل منهما ا‪١‬تسكُت والفقَت‬
‫يستحق من مال اهلل ‪ .‬وعَل ذلك‬
‫فا‪٠‬تبلف ال طائل من ورائه ‪.‬‬
‫وكذلك نؤيت ا‪١‬تال البن السؽيل ‪،‬‬
‫والسؽيل هو الطريق ‪ ،‬وابن‬
‫السؽيل هو ابن الطريق ‪ ،‬وعادة ما‬
‫يُنسب اإلنسان إىل مكانه أو إىل‬
‫بلده ‪ ،‬فإذا قيل ابن السؽيل ‪،‬‬
‫فذلك يعٍت أنه لؼس له مكان يأوي‬
‫إليه إال الطريق ‪ ،‬فهو رجل منقطع ‪،‬‬
‫وقد يكون ابن سؽيل ذا مال يف‬
‫مكانه ‪ ،‬إال أن الطريق قطعه عن‬
‫ماله وباعد بؼنه وبُت ما ٯتلك أو‬
‫يكون ذا مال وسرق منه ماله ‪ ،‬فهو‬
‫منقطع ‪.‬‬
‫و‪١‬تاذا جعل اهلل نصؼبا من الُب البن‬
‫السؽيل؟ ‪ .‬لقد جعل اهلل نصؼبا من‬
‫ا‪١‬تال البن السؽيل حىت يفهم‬
‫ا‪١‬تؤمن أن تكافله اإلٯتاين متعد إىل‬
‫بؼئة وجوده ‪ ،‬فحُت يوجد يف مكان‬
‫وينتقل إىل مكان آخر يكون يف بؼئة‬
‫إٯتانية متكافلة ‪.‬‬
‫ونؤيت ا‪١‬تال أيضا للسائلُت أي‬
‫الذين يضعون أنفسهم موضع‬
‫السؤال ‪ ،‬أعط من يسألك ولو كان‬
‫عَل فرس؛ ألنك ال تعرف ‪١‬تاذا‬
‫يسأل ‪ ،‬إن بعضا ًمن الناس يُبرون‬
‫ال ُّشح فيقولون ‪ :‬إن كثَتا من‬
‫السائلُت هم قوم ‪٤‬تًتفون للسؤال‬
‫‪ ،‬ونقول ‪٢‬تم ‪ :‬مادام قد سأل‬
‫انتهت ا‪١‬تسألة ‪ ،‬وعمدتنا يف ذلك‬
‫قوله صَل اهلل عليه وسلم ‪ « :‬أعطوا‬
‫السائل وإن جاء عَل ظهر فرس » ‪.‬‬
‫وما دام قد عرض نفسه للسؤال‬
‫فأعطه وال تًتدد ‪.‬‬
‫قد تظن أنه ٭تمل حقؼبة ‪٦‬تتلئة‬
‫با‪٠‬تبز ‪ ،‬أو ٮتفي ا‪١‬تال بعيدا ً‪ .‬وأقول‬
‫‪ :‬قد يكون عنده خبز لكنّه ال يكفي‬
‫أوالده ‪ ،‬وقد ٮتفي ا‪١‬تال الذي ال‬
‫يكفيه ‪ ،‬ولن ٗتسر شؼئا ًمن إعطائه‬
‫‪ ،‬فؤلن ٗتطئ يف العطاء ‪ ،‬خَت من أن‬
‫تصيب يف ا‪١‬تنع ‪.‬‬

‫ونؤيت ا‪١‬تال أيضا ً‪١‬تن هم { َو ِيف‬


‫الرقاب } وكلمة « رقبة » ُتطلق‬
‫يف األصل اللغوي عَل أصل العنق ‪،‬‬
‫ولؼس عَل العنق نفسه ‪ .‬وتطلق‬
‫كلمة الرقبة عَل الذات كلها ‪ ،‬أي‬
‫اإلنسان يف حد ذاته ‪١ ،‬تاذا؟ ألن‬
‫حياة اإلنسان ٯتكن أن ٘تلكها من‬
‫الرقبة ‪ ،‬فؾستطيع أن ٘تسك‬
‫إنسانا ًمن رقؽته وتتحكم فيه‬
‫وتضغط عليه ضغطا ً٘تنع تنفسه إىل‬
‫أن ٯتوت ‪ ،‬لذلك تطلق الرقبة‬
‫ويراد بها الشخص ذاته ‪ :‬ويف ذلك‬
‫يقول القرآن ‪َ { :‬و َمآ أَدْ َر َ‬
‫اك َما‬
‫ك َرقَب َ ٍة } ػ البلد ‪:‬‬
‫العقبة * فَ ُّ‬
‫‪] 13-12‬‬
‫أي فك األسَت ‪ ،‬إذن { َو ِيف الرقاب‬
‫} تعٍت فك أسر العبد ‪ ،‬وٯتكن‬
‫لصاحب الُب أن يشًتي العبيد‬
‫ويعتقهم ‪ ،‬أو يسهم يف فك رقابهم‬
‫فذلك لون من ألوان تصفية الرق ‪،‬‬
‫ويف تصفية الرق هناك شيء ا‪ٝ‬ته‬
‫التدبَت ‪ ،‬وشيء ا‪ٝ‬ته ا‪١‬تكاتبة ‪.‬‬
‫هب أن عبدا ًٮتدمك وبعد ذلك‬
‫ترى أنه أخلص يف خدمتك ‪ ،‬فثمنا ً‬
‫إلخبلصه يف خدمتك مدة طويلة‬
‫قررت أن ُت َدبّره بعد موتك ‪ ،‬أي‬
‫تعطيه حريته في ب‬
‫صح حرا ًبعد‬
‫موتك ‪ ،‬فكأنك علقت عبوديته عَل‬
‫مدى حياتك ‪ ،‬وبعد انتهاء حياتك‬
‫يصبح مدبرا ًأي حرا ً‪ ،‬وال يدخل‬
‫يف تركتك ‪ ،‬وال يُ َورث ‪.‬‬
‫وقد تكاتبه عَل مال فتقول له ‪ :‬يا‬
‫عبد أنا أكاتبك عَل مائة جنيه ‪،‬‬
‫وأطلق حركتك لؾتصرف أنت‬
‫وتضرب يف ا‪ٟ‬تياة وتكسب وتأيت يل‬
‫با‪١‬تائة جٍته ‪ ،‬ثم أطلق سراحك ‪،‬‬
‫ويف هذه ا‪ٟ‬تالة فإن عَل أهل الُب أن‬
‫يعاونوا هذا ا‪١‬تكاتب ليؤدي مال‬
‫الكتابة حىت يفك رقؽته من األسر‬
‫‪.‬‬
‫ومن الُب أيضا إقامة الصبلة ‪ ،‬كأن‬
‫ا‪١‬تعٌت ‪ « :‬ولكن الُب من آمن باهلل‬
‫واليوم اآلخر وأقام الصبلة »‬
‫ونعرف أن معٌت إقامة الصبلة هي‬
‫أداء الصبلة يف أوقاْتا عَل الوجه‬
‫ا‪١‬تطلوب شرعا ً‪.‬‬
‫ومن الُب أن نؤيت الزكاة ‪ ،‬فكأن كل‬
‫آىت ا‪١‬تال عَل ُحبِ ّ ِه ذَ ِوي‬
‫ما سبق { َو َ‬
‫القرىب والؼتاىم وا‪١‬تساكُت وابن‬
‫السؽيل والسآئلُت َو ِيف الرقاب }‬
‫ال عبلقة ‪٢‬تا بالزكاة ‪ ،‬إن كل ذلك هو‬
‫بّر آخر غَت ا‪١‬تطلوب للزكاة ‪ ،‬ألن‬
‫الزكاة لو كانت تدخل فيما سبق ‪١‬تا‬
‫كان اهلل ك َّررها يف اآلية ‪.‬‬
‫هذه أوجه الُب اليت ذكرْتا اآلية من‬
‫إيتاء ذوي القرىب والؼتاىم‬
‫وا‪١‬تساكُت وابن السؽيل‬
‫والسائلُت ويف الرقاب وإقامة‬
‫الصبلة وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وكل ذلك ‪١‬تن‬
‫أراد أن يدخل يف مقام اإلحسان ‪،‬‬
‫فمقام اإلحسان كما نعرف هو أن‬
‫تلزم نفسك بشيء لم يفرضه اهلل‬
‫عليك ‪ ،‬إ‪٪‬تا ٖتس أنت بفرح اهلل‬
‫بك ورضاه عنك فيقبله اهلل منك ‪.‬‬
‫ولذلك عندما ُسئل رسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ :‬هل يف ا‪١‬تال حق‬
‫غَت الزكاة؟ ذكر هذه اآلية ‪{ :‬‬
‫وه ُك ْم قِب َ َل‬
‫لَّؼ ْ َس الُب أَن ُت َولُّوا ْ ُو ُج َ‬
‫ا‪١‬تشرق وا‪١‬تغرب ولكن الُب َم ْن‬
‫آ َم َن باهلل واليوم اآلخر وا‪١‬تبلئكة‬
‫آىت ا‪١‬تال عَل‬ ‫والكتاب والنبيُت َو َ‬
‫ُحبِ ّ ِه ذَ ِوي القرىب والؼتاىم وا‪١‬تساكُت‬
‫وابن السؽيل والسآئلُت َو ِيف‬
‫آىت الزكاة‬ ‫َ‬
‫ام الصبلة َو َ‬ ‫الرقاب َوأقَ َ‬
‫اه ُدوا ْ‬ ‫وا‪١‬توفون بِعَهْ ِد ِه ْم إِذَا ع َ َ‬
‫والصابرين ِيف البأسآء والضراء‬
‫ُت البأس أولئك الذين َص َد ُقوا ْ‬ ‫ِ‬
‫َوح َ‬
‫وأولئك ُه ُم ا‪١‬تتقون } ػ البقرة ‪:‬‬
‫‪] 177‬‬
‫إذن فتلك أوجه الُب ا‪١‬تطلوبة ‪،‬‬
‫والزكاة أيضا مطلوبة ‪.‬‬
‫ففي مصرف الزكاة ال يوجد ذوو‬
‫القرىب وال الؼتاىم ‪ .‬صحيح أن يف‬
‫مصارف الزكاة إعطاء ا‪١‬تسكُت‬
‫وابن السؽيل ‪ ،‬لكن يف الُب هناك‬
‫أشياء غَت موجودة يف الزكاة ‪ ،‬فكأنك‬
‫إن أردت أن تفتح لنفسك باب الُب‬
‫مع اهلل ‪ ،‬فوسع دائرة اإلنفاق ‪،‬‬
‫وستجد أن الُب قد أخذ حيزا ًكبَتا ً‬
‫من اإلنفاق؛ ألن ا‪١‬تنفق مستخلف‬
‫عن اهلل ‪ .‬فاهلل هو الذي استدىع‬
‫اإلنسان إىل الوجود ‪ ،‬ومادام هو‬
‫ا‪١‬تستدعي إىل الوجود فهو سبحانه‬
‫مكلف بإطعامه ‪ ،‬وأنت إذا أنفقت‬
‫عَل ا‪١‬تحتاج الذي استدعاه اهلل‬
‫للوجود فإنك تتودد إىل اهلل‬
‫ٔتساعدة ا‪١‬تحتاجُت من خلقه دون‬
‫أن يلزمك به اهلل ‪ ،‬ولذلك يقول‬
‫اهلل عز وجل ‪َّ { :‬من ذَا الذي‬
‫يُقْ ِر ُض اهلل قَ ْرضا ً َح َسنا ًفَي َضا ِع َف ُه‬
‫ُ‬
‫ل َ ُه أ َ ْضعَافا ًكَثَِتَة ً} ػ البقرة ‪245 :‬‬
‫]‬
‫إذا كان هو سْتانه الذي أعىط ا‪١‬تال‬
‫‪ ،‬فكيف يقول ‪ :‬أقرضٍت؟ ‪ .‬نعم ‪،‬‬
‫ألنه سبحانه ال يرجع فيما وهبه لك‬
‫من نعمة ا‪١‬تال ‪ ،‬إن ا‪١‬تال الذي لك‬
‫هو هبة من اهلل ‪ ،‬ولكن إن احتاجه‬
‫أخ مسلم فهو ال يقول لك « أعطه‬
‫من عندك أو اقرضه من عندك »‬
‫‪ ،‬إ‪٪‬تا يقول لك ‪ « :‬أقرضٍت أنا ‪،‬‬
‫ألين أنا الذي أوجدته يف الكون‬
‫ورزقه مطلوب مٍت » ‪ ،‬فكأنك حُت‬
‫تعطيه تقرض اهلل ‪ ،‬وهذا معٌت قوله‬
‫‪َّ { :‬من ذَا الذي يُقْ ِر ُض اهلل قَ ْرضا ً‬
‫َح َسنا ً} ‪ .‬إنه سبحانه وتعاىل‬
‫متفضل بالنعمة ثم يسألك أن‬
‫تقرضه هو ‪.‬‬
‫ولنضرب عَل ذلك مثبل ًمن أمر‬
‫الدنيا وسبحانه وتعاىل مزنه عن كل‬
‫ا‪١‬تث األعَل هب أنك‬
‫مثل وله ل‬
‫‪٤‬تتاج ويف ضائقة مالية ‪ ،‬وعندك‬
‫أوالد و‪٢‬تم مبالغ مدخرة ‪٦‬تا كنت‬
‫تعطيهم من مال فتقول ‪٢‬تم‬
‫أقرضوين ما معكم من مال؛‬
‫وسأرده لكم عندما ٘تر الضائقة ‪.‬‬
‫كأنك لم ترجع يف هؽتك وما‬
‫أعطؼته ‪٢‬تم من مال ‪ ،‬إ‪٪‬تا اقًتضته‬
‫منهم ‪ ،‬كذلك يفعل اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ‪.‬‬
‫وكذلك لنا عُبة وعظة من السيدة‬
‫فاطمة رضي اهلل عنها عندما دخل‬
‫عليها سيدنا رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم فرآها ‪٦‬تسكة بدرهم ‪،‬‬
‫والدرهم يعلوه الصدأ وأخذت‬
‫ٕتلوه ‪ ،‬فسأ‪٢‬تا أبوها ‪ :‬ما تصنعُت يا‬
‫فاطمة؟ قالت ‪ :‬أجلو در‪٫‬تا ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫‪١‬تاذا؟ قالت ‪ :‬ألين نويت أن أتصدق‬
‫به ‪ ،‬قال ‪ :‬ومادمت تتصدقُت به‬
‫فلماذا ٕتلؼنه؟ قالت ‪ :‬ألين أعلم أنه‬
‫يقع يف يد اهلل قبل أن يقع يف يد‬
‫ا‪١‬تحتاج ‪.‬‬
‫ومن الُب أيضا أن يفي اإلنسان‬
‫بالعهد ‪ ،‬فا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬وا‪١‬توفون‬
‫بِعَهْ ِد ِه ْم إِذَا ع َ َ‬
‫اه ُدوا ْ} ‪ .‬وما معٌت‬
‫العهد؟ ‪ .‬إن هناك عهدا ً‪ ،‬وهناك‬
‫عقد ‪.‬‬

‫رفن تعاهدا‬‫والعهد يوجد من ط ي‬


‫عَل كذا ‪ ،‬لكن قد يستطيع أحد‪٫‬تا‬
‫العطاء وال يستطيع اآلخر الرد ‪.‬‬
‫والعقد يوجد بُت طرفُت أيضا ً‪،‬‬
‫أحد‪٫‬تا يعطي ويأخذ ‪ ،‬واآلخر‬
‫يعطي ويأخذ ‪.‬‬
‫ومن الُب أن تكون من {‬
‫والصابرين ِيف البأسآء والضراء} ‪.‬‬
‫ولنا أن نلحظ أن ا‪ٟ‬تق جاء ب {‬
‫وا‪١‬توفون بِعَهْ ِد ِه ْم } مرفوعة ألهنا‬
‫معطوفة عَل خُب لكن الُب ‪ ،‬فلماذا‬
‫جاء { والصابرين } منصوبة؟‬
‫فماذا يعٍت كسر اإلعراب؟ إن‬
‫األذن العربية اعتادت عَل النطق‬
‫السليم الفصيح فإذا كان الكبلم من‬
‫بليغ نقول ‪ :‬لم يكسر اإلعراب هنا‬
‫إال لينبهٍت إىل أن شؼئا ً‪٬‬تب أن‬
‫يفهم ‪ ،‬ألن الذي يتكلم بليغ ومادام‬
‫بليغا ًوقال قبلها ‪ { :‬وا‪١‬توفون }‬
‫ثم قال ‪ { :‬والصابرين } فبلبد‬
‫أن يكون هناك سبب ‪ ،‬ما هو‬
‫السبب؟ ‪.‬‬
‫إن كل ما سبق مطي ُة الوصول إليه‬
‫هو الصُب ‪ ،‬إيتاء ا‪١‬تال عَل حبه ذوي‬
‫القرىب و ‪ . .‬و ‪ . .‬ولذلك أراد اهلل أن‬
‫ينبه إىل مزية الصُب فكسر عنده‬
‫اإلعراب ‪ ،‬وكسر اإلعراب‬
‫يقتضي أن نأيت له بفعل يناسبه‬
‫فجاء قوله تعاىل ‪ { :‬والصابرين}‬
‫وكأن معناها ‪ :‬وأخص الصابرين ‪،‬‬
‫ومدح الصابرين ‪.‬‬
‫إذن كسر اإلعراب هنا غرضه‬
‫تنؽيه اآلذان إىل أن شؼئا ًجديدا ً‬
‫استحق أن ُٮتالف عنده اإلعراب ‪.‬‬
‫ألن الصُب هو مطية كل هذه‬
‫األفعال ‪ ،‬فالذي يقدر يف الصُب عَل‬
‫نفسه بإقامة الصبلة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة‬
‫‪ .‬وإيتاء ا‪١‬تال عَل حبه هو الذي فاز‬
‫وظفر ‪ ،‬إذن كل ذلك امتحان للصُب‬
‫‪ .‬ومن هنا خص اهلل { والصابرين‬
‫} بإعراب ‪٥‬تالف حىت نفهم أنه‬
‫منصوب عَل ا‪١‬تدح ‪ ،‬أو عَل‬
‫االختصاص ‪ .‬و‪١‬تاذا خص اهلل‬
‫الصابرين با‪١‬تدح؟ ‪.‬‬
‫ألن التكليفات كلها تعطي مشقات‬
‫عىل النفس ‪ ،‬وال يستطيع ٖتمل هذه‬
‫ا‪١‬تشقات إال من يقدر عَل الصُب ‪.‬‬
‫ومادام قد قدر عَل الصُب فكل ذلك‬
‫يهون ‪ .‬ومن هنا خص اهلل الصُب‬
‫بهذه ا‪١‬تيزة ‪.‬‬
‫وا‪١‬تهم أن اآلية جاءت بالصابرين‬
‫بعد { وا‪١‬توفون } حىت تكون‬
‫النقلة ملحوظة ومؾيقنة ‪ ،‬بأن‬
‫اإلعراب فيما سبق { والصابرين‬
‫} تقديري معطوف أي هو معطوف‬
‫عَل خُب { ولكن الُب َم ْن آ َم َن باهلل‬
‫} ‪ . .‬فجاءت { وا‪١‬توفون }‬
‫مرفوعة لنفهم أهنا معطوفة عَل خُب‬
‫{ ولكن } ‪ ،‬ثم جاء ما بعدها {‬
‫والصابرين } منصوبة ‪ ،‬حىت نلحظ‬
‫الفرق بُت ا‪١‬تعنيُت ‪ ،‬ولو جاءت‬
‫مرفوعة مثل ما قبلها فرٔتا مرت‬
‫علؼنا ولم نلحظها ‪ { .‬والصابرين‬
‫ِيف البأسآء والضراء} البأساء هو‬
‫البؤس والفقر ‪ ،‬وهذا يف األحوال ‪،‬‬
‫نقول ‪ :‬فبلن حاله بائس ‪{ .‬‬
‫والضراء } هي األلم والوجع‬
‫وا‪١‬ترض ‪ ،‬وهي تصيب البدن‬
‫ُت البأس } أي‬ ‫ِ‬
‫وا‪ٞ‬تسد ‪َ { .‬وح َ‬
‫حُت ا‪ٟ‬ترب عندما يلتقي ا‪١‬تقاتل‬
‫بالعدو ويصُب ويصمد ليقاتل ‪.‬‬
‫إذن صفة الصُب تناولت ثبلثة أمور‬
‫‪ :‬يف البأساء ‪ ،‬أي يف الفقر ‪ ،‬ويف‬
‫ا‪١‬ترض ‪ ،‬ويف ا‪ٟ‬ترب مع العدو ‪،‬‬
‫صابر يف كل هذه األمور ‪.‬‬
‫ولذلك جاء يف ا‪ٟ‬تديث الشريف ‪:‬‬
‫« ما من مصؼبة تصيب ا‪١‬تسلم إال‬
‫كَ ّف َر اهلل بها عنه حىت الشوكة‬
‫يُشاكها »‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق عن الذين دخلوا إىل‬
‫الين‬
‫رحاب الُب ‪ { :‬أولئك ذ‬
‫َص َد ُقوا ْ} ف { َم ْن آ َم َن باهلل‬
‫واليوم اآلخر وا‪١‬تبلئكة والكتاب‬
‫آىت ا‪١‬تال عَل ُحبِ ّ ِه ذَ ِوي‬
‫والنبيُت َو َ‬
‫القرىب والؼتاىم وا‪١‬تساكُت وابن‬
‫السؽيل والسآئلُت َو ِيف الرقاب‬
‫آىت الزكاة وا‪١‬توفون‬ ‫ام الصبلة َو َ‬ ‫َ‬
‫َوأقَ َ‬
‫اه ُدوا ْوالصابرين ِيف‬ ‫بِعَهْ ِد ِه ْم إِذَا ع َ َ‬
‫ِ‬
‫البأسآء والضراء َوح َ‬
‫ُت البأس‬
‫أولئك الذين َص َد ُقوا ْ} ‪.‬‬

‫ماذا تعٍت صدقوا؟ الصدق هو‬


‫مطابقة النسبة الكبلمية للواقع‬
‫الفعلي ‪ .‬وأولئك صدقوا يف إعبلن‬
‫إٯتاهنم ‪ ،‬وواقع حركتهم يف ا‪ٟ‬تياة ‪،‬‬
‫وصدق قو‪٢‬تم ‪ « :‬ال إله إال اهلل‬
‫‪٤‬تمد رسول اهلل » ‪.‬‬
‫إذن فصدق إٯتانك متوقف عَل أن‬
‫تكون حركة حياتك مناسبة‬
‫‪١‬تقتضيات إٯتانك ‪ .‬فإن آمنت‬
‫وأسلمت وجاءت حركة حياتك‬
‫مناقضة إلعبلن إسبلمك ‪ ،‬نقول ‪:‬‬
‫أنت غَت صادق ‪ ،‬ولكن إذا وجدت‬
‫صفات اإلٯتان يف إنسان نقول له ‪:‬‬
‫لقد صدقت يف إٯتانك ‪ ،‬ألن حركة‬
‫حياتك انسجمت مع واقعك‬
‫اإلٯتاين ‪ .‬وما أكثر الناس الذين‬
‫يقولون وال يفعلون ‪ ،‬وهم‬
‫منسوبون إىل اإلسبلم بالكبلم ‪.‬‬
‫وما نؾيجة صدق ا‪١‬تؤمنُت؟ ‪٬‬تيؽنا‬
‫ا‪ٟ‬تق بوصفهم ‪ { :‬وأولئك ُه ُم‬
‫ا‪١‬تتقون } ‪ .‬وساعة تسمع كلمة {‬
‫ا‪١‬تتقون } أو « اتقوا » ‪ .‬فذلك‬
‫يعٍت أهنم جعلوا وقاية بؼنهم وبُت‬
‫شيء ‪ ،‬وال يُطلب منك أن ٕتعل‬
‫وقاية بؼنك وبُت شيء إال إن كنت‬
‫ال تتحمل هذا الشيء ‪.‬‬
‫ومثل ذلك قوله تعاىل ‪ { :‬ياأيها‬
‫الذين آ َم ُنوا ْقوا أ َ ُنف َس ُك ْم َوأ َ ْهلِي ُك ْم‬
‫نَارا ً} ػ التحريم ‪] 6 :‬‬
‫أي اجعلوا بؼنكم وبُت النار حاجزا ً‬
‫‪ .‬وقلنا ‪ :‬إن من العجب أن كلمة «‬
‫اتقوا » تأيت إىل الشيء الذي هو «‬
‫اتقوا النار » وتأيت إىل « اتقوا اهلل »‬
‫‪ ،‬كيف يكون التقوى يف‬
‫مؾناقضُت؟‬
‫نعم ‪ :‬ألن معٌت اتقوا النار ‪ ،‬أي‬
‫اجعلوا بؼنكم وبؼنها وقاية ‪ ،‬وهل‬
‫النار فاعلة بذاْتا أم بؾسليط اهلل ‪٢‬تا‬
‫عَل العاصي؟ إهنا فاعلة بؾسليط اهلل‬
‫‪٢‬تا عَل العاصي ‪ .‬إذن اتقوا اهلل‬
‫معناها اتقوا متعلق صفات ا‪ٞ‬تبلل‬
‫من اهلل ‪ ،‬ألن اهلل صفات ‪ٚ‬تال‬
‫وصفات جبلل فاجعلوا بؼنكم‬
‫وبُت صفات ا‪ٞ‬تبلل من اهلل وقاية ‪،‬‬
‫ألنكم ال تتحملون غضب اهلل ‪ ،‬وال‬
‫قهر اهلل ‪ ،‬وال بطش اهلل ‪ ،‬فاجعلوا‬
‫بؼنكم وبُت صفات جبلله وقاية ‪،‬‬
‫ومن آثار صفات جبلله النار ‪.‬‬
‫فا‪١‬تسألة مؾساوية و ال تناقض فيها‬
‫‪.‬‬
‫وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ياأيها‬
‫ب عَلَي ْ ُك ُم‬ ‫الذين آ َم ُنوا ْ ُكتِ‬
‫َ‬
‫القصاص ِيف القتَل ‪} . . .‬‬
‫ِ‬ ‫َ ِي‬
‫ب عَلَي ْ ُك ُم‬ ‫يَا أيُّهَا الَّذ َن آ َم ُنوا ُكت َ‬
‫اص ِيف ال ْ َقتَْلَ ا ْ‪ٟ‬ت ُ ُّر بِا ْ‪ٟ‬ت ُ ّ ِر َوالْعَب ْ ُد‬ ‫الْقِ َص ُ‬
‫األنْثَى فَ َم ْن ُع ِف َي ل َ ُه‬ ‫األنْثَى بِ ْ ُ‬ ‫بِالْعَب ْ ِد َو ْ ُ‬
‫ِم ْن أ َ ِخي ِه َشي ٌء فَاتِّبا ٌع ِابْ‪١‬تَعْر ِ‬
‫وف‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬
‫يف ِم ْن‬ ‫ك َٗت ْ ِف ٌ‬‫َوأَدَ ٌاء إِلَي ْ ِه بِإ ِْح َسانٍ ذَل ِ َ‬
‫اعت َ َدى بَعْ َد‬ ‫‪ٛ‬ت ٌة فَ َم ِن ْ‬ ‫َربِّ ُك ْم َو َر ْ َ‬
‫يم (‪)178‬‬ ‫ك فَلَه ع َذ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب أل ٌ‬ ‫ذَل َ ُ َ ٌ‬
‫وساعة ينادي اهلل { ياأيها الذين‬
‫آ َم ُنوا ْ} فهذا النداء هو حيؿية‬
‫ا‪ٟ‬تكم الذي سيأيت ‪ ،‬ومعٌت هذا‬
‫القول ‪ :‬أنا لم أكلفكم اقتحاما عَل‬
‫إرادتكم؛ أو عَل اخؾياركم ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬
‫كلفتكم ألنكم دخلتم إىل من باب‬
‫اإلٯتان ّب ‪ ،‬ومادمتم قد آمنتم ّب‬
‫فا‪ٝ‬تعوا مٍت التكليف ‪.‬‬
‫فاهلل لم يكلف من لم يؤمن به ‪،‬‬
‫ومادام اهلل ال يكلف إال من آمن به‬
‫فإٯتانك به جعلك شريكا يف العقد ‪،‬‬
‫فإن كتب عليك شؼئا فأنت شريك‬
‫يف الكتابة ‪ ،‬ألنك لو لم تؤمن ‪١‬تا‬
‫كتب ‪ ،‬فكأن الصفقة انعقدت ‪،‬‬
‫ومادامت الصفقة قد انعقدت‬
‫فأنت شريك يف التكليف ‪ ،‬ولذلك‬
‫يقول اهلل ‪ُ { :‬كتب } بضم الكاف‬
‫‪ .‬ولم يقل « كَتب » بفتح الكاف ‪.‬‬
‫وتلحظ الفرق جليا يف األشياء اليت‬
‫لئلنسان دخل فيها ‪ ،‬فهو سبحانه‬
‫َب أَنَا ْ‬
‫ب اهلل ألَغْلِ َ َّ‬ ‫يقول ‪ { :‬تَ‬
‫ك َ‬
‫ورسلي } ػ ا‪١‬تجادلة ‪] 21 :‬‬
‫إنه سبحانه هنا الذي كتب ‪ ،‬ألنه ال‬
‫ب‬ ‫شريك له ‪ .‬عندما تقرأ { ُكتِ‬
‫َ‬
‫عَلَي ْ ُك ُم } فافهم أن فيها إلزاما‬
‫ومشقة ‪ ،‬وهي عَل عكس « كتب‬
‫لكم » مثل قوله تعاىل ‪ُ { :‬قل لَّن‬
‫يُ ِصيؽَنَآ إِال َّ َما َكت ََ‬
‫ب اهلل لَنا } ػ‬
‫التوبة ‪] 51 :‬‬
‫إن « كتب لنا » تشعرنا أن الشيء‬
‫‪١‬تصلحؾنا ‪ .‬ويف ظاهر األمر يبدو أن‬
‫القصاص مكتوب عليك ‪ ،‬وساعة‬
‫يكتب عليك القصاص وأنت‬
‫قاتل فيكون ويل ا‪١‬تقتول مكتوبا ًله‬
‫القصاص ‪ ،‬إذن كل « عليك »‬
‫مقابلها « لك » ‪ ،‬وأنت عرضة أن‬
‫تكون قاتبل أو مقتوال ‪ .‬فإن كنت‬
‫مقتوال فاهلل كتب لك ‪ .‬وإن كنت‬
‫قاتبل فقد كتب اهلل عليك ‪ .‬ألن‬
‫الذي « يل » البد أن يكون « عَل »‬
‫غَتي ‪ ،‬والذي « عل ّي » البد أن‬
‫يكون « لغَتي » ‪ .‬فالتشريع ال‬
‫يشرع لفرد واحد وإ‪٪‬تا يشرع‬
‫للناس أ‪ٚ‬تعُت ‪ .‬عندما يقول ‪{ :‬‬
‫كتب عليكم القصاص } ‪ ،‬ثم‬
‫يقول يف اآلية اليت بعدها ‪َ { :‬ول َ ُك ْم‬
‫ِيف القصاص َحيَاةٌ } ‪ ،‬فهو سبحانه‬
‫قد جاء ب « لكم » ‪ ،‬و « عليكم »‬
‫‪ « .‬عليكم » للقاتل ‪ ،‬و « لكم »‬
‫لويل ا‪١‬تقتول ‪ .‬فالتشريع عادال ألنه‬
‫لم يأت ألحد عَل حساب أحد ‪،‬‬
‫والعقود دائما تراعي مصلحة‬
‫الطرفُت ‪ { .‬ياأيها الذين آ َم ُنوا ْ‬
‫ب عَلَي ْ ُك ُم القصاص ِيف القتَل‬ ‫ُكتِ‬
‫َ‬
‫ا‪ٟ‬تر بِا ْ‪ٟ‬ت ُ ّ ِر } ‪.‬‬
‫ومن هو ا‪ٟ‬تر؟ ا‪ٟ‬تر ضد العبد وهو‬
‫غَت ‪٦‬تلوك الرقبة ‪ ،‬وا‪ٟ‬تر من كل‬
‫شيء هو أكرم ما فيه ‪ ،‬ويقال ‪ :‬حر‬
‫ا‪١‬تال يعٍت أكرم ما يف ا‪١‬تال ‪ .‬و «‬
‫ا‪ٟ‬تر » يف اإلنسان هو من ال ٭تكم‬
‫رقؽته أحد ‪ .‬و « ا‪ٟ‬تر » من البقول‬
‫هو ما يؤكل غَت ناضج ‪ ،‬أي غَت‬
‫مطبوخ عَل النار ‪ ،‬كالفستق واللوز ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه يقول ‪ { :‬ا‪ٟ‬تر بِا ْ‪ٟ‬ت ُ ّ ِر‬
‫} ‪ ،‬وظاهر النص أن ا‪ٟ‬تر ال يقتل‬
‫بالعبد ‪ ،‬ألنه سبحانه يقول ‪ { :‬ا‪ٟ‬تر‬
‫بِا ْ‪ٟ‬ت ُ ّ ِر والعبد بالعبد واألنثى باألنثى‬
‫} ‪ ،‬لكن ماذا ٭تدث لو أن عبدا ًقتل‬
‫حرا ً‪ ،‬أو قتلت امرأة رجبلً؛ هل‬
‫نقتلهما أم ال؟‬
‫إن ا‪ٟ‬تق يضع ‪١‬تسألة الثأر الضوابط‬
‫‪ ،‬وهو سبحانه لم يُ َش ّ ِرعْ أن ا‪ٟ‬تر ال‬
‫يُقتل إال با‪ٟ‬تر ‪ ،‬وإ‪٪‬تا مقصد اآلية‬
‫أن ا‪ٟ‬تر يقتل إن قتل حرا ً‪ ،‬والعبد‬
‫يقتل إن قتل عبدا ً‪ ،‬واألنثى مقابل‬
‫األنثى ‪ ،‬هذا هو إ٘تام ا‪١‬تعادلة ‪،‬‬
‫فجزاء القاتل من جنس ما قتل ‪ ،‬ال‬
‫أن يتعداه القتل إىل من هو أفضل‬
‫منه ‪.‬‬

‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يواجه‬


‫بذلك التشريع يف القصاص قضية‬
‫كانت قائمة بُت القبائل ‪ ،‬حيث‬
‫كان هناك قتل لبلنتقام والثأر ‪.‬‬
‫ففي الزمن ا‪ٞ‬تاهلي كانت إذا نشأت‬
‫معركة بُت قؽيلتُت ‪ ،‬فمن الطؽيعي‬
‫أن يوجد قتَل وضحايا ‪٢‬تذا‬
‫االقؾتال ‪ ،‬فإذا قتل عبد من قؽيلة‬
‫أصرت القؽيلة اليت ٘تلك هذا‬
‫العبد أن ُت َص ّعِد الثأر فتأخذ به حرا ً‬
‫‪ ،‬وكذلك إذا قتلت يف تلك ا‪ٟ‬ترب‬
‫أنثى ‪ ،‬فإن قؽيلتها ُتصعد الثأر‬
‫فتأخذ بها ذكرا ً‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أراد أن ٭تسم‬
‫قضية الثأر حسما ًتدر‪٬‬تيا ‪ ،‬لذلك‬
‫جاء بهذا األمر { ا‪ٟ‬تر بِا ْ‪ٟ‬ت ُ ّ ِر والعبد‬
‫بالعبد واألنثى باألنثى} ‪ .‬إذن ‪،‬‬
‫فا‪ٟ‬تق هنا يواجه قضية تصعيدية يف‬
‫األخذ بالثأر ‪ ،‬ويضع منهجا ً٭تسم‬
‫هذه ا‪١‬تغاالة يف الثأر ‪.‬‬
‫ويف صعيد مصر ‪ ،‬مازلنا نعاين من‬
‫الغفلة يف تطؽيق شريعة اهلل ‪ ،‬فحُت‬
‫يقتل رجل من قوم فهم ال يثأرون‬
‫من القاتل ‪ ،‬وإ‪٪‬تا يذهبون إىل أكُب‬
‫رأس يف عائلة القاتل ليقتلوه ‪.‬‬
‫فالذين يأخذون الثأر يريدون‬
‫النكاية األشد ‪ ،‬وقد ‪٬‬تعلون فداء‬
‫ا‪١‬تقتول عشرة من العائلة األخرى‬
‫‪ ،‬وقد ٯتثلون ّتؿثهم ليتشفوا ‪،‬‬
‫وكل ذلك غَت مبلئم للقصاص ‪.‬‬
‫ويف أيام ا‪ٞ‬تاهلية كانوا يغالون يف‬
‫الثأر ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يبلغ‬
‫البشرية ‪ٚ‬تعاء بأن هذه ا‪١‬تغاالة يف‬
‫الثأر ٕتعل نَتان العداوة ال ٗتمد‬
‫أبدا ً‪ .‬لذلك فا‪ٟ‬تق يريد أمر الثأر‬
‫إىل حده األدىن ‪ ،‬فإذا قتلت قؽيلة‬
‫عبدا ًفبل يصح أن تصعد القؽيلة‬
‫األخرى األمر فتأخذ بالعبد حرا ً‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬فا‪ٟ‬تق يشرع أمرا ًٮتص تلك‬
‫ا‪ٟ‬تروب ا‪ٞ‬تماعية القدٯتة ‪ ،‬وما‬
‫كان ٭تدث فيها من قتل ‪ٚ‬تاعي ‪،‬‬
‫وما ينتج عنها بعد ذلك من مغاالة يف‬
‫الثأر ‪ ،‬وهذا هو التشريع التدر‪٬‬تي ‪،‬‬
‫وقىض سبحانه أن يرد أمر الثأر إىل‬
‫ا‪ٟ‬تد األدىن منه ‪ ،‬فإذا قتلت قؽيلة‬
‫عبدا ًفبل يصح أن تصعد القؽيلة‬
‫األخرى الثأر بأن تقتل حرا ً‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق يشرع بعد ذلك أن القاتل يف‬
‫األحوال العادية يتم القصاص منه‬
‫بالقتل له أو بالدية ‪.‬‬
‫فقد جاءت آية أخرى يقول فيها‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و َكتَؽْنَا عَلَي ْ ِه ْم فِيهَآ أ َ َّن‬
‫النفس بالنفس والعُت بالعُت‬
‫واألنف باألنف واألذن باألذن‬
‫اص‬ ‫والسن بالسن وا‪ٞ‬تروح قِ َص ٌ‬
‫َارةٌ ل َّ ُه َو َمن‬ ‫ِ‬
‫فَ َمن تَ َص ّد ََق بِه فَ ُه َو كَ ّف َ‬
‫ل َّ ْم َ٭ت ْ ُكم ِٔتَآ أن َز َل اهلل فأولئك ُه ُم‬
‫الظا‪١‬تون } ػ ا‪١‬تائدة ‪] 45 :‬‬
‫وهكذا يصبح القصاص يف قتل‬
‫النفس يتم بنفس أخرى ‪ ،‬فبل‬
‫تفرقة بُت العبد أو ا‪ٟ‬تر أو األنثى ‪،‬‬
‫بل مطلق نفس ٔتطلق نفس ‪.‬‬

‫وهاهو ذا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يواجه‬


‫بتقنُت تشريع القصاص قضية‬
‫يريد أن ٯتيت فيها لدد الثأر وحنق‬
‫ا‪ٟ‬تقد ‪ .‬فساعة تسمع كلمة‬
‫قصاص وقتل ‪ ،‬فمعٌت ذلك أن‬
‫النفس مشحونة بالبغضاء‬
‫والكراهية ‪ ،‬ويريد أن يصفي‬
‫الضغن وا‪ٟ‬تقد الثأري من نفوس‬
‫ا‪١‬ت َؤمنُت ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق جل وعبل يعط‬
‫لويل الدم ا‪ٟ‬تق يف أن يقتل أو أن‬
‫يعفو ‪ ،‬وحُت يعطي اهلل لويل الدم‬
‫ا‪ٟ‬تق يف أن يقتل ‪ ،‬فإن أمر حياة‬
‫القاتل يصبح بيد ويل الدم ‪ ،‬فإن‬
‫عفا ويل الدم ال يكون العفو بتقنُت ‪،‬‬
‫وإ‪٪‬تا بسماحة نفس ‪ ،‬وهكذا‬
‫ٯتتص ا‪ٟ‬تق الغضب والغيظ ‪.‬‬
‫وبعد ذلك يرقق اهلل قلب ويل الدم‬
‫فيقول ‪ { :‬فَ َم ْن ُع ِف َي ل َ ُه ِم ْن أ َ ِخي ِه‬
‫َش ْي ٌء فاتباع با‪١‬تعروف َوأَدَ ٌ‬
‫آء إِلَي ْ ِه‬
‫بِإ ِْح َسانٍ } ‪.‬‬
‫وإذا تأمل انقوله ‪ { :‬فَ َم ْن ُع ِف َي ل َ ُه‬
‫ِم ْن أ َ ِخي ِه } فلنبلحظ النقلة من‬
‫غليان الدم إىل العفو ‪ .‬ثم ا‪١‬تبالغة‬
‫يف التحنن ‪ ،‬كأنه يقول ‪ :‬ال تنس‬
‫األخوة اإلٯتانية { فَ َم ْن ُع ِف َي ل َ ُه ِم ْن‬
‫أ َ ِخي ِه َش ْي ٌء فاتباع با‪١‬تعروف } ‪.‬‬
‫وساعة يقول ا‪ٟ‬تق كلمة « أخ »‬
‫فانظر هل هذا األخ اشًتك يف‬
‫األب؟ مثل قوله تعاىل ‪َ { :‬و َجآءَ‬
‫وس َف } ‪ .‬ثم يرتىق بالنسب‬ ‫خ ي‬
‫إِ ْ َو ُة ُ ُ‬
‫اإلٯتاين إىل مرتبة األخوة اإلٯتانية‬
‫‪ ،‬فيقول ‪ { :‬إ َِّ‪٪‬تَا ا‪١‬تؤمنون إِ ْخ َوةٌ }‬
‫يعٍت إياكم أن ٕتعلوا التقاء النسب‬
‫ا‪١‬تادي دون التقائكم يف القيم‬
‫العقائدية ‪.‬‬
‫واألصل يف األخ أن يشًتك يف‬
‫وس َف }‬ ‫خ ي‬
‫األب مثل ‪َ { :‬و َجآءَإِ ْ َو ُة ُ ُ‬
‫‪ ،‬فإن كانوا إخوة من غَت األب‬
‫يسمهم إخوانا ً‪ ،‬فإن ارتقوا يف‬
‫اإلٯتان يسمهم إخوة ‪ .‬وعندما‬
‫وصفهم بأهنم إخوان قال ‪{ :‬‬
‫واذكروا نِعْ َم َت اهلل عَلَي ْ ُك ْم إِذْ‬
‫ُت ُقلُوبِ ُك ْم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُكن ْ ُت ْم أع ْ َدآء ًفَأل َّ َف ب َ ْ َ‬
‫فَأ َ ْصب َ ْح ُت ْم بِ ِن ْع َمتِ ِه إِ ْخ َوانا ً} ‪ .‬لقد‬
‫كانت بؼنهم حروب وبغضاء‬
‫وشقاق ‪ ،‬لم يصفهم بأهنم إخوة؛‬
‫ألهنم الزالوا يف الشحناء ‪ ،‬فوصفهم‬
‫بأهنم إخوان ‪ ،‬وبعد أن ٮتتمر‬
‫اإلٯتان يف نفوسهم يصبحون إخوة‬
‫‪.‬‬
‫ولننظر يف غزوة بدر ‪ ،‬هاهو ذا‬
‫مصعب بن عمَت ‪ ،‬كان فىت قريش‬
‫وا‪١‬تنعَم الذي كانت تفوح‬
‫ا‪١‬تدلل ّ‬
‫منه رائحة العطر ومبلبسه من‬
‫حرير؛ كان ذلك قبل إسبلمه ‪،‬‬
‫وتغَت كل ذلك عندما دخل يف‬
‫اإلسبلم ‪ ،‬فقد أخرجه اإلٯتان من‬
‫هذا النَّعيم إىل بؤس ا‪١‬تؤمنُت‬
‫األولُت لدرجة أنه كان يلؽس جلد‬
‫حيوان ويراه رسول اهلل يف هذا‬
‫الضنك فيقول ‪ « :‬انظروا كيف‬
‫فعل اإلٯتان بصاحبكم » ‪.‬‬
‫وعندما جاءت معركة بدر التىق مع‬
‫أخيه « أّب عزيز » الذي ظل عَل‬
‫دين قريش ‪ ،‬والتىق االثنان يف‬
‫ا‪١‬تعركة ‪ ،‬مصعب يف معسكر‬
‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬وأبو عزيز يف جؼش‬
‫ا‪١‬تشركُت ‪ .‬وأثناء ا‪١‬تعركة رأى‬
‫أخاه أبا عزيز أسَتا ًمع أّب الؼسر‬
‫وهو من األنصار؛ فالتفت مصعب‬
‫إىل أّب الؼسر ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا أبا الؼسر‬
‫أشدد عَل أسَتك فإن أمه غنية‬
‫وستفديه ٔتال كثَت ‪.‬‬
‫فالتفت إليه أبو عزيز وقال ‪ :‬يا‬
‫أخي أهذه وصاتك بأخيك؟ قال‬
‫مصعب ‪ :‬ال لست أخي وإ‪٪‬تا أخي‬
‫هذا ‪ .‬وأشار إىل أّب الؼسر ‪.‬‬

‫لقد انتىه نسب الدم وأصبح نسب‬


‫اإلٯتان هو األصل ‪ ،‬وأصبح‬
‫مصعب أخا ًألّب الؼسر يف اإلٯتان ‪،‬‬
‫وانقطعت صلته بشقيقه يف النسب‬
‫ألنه ظل مشركا ً‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬فَ َم ْن ُع ِف َي ل َ ُه ِم ْن‬
‫أ َ ِخي ِه َش ْي ٌء } كأنه ٭تث ويل الدم عَل‬
‫أن يعفو وال ينىس أخوة اإلٯتان ‪.‬‬
‫صحيح أنه وىل للمقتول؛ ألنه من‬
‫‪ٟ‬تمته ونسبه ‪ ،‬ولكن اهلل أراد أن‬
‫‪٬‬تعل أخوة اإلٯتان فوق أخوة الدم‬
‫‪ { .‬فَ َم ْن ُع ِف َي ل َ ُه ِم ْن أ َ ِخي ِه َش ْي ٌء‬
‫فاتباع با‪١‬تعروف } ‪.‬‬
‫وقد أورد ا‪ٟ‬تق األخوة هنا لًتقيق‬
‫ا‪١‬تشاعر ‪ ،‬لينبه أهل القاتل‬
‫والقؾيل معا ًأن القتل ال يعٍت أن‬
‫األخوة اإلٯتانية انتهت ‪ ،‬ال ‪ .‬إن‬
‫عَل ا‪١‬تؤمنُت أن يضعوا يف اعؾبارهم‬
‫أن أخوة اإلٯتان قد تفًت رابطْتا ‪.‬‬
‫وحُت يتذكر أولياء الدم أخوة‬
‫اإلٯتان ‪ ،‬فإن العفو يصبح قريبا ًمن‬
‫نفوسهم ‪ .‬ولنا أن نبلحظ أن ا‪ٟ‬تق‬
‫يرفعنا إىل مراتب الؾسامي ‪،‬‬
‫فيذكرنا أن عفو واحد من أولياء‬
‫الدم يقتضي أن تسود قضية العفو ‪،‬‬
‫فبل يقتل القاتل ‪.‬‬
‫وبعد ذلك لننظر إىل دقة ا‪ٟ‬تق يف‬
‫تصفية غضب القلوب حين يضع‬
‫الدية مكان القصاص بالقتل ‪ .‬إن‬
‫الدية اليت سيأخذها أولياء الدم من‬
‫القاتل قد تكون مؤجلة األداء ‪،‬‬
‫فقد يقدر القاتل أو أهله عَل األداء‬
‫العاجل ‪ ،‬لذلك فعَل الذي يتحمل‬
‫الدية أن يؤديها ‪ ،‬وعَل أهل القؾيل‬
‫أن يتقبلوا ذلك با‪١‬تعروف ‪ ،‬وأن‬
‫تؤدي الدية من أهل القاتل أو من‬
‫القاتل نفسه بإحسان ‪.‬‬
‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ُ { :‬ع ِف َي ل َ ُه ِم ْن أ َ ِخي ِه‬
‫َش ْي ٌء } ‪ ،‬تدل عَل أن أولياء ا‪١‬تقتول‬
‫إن عفا واحد منهم فهو عفو بشيء‬
‫واحد ‪ ،‬ولؼس له أن يقتص بعد‬
‫ذلك ‪ ،‬وتنتهي ا‪١‬تسألة و٭تقن الدم‬
‫‪ ،‬ولم يرد اهلل أن يضع نصا بتحريم‬
‫القصاص ‪ ،‬ولكن أراد أن يعطي ويل‬
‫الدم ا‪ٟ‬تق يف أن ي َ ْق ُتل ‪ ،‬وحُت يصبح‬
‫له ا‪ٟ‬تق يف أن يقتل؛ فقد أصبحت‬
‫ا‪١‬تسألة يف يده ‪ ،‬فإن عفا ‪ ،‬تصبح‬
‫حياة القاتل ‪ٙ‬ترة من ‪ٙ‬ترات‬
‫إحسانه ‪ ،‬وإن عاش القاتل ‪ ،‬ال‬
‫يًتك هذا يف نفس صاحب الدم‬
‫بغضاء ‪ ،‬بل إن القاتل سؼتحبب‬
‫إليه ألنه احسن إليه ووهبه حياته ‪.‬‬
‫لكن لو ظل النص عَل قصاص أهل‬
‫القؾيل من القاتل فقط ولم يتعده‬
‫إىل العفو لظلت العقدة يف القلب ‪.‬‬
‫والثارات ا‪١‬توجودة يف ا‪١‬تجتمعات‬
‫ا‪١‬تعاصرة سؽبها أننا لم ُ‪٪‬تكن ويل‬
‫الدم من القاتل ‪ ،‬بدليل أنه إذا ما‬
‫قدر قاتل عَل نفسه وذهب إىل أهل‬
‫القؾيل ودخل عليهم بؼتهم ‪ ،‬وبالغ‬
‫يف طلب العفو منهم ‪ ،‬وأخذ كفنه‬
‫معه وقال ‪٢‬تم ‪ :‬جػتكم لتقتصوا‬
‫مٍت ‪ ،‬وهذا كفٍت معي فاصنعوا ّب ما‬
‫شػتم ‪ ،‬لم ٭تدث قط أن أهل قؾيل‬
‫غدروا بقاتل ‪ ،‬بل ا‪١‬تألوف وا‪١‬تعتاد‬
‫أن يعفوا عنه ‪١ ،‬تاذا؟‬
‫ألهنم ٘تكنوا منه وأصبحت حياته‬
‫بُت أيديهم ‪ ،‬ويف العادة تنقلب‬
‫العداوة إىل مودة ‪ .‬فيظل القاتل‬
‫مدي انْتياته للذين عفوا عنه ‪.‬‬
‫والذين يعرفون ذلك من أبناء‬
‫القاتل يرون أن حياة أبيهم هبة‬
‫وهبها ‪٢‬تم أولياء القؾيل وأقرباؤه ‪،‬‬
‫يرون أن عفو أهل القؾيل هو الذي‬
‫َ‪٧‬تّا حياة قريبهم ‪ ،‬وهكذا تؾسع‬
‫الدائرة ‪ ،‬وتنقلب ا‪١‬تسألة من‬
‫عداوة إىل ود ‪.‬‬

‫{ ادفع باليت ِه َي أ َ ْح َس ُن فَإِذَا الذي‬


‫يم}‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ك َوبَؼْن َ ُه ع َ َد َاوةٌ كَأن ّ َُه َو ِيل ٌّ َ‪ٛ‬ت ٌ‬
‫بَؼْن َ َ‬
‫ػ فصلت ‪] 34 :‬‬
‫ولو لم يشرع اهلل القصاص‬
‫ألصبحت ا‪١‬تسألة فوَض ‪ .‬لكنه‬
‫يشرعه ‪ ،‬ثم يتلطف ليجعل أمر‬
‫إهناء القصاص فضبل من ويل الدم‬
‫و٭تؽبه لنا ويقول ‪ { :‬فَ َم ْن ُع ِف َي ل َ ُه‬
‫ِم ْن أ َ ِخي ِه َش ْي ٌء فاتباع اب‪١‬تعروف‬
‫َوأَدَ ٌ‬
‫آء إِلَي ْ ِه بِإ ِْح َسانٍ } ‪.‬‬
‫وهل من ا‪١‬تعقول أن تكون الدية‬
‫إحسانا ً؟ لؾتذكر أن القائل هنا هو‬
‫اهلل ‪ ،‬وكبلمه قرآن ‪ ،‬والدقة يف‬
‫القرآن ببل حدود ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق ينبه إىل‬
‫أن أولياء الدم إذا ما قبلوا الدية؛‬
‫فمعٌت ذلك أن أهل القؾيل قد‬
‫أسقطوا القصاص عن القاتل؛‬
‫وأهنم وهبوه حق ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬لذلك فإن‬
‫هذا األمر ‪٬‬تب أن يُرد بتحية أو‬
‫مكرمة أحسن منه ‪.‬‬
‫كان ا‪ٟ‬تق ال يريد من أولياء الدم أن‬
‫يرهقوا القاتل أو أهله يف االقتضاء‬
‫‪ ،‬كما يريد أن يؤدي القاتل أو‬
‫أهله الدية بأسلوب يرتفع إىل‬
‫مرتبة العفو الذي ناله القاتل ‪ .‬ويف‬
‫ذلك األمر تخفيف عما جاء‬
‫بالتوراة؛ ففي التوراة لم تكن‬
‫هناك دية يفتدى القاتل بها نفسه‬
‫‪ ،‬بل كان القصاص يف التوراة‬
‫بأسلوب واحد هو قتل إنسان‬
‫مقابل إنسان آخر ‪ .‬ويف اإل‪٧‬تيل ال‬
‫دية وال قتل ‪ :‬ألن هناك مبدأ أراد‬
‫أن يؾساىم به أتباع عؼىس عليه‬
‫السبلم عَل اليهود الذين انغمسوا‬
‫يف المادية ‪ .‬لقد جاء عؼىس عليه‬
‫السبلم رسوال ًإىل بٍت إسرائيل لعله‬
‫يستل من قلوبهم ا‪١‬تادية ‪ ،‬فجاء‬
‫ٔتبدأ ‪ « :‬من صفعك عَل خدك‬
‫األٯتن فأدر له األيسر » ‪.‬‬
‫ولكن اإلسبلم قد جاء دينا ًعاما ً‬
‫جامعا ًشامبل ً‪ ،‬فيثَت يف النفس‬
‫الؾسامي ‪ ،‬ويضع ا‪ٟ‬تقوق يف نصابها‬
‫‪ ،‬فأبىق القصاص ‪ ،‬وترك للفضل‬
‫‪٣‬تاال ً‪ .‬لذلك يقول ا‪ٟ‬تق عن الدية ‪:‬‬
‫{ ذلك َٗت ْ ِف ٌ ِ‬
‫يف ّمن َّر ِبّ ُك ْم َو َر ْ َ‬
‫‪ٛ‬ت ٌة‬
‫اب‬ ‫فَ َم ِن اعتدى بَعْ َد ذلك فَل َ ُه ع َ َذ ٌ‬
‫يم } ‪ .‬وما وجه االعتداء بعد‬ ‫َِ‬
‫أل ٌ‬
‫تقرير الدية والعفو؟‬
‫كان بعض من أهل القبائل إذا ُقتل‬
‫منهم واحد يشيعون أهنم عفوا‬
‫وصفحوا وقبلوا الدية حىت إذا خرج‬
‫القاتل من ‪٥‬تؽئه مطمػنا ً‪ ،‬عندئذ‬
‫يقتلونه ‪ .‬وا‪ٟ‬تق يقرر أن هذا األمر‬
‫هو اعتداء ‪ ،‬ومن يعتدي بعد أن‬
‫يُسقط حق القتل ويأخذ الدية فله‬
‫عذاب أليم ‪ .‬وحكم اهلل هنا يف‬
‫العذاب األليم ‪ ،‬ونفهمه عَل أن‬
‫ا‪١‬تعتدي بقتل من أعلن العفو عنه ال‬
‫يقبل منه دية ويستحق القتل عقابا ً‬
‫‪ ،‬وال يرفع اهلل عنه عذاب الدنيا أو‬
‫اآلخرة ‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق يرفع العقاب والعذاب عن‬
‫القاتل إذا قبل القصاص ونفذ فيه‬
‫‪ ،‬أو إذا عفي عنه إىل الدية وأداها ‪.‬‬
‫ولكن ا‪ٟ‬تق ال يقبل سوى استخدام‬
‫الفرص اليت أعطاها ا‪ٟ‬تق للخلق‬
‫لَتتفعوا يف عبلقاْتم ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق ال‬
‫يقبل أن يتسًت أهل قؾيل وراء‬
‫العفو ‪ ،‬ليقتلوا القاتل بعد أن أعلنوا‬
‫العفو عنه فذلك عبث ٔتا أراده‬
‫ا‪ٟ‬تق منهجا ًبُت العباد ‪.‬‬
‫ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬ول َ ُك ْم ِيف‬
‫القصاص َحيَاةٌ ‪} . . .‬‬

‫اص َحيَاةٌ يَا أُ ِ‬


‫ويل‬ ‫َول َ ُك ْم ِيف الْقِ َص ِ‬
‫ون (‪)179‬‬ ‫اب لَعَل َّ ُك ْم تَتَّ ُق َ‬
‫ْاألَلْب َ ِ‬
‫وهنا نبلحظ أن النسق القرآين يأيت‬
‫مرة فيقول ‪ { :‬ياأيها الذين آ َم ُنوا ْ‬
‫ب عَلَي ْ ُك ُم } ‪ .‬ويأيت هنا ليقول‬ ‫ُكتِ‬
‫َ‬
‫النسق القرآين ‪َ { :‬ول َ ُك ْم ِيف‬
‫القصاص } ‪.‬‬
‫التشريع الدقيق ا‪١‬تحكم يأيت‬
‫بواجبات وْتقوق؛ فبل واجب بغَت‬
‫حق ‪ ،‬وال حق بغَت واجب ‪ ،‬وحىت‬
‫نعرف ‪ٝ‬تو التشريع مطلوب من‬
‫كل مؤمن أن ينظر إىل ما ‪٬‬تب عليه‬
‫من تكاليف ‪ ،‬ويقرنه ٔتا له من‬
‫حقوق ‪ ،‬ولسوف يكتشف ا‪١‬تؤمن‬
‫أنه يف ضوء منهج اهلل قد نال مطلق‬
‫العدالة ‪.‬‬
‫إن ا‪١‬تشرع هو اهلل ‪ ،‬وهو رب الناس‬
‫‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬ولذلك فبل يوجد واحد من‬
‫ا‪١‬تؤمنُت أوىل باهلل من ا‪١‬تؤمنُت‬
‫اآلخرين ‪ .‬إن التكليف اإلٯتاين ٯتنع‬
‫الظلم ‪ ،‬ويعيد ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬و٭تمي‬
‫ويصون لئلنسان ا‪١‬تال والعرض ‪.‬‬
‫ومن عادة اإلنسان أن ‪٬‬تادل يف‬
‫حقوقه ويريدها كاملة ‪ ،‬و٭تاول أن‬
‫يقلل من واجباته ‪ ،‬ولكن اإلنسان‬
‫ا‪١‬تؤمن هو الذي يعطي الواجب‬
‫٘تاما فؼنال حقوقه تامة ‪ ،‬ولذلك‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫{ َول َ ُك ْم ِيف القصاص َحيَاةٌ ياأويل‬
‫ون} ػ البقرة ‪:‬‬ ‫األلباب لَعَل َّ ُك ْم تَتَّ ُق َ‬
‫‪] 179‬‬
‫إن القصاص مكتوب عَل القاتل‬
‫وا‪١‬تقتول وويل الدم ‪ .‬فإذا علم‬
‫القاتل أن اهلل قد قرر القصاص‬
‫فإن هذا يفرض عليه أن يسلم‬
‫نفسه ‪ ،‬وعَل أهله أال ٮتفوه بعيدا ً‬
‫عن أعُت الناس؛ ألن القاتل عليه‬
‫أن يتحمل مسئولية ما فعل ‪،‬‬
‫وحُت ‪٬‬تد القاتل نفسه ‪٤‬توطا ً‬
‫ٔتجتمع مؤمن يرفض القتل فإنه‬
‫يرتدع وال يقتل ‪ ،‬إذن ففي‬
‫القصاص حياة؛ ألن الذي يرغب‬
‫يف أن يقتل ٯتكنه أن يرتدع عندما‬
‫يعرف أن هناك من سيقتص منه ‪،‬‬
‫وأن هناك من ال يقبل ا‪١‬تداراة‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ونأيت بعد ذلك للذين يتشدقون‬
‫ويقولون ‪ :‬إن القصاص وحشية‬
‫وإهدار آلدمية اإلنسان ‪ ،‬ونسأ‪٢‬تم‬
‫‪١ :‬تاذا أخذتكم الغَتة ألن إنسانا ً‬
‫يقتص منه ْتق وقد قتل غَته‬
‫بالباطل؟ ما الذي ٭تزنك عليه ‪.‬‬
‫إن العقوبة حُت شرعها اهلل لم‬
‫يشرعها لتقع ‪ ،‬وإ‪٪‬تا شرعها لتمنع ‪.‬‬
‫و‪٨‬تن حُت نقتص من القاتل ‪٨‬تمي‬
‫سائر أفراد ا‪١‬تجتمع من أن يوجد‬
‫بؼنهم قاتل ال ٭تًتم حياة اآلخرين‬
‫‪ ،‬ويف الوقت نفسه ‪٨‬تمي هذا‬
‫الفوضوي من نفسه؛ ألنه سيفكر‬
‫ألف مرة قبل أن يرتكب جرٯتة ‪.‬‬
‫إذن فالقصاص من القاتل عُبة‬
‫لغَته ‪ ،‬و‪ٛ‬تاية لسائر أفراد‬
‫ا‪١‬تجتمع ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫‪َ { :‬ول َ ُك ْم ِيف القصاص َحيَاةٌ } ‪ .‬إن‬
‫ا‪ٟ‬تق يريد أن ٭تذرنا أن تأخذنا‬
‫األر٭تية الكاذبة ‪ ،‬واإلنسانية‬
‫الرعناء ‪ ،‬والعطف األ‪ٛ‬تق ‪ ،‬فنقول ‪:‬‬
‫‪٪‬تنع القصاص ‪.‬‬
‫كيف نغضب ‪١‬تعاقبة قاتل ْتق ‪ ،‬وال‬
‫نتحرك ‪١‬تقتل برئ؟ إن ا‪ٟ‬تق حُت‬
‫يشرع القصاص كأنه يقول ‪ :‬إياك‬
‫ستقتل إن‬
‫أن تقتل أحدا ًألنك ُ‬
‫قتلته ‪ ،‬ويف ذلك عصمة لنفوس‬
‫تريع‬‫الناس من القتل ‪ .‬إن يف ش‬
‫القصاص اسؾبقاء ‪ٟ‬تياتكم؛‬
‫ألنكم حُت تعرفون أنكم عندما‬
‫تقتلون بريئا وستقتلون بفعلكم‬
‫فسوف ٘تؾنعون عن القتل ‪،‬‬
‫فكأنكم حقنتم دماءكم ‪ .‬وذلك‬
‫هو التشريع العايل العادل‪.‬‬
‫ويف القصاص حياة؛ ألن كل واحد‬
‫عليه القصاص ‪ ،‬وكل واحد له‬
‫القصاص ‪ ،‬إنه التشريع الذي‬
‫ٮتاطب أصحاب العقول وأويل‬
‫األلباب الذين يعرفون ا‪ٞ‬توهر‬
‫ا‪١‬تراد من األشياء واألحكام ‪ ،‬أو غَت‬
‫أويل األلباب فهم الذين ‪٬‬تادلون يف‬
‫األمور دون أن يعرفوا ا‪ٞ‬توهر منها ‪،‬‬
‫فلوال القصاص ‪١‬تا ارتدع أحد ‪،‬‬
‫ولوال القصاص لغرقت البشرية يف‬
‫الوحشية ‪.‬‬

‫إن ا‪ٟ‬تكمة من تقنُت العقوبة أال‬


‫تقع ا‪ٞ‬تريمة وبذلك ٯتكن أن‬
‫تتوارى ا‪ٞ‬ترٯتة مع العقوبة‬
‫ويتوازن ا‪ٟ‬تق مع الواجب ‪.‬‬
‫إن ا‪١‬تتدبر ألمر الكون ‪٬‬تد أن‬
‫التوازن يف هذه الدنيا عَل سؽيل‬
‫ا‪١‬تثال يف السنوات ا‪١‬تاضية يأيت من‬
‫وجود قوتُت عظميُت كلتا‪٫‬تا ٗتىش‬
‫األخرى وكلتا‪٫‬تا ٗتتلف مع‬
‫األخرى ‪ ،‬ويف هذا االختبلف حياة‬
‫لغَت‪٫‬تا من الشعوب ‪ ،‬ألهنما لو‬
‫اتفقتا عَل الباطل لتهدمت أركان‬
‫دولتهما ‪ ،‬وكان يف ذلك دمار العالم ‪،‬‬
‫واستعباد لبقية الشعوب ‪.‬‬
‫وإذا كان كل نظام من نظم العالم‬
‫٭تمل لآلخر ا‪ٟ‬تقد والكراهية‬
‫والبغضاء ويريد أن يسيطر بنظامه‬
‫لكنه ٮتىش قوة النظام اآلخر ‪٢ ،‬تذا‬
‫‪٧‬تد يف ذلك ا‪٠‬توف المتبادل ‪ٛ‬تاية‬
‫‪ٟ‬تياة اآلخرين ‪ ،‬وفرصة للمؤمنُت‬
‫أن يأخذوا بأسباب الريق العلمي‬
‫ليقدموا للدنيا أسلوبا ًالئقا ًْتياة‬
‫اإلنسان عَل األرض يف ضوء منهج‬
‫اهلل ‪ .‬وعندما حدث اندثار لقوة من‬
‫القوتُت هي االٖتاد السوفؼيت ‪ ،‬فإن‬
‫الواليات ا‪١‬تتحدة تبحث اآلن عن‬
‫نقيض ‪٢‬تا؛ ألهنا تعلم أن ا‪ٟ‬تياة دون‬
‫نقيض يف مستوى قوْتا ‪ ،‬قد ‪٬‬ترىء‬
‫الصغار عليها ‪.‬‬
‫إن ا‪٠‬توف من العقوبة هو الذي‬
‫يصنع التوازن بُت معسكرات‬
‫العالم ‪ ،‬وا‪٠‬توف من العقوبة هو‬
‫الذي يصنع التوازن يف األفراد أيضا‬
‫‪.‬‬
‫إن عدل الر‪ٛ‬تن هو الذي فرض‬
‫علؼنا أن نتعامل مع ا‪ٞ‬ترٯتة‬
‫بالعقاب عليها وأن يشاه د هذا‬
‫العقاب آخرون لَتتدعوا ‪.‬‬
‫فها هو ذا ا‪ٟ‬تق يف جرٯتة الزىن عَل‬
‫سؽيل ا‪١‬تثال يؤكد ضرورة أن‬
‫يشاهد العقاب طائفة من الناس‬
‫لَتتدعوا ‪ .‬إن التشديد مطلوب يف‬
‫التحري الدقيق يف أمر حدوث‬
‫الزىن؛ ألن عدم دقة التحري‬
‫يصيب الناس بالقلق ويسبب‬
‫ارتباكا ًوشكا ًيف األنساب ‪،‬‬
‫والتشديد جاء أيضا يف العقوبة يف‬
‫قول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬الزانية والزاين‬
‫فاجلدوا كُ َّل َوا ِح ٍد ِّمن ْ ُه َما ِماْئَ َة‬
‫َجل ْ َد ٍة َوال َتَأ ْ ُخ ْذ ُك ْم بِ ِه َما َرأْفَ ٌة ِيف‬
‫ِ‬
‫ون باهلل‬ ‫دِي ِن اهلل إِن ُك ُنت ْم ُت ْؤم ُن َ‬
‫واليوم اآلخر َولْي َ ْشهَ ْد ع َ َذاب َ ُه َما‬
‫َط ِآئ َف ٌة ِّم َن ا‪١‬تؤمنُت } ػ النور ‪] 2 :‬‬
‫إن الذي ‪٬‬تًتئ عَل حقوق الناس‬
‫‪٬‬تًتئ أيضا عَل حقوق اهلل ‪ ،‬ولذلك‬
‫فمقتىض إيثار اإلٯتان هو إرضاء‬
‫اهلل ال إرضاء الناس ‪ .‬ويف إنزال‬
‫العقاب با‪١‬تعتدي خضوع ‪١‬تنهج اهلل‬
‫‪ ،‬ويف رؤية هذا العقاب من قبل‬
‫اآلخرين هو نشر لفكرة أن‬
‫ا‪١‬تعتدي ينال عقابا ً‪ ،‬ولذلك شرع‬
‫ا‪ٟ‬تق العقاب والعبلنية فيه لؼستقر‬
‫التوازن يف النفس البشرية ‪.‬‬
‫وبعد ذلك يأيت ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫ليعاًف قضية اجتماعية أخرى ‪ .‬إن‬
‫ا‪ٟ‬تق بعد أن عاًف قضية إرهاق ا‪ٟ‬تياة‬
‫ينتقل بنا إىل قضية أخرى من‬
‫أقضية ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬إهنا قضية ا‪١‬توت‬
‫الطؽيعي ‪ .‬كأن ا‪ٟ‬تق بعد أن أوضح‬
‫لنا عبلج قضية ا‪١‬توت با‪ٞ‬ترٯتة‬
‫يريد أن يوضح لنا بعضا ًمن‬
‫متعلقات ا‪١‬توت حتفا من غَت سبب‬
‫مزهق للروح ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق يعاًف يف‬
‫اآلية القادمة بعضا ًمن األمور‬
‫ا‪١‬تتعلقة با‪١‬توت ليحقق التوازن‬
‫االقتصادي يف ا‪١‬تجتمع كما حقق‬
‫باآلية السابقة التوازن العقاّب‬
‫وا‪ٞ‬تنائي يف ا‪١‬تجتمع ‪ .‬يقول اٌفق ‪:‬‬
‫ب عَلَي ْ ُك ْم إِذَا َح َض َر أ َ َح َد ُك ُم‬
‫َ‬
‫{ ُكتِ‬
‫ا‪١‬توت إِن تَ َر َ‬
‫ك َخ َْتا ًالوصية ‪. . .‬‬
‫}‬

‫ب عَلَي ْ ُك ْم إِذَا َح َض َر أ َ َح َد ُك ُم‬ ‫ُكت َ‬


‫ِ‬
‫ك َخ َْتًا ال ْ َو ِصي َّ ُة‬
‫ا ْ‪١‬ت َ ْو ُت إ ِْن تَ َر َ‬
‫وف َح ًّقا‬‫لِلْوال ِ َدي ْ ِن و ْاألَقْ َربُِت بِا ْ‪١‬تَعْر ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ُت (‪)180‬‬ ‫عََلَ ا ْ‪١‬تُتَّق َ‬
‫وا‪ٟ‬تق كما أوضحت من قبل ال‬
‫يقتحم عَل العباد أمورهم ولكنه‬
‫يعرض عليهم أمر اإلٯتان به ‪ ،‬فإن‬
‫آمنوا فهذا اإلٯتان يقتضي ا‪١‬توافقة‬
‫عَل منهجه ‪ ،‬ولذلك فا‪١‬تؤمن‬
‫يشًتك بعقيدته يف اإلٯتان ٔتا‬
‫كتب اهلل عليه ‪ .‬إن ا‪١‬تؤمن هو من‬
‫ارتىض اهلل إ‪٢‬تا ًومشرعا ً‪ ،‬فحُت‬
‫يكتب اهلل عَل ا‪١‬تؤمن أمرا ً‪،‬‬
‫فا‪١‬تؤمن قد اشًتك يف كتابة هذا‬
‫األمر ٔتجرد إعبلنه لئلٯتان ‪ .‬أما‬
‫الكافر با‪ٟ‬تق فلم يقتحم اهلل عليه‬
‫اخؾياره للكفر ‪ ،‬ولذلك لم يكتب‬
‫عليه ا‪ٟ‬تق إال أمرا ًواحدا ًهو‬
‫العذاب يف اآلخرة ‪.‬‬
‫فاهلل ال يكلف إال من آمن به وأحبه‬
‫وآمن بكل صفات ا‪ٞ‬تبلل والكمال‬
‫فيه ‪ .‬ولذلك فالتكليف اإلٯتاين‬
‫شرف خص به اهلل ا‪١‬تحبُت‬
‫ا‪١‬تؤمنُت به ‪ ،‬ولو فطن الكفار إىل أن‬
‫اهلل أ‪٫‬تلهم ألهنم لم يؤمنوا به‬
‫لسارعوا إىل اإلٯتان ‪ ،‬ولرأوا‬
‫اعتزاز كل مؤمن بتكليف اهلل له ‪.‬‬
‫إن ا‪١‬تؤمن يرى التكليف خضوعا‬
‫‪١‬تشؼئة اهلل ‪ .‬وا‪٠‬تضوع ‪١‬تشؼئة اهلل‬
‫يعٍت ا‪ٟ‬تب ‪ .‬ومادام ا‪ٟ‬تب قد قام‬
‫بُت العبد والرب فإن ا‪ٟ‬تق يريد أن‬
‫يديم هذا ا‪ٟ‬تب ‪ ،‬لذلك كانت‬
‫التكاليف هي مواصلة للحب بُت‬
‫العبد والرب ‪.‬‬
‫إن العبد ٭تب الرب باإلٯتان ‪،‬‬
‫والرب ٭تب العبد بالتكليف ‪،‬‬
‫والتكليف مرتبة أعَل من إٯتان‬
‫العبد ‪ ،‬فإٯتان العبد باهلل ال ينفع اهلل‬
‫‪ ،‬ولكن تكاليف اهلل للعبد ينتفع بها‬
‫العبد ‪ .‬إن ا‪١‬تؤمن عليه أن يفطن إىل‬
‫عزة التكليف من اهلل ‪ ،‬فلؼس‬
‫التكليف ذال يزنله ا‪ٟ‬تق بعباده‬
‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬إ‪٪‬تا هو عزة يريدها اهلل‬
‫لعباده ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬هكذا قول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫ب عَلَي ْ ُك ْم } إهنا أمر مشًتك‬ ‫ِ‬
‫{ ُكت َ‬
‫بُت العبد والرب ‪ .‬إن الكتابة هنا‬
‫شرك بُت ا‪ٟ‬تق الذي أنزل‬ ‫أمر م ت‬
‫التكليف وبُت العبد الذي آمن‬
‫بالتكليف ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق يورد هنا أمرا ًٮتص الوصية‬
‫فيقول سبحانه ‪:‬‬
‫ب عَلَي ْ ُك ُم إِذَا َح َض َر أ َ َح َد ُك ُم‬ ‫ِ‬
‫{ ُكت َ‬
‫ك َخ َْتا ًالوصية‬ ‫ا‪١‬توت إِن تَ َر َ‬
‫لِل ْ َوال ِ َدي ْ ِن واألقربُت با‪١‬تعروف َح ّقا ً‬
‫عََلَ ا‪١‬تتقُت } ػ البقرة ‪] 180 :‬‬
‫وهنا ‪٧‬تد شرطُت ‪ :‬الشرط األول ‪:‬‬
‫يبدأ ب { إِذَا } وهي لؤلمر ا‪١‬تتحقق‬
‫وهو حدوث الفعل ‪ .‬وا‪١‬توت أمر‬
‫حتمي بالنسبة لكل عبد ‪ ،‬لذلك‬
‫جاء ا‪ٟ‬تق بهذا األمر بشرط هو {‬
‫إِذَا } ‪ ،‬فهي أداة لشرط وظرف‬
‫‪ٟ‬تدث ‪ .‬وا‪١‬توت هو أمر ‪٤‬تقق إال أن‬
‫أحدا ًال يعرف ميعاده ‪.‬‬
‫والشرط الثاين يبدأ ب { إِن }‬
‫وهي أداة شرط نقو‪٢‬تا يف األمر الذي‬
‫٭تتمل الشك؛ فقد يًتك اإلنسان‬
‫بعد ا‪١‬توت ثروة وقد ال يًتك شؼئا ‪،‬‬
‫ولذلك فإن ا‪ٟ‬تق يأمر العبد‬
‫بالوصية خَتا ًله ‪١‬تاذا؟ ألن ا‪ٟ‬تق‬
‫يريد أن يشرع لبلستطراق‬
‫ا‪ٞ‬تماعي ‪ ،‬فبعد أن يوصي ا‪ٟ‬تق‬
‫عباده بأن يضربوا يف ا‪ٟ‬تياة ضربا ً‬
‫يوسع رزقهم ليؾسع ‪٢‬تم ‪ ،‬ويفيض‬
‫عن حاجتهم ‪ ،‬فهذا الفائض هو‬
‫ا‪٠‬تَت ‪ ،‬وا‪٠‬تَت يف هذا ا‪١‬تجال ٮتتلف‬
‫من إنسان آلخر ومن زمن آلخر ‪.‬‬
‫فعندما كان يًتك العبد عشرة‬
‫جنيهات يف الزمن القديم كان ‪٢‬تذا‬
‫ا‪١‬تبلغ قيمة ‪ ،‬أما عندما يًتك عبد‬
‫آخر ألف جنيه يف هذه األيام فقد‬
‫تكون ‪٤‬تسوبة عند البعض بأهنا‬
‫قليل من ا‪٠‬تَت ‪ ،‬إذن فا‪٠‬تَت يقدر يف‬
‫كل أمر بزمانه ‪ ،‬ولذلك لم يربطه‬
‫اهلل برقم ‪.‬‬

‫إننا يف مصر مثبل ًكنا نصرف ا‪ٞ‬تنيه‬


‫الوريق ّتنيه من الذهب ويفيض‬
‫منه قرشان ونصف قرش؛ أما اآلن‬
‫فا‪ٞ‬تنيه الذهبي يساوي أكثر من‬
‫مائتُت و‪ٜ‬تسُت جنيها؛ ألن‬
‫رصيد ا‪ٞ‬تنيه ا‪١‬تصري يف الزمن‬
‫القديم كان عاليا ‪ .‬أما اآلن فالنقد‬
‫ا‪١‬تتداول قد فاق الرصيد الذهبي ‪،‬‬
‫لذلك صار ا‪ٞ‬تنيه الذهبي أغَل‬
‫بكثَت جدا ًمن ا‪ٞ‬تنيه الوريق ‪.‬‬
‫وآلن اإلله ا‪ٟ‬تق يريد بالناس ا‪٠‬تَت‬
‫لم ٭تدد قدر ا‪٠‬تَت أو قيمته ‪،‬‬
‫وعندما ٭تضر ا‪١‬توت اإلنسان الذي‬
‫عنده فائض من ا‪٠‬تَت البد أن‬
‫يوصي من هذا ا‪٠‬تَت ‪ .‬ولنا أن نلحظ‬
‫أن رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫قد هنى عن انتظار ‪ٟ‬تظة ا‪١‬توت‬
‫ليقول اإلنسان وصؼته ‪ ،‬أو لؼبلغ‬
‫أسرته بالديون اليت عليه ‪ ،‬ألن‬
‫اإلنسان ‪ٟ‬تظة ا‪١‬توت قد ال يفكر يف‬
‫مثل هذه األمور ‪ .‬ولذلك فعلؼنا أن‬
‫نفهم أن ا‪ٟ‬تق ينبهنا إىل أن يكتب‬
‫اإلنسان ما له وما عليه يف أثناء‬
‫حياته ‪ .‬فيقول ويكتب وصؼته اليت‬
‫تنفذ من بعد حياته ‪ .‬يقول ا‪١‬تؤمن ‪:‬‬
‫إذا حضرين ا‪١‬توت فلوالدي كذا‬
‫ولؤلقربُت كذا ‪.‬‬
‫أي أن ا‪١‬تؤمن مأمور بأن يكتب‬
‫وصؼته وهو صحيح ‪ ،‬وال ينتظر‬
‫وقت حدوث ا‪١‬توت ليقول هذه‬
‫الوصية ‪ .‬وا‪ٟ‬تق يوصي با‪٠‬تَت ‪١‬تن؟‬
‫{ لِل ْ َوال ِ َدي ْ ِن واألقربُت با‪١‬تعروف‬
‫َح ّقا ًعََلَ ا‪١‬تتقُت } ‪ .‬وا‪ٟ‬تق يعلم عن‬
‫عباده أهنم يلتفتون إىل أبنائهم وقد‬
‫يهملون الوالدين ‪ ،‬ألن الناس‬
‫تنظر إىل اآلباء واألمهات‬
‫كمودعُت للحياة ‪ ،‬عَل الرغم من‬
‫أن الوالدين ‪٫‬تا سبب إ‪٬‬تاد األبناء‬
‫يف ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬لذلك يوصي ا‪ٟ‬تق عباده‬
‫المؤمنُت بأن ٮتصصوا نصؼبا من‬
‫ا‪٠‬تَت لآلباء واألمهات وأيضا‬
‫لؤلقارب ‪ .‬وهو سبحانه يريد أن‬
‫٭تمي ضعيفُت ‪٫‬تا ‪ :‬الوالدان‬
‫واألقرباء ‪.‬‬
‫وقد جاء هذا ا‪ٟ‬تكم قبل تشريع‬
‫ا‪١‬تَتاث كانوا يعطون كل ما‬
‫ٯتلكون ألوالدهم ‪ ،‬فأراد اهلل أن‬
‫ٮترجهم من إعطاء أوالدهم كل‬
‫شيء وحرمان الوالدين واألقربُت‬
‫‪ .‬وقد حدد اهلل من بعد ذلك نصيب‬
‫الوالدين يف ا‪١‬تَتاث ‪ ،‬أما األقربون‬
‫فقد ترك ا‪ٟ‬تق لعباده تقرير أمرهم‬
‫يف الوصية ‪ .‬وقد يكون الوالدان‬
‫من الكفار ‪ ،‬لذلك ال يرثان من‬
‫االبن ‪ ،‬ولكن ا‪ٟ‬تق يقول ‪{ :‬‬
‫َو َو َّصؼْنَا اإلنسان بِ َوال ِ َدي ْ ِه َ َ‬
‫‪ٛ‬تلَت ْ ُه‬
‫أُ ُّم ُه َو ْهنا ًعَل َو ْهنٍ َوفِ َصال ُ ُه ِيف ع َ َام ْ ِ‬
‫ُت‬
‫ك إ َِيل َّا‪١‬تصَت *‬ ‫أ َ ِن اشكر ِيل َول ِ َوال ِ َدي ْ َ‬
‫ك ِّب َما‬ ‫اك عَل أَن ُت ْش ِر َ‬ ‫اه َد َ‬ ‫َوإِن َج َ‬
‫ك بِ ِه عِل ْ ٌم فَبل َ ُت ِطعْ ُه َما‬ ‫لَؼ ْ َس ل َ َ‬
‫َو َصا ِحب ْ ُه َما ِيف الدنيا َمعْ ُروفا ًواتبع‬
‫سؽ َ َ‬
‫ِيل َم ْن أن َ َ‬
‫اب إ َِيل َّ ُث َّم إ َِيل َّ‬ ‫َ‬
‫َم ْر ِج ُع ُك ْم فَأُنَؽ ّ ُِئ ُك ْم ِٔتَا ُك ُنت ْم‬
‫ون } ػ لقمان ‪] 15-14 :‬‬ ‫تَعْ َمل ُ َ‬
‫إن ا‪ٟ‬تق يذكر عباده بفضله عليهم‬
‫‪ ،‬وأيضا ًبفضل الوالدين ‪ ،‬ولكن‬
‫إن كان الوالدان مشركُت باهلل فبل‬
‫طاعة ‪٢‬تما يف هذا الشرك ‪ ،‬ولكن‬
‫هناك األمر ٔتصاحؽتهما يف ا‪ٟ‬تياة‬
‫با‪١‬تعروف واتباع طريق ا‪١‬تؤمنُت‬
‫ا‪ٟ‬تاملُت للمنهج ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬

‫لذلك فاإلنسان ا‪١‬تؤمن يستطيع أن‬


‫يوصي بشيء من ا‪٠‬تَت يف وصؼته‬
‫لؤلبوين حىت ولو كانا من الكافرين ‪،‬‬
‫و‪٨‬تن نعرف أن حدود الوصية هي‬
‫ثلث ما ٯتلكه اإلنسان والبايق‬
‫للمَتاث الشرعي ‪ .‬أما إذا كانا من‬
‫ا‪١‬تؤمنُت فنحن نؾبع ا‪ٟ‬تديث‬
‫النبوي الكريم ‪ « :‬ال وصية‬
‫لوارث » ‪.‬‬
‫ويف الوصية يدخل إذن األقرباء‬
‫الضعفاء غَت الوارثُت ‪ ،‬هذا هو‬
‫ا‪١‬تقصود من االستطراق‬
‫االجتماعي ‪ .‬وا‪ٟ‬تق حُت ينبه عباده‬
‫إىل الوصية يف أثناء ا‪ٟ‬تياة باألقربُت‬
‫الضعفاء ‪ ،‬يريد أن يدرك العباد أن‬
‫عليهم مسئولية ٕتاه هؤالء ‪ .‬ومن‬
‫ا‪٠‬تَت أن يعمل اإلنسان يف ا‪ٟ‬تياة‬
‫ويضرب يف األرض ويسَع للرزق‬
‫ا‪ٟ‬تبلل ويًتك ورثته أغنياء بدال ً‬
‫من أن يكونوا عالة عَل أحد ‪.‬‬
‫« عن سعد بن أّب وقاص رضي اهلل‬
‫عنه قال ‪ » :‬جاء النبي صَل اهلل‬
‫عليه وسلم يعودين ‪ ،‬وأنا ٔتكة ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬يرحم اهلل بن عفراء ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل أوصي ٔتايل كله؟ قال ‪:‬‬
‫ال قلت ‪ :‬فالشطر؟ قال ‪ :‬ال ‪ .‬قلت‬
‫الثلث؟ قال ‪ :‬فالثلث ‪ ،‬والثلث‬
‫كثَت ‪ ،‬إنك إن تدع ورثتك أغنياء‬
‫خَت من أن تدعهم عالة يتكففون‬
‫الناس « ‪ .‬وإذا رزق اهلل اإلنسان‬
‫بالعمل خَتا ًكثَتا ًفإياك أيها‬
‫اإلنسان أن تقصر هذا ا‪٠‬تَت عَل من‬
‫يرثك ‪.‬‬
‫‪١‬تاذا؟ ألنك إن قصرت شؼئا ًعَل من‬
‫يرثك فقد تصادف يف حياتك من ال‬
‫يرث وله شبهة القرىب منك ‪ ،‬وهو يف‬
‫حاجة إىل من يساعده عَل أمر‬
‫معاشه فإذا لم تساعده ٭تقد عليك‬
‫وعَل كل نعمة وهبها اهلل لك ‪،‬‬
‫ولكن حُت يعلم هذا القريب أن‬
‫النعمة اليت وهبها اهلل لك قد يناله‬
‫منها شيء ولو بالوصية ولؼس‬
‫بالتقنُت اإلرثي ه ذا القريب ٯتؤله‬
‫الفرح بالنعمة اليت وهبها اهلل لك‪.‬‬
‫ولذلك قال ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫ب عَلَي ْ ُك ُم إِذَا َح َض َر أ َ َح َد ُك ُم‬ ‫ِ‬
‫{ ُكت َ‬
‫ك َخ َْتا ًالوصية‬ ‫ا‪١‬توت إِن تَ َر َ‬
‫لِل ْ َوال ِ َدي ْ ِن واألقربُت با‪١‬تعروف َح ّقا ً‬
‫عََلَ ا‪١‬تتقُت } ػ البقرة ‪] 180 :‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق يريد أن يلفت العباد إىل‬
‫األقرباء غَت الوارثُت بعد أن أدخل‬
‫اآلباء واألمهات يف ا‪١‬تَتاث ‪ .‬إن‬
‫اإلنسان حُت يكون قريبا ً‪١‬تيت‬
‫ترك خَتا ً‪ ،‬وخص ا‪١‬تيت هذا‬
‫القريب ببعض من ا‪٠‬تَت يف الوصية‬
‫‪ ،‬هذا القريب ٘تتلئ با‪٠‬تَت نفسه‬
‫فؼتعلم أال ٭تؽس ا‪٠‬تَت عن الضعفاء‬
‫‪ ،‬وهكذا يستطرق ا‪ٟ‬تب وتقوم‬
‫وشائج ا‪١‬تودة ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق يفًتض وهو األعلم بنفوس‬
‫عباده أن ا‪١‬توصي قد ال يكون عَل‬
‫حق والوارث قد يكون عَل حق ‪،‬‬
‫لذلك احتاط التشريع ‪٢‬تذه ا‪ٟ‬تالة؛‬
‫وىص له حُت يأخذ حظه من‬‫ألن ا‪١‬ت َ‬
‫الوصية سؼنقص من نصيب‬
‫الوارث ‪ ،‬ولذلك يريد ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل أن يعصم األطراف‬
‫كلها ‪ ،‬إنه ٭تمي الذي وىص ‪،‬‬
‫والمصي له ‪ ،‬والوارث ومن هنا‬ ‫و‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَ َمن ب َ ّدَل َ ُه بَعْ َد َما‬
‫‪ٝ‬تعَ ُه فَإ َِّ‪٪‬تَا إ ِْ‪ٙ‬ت ُ ُه عََلَ الذين يُب َ ِ ّدلُون َ ُه‬
‫َِ‬
‫ِ ِ‬
‫يم }‬‫إ َِّن اهلل َ‪ٝ‬تي ٌع عَل ٌ‬
‫فَ َم ْن ب َ ّدَل َ ُه بَعْ َد َما َ ِ‬
‫‪ٝ‬تعَ ُه فَإ َِّ‪٪‬تَا إ ِْ‪ٙ‬ت ُ ُه‬
‫اّللَ َس ِيم ٌع‬ ‫عََلَ ال َّ ِذي َن يُب َ ِ ّدلُون َ ُه إ َِّن َّ‬
‫يم (‪)181‬‬ ‫ِ‬
‫عَل ٌ‬
‫و‪٨‬تن نعرف أنه يف زمن نزول‬
‫القرآن كانت الوصية شفاهة ‪ ،‬ولم‬
‫تكن الكتابة منتشرة ‪ ،‬ولذلك أىت‬
‫ا‪ٟ‬تق با‪ٞ‬تانب ا‪١‬تشًتك يف ا‪١‬توصي‬
‫وا‪١‬توصي له والوارث وهو جانب‬
‫القول؛ فقد كان القول هو األداة‬
‫الواضحة يف ذلك الزمن القديم ‪،‬‬
‫ولم تكن هناك وسائل معاصرة‬
‫كالشهر العقاري لتوثيق الوصية ‪،‬‬
‫لذلك كان تبديل وصية ا‪١‬تيت إ‪ٙ‬تا‬
‫عَل الذي يُبدل فيها ‪.‬‬
‫إن ا‪١‬توصي قد برئت ذمته ‪ ،‬أما ذمة‬
‫ا‪١‬توصي له والوارث فهي اليت‬
‫تستحق أن تنؾبه إىل أن اهلل يعلم‬
‫خفايا الصدور وهو السميع العليم‬
‫‪ .‬ويريد ا‪ٟ‬تق أن يصلح العبلقة بُت‬
‫الوارث وا‪١‬توصي له ‪ ،‬لذلك يقول‬
‫اف ِمن ُّم ٍ‬
‫وص َجنَفا ً‬ ‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَ َم ْن َخ َ‬
‫أ َ ْو إ ِْ‪ٙ‬تا ًفَأ َ ْصل ََح بَؼْن َ ُه ْم فَبل َإِث َْم عَلَي ْ ِه‬
‫يم }‬ ‫إ َِن اهلل َغ ُف ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫وص َجنَفًا أ َ ْو إ ِْ‪ٙ‬تًا‬‫اف ِم ْن ُم ٍ‬ ‫فَ َم ْن َخ َ‬
‫فَأ َ ْصل ََح بَؼْن َ ُه ْم فَ َبل إِث َْم عَلَي ْ ِه إ َِّن َّ‬
‫اّللَ‬
‫يم (‪)182‬‬ ‫َغ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫ٌ‬
‫إن ا‪ٟ‬تق يريد العدل للجميع فإذا‬
‫كانت الوصية زائغة عن العدل‬
‫وعن الصراط ا‪١‬تستقيم وكان فيها‬
‫حرمان للفقَت وزيادة يف ثراء الغٍت‬
‫أو ترك لؤلقربُت ‪ ،‬فهذا ضياع‬
‫لبلستطراق الذي أراده اهلل ‪ ،‬فإذا‬
‫جاء من يسَع يف سؽيل ا‪٠‬تَت لَتد‬
‫الوصية للصواب فبل إثم عليه يف‬
‫التغيَت الذي ٭تدثه يف الوصية‬
‫لؼبد‪٢‬تا عَل الوجه الصحيح ‪٢‬تا الذي‬
‫يرتضيه اهلل؛ ألن اهلل غفور رحيم‬
‫‪.‬‬
‫وقد ٮتاف اإلنسان من صاحب‬
‫الوصية أن يكون جنفا ً‪ ،‬وا‪ٞ‬تنف‬
‫يفسر بأنه ا‪ٟ‬تيف وا‪ٞ‬تور ‪ ،‬وقد ٮتلق‬
‫اهلل اإلنسان ّتنف أي عَل هؼئة‬
‫يكون جانب منه أوىط من ا‪ٞ‬تانب‬
‫اآلخر ‪ ،‬و‪٨‬تن نعرف من علماء‬
‫التشريح أن كل نصف يف اإلنسان‬
‫‪٥‬تتلف عن النصف اآلخر وقد‬
‫يكون ذلك واضحا يف بعض ا‪٠‬تلق ‪،‬‬
‫وقد ال يكون واضحا ًإال للمدقق‬
‫الفاحص ‪.‬‬
‫واإلنسان قد ال يكون له خيار يف أن‬
‫يكون أجنف ‪ ،‬ولكن اإلثم يأيت‬
‫باخؾيار اإلنسان أي أن يعلم‬
‫اإلنسان الذنب ومع ذلك يرتكبه‬
‫إذن فمن خاف من موص جنفا ًأي‬
‫حيفا ًوظلما ًمن غَت تعمد فهذا أمر‬
‫ال خيار للموصي فيه ‪ ،‬فإصبلح‬
‫ذلك ا‪ٟ‬تيف والظلم فيه خَت‬
‫للموصي ‪ .‬أما إذا كان صاحب‬
‫الوصية قد تعمد أن يكون آ‪ٙ‬تا‬
‫فإصبلح ذلك اإلثم أمر واجب ‪.‬‬
‫وهذه هي دقة التشريع القرآين‬
‫الذي يشحذ كل ملكات اإلنسان‬
‫لؾتلىق العدل الكامل ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق عاًف قضية التشريع للبشر يف‬
‫أمر القصاص باسؾثمار كل ملكات‬
‫ا‪٠‬تَت يف اإلنسان حُت قال ‪ { :‬فَ َم ْن‬
‫ُع ِف َي ل َ ُه ِم ْن أ َ ِخي ِه َش ْي ٌء فاتباع‬
‫با‪١‬تعروف } ‪ .‬إنه لؼس تشريعا‬
‫جافا ًكتشريع البشر ‪ .‬إنه تشريع‬
‫من ا‪٠‬تالق الرحيم العليم ٓتبايا‬
‫ويستثر ا‪ٟ‬تق يف البشر كل‬
‫ي‬ ‫البشر ‪.‬‬
‫نوازع ا‪٠‬تَت ‪ ،‬ويعاًف كذلك قضية‬
‫تبديل الوصية اليت وىص بها ا‪١‬تيت‬
‫بنفسه ‪ ،‬فمن خالف الوصية اليت‬
‫أقيمت عَل عدالة فله عقاب ‪.‬‬
‫أما الذي يتدخل إلصبلح أمر‬
‫الوصية ٔتا ٭تقق النجاة للميت من‬
‫ا‪ٞ‬تنف أي ا‪ٟ‬تيف غَت ا‪١‬تقصود‬
‫ولكنه يسبب أ‪١‬تا ً‪ ،‬أو يصلح من أمر‬
‫وصية فيها إثم فهذا أمر يريده اهلل‬
‫وال إثم فيه و٭تقق اهلل به ا‪١‬تغفرة‬
‫والر‪ٛ‬تة ‪ .‬وهكذا يعلمنا ا‪ٟ‬تق أن‬
‫الذي يسمع أو يقرأ وصية فبل بد‬
‫أن يقؼسها عَل منطق ا‪ٟ‬تق والعدل‬
‫وتشريع اهلل ‪ ،‬فإن كان فيه ‪٥‬تالفة‬
‫فبل بد أن يراجع صاحبها ‪ .‬ولنا أن‬
‫نلحظ أن ا‪ٟ‬تق قد عُب عن إحساس‬
‫اإلنسان با‪٠‬توف من وقوع الظلم‬
‫بغَت قصد أو بقصد حُت قال ‪{ :‬‬
‫اف ِمن ُّم ٍ‬
‫وص َجنَفا ًأ َ ْو إ ِْ‪ٙ‬تا ً‬ ‫فَ َم ْن َخ َ‬
‫فَأ َ ْصل ََح بَؼْن َ ُه ْم فَبل َإِث َْم عَلَي ْ ِه إ َِّن اهلل‬
‫ور َّر ِحيم } ‪.‬‬ ‫َغ ُف ٌ‬
‫اف } عندما تأيت يف‬ ‫إن كلمة { َخ َ‬
‫هذا ا‪١‬توضع تدل عَل الوحدة‬
‫اإلٯتانية يف نفوس ا‪١‬تسلمُت ‪ .‬إن‬
‫ا‪١‬تؤمن الذي يتصدى إلصبلح من‬
‫هذا النوع قد يكون غَت وارث ‪ ،‬وال‬
‫هو من ا‪١‬توصي ‪٢‬تم ‪ ،‬وال هو ا‪١‬توصي‬
‫‪ ،‬إ‪٪‬تا هو ‪٣‬ترد شاهد ‪ ،‬وهذه الشهادة‬
‫ٕتعله يسَع إىل التكافل اإلٯتاين؛‬
‫فكل قضية ٘تس ا‪١‬تؤمن إ‪٪‬تا ٘تس‬
‫كل ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬فإن حدث جنف‬
‫فهذا يثَت ا‪٠‬توف يف ا‪١‬تؤمن ألن‬
‫نؾيجته قد تصيب غَته من‬
‫ا‪١‬تؤمنُت ولو بغَت قصد ‪ ،‬وهكذا‬
‫نرى الوحدة اإلٯتانية ‪.‬‬

‫إن اإلٯتان ٯتزج ا‪١‬تؤمنُت بعضهم‬


‫ببعض حىت يصَتوا كا‪ٞ‬تسد الواحد‬
‫إن اشتىك منه عضو تداىع له سائر‬
‫األعضاء بالسهر وا‪ٟ‬ت ىم ‪.‬‬
‫و‪٢‬تذا فعندما يتدخل ا‪١‬تؤمن الذي‬
‫ال مصلحة مباشرة له يف أمر اإلرث‬
‫أو الوصية ليصلح من هذا األمر فإن‬
‫ا‪ٟ‬تق يثؼبه ٓتَت ا‪ٞ‬تزاء ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه قال ‪ { :‬فَ َم ْن َخ َ‬
‫اف‬
‫وص َجنَفا ًأ َ ْو إ ِْ‪ٙ‬تا ًفَأ َ ْصل ََح‬
‫ِمن ُّم ٍ‬
‫ِ‬
‫بَؼْن َ ُه ْم فَبل َإِث َْم عَلَيْه إ َِّن اهلل َغ ُف ٌ‬
‫ور‬
‫َّر ِحيم } ‪ ،‬وهذا القول يلفؾنا إىل أن‬
‫اإلنسان إذا ما عزم عَل اٗتاذ أمر يف‬
‫مسألة الوصية فعليه أن يستشَت‬
‫من حوله ‪ ،‬وأن يستقبل كل مشورة‬
‫من أهل العلم وا‪ٟ‬تكمة ‪ ،‬وذلك‬
‫حىت ال تنشأ الضغائن بعد أن يُبم‬
‫أمر الوصية إبراما ًهنائيا ً‪ .‬أي بعد‬
‫وفاته ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق قد وضع االحؾياطات‬
‫البلزمة إلصبلح أمر الوصية إن‬
‫جاء بها ما يورث ا‪١‬تشاكل؛ ألن‬
‫ا‪ٟ‬تق يريد أن يتكاتف ا‪١‬تؤمنون يف‬
‫وحدة إٯتانية ‪ ،‬لذلك فبلبد من‬
‫معا‪ٞ‬تة اال‪٨‬تراف بالوقاية منه وقبل‬
‫أن يقع ‪ .‬ولذلك يقول رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪ « :‬مثل‬
‫القائم عَل حدود اهلل والواقع فيها‬
‫كمثل قوم استهموا عَل سفؼنة‬
‫فأصاب بعضهم أعبلها وبعضهم‬
‫أسفلها فكان الذين يف أسفلها إذا‬
‫استقوا من ا‪١‬تاء م ّروا عَل من فوقهم‬
‫فقالوا لو أننا خرقنا يف نصيؽنا خرقا‬
‫ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما‬
‫أرادوا هلكوا ‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬وإن أخذوا‬
‫و‪٧‬توا ‪ٚ‬تيعا ً» ‪.‬‬ ‫عَل أيديهم ْ‬
‫‪٧‬توا ْ‬
‫وا‪ٟ‬تديث الشريف يضرب ا‪١‬تثل‬
‫عَل ضرورة التآزر والتواصي بُت‬
‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ٛ‬تاية ‪٢‬تم ‪ .‬فهؤالء قوم‬
‫اقؾسموا سفؼنة بالقرعة ‪،‬‬
‫واالستهام هو قرعة ال هوى ‪٢‬تا ‪،‬‬
‫وسكن بعضهم أسفل السفؼنة‬
‫حسب ما جاء من نؾيجة االستهام ‪،‬‬
‫وسكن بعضهم أعَل السفؼنة ‪ .‬لكن‬
‫الذين سكنوا أسفل السفؼنة أرادوا‬
‫بعضا ًمن ا‪١‬تاء ‪ ،‬واقًتح بعضهم أن‬
‫ٮترقوا السفؼنة للحصول عَل ا‪١‬تاء ‪،‬‬
‫وبرروا ذلك بأن مثل هذا األمر لن‬
‫يؤذي من يسكنون يف النصف األعَل‬
‫من السفؼنة ‪ ،‬ولو أهنم فعلوا ذلك ‪،‬‬
‫ولم ٯتنعهم الذين يسكنون يف‬
‫النصف األعَل من السفؼنة لغرقوا‬
‫‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬لكن لو تدخل الذين‬
‫يسكنون يف النصف األعَل من‬
‫السفؼنة ‪١‬تنعوا الغرق ‪ ،‬وكذلك‬
‫حدود اهلل ‪ ،‬فعَل ا‪١‬تؤم ينن أن‬
‫يتكاتفوا بالتواصي يف تطؽيقها ‪ ،‬فبل‬
‫يقولن أحد ‪ « :‬إن ما ٭تدث من‬
‫اآلخرين ال شأن يل به » ألن أمر‬
‫ا‪١‬تسلمُت يهم كل مسلم ‪ ،‬ولذلك‬
‫جاءت آية قال فيها سيدنا أبو بكر‬
‫رضي اهلل عنه ‪ « :‬هناك آية‬
‫تقرأوهنا عَل غَت وجهها » أي‬
‫تفهموهنا عَل غَت معناها ‪.‬‬

‫واآلية هي قول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬واتقوا فِؾْنَةً‬


‫يَب الذين َظل َ ُموا ْ ِمن ُك ْم‬
‫ال َّ ُت ِص َ َّ‬
‫آصةً واعلموا أ َ َّن اهلل َش ِد ُ‬
‫يد‬ ‫َخ َّ‬
‫العقاب } ػ األنفال ‪] 25 :‬‬
‫ويقول شيخنا « حسنُت ‪٥‬تلوف »‬
‫مفيت الديار ا‪١‬تصرية األسبق يف‬
‫شرح هذه اآلية ‪ :‬أي احذروا ابتبلء‬
‫اهلل يف ‪٤‬تن قد تزنل بكم ‪ ،‬تعم‬
‫ا‪١‬تسيء وغَتهم ‪ ،‬كالببلء والقحط‬
‫والغبلء ‪ ،‬وتسلط ا‪ٞ‬تبابرة وغَت ذلك‬
‫‪ ،‬وا‪١‬تراد ٖتذير من الذنوب اليت هي‬
‫أسباب االبتبلء ‪ ،‬كإقرار ا‪١‬تنكرات‬
‫والبدع والرضا بها ‪ ،‬وا‪١‬تداهنة يف‬
‫األمر با‪١‬تعروف ‪ ،‬وافًتاق الكلمة يف‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬وتعطيل ا‪ٟ‬تدود ‪ ،‬وفشو‬
‫ا‪١‬تعاصي ‪ ،‬و‪٨‬تو ذلك ‪ .‬وفيما رواه‬
‫البخ اري ‪ :‬عندما قال رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪ » « :‬ويل‬
‫للعرب من شر قد اقًتب ‪« . .‬‬
‫فقيل له ‪ :‬أهنلك وفؼنا الصا‪ٟ‬تون؟‬
‫قال ‪ » :‬نعم إذا كثر ا‪٠‬تبث « » ‪.‬‬
‫إذن فبل يعتقد مسلم أنه غَت‬
‫مسئول عن الفساد الذي يستشري‬
‫يف ا‪١‬تجتمع ‪ ،‬بل عليه أن ُ٭تذر وأن‬
‫يُنبه ‪ .‬ولذلك ‪٧‬تد أن حكمة ا‪ٟ‬تق‬
‫قد فرضت الدية عَل العاقلة ‪ ،‬أي‬
‫عَل أهل القاتل ‪ ،‬ألهنم قد يرون‬
‫هذا القاتل وهو ٯتارس الفساد‬
‫ابتداء ‪ ،‬فلم يردعه أحد منهم ‪،‬‬
‫لكنهم لو ضربوا عَل يده من‬
‫البداية ‪١‬تا جاءهم الغرم بدفع‬
‫الدية ‪ ،‬لذلك فعندما تسمع قول‬
‫اف ِمن‬
‫اهلل عز وجل ‪ { :‬فَ َم ْن َخ َ‬
‫وص َجنَفا ً} إياك أن تقول ‪ :‬ال‬ ‫ُّم ٍ‬
‫شأن يل بهذا األمر ال ‪ ،‬إن األمر‬
‫ٮتصك وعليك أن ٖتاول اإلصبلح‬
‫بُت ا‪١‬توصي له ‪ ،‬وبُت الورثة ‪.‬‬
‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَبل َإِث َْم عَلَي ْ ِه } يعٍت‬
‫إدخاله يف دائرة الذين يبدلون‬
‫القول واليت تناولناها با‪٠‬تواطر قبل‬
‫هذه اآلية ‪ ،‬بل لك ثواب عَل‬
‫تدخلك؛ فأنت لم تبدل حقا‬
‫بباطل ‪ ،‬بل تزحزح باطبل ًلتؤسس‬
‫طب قلب الوارث‬ ‫ت‬
‫حقا ً‪ ،‬وبذلك ُ َر ُ‬
‫عَل ما نقص منه ‪ ،‬وتقيم ميزان‬
‫العدل بالنصيحة ‪ ،‬و ُتسخي نفسه‬
‫ليقبل الوصية بعد تعديلها ٔتا‬
‫يرضي شريعة اهلل ‪ .‬إن اهلل يريد‬
‫إقامة ميزان العدل وأن يتأكد‬
‫االستطراق الصفائي بُت ا‪١‬تؤمنُت‬
‫فبل تورث الوصية شرورا ً‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪ { :‬ياأيها‬
‫ب عَلَي ْ ُك ُم الصيام‬ ‫الذين آ َم ُنوا ْ ُكتِ‬
‫َ‬
‫ب عََلَ الذين ِمن قَبْلِ ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫َك َما ُكت َ‬
‫ون}‬ ‫لَعَل َّ ُك ْم تَتَّ ُق َ‬
‫ِ‬ ‫َ ِي‬
‫ب عَلَي ْ ُك ُم‬ ‫يَا أيُّهَا الَّذ َن آ َم ُنوا ُكت َ‬
‫ب عََلَ ال َّ ِذي َن ِم ْن‬‫َ‬
‫الصيام َكما ُكتِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ون (‪)183‬‬ ‫قَبْل ُك ْم لَعَل َّ ُك ْم تَتَّ ُق َ‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه يبدأ هذه اآلية‬
‫الكرٯتة بًتقيق ا‪ٟ‬تكم الصادر‬
‫بالتكليف القادم وهو الصيام فكأنه‬
‫يقول ‪ « :‬يا من آمنتم ّب‬
‫وأحبؽتموين لقد كؾبت عليكم‬
‫الصيام » ‪ .‬وعندما يأيت ا‪ٟ‬تكم ‪٦‬تن‬
‫آمنت به فأنت تثق أنه ٮتصك‬
‫بتكليف تأيت منه فائدة لك ‪.‬‬
‫واضرب هذا ا‪١‬تثل وهلل ا‪١‬تثل‬
‫األعَل هب أنك ُٗتاطب ابنك يف‬
‫أمر فيه مشقة ‪ ،‬لكن نتائجه مفيدة‬
‫‪ ،‬فأنت ال تقول له ‪ « :‬يا ابٍت افعل‬
‫كذا » لكنك تقول له ‪ « :‬يا ُب َ َّ‬
‫ٍت‬
‫افعل كذا » وكأنك تقول له ‪ « :‬يا‬
‫صغَتي ال تأخذ العمل الذي‬
‫أكلفك به ٔتا فيه من مشقة‬
‫ٔتقايؼس عقلك غَت الناضج ‪،‬‬
‫ولكن خذ هذا التكليف ٔتقايؼس‬
‫عقل وٕتربة والدك » ‪.‬‬
‫وا‪١‬تؤمنون يأخذون خطاب ا‪ٟ‬تق‬
‫‪٢‬تم { ياأيها الذين آ َم ُنوا ْ}‬
‫ٔتقياس ا‪١‬تحبة لكل ما يأيت منه‬
‫سبحانه من تكليف حىت وإن كان‬
‫فيه مشقة ‪ ،‬وا‪١‬تؤمنون بقبو‪٢‬تم‬
‫لئلٯتان إ‪٪‬تا يكونون مع ا‪ٟ‬تق يف‬
‫التعاقد اإليماين ‪ ،‬وهو سبحانه لم‬
‫يكتب الصيام عَل من ال يؤمن به؛‬
‫ألنه ال يدخل يف دائرة التعاقد‬
‫اإلٯتاين وسيلقي سعَتا ‪ .‬والصيام‬
‫هو لون من اإلمساك؛ ألن معٌت «‬
‫صام » هو « أمسك » وا‪ٟ‬تق يقول‬
‫‪ { :‬فَإ َِّما تَ َر ِي َّن ِم َن البشر أ َ َحدا ً‬
‫فقويل إ ِِّين ن َ َذ ْر ُت للر‪ٛ‬تن َص ْوما ًفَل َْن‬
‫أُكَلِ ّ َم اليوم إِن ِسيّا ً} ػ مريم ‪26 :‬‬
‫]‬
‫وهذا إمساك عن الكبلم ‪ .‬إذن‬
‫فالصوم معناه اإلمساك ‪ ،‬لكن‬
‫الصوم التشريعي يعٍت الصوم عن‬
‫شهويت البطن والفرج من الفجر‬
‫وحىت الغروب ‪ .‬ومبدأ الصوم ال‬
‫ٮتتلف من زمن إىل آخر ‪ ،‬فقد كان‬
‫الصيام الركن التعبدي موجودا ًيف‬
‫الديانات السابقة عَل اإلسبلم ‪،‬‬
‫لكنه كان إما إمساكا ًمطلقا ًعن‬
‫الطعام ‪ .‬وإما إمساكا عن ألوان‬
‫معؼنة من الطعام كصيام النصارى‬
‫‪ ،‬فالصيام إذن هو منهج لًتبية‬
‫اإلنسان يف األديان ‪ ،‬وإن اختلفت‬
‫األيام عددا ً‪ ،‬وإن اختلفت كيفية‬
‫الصوم ويذيل ا‪ٟ‬تق اآلية الكرٯتة‬
‫ون } ‪.‬‬ ‫ك ْم تَتَّ ُق َ‬ ‫بقوله ‪ { :‬لَعَل َّ ُ‬
‫ونعرف أن معٌت التقوى هو أن‬
‫‪٧‬تعل بيننا وبُت صفات ا‪ٞ‬تبلل‬
‫وقاية ‪ ،‬وأن نتقي بطش اهلل ‪ ،‬ونتقي‬
‫النار وهي من آثار صفات ا‪ٞ‬تبلل ‪.‬‬
‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬لَعَل َّ ُك ْم تَتَّ ُق َ‬
‫ون } أي‬
‫أن هنذب ونشذب سلوكنا فنؽتعد‬
‫عن ا‪١‬تعاصي ‪ ،‬وا‪١‬تعاصي يف النفس‬
‫إ‪٪‬تا تنشأ من شره ماديتها إىل أمر ما‬
‫‪ .‬والصيام كما نعلم يضعف شره‬
‫ا‪١‬تادية وحدْتا وتسلطها يف ا‪ٞ‬تسد ‪،‬‬
‫ولذلك يقول صَل اهلل عليه وسلم‬
‫للشباب ا‪١‬تراهق وغَته ‪ « :‬يا‬
‫معشر الشباب من استطاع منكم‬
‫الباءة فلؼتزوج فإنه أغض للبصر‬
‫وأحصن للفرج ومن لم يستطع‬
‫فعليه بالصوم فإنه له وجاء » ‪.‬‬
‫وكأن الصوم يشذب ِش َّرة ا‪١‬تادية يف‬
‫ا‪ٞ‬تسم الشاب ‪ .‬وإن تقليل الطعام‬
‫يعٍت تقليل وقود ا‪١‬تادة ‪ ،‬فيقل‬
‫السعار الذي يدفع اإلنسان‬
‫الرتكاب ا‪١‬تعاصي ‪ .‬والصيام يف‬
‫رمضان يعطي اإلنسان االستقامة‬
‫‪١‬تدة شهر ‪ ،‬ويلحظ اإلنسان حبلوة‬
‫االستقامة فؼستمر بها بعد رمضان‬
‫‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق ال يطلب منك االستقامة يف‬
‫رمضان فقط ‪ ،‬إ‪٪‬تا هو سبحانه قد‬
‫اصطىف رمضان كزمن تتدرب فيه‬
‫عَل االستقامة لتشيع من بعد ذلك‬
‫يف كل حياتك؛ ألن اصطفاء اهلل‬
‫لزمان أو اصطفاء اهلل ‪١‬تكان أو‬
‫إلنسان لؼس لتدليل الزمان ‪ ،‬وال‬
‫لتدليل ا‪١‬تكان ‪ ،‬وال لتدليل‬
‫اإلنسان ‪ ،‬وإ‪٪‬تا يريد اهلل من‬
‫اصطفائه لرسول أن يشيع أثر‬
‫اصطفاء الرسول يف كل الناس ‪.‬‬
‫ولذلك ‪٧‬تد تاريخ الرسل ملؼئا‬
‫با‪١‬تشقة والتعب ‪ ،‬وهذا دليل عَل‬
‫أن مشقة الرسالة يتحملها‬
‫الرسول وتعبها يقع عليه هو ‪ .‬فاهلل‬
‫لم يصطفه ليدهلل ‪ ،‬وإ‪٪‬تا اصطفاه‬
‫ليجعله أسوة ‪.‬‬
‫وكذلك يصطفي اهلل من الزمان‬
‫أياما ال ليدللها عَل بقية األزمنة ‪،‬‬
‫ولكن ألنه سبحانه وتعاىل يريد أن‬
‫يشيع اصطفاء هذا الزمان يف كل‬
‫األزمنة ‪ ،‬كاصطفائه أليام رمضان‬
‫‪ ،‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يصطفي‬
‫األمكنة ليشيع اصطفاؤها يف كل‬
‫األمكنة ‪ .‬وعندما نسمع من يقول‬
‫‪ « :‬زرت مكة وا‪١‬تدينة وذقت‬
‫حبلوة الشفافية واإلشراق‬
‫والؾنوير ‪ ،‬ونسيت كل شيء » ‪ .‬إن‬
‫من يقول ذلك يظن أنه ٯتدح‬
‫ا‪١‬تكان ‪ ،‬وينىس أن ا‪١‬تكان يفرح‬
‫عندما يشيع اصطفاؤه يف بقية‬
‫األمكنة؛ فأنت إذا ذهبت إىل مكة‬
‫لتزور الؽيت ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬وإذا ذهبت إىل‬
‫ا‪١‬تدينة لتزور رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فلماذا ال تتذكر يف كل‬
‫األمكنة أن اهلل موجود يف كل‬
‫الوجود ‪ ،‬وأن قيامك بأركان‬
‫اإلسبلم وسلوك اإلسبلم هو تقرب‬
‫من اهلل ومن رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫صحيح إن تعبدك وأنت يف جوار‬
‫بيت اهلل ‪ ،‬يتميز بالدقة وحسن‬
‫النية ‪ .‬كأنك وأنت يف جوار بيت‬
‫اهلل ويف حضرة رسول اهلل تستحي‬
‫أن تفعل معصية ‪ .‬وساعة تسمع «‬
‫اهلل أكُب » تنهض للصبلة وٗتشع ‪،‬‬
‫وال تؤذي أحدا ً‪ ،‬إذن ‪١‬تاذا ال يشيع‬
‫هذا السلوك منك يف كل وقت ويف‬
‫كل مكان؟ إنك تستطيع أن‬
‫تستحضر النية التعبدية يف أي‬
‫مكان ‪ ،‬وستجد الصفاء النفسي‬
‫العايل ‪.‬‬
‫إذن فحُت يصطفي اهلل زمانا ًأو‬
‫مكانا ًأو يصطفي إنسانا ًإ‪٪‬تا يشاء‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن يشيع‬
‫اصطفاء اإلنسان يف كل الناس ‪،‬‬
‫واصطفاء ا‪١‬تكان يف كل األمكنة‬
‫واصطفاء الزمان يف كل األزمنة ‪،‬‬
‫ولذلك أتعجب عندما أجد الناس‬
‫تستقبل رمضان بالؾسؽيح وبآيات‬
‫القرآن وبعد أن ينتهي رمضان‬
‫ينسون ذلك ‪ .‬وأقول هل جاء‬
‫رمضان ليحرس لنا الدين ‪ ،‬أم أن‬
‫رمضان ‪٬‬تيء ليدربنا عَل أن نعؼش‬
‫ٓتلق الصفاء يف كل األزمنة؟‬
‫ب عَلَي ْ ُك ُم‬ ‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ُ { :‬كتِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ب عََلَ الذين من‬ ‫ِ‬
‫الصيام كَ َما ُكت َ‬
‫قَبْلِ ُك ْم } يدلنا عَل أن ا‪١‬تسلمُت‬
‫لؼسوا بدعا ًيف مسألة الصوم ‪ ،‬بل‬
‫سبقهم أناس من قبل إىل الصيام‬
‫وإن اختلفت شكلية الصوم ‪.‬‬
‫وساعة يقول ا‪ٟ‬تق ‪ُ { :‬ك ِتَب‬
‫عَلَي ْ ُك ُم الصيام } فهذا تقرير‬
‫للمبدأ ‪ ،‬مبدأ الصوم ‪ ،‬ويُ َف ّص ُل‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه ا‪١‬تبدأ من بعد ذلك‬
‫ات فَ َمن‬‫فيقول ‪ { :‬أَيَّاما ً َمعْ ُدود ٍ‬
‫ّ َ‬
‫ان ِمن ُكم َّم ِريضا ًأ َ ْو عَل َس َف ٍر فَعِ َّدةٌ‬‫كَ َ‬
‫ِّم ْن أَيَّا ٍم أُ َخ َر ‪} . . .‬‬

‫ان ِم ْنُك ْم‬ ‫ٍ‬


‫أيَّامًا َمعْ ُدودَات فَ َم ْن ك َ َ‬
‫َ‬
‫يضا أ َ ْو عََلَ َس َف ٍر فَعِ َّدةٌ ِم ْن أَيَّا ٍم‬ ‫َم ِر ً‬
‫أُ َخ َر َوعََلَ ال َّ ِذي َن يُ ِطي ُقون َ ُه فِ ْدي َ ٌة‬
‫ُت فَ َم ْن تَ َط َّو َع َخ َْتًا‬ ‫ام ِم ْس ِك ٍ‬ ‫َطعَ ُ‬
‫فَ ُه َو َخ َْتٌ ل َ ُه َوأ َ ْن تَ ُصو ُموا َخ َْتٌ ل َ ُك ْم‬
‫ون (‪)184‬‬ ‫إ ِْن ُكن ْ ُت ْم تَعْل َ ُم َ‬
‫وكلمة { أَيَّاما ً} تدل عَل الزمن‬
‫وتأيت ‪٣‬تملة ‪ ،‬وقوله ا‪ٟ‬تق عن تلك‬
‫ات } يعٍت‬ ‫األيام ‪ :‬إهنا { َمعْ ُدود ٍ‬
‫ّ َ‬
‫أهنا أيام قليلة ومعروفة ‪ .‬ومن بعد‬
‫ذلك يوضح ا‪ٟ‬تق لنا مدة الصيام‬
‫ان الذي‬ ‫فيقول ‪َ { :‬شهْ ُر َر َم َض َ‬
‫اس‬‫أُن ْ ِز َل فِي ِه القرآن ُه ًدى ل ِ ّلنَّ ِ‬
‫ات ِّم َن ا‪٢‬تدى والفرقان ‪. . .‬‬ ‫وب َ ِؼّن َ ٍ‬
‫َ‬
‫}‬

‫ان ال َّ ِذي أُن ْ ِز َل فِي ِه‬


‫َش ْه ُر َر َم َض َ‬
‫ات ِم َن‬ ‫اس وب َ ِؼّن َ ٍ‬ ‫ِ‬
‫آن ُه ًدى للنَّ ِ َ‬ ‫ال ْ ُق ْر ُ‬
‫ان فَ َم ْن َش ِه َد ِمن ْ ُك ُم‬‫ا ْ‪٢‬ت ُ َدى َوال ْ ُف ْرقَ ِ‬
‫يضا أ َ ْو‬
‫ان َم ِر ً‬ ‫ال َّشهْ َر فَلْي َ ُص ْم ُه َو َم ْن ك َ َ‬
‫ِ‬
‫عََلَ َس َف ٍر فَعِ َّدةٌ م ْن أَيَّا ٍم أُ َخ َر يُ ِر ُ‬
‫يد‬
‫يد بِ ُك ُم‬ ‫اّلل بِ ُك ُم ال ْ ُؼ ْس َر َو َال يُ ِر ُ‬
‫َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال ْ ُع ْس َر َول ُت ْكملُوا الْعِ َّدةَ َول ُت َك ِ ُّ‬
‫ُبوا‬
‫اّللَ عََلَ َما َه َدا ُك ْم َولَعَل َّ ُك ْم‬ ‫َّ‬
‫ون (‪)185‬‬ ‫تَ ْش ُك ُر َ‬
‫إذن ‪ ،‬فمدة الصيام هي شهر‬
‫رمضان ‪ ،‬وألنه سبحانه العليم‬
‫بالضرورات اليت تطرأ عَل هذا‬
‫التكليف فهو يشرع ‪٢‬تذه‬
‫الضرورات ‪ ،‬وتشريع اهلل لرخص‬
‫الضرورة إعبلم لنا بأنه ال يصح‬
‫مطلقا ًألي إنسان أن ٮترج عن‬
‫إطار الضرورة اليت شرعها اهلل ‪،‬‬
‫فبعض من الذين يتفلسفون من‬
‫السطحيُت ٭تبون أن يزينوا‬
‫ألنفسهم الضرورات اليت تؽيح‬
‫‪٢‬تم ا‪٠‬تروج عن شرع اهلل ‪ ،‬ويقول‬
‫الواحد منهم ‪ { :‬ال يكلف اهلل نفسا ً‬
‫إال وسعها } ػ البقرة ‪] 286 :‬‬
‫ونقول ‪ :‬إنك تفهم وٖتدد ال ُوس َع‬
‫عَل قدر عقلك ثم تقؼس التكليف‬
‫عليه ‪ ،‬برغم أن الذي خلقك هو‬
‫الذي يُكلف ويعلم أنك تَ َس ُع‬
‫التكليف ‪ ،‬وهو سبحانه ال يكلف إال‬
‫ٔتا يف وسعك؛ بدليل أن ا‪١‬تشرع‬
‫سبحانه يعطي الرخصة عندما‬
‫يكون التكليف لؼس يف الوسع ‪ .‬ولنر‬
‫ر‪ٛ‬تة ا‪ٟ‬تق وهو يقول ‪َ { :‬و َمن ك َ َ‬
‫ان‬
‫َم ِريضا ًأ َ ْو عَل َس َف ٍر فَعِ َّدةٌ ِّم ْن أَيَّا ٍم‬
‫أُ َخ َر } ‪ ،‬وكلمة { َم ِريضا ً} كلمة‬
‫عامة ‪ ،‬وأنت فيها حجة عَل نفسك‬
‫وبأمر طؽيب مسلم حاذق يقول‬
‫لك ‪ « :‬إن صمت فأنت تتعب »‬
‫وا‪١‬ترض مشقته مزمنة يف بعض‬
‫األحيان ‪ ،‬ولذلك تلزم الفدية‬
‫بإطعام مسكُت ‪.‬‬
‫وكذلك يرخص اهلل لك عندما‬
‫تكون { عَل َس َف ٍر } ‪ .‬وكلمة {‬
‫َس َف ٍر } هذه مأخوذة من ا‪١‬تادة اليت‬
‫تفيد الظهور واالنكشاف ‪ ،‬ومثل‬
‫ذلك قولنا ‪ « :‬أسفر الصبح » ‪.‬‬
‫وكلمة « سفر » تفيد االنتقال من‬
‫مكان تقيم فيه إىل مكان جديد ‪،‬‬
‫وكأنك كلما مشيت خطوة‬
‫تنكشف لك أشياء جديدة ‪،‬‬
‫وا‪١‬تكان الذي تنتقل إليه هو جديد‬
‫بالنسبة لك ‪ ،‬حىت ولو كنت قد‬
‫اعتدت أن تسافر إليه؛ ألنه يصَت‬
‫يف كل مرة جديدا ً‪١‬تا ينشأ عنه من‬
‫ظروف عدم استقرار يف الزمن ‪،‬‬
‫صحيح أن شؼئا ًمن ا‪١‬تباين‬
‫والشوارع لم يتغَت ‪ ،‬ولكن الذي‬
‫يتغَت هو الظروف اليت تقابلها ‪،‬‬
‫صحيح أن ظروف السفر يف زماننا‬
‫قد اختلفت عن السفر من قديم‬
‫الزمان ‪.‬‬
‫إن ا‪١‬تشقة يف االنتقال قدٯتا ًكانت‬
‫عالية ‪ ،‬ولكن لنقارن سفر األمس‬
‫مع سفر اليوم من ناحية اإلقامة ‪.‬‬
‫وستجد أن سفر اآلن بإقامة اآلن‬
‫فيه مشقة ‪ ،‬ومن العجب أن الذين‬
‫يناقشون هذه الرخصة يناقشوهنا‬
‫ليمنعوا الرخصة ‪ ،‬ونقول ‪٢‬تم ‪:‬‬
‫اعلموا أن تشريع اهلل للرخص‬
‫ينقلها إىل حكم شرعي مطلوب؛‬
‫ويف ذلك يروي لنا جابر بن عبد اهلل‬
‫رضي اهلل عنه قال ‪ « :‬كان رسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم يف سفر‬
‫فرأى زحاما ًورجبل ًقد ظلّل عليه‬
‫فقال ‪ » :‬ما هذا « فقالوا » ‪ :‬صائم‬
‫فقال ‪ « :‬لؼس من الُب الصوم يف‬
‫السفر » « ‪.‬‬
‫وعندما تقرأ النص القرآين ٕتده‬
‫ان َم ِريضا ًأ َ ْو عَل‬
‫يقول ‪َ { :‬و َمن ك َ َ‬
‫َس َف ٍر فَعِ َّدةٌ ِّم ْن أَيَّا ٍم أُ َخ َر } أي أن‬
‫‪٣‬ترد وجود يف السفر يقتضي الفطر‬
‫والقضاء يف أيام أخر ‪ ،‬ومعٌت ذلك‬
‫أن اهلل ال يقبل منك الصيام ‪،‬‬
‫صحيح أنه سبحانه لم يقل لك ‪» :‬‬
‫افطر « ولكن ‪٣‬ترد أن تكون‬
‫مريضا ًمرضا ًمؤقتا أو مسافرا ً‬
‫فعليك الصوم يف عدة أيام أخر‬
‫وأنت لن تشرع لنفسك ‪.‬‬

‫ولنا يف رسول اهلل أسوة حسنة فقد‬


‫هنى عن صوم يوم عيد الفطر ‪ ،‬ألن‬
‫عيد الفطر ُ‪ٝ‬تي كذلك ‪ ،‬ألنه ٭تقق‬
‫بهجة ا‪١‬تشاركة بنهاية الصوم‬
‫واجؾياز االخؾبار ‪ ،‬فبل يصح فيه‬
‫الصوم ‪ ،‬والصوم يف أول أيام العيد‬
‫إثم ‪ ،‬لكن الصوم يف ثاين أيام العيد‬
‫جائز ‪ٟ ،‬تديث عن أّب هريرة رضي‬
‫اهلل عنه « أن رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم هنى عن صيام يومُت ‪:‬‬
‫يوم الفطر ويوم األضٌق » ‪.‬‬
‫وقد يقول قائل ‪ :‬ولكن الصيام يف‬
‫رمضان ٮتتلف عن الصوم يف أيام‬
‫أخر؛ ألن رمضان هو الشهر الذي‬
‫أنزل فيه القرآن ‪ .‬وأقول ‪ :‬إن‬
‫الصوم هو الذي يتشرف ٔتجؼئه يف‬
‫شهر القرآن ‪ ،‬ثم إن الذي أنزل‬
‫القرآن وفرض الصوم يف رمضان‬
‫هو سبحانه الذي وهب الًتخيص‬
‫بالفطر للمريض أو ا‪١‬تسافر ونقله‬
‫إىل أيام أخر يف غَت رمضان ‪،‬‬
‫وسبحانه ال يعجز عن أن يهب‬
‫األيام األخر نفسها التجليات‬
‫الصفائية اليت يهبها للعبد الصائم‬
‫يف رمضان ‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه حُت شرع الصوم‬
‫يف رمضان إ‪٪‬تا أراد أن يشيع الزمن‬
‫الضيق زمن رمضان يف الزمن‬
‫ا‪١‬تؾسع وهو مدار العام ‪ .‬و‪٨‬تن‬
‫نصوم رمضان يف الصيف ونصومه‬
‫يف الشتاء ويف ا‪٠‬تريف والربيع ‪ ،‬إذن‬
‫فرمضان ٯتر عَل كل العام ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وعََلَ الذين‬
‫ام ِم ْس ِك ٍ‬
‫ُت }‬ ‫ع‬‫ط‬‫َ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫د‬‫ْ‬ ‫يُ ِطي ُقونَه فِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫والطوق هو القدرة فيطيقونه أي‬
‫يدخل يف قدرْتم ويف قو‪٢‬تم ‪،‬‬
‫والفدية هي إطعام مسكُت ‪.‬‬
‫ويؾساءل اإلنسان ‪ :‬كيف يطيق‬
‫اإلنسان الصوم ثم يؤذن له بالفطر‬
‫مقابل فدية هي إطعام مسكُت؟‬
‫وأقول ‪ :‬إن هذه اآلية دلت عَل أن‬
‫فريضة الصوم قد جاءت بتدرج ‪،‬‬
‫كما تدرج ا‪ٟ‬تق يف قضية ا‪١‬تَتاث ‪،‬‬
‫فجعل األمر بالوصية ‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫نقلها إىل الثابت بالتوريث؛ كذلك‬
‫أراد اهلل أن ُٮترج أمة ‪٤‬تمد صَل اهلل‬
‫عليه وسلم من دائرة أهنم ال‬
‫يصومون إىل أن يصوموا صياما ً‬
‫كوا ال يصومون‬ ‫ُٮت َّت ُهم فيه ألهنم ان‬
‫ثم جاء األمر بعد ذلك بصيام ال‬
‫خيار فيه ‪ ،‬فكأن الصوم قد فرض‬
‫أوال باخؾيار ‪ ،‬وبعد أن اعتاد‬
‫ا‪١‬تسلمون وألفوا الصوم جاء القول‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَ َمن َش ِه َد ِمن ُك ُم ال َّشهْ َر‬
‫فَلْي َ ُص ْم ُه } ويف هذه اآلية لم يذكر‬
‫ا‪ٟ‬تق الفدية أو غَتها ‪ .‬إذن كانت‬
‫فريضة الصوم القرار االرتقائي ‪،‬‬
‫فصار الصوم فريضة ‪٤‬تددة ا‪١‬تدة‬
‫وهي شهر رمضان { َشهْ ُر َر َم َض َ‬
‫ان‬
‫الذي أُن ْ ِز َل فِي ِه القرآن ُه ًدى‬
‫ات ِّم َن ا‪٢‬تدى والفرقان‬ ‫اس وب َ ِؼّن َ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ل ّلنَّ ِ َ‬
‫فَ َمن َش ِه َد ِمن ُك ُم ال َّشهْ َر فَلْي َ ُص ْم ُه }‬
‫وبذلك انتهت مسألة الفدية‬
‫بالنسبة ِ‪١‬ت َ ْن يطيق الصوم ‪ ،‬أما‬
‫الذي ال يطيق أصبل ًبأن يكون‬
‫مريضا ًأو شيخا ً‪ ،‬فإن قال األطباء‬
‫ا‪١‬تسلمون ‪ :‬إن هذا مرض « ال‬
‫يُرىج شفاؤه » نقول له ‪ :‬أنت لن‬
‫تصوم أياما أخر وعليك أن تفدي ‪.‬‬

‫لقد جاء تشريع الصوم تدر‪٬‬تيا ً‬


‫ككثَت من التشريعات اليت تتعلق‬
‫بنقل ا‪١‬تكلفُت من إلف العادات ‪،‬‬
‫مثوا‪١‬تؼسر وا‪١‬تَتاث ‪،‬‬
‫كا‪٠‬تمر ال ً‬
‫وهذه أمور أراد اهلل أن يتدرج فيها‬
‫‪ .‬ويقول قائل ‪ :‬مادام فرض‬
‫الصيام كان اخؾياريا ًفلماذا قال‬
‫ا‪ٟ‬تق بعد ا‪ٟ‬تديث عن الفدية {‬
‫فَ َمن تَ َط َّوعَ َخ َْتا ًفَ ُه َو َخ َْتٌ ل َّ ُه } ؟‬
‫وأقول ‪ :‬عندما كان الصوم‬
‫اخؾياريا ًكان البد أيضا من فتح‬
‫فم ْن‬
‫باب ا‪٠‬تَت واالجتهاد فيه ‪َ ،‬‬
‫صام وأطعم مسكؼنا ًفهذا أمر‬
‫مقبول منه ‪ ،‬ومن صام وأطعم‬
‫مسكينُت ‪ ،‬فذاك أمر أكثر قبوال ‪.‬‬
‫و َم ْن يدخل مع اهلل من غَت حساب‬
‫يؤتيه اهلل من غَت حساب ‪ ،‬ومن‬
‫يدخل عَل اهلل ْتساب ‪ ،‬يعطيه‬
‫ا‪ٟ‬تق ْتساب ‪ ،‬وقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وأَن‬
‫تَ ُصو ُموا ْ َخ َْتٌ ل َّ ُك ْم } ه و خطوة يف‬
‫الطريق لتأكيد فرضية الصيام ‪،‬‬
‫وقد تأكد ذلك الفرض بقوله ا‪ٟ‬تق‬
‫‪ { :‬فَ َمن َش ِه َد ِمن ُك ُم ال َّشهْ َر‬
‫فَلْي َ ُص ْم ُه } ولم يأت يف هذه اآلية‬
‫بقوله ‪َ { :‬وأَن تَ ُصو ُموا ْ َخ َْتٌ ل َّ ُك ْم }‬
‫ألن ا‪١‬تسألة قد انتقلت من‬
‫االخؾيار إىل الفرض ‪.‬‬
‫إذن فالصيام هو منهج لًتبية‬
‫اإلنسان ‪ ،‬وكان موجودا ًقبل أن‬
‫يبعث ا‪ٟ‬تق سيدنا رسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وعندما جاء‬
‫الرسول صَل اهلل عليه وسلم دخل‬
‫الصوم عَل ا‪١‬تسلمُت اخؾياريا ًيف‬
‫البداية ‪ ،‬ثم فريضة من بعد ذلك ‪.‬‬
‫وقد شرع اهلل الصوم يف اإلسبلم‬
‫بداية بأيام معدودة ثم شرح لنا‬
‫األيام ا‪١‬تعدودة بشهر رمضان ‪.‬‬
‫والذي يطمئن إليه خاطري أن اهلل‬
‫بدأ مشروعية الصوم باأليام‬
‫ا‪١‬تعدودة ‪ ،‬ثبلثة أيام من كل شهر‬
‫وهو اليوم العاشر والعشرون ‪،‬‬
‫والثبلثون من أيام الشهر ‪ ،‬وكانت‬
‫تلك هي األيام ا‪١‬تعدودة اليت شرع‬
‫اهلل فيها أن نصوم؛ وكان اإلنسان‬
‫‪٥‬تَتا ًيف تلك األيام ا‪١‬تعدودة ‪ :‬إن‬
‫كان مطيقا للصوم أن يصوم أو أن‬
‫يفتدي ‪ ،‬أما حُت شرع اهلل الصوم‬
‫يف رمضان فقد أصبح الصوم‬
‫فريضة تعبدية وركنا ًمن أركان‬
‫اإلسبلم ‪ ،‬وبعد ذلك جاءنا‬
‫االستؿناء للمريض وا‪١‬تسافر ‪.‬‬
‫إذن لنا أن نلحظ أن الصوم يف‬
‫اإلسبلم كان عَل مرحلتُت ‪:‬‬
‫ا‪١‬ترحلة األوىل ‪ :‬أن اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل شرع صيام أيام معدودة ‪،‬‬
‫وقد شرحنا أحكامها ‪ ،‬وا‪١‬ترحلة‬
‫الثانية هي تشريع الصوم يف زمن‬
‫‪٤‬تدود ‪ . .‬شهر رمضان ‪ ،‬والعلماء‬
‫الذين ذهبوا إىل جواز رفض إفطار‬
‫ا‪١‬تريض وإفطار ا‪١‬تسافر ألهنم لم‬
‫يرغبوا أن يردوا حكمة اهلل يف‬
‫التشريع ‪ ،‬أقول ‪٢‬تم ‪ :‬إن ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل حُت يرخص البد‬
‫أن تكون له حكمة أعَل من‬
‫مستوى تفكَتنا ‪ ،‬وأن الذي يؤكد‬
‫هذا أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قال ‪{ :‬‬
‫ان َم ِريضا ًأ َ ْو عَل َس َف ٍر فَعِ َّدةٌ‬‫َو َمن ك َ َ‬
‫ِّم ْن أَيَّا ٍم أُ َخ َر } ‪.‬‬
‫ا‪ٟ‬تكم هنا هو الصوم عدة أيام أخر‬
‫‪ ،‬ولم يقل فمن أفطر فعليه عدة‬
‫من أيام أخر ‪ ،‬أي أن صوم ا‪١‬تريض‬
‫وا‪١‬تسافر قد انتقل إىل وقت‬
‫اإلقامة بعد السفر ‪ ،‬والشفاء من‬
‫ا‪١‬ترض ‪ ،‬فالذين قالوا من العلماء ‪:‬‬
‫هي رخصة ‪ ،‬إن شاء اإلنسان فعلها‬
‫وإن شاء تركها ‪ ،‬البد أن يقدر يف‬
‫ان َم ِريضا ًأ َ ْو‬ ‫النص القرآين { َو َمن ك َ َ‬
‫عَل َس َف ٍر } ‪ ،‬فأفطر ‪ { ،‬فَعِ َّدةٌ ِّم ْن‬
‫أَيَّا ٍم أُ َخ َر } ‪.‬‬

‫ونقول ‪ :‬ما ال ٭تتاج إىل تأويل يف‬


‫النص أوىل يف الفهم ‪٦‬تا ٭تتاج إىل‬
‫تأويل ‪ ،‬وليكن أدبنا يف التعبَت لؼس‬
‫أدب ذوق ‪ ،‬بل أدب طاعة؛ ألن‬
‫الطاعة فوق األدب ‪.‬‬
‫إذن فالذين يقولون هذا ال‬
‫يلحظون أن اهلل يريد أن ٮتفف عنا‬
‫‪ ،‬ثم ما الذي ٯتنعنا أن نفهم أن‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أراد للمريض‬
‫وللمسافر رخصة واضحة ‪ ،‬فجعل‬
‫صيام أي منهما يف عدة من األيام‬
‫األخر ‪ .‬فإن صام يف رمضان وهو‬
‫مريض أو عَل سفر فلؼس له صيام ‪،‬‬
‫أي أن صيامه ال يعتد به وال يقبل‬
‫منه ‪ ،‬وهذا ما أرتاح إليه ‪ ،‬ولكن‬
‫علؼنا أن ندخل يف اعؾبارنا أن‬
‫ا‪١‬تراد من ا‪١‬ترض ر‬
‫والسفهنا ‪ ،‬هو‬
‫ما ٮترج ‪٣‬تموع ملكات اإلنسان‬
‫عن سويّتها ‪.‬‬
‫وما معٌت كلمة « شهر » اليت جاءت‬
‫يف قوله ‪ { :‬فَ َمن َش ِه َد ِمن ُك ُم ال َّشهْ َر‬
‫فَلْي َ ُص ْم ُه } ؟ ‪ .‬إن كلمة « شهر »‬
‫مأخوذة من اإلعبلم واإلظهار ‪ ،‬وما‬
‫زلنا نستخدمها يف الصفقات فنقول‬
‫مثبل ‪ :‬لقد سجلنا الؽيع يف « الشهر‬
‫العقاري » أي ‪٨‬تن نعلم الشهر‬
‫العقاري بوجود صفقة ‪ ،‬حىت ال يأيت‬
‫بعد ذلك وجود صفقة عَل صفقة ‪،‬‬
‫فكلمة « شهر » معناها اإلعبلم‬
‫و‪ٝ‬تيت الفًتة الزمنية‬ ‫واإلظهار ‪ُ ،‬‬
‫« شهرا ً» ‪١‬تاذا؟ ألن ‪٢‬تا عبلمة‬
‫ُتظهرها ‪ ،‬و‪٨‬تن نعرف أننا ال‬
‫نستطيع أن نعرف الشهر عن‬
‫طريق الشمس؛ فالشمس هي‬
‫‪ٝ‬تة ‪١‬تعرفة ٖتديد اليوم ‪ ،‬فاليوم‬
‫من مشرق الشمس إىل مشرق آخر‬
‫وله ليل وهنار ‪.‬‬
‫ولكن الشمس لؼست فيها عبلمة‬
‫‪٦‬تيزة سطحية ظاهرة واضحة ٖتدد‬
‫لنا بدء الشهر ‪ ،‬إ‪٪‬تا القمر هو الذي‬
‫٭تدد تلك السمة والعبلمة با‪٢‬تبلل‬
‫الذي يأيت يف أول الشهر ‪ ،‬ويظهر‬
‫هكذا كالعرجون القديم ‪،‬إذن‬
‫فا‪٢‬تبلل جاء لتمؼيز الشهر ‪،‬‬
‫والشمس لتمؼيز النهار ‪ ،‬و‪٨‬تن‬
‫‪٨‬تتاج ‪٢‬تما معا يف ٖتديد الزمن ‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يربط‬
‫األعمال العبادية بآيات كونية‬
‫ظاهرة اليت هي ا‪٢‬تبلل ‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫نأخذ من الشمس اليوم فقط؛ ألن‬
‫ا‪٢‬تبلل ال يعطيك اليوم ‪ ،‬فكأن‬
‫شكخاص بعدما‬ ‫ظهور ا‪٢‬تبلل عَل ل‬
‫يأيت ا‪١‬تحاق وينتهي ‪ ،‬فميبلد ا‪٢‬تبلل‬
‫بداية إعبلم وإعبلن وإظهار أن‬
‫الشهر قد بدأ ‪ ،‬ولذلك تبدأ‬
‫العبادات منذ الليلة األوىل يف‬
‫رمضان؛ ألن العبلمة ا‪٢‬تبلل‬
‫مرتبطة بالليل ‪ ،‬فنحن نستطلع‬
‫ا‪٢‬تبلل يف ا‪١‬تغرب ‪ ،‬فإن رأيناه نقل‬
‫شهر رمضان بدأ ‪ .‬ولم ٗتتلف هذه‬
‫ا‪١‬تسألألن النهار ال يسبق الليل ‪،‬‬
‫ة‬
‫إال يف عبادة واحدة وهي الوقوف‬
‫بعرفة ‪ ،‬فالليل الذي ‪٬‬تئ بعدها هو‬
‫ا‪١‬تلحق بيوم عرفة ‪.‬‬
‫ان } مأخوذة من‬ ‫وكلمة { َر َم َض َ‬
‫مادة ( الراء وا‪١‬تيم والضاد ) ‪ ،‬وكلها‬
‫تدل عَل ا‪ٟ‬ترارة وتدل عَل القيظ «‬
‫ورمض اإلنسان » أي حر جوفه‬
‫من شدة العطش ‪ ،‬و « الرمضاء »‬
‫أي الرمل ا‪ٟ‬تار ‪ ،‬وعندما يقال ‪« :‬‬
‫رمضت ا‪١‬تاشية » أي أن ا‪ٟ‬تر‬
‫أصاب خفها فلم تعد تقوى أن تضع‬
‫رجلها عَل األرض ‪ ،‬إذن فرمضان‬
‫مأخوذ من ا‪ٟ‬تر ومن القيظ ‪ ،‬وكأن‬
‫الناس حؼنما أرادوا أن يضعوا‬
‫أ‪ٝ‬تاء للشهور جاءت الؾسمية‬
‫لرمضان يف وقت كان حارا ً‪،‬‬
‫فسموه رمضان كما أهنم ساعة‬
‫‪ٝ‬توا مثبل « ربيعا ًاألول وربيعا ً‬
‫اآلخر » أن الزمن متفقا ًمع وجود‬
‫الربيع ‪ ،‬وعندما ‪ٝ‬توا ‪ٚ‬تادى األوىل‬
‫و‪ٚ‬تادى اآلخرة « كان ا‪١‬تاء ‪٬‬تمد‬
‫يف هذه األيام ‪.‬‬

‫فكأهنم الحظوا األوصاف يف‬


‫الشهور ساعة الؾسمية ‪ ،‬ثم دار‬
‫الزمن العرّب ا‪٠‬تاص ا‪١‬تحدد‬
‫المن العام‬
‫بالشهور القمرية يف ز‬
‫للشمس ‪ .‬فجاء رمضان يف صيف ‪،‬‬
‫وجاء يف خريف ‪ ،‬لكن ساعة‬
‫الؾسمية كان الوقت حارا ً‪.‬‬
‫وهب أن إنسانا جاءه ولد ‪ٚ‬تيل‬
‫الشكل ‪ ،‬فسماه « ‪ٚ‬تيبل ً» ‪ .‬وبعد‬
‫ذلك مرض والعياذ باهلل ٔترض‬
‫ا‪ٞ‬تدري فشوه وجهه ‪ ،‬فيكون‬
‫االسم قد لوحظ ساعة الؾسمية ‪،‬‬
‫وإن طرأ عليه فيما بعد ذلك ما‬
‫يناقض هذه الؾسمية ‪ ،‬وكأن ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل حؼنما هيأ للعقول‬
‫البشرية الواضعة لؤللفاظ أن‬
‫يضعوا ‪٢‬تذا الشهر ذلك االسم ‪ ،‬دل‬
‫عَل ا‪١‬تشقة اليت تعًتي الصائم يف‬
‫شهر رمضان ‪ ،‬وبعد ذلك يعطي له‬
‫سبحانه مزنلة تؤكد ‪١‬تاذا ُ‪ٝ‬تي ‪ ،‬إنه‬
‫الشهر الذي أُنزل فيه القرآن ‪،‬‬
‫والقرآن إ‪٪‬تا جاء منهج هداية‬
‫للقيم ‪ ،‬والصوم امؾناع عن‬
‫االقؾيات ‪ ،‬فمزنلة الشهر الكريم‬
‫أنه يرّب البدن ويرّب النفس ‪،‬‬
‫فناسب أن يوجد التشريع يف تربية‬
‫البدن وتربية القيم مع الزمن الذي‬
‫جاء فيه القرآن بالقيم ‪َ { ،‬شهْ ُر‬
‫ان الذي أُن ْ ِز َل فِي ِه القرآن } ‪.‬‬
‫َر َم َض َ‬
‫وإذا ‪ٝ‬تعت { أُن ْ ِز َل فِي ِه القرآن }‬
‫فافهم أن هناك كلمات « أنزل »‬
‫و « ن َ ّزل » و « نزل » ‪ ،‬فإذا ‪ٝ‬تعت‬
‫كلمة « أنزل » ٕتدها منسوبة إىل‬
‫اهلل دائما ‪ { :‬إِن َّا أَن َزلْن َ ُاه ِيف لَيْل َ ِة‬
‫القدر } ػ القدر ‪] 1 :‬‬
‫أما يف كلمة « ن َ َز َل » فهو سبحانه‬
‫يقول ‪ { :‬ن َ َز َل بِ ِه الروح األمُت }‬
‫ػ الشعراء ‪] 193 :‬‬
‫زن ُل ا‪١‬تبلئكة } ػ‬ ‫وقال ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬تَ َ َّ‬
‫القدر ‪] 4 :‬‬
‫إذن فكلمة « أنزل » مقصورة عَل‬
‫اهلل ‪ ،‬إ‪٪‬تا كلمة « ن َ ّز َل » تأيت من‬
‫ا‪١‬تبلئكة ‪ ،‬و « ن َ َز َل » تأيت من‬
‫الروح األمُت الذي هو « جُبيل »‬
‫‪ ،‬فكأن كلمة « أنزل » بهمزة‬
‫التعدية ‪ ،‬عدت القرآن من وجوده‬
‫مسطورا ًيف اللوح ا‪١‬تحفوظ إىل أن‬
‫يُبز إىل الوجود اإلنساين لؼباشر‬
‫مهمته ‪.‬‬
‫وكلمة « ن َ َز َل » و « ن َ َّز َل »‬
‫نفهمهما أن ا‪ٟ‬تق أنزل القرآن من‬
‫اللوح ا‪١‬تحفوظ إىل السماء الدنيا‬
‫مناسبا ًلؤلحداث ومناسبا ًللظروف‬
‫‪ ،‬فكان اإلنزال يف رمضان جاء مرة‬
‫واحدة ‪ ،‬والناس الذين يهاجموننا‬
‫يقولون كيف تقولون ‪ :‬إن رمضان‬
‫أنزل فيه القرآن مع أنكم تشيعون‬
‫القرآن يف كل زمن ‪ ،‬فيزنل هنا‬
‫ويزنل هناك وقد نزل يف مدة‬
‫الرسالة ا‪١‬تحمدية؟‬
‫نقول ‪٢‬تم ‪٨ :‬تن لم نقل إنه « نزل‬
‫» ولكننا قلنا « أنزل » ‪ ،‬فأنزل ‪:‬‬
‫تعدي من العِلم األعَل إىل أن يباشر‬
‫مهمته يف الوجود ‪.‬‬

‫وحُت يباشر مهمته يف الوجود يزنل‬


‫منه « النَّ ْجم » يعٍت القسط القرآين‬
‫موافقا للحدث األرضي ليجيء‬
‫ا‪ٟ‬تكم وقت حاجتك ‪ ،‬فؼستقر يف‬
‫األرض ‪ ،‬إ‪٪‬تا لو جاءنا القرآن‬
‫مكتمبل ًمرة واحدة فقد ‪٬‬توز أن‬
‫يكون عندنا ا‪ٟ‬تكم وال نعرفه ‪،‬‬
‫لكن حؼنما ال ‪٬‬تيء ا‪ٟ‬تكم إال ساعة‬
‫‪٨‬تتاجه ‪ ،‬فهو يستقر يف نفوسنا ‪.‬‬
‫وأضرب هذا ا‪١‬تثل وهلل ا‪١‬تثل‬
‫األعَل أنت مثبل ًتريد أن ُٕتهز‬
‫صيدلية للطوارئ يف ا‪١‬تزنل ‪ ،‬وأنت‬
‫تضع فيها كل ما ٮتص الطوارئ اليت‬
‫تتخيلها ‪ ،‬ومن ا‪ٞ‬تائز أن يكون‬
‫عندك الدواء لكنك لست يف‬
‫حاجة له ‪ ،‬أما ساعة ٖتتاج الدواء‬
‫وتذهب لتصرف تذكرة الطؽيب‬
‫من الصيدلية ‪ ،‬عندئذ ال ٭تدث‬
‫لؽس وال اختبلط ‪ ،‬فكذلك حُت‬
‫يريد اهلل حكما ًمن األحكام ليعاًف‬
‫قضية من قضايا الوجود فهو ال‬
‫ينتظر حىت يزنل فيه حكم من ا‪١‬تؤل‬
‫األعَل من اللوح ا‪١‬تحفوظ ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬
‫ا‪ٟ‬تكم موجود يف السماء الدنيا ‪،‬‬
‫فيقول للمبلئكة ‪ :‬تزنلوا به ‪،‬‬
‫وجُبيل يزنل يف أي وقت شاء له‬
‫ا‪ٟ‬تق أن يزنل من أوقات البعثة‬
‫ا‪١‬تحمدية ‪ ،‬أو الوقت الذي أراد‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل أن يوجد فيه‬
‫ا‪ٟ‬تكم الذي يغطي قضية من‬
‫القضايا ‪.‬‬
‫إذن فحؼنما يوجد من يريد أن‬
‫يشككنا نقول له ‪ :‬ال ‪.‬‬
‫‪٨‬تن ‪٪‬تلك لغة عربية دقيقة ‪،‬‬
‫وعندنا فرق بُت « أنزل » و « ن َ َّزل‬
‫» و « نزل » ولذلك فكلمة « نزل‬
‫» تأيت للكتاب ‪ ،‬وتأيت للنازل‬
‫بالكتاب يقول تعاىل ‪ { :‬ن َ َز َل بِ ِه‬
‫الروح األمُت } ػ الشعراء ‪193 :‬‬
‫]‬
‫ويقول سبحانه ‪ { :‬وبا‪ٟ‬تق أَن ْ َزلْن َ ُاه‬
‫وبا‪ٟ‬تق ن َ َز َل } ػ اإلسراء ‪] 105 :‬‬
‫وكان بعض من ا‪١‬تشركُت قد‬
‫تساءلوا؛ ‪١‬تاذا لم يزنل القرآن‬
‫‪ٚ‬تلة واحدة؟ ‪ .‬وانظر إىل الدقة يف‬
‫ا‪٢‬تؼئة اليت أراد اهلل بها نزول‬
‫القرآن فقد قال ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وقَ َ‬
‫ال‬
‫الذين كَ َف ُروا ْل َ ْوال َن ُ ِّز َل عَلَي ْ ِه القرآن‬
‫ك ل ِ ُنؿَبِ ّ َت بِ ِه‬
‫‪ٚ‬تلَةً َوا ِح َدة ًكَ َذل ِ َ‬‫ُْ‬
‫ك َو َر َّتلْن َ ُاه تَ ْرتِيبل ً} ػ الفرقان‬ ‫ُف َؤادَ َ‬
‫‪] 32 :‬‬
‫وعندما نتأمل قول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬
‫ك } فهي تعٍت أنه سبحانه‬ ‫َك َذل ِ َ‬
‫أنزل القرآن عَل ا‪٢‬تؼئة اليت نزل‬
‫بها لزوما ًلتثؽيت فؤاد رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم وا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬ولو‬
‫نزل مرة واحدة لكان تكليفا ًواحدا ً‬
‫‪ ،‬وأحداث الدعوة شىت وكل ‪ٟ‬تظة‬
‫ٖتتاج إىل تثؽيت فحُت يأيت ا‪ٟ‬تدث‬
‫يزنل َ‪٧‬تْم قرآين فيعطي به اٌفق‬
‫تثبؼتا للنبي صَل اهلل عليه وسلم ‪،‬‬
‫وأضرب مثبل بسيطا وهلل ا‪١‬تثل‬
‫األعَل وا‪١‬تزنه عن كل تشؽيه أن ابنا ً‬
‫لك يريد ُحلة جديدة أٖتضرها له‬
‫مرة واحدة ‪ ،‬فتصادفه فرحة واحدة‬
‫‪ ،‬أم ٖتضر له يف يوم رابطة العنق‬
‫واليوم الذي يليه ٖتضر له‬
‫القميص ا‪ٞ‬تديد ‪ ،‬ثم ٖتضر له «‬
‫البدلة »؟ ‪ ،‬إذن فكل شيء يأيت له‬
‫وقع وفرحة ‪.‬‬

‫وا‪ٟ‬تق يزنل القرآن منجما ً‪١‬تاذا؟ {‬


‫ك } ومعٌت { ل ِ ُنؿَبِ ّ َت‬
‫ل ِ ُنؿَبِ ّ َت بِ ِه ُف َؤادَ َ‬
‫ك } أي أنك سؾتعرض‬ ‫بِ ِه ُف َؤادَ َ‬
‫‪١‬تنغصات شىت ‪ ،‬وهذه ا‪١‬تنغصات‬
‫الشىت كل منها ٭تتاج إىل تَ ْربِ ٍ‬
‫يت‬
‫عليك وْتدئة لك ‪ ،‬فيأيت القسط‬
‫القرآين ليفعل ذلك وينَت أمامك‬
‫ك ل ِ ُنؿَبِ ّ َت بِ ِه‬
‫الطريق ‪َ { .‬ك َذل ِ َ‬
‫ك َو َرتَّلْن َ ُاه تَ ْرتِيبل ً} أي لم‬ ‫ُف َؤادَ َ‬
‫نأت به مرة واحدة بل جعلناه‬
‫مرتبا ًعَل حسب ما يقتضيه من‬
‫أحداث ‪ .‬حىت يتم العمل بكل‬
‫قسط ‪ ،‬ويهضمه ا‪١‬تؤمن ثم نأيت‬
‫بقسط آخر ‪ .‬ولنلحظ دقة ا‪ٟ‬تق يف‬
‫ك‬‫قوله عن القرآن ‪َ { :‬وال َيَأ ْ ُتون َ َ‬
‫اك با‪ٟ‬تق َوأ َ ْح َس َن‬‫ِٔتَث َ ٍل إِال َّ ِجػْن َ َ‬
‫تَ ْف ِسَتا ً} ػ الفرقان ‪] 33 :‬‬
‫إن الكفار ‪٢‬تم اعًتاضات ‪،‬‬
‫و٭تتاجون إىل أمثلة ‪ ،‬فلو أنه نزل‬
‫ألهدر ْت هذه القضية‬
‫‪ٚ‬تلة واحدة َ‬
‫‪ ،‬وكذلك حُت يسأل ا‪١‬تؤمنون‬
‫يقول القرآن ‪ :‬يسئلونك عن كذا‬
‫وعن كذا ‪ ،‬ولو شاء اهلل أن يُزنل‬
‫القرآن دفعة واحدة ‪ ،‬فكيف كان‬
‫يغطي هذه ا‪١‬تسألة؟ فما داموا‬
‫سوف يسألون فلينتظر حىت يسألوا‬
‫ثم تأيت اإلجابة بعد ذلك ‪.‬‬
‫إذن فهذا هو معٌت « أنزل » أي أنه‬
‫أنزل من اللوح ا‪١‬تحفوظ ‪ ،‬لؼباشر‬
‫مهمته يف الوجود ‪ ،‬وبعد ذلك نزل‬
‫به جُبيل ‪ ،‬أو تتزنل به ا‪١‬تبلئكة‬
‫عَل حسب األحداث اليت جاء‬
‫القرآن ليغطيها ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أُن ْ ِز َل فِي ِه القرآن‬
‫اس } ‪ .‬ونعرف أن كلمة‬ ‫ُه ًدى ل ِ ّلنَّ ِ‬
‫{ ُه ًدى } معناها ‪ :‬الشيء ا‪١‬توصل‬
‫للغاية بأقصر طريق ‪ ،‬فحُت تضع‬
‫إشارات يف الطريق ا‪١‬تلتؽسة ‪،‬‬
‫فمعٌت ذلك أننا نريد للسالك أن‬
‫يصل إىل الطريق بأيسر جهد ‪ ،‬و «‬
‫هدى » تدل عَل عبلمات لنهتدي‬
‫بها يضعها ا‪٠‬تالق سبحانه ‪ ،‬ألنه لو‬
‫تركها للخلق ليضعوها الختلفت‬
‫األهواء ‪ ،‬وعَل فرض أننا سنسلم‬
‫بأهنم ال هوى ‪٢‬تم ويلتمسون ا‪ٟ‬تق‬
‫‪ ،‬وعقو‪٢‬تم ناضجة ‪ ،‬سنسلم بكل‬
‫ذلك ‪ ،‬ونًتكهم كي يضعوا ا‪١‬تعالم‬
‫‪ ،‬ونؾساءل ‪ :‬وماذا عن الذي يضع‬
‫تلك العبلمات ‪ ،‬ؤتاذا يهتدي؟ ‪.‬‬
‫إذن فبلبد أن يوجد له هدى من‬
‫قبل أن يكون له عقل يفكر به ‪،‬‬
‫كما أن الذي يضع هذا ا‪٢‬تدى البد‬
‫أال ينتفع به ‪ ،‬وعَل ذلك فاهلل‬
‫سبحانه أغٌت األغنياء عن ا‪٠‬تلق‬
‫ولن ينتفع بأي شيء من العباد ‪ ،‬أما‬
‫البشر فلو وضعوا « هدى »‬
‫فالواضع سينتفع به ‪ ،‬ورأينا ذلك‬
‫رأى العُت؛ فالذي يريد أن يأخذ‬
‫مال األغنياء ويغؾٍت ٮتًتع‬
‫ا‪١‬تذهب الشيوعي ‪ ،‬والذي يريد‬
‫أن ٯتتص عرق الغَت يضع مذهب‬
‫الرأ‪ٝ‬تالية ‪ ،‬ومذاهب نابعة من‬
‫ا‪٢‬توى ‪ ،‬وال ٯتكن أن يُُبأ أحد من‬
‫فبلسفة ا‪١‬تذاهب نفسه من ا‪٢‬توى ‪:‬‬
‫الرأ‪ٝ‬تايل يقنن فيميل ‪٢‬توى نفسه‬
‫‪ ،‬والشيوعي ٯتيل لنفسه ‪ ،‬و‪٨‬تن‬
‫نريد َمن يُشرع لنا دون أن ينتفع‬
‫ٔتا شرع ‪ ،‬وال يوجد من تتطابق معه‬
‫هذه ا‪١‬تواصفات إال ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل فهو الذي يشرع فقط ‪ ،‬وهو‬
‫الذي يشرع لفائدة ا‪٠‬تلق فقط ‪.‬‬
‫والذي يدلك عَل ذلك أنك ٕتد‬
‫تشريعات البشر تأيت لؾنقض‬
‫تشريعات أخرى ‪ ،‬ألن البشر عَل‬
‫فرض أهنم عا‪١‬تون فقد يغيب‬
‫عنهم أشياء كثَتة ‪ ،‬برغم أن الذي‬
‫يضع التشريع ٭تاول أن يضع أمامه‬
‫كل التصورات ا‪١‬تستقبلية ‪ ،‬ولذلك‬
‫‪٧‬تد التعديبلت ٕترى دائما عَل‬
‫التشريعات البشرية؛ ألن ا‪١‬تشرع‬
‫غاب عنه وقت التشريع حكم لم‬
‫يكن يف باله ‪ ،‬وأحداث ا‪ٟ‬تياة جاءت‬
‫فلفؾته إليه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬التشريع فيه‬
‫نقص ولم يعد مبلئما ً‪ ،‬ونعدله ‪.‬‬

‫إذن فنحن نريد يف من يضع ا‪٢‬تدى‬


‫وا‪١‬تنهج الذي يسَت عليه الناس‬
‫ّتانب عدم االنتفاع با‪١‬تنهج البد‬
‫أيضا أن يكون عا‪١‬تا بكل ا‪ٞ‬تزئيات‬
‫اليت قد يأيت بها ا‪١‬تستقبل ‪ ،‬وهذا ال‬
‫يتأىت إال يف إله عليم حكيم ‪،‬‬
‫ولذلك قال تعاىل ‪َ { :‬وال َتَؾَّبِ ُعوا ْ‬
‫السبل فَت َ َف َّر َق بِ ُك ْم َعن َسؽِيلِ ِه} ػ‬
‫األنعام ‪] 153 :‬‬
‫ستؾبعون السبل ‪ ،‬هذا له هوى ‪،‬‬
‫وهذا له هوى ‪ ،‬فتوجد القوانُت‬
‫الوضعية اليت تبددنا كلنا يف األرض‬
‫‪ ،‬ألننا نؾبع أهواءنا اليت تتغَت وال‬
‫نؾبع منهج من لؼس له نفع يف هذه‬
‫ا‪١‬تسألة ‪ ،‬ولذلك أقول ‪ :‬افطنوا‬
‫جيدا ًإىل أن ا‪٢‬تدى ا‪ٟ‬تق الذي ال‬
‫أعًتض عليه هو هدى اهلل ‪{ ،‬‬
‫ات ِّم َن ا‪٢‬تدى‬ ‫اس وب َ ِؼّن َ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُه ًدى ل ّلنَّ ِ َ‬
‫والفرقان } ‪ .‬والقرآن يف ‪ٚ‬تلته «‬
‫هدى » والفرقان هو أن يضع فارقا ً‬
‫يف أمور يلتؽس فيها ا‪ٟ‬تق بالباطل ‪،‬‬
‫فيأيت التزنيل ا‪ٟ‬تكيم ليفرق بُت‬
‫ا‪ٟ‬تق والباطل ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَ َمن َش ِه َد ِمن ُك ُم‬
‫ان َم ِريضا ًأ َ ْو‬
‫ال َّشهْ َر فَلْي َ ُص ْم ُه َو َمن ك َ َ‬
‫عَل َس َف ٍر فَعِ َّدةٌ ِّم ْن أَيَّا ٍم أُ َخ َر } ‪،‬‬
‫وحُت ٕتد تعقؼبا ًعَل قضية فافهم‬
‫أن من شهد منكم الشهر فليصمه‬
‫والبد أن تقدر من شهد الشهر‬
‫فليصمه إن كان غَت مريض ‪ ،‬وإن‬
‫كان غَت مسافر ‪ ،‬البد من هذا‬
‫مادام ا‪ٟ‬تق قد جاء با‪ٟ‬تكم ‪.‬‬
‫و « شهد » هذه تنقسم قسمُت ‪:‬‬
‫{ فَ َمن َش ِه َد } أي من حضر‬
‫الشهر وأدركه وهو غَت مريض‬
‫وغَت مسافر أي مقيم ‪َ { ،‬و َمن ك َ َ‬
‫ان‬
‫َم ِريضا ًأ َ ْو عَل َس َف ٍر فَعِ َّدةٌ ِّم ْن أَيَّا ٍم‬
‫يد اهلل بِ ُك ُم الؼسر َوال َيُ ِر ُ‬
‫يد‬ ‫أُ َخ َر يُ ِر ُ‬
‫بِ ُك ُم العسر } ‪ .‬ونريد أن نفهم‬
‫النص بعقلية من يستقبل الكبلم‬
‫من إله حكيم ‪ ،‬إن قول اهلل ‪{ :‬‬
‫يد اهلل بِ ُك ُم الؼسر َوال َيُ ِر ُ‬
‫يد‬ ‫يُ ِر ُ‬
‫بِ ُك ُم العسر} ‪.‬‬
‫تعقيب عَل ماذا؟ تعقيب عَل أنه‬
‫أعىف ا‪١‬تريض وأعىف ا‪١‬تسافر من‬
‫الصيام ‪ ،‬فكأن اهلل يريد بكم‬
‫الؼسر ‪ ،‬فكأنك لو خالفت ذلك‬
‫ألردت اهلل معسرا ًال مؼسرا ًواهلل ال‬
‫ٯتكن أن يكون كذلك ‪ ،‬بل أنت‬
‫الذي تكون معسرا ًعَل نفسك ‪،‬‬
‫فإن كان الصوم له قداسة عندك ‪،‬‬
‫وال تريد أن تكون أسوة فبل تفطر‬
‫أمام الناس ‪ ،‬والتزم بقول اهلل‪{ :‬‬
‫فَعِ َّدةٌ ِّم ْن أَيَّا ٍم أُ َخ َر } ألنك لو‬
‫جنحت إىل ذلك ‪ٞ‬تعلت ا‪ٟ‬تكم يف‬
‫نطاق التعسَت ‪ ،‬فنقول لك ‪ :‬ال ‪ ،‬إن‬
‫اهلل يريد بك الؼسر ‪ ،‬فهل أنت مع‬
‫العبادة أم أنت مع ا‪١‬تعبود؟ أنت مع‬
‫ا‪١‬تعبود بطؽيعة اإلٯتان ‪.‬‬
‫ومثال آخر ‪٧‬تده يف حياتنا ‪ :‬هناك‬
‫من يأيت ليؤذن ثم بعد األذان ‪٬‬تهر‬
‫بقول ‪ « :‬الصبلة والسبلم عليك يا‬
‫سيدي يا رسول اهلل » يقول ‪ :‬إن‬
‫هذا حب لرسول اهلل ‪ ،‬لكن هل‬
‫أنت ٖتب الرسول إال ٔتا شرع؟ إنه‬
‫قد قال ‪:‬‬
‫« إذا ‪ٝ‬تعت النداء فقولوا مثلما‬
‫يقول ا‪١‬تؤذن ثم صلوا علي » فقد‬
‫‪ٝ‬تح الرسول صَل اهلل عليه وسلم‬
‫‪١‬تن يؤذن و‪١‬تن يسمع أن يصلي‬
‫عليه يف السر ‪ ،‬ال أن يأيت بصوت‬
‫األذان األصيل وبلهجة األذان‬
‫األصيلة ونصلي عَل النبي ‪ ،‬ألن‬
‫الناس قد ٮتتلط عليها ‪ ،‬وقد يفهم‬
‫بعضهم أن ذلك من أصول األذان ‪.‬‬
‫إنٍت أقول ‪١‬تن يفعل ذلك ‪ :‬يا أخي ‪،‬‬
‫أال توجد صبلة مقبولة عَل النبي إال‬
‫ا‪١‬تجهور بها؟ ال إن لك أن تصلي‬
‫عَل النبي ‪ ،‬لكن يف سرك ‪ .‬وكذلك‬
‫إن جاء من يفطر يف رمضان ألنه‬
‫مريض أو عَل سفر ‪ ،‬نقول له ‪:‬‬
‫اسؾًت ‪ ،‬حىت ال تكون أسوة سؼئة؛‬
‫ألن الناس ال تعرف أنك مريض أو‬
‫عَل سفر ‪ ،‬اسؾًت كي ال يقول الناس‬
‫‪ :‬إن مسلما ًأفطر ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬
‫َول ِ ُت ْك ِملُوا ْالعدة } فمعناها كي ال‬
‫تفوتكم أيام من الصيام ‪.‬‬
‫انظروا إىل دقة األداء القرآين يف‬
‫ُبوا ْاهلل عَل َما‬ ‫ِ‬
‫قوله ‪َ { :‬ول ُت َك ِ ُّ‬
‫ون } ‪ .‬إن‬‫َه َدا ُك ْم َولَعَل َّ ُك ْم تَ ْش ُك ُر َ‬
‫العبادة اليت نفهم أن فيها مشقة هي‬
‫الصيام وبعد ذلك تكُبون اهلل؛‬
‫ألن ا‪ٟ‬تق سبحانه عالم أن عبده‬
‫حُت ينصاع ‪ٟ‬تكم أراده اهلل وفيه‬
‫مشقه عليه مثل الصوم ويتحمله ‪،‬‬
‫وعندما يشعر بأنه قد انتىه منه إنه‬
‫سبحانه عالم بأن العبد سيجد يف‬
‫نفسه إشراقا ًيستحق أن يشكر‬
‫اهلل الذي كلفه بالصوم ووفقه إىل‬
‫ِ‬
‫أدائه؛ ألن معٌت { َول ُت َك ِ ُّ‬
‫ُبوا ْاهلل }‬
‫يعٍت أن تقول ‪ « :‬اهلل أكُب » وأن‬
‫تشكره عَل العبادة اليت كنت تعتقد‬
‫أهنا تضنيك ‪ ،‬لكنك وجدت فيها‬
‫ٕتليات وإشراقات ‪ ،‬فتقول ‪ :‬اهلل‬
‫أكُب من كل ذلك ‪ ،‬اهلل أكُب؛ ألنه‬
‫حُت ٯتنعٍت يعطؼٍت ‪ ،‬وسبحانه‬
‫يعطي حىت يف ا‪١‬تنع؛ فأنت تأخذ‬
‫مقومات حياة ويعطيك يف رمضان‬
‫ما هو أكثر من مقومات ا‪ٟ‬تياة‬
‫واإلشراقات اليت تتجَل لك ‪،‬‬
‫وتذوق حبلوة التكليف وإن كان قد‬
‫فوت عليك االستمتاع بنعمة فإنه‬
‫أعطاك نعمة أكثر منها ‪.‬‬
‫وبعد ذلك فالنسق القرآين لؼس‬
‫نسقا ًمن صنع البشر ‪ ،‬فنحن ‪٧‬تد أن‬
‫نسق البشر يقسم الكتاب أبوابا ً‬
‫وفصوال ًومواد كلها مع بعضها ‪،‬‬
‫ويُفصل كل باب بفصوله ومواده ‪،‬‬
‫وبعد ذلك ينتقل لباب آخر ‪ ،‬لكن‬
‫اهلل ال يريد الدين أبوابا ً‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬
‫يريد الدين وحدة متكاتفة يف بناء‬
‫ذلك اإلنسان ‪ ،‬فيأيت بعد قوله ‪{ :‬‬
‫ِ‬
‫َول ُت َك ِ ُّ‬
‫ُبوا ْاهلل } ب { َولَعَل َّ ُك ْم‬
‫ون } ومعٌت ذلك أنكم‬ ‫تَ ْش ُك ُر َ‬
‫سًتون ما ‪٬‬تعلكم تنطقون ب «‬
‫اهلل أكُب »؛ ألن اهلل أسدى إليكم‬
‫‪ٚ‬تيبل ً‪ ،‬وساعة يوجد الصفاء بُت «‬
‫العابد » وهو اإلنسان و « ا‪١‬تعبود »‬
‫وهو الرب ‪ ،‬ويثق العابد بأن ا‪١‬تعبود‬
‫لم يكلفه إال ٔتا يعود عليه با‪٠‬تَت ‪،‬‬
‫هنا ٭تسن العبد ظنه بربه ‪ ،‬فيلجأ‬
‫إليه يف كل شيء ‪ ،‬ويسأله عن كل‬
‫شيء ‪ ،‬ولذلك جاء هنا قول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬
‫َوإِذَا سأَل َ َ ِ ِ‬
‫ك عبَادي ع َ ِ ٍّت فَإ ِِّين قَ ِر ٌ‬
‫يب‬ ‫َ‬
‫أُ ِجيب دَ ْع َوةَ الداع إِذَا دَع َ ِ‬
‫ان ‪} . . .‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َوإِذَا سأَل َ َ ِ ِ‬
‫يب‬‫ك عبَادي ع َ ِ ٍّت فَإ ِِّين َقر ٌ‬ ‫َ‬
‫أُ ِجيب دَ ْع َوةَ ال ّدَا ِع إِذَا دَع َ ِ‬
‫ان‬ ‫ُ‬
‫فَلْؼ َ ْست َ ِجؼبُوا ِيل َولْي ُ ْؤ ِم ُنوا ِّب لَعَل َّ ُه ْم‬
‫ون (‪)186‬‬ ‫ي َ ْر ُش ُد َ‬
‫ومادمت قد ذقت حبلوة ما أعطاك‬
‫ا‪ٟ‬تق من إشراقات صفائية يف‬
‫الصيام فأنت سؾتجه إىل شكره‬
‫سبحانه ‪ ،‬وهذا يناسب أن يرد‬
‫عليك ا‪ٟ‬تق فيقول ‪َ { :‬وإِذَا َسأَل َ َ‬
‫ك‬
‫ِ ِ‬
‫يب } ونلحظ أن‬ ‫عبَادي ع َ ِ ٍّت فَإ ِِّين قَ ِر ٌ‬
‫« إذا » جاءت ‪ ،‬ولم تأت « إن »‬
‫فا‪ٟ‬تق يؤكد لك أنك بعدما ترى‬
‫هذه ا‪ٟ‬تبلوة ستشكر اهلل؛ ألنه‬
‫سبحانه يقول يف ا‪ٟ‬تديث القدسي ‪:‬‬
‫« ثبلثة ال ترد دعوْتم ‪ ،‬الصائم‬
‫حىت يفطر ‪ ،‬واإلمام العادل ‪ ،‬ودعوة‬
‫ا‪١‬تظلوم ‪ ،‬يرفعها اهلل فوق الغمام‬
‫وتفتح ‪٢‬تا أبواب السماء ‪ ،‬ويقول‬
‫الرب ‪ :‬وعزيت ألنصرنك ولو بعد‬
‫حُت » ‪.‬‬
‫فما دام سبحانه سيجب الدعوة ‪،‬‬
‫وأنت قد تكون من العامة ال إمامة‬
‫لك ‪ ،‬وكذلك لست مظلوما ً‪ ،‬إذن‬
‫تبىق دعوة الصائم ‪ .‬وعندما تقرأ يف‬
‫كتاب اهلل كلمة « سأل » ستجد أن‬
‫مادة السؤال بالنسبة للقرآن‬
‫وردت ويف جوابها « قل » ‪{ .‬‬
‫ي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫ك َع ِن ا‪٠‬تمر وا‪١‬تؼسر ُق ْل‬
‫فِي ِه َمآ إِث ٌْم َكبَِتٌ} ػ البقرة ‪219 :‬‬
‫]‬
‫ِ‬
‫ك َماذَا يُنف ُق َ‬
‫ون‬ ‫وقوله ‪َ { :‬وي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫ُق ِل العفو } ػ البقرة ‪] 219 :‬‬
‫ِ‬
‫ك َماذَا يُنْف ُق َ‬
‫ون‬ ‫وقوله ‪ { :‬ي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫َت } ػ البقرة ‪:‬‬ ‫ُق ْل َمآ أَن ْ َفقْ ُت ْم ِّم ْن َخ ْ ٍ‬
‫‪] 215‬‬
‫ك } يأيت يف جوابها‬ ‫وكل { ي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫{ ُق ْل } إال آية واحدة جاءت فيها‬
‫« فقل » بالفاء ‪ ،‬وهي قول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬
‫ك َع ِن ا‪ٞ‬تبال فَ ُق ْل‬‫َوي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫يَن ِس ُفهَا َر ِ ّّب ن َ ْسفا ً} ػ طه ‪] 105 :‬‬
‫انظر إىل الدقة األدائية ‪ :‬األوىل «‬
‫قل » ‪ ،‬وهذه « فقل » ‪ ،‬فكأن {‬
‫ك َع ِن ا‪٠‬تمر وا‪١‬تؼسر }‬ ‫ي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫يؤكد أن السؤال قد وقع بالفعل ‪،‬‬
‫ولكن قوله ‪َ { :‬وي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫ك َع ِن‬
‫ا‪ٞ‬تبال } ‪ ،‬فالسؤال هذا سؾتعرض‬
‫له ‪ ،‬فكأن اهلل أجاب عن أسئلة‬
‫وقعت بالفعل فقال ‪ « :‬قل » ‪،‬‬
‫والسؤال الذي سيأيت من بعد ذلك‬
‫جاء وجاءت إجابته ب « فقل » أي‬
‫أعطاه جوابا ًمسبقا ً‪ ،‬إذن ففيه فرق‬
‫بُت جواب عن سؤال حدث ‪ ،‬وبُت‬
‫جواب عن سؤال سوف ٭تدث ‪،‬‬
‫ليدلك عَل أن أحدا ًلن يفاجئ اهلل‬
‫بسؤال ‪َ { ،‬وي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫ك َع ِن ا‪ٞ‬تبال‬
‫فَ ُق ْل يَن ِس ُفهَا َر ِ ّّب ن َ ْ ف‬
‫سا ً} ‪.‬‬
‫لكن ‪٨‬تن اآلن أمام آية جاء فيها‬
‫سؤال وكانت اإلجابة مباشرة ‪{ :‬‬
‫َوإِذَا َسأَل َ َ‬
‫ك ِعبَا ِدي ع َ ِ ٍّت } ‪ .‬فلم يقل‬
‫‪ :‬فقل ‪ :‬إين قريب؛ ألن قوله ‪« :‬‬
‫قل » هو عملية تطيل القرب ‪،‬‬
‫ويريد اهلل أن ‪٬‬تعل القرب يف‬
‫ا‪ٞ‬تواب عن السؤال بدون وساطة‬
‫{ َوإِذَا سأَل َ َ ِ ِ‬
‫ك عبَادي ع َ ِ ٍّت فَإ ِِّين قَ ِر ٌ‬
‫يب‬ ‫َ‬
‫} ‪ .‬لقد جعل اهلل ا‪ٞ‬تواب منه لعباده‬
‫مباشرة ‪ ،‬وإن كان الذي سؼبلغ‬
‫ا‪ٞ‬تواب هو رسوله صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وهذه ‪٢‬تا قصة ‪ :‬لقد سألوا‬
‫رسول اهلل ‪ :‬أقريب ربك فنناجيه‬
‫أم بعيد فنناديه؟‬
‫ألن عادة البعيد أن يُنادى ‪ ،‬أما‬
‫القريب فؼناىج ‪ ،‬ولكي يبُت لهم‬
‫القرب ‪ ،‬حذف كلمة « قل » ‪،‬‬
‫ك‬‫فجاء قول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وإِذَا َسأَل َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫يب } وما فائدة‬ ‫عبَادي ع َ ِ ٍّت فَإ ِِّين قَ ِر ٌ‬
‫ذلك القرب؟ إن ا‪ٟ‬تق يقول ‪{ :‬‬
‫ان }‬ ‫أُ ِجيب دَ ْع َوةَ الداع إِذَا دَع َ ِ‬
‫ُ‬
‫ولكن ما الشروط البلزمة لذلك؟‬
‫لقد قال ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وإِذَا َسأَل َ َ‬
‫ك ِعبَا ِدي‬
‫} ونعرف أن فيه فرقا بُت « عؽيد‬
‫» و « عباد » ‪ ،‬صحيح أن مفرد كل‬
‫منهما « عبد » ‪ ،‬لكن هناك «‬
‫عؽيد » و « عباد » ‪ ،‬وكل من يف‬
‫األرض عؽيد اهلل ‪ ،‬ولكن لؼس كل‬
‫من يف األرض عبادا ًهلل ‪١ ،‬تاذا؟‬
‫ألن العؽيد هم الذين يُقهرون يف‬
‫الوجود كغَتهم بأشياء ‪ ،‬وهناك‬
‫من ٮتتارون التمرد عَل اٌفق ‪ ،‬لقد‬
‫أخذوا اخؾيارهم ٘تردا ً‪ ،‬لكن‬
‫العباد هم الذين اختاروا االنقياد‬
‫هلل يف كل األمور ‪.‬‬
‫إهنم منقادون مع ا‪ٞ‬تميع يف أن‬
‫واحدا ال يتحكم مىت يولد ‪ ،‬وال مىت‬
‫ٯتوت ‪ ،‬وال كيف يوجد ‪ ،‬لكن العباد‬
‫ٯتتازون بأن األمر الذي جعل اهلل‬
‫‪٢‬تم فيه اخؾيارا ًقالوا ‪ :‬صحيح يا‬
‫رب أنت جعلت لنا االخؾيار ‪ ،‬وقد‬
‫اخًتنا منهجك ‪ ،‬ولم نًتك هوانا‬
‫ليحكم فؼنا ‪ ،‬أنت قلت سبحانك ‪:‬‬
‫« افعل كذا » و « ال تفعل كذا »‬
‫و‪٨‬تن قبلنا التكليف منك يا رب ‪.‬‬
‫وال يقول لك ربك ‪ « :‬افعل » إال‬
‫إذا كنت صا‪ٟ‬تا ًللفعل ولعدم الفعل‬
‫‪ .‬وال يقول لك ‪ « :‬ال تفعل » إال إذا‬
‫كنت صا‪ٟ‬تا ً‪٢‬تذه و‪٢‬تذه ‪ .‬إذن‬
‫فكلمة « افعل » و « ال تفعل »‬
‫تدخل يف األمور االخؾيارية ‪،‬‬
‫وا‪ٟ‬تق قد قال ‪ « :‬افعل » و « ال‬
‫تفعل » ثم ترك أشياء ال يقول لك‬
‫فيها « افعل » و « ال تفعل » ‪،‬‬
‫فتكون حرا ًيف أن تفعلها أو ال تفعلها‬
‫‪ ،‬ا‪ٝ‬تها « منطقة االخؾيار ا‪١‬تباح »‬
‫‪ ،‬فهناك اخؾيار ُ ِي ّق َد بالتكليف‬
‫بافعل وال تفعل ‪ ،‬واخؾيار بىق لك‬
‫أن تفعله أو ال تفعله وال يًتتب عليه‬
‫ضرر؛ فالذي أخذ االخؾيار وقال ‪:‬‬
‫يا رب أنت وهبؾٍت االخؾيار ‪،‬‬
‫ولكنٍت تركت لك يا واهب‬
‫االخؾيار أن توجه هذا االخؾيار‬
‫كما ٖتب ‪ ،‬أنا سأتنازل عن‬
‫اخؾياري ‪ ،‬وما تقول يل ‪ « :‬افعل »‬
‫سأفعله ‪ ،‬والذي تقول يل ‪ « :‬ال‬
‫تفعله » لن أفعله ‪.‬‬
‫إذن فالعباد هم الذين أخذوا منطقة‬
‫االخؾيار ‪ ،‬وسلموها ‪١‬تن خلق فيهم‬
‫االخؾيار ‪ ،‬وقالوا هلل ‪ :‬وإن كنت‬
‫‪٥‬تتارا ًإال أنٍت أمنتك عَل نفسي ‪.‬‬
‫إن العباد هم الذين ردوا أمر‬
‫االخؾيار إىل من وهب االخؾيار‬
‫ويصفهم ا‪ٟ‬تق بقوله ‪َ { :‬و ِعب َ ُاد‬
‫ون عَل األرض‬ ‫الر‪ٛ‬تن الذين َٯت ْ ُش َ‬
‫ون قَالُوا ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫َهونا ًوإِذَا َخ َاطبهم ا‪ٞ‬تا ِ‬
‫ه‬
‫َُ ُ َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫ون ل َر ِبّ ِه ْم‬‫َسبلَما ً* َوال َّ ِذي َن ِيبِ ُؼت َ‬
‫ُس َّجدا ً َوقِيَاما ً} ػ الفرقان ‪-63 :‬‬
‫‪] 64‬‬
‫هؤالء هم عباد الر‪ٛ‬تن ‪ ،‬ولذلك‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق للشيطان يف شأهنم ‪{ :‬‬
‫إ َِّن ِعبَا ِدي لَؼ ْ َس ل َ َ‬
‫ك عَلَي ْ ِه ْم ُسل ْ َط ٌ‬
‫ان‬
‫} ػ ا‪ٟ‬تجر ‪] 42 :‬‬
‫إذن فللشيطان سلطان عَل مطلق‬
‫عؽيد؛ ألنه يدخل عليهم من باب‬
‫االخؾيار ولم تأت كلمة { ِعبَا ِدي‬
‫} لغَت هؤالء إال حُت تقوم الساعة‬
‫‪ ،‬و٭تاسب ا‪ٟ‬تق الذين أضلوا العباد‬
‫فيقول ‪ { :‬أَأ َ ُنت ْم أ َ ْضلَل ْ ُت ْم ِعبَا ِدي }‬
‫الرقان ‪] 17 :‬‬ ‫ػ ف‬
‫ساعة تقوم الساعة ال يوجد‬
‫االخؾيار ويصَت الكل عباداً؛ حىت‬
‫الكفرة لم يعد ‪٢‬تم اخؾيار ‪.‬‬

‫ك‬ ‫وحُت يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وإِذَا َسأَل َ َ‬


‫يب دَ ْع َوةَ‬ ‫ج‬‫ِعبا ِدي ع َ ِ ٍّت فَإ ِِّين قَ ِريب أُ ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ان } فالعباد الذين‬ ‫الداع إِذَا دَع َ ِ‬
‫التزموا هلل با‪١‬تنهج اإلٯتاين لن‬
‫يسألوا اهلل إال بشيء ال يؾناىف مع‬
‫اإلٯتان وتكاليفه ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬فَلْؼ َ ْست َ ِجؼبُوا ْ ِيل } ؛‬
‫ألن الدعاء يطلب جوابا ً‪ ،‬ومادمت‬
‫تطلب إجابة الدعاء فتأدب مع‬
‫ربك؛ فهو سبحانه قد دعاك إىل‬
‫منهجه فاستجب له إن كنت ٖتب‬
‫أن يستجيب اهلل لك {‬
‫فَلْؼ َ ْست َ ِجؼبُوا ْ ِيل } ‪ ،‬وبعد ذلك يتكلم‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يف كلمة{‬
‫الداع } وال يًتكها مطلقة ‪ ،‬فيقول‬
‫ان } فكأن كلمة « دعا »‬ ‫‪ { :‬إِذَا دَع َ ِ‬
‫تأيت ويدعو بها اإلنسان ‪ ،‬ورٔتا‬
‫إته بالدعوة إىل غَت القادر عَل‬
‫اإلجابة ‪ ،‬ومثال ذلك قول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬
‫ون اهلل ِعب َ ٌاد‬ ‫ون ِمن ُد ِ‬
‫إ َِّن الذين تَ ْد ُع َ‬
‫أ َ ْمثَال ُ ُك ْم } ػ األعراف ‪] 194 :‬‬
‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬إِن تَ ْد ُع ُ‬
‫وه ْم ال َ‬
‫ي َ ْس َم ُعوا ْ ُدعَآءَ ُك ْم ‪ } . .‬ػ فاطر ‪:‬‬
‫‪] 14‬‬
‫فكأن الداعي قد يأخذ صفة يدعو‬
‫بها غَت مؤهل لئلجابة ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق هنا‬
‫قال ‪ { :‬أُ ِجيب دَ ْع َوةَ الداع إِذَا دَع َ ِ‬
‫ان‬ ‫ُ‬
‫} أما إذا ذهب فدعا غَت قادر عَل‬
‫الوفاء فاهلل لؼس مسئوال عن إجابة‬
‫دعوته ‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬
‫يعلمنا أن اإلنسان يدعو با‪٠‬تَت‬
‫لنفسه ‪ ،‬وأنت ال تستطيع أن ٖتدد‬
‫هذا ا‪٠‬تَت؛ ألنك قد تنظر إىل شيء‬
‫عَل أنه ا‪٠‬تَت وهو شر ‪ ،‬ومادمت‬
‫تدعو فأنت تظن أن ذلك هو ا‪٠‬تَت ‪،‬‬
‫إذن فملحظية األصل يف الدعاء هي‬
‫أنك تحب ا‪٠‬تَت ‪ ،‬ولكنك قد ٗتطيء‬
‫الطريق إىل فهم ا‪٠‬تَت أو الوسيلة إىل‬
‫ا‪٠‬تَت ‪ ،‬أنت ٖتب ا‪٠‬تَت ال جدال ‪،‬‬
‫لذلك تكون إجابة ربك إىل دعائك‬
‫هي أن ٯتنع إجابة دعوتك إن كانت‬
‫ال تصادف ا‪٠‬تَت بالنسبة لك ‪،‬‬
‫ولذلك ‪٬‬تب أال تفهم أنك حُت ال‬
‫ٕتاب دعوتك كما رجوت وطلبت‬
‫أن اهلل لم يستجب لك فتقول ‪:‬‬
‫‪١‬تاذا لم يستجب اهلل يل؟ ‪ .‬ال لقد‬
‫استجاب لك ‪ ،‬ولكنه ‪٨‬ت َّى عنك‬
‫‪ٛ‬تق الدعوة أو ما ٕتهل بأنه شر لك‬
‫‪ .‬فالذي تدعوه هو حكيم؛ فيقول ‪:‬‬
‫« أنا سأعطيك ا‪٠‬تَت ‪ ،‬وا‪٠‬تَت الذي‬
‫أعلمه أنا فوق ا‪٠‬تَت الذي تعلمه‬
‫أنت ‪ ،‬ولذلك فمن ا‪٠‬تَت لك أال‬
‫ٕتاب إىل هذه الدعوة » ‪.‬‬
‫وأضرب هذا ا‪١‬تثل وهلل ا‪١‬تثل‬
‫األعَل ‪ :‬قد يطلب منك ابنك‬
‫الصغَت أن تشًتي له مسدسا ً‪ ،‬وهو‬
‫يظن أن مسألة ا‪١‬تسدس خَت ‪،‬‬
‫لكنك تؤخر طلبه وتقول له ‪ :‬فيما‬
‫بعد سأشًتي لك ا‪١‬تسدس إن شاء‬
‫اهلل ‪ ،‬و٘تاطل وال تأتيه با‪١‬تسدس ‪،‬‬
‫فهل عدم ‪٣‬تؼئك با‪١‬تسدس له عَل‬
‫وفق ما رأى هو منع ا‪٠‬تَت عنه؟‬
‫إن منعك للمسدس عنه فائدة‬
‫وصيانة وخَت لبلبن ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬فا‪٠‬تَت يكون دائما ًعَل مقدار‬
‫ا‪ٟ‬تكمة يف تناول األمور ‪ ،‬وأنت‬
‫٘تنع ا‪١‬تسدس عن ابنك ‪ ،‬ألنك‬
‫قدرت أنه طفل ويلهو مع رفاقه‬
‫وقد يتعرض ألشياء ٗترجه عن‬
‫طوره وقد يؾسبب يف أن يؤذيه أحد‬
‫‪ ،‬وقد يؤذي هو أحدا ًٔتثل هذا‬
‫المسدس ‪.‬‬

‫وكذلك يكون حظك من الدعاء ال‬


‫يُستجاب ألن ذلك قد يرهقك‬
‫أنت ‪ . .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول‬
‫‪َ { :‬وي َ ْد ُع اإلنسان بالشر ُدعَآءَ ُه‬
‫ان اإلنسان َع ُجوال ً} ػ‬ ‫با‪٠‬تَت َوك َ َ‬
‫اإلسراء ‪] 11 :‬‬
‫ولذلك يقول سبحانه ‪{ :‬‬
‫ون } ػ‬ ‫َسأُ ْو ِري ُك ْم آي َ ِايت فَبل َتَ ْستَعْ ِجل ُ ِ‬
‫األنبياء ‪] 37 :‬‬
‫والعلماء يقولون ‪ :‬إن الدعاء إن‬
‫قصدت به الذلة والعبودية يكون‬
‫‪ٚ‬تيبل ً‪ ،‬أما اإلجابة فهي إرادة اهلل ‪،‬‬
‫وأنت إن قدرت حظك من الدعاء‬
‫يف اإلجابة عليه فأنت ال ُتقدر األمر‬
‫‪ .‬إن حظك من الدعاء هو العبادة‬
‫والذلة هلل؛ ألنك ال تدعو إال إذا‬
‫اعتقدت أن أسبابك ش‬
‫كبر ال‬
‫تقدر عَل هذه ‪ ،‬ولذلك سألت من‬
‫يقدر عليها ‪ ،‬وسألت من ٯتلك ‪،‬‬
‫ولذلك يقول اهلل يف ا‪ٟ‬تديث‬
‫القدسي ‪ « :‬من شغله ذكري عن‬
‫مسأليت أعطؼته أفضل ما أعطي‬
‫السائلُت » ‪.‬‬
‫ولنتعلم ما علمه رسول اهلل لعائشة‬
‫أم ا‪١‬تؤمنُت ‪ .‬لقد سألت رسول اهلل‬
‫إذا صادفت ليلة القدر فقالت ‪ :‬إن‬
‫أدركؾٍت هذه الليلة ٔتاذا أدعو؟‬
‫انظروا إىل رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم لقد علم أم ا‪١‬تؤمنُت عائشة‬
‫أن تدعو ٔتقايؼس ا‪٠‬تَت الواسع‬
‫فقال ‪٢‬تا ‪ « :‬قويل ‪ :‬اللهم إنك ٖتب‬
‫العفو فاعف عٍت » ‪.‬‬
‫وال يوجد ‪ٚ‬تال أحسن من العفو ‪،‬‬
‫وال يوجد خَت أحسن من العفو ‪ ،‬فبل‬
‫أقول أعطٍت ‪ ،‬أعطٍت؛ ألن هذا قد‬
‫ينطبق عليه قول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وي َ ْد ُع‬
‫اإلنسان بالشر ُدعَآءَ ُه با‪٠‬تَت َوك َ َ‬
‫ان‬
‫اإلنسان َع ُجوال ً} ػ اإلسراء ‪11 :‬‬
‫]‬
‫فم ْن يقول ‪ :‬لقد دعوت رّب فلم‬
‫َ‬
‫يستجب يل ‪ ،‬نقول له ‪ :‬ال تكن‬
‫قليل الفطنة فمن ا‪٠‬تَت لك أنك ال‬
‫ُٕتاب إىل ما طلبت فاهلل يعطيك‬
‫ا‪٠‬تَت يف الوقت الذي يريده ‪.‬‬
‫وبعد ذلك يًتك ا‪ٟ‬تق لبعض قضايا‬
‫الوجود يف ا‪١‬تجتمع أن ٕتؼبك إىل‬
‫شيء ثم يتبُت لك منه الشر ‪ ،‬لتعلم‬
‫أن قبض إجابته عنك كان هو عُت‬
‫ا‪٠‬تَت ‪ ،‬ولذلك فإن الدعاء له شروط‬
‫‪ ،‬فالرسول صَل اهلل عليه وسلم‬
‫يدعونا إىل الطيب من الرزق ‪.‬‬
‫فقد جاء يف ا‪ٟ‬تديث الشريف عن‬
‫أّب هريرة قوله ‪ « :‬ثم ذكر الرجل‬
‫يطيل السفر أشعث أغُب ٯتد يده‬
‫إىل السماء ‪ :‬يا رب يا رب ومطعمه‬
‫حرام وملؽسه حرام و ُغ ِذي‬
‫با‪ٟ‬ترام فأين يستجاب له » ‪ .‬إن‬
‫الرسول يكشف أمامنا كيف يفسد‬
‫جهاز اإلنسان الذي يدعو ‪ ،‬لذلك‬
‫فعدم إجابة الدعوة إما ألن جهاز‬
‫الدعوة جهاز فاسد ‪ ،‬وإما ألنك‬
‫دعوت بشيء تظن أن فيه ا‪٠‬تَت لك‬
‫لكن اهلل يعلم أنه لؼس كذلك ‪،‬‬
‫و‪٢‬تذا يأخذ بيدك إىل ‪٣‬تال‬
‫حكمته ‪ ،‬وٯتنع عنك األمر الذي‬
‫٭تمل لك الشر ‪.‬‬
‫وشيء آخر ‪ ،‬قد ٭تجب عنك‬
‫اإلجابة ‪ ،‬ألنه إن أعطاك ما ٖتب‬
‫فقد أعطاك يف خَت الدنيا الفانية ‪،‬‬
‫وهو ٭تبك ُفؼبقي لك اإلجابة إىل‬
‫خَت الباقية ‪ ،‬وهذه ارتقاءات ال‬
‫ينا‪٢‬تا إال ا‪٠‬تاصة ‪ ،‬وهناك‬
‫ارتقاءات أخرى تتمثل يف أنه ما‬
‫دام الدعاء فيه ذلة وخضوع فقد‬
‫يطبق اهلل عليك ما جاء يف ا‪ٟ‬تديث‬
‫القدسي ‪:‬‬

‫« يزنل اهلل تعاىل يف السماء الدنيا‬


‫فيقول ‪َ :‬م ْن يدعوين فأستجيب له‬
‫أو يسألٍت فأعطيه؟ ثم يقول ‪َ :‬م ْن‬
‫يقرض غَت عديم وال ظلوم » ‪.‬‬
‫وألن اإلنسان مرتبط ٔتسائل‬
‫٭تبها ‪ ،‬فما دامت لم تأت فهو يقول‬
‫دائما ًيا رب ‪ .‬وهذا الدعاء ٭تب اهلل‬
‫أن يسمعه من مثل هذا العبد‬
‫فيقول ‪ « :‬إن من عبادي من أحب‬
‫دعاءهم فأنا أبتليهم ليقولوا ‪ :‬يا‬
‫رب » ‪ .‬إن اإلنسان ا‪١‬تؤمن ال ‪٬‬تعل‬
‫حظه من الدعاء أن ‪٬‬تاب ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬
‫حظه من الدعاء ما قاله ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬
‫ُق ْل َما يَعْب َ ُؤا ْبِ ُك ْم َر ِ ّّب ل َ ْوال َ ُدع َ ُ‬
‫آؤ ُك ْم‬
‫} ػ الفرقان ‪] 77 :‬‬
‫إن معٌت الربوبية وا‪١‬تربوبية أن‬
‫تقول دائما ‪ « :‬يا رب » ‪ .‬واضرب‬
‫هذا ا‪١‬تثل وهلل ا‪١‬تثل األعَل األب قد‬
‫يعطي ابنه مصروف اليد كل شهر ‪،‬‬
‫واالبن يأخذ مصروف اليد‬
‫الشهري ويغيب طوال الشهر وال‬
‫٭ترص عَل رؤية والده ‪ .‬لكن األب‬
‫حُت يعطي مصروف اليد كل يوم ‪،‬‬
‫فاالبن ينتظر والده ‪ ،‬وعندما‬
‫يتأخر الوالد قليبل ًفإن االبن يقف‬
‫لينتظر والده عَل الباب؛ لقد ربط‬
‫األب ابنه با‪ٟ‬تاجة ليأنس برؤياه ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه يضع شرطا‬
‫لالستجابة للدعاء ‪ ،‬وهو أن‬
‫يستجيب العبد هلل سبحانه وتعاىل‬
‫فيما دعاه إليه ‪ .‬عندئذ سيكون‬
‫العباد أهبل ًللدعاء ‪ ،‬ولذلك قال ا‪ٟ‬تق‬
‫يف ا‪ٟ‬تديث القدسي ‪َ « :‬م ْن شغله‬
‫ذكري عن مسأليت أعطؼته أفضل‬
‫ما أعطي السائلُت » ‪.‬‬
‫ومثال ذلك سيدنا إبراهيم عليه‬
‫السبلم حُت أُلقي يف النار ‪ ،‬قال له‬
‫جُبيل ‪ :‬ألك حاجة؟ ‪ .‬لم ينف أن‬
‫له حاجة ‪ ،‬فبل يوجد استكبار عَل‬
‫البلوى ‪ ،‬ولكنه قال ‪ٞ‬تُبيل ‪ :‬أما‬
‫إليك فبل ‪ ،‬صحيح أن له حاجة إ‪٪‬تا‬
‫لؼست ‪ٞ‬تُبيل ‪ ،‬ألنه يعلم جيدا ًأن‬
‫‪٧‬تاته من النار ا‪١‬تطبوعة عَل أن‬
‫ٖترق وقد ألقي فيها ‪ ،‬هي عملية‬
‫لؼست ‪٠‬تلق أن يتحكم فيها ولكنها‬
‫قدرة ال ٯتلكها إال من خلق النار ‪.‬‬
‫فقال ‪ٞ‬تُبيل ‪ :‬أما إليك فبل ‪،‬‬
‫وعلمه ْتايل يغٍت عن سؤايل ‪ .‬لذلك‬
‫جاء األمر من ا‪ٟ‬تق ‪ُ { :‬قلْنَا يانار‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫وين ب َ ْردا ًوسبلما َل إِب ْ َراه َ‬
‫يم } ػ‬ ‫ُك ِ‬
‫األنؽياء ‪] 69 :‬‬
‫ولنتعلم من اإلمام علي كرم اهلل‬
‫وجهه حُت دخل عليه إنسان يعوده‬
‫وهو مريض فوجده يتأوه ‪ ،‬فقال له‬
‫‪ :‬أتتأوه وأنت أبو ا‪ٟ‬تسن ‪ .‬قال ‪ :‬أنا‬
‫ال أشجع عَل اهلل ‪.‬‬
‫ك ِعبَا ِدي‬ ‫إذن فقوله ‪َ { :‬وإِذَا َسأَل َ َ‬
‫يب دَ ْع َوةَ الداع‬ ‫ع َ ِ ٍّت فَإ ِِّين قَ ِر ُ ِ‬
‫يب أج ُ‬ ‫ٌ‬
‫ان فَلْؼ َ ْست َ ِجؼبُوا ْ ِيل َولْي ُ ْؤ ِم ُنوا ْ ِّب‬
‫إِذَا دَع َ ِ‬
‫} تعٍت ضرورة االستجابة للمهنج‬
‫‪َ { ،‬ولْي ُ ْؤ ِم ُنوا ْ ِّب } أي أن يؤمنوا به‬
‫سبحانه إ‪٢‬تا حكيما ‪ .‬ولؼس كل‬
‫من يسأل يستجاب له بسؤاله‬
‫نفسه؛ ألن األلوهية تقتضي‬
‫ا‪ٟ‬تكمة اليت تعطي كل صاحب‬
‫دعوة خَتا ًيناسب الداعي ال‬
‫ٔتقايؼسه هو ولكن ٔتقايؼس من‬
‫‪٬‬تيب الدعوة ‪.‬‬
‫ويذيل ا‪ٟ‬تق اآلية بقول ‪ { :‬لَعَل َّ ُه ْم‬
‫ون } فما معٌت { ي َ ْر ُش ُد َ‬
‫ون‬ ‫ي َ ْر ُش ُد َ‬
‫} ؟ إنه يعٍت الوصول إىل طريق‬
‫ا‪٠‬تَت وإيل طريق الصواب ‪ .‬وهذه‬
‫اآلية جاءت بعد آية { َشهْ ُر‬
‫ان الذي أُن ْ ِز َل فِي ِه القرآن‬‫َر َم َض َ‬
‫اس } كي تبُت لنا أن‬ ‫ُه ًدى ل ِ ّلنَّ ِ‬
‫الصفائية يف الصيام ٕتعل الصائم‬
‫أهبل ًللدعاء ‪ ،‬وقد ال يكون حظك‬
‫من هذا الدعاء اإلجابة ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬
‫يكون حظك فيه العبادة ‪ ،‬ولكي‬
‫يبُت لنا ا‪ٟ‬تق بعض التكليفات‬
‫اإل‪٢‬تية للبشر فهو يأيت بهذه اآلية‬
‫اليت يبُت بها ما ٭تل لنا يف رمضان ‪.‬‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أُ ِح َّل ل َ ُك ْم لَيْل َ َة‬
‫الصيام الرفث إىل نِ َس ِآئ ُك ْم ُه َّن‬
‫اس َّ‪٢‬ت ُ َّن عَلِ َم‬ ‫ِ‬
‫اس ل َّ ُك ْم َوأَن ْ ُت ْم لب َ ٌ‬
‫ِ‬
‫لب َ ٌ‬
‫ون أَن ْ ُف َس ُك ْم‬ ‫َ‬
‫اهلل أن َّ ُك ْم ُك ُنت ْم َٗتْتان ُ َ‬
‫اب عَلَي ْ ُك ْم َو َع َفا َعن ْ ُك ْم ‪} . . .‬‬ ‫فَت َ َ‬
‫ث إ َِىل‬ ‫الصيَا ِم ال َّرفَ ُ‬ ‫أُ ِح َّل ل َ ُكم لَيل َ َة ّ ِ‬
‫ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ل َ ُك ْم َوأَن ْ ُت ْم‬ ‫ن َس ِائ ُك ْم ُه َّن لب َ ٌ‬
‫اّلل أَن َّ ُك ْم ُك ْ ُتن ْم‬
‫اس َ‪٢‬ت ُ َّن عَلِ َم ّ َُ‬ ‫ِ‬
‫لب َ ٌ‬
‫اب عَلَي ْ ُك ْم‬ ‫َٗتْتَان ُ َ‬
‫ون أن ْ ُف َس ُك ْم فَت َ َ‬ ‫َ‬
‫َو َع َفا َعن ْ ُك ْم فَ ْاآل َن بَا ِش ُرو ُه َّن‬
‫اّلل ل َ ُك ْم َوكُلُوا‬
‫ب َّ ُ‬ ‫َوابْتَغُوا َما كَت َ َ‬
‫َوا ْش َر ُبوا َح َّىت يَتَب َ َّ َ‬
‫ُت ل َ ُك ُم ا‪٠‬تَْي ْ ُط‬
‫ض ِم َن ا‪٠‬تَْي ْ ِط ْاأل َْس َو ِد ِم َن ال ْ َف ْج ِر‬ ‫بي‬
‫ْاأل َ ْ َ ُ‬
‫ام إ َِىل اللَّي ْ ِل َو َال‬ ‫ي‬ ‫ُث َم أ َ ِ٘تُّوا ّ ِ‬
‫الص‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ون ِيف‬ ‫ُتبَاش ُرو ُه َّن َوأن ْ ُت ْم عَاك ُف َ‬
‫ك ح ُدود َ ِ‬ ‫ِ‬
‫اّلل فَ َبل‬ ‫ا ْ‪١‬ت َ َسا ِج ِد تل ْ َ ُ ُ ّ‬
‫اّلل آيَاتِ ِه‬‫ُت ّ َُ‬ ‫ك يُب َ ّ ُِ‬ ‫وها َك َذل ِ َ‬ ‫تَقْ َر ُب َ‬
‫ون (‪)187‬‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬
‫اس‬ ‫َ‬ ‫لن‬‫لِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫بعد أن أورد لنا ا‪ٟ‬تق آداب الدعاء‬
‫ومزجها وأدخلها يف الصوم ‪ ،‬يشرح‬
‫لنا سبحانه آداب التعامل بُت‬
‫الزوجُت يف أثناء الصيام ‪ ،‬ويأيت‬
‫هذا التداخل واالمتزاج بُت‬
‫ا‪١‬توضوعات ا‪١‬تختلفة يف القرآن‬
‫لنفهم منه أن الدين وحدة متكاتفة‬
‫ُٗتاطب كل ا‪١‬تلكات اإلنسانية ‪ ،‬وال‬
‫يريد سبحانه أن تظهر أو تطىغ‬
‫ملكة عَل ملكة أبدا ‪.‬‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أُ ِح َّل ل َ ُك ْم لَيْلَةَ‬
‫الصيام الرفث إىل نِ َس ِآئ ُك ْم}‬
‫وساعة تسمع { أُ ِح َّل ل َ ُك ْم } فكأن‬
‫ما يأيت بالتحليل كان ‪٤‬ترما ًمن قبل‬
‫‪ .‬والذي أحله اهلل يف هذا القول كان‬
‫ا‪١‬تحرم عؼنه يف الصيام ‪ ،‬ألن‬
‫الصيام إمساك بالنهار عن شهوة‬
‫البطن وشهوة الفرج ‪ ،‬فكأنه قبل أن‬
‫تزنل هذه اآلية كان الرفث إىل‬
‫النساء يف ليل الصيام حراما ً‪ ،‬فقد‬
‫كان الصيام يف بدايته إمساكا ًعن‬
‫الطعام من قبل الفجر إىل ‪ٟ‬تظة‬
‫الغروب ‪ ،‬وال اقًتاب بُت الزوجُت‬
‫يف الليل أو النهار ‪ .‬فكان الرفث يف‬
‫ليلة الصيام ‪٤‬ترما ً‪ .‬وكان ٭ترم‬
‫عليهم الطعام والشراب بعد صبلة‬
‫العشاء وبعد النوم حىت يفطروا ‪.‬‬
‫وجاء رجل وقال لرسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ :‬ذهبت فلم أجد‬
‫أهلي قد أعدوا يل طعاما ‪ ،‬فنمت ‪،‬‬
‫فاسؾيقظت يا رسول اهلل فعلمت‬
‫أين ال أقدر أن آكل ولذلك فأنا‬
‫أعاين من التعب ‪ ،‬فأحل اهلل‬
‫مسألتُت ‪ :‬ا‪١‬تسألة األوىل هي ‪:‬‬
‫الرفث إىل النساء يف الليل ‪،‬‬
‫وا‪١‬تسألة الثانية قوله ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬
‫َوكُلُوا ْواشربوا حىت يَتَب َ َّ َ‬
‫ُت ل َ ُك ُم‬
‫ا‪٠‬تيط األبيض ِم َن ا‪٠‬تيط األسود ِم َن‬
‫الفجر } أي كلوا واشربوا إىل الفجر‬
‫حىت ولو حصل منكم نوم ‪ ،‬وهذه‬
‫رخصة جديدة لكل ا‪١‬تسلمُت‬
‫مثلها مثل الرخصة األوىل اليت‬
‫جاءت للمسافر أو ا‪١‬تريض ‪ ،‬كانت‬
‫الرخصة األوىل ٓتصوص مشقة‬
‫الصوم عَل ا‪١‬تسافر أو ا‪١‬تريض ‪ ،‬أما‬
‫الرخصة ا‪ٞ‬تديدة فهي عامة لكل‬
‫مسلم وهي تعميق ‪١‬تفهوم ا‪ٟ‬تكم ‪.‬‬
‫وقد ترك ا‪ٟ‬تق هذا الًتخيص‬
‫مؤجبل بعض الشيء لكي يدرك‬
‫كل مسلم مدى التخفيف ‪ ،‬ألنه قد‬
‫سبق له أن تعرض إىل زلة ا‪١‬تخالفة ‪،‬‬
‫ورفعها اهلل عنه ‪ ،‬وانظر لآلية‬
‫ِ‬
‫القرآنية وهي تقول ‪ُ { :‬ه َّن لب َ ٌ‬
‫اس‬
‫اس َّ‪٢‬ت ُ َّن عَلِ َم اهلل‬ ‫ِ‬
‫ل َّ ُك ْم َوأَن ْ ُت ْم لب َ ٌ‬
‫ون أَن ْ ُف َس ُك ْم } ‪.‬‬
‫أن َّ ُك ْم ُك ُنت ْم َٗتْتان ُ َ‬
‫َ‬
‫ون أَن ْ ُف َس ُك ْم } هذه‬ ‫كلمة { َٗتْتان ُ َ‬
‫تعلمنا أن اإلنسان لم يقو عَل‬
‫الصوم كل الوقت عن شهوة الفرج‬
‫‪ ،‬فعندما تركك ٗتتان نفسك ‪،‬ثم‬
‫أنزل لك الًتخيص ‪ ،‬هنا تشعر‬
‫بفضل اهلل عليك ‪.‬‬
‫إذن فبعض الرخص اليت يرخص‬
‫اهلل لعباده يف التكاليف ‪ :‬رخصة تأيت‬
‫مع التشريع ‪ ،‬ورخصة ٗتفيفية تأيت‬
‫بعد أن ‪٬‬تيء التشريع ‪ ،‬لينبه ا‪ٟ‬تق‬
‫أنه لو لم يفعل ذلك لتعرضتم‬
‫للخيانة وا‪ٟ‬ترج { عَلِ َم اهلل أَن َّ ُك ْم‬
‫ون أَن ْ ُف َس ُك ْم } وانظر‬ ‫تان َ‬
‫ُك ُنت ْم َٗت ْ ُ‬
‫الشجاعة يف أن عمر رضي اهلل عنه‬
‫‪ ،‬يذهب إىل النبي ويقول له ‪ :‬أنا يا‬
‫رسول اهلل ذهبت كما يذهب‬
‫الشاب ‪ ،‬والذي جاع أيضا يقول‬
‫للرسول عليه الصبلة والسبلم ‪ :‬إنه‬
‫جاع ‪ ،‬وجاء التشريع لؼناسب كل‬
‫ا‪١‬تواقف ‪ ،‬فنمسك هنارا ًعن‬
‫شهويت البطن والفرج ‪ ،‬وليبل ًأحل‬
‫اهلل لنا شهويت البطن والفرج ‪ ،‬وهذا‬
‫التخفيف إ‪٪‬تا جاء بعد وقوع‬
‫االخؾيان ليدلنا عَل ر‪ٛ‬تة اهلل يف أنه‬
‫قدر ظرف اإلنسان ‪ { ،‬أُ ِح َّل ل َ ُك ْم‬
‫لَيْلَةَ الصيام الرفث إىل نِ َس ِآئ ُك ْم}‬
‫‪ ،‬و { الرفث } هو االستمتاع‬
‫با‪١‬ترأة ‪ ،‬سواء كان مقدمات أو‬
‫‪ٚ‬تاعا ً‪.‬‬
‫اس َّ‪٢‬ت ُ َّن‬ ‫ِ‬
‫اس ل َّ ُك ْم َوأَن ْ ُت ْم لب َ ٌ‬
‫‪ُ { .‬ه َّن ِب َل ٌ‬
‫}‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬
‫يعطؼنا عملية التحام الرجل‬
‫وا‪١‬ترأة بكلمة اهلل ‪ ،‬و « اللباس »‬
‫هو الذي يوضع عَل ا‪ٞ‬تسم للسًت ‪،‬‬
‫فكأن ا‪١‬ترأة لباس للرجل والرجل‬
‫لباس للمرأة واللباس أول‬
‫مدلوالته سًت العورة ‪ .‬فكأن الرجل‬
‫لباس للمرأة أي سًت عورْتا ‪،‬‬
‫وا‪١‬ترأة تسًت عورته ‪ ،‬فكأهنا عملية‬
‫تبادلية ‪ ،‬فهذا ٭تدث يف الواقع فهما‬
‫يلتفان يف ثوب واحد ‪ ،‬ولذلك‬
‫يقول ‪ { :‬بَا ِش ُرو ُه َّن } أي هات‬
‫البشرة عَل البشرة ‪.‬‬
‫إذن فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬
‫يعلمنا أن ا‪١‬ترأة لباس ساتر للرجل‬
‫‪ ،‬والرجل لباس ساتر للمرأة ‪،‬‬
‫ويريد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن يظل‬
‫هذا اللباس سًتا ًْتيث ال يفضح‬
‫شؼئا ًمن الزوجُت عند اآلخرين ‪.‬‬
‫ولذلك فالنبي عليه الصبلة‬
‫والسبلم ٭تذرنا أن ٭تدث بُت‬
‫الرجل وأهله شيء بالليل وبعد‬
‫ذلك تقول به ا‪١‬ترأة هنارا ً‪ ،‬أو يقول‬
‫به الرجل ‪ ،‬فهذا الشيء ‪٤‬تكوم‬
‫سر ا‪١‬تؾبادل‪.‬‬ ‫بقضية ال ت‬
‫اس َّ‪٢‬ت ُ َّن‬ ‫ِ‬
‫اس ل َّ ُك ْم َوأَن ْ ُت ْم لب َ ٌ‬
‫ِ‬
‫{ ُه َّن لب َ ٌ‬
‫} ‪ .‬ومادام هن لباس لكم وأنتم‬
‫لباس ‪٢‬تن ‪ ،‬فيكون من ر‪ٛ‬تة‬
‫التشريع باإلنسان وقد َض َّم‬
‫الرجل وا‪١‬ترأة لباس واحد وبعد‬
‫ذلك نطلب منهما أن ٯتؾنعا عن‬
‫التواصل ‪.‬‬
‫ون أَن ْ ُف َس ُك ْم }‬
‫إذن فقول ‪َٗ { :‬تْتان ُ َ‬
‫كان مسألة حتمية طؽيعية ‪ ،‬ولذلك‬
‫قال ا‪ٟ‬تق بعدها ‪ { :‬فَت َ َ‬
‫اب عَلَي ْ ُك ْم }‬
‫ومعٌت « تاب عليكم » هو إخبار‬
‫من اهلل بأنه تاب ‪ ،‬وحُت ٮتُب اهلل‬
‫بأنه تاب ‪ ،‬أي شرع ‪٢‬تم التوبة ‪،‬‬
‫والتوبة كما نعرف تأيت عَل ثبلث‬
‫مراحل ‪ :‬يشرع اهلل التوبة أوال ‪،‬‬
‫ثم تتوب أنت ثانيا ‪ ،‬ثم يقبل اهلل‬
‫التوبة ثالثا ً‪َ {،‬و َع َفا َعن ْ ُك ْم } ألنه‬
‫مادام قد جعل هذه العملية ‪ٟ‬تكمة‬
‫إبراز ‪ٝ‬تو التشريع يف التخفيف ‪،‬‬
‫فيكون القصد أن تقع هنا وأن‬
‫يكون العفو منه سبحانه ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فاآلن بَا ِش ُرو ُه َّن‬
‫وابتغوا َما َكت َ َ‬
‫ب اهلل ل َ ُك ْم} فلم‬
‫يشأ أن يًتك ا‪١‬تباشرة عَل عناهنا‬
‫فقال ‪ :‬أنت يف ا‪١‬تباشرة البد أن‬
‫تتذكر ما كؾبه اهلل ‪ ،‬وما كؾبه اهلل‬
‫هو اإلعفاف بهذا اللقاء واإل‪٧‬تاب ‪،‬‬
‫فا‪١‬ترأة تقصد إعفاف الرجل حىت‬
‫ال ٘تتد عؼنه إىل امرأة أخرى ‪ ،‬وهو‬
‫يقصد أيضا بهذه العملية أن يعفها‬
‫حىت ال تنظر إىل غَته ‪ ،‬واهلل يريد‬
‫ا‪١‬تسأللينشأ‬
‫اإلعفاف يف تلك ة‬
‫الطفل يف هذا اللقاء عَل أرض‬
‫صلبة من الطهر والنقاء ‪.‬‬
‫وحىت ال يتشكك الرجل يف بضع منه‬
‫هم أبناؤه ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق سبحانه يريد‬
‫طهارة اإلنسان ‪ ،‬فكل نسل ‪٬‬تب‬
‫أن يكون ‪٤‬تسوبا ًعَل من استمتع ‪،‬‬
‫وبعد االستمتاع ‪ ،‬عليه أن يتحمل‬
‫الؾبعة ‪ ،‬فبل يصح ‪١‬تسلم أن‬
‫يستمتع ويتحمل سواه تبعة ذلك ‪،‬‬
‫فا‪١‬تسلم يأخذ كل أمر ْتقه ‪.‬‬
‫ِش ه‬
‫{ فاآلن بَا ُرو ُ َّن وابتغوا َما َكت َ َ‬
‫ب‬
‫اهلل ل َ ُك ْم } أي ما كتب اهلل من أن‬
‫الزواج لئلعفاف واإل‪٧‬تاب ‪ .‬ويف‬
‫ذلك طهارة لكل أفراد ا‪١‬تجتمع ‪.‬‬
‫ولذلك قال صَل اهلل عليه وسلم ‪« :‬‬
‫ويف بضع أحدكم صدقة ‪ .‬قالوا يا‬
‫رسول اهلل ‪ :‬أيأيت أحدنا شهوته‬
‫ويكون له أجر؟ قال ‪ :‬أرأيتم لو‬
‫وضعها يف حرام أكان عليه فيها‬
‫وزر؟ فكذلك إذا وضعها يف ا‪ٟ‬تبلل‬
‫كان له أجر » ‪.‬‬
‫ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وكُلُوا ْواشربوا حىت‬
‫ُت ل َ ُك ُم ا‪٠‬تيط األبيض ِم َن ا‪٠‬تيط‬
‫يَتَب َ َّ َ‬
‫األسود } أي إىل أن يتضح لكم‬
‫الفجر الصادق ‪ .‬وكان هناك عَل‬
‫عهد رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم أذانان للفجر ‪ ،‬كان ببلل‬
‫يؤذن بليل ‪ ،‬أي ومازال الليل‬
‫موجودا ً‪ ،‬وكان ابن أم مكتوم يؤذن‬
‫يف اللحظة األوىل من الفجر ‪،‬‬
‫ولذلك قال رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬فإن ‪ٝ‬تعتم أذان‬
‫ابن أم مكتوم فأمسكوا » ‪ .‬لكن‬
‫أحد الصحابة وهو عدي بن حاتم‬
‫قال ‪ :‬أنا جعلت ّتواري خيطا‬
‫أبيض وخيطا ًأسود ‪ ،‬وأظل آكل‬
‫حىت أتبُت ا‪٠‬تيط األبيض من ا‪٠‬تيط‬
‫األسود ‪ .‬فقال له ‪ :‬إنك لعريض‬
‫القفا ( أي قليل الفطنة ) فا‪١‬تراد هنا‬
‫بياض النهار وسواد الليل ‪.‬‬
‫ويتابع ا‪ٟ‬تق ‪ُ { :‬ث َّم أ َ ِ٘تُّوا ْالصيام إ َِىل‬
‫ون‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫اليل وال َ ُتبا ِشرو ُه َن وأَنْتم عا ِ‬
‫ك‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ّ َ ُ ْ َ‬
‫ِيف ا‪١‬تساجد } ‪ .‬لقد كانوا يفهمون‬
‫أن ا‪١‬تباشرة يف الليل حسب ما شرع‬
‫اهلل ال تفسد الصوم ‪ .‬ولكن كان‬
‫البد من وضع آداب للسلوك داخل‬
‫ا‪١‬تسجد أو آلداب سنة االعتكاف‬
‫اليت سنها رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم يف العشر األواخر من‬
‫رمضان ‪٢‬تذا أوضح ا‪ٟ‬تق أن حبلل‬
‫ا‪١‬تباشرة بُت الرجل وزوجته هو‬
‫لغَت ا‪١‬تعتكف ويف غَت ليل رمضان ‪.‬‬
‫أما ا‪١‬تعتكف يف ا‪١‬تسجد فذلك‬
‫األمر ال ٭تل له ‪ ،‬ومعٌت االعتكاف‬
‫هو أن ٖتصر حركتك يف زمن ما عَل‬
‫وجودك يف مكان ما ‪ ،‬ولذلك يقولون‬
‫‪ « :‬فبلن معتكف هذه األيام » أي‬
‫حؽس حركته يف زمن ما يف مكان ما ‪،‬‬
‫ولؼس معٌت ذلك أن االعتكاف‬
‫مقصور عَل العشر األواخر من‬
‫رمضان فقط ‪ ،‬ولكن للمسلم أن‬
‫يعتكف يف بيت اهلل يف أي وقت ‪.‬‬
‫واختلف العلماء يف االعتكاف ‪،‬‬
‫بعضهم اشًتط أن يكون ا‪١‬ترء‬
‫صائما ًحُت يعتكف ‪ ،‬واشًتطوا‬
‫أيضا أن يكون االعتكاف ‪١‬تدة‬
‫معؼنة ‪ ،‬وأن يكون با‪١‬تسجد ‪،‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إن أردت االعتكاف ‪،‬‬
‫فاحصر حركتك يف مكان هو بيت‬
‫اهلل ‪.‬‬
‫وكثَت من العلماء يقولون ‪ :‬إنك إذا‬
‫دخلت ا‪١‬تسجد تأخذ ثواب‬
‫االعتكاف مادمت قد نويت سنة‬
‫االعتكاف؛ بشرط أال تتكلم يف أي‬
‫أمر من أمور الدنيا؛ ألنك جئت‬
‫من حركتك ا‪١‬تطلقة يف األرض إىل‬
‫بيت اهلل يف تلك اللحظة ‪ ،‬فاجعل‬
‫‪ٟ‬تظاتك هلل ‪ .‬ولذلك « حؼنما رأى‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫رجبل ًينشد ضالته يف ا‪١‬تسجد أي‬
‫شؼئا قد ضاع منه فقال له ‪ » :‬ال‬
‫ردها اهلل عليك فإن ا‪١‬تساجد لم‬
‫تَب ‪٢‬تذا « ‪.‬‬

‫‪١‬تاذا؟ ألن ا‪١‬تسجد مكان للعبادة ‪،‬‬


‫ولذلك أقول ‪١‬تن ٭تدثٍت يف ا‪١‬تسجد‬
‫بأي شيء يتعلق ْتركة ا‪ٟ‬تياة ‪« :‬‬
‫أبشر بأهنا لن تنفع »؛ ألنك دخلت‬
‫ا‪١‬تسجد للعبادة فقط ‪ ،‬إن ‪ٟ‬تظة‬
‫دخولك ا‪١‬تسجد هي ‪ٟ‬تظة جئت‬
‫فيها لتقًتب من ربك وتناجيه ‪،‬‬
‫وتعؼش يف حضن عنايته ‪ ،‬فلماذا‬
‫تأيت بالدنيا معك؟ وليكن لنا يف أحد‬
‫الصحابة قدوة حسنة؛ كان يقول ‪:‬‬
‫كنا ‪٩‬تلع أمر الدنيا مع نعالنا ‪ .‬وزاد‬
‫صحاّب آخر فقال له ‪ :‬وزد يا أخي‬
‫أننا نًتك أقدارنا مع نعالنا ‪.‬‬
‫انظر إىل الدقة ‪ ،‬إن الصحاّب ا‪١‬تؾبع‬
‫ال ٮتلع الدنيا مع نعله فقط عَل باب‬
‫ا‪١‬تسجد ‪ ،‬ولكن ٮتلع أيضا قدره يف‬
‫الدنيا ‪ .‬فيمكن أن تأخذك الدنيا‬
‫ساعات اليوم الكثَتة ‪ ،‬وا‪١‬تسجد‬
‫لن يأخذ منك إال الوقت القليل ‪،‬‬
‫فضع قدرك مع نعلك خارج‬
‫ا‪١‬تسجد ‪ ،‬وادخل ببل قدر إال قدر‬
‫إٯتانك باهلل ‪ .‬وأجلس يف ا‪١‬تكان‬
‫الذي ٕتده خاليا ً‪ .‬فبل تتخط‬
‫الرقاب لتصل إىل مكان معُت يف‬
‫ا‪١‬تسجد ‪ .‬فأنت تدخل بعبودية هلل‬
‫وقد يأيت ‪٣‬تلسك ّتانب من ٮتدمك‬
‫‪ ،‬والصغَت يقعد ّتانب الكبَت ‪ ،‬وال‬
‫تلحظ لك قدرا ًإال قدرك عند اهلل‬
‫‪.‬‬
‫إن النبي صَل اهلل عليه وسلم كان‬
‫‪٬‬تلس حيث ينتهي به ا‪١‬تجلس ‪.‬‬
‫أي عندما ‪٬‬تد مكانا ًله ‪ ،‬وهذا‬
‫خبلف زماننا حيث ٭تجز إنسانا ً‬
‫مكانا ًإلنسان آخر بالسجادة ‪ ،‬وقد‬
‫يدخل إنسان لؼتخىط الرقاب ‪،‬‬
‫و‪٬‬تلس يف الصف األول وهو ال يعلم‬
‫أن اهلل قد صف الصفوف قبل أن‬
‫يأيت هو إىل ا‪١‬تسجد ‪ .‬ومادمنا‬
‫سنًتك أقدارنا فبل تقل أين‬
‫سأجلس وّتوار َم ْن؟ بل اجلس‬
‫حيث ينتهي بك ا‪١‬تجلس وال تتخط‬
‫الرقاب ‪ .‬وانو االعتكاف وال تتكلم‬
‫يف أي أمر من أمور الدنيا حىت ال‬
‫تدخل يف دعوة رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم بأال يبارك اهلل لك يف‬
‫الضالة اليت تنشدها وتطلبها ‪.‬‬
‫وكان رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم يعتكف يف ا‪١‬تسجد يف العشر‬
‫األواخر من رمضان ‪ ،‬فهل معٌت‬
‫ذلك أن االعتكاف ال يصح إال يف‬
‫ا‪١‬تساجد؟ ال؛ إن االعتكاف يصح يف‬
‫أي مكان ‪ ،‬ولكن االعتكاف‬
‫با‪١‬تسجد هو االعتكاف الكامل؛‬
‫ألنك تأخذ فيه بالزمان وا‪١‬تكان معا ً‬
‫‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫{ َوال َ ُتب َ ِ ُر‬
‫اشو ُه َّن َوأن ْ ُت ْم عَاك ُف َ‬
‫ون ِيف‬
‫ود اهلل فَبل َ‬
‫ك ُح ُد ُ‬ ‫ا‪١‬تساجد تِل ْ َ‬
‫وها } ومعٌت « ا‪ٟ‬تد » هو‬ ‫تَقْ َر ُب َ‬
‫الفاصل ا‪١‬تانع من اختبلط شيء‬
‫بشيء ‪ ،‬وحدود اهلل هي ‪٤‬تارمه ‪.‬‬
‫والرسول صَل اهلل عليه وسلم يقول‬
‫‪ . . « :‬و َم ْن وقع يف الشبهات وقع يف‬
‫ا‪ٟ‬ترام كراع يرىع حول ا‪ٟ‬ت ىم‬
‫يوشك أن يواقعه ‪ ،‬أال إن لكل ملك‬
‫‪ٛ‬تى ‪ ،‬أال وإن ‪ٛ‬تى اهلل تعاىل يف‬
‫أرضه ‪٤‬تارمه » ‪.‬‬
‫إذن فا‪١‬تحارم هي اليت يضع اهلل ‪٢‬تا‬
‫حدا ًفبل نتعداه ‪.‬‬

‫ولنا أن نلحظ أنه ساعة ينىه اهلل‬


‫عن شيء فهو يقول ‪ { :‬فَبل َتَقْ َر ُب َ‬
‫وها‬
‫} وساعة يأمر بأمر يقول سبحانه‬
‫وها } ‪ .‬ويف ذلك ر‪ٛ‬تة‬ ‫‪ { :‬فَبل َتَعْت َ ُد َ‬
‫من اهلل بك أيّها ا‪١‬تكلف ‪.‬‬
‫فبل ٕتعل امرأتك تأتيك وأنت يف‬
‫معتكفك ‪ ،‬فقد تكون ‪ٚ‬تيلة ‪،‬‬
‫صحيح أنك ال تنوى أن تفعل أي‬
‫شيء ‪ ،‬لكن عليك أال تقرب أسباب‬
‫النواهي ‪ ،‬ومثال ذلك ٖتريم ا‪٠‬تمر‬
‫لقد أمر ا‪ٟ‬تق باجؾنابها أي أال‬
‫تقرب حىت مكان ا‪٠‬تمر؛ ألن‬
‫االقًتاب قد ُيزين لك أمر‬
‫احؾسائها ‪ ،‬إذن فلكي ٘تنع نفسك‬
‫من تلك ا‪١‬تحرمات فعليك أال‬
‫تقرب النواهي ‪ .‬ويف األوامر عليك‬
‫أال تتعداها ‪.‬‬
‫ويذيل ا‪ٟ‬تق اآلية بقوله ‪ { :‬كذلك‬
‫يُب ُِّت اهلل آيَاتِ ِه لِلنَّ ِ‬
‫اس لَعَل َّ ُه ْم يَتَّ ُق َ‬
‫ون‬ ‫َ ُ‬
‫} ‪ .‬واآليات هي العجائب ‪ ،‬وكل‬
‫آية هي شيء عجيب الفت ‪ ،‬لذلك‬
‫نقول ‪ :‬هذه آية يف ا‪ٟ‬تسن ‪ ،‬وتلك‬
‫آية يف ا‪ٞ‬تمال ‪ ،‬وقد ُتطلق اآلية‬
‫أيضا ًعَل السمة؛ ألن السمة أو‬
‫العبلمة هي اليت تلفؾنا إىل الشيء ‪،‬‬
‫فيكون ما جاء باآلية داخبل يف معٌت‬
‫ود اهلل فَبل َ‬
‫ك ُح ُد ُ‬ ‫قوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬تِل ْ َ‬
‫ُت اهلل آيَاتِ ِه‬
‫وها كذلك يُب َ ِّ ُ‬ ‫تَ ْق َر ُب َ‬
‫ون } ‪.‬‬ ‫لِلنَّ ِ‬
‫اس لَعَل َّ ُه ْم يَتَّ ُق َ‬
‫ولقد أوضحت هذه اآلية واآليات‬
‫السابقة عليها ‪ ،‬تشريعات الصيام‬
‫واالستؿناء من التشريع ‪ .‬رفعا‬
‫للحظر ودفعا للمشقة بعد أن تقع ‪،‬‬
‫وكل ذلك لؼستويف التشريع كل‬
‫مطلوبات اهلل من ا‪١‬تُ َش َّرع له ‪ .‬حُت‬
‫يأخذ كل إنسان ذلك الؽيان الوايف‬
‫من ربه ويسيطر به عَل حركة‬
‫حياته يف ضوء منهج اهلل يكون قد‬
‫اتىق ‪ .‬والتقوى كما نعلم لؼست‬
‫للنار فقط ‪ ،‬لكنها اتقاء لكل مشاكل‬
‫ا‪ٟ‬تياة؛ فالذي ‪٬‬تعل ا‪ٟ‬تياة ملؼئة‬
‫با‪١‬تشاكل هو أننا نأخذ بالقوانُت‬
‫اليت نسنها ألنفسنا ونعمل بها ‪،‬‬
‫ولكن إذا أخذنا تقنُت اهلل لنا فمعٌت‬
‫ذلك أننا نتقي المشاكل ‪ .‬ولذلك‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬و َم ْن أ َ ْع َر َض َعن‬
‫ِذكْ ِري فَإ َِّن ل َ ُه َمعِي َشةً َضنكا ً} ػ طه‬
‫‪] 124 :‬‬
‫أي أن حياته ٘تتلئ با‪٢‬تموم‬
‫وا‪١‬تشاكل ‪ ،‬ألنه ٮتالف منهج اهلل ‪.‬‬
‫وإذا لم تنشأ ا‪١‬تشاكل مع‬
‫ا‪١‬تخالفات لقال الناس ‪ :‬خالفنا‬
‫منهج اهلل وفلحنا ‪ ،‬لذلك كان البد‬
‫أن توجد ا‪١‬تشاكل لتنبهنا أن منهج‬
‫اهلل ‪٬‬تب أن يسيطر ‪ .‬وحُت‬
‫يتمسك الناس ٔتنهج اهلل ‪ ،‬لن تأيت‬
‫‪٢‬تم ا‪١‬تشاكل بإذن اهلل ‪.‬‬
‫وانظر إىل دقة األداء القرآين يف‬
‫ترتيب األحكام بعضها عَل بعض ‪،‬‬
‫فاإلنسان ا‪١‬تخلوق هلل يف األرض‬
‫ا‪١‬تسخرة له بكل ما فيها ‪ ،‬له حياة‬
‫وتبا‪ٟ‬تياة‬
‫‪٬‬تب أن ٭تافظ عليها ‪ .‬ىق‬
‫ببقاء الرزق يف االقؾيات من مأكل‬
‫ومشرب ‪ ،‬وكذلك يبىق النوع‬
‫اإلنساين بالتزاوج ‪ . .‬وتكلم اهلل يف‬
‫رزق االقؾيات ‪ ،‬فجعله للناس‬
‫‪ٚ‬تيعا عندما قال ‪ { :‬ياأيها الناس‬
‫كُلُوا ْ ِ‪٦‬تَّا ِيف األرض َحبلَال ً َط ِؼّبا ً} ػ‬
‫البقرة ‪] 168 :‬‬
‫وتكلم سبحانه ‪٥‬تاطبا ًا‪١‬تؤمنُت يف‬
‫شأن هذا الرزق ‪ ،‬فقال ‪ { :‬ياأيها‬
‫الذين آ َم ُنوا ْكُلُوا ْ ِمن َط ِؼّب ِ‬
‫ات َما‬‫َ‬
‫َرزَقْنَا ُك ْم } ػ البقرة ‪] 172 :‬‬
‫وبعد ذلك شاء اهلل أن يديم عَل‬
‫ا‪١‬تؤمنُت به قضية التكليف فح َّرم‬
‫عليهم الطعام والشراب والنكاح يف‬
‫أيام رمضان ‪ ،‬وهي حبلل يف غَت‬
‫رمضان ‪ ،‬وأحلها اهلل يف ليل‬
‫رمضان ‪.‬‬

‫وإذا كان قد أرشد أن كل حركة يف‬


‫ا‪ٟ‬تياة هدفها بقاء ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وإذا كان‬
‫بناء ا‪ٟ‬تياة يتوقف عَل الطعام؛ وهو‬
‫أمر ضروري لكل إنسان ‪ ،‬وإذا‬
‫كانت ا‪ٟ‬تياة ٘تتد وتتواىل باسؾبقاء‬
‫النوع ‪ ،‬فؼبلغ الرجل وينضج ويصَت‬
‫أهبل ًلئلخصاب ‪ ،‬وتبلغ ا‪١‬ترأة‬
‫وتنضج وتصَت أهبل ًلل‪ٛ‬تل ‪ ،‬فإذا‬
‫كانت كل ا‪١‬تسائل السابقة الزمة‬
‫للجميع ‪ ،‬فبلبد من تشريع ينظم‬
‫كل ذلك ‪.‬‬
‫إن التشريع يسمح لك أن تأكل ‪٦‬تا‬
‫٘تلك ‪ ،‬أو تأكل ‪٦‬تا ال مالك له ‪،‬‬
‫كنبات األرض غَت ا‪١‬تملوكة ألحد‬
‫‪ ،‬إال أنك قبل أن تأكل البد أن‬
‫تنظر يف الطعام لتعرف هل هو ‪٦‬تا‬
‫أحل اهلل أم ال؟ والتشريع ال يسمح‬
‫لك أن تأكل من نبات األرض‬
‫ا‪١‬تملوك لغَتك ‪ ،‬و٭ترم عليك أن‬
‫تصطاد حيوانات ‪٦‬تلوكة لغَتك ‪،‬‬
‫فالتشريع ٭تًتم ا‪ٞ‬تهد الذي ٖترك‬
‫به مالك األرض ليزرع النبات أو‬
‫ُلَتىب َا‪ٟ‬تيوان ‪ ،‬فبل تقل ‪ :‬إن ذلك‬
‫النبات يف األرض وأنا آكل منه ‪ ،‬أو‬
‫أن ذلك حيوان موجود أمامي وأنا‬
‫اصطدته ‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق يضع التشريع لؼنظم‬
‫ا‪ٟ‬تركة يف ا‪١‬تال ا‪١‬تملوك للغَت بعد‬
‫أن نظم ا‪ٟ‬تركة يف ا‪١‬تال غَت‬
‫ا‪١‬تملوك والطعام غَت ا‪١‬تملوك ‪،‬‬
‫فإذا سبقك إىل ا‪١‬تال غَت ا‪١‬تملوك أو‬
‫الطعام غَت ا‪١‬تملوك إنسان ‪ ،‬أو‬
‫ٖترك إنسان ْتركة يف الوجود‬
‫فاستنبط ماال ًصارت هناك قضية‬
‫أخرى ال تتعلق بذات ا‪١‬تأكول ‪،‬‬
‫ولكن ٔتلكية ا‪١‬تأكول ‪ ،‬فقد بُت‬
‫اهلل سبحانه ‪ :‬أن كل عمليات‬
‫اقؾياتك يف ا‪ٟ‬تياة عملية ال ٯتكن‬
‫أن تستقل بها أنت ‪ ،‬فبلبد من‬
‫اختبلط حركة اآلخرين معك ‪،‬‬
‫فأنت ال تأكل إال ‪٦‬تا يكون يف‬
‫أيديهم ‪ ،‬وهم ال يأكلون إال ‪٦‬تا‬
‫يكون يف يدك ‪.‬‬
‫فالفبلح مثبل ًيبذر البذر ‪ ،‬ولكنّه‬
‫٭تتاج إىل الصانع الذي يصنع له‬
‫الفأس ‪ ،‬ويصنع له ا‪١‬تحراث ‪،‬‬
‫ويصنع له الساقية ‪ ،‬والذي يصنع‬
‫ذلك ٭تتاج إىل من يعلمه ‪ ،‬و٭تضر له‬
‫ا‪١‬تواد ا‪٠‬تام ‪ ،‬إذن فهو سلسلت‬
‫األشياء اليت توصلك إىل الطعام‬
‫لوجدت حركات الكون كلها ٗتدم‬
‫هذه ا‪١‬تسألة ‪ .‬وهكذا ‪٧‬تد أن اآلكل‬
‫من ا‪١‬تال ا‪١‬تتداول أمر شائع بُت‬
‫البشر ‪ ،‬ويريد اهلل أن يضبطه‬
‫بنظام فقال سبحانه ‪َ { :‬وال َتأكلوا‬
‫أ َ ْم َوال َ ُك ْم بَؼْن َ ُك ْم بالباطل‪} . . .‬‬

‫َو َال تَأْكُلُوا أ َ ْم َوال َ ُك ْم بَؼْن َ ُك ْم بِالْبَا ِط ِل‬


‫َو ُت ْدلُوا بِهَا إ َِىل ا ْ‪ٟ‬ت ُ َّكا ِم لِتَأْكُلُوا فَ ِريقًا‬
‫اإلث ِْم َوأَن ْ ُت ْم‬ ‫ِم ْن أ َ ْمو ِال النَّ ِ‬
‫اس بِ ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ون (‪)188‬‬ ‫تَعْل َ ُم َ‬
‫ومادامت أموايل فلماذا ال آكلها؟ إن‬
‫األمر هنا للجميع ‪ ،‬واألموال‬
‫مضافة للجميع ‪ ،‬فا‪١‬تال ساعة‬
‫يكون ملكا يل ‪ ،‬فهو يف الوقت نفسه‬
‫يكون ماال ًينتفع به الغَت ‪.‬‬
‫إذن فهو أمر شائع عند ا‪ٞ‬تميع ‪ ،‬لكن‬
‫ركتداوله؟ إن‬‫ما الذي ٭تكم ح ة‬
‫الذي ٭تكم حركة تداوله هو ا‪ٟ‬تق‬
‫الثابت الذي ال يتغَت ‪ ،‬وال ٭تكمه‬
‫الباطل ‪ .‬وما معٌت الباطل ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق؟‬
‫إن الباطل هو الزائل ‪ ،‬وهو الذي ال‬
‫يدوم ‪ ،‬وهو الذاهب ‪ .‬وا‪ٟ‬تق هو‬
‫الثابت الذي ال يتغَت فبل تأكل‬
‫بالباطل ‪ ،‬أي ال تأكل ‪٦‬تا ٯتلكه‬
‫غَتك إال ْتق أثؽته اهلل ْتكم ‪ :‬فبل‬
‫تسرق ‪ ،‬وال تغتصب ‪ ،‬وال ٗتطف ‪،‬‬
‫وال ترتش ‪ ،‬وال تكن خائنا ًيف‬
‫األمانة اليت أنت موكل بها ‪ ،‬فكل‬
‫ذلك إن حدث تكن قد أكلت ا‪١‬تال‬
‫بالباطل ‪.‬‬
‫وحُت تأكل بالباطل فلن تستطيع‬
‫أنت شخصيا ًأن تعفي غَتك ‪٦‬تا‬
‫أْتته لنفسك ‪ ،‬وسيأكل غَتك‬
‫بالباطل أيضا ً‪ .‬ومادمت تأكل‬
‫بالباطل وغَتك يأكل بالباطل ‪،‬‬
‫هنا يصَت الناس ‪ٚ‬تيعا ًهنبا ًللناس‬
‫‪ٚ‬تيعا ‪ .‬لكن حُت ُ٭ت َكم اإلنسان‬
‫بقضية ا‪ٟ‬تق فأنت ال تأخذ إال با‪ٟ‬تق‬
‫‪ ،‬و‪٬‬تب عَل الغَت أال يعطيك إال‬
‫با‪ٟ‬تق ‪ ،‬وبذلك ٗتضع حركة ا‪ٟ‬تياة‬
‫كلها لقانون ينظم ا‪ٟ‬تق الثابت‬
‫الذي ال يتغَت ‪١ ،‬تاذا؟ ألن الباطل‬
‫قد يكون له علو ‪ ،‬لكن لؼس له‬
‫استقرار ‪ ،‬فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫آء‬ ‫م‬ ‫السمآء‬ ‫ن‬ ‫يقول ‪ { :‬أَن َ َزل ِ‬
‫م‬
‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فَ َسال َ ْت أ َ ْو ِدي َ ٌة بِ َق َد ِر َها فاحتمل‬
‫ون‬ ‫د‬
‫ُ‬ ‫السيل زَبَدا ً َرابِيا ًو ِ‪٦‬تَا يُوقِ‬
‫َ‬ ‫ّ َ ّ‬
‫عَلَي ْ ِه ِيف النار ابتغآء ِحلْي َ ٍة أ َ ْو َمتَا ٍع‬
‫زَب َ ٌد ِّمثْل ُ ُه كذلك ي َ ْض ِر ُب اهلل ا‪ٟ‬تق‬
‫َ‬
‫والباطل فَأ َّما الزبد فَي َ ْذ َه ُب ُج َفآء ً‬
‫َ‬
‫َوأ َّما َما يَن َف ُع الناس فَي َ ْم ُك ُ‬
‫ث ِيف‬
‫األرض كذلك ي َ ْض ِر ُب اهلل األمثال‬
‫} ػ الرعد ‪] 17 :‬‬
‫وساعة ترى مطرا ًيزنل يف ٍ‬
‫مسيل‬
‫ووا ٍد ‪ ،‬فأنت ٕتد هذا ا‪١‬تطر قد‬
‫كنس كل القش والقاذورات‬
‫وجرفها فطفت فوق ا‪١‬تاء و‪٢‬تا رغوة‬
‫‪ ،‬وكذلك فأنت عندما تدخل‬
‫ا‪ٟ‬تديد يف النار ٕتده يسيل وٮترج‬
‫منه ا‪٠‬تبث ‪ ،‬ويطفو ا‪٠‬تبث فوق‬
‫السطح ‪ ،‬وهكذا ‪٧‬تد أن طفو الشيء‬
‫وعلوه عَل السطح ال يعٍت أنه حق ‪،‬‬
‫إنه سبحانه يعطؼنا من األمور‬
‫ا‪١‬تُحسة ما نستطيع أن ‪٪‬تيز من‬
‫خبلله األمور ا‪١‬تعنوية ‪ ،‬وهكذا‬
‫ترى أن الباطل قد يطفو ويعلو إال‬
‫أنه ال يدوم ‪ ،‬بل ينتهي ‪ ،‬وا‪١‬تثل‬
‫العامي يقول ‪ « :‬يفور ويغور » ‪.‬‬
‫إن اهلل يريد أن تكون حركة‬
‫حياتنا نظيفة شريفة ‪ ،‬حركة‬
‫كرٯتة فبل يدخل يف بطنك إال ما‬
‫عرقت من أجله ‪ ،‬ويأخذ كل‬
‫إنسان حقه ‪ .‬وقبل أن يفكر‬
‫اإلنسان يف أن يأكل عليه أن‬
‫يتحرك ليأكل ‪ ،‬ال أن ينتظر ‪ٙ‬ترة‬
‫حركة اآلخرين ‪١ ،‬تاذا؟ ألن هذا‬
‫الكسل يشيع الفوَض يف ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬
‫وحُت نرى إنسانا ًال يعمل ويعؼش‬
‫يف راحة ويأكل من عمل غَته فإن‬
‫هذا اإلنسان يصبح مثبل ً٭تتذي به‬
‫اآلخرون فيقنع الناس ‪ٚ‬تيعا ً‬
‫بالسكون عن ا‪ٟ‬تركة ويعيشون‬
‫عالة عَل اآلخرين ‪.‬‬

‫ويًتتب عَل ذلك توقف حركة‬


‫ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وهذا باطل زائل ‪ ،‬وبه‬
‫تنتهي ‪ٙ‬تار حركة ا‪١‬تتحرك ‪ ،‬وهنا‬
‫‪٬‬توع الكل ‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق يريد لئلنسان أن يتحرك‬
‫ليشبع حاجته من طعام وشراب‬
‫ومأوى ‪ ،‬وبذلك تستمر دورة‬
‫ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬إنه سبحانه يريد أن‬
‫يضمن لنا شرف ا‪ٟ‬تركة يف ا‪ٟ‬تياة‬
‫ٔتعٌت أن تكون لك حركة يف كل‬
‫شيء تنتفع به؛ ألن حركتك لن‬
‫يقتصر نفعها عليك ‪ ،‬ولكنها‬
‫سلسلة متدافعة من ا‪ٟ‬تركات‬
‫ا‪١‬تختلفة ‪ ،‬وحُت تشيع أنت شرف‬
‫ا‪ٟ‬تركة فالكل سؼتحرك ‪٨‬تو هذا‬
‫الشرف ‪ ،‬لكن الباطل يتحقق‬
‫بعكس ذلك ‪ ،‬فأنت حُت تأكل من‬
‫حركة اآلخرين تشيع الفوَض يف‬
‫الكون ‪.‬‬
‫وعَل هذا فا‪ٟ‬تركة ا‪ٟ‬تبلل ال يكفي‬
‫فيها أن تتحرك فقط ‪ ،‬ولكن ‪٬‬تب‬
‫أن تنظر إىل شرف ا‪ٟ‬تركة بأال‬
‫تكون يف الباطل ‪ ،‬ألن الذي يسرق‬
‫إ‪٪‬تا يتحرك يف سرقته ‪ ،‬ولكن‬
‫حركته يف غَت شرف وهي حركة‬
‫حرام ‪ .‬إذن كل مسروق يف الوجود‬
‫نؾيجة حركة باطلة ‪ ،‬وكذلك‬
‫الغصب ‪ ،‬والتدلؼس ‪ ،‬والغش ‪،‬‬
‫وعدم األمانة يف العمل ‪ ،‬وا‪٠‬تيانة‬
‫يف الوديعة ‪ ،‬وإنكار األمانة ‪ ،‬كل‬
‫ذلك باطل ‪ ،‬وكل حركة يف غَت ما‬
‫شرع اهلل باطل ‪ ،‬حىت ا‪١‬تعونة عَل‬
‫حركة يف غَت ما شرع اهلل ‪ ،‬كل ذلك‬
‫باطل ‪.‬‬
‫ويقول لنا ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪َ { :‬وال َ‬
‫تأكلوا أ َ ْم َوال َ ُك ْم بَؼْن َ ُك ْم بالباطل}‬
‫أي إياكم أن تأكلوها بالباطل ثم‬
‫تدلوا بها إىل ا‪ٟ‬تكام لؼُبروا لكم أن‬
‫هذا الباطل هو حق لكم ‪ .‬فهناك‬
‫أناس كثَتون يرون يف فعل ا‪ٟ‬تاكم‬
‫مُبرا ًألن يفعلوا مثله ‪ ،‬وهذا أمر‬
‫خاطئ؛ ألن كل إنسان مسئول عن‬
‫حركته ‪.‬‬
‫ال تقل إن ا‪ٟ‬تاكم قد شرع أعماال ً‬
‫و ُتلىق عليه تبعة أفعالك؛ ومثال‬
‫ذلك تلك األشياء اليت نقول عليها‬
‫ّإهنا فنون ‪ٚ‬تيلة من رقص وغناء‬
‫وخبلعة ‪ ،‬هل إباحة ا‪ٟ‬تكومات ‪٢‬تا‬
‫وعدم منعها ‪٢‬تا هل ذلك ‪٬‬تعلها‬
‫حبلالً؟ ال؛ ألن هناك فرقا ًبُت‬
‫الديانة ا‪١‬تدنية والديانة الربانية ‪.‬‬
‫ولذلك ٕتد أن الفساد إ‪٪‬تا ينشأ يف‬
‫ا‪ٟ‬تياة من مثل هذا السلوك ‪.‬‬
‫إن الذين يشتغلون بعمل ال يقره‬
‫اهلل فهم يأكلون أموا‪٢‬تم بالباطل ‪،‬‬
‫ويُدخلون يف بطون أوالدهم‬
‫األبرياء ماال ًباطبل ً‪ ،‬وعَل الذين‬
‫يأكلون من مثل هذه األشياء أن‬
‫ينؾبهوا جيدا ًإىل أن الذي يعو‪٢‬تم ‪،‬‬
‫إ‪٪‬تا أدخل عليهم أشياء من هذا‬
‫ا‪ٟ‬ترام والباطل ‪ ،‬وعليهم أن‬
‫يذكروا ربهم وأن يقولوا ‪ :‬ال لن‬
‫نأكل من هذا ا‪١‬تصدر؛ ألنه مصدر‬
‫حرام وباطل ‪ ،‬ونحن قد خلقنا اهلل‬
‫وهو سبحانه متكفل برزقنا ‪.‬‬
‫وأنا ا‪ٝ‬تع كثَتا ً‪٦‬تن يقولون ‪ :‬إن‬
‫هذه األعمال الباطلة أصبحت‬
‫مسائل حياة ‪ ،‬ترتبت ا‪ٟ‬تياة عليها‬
‫ولم نعد نستطيع االستغناء عنها ‪.‬‬
‫وأقول ‪٢‬تم ‪ :‬ال ‪ ،‬إن عليكم أن‬
‫ترتبوا حياتكم من جديد عَل‬
‫عمل حبلل ‪ ،‬وإذا أصر واحد عَل‬
‫أن يعمل عمبل ًغَت حبلل ليعول‬
‫من هو ٖتته ‪ ،‬فعَل ا‪١‬تُعال أن يقف‬
‫منه موقفا يرده ‪ ،‬ويصر عَل أال يأكل‬
‫من باطل ‪.‬‬

‫وتصوروا ماذا ٭تدث عندما يرفض‬


‫ابن أن يأكل من عمل أمه اليت‬
‫ترقص مثبل أو تغٍت ‪ ،‬أو عمل والده‬
‫إذا علم أنه يعمل بالباطل؟‬
‫ا‪١‬تسألة ستكون قاسية عَل األب أو‬
‫األم نفسيهما ‪.‬‬
‫إن الذين يقولون ‪ :‬إن هذا رزقنا‬
‫وال رزق لنا سواه ‪ ،‬أقول ‪٢‬تم ‪ :‬إن‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل يرزق من يشاء‬
‫بغَت حساب ‪ ،‬وال يظن إنسان أن‬
‫عمله هو الذي سَتزقه ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬
‫يرزقه اهلل بسبب هذا العمل ‪ :‬فإن‬
‫انتقل من عمل باطل إىل عمل‬
‫آخر حبلل فلن يضن اهلل عليه‬
‫بعمل حق ورزق حبلل ليقتات منه‬
‫‪.‬‬
‫وقد عاًف ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل هذه‬
‫القضية حؼنما أراد أن ٭ترم بيت‬
‫اهلل يف مكة عَل ا‪١‬تشركُت ‪ ،‬لقد كان‬
‫هناك أناس يعيشون عَل ما يأيت به‬
‫ا‪١‬تشركون يف موسم ا‪ٟ‬تج ‪ ،‬وكان‬
‫أهل مكة يؽيعون يف هذا ا‪١‬توسم‬
‫االقتصادي كل شيء للمشركُت‬
‫الذين يأتون للؽيت ‪ ،‬وحُت ُ٭ت َ ّ ِرم‬
‫اهلل عَل ا‪١‬تشرك أن يذهب إىل‬
‫الؽيت ا‪ٟ‬ترام فماذا يكون موقف‬
‫هؤالء؟ إن أول ما ٮتطر عَل البال هو‬
‫الظن القائل ‪ « :‬من أين يعيشون‬
‫»؟ ولنتأمل القضية اليت يريد اهلل‬
‫أن ترسخ يف نفس كل مؤمن ‪ .‬قال‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬إ َِّ‪٪‬تَا ا‪١‬تشركون َ‪٧‬ت َ ٌس فَبل َ‬
‫يَقْ َر ُبوا ْا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام بَعْ َد عَا ِم ِه ْم‬
‫هذا } ػ التوبة ‪] 28 :‬‬
‫ثم يأيت للقضية اليت تشغل بال‬
‫الناس فيقول ‪َ { :‬وإ ِْن ِخ ْف ُت ْم َعيْلَةً‬
‫فَ َس ْو َف يُغ ْ ِني ُك ُم اهلل ِمن فَ ْضلِ ِه إِن‬
‫َشآءَ} ػ التوبة ‪] 28 :‬‬
‫وهكذا نرى أن هذه القضية لم‬
‫ٗتف عَل اهلل فبل يقولن أح ٌد إن‬
‫العمل الباطل ا‪ٟ‬ترام هو مصدر‬
‫رزيق ‪ ،‬ولن أستطيع العؼش لو‬
‫تركته سواء كان تلحؼنا ًأو عزفا ًأو‬
‫تأليفا ًلؤلغاين ا‪٠‬تليعة ‪ ،‬أو الرقص ‪،‬‬
‫أو ‪٨‬تت التماثيل ‪ .‬نقول له ‪ :‬ال ‪ ،‬ال‬
‫ٕتعل هذا مصدرا ًلرزقك واهلل‬
‫يقول لك ‪َ { :‬وإ ِْن ِخ ْف ُت ْم َعيْلَةً‬
‫فَ َس ْو َف يُغ ْ ِني ُك ُم اهلل ِمن فَ ْضلِ ِه } ‪.‬‬
‫وأنت عندما تتقي اهلل ‪ ،‬فهو‬
‫سبحانه ‪٬‬تعل لك ‪٥‬ترجا ً‪َ { .‬و َمن‬
‫يَتَّ ِق اهلل َ‪٬‬تْعَل ل َّ ُه َ‪٥‬ت ْ َرجا ً* َوي َ ْر ُزقْ ُه‬
‫ث ال َ َ٭تْؾ َ ِس ُب } ‪ ،‬وعليك أن‬ ‫ِ‬
‫م ْن َحي ْ ُ‬
‫تًتك كل عمل فيه معصية هلل‬
‫وانظر إىل يد اهلل ا‪١‬تمدودة لك‬
‫ٓتَته ‪.‬‬
‫إذن فقول اهلل ‪َ { :‬وال َتأكلوا‬
‫أ َ ْم َو َ‬
‫الُك ْم بَؼْن َ ُك ْم بالباطل } تنؽيه‬
‫للناس أال يُدخلوا يف بطوهنم‬
‫وبطون من يعولون إال ماال ًمن حق ‪،‬‬
‫وماال ًْتركة شريفة؛ نظيفة ‪،‬‬
‫وليكن سند ا‪١‬تؤمن دائما ًقول ا‪ٟ‬تق‬
‫‪َ { :‬و َمن يَتَّ ِق اهلل َ‪٬‬تْعَل ل َّ ُه َ‪٥‬ت ْ َرجا ً*‬
‫ث ال َ َ٭تْؾ َ ِس ُب } ػ‬ ‫ِ‬
‫َوي َ ْر ُزقْ ُه م ْن َحي ْ ُ‬
‫الطبلق ‪] 3-2 :‬‬
‫ولنا أن نعرف أن َم ْن أكل بباطل‬
‫جاع ْتق ‪ ،‬أي أن اهلل يؽتليه ٔترض‬
‫‪٬‬تعله ال يأكل من ا‪ٟ‬تبلل الطيب ‪،‬‬
‫فتجد إنسانا ًٯتتلك أمواال ً‬
‫ويستطيع أن يأكل من كل ما يف‬
‫الكون من مطعم ومشرب ‪ ،‬ولكن‬
‫األطباء ٭ترمون عليه األكل من‬
‫أطعمة متعددة ألن أكلها وبال‬
‫وخطر عَل ه‬
‫صحت‪ ،‬وتكون النعمة‬
‫أمامه وملك يديه ‪ ،‬ولكنه ال‬
‫يستطيع أن يأكل منها ْتق ‪.‬‬

‫ويف الوقت نفسه يتمتع بالنعمة‬


‫أوالده وخدمه وحاشؼته وكل َم ْن‬
‫يعو‪٢‬تم ‪ ،‬مثل هذا اإلنسان نقول‬
‫له ‪ :‬البد أنك أخذت شؼئا ًبالباطل‬
‫فحرمك اهلل من ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬
‫ومن هنا نقول ‪َ « :‬م ْن أكل بباطل‬
‫جاع ْتق » ‪ .‬وكذلك نقول ‪َ « :‬م ْن‬
‫استغل وسيلة يف باطل أراه اهلل‬
‫قبحها ْتق » ‪ ،‬فالذي ظلم الناس‬
‫بقوته وبعضبلته ا‪١‬تفتولة البد أن‬
‫يأيت عليه يوم يصبح ضعيفا ً‪.‬‬
‫وا‪١‬ترأة اليت ْتز وسطها برشاقة البد‬
‫أن يأيت عليها يوم يتيؽس وسطها‬
‫فبل تصبح قادرة عَل ا‪ٟ‬تركة ‪ ،‬واليت‬
‫ٗتايل الناس ّتمال عيوهنا يف‬
‫اليمُت والشمال البد أن يأتيها‬
‫يوم وتع ىم فبل ترى أحدا ‪ ،‬وينفر‬
‫الناس من دمامتها ‪.‬‬
‫إن كل َم ْن أكل بباطل سيجوع ْتق‬
‫‪ ،‬وكل َم ْن استغل وسيلة بباطل‬
‫أراه اهلل قبحها ْتق ‪ ،‬واكتب قائمة‬
‫أمامك ‪١‬ت َ ْن تعرفهم ‪ ،‬واستعرض‬
‫حياة كل َم ْن استغل شؼئا ً‪٦‬تا خلقه‬
‫اهلل يف إشاعة ا‪٨‬تراف ما أو جعله‬
‫وسيلة لباطل البد أن يُريه اهلل‬
‫باطبل ًفيه ‪.‬‬
‫وأنا أريد الناس أن يعملوا قائمة‬
‫لكل ا‪١‬تنحرفُت عن منهج اهلل ‪،‬‬
‫ويتأملوا مسَتة حياْتم ‪ ،‬وكل منا‬
‫يعرف جَتانه وزمبلءه من أين‬
‫يأكلون؟ ومن أين يكؾسبون؟‬
‫لؼتأمل حياْتم ويعرف أعمال‬
‫ا‪ٟ‬تبلل وا‪ٟ‬ترام و‪٬‬تعل حياْتم عُبة‬
‫له وألوالده ‪ ،‬كيف كانوا؟ وإيل أي‬
‫شيء أصبحوا؟ ثم ينظر خواتيم‬
‫هؤالء كيف وصلت ‪.‬‬
‫ومن حؽنا ‪٢‬تؤالء الناس نقول ‪٢‬تم ‪:‬‬
‫تداركوا أمر أنفسكم فلن ٗتدعوا‬
‫اهلل يف أنكم ٕتمعون ا‪١‬تال ا‪ٟ‬ترام ‪،‬‬
‫وبعد ذلك ٗترجون منه الصدقات ‪،‬‬
‫إن اهلل لن يقبل منكم عملكم‬
‫هذا؛ ألن اهلل طيب ال يقبل إال‬
‫الطيب ‪.‬‬
‫و‪٨‬تن نسمع عن كثَت من‬
‫ا‪١‬تنحرفُت يف ا‪ٟ‬تياة يذهبون للحج ‪،‬‬
‫ويقيمون مساجد ويتصدقون ‪،‬‬
‫وكل ذلك بأموال مصدرها حرام ‪،‬‬
‫و‪٢‬تؤالء نقول ‪ :‬إن اهلل غٍت عن‬
‫عبادتكم ‪ ،‬وعن صدقاتكم ا‪ٟ‬ترام‬
‫‪ ،‬وننصحهم بأن اهلل ال ينتظر‬
‫منكم بناء بيوت له من حرام أو‬
‫التصدق عَل عباده من مال‬
‫مكؾسب بغَت حبلل ‪ ،‬لكنه‬
‫سبحانه يريد منكم استقامة عَل‬
‫ا‪١‬تنهج ‪.‬‬
‫وحُت نتأمل اآلية ‪٧‬تد فيها عجبا ً‪،‬‬
‫يقول اهلل عز وجل ‪َ { :‬وال َتأكلوا‬
‫أ َ ْم َوال َ ُك ْم بَؼْن َ ُك ْم بالباطل َو ُت ْدلُوا ْ‬
‫بِهَا إ َِىل ا‪ٟ‬تكام } لقد ذكر ا‪ٟ‬تق‬
‫ا‪ٟ‬تكام يف اآلية؛ ألن اٌفاكم هو‬
‫الذي يقنن ويعطي مشروعية‬
‫للمال ولو كان باطبل ً‪ ،‬وقوله‬
‫سبحانه ‪ُ { :‬ت ْدلُوا ْ} مأخوذة من «‬
‫أدىل » ‪ ،‬و‪٨‬تن نديل الدلو لرفع ا‪١‬تاء‬
‫من الؽئر و « داله » ‪ :‬أي أخرج‬
‫الدلو ‪ ،‬أما « أدىل » ‪ :‬فمعناها «‬
‫أنزل الدلو » ‪ .‬ولذلك يف قصة‬
‫الشيطان الذي يغوي اإلنسان قال‬
‫‪٫‬تا بِغُ ُرو ٍر فَل َ َّما ذَاقَا‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَ َدال َّ ُ َ‬
‫الشجرة ب َ َد ْت َ‪٢‬ت ُ َما َس ْوءَ ُاْت ُ َما } ػ‬
‫األعراف ‪] 22 :‬‬
‫{ َو ُت ْدلُوا ْبِهَا إ َِىل ا‪ٟ‬تكام } أي ترشوا‬
‫ا‪ٟ‬تكام لتأكلوا فريقا من أموال‬
‫الناس بالباطل ‪ ،‬ومن العجيب أن‬
‫هذا النص بعؼنه هو نص الرشوة ‪.‬‬
‫والرشوة مأخوذة من ِّ‬
‫الرشاء ‪،‬‬
‫وال ّ ِرشاء هو ا‪ٟ‬تبل الذي يعلق فيه‬
‫ال َّدلو ‪ ،‬فأدىل ودَال َيف الرشوة ‪ .‬و‪١‬تاذا‬
‫يدلون بها إىل ا‪ٟ‬تكام؟ إهنم يفعلون‬
‫ذلك حىت يعطيهم ا‪ٟ‬تكام التشريع‬
‫التقنؼٍت ألكل أموال الناس‬
‫بالباطل ‪ ،‬وذلك عندما نكون‬
‫‪٤‬تكومُت بقوانُت البشر ‪ ،‬لكن‬
‫حؼنما نكون ‪٤‬تكومُت بقوانُت اهلل‬
‫فا‪ٟ‬تاكم ال يؽيح مثل هذا الفعل ‪.‬‬
‫ولذلك وضع رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم هذا ا‪١‬تبدأ فقال ‪ « :‬إ‪٪‬تا‬
‫أنا بشر وإنه يأتؼٍت ا‪٠‬تصم فلعل‬
‫بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ‪،‬‬
‫فأحب أنه صادق فأقضي له بذلك ‪،‬‬
‫فمن قضيت له ْتق مسلم فإ‪٪‬تا هي‬
‫قطعة من النار فليأخذها أو لؼًتكها‬
‫» ‪ .‬إن الذين يقول ذلك هو رسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وهو‬
‫ا‪١‬تعصوم ‪ ،‬إنه ٭تذر من أن ٭تاول‬
‫أحد أن يبالغ يف قوة ا‪ٟ‬تجة ليأخذ بها‬
‫حقا ًلؼس له ‪.‬‬
‫إذن فحُت يُقنن الفساد فذلك‬
‫نؾيجة أن ا‪ٟ‬تاكم يقر ذلك ‪ ،‬ويأخذ‬
‫اإلنسان ا‪ٟ‬تاكم كأمر هنائي ‪ ،‬مثال‬
‫ذلك ‪ :‬بعض من ا‪ٟ‬تكام لم ٭ترموا‬
‫الربا ‪ ،‬ويتعامل به الناس بدعوى‬
‫ا‪ٟ‬تكومات ٖتلله ‪ ،‬فبل حرج عليهم‬
‫‪ .‬ومثل هذا الفهم غَت صحيح؛ ألن‬
‫ا‪ٟ‬تكومات ال يصح أن ٖتلل ما‬
‫حرمه اهلل ‪ ،‬وإن حللت ذلك فعَل‬
‫ا‪١‬تؤمن أن ٭تتاط وأن يعرف أنه‬
‫وا‪ٟ‬تكام ‪٤‬تكومون بقانون إ‪٢‬تي ‪،‬‬
‫وإن لم تقنن ا‪ٟ‬تكومات ا‪ٟ‬تبلل من‬
‫أجل سلطتها الزمنية فعَل ا‪١‬تؤمن‬
‫أال ٮترج عن تعاليم دينه ‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إىل أي فساد يف الكون ‪،‬‬
‫يف أي مظهر من مظاهر الفساد‬
‫فسنجد أن سؽبه هو أكل ا‪١‬تال‬
‫بالباطل ‪ ،‬ولذلك لم يًتك ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل تلك ا‪١‬تسائل غائبة‬
‫‪ ،‬وإ‪٪‬تا جعلها من األشياء ا‪١‬تشاهدة‬
‫‪ .‬وأنت إن أردت أن تعرف خلق‬
‫أي عصر ‪ ،‬واستقامته الدينية‬
‫وأمانته يف تصريف ا‪ٟ‬تركة فانظر‬
‫إىل ا‪١‬تعمار يف أي عصر من العصور‬
‫‪ ،‬انظر إىل ا‪١‬تباين ومن خبل‪٢‬تا‬
‫تستطيع أن ُتقَيم أخبلق العصر ‪.‬‬
‫إنك إن نظرت إىل عملية الؽناء‬
‫اآلن ٕتد فيها استغبلل ا‪١‬تال ‪،‬‬
‫وعدم أمانة ا‪١‬تنفذ ‪ ،‬وخيانة العامل‬
‫‪ ،‬وكل هذه ا‪ٞ‬توانب تراها يف‬
‫ا‪١‬تعمار ‪ .‬لننظر مثبل إىل ‪٣‬تمع‬
‫التحرير ولنسًتجع تاريخ بنائه ‪،‬‬
‫ولنقرنه ٔتؽٌت هؼئة الُبيد أو دار‬
‫القضاء العايل وما بٍت يف عهد‪٫‬تا‪.‬‬
‫ولننظر إىل ا‪١‬تباين واإلنشاءات اليت‬
‫نسمع عنها وتنهار فوق سكاهنا‬
‫ولنقارهنا ٔتؽٌت هؼئة الُبيد أو دار‬
‫القضاء العايل ‪ ،‬س‪٧‬تد أن ا‪١‬تباين‬
‫القدٯتة قامت عَل الذمة واألمانة ‪،‬‬
‫أما ا‪١‬تباين اليت تنهار عَل سكاهنا يف‬
‫زماننا أو تعاين من تلف وصبلت‬
‫الصرف الصحي فيها ‪ ،‬تلك ا‪١‬تباين‬
‫قامت عَل غش ا‪١‬تمول الشره‬
‫الطامع ‪ ،‬وا‪١‬تهندس ا‪١‬تدلس الذي‬
‫صمم أو أشرف عَل الؽناء أو الذي‬
‫تسلم ا‪١‬تؽٌت وأقر صبلحؼته ‪،‬‬
‫ومرورا ًبالعامل ا‪٠‬تائن ‪ ،‬وتكون‬
‫النؾيجة ضحايا أبرياء ال ذنب ‪٢‬تم ‪،‬‬
‫ينهار عليهم ا‪١‬تؽٌت وٮترجون جؿثا‬
‫من ٖتت األنقاض ‪ ،‬إن كل ذلك‬
‫سؽبه أكل ا‪١‬تال بالباطل ‪ .‬ولقد‬
‫نظر الشاعر أ‪ٛ‬تد شويق يف هذه‬
‫ا‪١‬تسألة ‪ ،‬وجعل األخبلق والدين‬
‫من ا‪١‬تبادئ فقال ‪:‬‬
‫ولؼس بعامر بنيان قوم ‪ ...‬إذا‬
‫أخبلقهم كانت خرابا‬
‫وأنا أقًتح عَل الدولة أن تعد سجبل‬
‫‪٤‬تفوظا لكل عمارة يتم بناؤها ‪،‬‬
‫ُو٭تفظ يف هذا السجل اسم ‪٦‬تو‪٢‬تا ‪،‬‬
‫وا‪١‬تهندس الذي أشرف عَل بنائها ‪،‬‬
‫وكذلك أ‪ٝ‬تاء عمال الؽناء ‪،‬‬
‫وعمال التشطيب ‪ ،‬واألعمال‬
‫الصحية والكهربائية وكافة‬
‫العمال الذين شاركوا يف بنائها ‪.‬‬
‫ُو٭تفظ كل ذلك يف ملف خاص‬
‫بالعمارة ‪ ،‬وعندما ٭تدث أي شيء‬
‫يأتون بهؤالء ‪ ،‬كل يف ٗتصصه‬
‫و٭تاسبوهنم عَل ما قصروا فيه من‬
‫عمل ‪ ،‬وإال فإن أرواح الناس‬
‫ستذهب سدي؛ فكل إنسان منا له‬
‫فرصة يف هذه ا‪ٟ‬تياة وعليه أال يطىغ‬
‫عَل نصيب غَته ‪.‬‬
‫وهب أننا نأخذ سلعة « بطابور »‬
‫حىت ال يتقدم أحد عَل دور اآلخر ‪،‬‬
‫وقد جاء األول يف « الطابور » من‬
‫الساعة السابعة صباحا ًوأخذ دوره‬
‫‪ ،‬وجاء آخر متأخرا بعد أن نام‬
‫واسًتاح ثم قىض ‪ٚ‬تيع مصا‪ٟ‬ته‬
‫وذهب للجمعية ووجد الصف‬
‫طويبل ‪ ،‬فنظر حوله إىل شخص‬
‫يتخىط هذا « الطابور »؛ وأعطاه‬
‫مبلغا من ا‪١‬تال سهل له قضاء حاجته‬
‫‪ ،‬مثل هذا اإلنسان تعدى عَل‬
‫حقوق كل الواقفُت يف « الطابور »‬
‫‪.‬‬
‫وقد يقول ‪ :‬أنا أخذت مثلما‬
‫يأخذون ‪ ،‬نقول له ‪ :‬ال؛ لقد أخذت‬
‫زمن غَتك وال يصح أن تأيت آخر‬
‫الناس وتأخذ حق الشخص الذي‬
‫وقف يف « الطابور » من السابعة‬
‫صباحا ‪ .‬إن حقك مرتبط بزمنك ‪،‬‬
‫فبل تعتد عَل وقت اآلخرين الذين‬
‫هم أضعف منك قدرة أو ماال ً‪ .‬إن‬
‫ا‪ٟ‬تق يقول ‪َ { :‬وال َتأكلوا أ َ ْم َوال َ ُك ْم‬
‫بَؼْن َ ُك ْم بالباطل َو ُت ْدلُوا ْبِهَا إ َِىل‬
‫ا‪ٟ‬تكام لِتَأْكُلُوا ْفَ ِريقا ً ِّم ْن أ َ ْم َو ِال‬
‫َ‬
‫الناس باإلثم َوأن ْ ُت ْم تَعْل َ ُم َ‬
‫ون} ‪.‬‬
‫والفريق هو ا‪ٞ‬تماعة ا‪١‬تعزولة من‬
‫أكثعددا ‪ ،‬فإذا ما انفصلت‬ ‫‪ٚ‬تاعة ر‬
‫‪ٚ‬تاعة صغَتة عن أناس بهذه‬
‫ا‪ٞ‬تماعة ُتس ىم فريقا ً‪.‬‬
‫واإلثم األصيل فيه ولو لم يكن‬
‫هناك دين أن تفعل ما ُتعاب عليه‬
‫و ُتذم ‪ ،‬وكذلك ُتعاب عليه و ُتذم‬
‫من ناحية الدين ‪ ،‬وفوق ذلك‬
‫تعاقب يف اآلخرة ‪ .‬وما هو مقياس‬
‫ا‪ٟ‬تق والباطل؟ إن ا‪١‬تقياس الذي‬
‫ينجيك من الباطل هو أن تقبل‬
‫لنفسك ما تقبله للطرف اآلخر يف‬
‫أية صفقة أو معاملة؛ ألنك ال‬
‫ترَض لنفسك إال ما تعلم أن فيه‬
‫نفعا ًلك ‪.‬‬
‫ثم ينتقل ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل إىل‬
‫قضية يعاًف فيها أمرا ًواجه الدعوة‬
‫اإلسبلمية ‪ ،‬والدعوة اإلسبلمية‬
‫إ‪٪‬تا جاءت لتخلع ا‪١‬تؤمنُت باهلل من‬
‫واقع يف ا‪ٟ‬تياة كان كله أو أغلبه باطبل ً‬
‫‪ ،‬ولكنهم اعتادوه وألفوه أو استفاد‬
‫أناس من ذلك الباطل ‪ ،‬ذلك أن‬
‫الباطل ال يستمر إال إذا كان هناك‬
‫َم ْن يستفيدون منه ‪ .‬وجاء اإلسبلم‬
‫ليخلص الناس من هذه األشياء‬
‫الباطلة ‪ .‬فا‪ٟ‬تق لم يشأ أن يعلمنا‬
‫أن كل أحوال الناس غارقة يف‬
‫الشرور ‪ ،‬بل كانت هناك أمور‬
‫أقرها اإلسبلم كما هي ‪ ،‬فاإلسبلم‬
‫لم يغَت ‪١‬تجرد التغيَت ‪ ،‬ولكنه واجه‬
‫األمور الضارة با‪ٟ‬تياة اليت ال‬
‫يستفيد منها إال أهل الباطل ‪.‬‬

‫مثال ذلك كان العرف السائد يف‬


‫الدية أهنا مائة من اإلبل يدفعها‬
‫أهل القاتل ‪ ،‬وقد أبقاها اإلسبلم‬
‫كما هي ‪ .‬وحؼنما استقبل‬
‫ا‪١‬تسلمون اإلٯتان باهلل ‪ ،‬فهم قد‬
‫استقبلوا أحكامه وأرادوا أن يؽنوا‬
‫حياْتم عَل نظام إسبلمي جديد‬
‫طاهر ‪ ،‬حىت الشيء الذي كانوا‬
‫يعملونه يف ا‪ٞ‬تاهلية كانوا يسألون‬
‫عن حكمه؛ ألهنم ال يريدون أن‬
‫يصنعوه عَل عادة ما كان يصنع ‪ ،‬بل‬
‫عَل نية القرىب إىل اهلل باالمؾثال ‪،‬‬
‫إذن فهم عشقوا التكليف ‪ ،‬وعلموا‬
‫أن اهلل لم يكلفهم إال بالنافع ‪،‬‬
‫ك } يف‬‫وعندما نقرأ { ي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫القرآن فاعلم أهنا من هذا النوع ‪،‬‬
‫مثل ذلك قوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫ون ُق ِل العفو }‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ك ماذَا يُن ِ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫و‬‫ُ‬ ‫ل‬‫ويسأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬
‫ػ البقرة ‪] 219 :‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫ك َع ِن‬
‫المحيض ُق ْل ُه َو أَذًى } ػ البقرة ‪:‬‬
‫‪] 222‬‬
‫ك َع ِن‬‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫الؼتاىم } ػ البقرة ‪] 220 :‬‬
‫ك َماذَا‬ ‫وقوله تعاىل ‪ { :‬ي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫ون ُق ْل َمآ أَن ْ َف ْق ُت ْم ِّم ْن َخ ْ ٍ‬
‫َت‬ ‫ِ‬
‫يُنْف ُق َ‬
‫فَلِل ْ َوال ِ َدي ْ ِن واألقربُت } ػ البقرة ‪:‬‬
‫‪] 215‬‬
‫ك َعن ِذي‬ ‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫القرنُت ‪ } . .‬ػ الكهف ‪] 83 :‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬ي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫ك َع ِن‬
‫ّلل والرسول }‬ ‫األنفال ُق ِل األنفال َ ِ‬
‫ّ‬
‫ػ األنفال ‪] 1 :‬‬
‫إذن فكل سؤال معناه أهنم أرادوا أن‬
‫يؽنوا حياْتم عَل نظام إسبلمي ‪،‬‬
‫حىت الشيء الذي لم يغَته اإلسبلم‬
‫أرادوا أن يعرفوه ويصنعوه عَل أنه‬
‫حكم اإلسبلم ال عَل حكم العادة ‪.‬‬
‫والسؤال الذي ‪٨‬تن بصدده يعاًف‬
‫قضية كونية ‪ .‬وعندما يسأل‬
‫ا‪١‬تسلمون عن قضية كونية فذلك‬
‫دليل عَل أهنم التفتوا إىل كون اهلل‬
‫التفاتا ًدينيا ًآخر ‪ ،‬لقد وجدوا‬
‫الشمس تشرق كل يوم وال تتغَت ‪،‬‬
‫أما القمر الذي يطلع يف الليل فهو‬
‫الذي يتغَت ‪ ،‬إنه يبدأ يف أول الشهر‬
‫صغَتا ًثم يكُب حىت يصبح بدرا ً‪،‬‬
‫وبعد ذلك يبدأ يف الؾناقص حىت‬
‫يعود إىل ما كان عليه ‪ ،‬لقد لفت‬
‫نظرهم ما ٭تدث للقمر وال ٭تدث‬
‫من الشمس ‪ ،‬فسألوا النبي صَل‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬أو أن بعضا ًمن‬
‫اليهود أرادوا إحراج ا‪١‬تسلمُت‬
‫فقالوا ‪٢‬تم ‪ « :‬اسألوا رسولكم عن‬
‫ا‪٢‬تبلل كيف يبدأ صغَتا ًثم يكُب‬
‫حىت يصَت بدرا ًثم يعود لدورته‬
‫مرة أخرى حىت يغرب ليلتُت ال‬
‫نراه فيهما » ‪ ،‬وهذا السؤال سجله‬
‫القرآن يف قوله تعاىل ‪ { :‬ي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫ك‬
‫اس‬ ‫يت لِلنَّ ِ‬ ‫َع ِن األهلة ُق ْل ِهي مواقِ‬
‫َََ ُ‬
‫توا ْالؽيوت‬ ‫وا‪ٟ‬تج َولَؼ ْ َس الُب بِأَن أ ْ َ ُت‬
‫ِمن ُظ ُهو ِر َها ‪} . . .‬‬

‫ك َع ِن ْاأل َ ِهل َّ ِة ُق ْل ِه َي‬


‫ي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫َمواقِ ُ ِ ِ ‪ٟ‬ت لؼ ِ‬
‫يت للنَّاس َوا ْ َ ّ ِج َو َ ْ َس ال ْ ّ‬
‫ُبُ‬ ‫َ‬
‫وت ِم ْن ُظ ُهو ِر َها‬ ‫َ ْ‬
‫بِأ ْن تَأ ُتوا الْؽُي ُ َ‬
‫وت ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫ُب َم ِن اتَّ َىق َوأ ْ ُتوا الْؽُي ُ َ‬‫َولَك َّن ال ْ ِ َّ‬
‫ح‬ ‫اّلل لَعل َّ ُكم ُت ْفلِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أب ْ َوابِهَا َوا ّت ُقوا َّ َ َ ْ‬
‫(‪)189‬‬

‫األهلة ‪ٚ‬تع هبلل ‪ ،‬و‪ٝ‬تى هبلال ًألن‬


‫اإلنسان ساعة يراه يهل ‪ ،‬أي يرفع‬
‫صوته بالتهليل ‪ ،‬و‪٬‬تيب ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل ا‪ٞ‬تواب الذي ٭تمل‬
‫كل التفاصيل عن القمر ‪ ،‬وهو‬
‫الكوكب الذي خضع لنشاطات‬
‫العقل حىت يكتشفه ‪ ،‬والعرب‬
‫القداىم لم يكونوا يعلمون شؼئا ً‬
‫عن ذلك القمر ‪ ،‬ولكنهم كانوا‬
‫يؤرخون به ‪ ،‬وعلمهم به لم يزد‬
‫عَل حدود انتفاعهم به ‪ .‬ولم‬
‫يصلوا إىل الًتف العقلي الذي‬
‫يتأملون به آيات اهلل يف الكون ‪،‬‬
‫فكل آيات الكون يُنتفع بها ثم‬
‫ينشط العقل بعد ذلك ‪ ،‬فنعرف‬
‫السبب ‪ ،‬وقد ال ينشط العقل فتظل‬
‫الفائدة هي الفائدة ‪.‬‬
‫وأراد ا‪ٟ‬تق سبحانه أن يلفؾنا ‪١‬تبدأ‬
‫هام ‪ ،‬وهو أن يعلمنا كيف نستفيد‬
‫من اآليات الكونية مثل القمر ‪ ،‬ال‬
‫يكفي ظهوره واختفاؤه ‪ ،‬وتغَت‬
‫حجمه ‪ ،‬ألن هذه لن يؾسع ‪٢‬تا‬
‫العقل ‪ ،‬بل نستفيد منه كميقات ‪،‬‬
‫ونستخدمه لقياس الزمن ‪ .‬فإذا‬
‫كنا و‪٨‬تن نعؼش يف القرن العشرين‬
‫‪ ،‬لم يعرف العلماء سؽبا ًلظواهر‬
‫القمر ‪ ،‬فكيف كان حال الذين‬
‫سألوا عنها منذ أربعة عشر قرنا ً؟‬
‫قال العلماء ا‪١‬تعاصرون يف‬
‫تفسَتاْتم مثبل ً‪ :‬إن الشمس مثل‬
‫حجم األرض مليونا وربع مليون‬
‫مرة ‪ ،‬والقمر أصغر من األرض ‪،‬‬
‫وعندما تأيت األرض بُت الشمس‬
‫والقمر برغم حجم الشمس‬
‫ا‪٢‬تائل فإن األرض ٖتجب جزءا ً‬
‫من القمر ‪ ،‬هذا ا‪ٞ‬تزء ا‪١‬تحجوب‬
‫بقدر تدوير القوس ا‪١‬تحجوب من‬
‫األرض ويصبح هذا ا‪ٞ‬تزء من‬
‫القمر مظلما ً‪.‬‬
‫إن القمر وجوده ثابت لكن‬
‫األرض عندما توجد بؼنه وبُت‬
‫الشمس فهي اليت ٖتجب عنه ضوء‬
‫الشمس ‪ ،‬ويكُب حجم نوره كلما‬
‫تزحزحت األرض بعيدا ًعنه ‪.‬‬
‫وعندما تزناح األرض بعيدا ًعنه‬
‫كلية يظهر يف السماء بدرا ًكامبل ً‪،‬‬
‫ثم تعود األرض بعد ذلك لتحجب‬
‫عنه جزءا ًمن الشمس ‪ ،‬ويزداد‬
‫ذلك يوما ًبعد يوم ‪ ،‬فؼنقص ضوء‬
‫الشمس ا‪١‬تنعكس عليه تبعا ًلذلك‬
‫‪ ،‬فيقل تدر‪٬‬تيا ًحىت تأيت األرض‬
‫بؼنه وبُت الشمس فبل يظهر منه‬
‫شيء ‪.‬‬
‫ونقول ‪٨‬تن ‪ :‬إننا عندما ال نرى‬
‫القمر ال يف الليل وال يف النهار برغم‬
‫أنه موجود يف مكانه ‪ ،‬نقول ‪ :‬إنه‬
‫مستور يف ظل األرض ‪ ،‬لذلك ال‬
‫نراه ‪ .‬وهذه الظاهرة ال ٖتدث‬
‫للشمس ألن جرم الشمس كبَت‬
‫جدا ً‪ .‬وعندما ٭تدث فإن األثر‬
‫يكون قليبل ‪ ،‬ويس ىم بالكسوف ‪.‬‬
‫وعندما التفت العرب للكون قالوا‬
‫‪ :‬ما بال ا‪٢‬تبلل يصبح هكذا ثم‬
‫يكُب حىت يصَت بدرا ً‪ ،‬فقال ا‪ٟ‬تق‬
‫يت‬ ‫عز وجل ‪ُ { :‬ق ْل ِهي مواقِ‬
‫َََ ُ‬
‫اس وا‪ٟ‬تج } إهنم هم يسألون‬ ‫لِلنَّ ِ‬
‫عن األهلة ودورْتا ‪ ،‬فقطع اهلل‬
‫عليهم خيط تفكَتهم وأعطاهم‬
‫ا‪٠‬تبلصة والنؾيجة ‪ ،‬فقال ‪ُ { :‬ق ْل‬
‫اس وا‪ٟ‬تج } ‪ .‬إن‬ ‫يت لِلنَّ ِ‬‫ِهي مواقِ‬
‫َََ ُ‬
‫هذا األمر هو الذي يستطيع العقل‬
‫يف ذلك الزمان أن يعرفه ‪ ،‬أما ما‬
‫وراء ذلك فانتظروا حىت يكشف‬
‫الزمن عنه ‪ ،‬وجهلكم به ال يقلل‬
‫من نفعكم ‪.‬‬
‫لقد كانت كل إجابة ألي سؤال يف‬
‫ذلك الزمان ٖتتوي عَل ما يؾسع‬
‫العقل إلدراكه ساعة التشريع ‪ ،‬أما‬
‫بقية اإلجابة فا‪ٟ‬تق يًتكها للزمن ‪.‬‬

‫وال يعطؼنا إال ما يفيد التشريع ‪،‬‬


‫مثال ذلك ‪ :‬كانوا قدٯتا يقولون ‪:‬‬
‫األرض كرة وأثبت لنا العلم أهنا‬
‫كذلك ‪ ،‬ورأيناها باألقمار‬
‫الصناعية وانتهت القضية ‪.‬‬
‫وعندما سأل العرب عن األهلة‬
‫أخُبنا ا‪ٟ‬تق بأهنا مواقيت ‪،‬‬
‫وا‪١‬تواقيت ‪ٚ‬تع ميقات ‪ ،‬وا‪١‬تيقات‬
‫من الوقت ‪ ،‬والوقت هو الزمن ‪،‬‬
‫ونعرف أن كل حدث من األحداث‬
‫٭تتاج إىل زمن وإىل مكان ‪ .‬إذن‬
‫فالزمان وا‪١‬تكان مرتبطان با‪ٟ‬تدث‬
‫فبل يوجد زمان وال مكان إال إذا وجد‬
‫حدث ‪.‬‬
‫والذي يقول ‪ :‬كيف كان الزمن‬
‫قبل أن ٮتلق اهلل ا‪٠‬تلق؟ ‪ .‬نقول له ‪:‬‬
‫الزمن ُوجد للحادث وهو‬
‫ا‪١‬تخلوقات واهلل قديم ‪ ،‬وما دام‬
‫قديمولؼس حادثا فبل زمان وال‬
‫اهلل ا‬
‫مكان ‪ ،‬ال تقل مىت وال أين؛ ألن مىت‬
‫وأين ‪٥‬تلوقة ‪ .‬وكيف نعرف‬
‫الوقت؟ ‪٨‬تن نعرف الوقت بأنه‬
‫مقدار من الزمن ‪١ ،‬تقدار من‬
‫ا‪ٟ‬تركة و‪١‬تقدار من الفعل ‪.‬‬
‫وأين ا‪١‬تكان يف هذا التعريف؟ إن‬
‫الزمان يتحكم أحيانا ًيف ا‪١‬تكان ‪،‬‬
‫فيقول الزمان هو األصل ‪ ،‬والمكان‬
‫طارئ عليه ‪ ،‬ومرة أخرى يكون‬
‫ا‪١‬تكان هو األصل ‪ ،‬والزمان هو‬
‫الطارئ عليه ‪ ،‬ومرة ثالثة يتبلزم‬
‫االثنان الزمان وا‪١‬تكان ‪.‬‬
‫و‪٨‬تن يف مصر إذا أردنا ا‪ٟ‬تج فإننا‬
‫نبدأ اإلحرام عند رابغ ‪ ،‬ونُسمي‬
‫رابغ ميقات أهل مصر أي هي‬
‫ا‪١‬تكان الذي ال يتجاوزه من مر عليه‬
‫إال وهو ‪٤‬ترم ‪.‬‬
‫إذن فا‪١‬تيقات قد أطلق عَل مكان هو‬
‫رابغ ‪ ،‬ومن فور وصول اإلنسان‬
‫ا‪١‬تصري إىل رابغ بغية ا‪ٟ‬تج ٭ترم ‪،‬‬
‫سواء كان الوقت صباحا ًأو ظهرا ًأو‬
‫عصرا ًأو مغربا ً‪.‬‬
‫ولكن عندما نبدأ يف الصوم فإن‬
‫الزمن يصبح هو األصل يف صومك‬
‫يف أي مكان تذهب إليه ‪ ،‬إن الزمان‬
‫هو الذي ٭تدد مواعيد الصوم ‪ :‬يف‬
‫طنطا أو لندن أو يف طوكيو ‪ ،‬وهكذا‬
‫نعرف كيف يكون الزمن ميقاتا ً‪.‬‬
‫إذن فمرة يكون الزمن هو‬
‫ا‪١‬تتحكم يف ا‪١‬تيقات وا‪١‬تكان طارئ‬
‫عليه ‪ ،‬ومرة يكون ا‪١‬تكان هو الذي‬
‫يتحكم يف ا‪١‬تيقات ‪ ،‬والزمن طارئ‬
‫عليه ‪ ،‬ومرة يتحكم الزمان‬
‫وا‪١‬تكان معا ًيف الفعل مثل يوم عرفة‬
‫‪.‬‬
‫ِ‬
‫وه كذا نعرف معٌت { َم َواق ُ‬
‫يت‬
‫اس } ‪ ،‬فنحن با‪٢‬تبلل نعرف‬ ‫لِلنَّ ِ‬
‫بدء شهر رمضان ‪ ،‬ونعرف به عيد‬
‫الفطر ‪ ،‬وكذلك موسم ا‪ٟ‬تج وعدة‬
‫ا‪١‬ترأة ‪ ،‬واألشهر ا‪ٟ‬ترم ‪ ،‬إن كل‬
‫هذه األمور إ‪٪‬تا نعرفها با‪١‬تواقيت ‪.‬‬
‫وشاء ا‪ٟ‬تق أن ‪٬‬تعل ا‪٢‬تبلل هو‬
‫أسلوب تعريفنا تلك األمور وجعل‬
‫الشمس لتدلنا عَل اليوم فقط ‪ ،‬وإن‬
‫كان ‪٢‬تا عمل آخر يف الُبوج اليت‬
‫يتعلق بها حالة الطقس وا‪ٞ‬تو ‪،‬‬
‫والزراعة ‪ ،‬ولذلك قال ‪ُ { :‬ه َو‬
‫الذي َجعَ َل الشمس ِضيَآء ًوالقمر‬
‫نُورا ً} ػ يونس ‪] 5 :‬‬
‫وانظر إىل الدقة يف األداء وكيف‬
‫يشرح ا‪ٟ‬تق لئلنسان ماهية النور ‪،‬‬
‫وماهية الضوء ‪ .‬إن الشمس‬
‫مضؼئة بذاْتا ‪ ،‬أما القمر فهو منَت؛‬
‫ألن ضوءه من غَته؛ فهو مثل قطعة‬
‫ا‪ٟ‬تجر البلمعة اليت تنعكس عليها‬
‫أشعة الشمس فتعطؼنا نورا ً‪.‬‬

‫إن القمر منَت بضوء غَته ‪ ،‬ولذلك‬


‫يقول ا‪ٟ‬تق يف آية أخرى ‪َ { :‬و َجعَ َل‬
‫فِيهَا ِس َراجا ً َوقَ َمرا ً ُّم ِنَتا ً} ػ‬
‫الفرقان ‪] 61 :‬‬
‫والسراج يف هذه اآلية هو الشمس‬
‫اليت فيها حرارة ‪ ،‬وجعلها ا‪ٟ‬تق ذات‬
‫بروج ‪ ،‬أما القمر فله منازل وهو‬
‫منَت بضوء غَته؛ ويف ذلك يقول‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪ُ { :‬ه َو الذي َجعَ َل الشمس‬
‫ِضيَآء ًوالقمر نُورا ً َوقَ ّد ََر ُه َمنَا ِز َل‬
‫لِتَعْل َ ُموا ْع َ َددَ السنُت وا‪ٟ‬تساب } ػ‬
‫يونس ‪] 5 :‬‬
‫إذن ‪ ،‬فعدد السنُت وحسابها يأيت‬
‫من القمر ‪ ،‬ويف زماننا إذا أرادوا أن‬
‫يضبطوا ا‪١‬تعايَت الزمنية فهم‬
‫يقيموهنا ْتساب القمر؛ فقد‬
‫وجدوا أن ا‪ٟ‬تساب بالقمر أضبط‬
‫من ا‪ٟ‬تساب بالشمس؛ فا‪ٟ‬تساب‬
‫بالشمس ٮتتل يوما ًكل عدد من‬
‫السنُت ‪.‬‬
‫ولنفهم الفرق بُت منازل القمر‬
‫وبروج الشمس ‪ .‬إن الُبوج هي‬
‫أ‪ٝ‬تاء من اللغة السريانية ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫برج ا‪ٟ‬تمل ‪ ،‬والثور ‪ ،‬وا‪ٞ‬توزاء ‪،‬‬
‫والسرطان ‪ ،‬والعذراء ‪ ،‬واألسد ‪،‬‬
‫وا‪١‬تيزان ‪ ،‬والعقرب ‪ ،‬والقوس ‪،‬‬
‫وا‪ٞ‬تدي ‪ ،‬والدلو ‪ ،‬وا‪ٟ‬توت ‪،‬‬
‫وعددها اثنا عشر برجا هذه هي‬
‫أبراج الشمس ‪ ،‬ويتعلق بها‬
‫مواعيد الزرع والطقس وا‪ٞ‬تو ‪،‬‬
‫و٭تب أن نفهم أن هلل يف الُبوج‬
‫أسرارا ً‪ ،‬بدليل أن ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل جعلها قسما ًحُت يقول ‪{ :‬‬
‫والسمآء ذَ ِ‬
‫ات الُبوج } ‪.‬‬
‫ولذلك ٕتد أن التوقيت يف الشمس‬
‫ال ٮتتلف؛ فالشهور اليت تأيت يف الُبد‬
‫‪ ،‬واليت تأيت يف ا‪ٟ‬تر هي هي ‪ ،‬وكذلك‬
‫اليت تأيت يف ا‪٠‬تريف ‪ ،‬والربيع ‪ ،‬وبُت‬
‫السنة الشمسية والسنة القم ة‬
‫ري‬
‫أحد عشر يوما ‪ ،‬والسنة القمرية‬
‫هي اليت تستخدم يف التحديد‬
‫التارٮتي للشهور العربية ونعرف‬
‫بداية كل شهر با‪٢‬تبلل ‪ { :‬إ َِّن عِ َّدةَ‬
‫الشهور ِعن َد اهلل اثنا َع َش َر َشهْرا ً}‬
‫ػ التوبة ‪] 36 :‬‬
‫ولذلك كانت تكاليف العبادة‬
‫‪٤‬تسوبة بالقمر حىت تسيح ا‪١‬تنازل‬
‫القمرية يف الُبوج الشمسية ‪،‬‬
‫فيأيت التكليف يف كل جو وطقس من‬
‫أجواء السنة ‪ ،‬فبل تصوم رمضان يف‬
‫صيف دائم ‪ ،‬وال يف شتاء دائم ‪،‬‬
‫ولكن يُقَلِ ّ ُب اهلل مواعيد العبادات‬
‫عَل سائر أيام السنة ‪ ،‬والذين‬
‫يعيشون يف ا‪١‬تناطق الباردة مثبل ًلو‬
‫كان ا‪ٟ‬تج ثابتا يف موسم الصيف ‪١‬تا‬
‫استطاعوا أن يؤدوا الفريضة ‪،‬‬
‫ولكن يدور موسم ا‪ٟ‬تج يف سائر‬
‫الشهور فعندما يأيت ا‪ٟ‬تج يف الشتاء‬
‫يؼسر ‪٢‬تم مهمة أداء الفريضة يف‬
‫مناخ قريب من مناخ ببلدهم ‪.‬‬
‫وهكذا ‪٧‬تد أن حكمة اهلل اقتضت‬
‫أن تدور مواقيت العبادات عَل‬
‫سائر أيام السنة حىت يستطيع كل‬
‫الناس حسب ظروفهم ا‪١‬تناخية أن‬
‫يؤدوا العبادات ببل مشقة ‪ .‬إذن‬
‫فا‪١‬تنازل شائعة يف الُبوج ‪ ،‬وهذا‬
‫سبب قول بعض العلماء ‪ :‬إن ليلة‬
‫القدر ٘تر دائرة يف كل ليايل السنة ‪،‬‬
‫وذلك حسب سياحة ا‪١‬تنازل يف‬
‫الُبوج ‪.‬‬
‫إذن فهناك بروج للشمس ‪،‬‬
‫ومنازل للقمر ‪ ،‬ومواقع للنجوم ‪،‬‬
‫ومواقع النجوم اليت يقسم بها اهلل‬
‫سبحانه يف قوله ‪ { :‬فَبل َأُقْ ِس ُم‬
‫ِٔتَ َواقِ ِع النجوم * َوإِن ّ َُه ل َ َق َس ٌم ل َّ ْو‬
‫ِ‬
‫يم } ػ الواقعة ‪:‬‬ ‫تَعْل َ ُم َ‬
‫ون َعظ ٌ‬
‫‪] 76-75‬‬
‫ولعل وقتا يأيت يكشف اهلل فيها‬
‫للبشرية أثر مواقع النجوم عَل حياة‬
‫ا‪٠‬تلق وذلك عندما تتهيأ النفوس‬
‫لذلك وتقدر العقول عَل اسؾيعابه ‪.‬‬
‫إذن كل شيء يف الكون له نظام ‪:‬‬
‫للشمس بروج ‪ ،‬وللقمر منازل ‪،‬‬
‫وللنجوم مواقع ‪ .‬وكل أسرار‬
‫الكون ونوامؼسه ونظامه يف هذه‬
‫ا‪١‬تخلوقات ‪ ،‬وقد أعطانا اهلل من‬
‫أسرار األهلة أهنا مواقيت للناس‬
‫وا‪ٟ‬تج ‪ .‬وعندما تكلم سبحانه عن‬
‫ا‪ٟ‬تج أراد أن يعطؼنا حكما ًمتعلقا ً‬
‫به؛ فقد كانت هناك قبائل من‬
‫العرب تعرف اب‪ٟ‬تمس ‪ ،‬هؤالء‬
‫ا‪ٟ‬تمس كانوا متشددين يف دينهم‬
‫ومتحمسُت له ‪ ،‬ومنهم كانت‬
‫قريش ‪ ،‬وكنانة ‪ ،‬وخثعم ‪ ،‬وجشم‬
‫‪ ،‬وبنو صعصاع بن عامر ‪ .‬وكان إذا‬
‫حج الفرد من هؤالء ال يدخل بؼته‬
‫من الباب ألنه أشعث أغُب من أداء‬
‫مناسك ا‪ٟ‬تج ‪ .‬و٭تاول أن يدخل‬
‫بؼته عَل غَت عادته ‪ ،‬لذلك كان‬
‫يدخل من ظهر الؽيت ‪ ،‬وكان ذلك‬
‫تشددا ًمنهم ‪ ،‬لم يرد اهلل أن‬
‫يُش َرعه ‪ .‬حىت ال يطلع عَل شيء‬
‫يكرهه يف زوجه أو أهله ‪ .‬وأراد‬
‫سبحانه عندما ذكر مناسك ا‪ٟ‬تج يف‬
‫القرآن أن ينقي ا‪١‬تناسك من هذه‬
‫العادة ا‪١‬تألوفة عند العرب فقال ‪{ :‬‬
‫َولَؼ ْ َس الُب بِأَن تَأ ْ ُتوا ْالؽيوت ِمن‬
‫ُظ ُهو ِر َها ولكن الُب َم ِن اتىق َوأ ْ ُتوا ْ‬
‫الؽيوت ِم ْن أَب ْ َوابِهَا واتقوا اهلل‬
‫ِ‬
‫لَعَل َّ ُك ْم ُت ْفل ُح َ‬
‫ون } أي ال ٕتعلوا‬
‫ا‪١‬تسائل شكلية ‪ ،‬فنحن نريد أصل‬
‫الُب وهو الشيء ا‪ٟ‬تسن النافع ‪.‬‬
‫وا‪١‬تبلحظ أن كلمة « الُب » يف هذه‬
‫اآلية جاءت مرفوعة ‪ ،‬ألن موقعها‬
‫من اإلعراب هو « اسم يلس »‬
‫وهي ٗتتلف عن كلمة « الُب » اليت‬
‫جاءت من قبل يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫وه ُك ْم قِب َ َل‬
‫لَّؼ ْ َس الُب أَن ُت َولُّوا ْ ُو ُج َ‬
‫ا‪١‬تشرق وا‪١‬تغرب } اليت جاءت‬
‫منصوبة؛ ألن موقعها من اإلعراب‬
‫هو « خُب مقدم للؼس » ‪ .‬حاول‬
‫ا‪١‬تستشرقون أن يأخذوا هذا‬
‫االختبلف يف الرفع والنصب عَل‬
‫القرآن الكريم ‪ .‬ونقول ‪٢‬تم ‪:‬‬
‫أنتم قليلو الفطنة وا‪١‬تعرفة باللغة‬
‫العربية ‪ ،‬فماذا نفعل لكم؟ ‪ .‬يصح‬
‫أن ‪٧‬تعل ا‪٠‬تُب مؽتدأ فنقول ‪ « :‬زيد‬
‫‪٣‬تتهد » ‪ ،‬هذا إذا كنا نعلم زيدا ً‬
‫و‪٧‬تهل صفته ‪ ،‬فجعلنا زيدا ًمؽتدأ ‪،‬‬
‫و‪٣‬تتهدا ًخُبا ً‪ .‬لكن إذا كنا نعرف‬
‫إنسانا ‪٣‬تتهدا ًوال نعرف من هو؛‬
‫فإننا نقول ‪ « :‬ا‪١‬تجتهد زيد » ‪.‬‬
‫إذن فمرة يكون االسم معروفا ًلك‬
‫فتلحق به الوصف ‪ ،‬ومرة ٕتهل‬
‫االسم وتعرف الوصف فتلحق‬
‫االسم بالوصف ‪ .‬وهذا سر‬
‫اختبلف الرفع والنصب يف كلمة «‬
‫الُب » يف كل من اآليتُت ‪ .‬ونقول‬
‫للمستشرقُت ‪ :‬إن لكل كلمة يف‬
‫القرآن ترتؼبا ًومعٌت ‪ ،‬فبل تنتاولوا‬
‫القرآن با‪ٞ‬تهل ‪ ،‬ثم تثَتوا‬
‫اإلشكاالت اليت ال تقلل من قيمة‬
‫الكتاب ولكنها تكشف جهلكم ‪.‬‬
‫ثم ما هو « الُب »؟ قلنا ‪ :‬إن الُب هو‬
‫الشيء ا‪ٟ‬تسن النافع ‪ .‬ولو ترك اهلل‬
‫لنا ٖتديد « الُب » الختلفت قدرة‬
‫كل منا عَل فهم ا‪ٟ‬تسن والنافع‬
‫باختبلف عقولنا؛ فأنت ترى هذا «‬
‫حس ا ًن»؛ وذاك يرى شؼئا آخر ‪،‬‬
‫وثالث يرى عكس ما تراه ‪ ،‬لذلك‬
‫ٮتلع اهلل يدنا من بيان معٌت الُب ‪،‬‬
‫و٭تدد لنا سبحانه مواصفات ا‪ٟ‬تسن‬
‫النافع ‪ ،‬فما من واحد ينحرف‬
‫وٯتيل إىل شيء إال وهو يعتقد أنه‬
‫هو ا‪ٟ‬تسن النافع ‪ ،‬ولذلك يقول‬
‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ولكن الُب َم ِن اتىق َوأ ْ ُتوا ْ‬
‫الؽيوت ِم ْن أَب ْ َوابِهَا } ‪.‬‬
‫إن هذا يدلنا عَل أن كل غاية ‪٢‬تا‬
‫طريق يوصل إليها ‪ ،‬فاذهب إىل‬
‫الغاية من الطريق الذي يوصل‬
‫إليها ‪ .‬ويؾبع ا‪ٟ‬تق قوله عن الُب ‪{ :‬‬
‫ِ‬
‫واتقوا اهلل لَعَل َّ ُك ْم ُت ْفل ُح َ‬
‫ون } ‪ .‬ال‬
‫تزال كلمة التقوى هي الشائعة يف‬
‫هذه السورة ‪ ،‬وكل حكم يعقبه‬
‫السبب من تشريعه وهو التقوى ‪.‬‬
‫ونعرف أن معٌت التقوى هو أن تتقي‬
‫معضبلت ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬ومشكبلْتا بأن‬
‫تلتزم منهج اهلل ‪ .‬وساعة ترى منهج‬
‫اهلل وتطبقه فأنت اتقيت‬
‫ا‪١‬تشكبلت ‪ ،‬أما من يعرض عن‬
‫تقوى اهلل فإن ا‪ٟ‬تق يقول عن‬
‫مصَته ‪ { :‬فَإ َِّن ل َ ُه َمعِي َشةً َضنكا ً} ػ‬
‫طه ‪] 124 :‬‬
‫وال يظن أحد أن التقوى هي اتقاء‬
‫النار ‪ ،‬ال ‪ ،‬إهنا أعم من ذلك ‪ ،‬إهنا‬
‫اتقاء ا‪١‬تشكبلت وا‪١‬تخاطر اليت‬
‫تنشأ من ‪٥‬تالفة منهج اهلل ‪ .‬وليعلم‬
‫اإلنسان أن كل ‪٥‬تالفة منهج اهلل ‪.‬‬
‫وليعلم اإلنسان أن كل ‪٥‬تالفة‬
‫ارتكبها البد أن ٯتر عليها يوم‬
‫ُترتكب فيه هذه ا‪١‬تخالفة كما‬
‫ارتكبها يف غَته ‪ ،‬فمن ال ٭تب أن‬
‫ُٕترى فيه ا‪١‬تخالفات فعليه أال‬
‫يرتكب ا‪١‬تخالفات يف غَته ‪.‬‬
‫وبعد ذلك ينتقل ا‪ٟ‬تق إىل قضية‬
‫أخرى ‪ ،‬وهذه القضية األخرى هي‬
‫اليت ٘تيز األمة اإلسبلمية‬
‫ٓتصوصية فريدة؛ ألنه سبحانه قد‬
‫أوجد وفطر هذه األمة عَل منهاج‬
‫قويم لم تظفر به أمة من قبل ‪،‬‬
‫وهذه ا‪٠‬تصوصية هي أن اهلل قد‬
‫أمن أمة ‪٤‬تمد عَل أن تؤدب‬
‫ا‪٠‬تارجُت عَل منهج اهلل؛ فقدٯتا ً‬
‫كانت السماء هي اليت ُتؤدب هؤالء‬
‫ا‪٠‬تارجُت عن ا‪١‬تنهج ‪ .‬كان الرسول‬
‫يشرح ويبلغ ا‪١‬تنهج ‪ ،‬فإن خالفه‬
‫الناس تتدخل السماء وتعاقبهم ‪،‬‬
‫إما بصاعقة ‪ ،‬وإما بعذاب ‪ ،‬وإما‬
‫بفيضان ‪ ،‬وإما بأي وسيلة ‪ .‬ولم‬
‫يكن الرسل مكلفُت ْتمل وقسر‬
‫الناس عَل ا‪١‬تنهج ‪ .‬وحُت سأل بنو‬
‫إسرائيل ربهم أن يقاتلوا ‪ ،‬لم‬
‫يكن قتا‪٢‬تم من أجل الدين‬
‫مصداقا ًلآلية الكرٯتة ‪ { :‬قَالُوا ْ‬
‫َو َما لَنآ أَال َّنُقَاتِ َل ِيف َسؽ ِ‬
‫ِيل اهلل َوقَ ْد‬
‫أُ ْخ ِر ْجنَا ِمن ِديَا ِرنَا َوأَبْن َ ِآئنَا } ػ‬
‫البقرة ‪] 246 :‬‬
‫علة القتال إذن أهنم أُخرجوا من‬
‫بيوْتم وأُجُبوا عَل ترك أوالدهم‬
‫‪ ،‬فهم عندما سألوا القتال لم‬
‫يسألوه للدفاع عن العقيدة ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬
‫ألهنم أخرجوا من ديارهم‬
‫وأوالدهم ‪.‬‬
‫أما أمة ‪٤‬تمد صَل اهلل عليه وسلم‬
‫فهي اليت أمنها اهلل عَل أن يكون يف‬
‫يدها ا‪١‬تيزان ‪ ،‬ولؼس هذا ا‪١‬تيزان‬
‫ميزان تسلط ‪ ،‬وإ‪٪‬تا هو ميزان‬
‫٭تمي كرامة اإلنسان بأن يصون‬
‫له حرية اخؾياره بالعقل الذي‬
‫خلقه اهلل ‪ ،‬فبل إكراه يف اإلٯتان‬
‫باهلل ‪ .‬وقد شرع اهلل القتال ألمة‬
‫‪٤‬تمد ال ليفرض به دينا ‪ ،‬ولكن‬
‫ليحمي اخؾيارك يف أن ٗتتار الدين‬
‫الذي ترتضيه ‪ .‬وهو ٯتنع سدود‬
‫الطغيان اليت ٖتول دونك ودون أن‬
‫تكون حرا ً‪٥‬تتارا ًيف أن تقبل‬
‫التكليف ‪.‬‬
‫ولذلك فالذين ٭تاولون أن يلصقوا‬
‫باإلسبلم ْتمة أنه انتشر بالسيف‬
‫نقول ‪٢‬تم ‪ :‬إن حججهم ساقطة‬
‫واهية ‪ ،‬وكذلك قو‪٢‬تم ‪ :‬إن‬
‫اإلسبلم عندما يفرض ا‪ٞ‬تزية‬
‫فكأنه جاء ‪ٞ‬تباية األموال ‪ ،‬نقول‬
‫‪٢‬تؤالء ‪ :‬جزية عَل َم ْن؟ جزية عَل‬
‫غَت ا‪١‬تؤمن ‪ ،‬ومادام قد ُفرضت‬
‫عليه جزية فمعٌت ذلك أنه أباح له‬
‫أن يكون غَت مؤمن ‪ ،‬لو كان‬
‫اإلسبلم يُكره الناس عَل اعؾناقه ‪١‬تا‬
‫كان هناك َم ْن نأخذ عليه جزية ‪.‬‬

‫إذن فاإلسبلم لم يُكرهه ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬


‫‪ٛ‬تاه من القوة اليت تسيطر عليه‬
‫حىت ال يُكرهه أحد عَل ترك دينه ‪،‬‬
‫وهو حر بعد ذلك يف أن يسلم أو ال‬
‫يسلم ‪ .‬وكأن الذين ينتقدون‬
‫اإلسبلم يدافعون عنه؛ فسهامهم‬
‫قد ارتدت إليهم ‪.‬‬
‫وهنا تساؤل قد يثور ‪ :‬إذا كان األمر‬
‫كذلك فلماذا كانت حروب‬
‫ا‪١‬تسلمُت؟ نقول ‪ :‬إن حروب‬
‫اإلسبلم كانت ‪١‬تواجهة الذين‬
‫يفرضون العقائد الباطلة عَل‬
‫غَتهم ‪ ،‬وجاء اإلسبلم ليقول‬
‫‪٢‬تؤالء ‪ :‬ارفعوا أيديكم عن الناس‬
‫واجعلوهم أحرارا ًيف أن ٮتتاروا‬
‫الدين ا‪١‬تناسب ‪ .‬و‪١‬تاذا تركهم‬
‫اإلسبلم أحراراً؟ ألنه واثق أن‬
‫اإلنسان مادام عَل حريته يف أن‬
‫ٮتتار فبل ٯتكن أن ‪٬‬تد إال ا‪ٟ‬تق‬
‫واضحا ًيف اإلسبلم ‪ .‬ولذلك فكثَت‬
‫من الناس الذين يقرأون قوله تعاىل‬
‫‪ { :‬ال َإِك َْر َاه ِيف الدين ‪ } . .‬ػ‬
‫البقرة ‪] 256 :‬‬
‫ال يفطنون إىل أن العلة واضحة يف‬
‫قوله سبحانه من اآلية نفسها { قَد‬
‫ُت الرشد ِم َن الغي} ‪ .‬إذن‬
‫َّتب َ َّ َ‬
‫فا‪١‬تسألة واضحة ‪١‬تاذا نُكره الناس‬
‫وقد وضح أمامهم ا‪ٟ‬تق والباطل؟‬
‫‪٨‬تن فقط ‪٪‬تنع الذين يفرضون‬
‫عقائدهم الباطلة عَل الناس؛‬
‫فأنت تستطيع أن ُتكره القالب ‪،‬‬
‫لكن ال تستطيع أن ُتكره القلب ‪.‬‬
‫و‪٨‬تن نريد أن ينبع اإلٯتان من‬
‫القلب ‪ ،‬و‪٢‬تذا يقول ا‪ٟ‬تق لسيدنا‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم ‪{ :‬‬
‫ك أَال َّي َ ُكونُوا ْ‬ ‫ك بَا ِخ ٌع ن َّ ْف َس َ‬
‫لَعَل َّ َ‬
‫زن ْل عَل َْي ِه ْم ِّم َن‬ ‫ْ‬ ‫ِِ‬
‫ُت * إِن ن َّ َشأ ن ُ َ ِ ّ‬‫ُم ْؤمن َ‬
‫السمآء آيَةً فَ َظل َّ ْت أ َ ْعنَا ُق ُه ْم َ‪٢‬تَا‬
‫ُت } ػ الشعراء ‪] 4-3 :‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َخاضع َ‬
‫إن اهلل ال يريد أعناقا ً‪ ،‬لو كان يريد‬
‫أعناقا ً‪١‬تا استطاع أحد أن ٮترج عن‬
‫قدره سبحانه من يُريد اهلل أن‬
‫يؽتليه ٔترض أو موت فلن ينجو من‬
‫قدره ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق يريد إٯتان قلوب‬
‫ال رضوخ قوالب ‪ .‬فالذي ‪٬‬تُب‬
‫اآلخرين عَل اإلٯتان بالكرباج لن‬
‫يؾبعه أحد ‪ ،‬وهو نفسه غَت مؤمن‬
‫ٔتا يفرضه عَل الناس ‪ .‬ولو كان‬
‫مؤمنا به ‪١‬تا فرضه عَل الناس‬
‫بالقسر؛ إهنم سيقبلونه عن‬
‫طواعية واخؾيار عندما ّ‬
‫يتبُت ‪٢‬تم‬
‫أنه ا‪ٟ‬تق ا‪١‬تناسب لصبلح حياْتم ‪.‬‬
‫و‪٨‬تن نلتفت حولنا فنجد أن ا لنظم‬
‫وا‪ٟ‬تكومات اليت تفرض مبادئها‬
‫بالسوط والقهر تؾساقط تباعا ً‪،‬‬
‫فعندما تتخَل هذه ا‪ٟ‬تكومات عن‬
‫السوط والبطش فإن الشعوب‬
‫تتخَل عن تلك األفكار ‪ .‬والقرآن‬
‫هنا يعاًف هذه ا‪١‬تسألة عندما‬
‫يتحدث عن القتال وتشريع القتال‬
‫‪ ،‬األمر الذي اختص به ا‪ٟ‬تق أمة‬
‫اإلسبلم ‪ .‬وهو سبحانه لم يأذن‬
‫بالقتال خبلل فًتة الدعوة ا‪١‬تكية‬
‫اليت استمرت ثبلثة عشر عاما ً‪ ،‬ثم‬
‫أذن به بعد ا‪٢‬تجرة إىل ا‪١‬تدينة ‪.‬‬
‫وقد كان من الضروري أن يتأخر‬
‫أمر القتال؛ ألن ا‪ٟ‬تق أراد أوال ًأن‬
‫يلتفت ا‪١‬تسلمون إىل اتباع ا‪١‬تنهج‬
‫حىت يكونوا لغَتهم قدوة ‪ ،‬ويروا‬
‫فيهم أسوة حسنة ‪ ،‬لذلك قال ا‪ٟ‬تق‬
‫‪ { :‬فاعفوا واصفحوا حىت يَأ ْ ِيت َاهلل‬
‫بِأ َ ْم ِر ِه } ػ البقرة ‪] 109 :‬‬
‫وقال سبحانه أيضا ً‪َ { :‬وال َ ُت ِط ِع‬
‫الكافرين وا‪١‬تنافقُت َودَعْ أَذَ ُاه ْم }‬
‫ػ األحزاب ‪] 48 :‬‬
‫‪١‬تاذا كل هذا التدرج؟ ألن ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل علم أن الدعوة‬
‫لئلسبلم ستدخل الؽيوت العربية ‪،‬‬
‫فسيضم الؽيت الواحد كافرا ًباهلل‬
‫ومؤمنا ًباهلل ‪ ،‬ولو أنه سبحانه وتعاىل‬
‫شرع القتال من البداية لصار يف كل‬
‫بيت معركة ‪.‬‬
‫ثم إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعلم أن‬
‫تلك القبائل العربية بها كثَت من‬
‫خفة وطؼش وسفه؛ وكانوا يقؾتلون‬
‫ألتفه األسباب؛ فمن أجل ناقة‬
‫ضربها كليب بسهم يف ضرعها‬
‫فماتت اشتعلت ا‪ٟ‬ترب أربعُت‬
‫سنة ‪ .‬ويف ذلك يقول الشاعر عند‬
‫ا‪ٟ‬تفيظة والغضب ‪:‬‬
‫قوم إذا الشر أبدى ناجذيه ‪٢‬تم ‪...‬‬
‫طاروا إليه زرافات ووحدانا‬
‫والثاين يقول ‪:‬‬
‫ال يسألون أخاهم حُت يندبهم ‪...‬‬
‫يف النائبات عَل ما قال برهانا‬
‫أي أهنم ال يسألون أخاهم ‪١ « :‬تاذا‬
‫‪٨‬تارب؟ » ‪ ،‬وإ‪٪‬تا ٭تاربون ببل‬
‫سبب وألي سبب ‪ ،‬فا‪ٟ‬تمية الرعناء‬
‫تدفعهم للقتال ببل سبب ‪ .‬ويف‬
‫مقابل ذلك كانت عندهم ‪٩‬توة‬
‫للحق ‪ ،‬فعندما يرون شخصا قد‬
‫ظلمه غَته؛ تأخذهم النخوة ‪،‬‬
‫ويأخذون عَل يد الظالم ‪ ،‬وأراد‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن يهيج فيهم‬
‫النخوة حُت يرون الضعاف من‬
‫ا‪١‬تسلمين مستضعفُت ‪ ،‬وقد‬
‫عز‪٢‬تم بعض من القوم يف شعب أّب‬
‫طالب وجوعوهم وقاطعوهم حىت‬
‫اجتمع ا‪٠‬تمسة العظام يف مكة‬
‫وقالوا ‪ « :‬كيف نقبل أن نأكل‬
‫ونشرب ونأيت نساءنا وبنو هاشم‬
‫وبنو ا‪١‬تطلب ‪٤‬تصورون يف الشعب‬
‫ال يأكلون وال يشربون وال يؾبايعون‬
‫»‪.‬‬
‫لقد كانوا كفارا ً‪ ،‬وبرغم ذلك‬
‫وقوا موقفا ًعظيما ًوقالوا ‪ :‬هاتوا‬
‫ف‬
‫الصحيفة اليت تعاهدنا فيها عَل أن‬
‫نقاطع بٍت هاشم وبٍت ا‪١‬تطلب‬
‫ونقطعها؛ واتفقوا عَل ذلك ‪ .‬وكانوا‬
‫‪ٜ‬تسة من سادات مكة هم ‪ :‬هشام‬
‫بن عمرو ‪ ،‬وزهَت بن أّب أمية ‪،‬‬
‫وأبو البحًتي بن هاشم ‪ ،‬وزمعة‬
‫ابن األسود ‪ ،‬وا‪١‬تطعم بن عدي ‪.‬‬
‫وكانوا قادة النخوة اليت أهنت‬
‫مقاطعة ا‪١‬تسلمُت ‪ .‬هكذا نرى أن‬
‫العرب كانوا يؾسمون با‪ٟ‬تمية‬
‫الرعناء وتقابلها النخوة يف ا‪ٟ‬تق ‪.‬‬
‫ويعلم ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن نقل‬
‫أمة العرب ‪٦‬تا اعتادته لؼس أمرا ً‬
‫سهبل ً‪ ،‬لذلك أخذهم برفق ا‪٢‬ت َ َوادة‬
‫‪ .‬والذين يقولون ‪١ :‬تاذا لم ٭تارب‬
‫ا‪١‬تسلمون أعداءهم من أول وهلة‬
‫و‪١‬تاذا لم يقتلوا صناديد الكفر يف‬
‫مكة؟‬
‫نقول ‪٢‬تم ‪ :‬إن كثَتا ًمن الذين‬
‫كنتم ترون قتا‪٢‬تم يف بداية‬
‫الدعوة اإلسبلمية هم الذين‬
‫نشروا راية اإلسبلم من بعد ذلك ‪،‬‬
‫ومثال ذلك خالد بن الوليد ‪ ،‬الذي‬
‫كان قائدا ًمغوارا ًيف صفوف‬
‫ا‪١‬تشركُت ‪ ،‬وقاتل ا‪١‬تسلمُت يف‬
‫أول حياته ‪ ،‬ثم هداه اهلل لئلسبلم‬
‫وأصبح سيف اهلل ا‪١‬تسلول ‪ ،‬ماذا لو‬
‫قتل هذا القائد الفذ عَل أيدي‬
‫ا‪١‬تسلمُت؟ كان مثل هذا الفعل‬
‫سيؾسبب يف حرمان ا‪١‬تسلمُت من‬
‫موهؽته ‪ ،‬تلك ا‪١‬توهبة اليت أسهمت‬
‫يف معظم الفتوحات اإلسبلمية يف‬
‫الشام والعراق‪.‬‬
‫إذن شاءت حكمة اهلل أن يسؾبقي‬
‫أمثال خالد وهم خصوم لئلسبلم‬
‫يف بدء الدعوة ألن اهلل قد أعد ‪٢‬تم‬
‫دورا ًٮتدمون به اإلسبلم ‪ .‬والذين‬
‫نالوا من اإلسبلم أوال هم الذين‬
‫سؾبىق عندهم ا‪ٟ‬ترارة حىت يعملوا‬
‫عمبل ًيغفر اهلل ‪٢‬تم به ما قد سبق ‪.‬‬
‫انظر إىل عكرمة بن أّب جهل كان‬
‫شوكة يف ظهر ا‪١‬تسلمُت يف بداية‬
‫الدعوة ‪ ،‬ثم أسلم وأبَل ببلء حسنا ً‬
‫‪ ،‬و‪١‬تا أصيب يف موقعة الَتموك‬
‫وأوشكت روحه أن تصعد إىل‬
‫خالقها نظر إىل قائده خالد بن‬
‫الوليد وقال ‪ :‬أهذه مؼتة ُترَض عٍت‬
‫رسول اهلل؟ ‪ .‬كأنه كان يعلم أن‬
‫رسول اهلل كان قد غضب عليه قبل‬
‫أن يسلم ‪.‬‬
‫وعمرو بن العاص داهية‬
‫ا‪١‬تسلمُت الذي لواله ما ُفتحت‬
‫مصر ‪ .‬فقد كسب بدهائه أهل‬
‫مصر فامؾنعوا عن قتاله ‪،‬‬
‫وناظرهم بعد ذلك حىت استل‬
‫حقدهم عَل ا‪١‬تسلمُت ‪ ،‬وأبان ‪٢‬تم‬
‫أن رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫قال موصياْتم « استوصوا‬
‫بالقبطيُت خَت ألن ‪٢‬تم ر‪ٛ‬تا وذمة‬
‫» وفوق هذا فقد أرسله النبي صَل‬
‫اهلل عليه وسلم إىل بعض العرب‬
‫يستقرهم إىل اإلسبلم ‪.‬‬
‫إذن فمن ر‪ٛ‬تة اهلل أنه لم يشأ‬
‫تشريع القتال من البداية ‪ ،‬وإال‬
‫لكنا فقدنا كثَتا ًمن قادة اإلسبلم‬
‫العظام الذين ‪ٛ‬تلوا لواء الدعوة‬
‫اإلسبلمية فيما بعد ‪ ،‬وكل إنسان‬
‫استقاه اإلسبلم وهو خصم وعدو‬
‫لئلسبلم ‪ ،‬قدر اهلل له بعد اإلسبلم‬
‫دورا ٮتدم به الدين ا‪٠‬تاتم ‪.‬‬
‫ومن هنا نفهم ا‪ٟ‬تكمة من تأخَت‬
‫القتال يف اإلسبلم ‪ ،‬ألن اهلل أراد أن‬
‫ٯتحص وٮتؾُب ‪ ،‬وأال يدخل هذا‬
‫الدين إال من يتحمل متاعب هذا‬
‫الدين ‪ ،‬ومشاقه ألنه سيكون‬
‫مأمونا ًعَل ‪٣‬تد أمة ‪ ،‬وعَل منهج ‪ٝ‬تاء‬
‫‪ ،‬وتلك أمور ال يصلح ‪٢‬تا أي واحد‬
‫من الناس ‪.‬‬
‫وقد كان من ا‪١‬تمكن أن ينصر اهلل‬
‫دينه من أول وهلة دون تدخل من‬
‫ا‪١‬تسلمُت ‪ ،‬وكان معٌت ذلك أن‬
‫الناس سيؾساوون يف اإلٯتان أو‪٢‬تم‬
‫وآخرهم ‪ ،‬ولكن شاءت إرادته‬
‫سبحانه وتعاىل أن ‪٬‬تعل ‪٢‬تذا الدين‬
‫رجاال ًيفدونه بأرواحهم‬
‫وأموا‪٢‬تم لؼنالوا الشهادة ويرتفعوا‬
‫إىل مصاف النبيُت ‪ .‬لذلك جاء‬
‫األمر بالقتال متأخرا ًوبالتدريج؛‬
‫لقد جاء األمر بالقتال يف أول‬
‫مرحلة بقول اهلل تعاىل ‪َ { :‬وقَاتِلُوا ْ‬
‫ِيل اهلل الذين يُقَاتِلُون َ ُك ْم َوال َ‬
‫ِيف َسؽ ِ‬
‫تعتدوا ‪} . . .‬‬
‫ِيل َ ِ‬
‫اّلل ال َّ ِذي َن‬ ‫ِ‬
‫َوقَاتلُوا ِيف َسؽ ِ ّ‬
‫يُقَاتِلُون َ ُك ْم َو َال تَعْت َ ُدوا إ َِّن َّ‬
‫اّللَ َال‬
‫يُ ِح ُّب ا ْ‪١‬تُعْت َ ِدي َن (‪)190‬‬
‫وسبب نزول هذه اآلية أن رسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم اشتاق هو‬
‫وصحابته إىل الؽيت ا‪ٟ‬ترام ‪،‬‬
‫وأرادوا أن يعتمروا ‪ ،‬فجاءوا يف ذي‬
‫القعدة من السنة السادسة من‬
‫ا‪٢‬تجرة ‪ .‬وأرادوا أن يؤدوا العمرة ‪.‬‬
‫فلما ذهبوا وكانوا يف مكان ا‪ٝ‬ته‬
‫ا‪ٟ‬تديؽية ‪ ،‬ووقفت أمامهم قريش‬
‫وقالت ‪ :‬ال ٯتكن أن يدخل ‪٤‬تم ٌد‬
‫وأصحابه مكة ‪.‬‬
‫وقامت مفاوضات بُت الطرفُت ‪،‬‬
‫ورضي رسول اهلل بعدها أن يرجع‬
‫هذا العام عَل أن يأيت يف العام القادم‬
‫‪ ،‬و ُٗتَل ‪٢‬تم مكة ثبلثة أيام يف شهر‬
‫ذي القعدة ‪.‬‬
‫وكان الرسول صَل اهلل عليه وسلم‬
‫قد بشر أصحابه بأهنم س ديخلون‬
‫ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام ‪٤‬تلقُت ومقصرين‬
‫‪ ،‬وشاع ذلك ا‪٠‬تُب ‪ ،‬وفرح به‬
‫ا‪١‬تسلمون وسعدوا ‪ ،‬ثم فوجئوا‬
‫ٔتفاوضات رسول اهلل ورجوعه‬
‫عَل بعد ‪٨‬تو عشرين كيلو مًتا ًمن‬
‫مكة وحزن الصحابة ‪ .‬حىت عمر‬
‫بن ا‪٠‬تطاب رضي اهلل عنه غضب‬
‫وقال للنبي صَل اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ألست رسول اهلل؟ ألست عىل‬
‫ا‪ٟ‬تق؟ فرد عليه سيدنا أبو بكر قائبل‬
‫‪ :‬الزم غرزك يا عمر إنه لرسول‬
‫اهلل ‪.‬‬
‫وقد أظهرت هذه الواقعة موقفا ألم‬
‫ا‪١‬تؤمنُت أم سلمة رضي اهلل عنها ‪،‬‬
‫وهو موقف يعُب عن ا‪ٟ‬تنان والر‪ٛ‬تة‬
‫وا‪١‬تشورة اللؼنة ا‪٢‬تؼنة ‪ .‬فحؼنما‬
‫دخل عليها رسول اهلل وقال ‪٢‬تا ‪:‬‬
‫هلك ا‪١‬تسلمون يا أم سلمة ‪،‬‬
‫أمرْتم فلم ٯتؾثلوا ‪.‬‬
‫فانظر إىل مهمة الزوجة عندما‬
‫يعود إليها زوجها مهموما ً‪ ،‬هنا‬
‫تتجَل وظيفتها يف السكن ‪ ،‬قالت أم‬
‫سلمة ‪ :‬اعذرهم يا رسول اهلل؛‬
‫إهنم مكروبون ‪ .‬كانت نفوسهم‬
‫مشتاقة ألن يدخلوا بيت اهلل‬
‫ا‪ٟ‬ترام ‪٤‬تلقُت ومقصرين ‪ ،‬ثم‬
‫حرموا منها وهم عَل بعد أميال‬
‫مهنا ‪ ،‬اعمد إىل ما أمرك اهلل فافعله‬
‫وال ُتكلم أحدا ً‪ ،‬فإن رأوك فعلت ‪،‬‬
‫علموا أن ذلك عزٯتة ‪.‬‬
‫وأخذ رسول اهلل بنصيحة أم سلمة‬
‫‪ ،‬وصنع ما أمره به اهلل ‪ ،‬وتبعه كل‬
‫ا‪١‬تسلمُت ‪ ،‬وانتهت ا‪١‬تسألة ‪.‬‬
‫وقبل أن يرجعوا للمدينة لم يشأ‬
‫اهلل أن يطيل عَل الذين انتقدوا‬
‫ا‪١‬توقف حىت ال يظل الشرخ يف‬
‫نفوس ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬وتلك عملية‬
‫نفسية شاقة ‪ ،‬لذلك لم يُطل اهلل‬
‫عليهم السبب ‪ ،‬وجاء بالعلة قائبل‬
‫‪٢‬تم ‪ :‬ما ٭تزنكم يف أن ترجعوا إىل‬
‫ا‪١‬تدينة؛ أنتم لكم إخوان مؤمنون‬
‫يف مكة وقد أخفوا إٯتاهنم وهم‬
‫مندسون بُت الكفار ‪ ،‬فلو أنكم‬
‫دخلتم ‪ ،‬وقاتلوكم ‪ ،‬ستقاتلون‬
‫اًفميع مؤمنُت وكافرين ‪ ،‬فتقتلون‬
‫إخوانا لكم ‪ ،‬فلو كان هؤالء‬
‫اإلخوان ا‪١‬تؤمنون متميزين يف‬
‫جانب من مكة ألذنت لكم بقتال‬
‫ا‪١‬تشركُت؛ كما تريدون ‪ .‬واقرأ‬
‫قول اهلل تعاىل ‪ُ { :‬ه ُم الذين َك َف ُروا ْ‬
‫َو َص ُّدو ُك ْم َع ِن ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام‬
‫وا‪٢‬تدي َمعْ ُكوفا ًأَن يَبْلُغَ َ‪٤‬تِل َّ ُه َول َ ْوال َ‬
‫آء ُّم ْؤ ِمن َ ٌ‬ ‫ال ُم ْؤ ِم ُن ِ‬
‫ات ل َّ ْم‬ ‫ون َون َس ٌ‬ ‫ِر َج ٌ ّ َ‬
‫وه ْم فَ ُت ِصؼب َ ُك ْم‬ ‫وه ْم أَن تَ َط ُئ ُ‬ ‫تَعْل َ ُم ُ‬
‫َت عِل ْ ٍم لِ ّي ْد ِخ َل اهلل ِيف‬ ‫ِّمن ْ ُه ْم َّمعَ َّرةٌ بِغ َ ْ ِ‬
‫ُ‬
‫آء ل َ ْو تَ َزيَّلُوا ْلَعَ َّذبْنَا‬ ‫ر َِْ ِ‬
‫‪ٛ‬تته َمن ي َ َش ُ‬ ‫َ‬
‫الذين َك َف ُروا ْ ِمن ْ ُه ْم ع َ َذابا ًأَلِيما ً} ػ‬
‫الفتح ‪] 25 :‬‬

‫بعد نزول اآلية عرف ا‪١‬تسلمون‬


‫أن االمؾناع كان لعلة و‪ٟ‬تكمة ‪،‬‬
‫فلما جاءوا يف العام التايل قال اهلل‬
‫‪٢‬تم ‪ { :‬الشهر ا‪ٟ‬ترام بالشهر‬
‫اص } ػ‬‫ا‪ٟ‬ترام وا‪ٟ‬ترمات قِ َص ٌ‬
‫البقرة ‪] 194 :‬‬
‫وكان ا‪ٟ‬تق يطمػنهم ‪ ،‬فالذين‬
‫صدوكم يف ذي القعدة من ذلك‬
‫العام ستقاتلوهنم وستدخلون يف ذي‬
‫القعدة من العام القادم ‪ .‬وخاف‬
‫ا‪١‬تسلمون إن جاءوا يف العام ا‪١‬تقبل‬
‫أن تنقض قريش العهد وتقاتلهم ‪،‬‬
‫ونزل قول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫ِيل اهلل الذين‬ ‫{ َوقَاتِلُوا ْ ِيف َسؽ ِ‬
‫يُقَاتِلُون َ ُك ْم َوال َتعتدوا إ َِّن اهلل ال َ‬
‫ب ا‪١‬تعتدين } ػ البقرة ‪] 190 :‬‬ ‫ُ٭ت ِ ُّ‬
‫وعندما نتأمل قوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫َوقَاتِلُوا ْ ِيف َسؽ ِ‬
‫ِيل اهلل } فإننا ‪٧‬تد أن‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه يؤكد عَل كلمة { ِيف‬
‫ِيل اهلل } ألنه يريد أن يضع‬ ‫َسؽ ِ‬
‫حدا ً‪ٞ‬تُبوت البشر ‪ ،‬والبد أن‬
‫تكون نية القتال يف سؽيل اهلل ال أن‬
‫يكون القتال بنية االستعبلء‬
‫وا‪ٞ‬تُبوت والطغيان فبل قتال من‬
‫أجل ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬أو ا‪١‬تال أو لضمان‬
‫سوق اقتصادي ‪ ،‬وإ‪٪‬تا القتال إلعبلء‬
‫كلمة اهلل ‪ ،‬ونصرة دين اهلل ‪ ،‬هذا‬
‫هو غرض القتال يف اإلسبلم ‪.‬‬
‫ِيل اهلل الذين‬ ‫{ َوقَاتِلُوا ْ ِيف َسؽ ِ‬
‫يُ َقاتِلُون َ ُك ْم َوال َتعتدوا إ َِّن اهلل ال َ‬
‫ب ا‪١‬تعتدين } وا‪ٟ‬تق ينىه عن‬‫ُ٭ت ِ ُّ‬
‫االعتداء ‪ ،‬أي ال يقاتل مسلم من‬
‫لم يقاتله وال يعتدي ‪.‬‬
‫وهب أن قريشا هي اليت قاتلت ‪،‬‬
‫ولكن أناسا ًكالنساء والصؽيان‬
‫والعجزة لم يقاتلوا ا‪١‬تسلمُت مع‬
‫أهنم يف جانب من قاتل ‪ ،‬لذلك ال‬
‫‪٬‬توز قتا‪٢‬تم ‪ ،‬نعم عَل قدر الفعل‬
‫يكون رد الفعل ‪ .‬ماذا؟ ألن يف قتال‬
‫النساء والعجزة اعتداء ‪ ،‬وهو‬
‫سبحانه ال ٭تب ا‪١‬تعتدين ‪ .‬لكن‬
‫قتال ا‪١‬تؤمنُت إ‪٪‬تا يكون لرد‬
‫العدوان ‪ ،‬وال بداية عدوان ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق من بعد ذلك ‪{ :‬‬
‫واقتلوهم حي ِ‬
‫وهم‬ ‫ث ثَق ْف ُت ُم ُ‬ ‫َْ ُ‬
‫ث أ َ ْخ َر ُجو ُك ْم‬ ‫وأ َ ْخرِج ِ‬
‫وه ْم ّم ْن َحي ْ ُ‬
‫َ ُ ُ‬
‫والفؾنة أ َ َش ُّد ِم َن القتل ‪} . . .‬‬
‫واقْ ُتلُوهم حي ِ‬
‫وه ْم‬ ‫ث ثَق ْف ُت ُم ُ‬ ‫َ ُ ْ َْ ُ‬
‫ث أ َ ْخ َر ُجو ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َوأ ْخر ُِجو ُه ْم م ْن َحي ْ ُ‬
‫َوال ْ ِفؾْن َ ُة أ َ َش ُّد ِم َن ال ْ َقت ْ ِل َو َال‬
‫وه ْم ِعن ْ َد ا ْ‪١‬ت َ ْس ِج ِد ا ْ‪ٟ‬ت َ َرا ِم َح َّىت‬ ‫ِ‬
‫ُتقَاتل ُ ُ‬
‫يُ َقاتِلُو ُك ْم فِي ِه فَإ ِْن قَاتَلُو ُك ْم‬
‫ك َج َز ُاء الْكَافِرِي َن‬‫وه ْم كَ َذل ِ َ‬‫فَاقْ ُتل ُ ُ‬
‫(‪)191‬‬

‫و‪٨‬تن نسمع كلمة « ثقافة » ‪،‬‬


‫وكلمة « ثقاف » ‪ ،‬والثقافة هي‬
‫يسر التعلم ‪ ،‬أو أن تلم بطرف من‬
‫األشياء ا‪١‬تتعددة ‪ ،‬وبذلك يصبح‬
‫كم من‬
‫فبلن مثقفا ًأي لديه ٌّ‬
‫ا‪١‬تعلومات ‪ ،‬ويعرف بعض الشيء‬
‫عن كل شيء ‪ ،‬ثم يتخصص يف فرع‬
‫من فروع ا‪١‬تعرفة فيعرف كل شيء‬
‫عن شيء واحد ‪.‬‬
‫كل هذه ا‪١‬تعاين مأخوذة من األمور‬
‫ا‪١‬تحسة ‪ ،‬والؾثقيف عند العرب هو‬
‫تقويم الغصن ‪ ،‬فقد كان العرب‬
‫يأخذون أغصان الشجر ليجعلوها‬
‫رماحا ًوعصيا ً‪ ،‬والغصن قد يكون‬
‫معوجا ًأو به نتوء ‪ ،‬فكان العرّب‬
‫يثقفه ‪ ،‬أي يزيل زوائده‬
‫واعوجاجه ‪ ،‬ثم يأيت بالثقاف وهو‬
‫قطعة من ا‪ٟ‬تديد ا‪١‬تعقوف ليق ِ ّوم‬
‫بها ا‪١‬تعوج من األغصان كما يفعل‬
‫عامل الؾسليح ْتديد الؽناء ‪.‬‬
‫كأن ا‪١‬تُث َ ّقِف هو الذي يعدل من شيء‬
‫معوج يف الكون؛ فهو يعرف هذه‬
‫وتلك ‪ ،‬وأصبح ذا تقويم سليم ‪.‬‬
‫وهكذا ‪٧‬تد أن معاين اللغة وألفاظها‬
‫مشتقة من ا‪١‬تحسات اليت أمامنا ‪.‬‬
‫ِ‬
‫وهم } أي «‬ ‫وقوله ‪ { :‬ثَق ْف ُت ُم ُ‬
‫وجد٘توهم » ‪ ،‬فثقف الشيء أي‬
‫وجده ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬فَإ َِّما تَثْقَ َفنَّ ُه ْم ِيف‬
‫ا‪ٟ‬ترب فَ َش ّ ِردْ بِ ِهم } ػ األنفال ‪:‬‬
‫‪] 57‬‬
‫أي شردهم حيث ٕتدهم ‪ .‬ويقول‬
‫ث‬‫ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬واقتلوهم َحي ْ ُ‬
‫ِ‬
‫وهم } أي ال تقولوا إهنم‬ ‫ثَق ْف ُت ُم ُ‬
‫أخرجوكم من هنا ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬
‫أخرجوهم من حيث أخرجوكم ‪،‬‬
‫أي من أي مكان أنتم فيه ‪ ،‬وعن‬
‫معتن ‪ .‬وقوله‬ ‫ذلك لن تكونوا دي‬
‫تعاىل ‪ { :‬وأ َ ْخرِج ِ‬
‫ث‬‫وه ْم ّم ْن َحي ْ ُ‬
‫َ ُ ُ‬
‫أ َ ْخ َر ُجو ُك ْم } يذكرنا ٔتنطق‬
‫مشابه يف آية أخرى منها قوله تعاىل‬
‫‪َ { :‬وإ ِْن عَاقَؽ ْ ُت ْم فَعَاقِبُوا ْ ِ ِٔتث ْ ِل َما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُب ُت ْم َ‪٢‬ت ُ َو َخ ٌْ‬
‫َت‬ ‫ُعوقؽ ْ ُت ْم بِ ِه َولَئن َص َْ‬
‫لصابِري َن } ػ النحل ‪] 126 :‬‬ ‫ل ِ ّ َّ‬
‫آء َس ِؼّئ َ ٍة َس ِؼّئ َ ٌة‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َج َز ُ‬
‫ِّمثْلُهَا ‪ } . . .‬ػ الشورى ‪] 40 :‬‬
‫وعندما نبحث يف ثنايا هذه‬
‫آء َس ِؼّئ َ ٍة َس ِؼّئ َ ٌة‬
‫النصوص { َو َج َز ُ‬
‫ِّمثْلُهَا } « قد يرد هذا ا‪٠‬تاطر »‬
‫أخذت حقي ‪٦‬تن أساء إيل ‪،‬‬
‫وانتقمت منه بعمل ٯتاثل العمل‬
‫الذي فعله معي ‪ ،‬هل يقال ‪ :‬إنٍت‬
‫فعلت سؼئة؟‬
‫وحىت نفهم ا‪١‬تسألة نقول ‪ :‬ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل يأيت يف بعض‬
‫األحايُت بلفظ « ا‪١‬تشاكلة » وهي‬
‫ذكر الشيء بلفظ غَته لوقوعه يف‬
‫صحته ‪ ،‬ومثل ذلك قوله ‪{ :‬‬
‫َو َمك َُروا ْ َو َمك ََر اهلل } ‪ ،‬إن اهلل ال‬
‫ٯتكر ‪ ،‬وإ‪٪‬تا اللفظ جاء للمشاكلة ‪،‬‬
‫أو أن اللفظ الكريم قد جاء يف‬
‫اسؾيفاء حقك بكلمة { َس ِؼّئ َ ٌة ِّمثْلُهَا‬
‫} لينبهك إىل أن اسؾيفاء حقك‬
‫ٔتثل ما صنع بك يعؾُب سؼئة إذا ما‬
‫وازناه بالصفح والعفو عن ا‪١‬تسيء ‪،‬‬
‫يشَت إىل ذلك سبحانه يف هناية هذه‬
‫اآلية بقوله ‪ { :‬فَ َم ْن َع َفا َوأ َ ْصل ََح‬
‫َ‬
‫ب ي‬
‫الظالمن‬ ‫فَأ ْج ُر ُه عََلَ اهلل إِن ّ َُه ال َ ُ٭ت ِ ُّ‬
‫} ؤتثل ذلك كان ختام اآلية‬
‫لئِ‬
‫ُب ُت ْم َ‪٢‬ت ُ َو َخ َْتٌ‬
‫السابقة { َو َ ن َص َ ْ‬
‫لصابِري َن } ‪.‬‬ ‫ل ِ ّ َّ‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬والفؾنة أ َ َش ُّد ِم َن‬
‫القتل } ‪ ،‬والفؾنة مأخوذة من األمر‬
‫ا‪ٟ‬تسي ‪ ،‬فصائغ الذهب يأخذ قطعة‬
‫الذهب فيضعها يف النار فؾنصهر ‪،‬‬
‫فإذا ما كان يشوبها معدن غريب‬
‫عن الذهب فهو ٮترج ويبىق الذهب‬
‫خالصا ‪ ،‬فكأن الفؾنة ابتبلء واخؾبار‬
‫‪ ،‬وقد فعل ا‪١‬تشركون ما هو أسوأ‬
‫من القتل ‪ ،‬فقد حاولوا من قبل أن‬
‫يفؾنوا ا‪١‬تؤمنُت يف دينهم بالتعذيب‬
‫‪ ،‬فخرج ا‪١‬تؤمنون فرارا ًبدينهم ‪.‬‬

‫وا‪ٟ‬تق يأمر ا‪١‬تسلمُت يف قتا‪٢‬تم مع‬


‫أهل الشرك أن يراعوا حرمة‬
‫الؽيت اٌفرام ‪ ،‬فبل ينتهكوها‬
‫بالقتال إال إذا قاتلهم أهل الشرك‬
‫‪.‬‬
‫وهكذا ‪٧‬تد أن أول أمر بالقتال إ‪٪‬تا‬
‫جاء لصد العدوان ‪ ،‬وأراد ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل أن يسقط من أيدي‬
‫خصوم اإلسبلم ورقة قد يلعبون‬
‫بها مع ا‪١‬تسلمُت ‪ ،‬فهم يعلمون أن‬
‫ا‪١‬تؤمنُت باإلسبلم سيحًتمون‬
‫األشهر ا‪ٟ‬ترم و٭تًتمون ا‪١‬تكان‬
‫ا‪ٟ‬ترام و٭تًتمون اإلحرام فبل‬
‫يقاتلون؛ ورٔتا أغرى ذلك خصوم‬
‫اإلسبلم أال يقاتلوا ا‪١‬تسلمُت إال يف‬
‫األشهر ا‪ٟ‬ترم ‪ ،‬ويظنون أن‬
‫ا‪١‬تسلمُت قد يتهؼبون أن‬
‫يقاتلوهم ‪ ،‬فأراد ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل أن يشرع ‪٢‬تم ما يناسب‬
‫مثل هذا األمر فأذن ‪٢‬تم يف القتال ‪،‬‬
‫فإن قاتلوكم يف الشهر ا‪ٟ‬ترام‬
‫فقاتلوهم يف الشهر ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬وإن‬
‫قاتلوكم يف ا‪١‬تكان ا‪ٟ‬ترام فقاتلوهم‬
‫يف ا‪١‬تكان ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬وإن قاتلوكم‬
‫وأنتم ُحرم فقاتلوهم؛ ألن‬
‫ا‪ٟ‬ترمات قصاص ‪.‬‬
‫إذن أسقط ا‪ٟ‬تق الورقة من أيدي‬
‫الكافرين ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫يعلل ذلك بأنه وإن كان القتال يف‬
‫الشهر ا‪ٟ‬ترام ويف ا‪١‬تكان ا‪ٟ‬ترام ويف‬
‫حال اإلحرام صعبا ًوشديدا ً‬
‫فالفؾنة يف دين اهلل أشد من القتل ‪،‬‬
‫ألن الفؾنة إ‪٪‬تا جاءت ل ِ ُتف ِسد عَل‬
‫الناس دينهم ‪ ،‬صحيح أهنا ال تعوق‬
‫الناس عن أن يتدينوا ‪ ،‬ولكنها‬
‫تفنت الذين تدينوا ‪ ،‬وقد حاولوا‬
‫إجبار ا‪١‬تسلمُت األوائل‬
‫بالتعذيب حىت يرتدوا عن الدين ‪،‬‬
‫وكان ذلك أشد من القتل ألهنا فؾنة‬
‫يف الدين ‪.‬‬
‫إن اهلل هو الذي شرع الشهر ا‪ٟ‬ترام‬
‫فكيف يُفنت ا‪١‬تؤمنون عن دين اهلل‬
‫و ُ٭تملون عَل الشرك به ثم تقولون‬
‫بعد ذلك إننا يف الشهر ا‪ٟ‬ترام؟ إن‬
‫الشهر ا‪ٟ‬ترام لم يكن حراما ًإال‬
‫ألن اهلل هو الذي حرمه ‪ ،‬فالفؾنة يف‬
‫اهلل شرك وهو أشد من أن نقاتل‬
‫يف الشهر ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬ولذلك فبل داعي‬
‫أن يتحرج أحد من القتال يف الشهر‬
‫ا‪ٟ‬ترام عندما يفنت يف دينه ‪.‬‬
‫وحينئذ نعلم أن القتال إ‪٪‬تا جاء‬
‫دفاعا ً‪.‬‬
‫وبعد ذلك هل يظل القتال دفاعا ً‬
‫كما يريد خصوم اإلسبلم أن‬
‫‪٬‬تعلوه دفاعا ً َع ّمن آمن فقط؟ أو‬
‫كما يريد الذين يحاولون أن‬
‫يدفعوا عن اإلسبلم أنه دين قتال‬
‫ويقولون ‪ :‬ال ‪ ،‬اإلسبلم إ‪٪‬تا جاء‬
‫بقتال الدفاع فقط ‪ .‬نقول ‪٢‬تؤالء ‪:‬‬
‫قتال الدفاع َع َّمن؟ هل دفاع َع َّمن‬
‫آمن فقط؟ أم عن مطلق إنسان‬
‫نريد أن ندفع عنه ما يؤثر يف‬
‫اخؾيار دينه؟‬
‫هو دفاع أيضا ً‪ ،‬وسنسميه دفاعا ً‪،‬‬
‫ولكنه دفاع َع َّمن آمن ‪ ،‬ندفع عنه‬
‫َم ْن يعتدي عليه ‪ ،‬وأيضا ً َع َّمن لم‬
‫يؤمن ندفع عنه من يؤثر عليه يف‬
‫اخؾيار دينه لنحمي له اخؾياره ‪ ،‬ال‬
‫لنحمله عَل الدين ‪ ،‬ولكن لنجعله‬
‫حرا ًيف االخؾيار؛ فالقوى اليت‬
‫تفرض عَل الناس دينا ًنز٭تها من‬
‫الطريق ‪ ،‬ونعلن دعوة اإلسبلم ‪،‬‬
‫فم ْن وقف أمام هذه الدعوة‬
‫َ‬
‫‪٨‬تاربه؛ ألنه يفسد عَل الناس‬
‫اخؾيار دينهم ‪ ،‬ويف هذا أيضا ًدفاع ‪.‬‬
‫وه ْم ِعن ْ َد ا‪١‬تسجد‬ ‫ِ‬
‫{ َوال َ ُت َقاتل ُ ُ‬
‫ا‪ٟ‬ترام حىت يُقَاتِلُو ُك ْم فِي ِه }‬
‫ألنكم أحرى وأجدر أن ٖتًتموا‬
‫ٖتريم اهلل للمسجد ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬لكن‬
‫إذا هم اجًتأوا عَل القتال يف‬
‫ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام فقد أباح سْتانه‬
‫لكم أيها ا‪١‬تسلمون أن تقاتلوهم‬
‫عند ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام ما داموا قد‬
‫قاتلوكم فيه ‪ { .‬فَإِن قَاتَلُو ُك ْم‬
‫آء الكافرين *‬ ‫ك َج َز ُ‬‫فاقتلوهم َك َذل ِ َ‬
‫يم } ‪.‬‬ ‫فَإ ِِن انتهوا فَإ َِن اهلل َغ ُف ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫وما أ‪ٝ‬تى هذا الدين ‪.‬‬
‫إننا ال نؤاخذهم بعد أن انتهوا إىل‬
‫اإلٯتان ٔتا قدمت أيديهم من‬
‫االجًتاء عَل أهل اإلٯتان ما داموا‬
‫قد آمنوا ‪ ،‬ولذلك نرى عمر بن‬
‫ا‪٠‬تطاب وقد مر عَل قاتل أخيه زيد‬
‫بن ا‪٠‬تطاب ‪ :‬وأشار رجل وقال ‪:‬‬
‫هذا قاتل زيد ‪ .‬فقال عمر ‪ :‬وماذا‬
‫أصنع به وقد أسلم؟ لقد عصم‬
‫اإلسبلم دمه ‪.‬‬
‫لقد انتهت ا‪١‬تسألة بإسبلمه ‪،‬‬
‫فاإلٯتان باهلل أعز عَل ا‪١‬تؤمن من‬
‫دمه ومن نفسه وحُت يؤمن فقد‬
‫انتهت ا‪٠‬تصومة ‪ .‬وهذا وحشي‬
‫قاتل ‪ٛ‬تزة ‪ ،‬يقابله رسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم وكل ما يصنعه‬
‫رسول اهلل هو أن يزوي وجهه عنه ‪،‬‬
‫لكنه ال يقتله وال يثأر منه ‪ .‬وهند‬
‫زوجة أّب سفيان اليت أكلت كبد‬
‫‪ٛ‬تزة ‪ ،‬أسلمت وانتهت فعلتها‬
‫بإسبلمها ‪ .‬إذن ‪ ،‬فاإلسبلم لؼس‬
‫دين حقد وال ثأر وال تصفية‬
‫حسابات ‪ ،‬فإذا كان الدم يغلي يف‬
‫مواجهة الكفر ‪ ،‬فإن إٯتان الكافر‬
‫باإلسبلم يعطيه السبلمة ‪ ،‬هذا هو‬
‫الدين ‪.‬‬
‫اّلل َغ ُف ِ‬
‫يم‬ ‫فَإ ِِن انْتَهَ ْوا فَإ َِّن َّ َ ٌ‬
‫ور َرح ٌ‬
‫(‪)192‬‬

‫أي ما داموا قد كفوا عما يصنعون‬


‫من الفؾنة بالدعوة والشرك باهلل‬
‫َو ُز ِجروا بالدين اآلمر فانزجروا‬
‫عن الكفر ‪ ،‬بعدها ال شيء لنا‬
‫عندهم؛ ألن اهلل غفور رحيم ‪ ،‬فبل‬
‫يصح أن يشيع يف نفوسنا ا‪ٟ‬تقد عَل‬
‫ما فعلوه بنا قدٯتا ‪ ،‬بل ‪٨‬تؾسب ذلك‬
‫عند اهلل ‪ ،‬وما داموا قد آمنوا فذلك‬
‫يكفؼنا ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل بعد‬
‫أن أعطانا مراحل القتال ودوافعه‬
‫ون‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫حىت‬ ‫م‬ ‫وه‬‫ُ‬ ‫ل‬‫قال ‪ { :‬وقَاتِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ّلل ‪} . . .‬‬ ‫فِؾْن َ ٌة وي َ ُكون الدين َ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ َ‬
‫ون فِؾْن َ ٌة‬ ‫ِ‬
‫وه ْم َح َّىت َال تَ ُك َ‬ ‫َوقَاتل ُ ُ‬
‫وي َ ُكون ال ِ ّدين ِ َ ِ‬
‫ّلل فَإ ِِن انْتَهَ ْوا فَ َبل‬‫َ َ ُ ّ‬
‫ع ْدوان إ َِّال عََلَ َّ ِ‬
‫ُت (‪)193‬‬ ‫الظا‪١‬ت ِ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫وعرفنا أن الفؾنة ابتبلء واخؾبار‬
‫ب الناس أَن‬ ‫َ ِ‬
‫وا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬أ َحس َ‬
‫َ‬
‫يًتكوا أن يقولوا َ‬
‫آمنَّا َو ُه ْم ال َ‬
‫ون } ػ العنكبوت ‪] 2 :‬‬ ‫يُ ْفؾ َ ُن َ‬
‫إن ا‪ٟ‬تق ٮتؾُب اإلٯتان بالفؾنة ‪،‬‬
‫ويرى الذين يُعلنون اإلٯتان هل‬
‫يصُبون عَل ما فيه من ابتبلءآت‬
‫أم ال؟ فلو كان دخول اإلسبلم ال‬
‫يًتتب عليه دخول يف حرب أو قتال‬
‫وال يًتتب عليه استشهاد بعض‬
‫ا‪١‬تؤمنُت لكان األمر مغريا لكثَت من‬
‫الناس بالدخول يف اإلسبلم ‪ ،‬لكن‬
‫اهلل جعل ‪٢‬تم الفؾنة يف أن يُه َزموا‬
‫ويُقتل منهم عدد من الشهداء ‪،‬‬
‫وذلك حىت ال يدخل الدين إال‬
‫الصفوة اليت ٖتمل كرامة الدعوة ‪،‬‬
‫وتتوىل ‪ٛ‬تاية األرض من الفساد ‪،‬‬
‫فبل بد أن يكون ا‪١‬تؤمنون هم‬
‫خبلصة الناس ‪.‬‬
‫ِ‬
‫لذلك قال سبحانه ‪َ { :‬وقَاتل ُ ُ‬
‫وه ْم‬
‫ون فِؾْن َ ٌة } ‪ .‬معٌت أن‬
‫حىت ال َتَ ُك َ‬
‫يكون الدين هلل ‪ ،‬أي ٗترجوهم من‬
‫ديانة أنفسهم أو من الديانات‬
‫اليت فرضها الطغيان عليهم ‪،‬‬
‫وعندما نأخذهم من ديانات‬
‫الطغيان ‪ ،‬ومن الديانات اليت زينها‬
‫الناس إىل ديانات ا‪٠‬تالق فهذه‬
‫مسألة حسن بالنسبة ‪٢‬تم ‪ ،‬وتلك‬
‫مهمة سامية ‪ .‬كأنك بهذه ا‪١‬تهمة‬
‫السامية تريد أن ترشد العقل‬
‫اإلنساين وتصرفه و٘تنعه من أن‬
‫يَد ِي َن ‪١‬تساو له؛ إىل أن يدين ‪١‬تن‬
‫خلقه ‪ .‬وعَل صاحب مثل هذا‬
‫العقل أن يشكر من يوجهه إىل هذا‬
‫الصواب ‪ .‬ولذلك ُ‪٬‬تَل ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل هذه ا‪ٟ‬تقيقة فيقول عَل‬
‫لسان الرسول ‪ُ { :‬ق ْل َمآ أ َ ْسأَل ُ ُك ْم‬
‫عَلَي ْ ِه ِم ْن أ َ ْج ٍر إِال َّ َمن َشآءَ أَن يَتَّ ِخ َذ‬
‫إىل َربِّ ِه َسؽِيبل ً} ػ الفرقان ‪] 57 :‬‬
‫فكأننا لو نظرنا إىل عمل الرسول‬
‫بالنسبة إلؼنا ٔتنظار االقتصاد‬
‫لوجب أن يكون له أجر ‪ ،‬ألنه‬
‫يقدم ا‪١‬تنفعة لنا ‪ ،‬وبرغم ما قدمه‬
‫من منفعة فهو ال يأخذ أجراً؛ ألنه‬
‫زاهد يف األجر؛ فإنه يعلم أن األجر‬
‫من ا‪١‬تساوي له قليل مهما عظم‬
‫وهو يريد األجر ‪٦‬تن خلقه ‪ ،‬وهذا‬
‫طمع يف األعَل؛ ألنه ال يعطي األجر‬
‫عَل اإلٯتان إال اهلل سبحانه وتعاىل ‪،‬‬
‫وهو الذي يعطي ببل حدود ‪.‬‬
‫وٮتؾتم ا‪ٟ‬تق هذه اآلية الكرٯتة‬
‫ان إِال َّ‬
‫بقوله ‪ { :‬فَإ ِِن انتهوا فَبل َ ُع ْد َو َ‬
‫عََلَ الظا‪١‬تُت } أي أهنم إذا انتهوا‬
‫إىل عدم قتالكم ‪ ،‬فأنتم لن تعتدوا‬
‫عليهم ‪ ،‬بل سًتدون عدوان‬
‫الظالم منهم ‪ .‬والظالم حُت‬
‫يعتدي يظن أنه لن يقدر عليه أحد‬
‫‪ ،‬وا‪ٟ‬تق يطلب منا أن نقول هل ‪ :‬بل‬
‫نقدر عليك ‪ ،‬ونعتدي عليك ٔتثل‬
‫ما اعتديت علؼنا ‪ .‬ويعطؼنا ا‪ٟ‬تق‬
‫حيؿية ذلك فيقول ‪ { :‬الشهر‬
‫ا‪ٟ‬ترام بالشهر ا‪ٟ‬ترام وا‪ٟ‬ترمات‬
‫قِ َص ٌ‬
‫اص ‪} . . .‬‬
‫ام بِال َّشهْ ِر ا ْ‪ٟ‬ت َ َرا ِم‬ ‫ل َشه ْ‪ٟ‬ت‬
‫ا ّ ْ ُر ا َ َر ُ‬
‫اعت َ َدى‬‫اص فَ َم ِن ْ‬ ‫ات قِ َص ٌ‬ ‫َوا ْ‪ٟ‬ت ُ ُر َم ُ‬
‫اعت َ ُدوا عَلَي ْ ِه بِ ِثم ِْل َما‬
‫عَلَي ْ ُك ْم فَ ْ‬
‫اعت َ َدى عَلَي ْ ُك ْم َوا َّت ُقوا َّ‬
‫اّللَ َواعْل َ ُموا‬ ‫ْ‬
‫ُت (‪)194‬‬ ‫ِ‬ ‫أ َ َّن َّ‬
‫اّللَ َم َع ا ْ‪١‬تُتَّق َ‬
‫وا‪١‬تقصود هو أنه إذا ما قاتلوكم يف‬
‫الشهر ا‪ٟ‬ترام فقاتلوهم يف الشهر‬
‫ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬فإذا ما اعتدوا عَل حرمة‬
‫زمان فالقصاص يكون يف زمان‬
‫مثله ‪ ،‬وإن اعتدوا يف حرمة مكان‬
‫يكن القصاص ْترمة مكان مثله ‪،‬‬
‫وإذا كان االعتداء ْترمة إحرام ‪،‬‬
‫يكون الرد ْترمة إحرام مثله؛ ألن‬
‫القصاص هو أن تأخذ للمظلوم‬
‫مثل ما فعل الظالم ‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬
‫ٮتفف وقع األمر عَل ا‪١‬تؤمنُت الذين‬
‫ُردوا عام ا‪ٟ‬تديؽية يف ذي القعدة سنة‬
‫ست من ا‪٢‬تجرة وأعادهم‬
‫ا‪١‬تشركون إىل ا‪١‬تدينة ‪ ،‬فاقتص اهلل‬
‫منهم بأن أعادهم يف ذي القعدة يف‬
‫العام القابل يف السنة السابعة من‬
‫ا‪٢‬تجرة ‪ ،‬فإن كانوا قد ُمنعوا يف‬
‫الشهر ا‪ٟ‬ترام فقد أراد اهلل أن‬
‫يعودوا لزيارة الؽيت يف الشهر‬
‫ا‪ٟ‬ترام يف الزمان نفسه ‪.‬‬
‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬وا‪ٟ‬ترمات قِ َص ٌ‬
‫اص‬
‫} يقتضي منا أن نسأل ‪ :‬كيف‬
‫يكون ذلك؟ وما هو الشيء ا‪ٟ‬ترام؟‬
‫إن الشيء ا‪ٟ‬ترام هو ما ُ٭تظر هتكه‬
‫‪ ،‬والشيء ا‪ٟ‬تبلل هو ا‪١‬تُطلق‬
‫وا‪١‬تأذون فيه ‪ .‬فهل يعٍت ذلك أن‬
‫الذي يقوم بعمل حرام نقتص منه‬
‫بعمل ‪٦‬تاثل؟‬
‫هل إذا زىن رجل بامرأة نقول له‬
‫نقتص منك بالزىن فيك؟ ال ‪ .‬إن‬
‫القصاص يف اٌفرمات ال يكون إال يف‬
‫ا‪١‬تأذون به وكذلك إذا سرق مٍت‬
‫إنسان ماال ًولؼس لدي بؼنة ‪ ،‬لكٍت‬
‫مقؾنع بأنه هو الذي سرق هل‬
‫أقتص منه بأن أسرق منه؟ ال ‪ ،‬إن‬
‫القصاص إ‪٪‬تا يكون يف األمر‬
‫ا‪١‬تعروف الواضح ‪ ،‬أما األمر‬
‫ا‪١‬تختفي فبل ٯتكن أن نقتص منه‬
‫ٔتثل ما فعل ‪.‬‬
‫لكن هب أن أحد األقارب ‪٦‬ت َّ ْن‬
‫ٕتب نفقتهم عليك وامؾنعت أنت‬
‫عن النفقة عَل هذا اإلنسان ‪ ،‬وهذا‬
‫أمر ‪٤‬ترم عليك ‪ ،‬وما دام األمر‬
‫علنيا ًفله أن يأخذ من مالك فيأكل‬
‫وتكون ا‪١‬تسألة قصاصا ً‪ .‬وهب أن‬
‫زوجتك تشتكي من ٓتلك‬
‫وتقصَتك ‪ ،‬كما « اشتكت هند‬
‫زوجة أّب سفيان لرسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم من ٓتل زوجها‬
‫فقال ‪٢‬تا ‪ :‬خذي من ماله با‪١‬تعروف‬
‫ما يكفيك وولدك » ‪.‬‬
‫ومثال آخر ‪ ،‬هب أن ضيفا ٔتزنلك‬
‫ورفضت أن تكرمه ‪ ،‬وانتهز‬
‫فرصة بعدك عن ا‪١‬تكان الذي‬
‫‪٬‬تلس فيه ثم تناول شؼئا وأكله ‪ .‬ال‬
‫يكون تعديا عليك ما لم يكن‬
‫داخبل يف ‪٤‬ترم آخر ‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫يًتك ا‪ٟ‬تق لويل األمر تنظيم هذه‬
‫األمور حىت ال تصَت ا‪١‬تسائل إىل‬
‫الفوَض ‪.‬‬
‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَ َم ِن اعتدى‬
‫عَلَي ْ ُك ْم فاعتدوا عَلَي ْ ِه ِ ِٔتث ْ ِل َما‬
‫اعتدى عَلَي ْ ُك ْم } يدعونا إىل‬
‫اليقظة حىت ال ٮتدعنا أحد ويدعي‬
‫اإلٯتان وهو يريد االنتقام ‪ .‬و‪٬‬تب‬
‫أن نتمثل قول الشاعر ‪:‬‬
‫إن عادت العقرب عدنا ‪٢‬تا ‪...‬‬
‫وكانت النعل ‪٢‬تا حاضرة‬
‫وٮتتم ا‪ٟ‬تق اآلية الكرٯتة بقوله ‪:‬‬
‫{ واتقوا اهلل واعلموا أ َ َّن اهلل َم َع‬
‫ا‪١‬تتقُت } أي ال تظنوا أن اهلل‬
‫مل ّ َك ُكم فيهم شؼئا ً‪ ،‬بل أنتم وهم‬
‫‪٦‬تلوكون ‪ٚ‬تيعا ًهلل ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق من‬
‫بعد ذلك ‪َ { :‬وأَن ْ ِف ُقوا ْ ِيف َسؽ ِ‬
‫ِيل اهلل‬
‫َوال َ ُتل ْ ُقوا ْبِأ َي ْ ِدي ُك ْم إ َِىل التهلكة‬
‫وأحسنوا ‪} . . .‬‬
‫ِيل َ ِ‬
‫اّلل َو َال ُتل ْ ُقوا‬ ‫َ ِ‬
‫َوأنْف ُقوا ِيف َسؽ ِ ّ‬
‫بِأَي ْ ِدي ُك ْم إ َِىل التَّهْل ُ َك ِة َوأ َ ْح ِس ُنوا إ َِّن‬
‫ُت (‪)195‬‬ ‫ِِ‬ ‫اّللَ ُ٭ت ِ ُّ‬
‫ب ا ْ‪١‬تُ ْحسن َ‬ ‫َّ‬
‫وهذه اآلية جاءت بعد آيات القتال‬
‫‪ ،‬ومعناها ‪ :‬أعدوا أنفسكم للقتال‬
‫يف سؽيل اهلل ‪.‬‬
‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ ُتل ْ ُقوا ْبِأَي ْ ِدي ُك ْم‬
‫إ َِىل التهلكة } تقتضي منا أن نعرف‬
‫أن كلمة « ْتلكة » عَل وزن تَ ْف ُعله‬
‫وال نظَت ‪٢‬تا يف اللغة العربية إال هذا‬
‫اللفظ ‪ ،‬ال يوجد عَل وزن تَ ْف ُعله يف‬
‫اللغة العربية سوى كلمة « ْتْلُكة »‬
‫‪ ،‬والتهلكة هي ا‪٢‬تبلك ‪ ،‬وا‪٢‬تبلك‬
‫هو خروج الشيء عن حال إصبلحه‬
‫ْتيث ال يُدرى أين يذهب ‪ ،‬ومثال‬
‫ذلك هبلك اإلنسان يكون ٓتروج‬
‫روحه ‪ .‬وا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬لِ ّيَهْلِ َ‬
‫ك َم ْن‬
‫ك َعن ب َ ِؼّن َ ٍة و٭تِت َم ْن َح َّي َعن‬
‫َهل َ َ‬
‫ب َ ِؼّن َ ٍة } ػ األنفال ‪] 42 :‬‬
‫فا‪٢‬تبلك ضد ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وعَل اإلنسان‬
‫أن يعرف أن ا‪ٟ‬تياة لؼست ه ي‬
‫ا‪ٟ‬تس وا‪ٟ‬تركة اليت نراها ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬
‫حياة كل شيء ْتساب معُت فحياة‬
‫ا‪ٟ‬تيوان ‪٢‬تا قانوهنا ‪ ،‬وحياة النبات‬
‫‪٢‬تا قانوهنا ‪ ،‬وحياة ا‪ٞ‬تماد ‪٢‬تا قانوهنا‬
‫‪ ،‬بدليل أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫جعل « يهلك » أمام « ٭تِت » وهو‬
‫ك‬‫سبحانه القائل ‪ { :‬كُ ُّل َش ْيءٍ َهال ِ ٌ‬
‫إِال َّ َو ْجهَ ُه } ػ القصص ‪] 88 :‬‬
‫فلسنا ‪٨‬تن فقط الذين يهلكون ‪ ،‬وال‬
‫ا‪ٟ‬تيوانات ‪ ،‬وال النباتات وإ‪٪‬تا كل‬
‫شيء ٔتا فيه ا‪ٞ‬تماد ‪ ،‬كأن ا‪ٞ‬تماد‬
‫يهلك مثلنا ‪ ،‬وما دام يهلك فله‬
‫حياة ولكن لؼست مثل حياتنا ‪،‬‬
‫وإ‪٪‬تا حياة بقانونه هو ‪ ،‬فكل شيء‬
‫‪٥‬تلوق ‪١‬تهمة يؤديها ‪ ،‬فهذه هي‬
‫حياته ‪.‬‬
‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وال َ ُتل ْ ُقوا ْبِأَي ْ ِدي ُك ْم‬
‫إ َِىل التهلكة } يكشف لنا بعضا ًمن‬
‫روائع األداء الؽياين يف القرآن؛ ففي‬
‫ا‪ٞ‬تملة الواحدة تعطيك الشيء‬
‫ومقابل الشيء ‪ ،‬وهذا أمر ال ‪٧‬تده‬
‫يف أساليب البشر؛ فا‪ٟ‬تق يف هذه‬
‫اآلية يقول لنا ‪َ { :‬وأَن ْ ِف ُقوا ْ ِيف َسؽ ِ‬
‫ِيل‬
‫اهلل } أي أنفقوا يف اًفهاد ‪ ،‬كما‬
‫يقول بعدها ‪َ { :‬وال َ ُتل ْ ُقوا ْ‬
‫بِأَي ْ ِدي ُك ْم إ َِىل التهلكة } ‪١‬تاذا؟ ألن‬
‫اإلنفاق هو إخراج ا‪١‬تال إىل الغَت‬
‫الذي يؤدي لك مهمة تفيد يف‬
‫اإلعداد لسؽيل اهلل ‪ ،‬كصناعة‬
‫األسلحة أو اإلمدادات التموينية ‪،‬‬
‫أو ٕتهيز مبانٍ وحصون ‪ ،‬هذه أوجه‬
‫أنفاق ا‪١‬تال ‪ .‬وا‪ٟ‬تق يقول ‪َ { :‬وال َ‬
‫ُتل ْ ُقوا ْبِأَي ْ ِدي ُك ْم إ َِىل التهلكة } ‪.‬‬
‫وكلمة « ألىق » تفيد أن هناك شؼئا‬
‫عاليا ًوشؼئا ًأسفل منه ‪ ،‬فكأن اهلل‬
‫يقول ‪ :‬ال تلقوا بأنفسكم إىل‬
‫التهلكة ‪ ،‬وهل سيلقي الواحد منا‬
‫نفسه إىل التهلكة ‪ ،‬أو أن يلقي‬
‫نفسه يف التهلكة بُت عدوه؟ ال ‪ ،‬إن‬
‫اليد ا‪١‬تغلولة عن اإلنفاق يف سؽيل‬
‫اهلل هي اليت ُتلقي بصاحبها إىل‬
‫التهلكة؛ ألنه إن امؾنع عن ذلك‬
‫اجًتأ العدو عليه ‪ ،‬وما دام العدو قد‬
‫اجًتأ عَل ا‪١‬تؤمنُت فسوف يفؾنهم‬
‫يف دينهم ‪ ،‬وإذا فؾنهم يف دينهم فقد‬
‫هلكوا ‪ .‬إذن فاالستعداد للحرب‬
‫أنىف للحرب ‪ ،‬وعندما يراك العدو‬
‫قويا ًفهو يهابك ويًتاجع عن‬
‫قتالك ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه كما يريد منا يف‬
‫تشريع القتال أن نقاتل يأمرنا أن‬
‫نزن أمر القتال وزنا ًدقيقا ًْتسم ‪،‬‬
‫فبل تأخذنا األر٭تية االكذبة وال‬
‫ا‪ٟ‬تمية الرعناء ‪ ،‬فيكون ا‪١‬تعٌت ‪ :‬وال‬
‫تقبلوا عَل القتال إال إن كان غالب‬
‫الظن أنكم ستنتصرون ‪ ،‬فحزم‬
‫اإلقدام قد يطلب منك أن تقؼس‬
‫األمور بدقة ‪ ،‬فالشجاعة قد‬
‫تقتضي منك أن ٖتجم و٘تؾنع عن‬
‫القتال يف بعض األحيان ‪ ،‬لتنتصر‬
‫من بعد ذلك ساعة يكمل اإلعداد‬
‫له ‪.‬‬
‫وا‪١‬تعٌت األول ‪٬‬تعلك تنفق يف سؽيل‬
‫اهلل وال تلقي بيدك إىل التهلكة‬
‫بًتك القتال ‪ .‬وا‪١‬تعٌت الثاين أي ال‬
‫تلقوا بأيديكم إىل التهلكة بأن‬
‫تقبلوا عَل القتال ببل داع أو ببل‬
‫كاف ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تق يريد من‬‫إعداد ٍ‬
‫ا‪١‬تؤمنُت أن يزنوا ا‪١‬تسائل وزنا ً‬
‫‪٬‬تعلهم ال يًتكون ا‪ٞ‬تهاد فيهلكوا؛‬
‫ألن خصمهم سيجًتئ عليهم ‪،‬‬
‫وال ٭تؽبهم يف أن يلقوا بأيديهم إىل‬
‫القتال ‪١‬تجرد الرغبة يف القتال دون‬
‫االستعداد له ‪ .‬وهذا هو ا‪ٟ‬تزم‬
‫اإلٯتاين ‪ ،‬إهنا ‪ٚ‬تلة واحدة أعطؾنا‬
‫عدة معان ‪.‬‬
‫ويذيل ا‪ٟ‬تق اآلية الكرٯتة بقوله ‪:‬‬
‫ب ا‪١‬تحسنُت‬ ‫{ وأحسنوا إ َِّن اهلل ُ٭ت ِ ُّ‬
‫} ا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬وأحسنوا } ‪.‬‬
‫واإلحسان كما علمنا رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪ « :‬أن تعبد‬
‫اهلل أي تطيع أوامره كأنك تراه ‪،‬‬
‫فإن لم تكن تراه فإنه يراك » ‪.‬‬
‫مشكلة الناس هذه األيام أهنم‬
‫يتشبهون ب « فإنه يراك » ‪،‬‬
‫فعملوا الدوائر التليفزيونية‬
‫ا‪١‬تغلقة يف ا‪١‬تحبلت الكُبى حىت‬
‫تتم مراقبة سَت العمل يف أرجاء‬
‫ا‪١‬تحل ‪ ،‬هذه فعل البشر ‪ .‬لكن‬
‫انظر إىل تسامي اإلٯتان ‪ ،‬إنه‬
‫يأمرك أنت أن ترى اهلل ‪ ،‬فبل تؤد‬
‫العمل أداء شكليا ًيرفع عنك العتب‬
‫‪ ،‬بل عليك أن تؤدي العمل بقصد‬
‫اإلحسان يف العمل ‪.‬‬
‫واإلحسان يف كل شيء هو إتقانه‬
‫إتقانا ًْتيث يصنع اإلنسان لغَته ما‬
‫٭تب أن يصنعه غَته له ‪ ،‬ولو تعامل‬
‫الناس عَل هذا األساس المتازت‬
‫كل الصناعات ‪ ،‬لكن إذا ساد الغش‬
‫فأنت تغش غَتك ‪ ،‬وغَتك‬
‫يغشك ‪ ،‬وبعد ذلك كلنا ‪٧‬تأر‬
‫بالشكوى ‪ ،‬وعلؼنا إذن أن ‪٨‬تسن يف‬
‫كل شيء ‪ :‬مثبل ‪٨‬تسن يف اإلنفاق ‪،‬‬
‫ولن ‪٨‬تسن يف اإلنفاق إال إذا أحسنا‬
‫يف الكدح الذي يأيت بثمرة ما ننفق؛‬
‫ألن الكدح ‪ٙ‬ترته مال ‪ ،‬وال إنفاق‬
‫إال ٔتال ‪ ،‬فتخرج من عائد كدحك‬
‫لتصرفه يف ا‪١‬تناسب من األمور ‪.‬‬
‫ودائرة اإلحسان ال تقتصر عَل‬
‫القتال فقط ‪ ،‬فاألمر هنا عام ‪ ،‬وال‬
‫تعتقد أنه أمر يف زاوية من زوايا‬
‫الدين جاءت لتخدم جزئية من‬
‫جزئيات ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬إ‪٪‬تا كل زاوية من‬
‫زوايا الدين جاءت لتخدم كل‬
‫جزئيات ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬فاإلحسان إذا كان‬
‫با‪١‬تال فهذا يقتضي أن ٭تسن‬
‫اإلنسان ا‪ٟ‬تركة يف األرض ‪،‬‬
‫ويعمل عمبل ًيكفيه ويكفي من‬
‫يعول ‪ ،‬ثم يفيض لديه ما ٭تسن به‬
‫‪.‬‬
‫إذا لم يتوافر ا‪١‬تال ‪ ،‬فعليك أن‬
‫ُٖتسن ّتاهك وتشفع لغَتك ‪،‬‬
‫وا‪ٞ‬تاه قد قومه اإلسبلم أي جعل له‬
‫قيمة ‪ ،‬فعَل صاحب ا‪ٞ‬تاه أن يشفع‬
‫ّتاهه لؼساعد أصحاب ا‪ٟ‬تقوق يف‬
‫ا‪ٟ‬تصول عَل حقوقهم ‪ ،‬وعَل الوجيه‬
‫أيضا أن يأخذ الضعيف يف جواره‬
‫و٭تميه من عسف وظلم القوي ‪،‬‬
‫وعليه ّتاهه أن يقيم العدل يف‬
‫البؼئة اليت يعؼش فيها ‪.‬‬

‫والوجاهة تعٍت أن يكون لئلنسان‬


‫احًتام أو وزن أو تقدير ‪ ،‬وهذه‬
‫األشياء ‪٢‬تا مسبقات يف إحسان‬
‫الشخص ‪ ،‬ال يأخذها ببل سبب ‪،‬‬
‫إ‪٪‬تا سبقها عمل جعل له وجاهة‬
‫عند الناس ‪ .‬فالناس يف العادة ال‬
‫٭تًتمون إال من يكون له لون من‬
‫الفضل عليهم ‪ ،‬فكأنه احًتام‬
‫مدفوع الثمن ‪ ،‬ولؼس احًتاما ً‬
‫‪٣‬تانيّا ً‪ .‬وقد يكون اإلحسان بالعلم‬
‫‪ .‬أو بفضل القوة ‪ ،‬بإعانة الضعيف ‪.‬‬
‫أو بإكساب ا‪٠‬تُبة لآلخرين ‪ .‬أو‬
‫بتفريج كربة عن مسلم ‪.‬‬
‫إذن وجوه اإلحسان يف األشياء‬
‫كثَتة ‪ ،‬وكلها ٗتدم قضية اإلٯتان ‪.‬‬
‫وعندما يرى الكافر ا‪١‬تؤمنُت وكل‬
‫واحد منهم ٭تسن عمله فإن ذلك‬
‫يغريه باإلٯتان ‪ .‬وإذا سألنا ‪ :‬ما‬
‫الذي زهد دنيانا ا‪١‬تعاصرة يف ديننا؟‬
‫فسوف ‪٧‬تد أن العالم ينظر إىل دين‬
‫اهلل من خبلل حركة ا‪١‬تسلمُت ‪،‬‬
‫وهي حركة غَت إسبلمية يف غالبؼتها‬
‫‪ .‬صحيح أن بعضا ًمن عقبلء الغرب‬
‫وفبلسفته ال يأخذون الدين من‬
‫حركة ا‪١‬تسلمُت ‪ ،‬وهذا منتىه‬
‫العدالة منهم ألنه رٔتا كان بعض‬
‫ا‪١‬تسلمُت غَت ملتزمُت بدينه ‪ ،‬فبل‬
‫يأخذ أحد اإلسبلم منه ‪١‬تجرد أنه‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫وأتباع الديانات األخرى يعرفون‬
‫أن هناك أفعاال ًجرمها دينهم ‪ .‬وما‬
‫دام هناك أفعال جرمها الدين‬
‫وسن ‪٢‬تا عقوبة فذلك دليل عَل أهنا‬
‫قد تقع ‪ ،‬فأنت عندما ترى شخصا ً‬
‫ينؾسب إىل اإلسبلم ويسرق ‪ ،‬هل‬
‫تقول ‪ :‬إن ا‪١‬تسلمُت لصوص ‪ .‬ال ‪،‬‬
‫إن عليك أن تنظر إىل تشريعات‬
‫اإلسبلم هل جرمت السارق أو لم‬
‫ٕترمه؟ فبل يقولن أحد ‪ :‬انظر إىل‬
‫حال ا‪١‬تسلمُت ‪ ،‬ولكن لننظر إىل‬
‫قوانُت اإلسبلم ‪ ،‬ألن اهلل قدر عَل‬
‫البشر أن يقوموا باألفعال حسنها‬
‫وسؼئها ‪ ،‬ولذلك أثاب عَل العمل‬
‫الصاٌف وعاقب عَل العمل السييء ‪.‬‬
‫والعقبلء وا‪١‬تفكرون يأخذون‬
‫الدين من مبادئ الدين نفسه ‪ ،‬وال‬
‫يأخذونه من سلوك الناس ‪ ،‬فقد‬
‫‪٬‬توز أن تقع عُت ا‪١‬تراقب عَل ُ‪٥‬تالف‬
‫يف مسألة ٭ترمها الدين ‪ .‬فبل تأخذ‬
‫الفعل ا‪٠‬تاطئ عَل أنه اإلسبلم ‪،‬‬
‫وإ‪٪‬تا خذه عَل أنه خارج عَل‬
‫اإلسبلم ‪.‬‬
‫وساعة يرانا العالم ‪٤‬تسنُت يف كل‬
‫شيء فنحن نعطيهم األسوة اليت كان‬
‫عليها أجدادنا ‪ ،‬وجعلت اإلسبلم‬
‫ٯتتد ذلك ا‪١‬تد ا‪٠‬ترايف األسطوري‬
‫حىت وصل يف نصف قرن إىل آخر‬
‫الدنيا يف الشرق ‪ ،‬وإىل آخرها يف‬
‫الغرب ‪ ،‬وبعد ذلك ينحسر سياسيا ً‬
‫عن األرض ‪ ،‬ولكن يظل كدين ‪،‬‬
‫وبىق من اإلسبلم هذا النظام الذي‬
‫‪٬‬تذب له الناس ‪ .‬إن اإلسبلم له‬
‫مناعة يف ‪ٜ‬تَتته الذاتية إنه ٭تمل‬
‫مقومات بقائه وصبلحؼته ‪ ،‬وهو‬
‫الذي ‪٬‬تذب غَت ا‪١‬تسلمُت له‬
‫فيؤمنون به ‪ ،‬ولؼس ا‪١‬تسلمون هم‬
‫الذين ‪٬‬تذبون الناس لئلسبلم ‪.‬‬
‫ولذلك أقول ‪ :‬لو أن التمؿيل‬
‫السياسي لؤلمم اإلسبلمية يف الببلد‬
‫غَت اإلسبلمية ا‪١‬تتحضرة قد أخذ‬
‫ٔتبادئ اإلسبلم لكان أسوة حسنة ‪.‬‬
‫وانظر إىل عاصمة واحدة من‬
‫عواصم الدول الغربية ٕتد فيها‬
‫أكثر من ثبلث وستُت سفارة‬
‫إسبلمية ‪ ،‬وكل سفارة يعمل فيها‬
‫جهاز يزيد عَل العشرين ‪ ،‬هب أن‬
‫هؤالء كانوا أسوة إسبلمية يف‬
‫السلوك وا‪١‬تعامبلت يف عاصمة غَت‬
‫إسبلمية ‪ ،‬حينئذ ‪٬‬تد أهل ذلك‬
‫البلد جالية إسبلمية ملتزمة ولم‬
‫تفؾنها زخارف ا‪١‬تدنية ‪ :‬ال‬
‫يشربون ا‪٠‬تمر ‪ ،‬وال يرقصون ‪ ،‬وال‬
‫يًتددون عَل األماكن السؼئة‬
‫السمعة ‪ ،‬وال تؾُبج نساؤهم ‪،‬‬
‫وك هؤالء؟‬‫باهلل أال يلفت النظر سل ُ‬
‫لكن ما ٭تدث لؤلسف هو أن أهل‬
‫الغرب عَل باطلهم غلبوا بٍت‬
‫اإلسبلم عَل حقهم وأخذوهم إىل‬
‫ٖتللهم ‪ ،‬وهذا االتباع األع ىم‬
‫‪٬‬تعل الغربيُت يقولون ‪ :‬لو كان يف‬
‫اإلسبلم مناعة ‪ٟ‬تفظ أبناءه من‬
‫الوقوع فيما وقعنا فيه ‪.‬‬
‫إذن اإلحسان من ا‪١‬تسلمُت أكُب‬
‫دعاية ودعوة إىل دين اإلسبلم ‪ .‬إن‬
‫ب‬‫ا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬إ َِّن اهلل ُ٭ت ِ ُّ‬
‫ا‪١‬تحسنُت } وا‪ٟ‬تب كما نعرفه هو‬
‫ميل قلب ا‪١‬تحب إىل ا‪١‬تحبوب ‪،‬‬
‫وذلك األمر يكون بالنسبة للبشر ‪،‬‬
‫لكن بالنسبة للحق هو تودد ا‪٠‬تالق‬
‫بالر‪ٛ‬تة والكرامة عَل ا‪١‬تخلوق ‪،‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ٭تب من عباده‬
‫أن يكونوا عَل ُخلقه ‪ ،‬فكما أن اهلل‬
‫أحسن كل شيء خلقه { الذي‬
‫أ َ ْح َس َن كُ َّل َش ْيءٍ َخل َ َق ُه } يريد من‬
‫عباده وقد تفضل عليهم بالعقل‬
‫ا‪١‬تفكر فيخطط ‪ ،‬وبالطاقات فؾُبز‬
‫التفكَت إىل عمل يريد ا‪ٟ‬تق منا أن‬
‫يكون رائدنا يف كل عمل أن‬
‫‪٨‬تسنه ‪ ،‬حىت نكون متخلقُت‬
‫بأخبلق اهلل ‪ ،‬فتشيع كلمة « اهلل »‬
‫هذا اللفظ الكريم الذي يستقبل‬
‫به اإلنسان كل ‪ٚ‬تيل يف أي صنعة‬
‫فيقول ‪ « :‬اهلل » ‪.‬‬
‫إذن تشيع كلمة « اهلل » نغمة يف‬
‫الوجود تعليقا ًعَل كل شيء حسن ‪،‬‬
‫حىت الذي ال يؤمن بذلك اإلله‬
‫يقول أيضا ً‪ « :‬اهلل » ‪ ،‬كأن الفطرة‬
‫اليت فطر اهلل الناس عليها تنطق بأن‬
‫كل حسن ‪٬‬تب أن يُنسب إىل اهلل‬
‫سواء كان اهلل هو الذي فعل مباشرة‬
‫كاألسباب والكونيات والنوامؼس ‪،‬‬
‫أو خلق الذي فعل ا‪ٟ‬تسن ‪ ،‬فكل‬
‫األمور تؤول إىل اهلل ‪.‬‬
‫ولو علم الذين ال ٭تسنون أعما‪٢‬تم‬
‫ٔتاذا ٭ترمون الوجود لتحسروا عَل‬
‫أنفسهم ‪ ،‬ولؼتهم ٭ترمون الوجود‬
‫من كلمة « اهلل » ‪ ،‬ولكنهم ‪٬‬تعلون‬
‫مكان « اهلل » كلمة خبؼثة‬
‫فيشيعون القبح يف الوجود ‪ ،‬وحُت‬
‫يشيع القبح يف الوجود يكون‬
‫اإلنسان يف عمومه هو ا‪٠‬تاسر ‪.‬‬
‫ب‬‫فقول اهلل ‪ { :‬إ َِّن اهلل ُ٭ت ِ ُّ‬
‫ا‪١‬تحسنُت } تشجيع لكل من يلي‬
‫عمبل ًأن ٭تسنه ليكون عَل أخبلق‬
‫اهلل ‪ .‬وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬
‫وأ َ ِ٘تُّوا ْا‪ٟ‬تج والعمرة َ ِ‬
‫ّلل فَإ ِْن‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫أُ ْح ِص ْر ُت ْم فَ َما استؼسر ِم َن ا‪٢‬تدي‬
‫وس ُك ْم حىت يَبْلُغَ‬ ‫ؤ‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫وال َ َٖتْلِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ا‪٢‬تدي َ ِ‪٤‬تل َّ ُه ‪} . . .‬‬
‫وأ َ ِ٘تُّوا ا ْ‪ٟ‬ت َ َّج وال ْ ُع ْم َرةَ ِ َ ِ‬
‫ّلل فَإ ِْن‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أُ ْح ِص ْر ُت ْم فَ َما ا ْستَؼ ْ َس َر ِم َن ا ْ‪٢‬ت َ ْد ِي‬
‫وس ُك ْم َح َّىت يَبْل ُ َغ‬ ‫ء‬ ‫ر‬ ‫وا‬ ‫ق‬ ‫ُ‬ ‫و َال تَ ل ِ‬
‫ح‬
‫َ ْ ُُ َ‬
‫يضا‬‫ان ِمن ْ ُك ْم َم ِر ً‬ ‫ا ْ‪٢‬ت َ ْد ُي َ‪٤‬تِل َّ ُه فَ َم ْن ك َ َ‬
‫أ َ ْو بِ ِه أَذًى ِم ْن َرأ ْ ِس ِه فَ ِف ْدي َ ٌة ِم ْن‬
‫ك فَإِذَا أ َ ِمن ْ ُت ْم‬ ‫ِصيا ٍم أ َ ْو َص َدقَ ٍة أ َ ْو نُس ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فَ َم ْن َ٘تَتَّ َع بِال ْ ُع ْم َر ِة إ َِىل ا ْ‪ٟ‬ت َ ّ ِج فَ َما‬
‫ا ْستَؼ ْ َس َر ِم َن ا ْ‪٢‬ت َ ْد ِي فَ َم ْن ل َ ْم َ ِ‪٬‬ت ْد‬
‫ام ث ََبلث َِة أَيَّا ٍم ِيف ا ْ‪ٟ‬ت َ ّ ِج َو َسبْعَ ٍة إِذَا‬ ‫َ ُ‬ ‫ي‬ ‫فَ ِ‬
‫ص‬
‫ك ِ‪١‬ت َ ْن‬ ‫ك َع َش َرةٌ كَا ِمل َ ٌة ذَل ِ َ‬‫َر َجعْ ُت ْم تِل ْ َ‬
‫ل َ ْم ي َ ُك ْن أ َ ْهل ُ ُه َحا ِض ِري ا ْ‪١‬ت َ ْس ِج ِد‬
‫اّللَ َواعْل َ ُموا أ َ َّن َّ‬
‫اّللَ‬ ‫ا ْ‪ٟ‬ت َ َرا ِم َواتَّ ُقوا َّ‬
‫اب (‪)196‬‬ ‫يد الْعِقَ ِ‬ ‫َش ِد ُ‬
‫والنسق القرآين نسق عجيب ‪،‬‬
‫فأنتم تذكرون أنه تكلم عن‬
‫الصيام ‪ .‬ورمضان يأيت قبل أشهر‬
‫ا‪ٟ‬تج ‪ ،‬فكان طؽيعيا ًأن يتكلم عن‬
‫ا‪ٟ‬تج بعد أن تكلم عن رمضان وعن‬
‫األهلة وعن جعل األهلة مواقيت‬
‫للناس وا‪ٟ‬تج كما أن هناك شؼئا ً‬
‫آخر يستدعي أن يتكلم يف ا‪ٟ‬تج وهو‬
‫الكبلم عن القتال يف األشهر ا‪ٟ‬ترم ‪،‬‬
‫وعن الؽيت ا‪ٟ‬ترام فقد قال‬
‫وه ْم ِعن ْ َد‬ ‫ِ‬
‫سبحانه ‪َ { :‬وال َ ُت َقاتل ُ ُ‬
‫ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام حىت يُقَاتِلُو ُك ْم فِي ِه‬
‫} ػ البقرة ‪] 191 :‬‬
‫إذن فالكبلم عن ا‪ٟ‬تج يأيت يف سياقه‬
‫الطؽيعي ‪ .‬وحُت يقول اهلل ‪{ :‬‬
‫ّلل } نفهم‬ ‫وأ َ ِ٘تُّوا ْا‪ٟ‬تج والعمرة َ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫منه أن األمر بإ٘تام الشيء ال يكون‬
‫إال إذا جاء األمر بفرض هذا الفعل‬
‫‪ ،‬فكأنك بدأت يف العمل بعد‬
‫التشريع به ‪ ،‬ويريد منك سبحانه‬
‫أال ّٖتج فقط ‪ ،‬ولكن يريد منك أن‬
‫تاما ًمستوفيا ًلكل‬ ‫تتمه وٕتعله ّ‬
‫مطلوبات ا‪١‬تشرع له ‪.‬‬
‫وساعة يقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وأ َ ِ٘تُّوا ْا‪ٟ‬تج‬
‫والعمرة } لقائل أن يقول ‪ :‬إن‬
‫ا‪ٟ‬تج شيء والعمرة شيء آخر ‪،‬‬
‫بدليل عطفها عليه ‪ ،‬والعطف‬
‫يقتضي ا‪١‬تغايرة كما يقتضي‬
‫ا‪١‬تشاركة ‪ ،‬فإن وجدت مشاركة‬
‫ولم توجد مغايرة فبل يصح العطف‬
‫‪ ،‬بل البد أن يوجد مشاركة‬
‫ومغايرة ‪ .‬وا‪١‬تشاركة بُت ا‪ٟ‬تج‬
‫والعمرة أن كليهما نسك وعباده ‪،‬‬
‫وأما ا‪١‬تغايرة فهي أن للحج زمنا ً‬
‫‪٥‬تصوصا ًويشًتط فيه الوقوف‬
‫بعرفة ‪ ،‬وأما العمرة فبل زمن ‪٢‬تا وال‬
‫وقفة فيها بعرفة ‪.‬‬
‫ولكن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول يف‬
‫ّلل عََلَ الناس‬ ‫مشروعية ا‪ٟ‬تج ‪ { :‬و َ ِ‬
‫َّ‬
‫ِح ُّج الؽيت َم ِن استطاع إِلَي ْ ِه َسؽِيبل ً}‬
‫ػ آل عمران ‪] 97 :‬‬
‫ولم يأت يف تلك اآلية بذكر‬
‫العمرة ‪ ،‬ومنها نعرف أن ا‪ٟ‬تج شيء‬
‫والعمرة شيء آخر ‪ ،‬وا‪١‬تفروض‬
‫علؼنا هو ا‪ٟ‬تج ‪ .‬ولذلك أقول دائما‬
‫البد لنا أن نأخذ القرآن ‪ٚ‬تلة‬
‫واحدة ‪ ،‬ونأيت بكل اآليات اليت‬
‫تتعلق با‪١‬توضوع لنفهم ا‪١‬تقصود‬
‫٘تاما ً‪ ،‬فحُت يقول ا‪ٟ‬تق يف قرآنه‬
‫أيضا ‪ { :‬وأ َ ِ٘تُّوا ْا‪ٟ‬تج والعمرة َ ِ‬
‫ّلل }‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫نعرف من ذلك أن العمرة غَت ا‪ٟ‬تج‬
‫‪ ،‬وحُت تقرأ قول اهلل يف سورة براءة‬
‫ان ِّم َن اهلل َو َر ُسول ِ ِه إ َِىل‬ ‫َ‬
‫‪َ { :‬وأذَ ٌ‬
‫الناس ي َ ْو َم ا‪ٟ‬تج األكُب } ػ التوبة ‪:‬‬
‫‪]3‬‬
‫حجا أكُب ‪ِّ ،‬‬
‫وحجا‬ ‫نعرف أن هناك ِّ‬
‫ثانيا كبَتا ً‪ .‬ولذلك فآية { و َ ِ‬
‫ّلل عََلَ‬ ‫َّ‬
‫الناس ِح ُّج الؽيت } جاءت بالؽيت‬
‫ا‪١‬تحرم ‪ ،‬وهو القدر ا‪١‬تشًتك يف‬
‫ا‪ٟ‬تج والعمرة ‪ .‬ونعرف أن ا‪ٟ‬تج‬
‫األكُب هو ا‪ٟ‬تج الذي يقف فيه‬
‫ا‪١‬تسلم بعرفة؛ ألن الرسول صَل‬
‫اهلل عليه وسلم قال ‪ « :‬ا‪ٟ‬تج عرفة‬
‫» ‪ .‬وهو ا‪ٟ‬تج األكُب؛ ألن ا‪ٟ‬تشد‬
‫عَل عرفة يكون كبَتا ً‪ ،‬وهو يأيت يف‬
‫زمن ‪٥‬تصوص ويُشًتط فيه‬
‫الوقوف بعرفة ‪.‬‬
‫إذن قوله تعاىل ‪ { :‬و َ ِ‬
‫ّلل عََلَ الناس‬‫َّ‬
‫ِح ُّج الؽيت } ا‪ٟ‬تج هو القصد إىل‬
‫عظم وهو { ِح ُّج الؽيت } ‪ ،‬أما‬ ‫ُم ّ‬
‫العمرة فهي ا‪ٟ‬تج الكبَت وزماهنا‬
‫شائع يف كل السنة ‪ ،‬والقاصدون‬
‫للؽيت يتوزعون عَل العام كله ‪.‬‬
‫وذلك قد ثبت بالتشريع بقوله‬
‫ّلل عََلَ الناس ِح ُّج‬
‫سبحانه ‪ { :‬و َ ِ‬
‫َّ‬
‫الؽيت } ‪.‬‬

‫وما دام جاء باألمر ا‪١‬تشًتك يف قوله‬


‫‪ :‬حج الؽيت فهو يريد ا‪ٟ‬تج األكُب‬
‫وا‪ٟ‬تج الكبَت ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ٮتاطب عباده‬
‫ويعلم أن بعض الناس سيقبلون عَل‬
‫العبادات إقباال ًشكليا ً‪ ،‬وقد يقبلون‬
‫عَل العبادة ألغراض أخرى غَت‬
‫العبادة ‪ ،‬فكان البد أن يبُت القصد‬
‫من ا‪ٟ‬تج والعمرة ‪ ،‬وأن ا‪١‬تطلوب هو‬
‫إ٘تامهما ‪ ،‬والبد أن يكون القصد‬
‫هلل ال لشيء آخر ‪ ،‬ال ليقال « ا‪ٟ‬تاج‬
‫فبلن » ‪ ،‬أو ليشًتي سلعا ًرخيصة‬
‫ويؽيعها بأغَل من ‪ٙ‬تنها بعد عودته ‪.‬‬
‫و‪٨‬تن نعلم أن ا‪ٟ‬تج هو العبادة‬
‫الوحيدة اليت يستمر اقًتاهنا‬
‫بفاعلها ‪ ،‬فمثبل ًال يقال ‪ « :‬ا‪١‬تصَل‬
‫فبلن » وال « ا‪١‬تزكي فبلن » ‪ ،‬فإن‬
‫كان ا‪ٟ‬تاج حريصا ًعَل هذا اللقب ‪،‬‬
‫وهو دافعه من وراء عبادته فبل بد أال‬
‫ٮترج بعبادته عن غرضها‬
‫ا‪١‬تشروعة من أجله ‪ ،‬إن ا‪ٟ‬تق يقول‬
‫‪ { :‬وأ َ ِ٘تُّوا ْا‪ٟ‬تج والعمرة َ ِ‬
‫ّلل } ‪.‬‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫وكلمة « هلل » ٗتدمنا يف قضايا‬
‫متعددة ‪ ،‬فما هي هذه القضايا؟‬
‫إن ا‪١‬تسلم عندما يريد أن ٭تج هلل‬
‫فبل يصح أن ٭تج إال ٔتال شرع اهلل‬
‫وسائله ‪ .‬كثَت من الناس حُت‬
‫يسمعون ا‪ٟ‬تديث الشريف ‪ « :‬من‬
‫حج فلم يرفث ولم يفسق رجع‬
‫كيوم ولدته أمه » ‪.‬‬
‫يعتقدون أن اإلنسان له أن‬
‫يرتكب ما يشاء من معاص‬
‫ومظالم ‪ ،‬ثم يظن أن حجة واحدة‬
‫ُتسقط عنه كل ذنوبه ‪ ،‬نقول ‪٢‬تؤالء‬
‫‪ :‬أوال ً‪ :‬البد أن تكون ا‪ٟ‬تجة هلل‬
‫وثانيا ‪ :‬أن تكون من مال حبلل ‪،‬‬
‫وما دامت هلل ومن مال حبلل فبل بد‬
‫أن تعرف ما هي الذنوب اليت‬
‫تسقط عنه بعد ا‪ٟ‬تج ‪ ،‬فلؼست كل‬
‫الذنوب تسقط ‪ ،‬وإ‪٪‬تا الذنوب‬
‫ا‪١‬تتعلقة باهلل سبحانه وتعاىل؛ ألن‬
‫الذنب ا‪١‬تتعلق باهلل أنت لم تظلم‬
‫اهلل به لكن ظلمت نفسك ‪ ،‬ولكن‬
‫الذنب ا‪١‬تتعلق بالبشر فيه إساءة‬
‫‪٢‬تم أو انتقاص من حقوقهم ‪،‬‬
‫وبالتايل فإن ظلم العباد ال يسقط إال‬
‫برد حقوق العباد ‪.‬‬
‫ونعرف أن العمرة هي قصد الؽيت‬
‫ا‪ٟ‬ترام يف مطلق زمان من العام ‪،‬‬
‫وا‪ٟ‬تج قصد الؽيت يف خصوص‬
‫زمان من العام ‪ ،‬ويقول بعض‬
‫العلماء ‪ :‬إن هذا تكليف وذاك‬
‫تكليف ‪ ،‬فهل ‪٬‬توز أداؤ‪٫‬تا معا ً‪ ،‬أم‬
‫كل تكليف يؤدى ٔتعزل عن اآلخر؟‬
‫وبعضهم تناول ملحظيات الفضل‬
‫وا‪ٟ‬تسن ‪ ،‬فالذي يقول ‪ :‬إن اإلفراد‬
‫با‪ٟ‬تج أحسن ‪ ،‬فذلك ألنه خص كل‬
‫نُسك بسفرة ‪ ،‬والذي يقول ‪:‬‬
‫يؤديهما معا ًو٭ترم با‪ٟ‬تج والعمرة‬
‫معا ًبإحرام واحد ‪ ،‬فيذه ب أوال ً‬
‫ويأيت بنسك العمرة ‪ ،‬ثم يظل عَل‬
‫إحرامه إىل أن ٮترج إىل ا‪ٟ‬تج ‪ ،‬ويف‬
‫هذه ا‪ٟ‬تالة يكون قد قرن األمرين‬
‫معا؛ أي أدا‪٫‬تا بإحرام واحد وهذا‬
‫ما يفضله بعض من العلماء؛ ألن‬
‫اهلل علم أن العبد قد أدى نسكُت‬
‫بإحرام واحد ‪ ،‬وهناك إنسان‬
‫متمتع أي يؤدي العمرة ‪ ،‬ثم‬
‫يتحلل منها ‪ ،‬وبعد ذلك يأيت قبل‬
‫ا‪ٟ‬تج ليحرم با‪ٟ‬تج ‪ ،‬وهذا ا‪ٝ‬ته‬
‫التمتع ‪ ،‬وهو متمتع ألنه ٖتلل من‬
‫اإلحرام ‪ ،‬ومن العلماء من يقول ‪:‬‬
‫إن التمتع أحسن ألنه فصل بُت‬
‫أمرين ٔتا أخرجه عن العادة ‪،‬‬
‫أحرم ثم ٖتلل ثم أحرم ‪.‬‬

‫إذن كل عالم له ملحظ ‪ ،‬فكأن اهلل ال‬


‫يريد أن يضيق عَل خلقه يف أداء‬
‫نُسك عَل أي لون من األلوان ‪ .‬وقد‬
‫احتاط ا‪١‬تشرع سبحانه وتعاىل عند‬
‫التكليف ‪ ،‬واحًتم كل الظروف‬
‫سواء كانت الظروف اليت قد تقع‬
‫من غَت غريم وهو القدريات ‪ ،‬أو‬
‫تقع من غريم ‪ ،‬وهي اليت ‪٢‬تا أسباب‬
‫أخرى فقال ‪ { :‬فَإ ِْن أُ ْح ِص ْر ُت ْم فَ َما‬
‫استؼسر ِم َن ا‪٢‬تدي } ‪.‬‬
‫وأحصرتم تعٍت ُمنعْ ُتم ‪ .‬وهناك «‬
‫حصر » وهي للقدريات ‪ ،‬وهناك «‬
‫أحصر » وتكون بفعل فاعل مثل‬
‫تدخل العدو كما حوصر رسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم يف عام‬
‫ا‪ٟ‬تديؽية ‪ ،‬وقيل له ال تدخل مكة‬
‫هذا العام ‪ ،‬لذلك فا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل ٮتفف عنا وكأنه يقول لنا ‪:‬‬
‫أنا ال أهدر ْتيؤ العباد ‪ ،‬وال نؼتهم‬
‫وال استعدادهم وال إحرامهم؛ فإن‬
‫حصروا { فَ َما استؼسر ِم َن ا‪٢‬تدي‬ ‫أُ ِ‬
‫} وا‪٢‬تدى هو ما يتم ذْته تقربا إىل‬
‫اهلل ‪ ،‬وكفارة عما َحدث ‪.‬‬
‫ثم يقول بعد ذلك ‪َ { :‬وال َ َٖتْلِ ُقوا ْ‬
‫وس ُك ْم حىت يَبْلُغَ ا‪٢‬تدي َ‪٤‬تِل َّ ُه }‬
‫ُر ُؤ َ‬
‫أي إىل أن يبلغ ا‪١‬تكان ا‪١‬تخصص‬
‫لذلك ‪ ،‬هذا إن كنت سائق ا‪٢‬تدى ‪،‬‬
‫أما إن لم تكن سائق ا‪٢‬تدى فلؼس‬
‫ضروريا أن تذْته ‪ ،‬ويكفي أن‬
‫تكلف أحدا ًيذْته لك ‪ ،‬وقوله ا‪ٟ‬تق‬
‫‪ { :‬فَ َمن َ٘تَتَّ َع بالعمرة إ َِىل ا‪ٟ‬تج فَ َما‬
‫استؼسر ِم َن ا‪٢‬تدي } تعٍت أنه‬
‫يصح أن يذبح اإلنسان ا‪٢‬تدي قبل‬
‫عرفة ‪ ،‬ويصح أن نؤخره ليوم‬
‫النحر ‪ ،‬ويصح أن يذْته بعد ذلك‬
‫كله ‪.‬‬
‫{ فَ َما استؼسر ِم َن ا‪٢‬تدي } تعٍت‬
‫أيضا إن كان ا‪ٟ‬تصول عَل ا‪٢‬تدى‬
‫سهبل ً‪ ،‬سواء لسهولة دفع ‪ٙ‬تنه ‪ ،‬أو‬
‫لسهولة شرائه ‪ ،‬فقد توجد األ‪ٙ‬تان‬
‫ثمن ‪ « .‬وا‪٢‬تدي » هو‬ ‫وال يوجد ا‪١‬تُ َّ‬
‫ما يُهدى للحرم ‪ ،‬أو ما يهدي‬
‫اإلنسان إىل طريق الرشاد ‪ ،‬وا‪١‬تعٌت‬
‫مأخوذ من ا‪٢‬تُدى ‪ ،‬وهو الغاية‬
‫ا‪١‬توصلة للمطلوب ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬وال َ َٖتْلِ ُقوا ْ‬
‫وس ُك ْم حىت يَبْل ُ َغ ا‪٢‬تدي َ ِ‪٤‬تل َّ ُه‬ ‫ُر ُؤ َ‬
‫ان ِمن ُكم َّم ِريضا ًأ َ ْو بِ ِه أَذًى‬
‫فَ َمن ك َ َ‬
‫ِّمن َّرأ ْ ِس ِه فَ ِف ْدي َ ٌة } فا‪١‬تريض الذي‬
‫ال يستطيع أن يذبح ا‪٢‬تدي وعنده‬
‫أذى من رأسه « كالصحاّب الذي‬
‫كان يف رأسه قمل ‪ ،‬وكان يسبب له‬
‫أ‪١‬تا ً‪ ،‬فقال له رسول اهلل ‪ » :‬احلق‬
‫رأسك وصم ثبلثة أيام أو أطعم‬
‫ستة مساكُت أو أنسك بشاة « ‪.‬‬
‫إهنا تشريعات متعاقبة وكل تشريع‬
‫له مناسبة ‪ ،‬فكما شرع ‪١‬تن أحصر‬
‫ما استؼسر من ا‪٢‬تدى ‪ ،‬كذلك‬
‫شرع ‪١‬تن حلق رأسه ‪١‬ترض أن كان‬
‫به أذى من رأسه ‪ ،‬شرع له ثبلثة‬
‫أشياء ‪ :‬صيام أو صدقة أو نسك ‪.‬‬
‫وا‪١‬تتأمل ‪٢‬تذه األشياء الثبلثة ‪٬‬تد‬
‫أهنا مرتبة ترتؼبا تصاعديا ً‪.‬‬
‫فالصيام هو أمر ال يتعدى النفع‬
‫ا‪١‬تباشر فيه إىل الغَت ‪ ،‬والصدقة‬
‫عبادة يتعدى النفع فيها للغَت ‪،‬‬
‫ولكن بقدر ‪٤‬تدود ألهنا إطعام ستة‬
‫أفراد مثبل ً‪ ،‬والنسك هو ذب٭تة ‪،‬‬
‫و‪ٟ‬تمها ينتفع به ‪ٚ‬تع كبَت من‬
‫الناس ‪.‬‬

‫فانظر إىل الًتيق يف النفع ‪ ،‬إما صوم‬


‫ثبلثة أيام ‪ ،‬وإما إطعام ستة‬
‫مساكُت ‪ ،‬وإما ذبح ذبيحة أي شاة ‪.‬‬
‫إن هذا تصعيد من األضعف‬
‫لؤلقوى كل ْتسب طاقته ومقدرته‬
‫‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ساعة يشرع‬
‫كفارات معؼنة فذلك من أجل‬
‫مراعاة العمليات ا‪١‬تطلوبة يف ا‪ٟ‬تج ‪،‬‬
‫وا‪١‬تناسبة لظروف وحالة ا‪١‬تسلم ‪،‬‬
‫فأباح له يف حالة التمتع مثبل أن‬
‫يقسم الصوم إىل مرحلتُت ‪ :‬ثبلثة‬
‫أيام يف ا‪ٟ‬تج ‪ ،‬وسبعة إذا رجعتم ‪.‬‬
‫إنه الًتيق يف التشريعات ‪ ،‬واخؾيار‬
‫لؤليسر الذي ‪٬‬تعل ا‪١‬تؤمن ٮترج‬
‫من ا‪١‬تأزق الذي هو فيه ‪.‬‬
‫ان ِمن ُكم َّم ِريضا ًأ َ ْو بِ ِه أَذًى‬ ‫{ فَ َمن ك َ َ‬
‫ِّمن َّرأ ْ ِس ِه فَ ِف ْدي َ ٌة ِّمن ِصيَا ٍم أ َ ْو‬
‫ك فَإِذَآ أ َ ِم ُنت ْم فَ َمن‬ ‫َص َدقَ ٍة أ َ ْو نُس ٍ‬
‫ُ‬
‫َ٘تَتَّ َع بالعمرة إ َِىل ا‪ٟ‬تج فَ َما استؼسر‬
‫ام‬ ‫ي‬ ‫ِم َن ا‪٢‬تدي فَ َمن لَّم َ ِ‪٬‬ت ْد فَ ِ‬
‫ص‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ثَبلث َِة أَيَّا ٍم ِيف ا‪ٟ‬تج َو َسبْعَ ٍة إِذَا َر َجعْ ُت ْم‬
‫}‪.‬‬
‫وكلمة { فَ َمن ل َّ ْم َ ِ‪٬‬ت ْد } معناها أنه‬
‫ال ٯتلك ‪ ،‬وهذا الذي ال ٯتلك‬
‫نقول له ‪ :‬ال تفعل كما يفعل كثَت‬
‫من الناس قبل أن يطوفوا ‪ ،‬إن‬
‫بعضهم يذهب للسوق ويشًتي‬
‫ا‪٢‬تدايا ‪ ،‬وبعد ذلك ساعة وجوب‬
‫ا‪٢‬تدي عليه يقول ‪ :‬لؼس معي‬
‫ولذلك سأصوم ‪ .‬هنا نقول له ‪ :‬ألم‬
‫يكن ‪ٙ‬تن تلك ا‪٢‬تدايا يصلح لشراء‬
‫ا‪٢‬تدي؟‬
‫إنه ألمر غريب أن ٕتد ا‪ٟ‬تاج‬
‫يشًتي هدايا ال حصر ‪٢‬تا؛ ساعات‬
‫وأجهزة كهربائية وٯتؤل حقائبه ‪،‬‬
‫ثم يقول ال أجد ما أشًتي به‬
‫ا‪٢‬تدي ‪ .‬ألؼس ذلك غشا ًوخداعا ً؟‬
‫إن من يفعل ذلك يغش نفسه ‪.‬‬
‫إذن قوله تعاىل ‪ { :‬فَ َمن ل َّ ْم َ ِ‪٬‬ت ْد }‬
‫يعٍت ال ‪٬‬تد حقا ً‪ ،‬ال من تنفذ أمواله‬
‫يف ا‪٢‬تدايا ‪ ،‬ثم يصبح صفر اليدين ‪،‬‬
‫ولذلك فالذين ٭تسنون أداء‬
‫النسك ال يشًتون هداياهم إال‬
‫بعد ٘تام أداء ا‪١‬تطلوب يف النسك ‪،‬‬
‫وإن بقي معهم مال اشًتوا عَل قدر‬
‫ما معهم ‪.‬‬
‫والذين ينفقون أموا‪٢‬تم يف شراء‬
‫ا‪٢‬تدايا ثم يأتون عند { فَ َما‬
‫استؼسر ِم َن الهدي } ويقولون‬
‫لؼس معنا ‪ٙ‬تن ا‪٢‬تدى وسنصوم ‪،‬‬
‫الغريب أهنم ال يتذكرون الصوم‬
‫إال عند عودْتم ‪ ،‬ألم يكن األفضل‬
‫للواحد منهم أن يصوم من البداية‬
‫‪ ،‬ومن ‪ٟ‬تظة أن يعرف أنه ال ٯتلك‬
‫‪ٙ‬تن ا‪٢‬تدى ويدخل يف اإلحرام‬
‫للعمرة؟‬
‫إن ا‪١‬تفروض أن يبدأ يف صوم‬
‫الثبلثة أيام حىت يكون عذره‬
‫مسبقا ًولؼس الحقا ًوبعض العلماء‬
‫أباح صوم أيام التشريق ‪ ،‬وأيام‬
‫التشريق الثبلثة هي اليت تلي يوم‬
‫العيد ألهنم كانوا « يشرقون اللحم‬
‫» أي يؽسطونه يف الشمس ليحف‬
‫ويقدد ‪ .‬وبعد ذلك عندما ينتهي‬
‫من أداء ا‪١‬تناسك إما أن يصوم‬
‫السبعة األيام يف الطريق وهو عائد ‪،‬‬
‫أو عندما يصل نلمزله ‪ ،‬إن له أن‬
‫ٮتتار ما يناسبه { فَ َمن ل َّ ْم َ ِ‪٬‬ت ْد‬
‫ام ثَبلث َِة أَيَّا ٍم ِيف ا‪ٟ‬تج َو َسبْعَ ٍة إِذَا‬ ‫فَصي َ ُ‬
‫ِ‬
‫ك َع َش َرةٌ كَا ِمل َ ٌة}‬ ‫َر َجعْ ُت ْم تِل ْ َ‬
‫ومعروف أن { ثَبلث َِة } و { َو َسبْعَ ٍة‬
‫} تساوي { َع َش َرةٌ } ‪ ،‬وذلك حىت‬
‫ال يظن الناس أن ا‪١‬تقصود إما صوم‬
‫ثبلثة أيام وإما سبعة أيام ‪ ،‬ولذلك‬
‫قال ‪َ { :‬ع َش َرةٌ كَا ِمل َ ٌة } حىت ال‬
‫يلتؽس الفهم ‪.‬‬

‫ورٔتا أراد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن‬


‫ينبهنا إىل أن الصائم سيصوم‬
‫عشرة أيام فهي كاملة بالنسبة‬
‫ألداء النسك ‪ .‬ولؼس الذابح‬
‫بأفضل من الصائم ‪ ،‬فما دام لم‬
‫‪٬‬تد ‪ٙ‬تن ا‪٢‬تدى وصام العشرة‬
‫األيام ‪ ،‬فله األجر والثواب كمن‬
‫وجد وذبح ‪ .‬فإياك أن تظن أن‬
‫الصيام قد يُنقص األجر أو هو أقل‬
‫من الذبح ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ذلك ِ‪١‬تَن ل َّ ْم ي َ ُك ْن‬
‫أ َ ْهل ُ ُه َحا ِض ِري ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام } ‪.‬‬
‫وهذا التشريع مقصود به من لم‬
‫يكن أهله مقيمُت ٔتكة ‪ .‬ونعرف‬
‫أن حدود ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام هي اثنا‬
‫عشر ميبل ‪ ،‬وا‪١‬تقيم داخل هذه‬
‫ا‪١‬تسافة ال يلزمه ذبح وال صوم ‪،‬‬
‫‪١‬تاذا؟ بعض العلماء قال ‪ :‬ألن‬
‫ا‪١‬تقيمُت حول ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام‬
‫طوافهم دائم فيغنيهم عن العمرة‬
‫‪ ،‬فإن حج ال يدخل يف هذا التشريع‬
‫‪.‬‬
‫وٮتتم ا‪ٟ‬تق هذه اآلية بقوله ‪{ :‬‬
‫واتقوا اهلل واعلموا أ َ َّن اهلل َش ِد ُ‬
‫يد‬
‫العقاب } ‪ .‬كيف يقول ا‪ٟ‬تق ‪ :‬إنه‬
‫شديد العقاب يف التؼسَتات اليت‬
‫شرعها؟ أي ‪ :‬إياكم أن تغشوا يف‬
‫هذه التؼسَتات ‪ ،‬فلؼس من‬
‫ا‪١‬تعقول أو من ا‪١‬تقبول أن ندلس‬
‫شؼئا ًفيها ‪ ،‬لذلك حذرنا سبحانه‬
‫من الغش يف هذه ا‪١‬تناسك بقوله ‪:‬‬
‫{ واعلموا أ َ َّن اهلل َش ِد ُ‬
‫يد العقاب }‬
‫‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪ { :‬ا‪ٟ‬تج‬
‫ات فَ َمن فَ َر َض فِي ِه َّن‬ ‫وم ٌ‬ ‫َ‬
‫أ ْش ُه ٌر َّمعْل ُ َ‬
‫وق َوال َ ِج َد َ‬
‫ال‬ ‫ث َوال َ ُف ُس َ‬‫ا‪ٟ‬تج فَبل َ َرفَ َ‬
‫ِيف ا‪ٟ‬تج ‪} . . .‬‬

‫ات فَ َم ْن فَ َر َض‬ ‫َ‬


‫وم ٌ‬ ‫ا ْ‪ٟ‬ت َ ُّج أ ْش ُه ٌر َمعْل ُ َ‬
‫ِ‬
‫وق َو َال‬ ‫ث َو َال ُف ُس َ‬‫في ِه َّن ا ْ‪ٟ‬ت َ َّج فَ َبل َرفَ َ‬
‫ال ِيف ا ْ‪ٟ‬ت َ ّ ِج َو َما تَ ْفعَلُوا ِم ْن َخي ْ ٍر‬
‫ِج َد َ‬
‫اّلل َوتَ َز َّو ُدوا فَإ َِّن َخ َْت َال َّزا ِد‬
‫يَعْل َ ْم ُه َّ ُ‬
‫ون يَا أُ ِ‬
‫ويل ْاألَلْب َ ِ‬
‫اب‬ ‫التَّ ْق َوى َوا َّت ُق ِ‬
‫(‪)197‬‬

‫ولنا أن نلحظ أن ا‪ٟ‬تق قال يف الصوم‬


‫ان الذي أُن ْ ِز َل فِي ِه‬
‫‪َ { :‬شهْ ُر َر َم َض َ‬
‫القرآن } ولم يذكر شهور ا‪ٟ‬تج ‪:‬‬
‫شواال ًوذا القعدة وعشرة من ذي‬
‫ا‪ٟ‬تج ة كما ذكر رمضان ‪ ،‬ألن‬
‫التشريع يف رمضان خاص به فبل بد‬
‫أن يعُت زمنه ‪ ،‬لكن ا‪ٟ‬تج كان‬
‫معروفا ًعند العرب قبل اإلسبلم ‪،‬‬
‫ويعلمون شهوره وكل شيء عنه؛‬
‫فاألمر غَت ‪٤‬تتاج لذكر أ‪ٝ‬تاء‬
‫الشهور ا‪٠‬تاصة به ‪ ،‬والشهور‬
‫ا‪١‬تعلومة هي ‪ :‬شوال وذو القعدة‬
‫وعشرة أيام من ذي ا‪ٟ‬تجة وتنتهي‬
‫بوقفة عرفات وبأيام مٌت ‪ ،‬وشهر‬
‫ا‪ٟ‬تج ال يستغرق منه سوى عشرة‬
‫أيام ‪ ،‬ومع ذلك ضمه لشوال وذي‬
‫القعدة ‪ ،‬ألن بعض الشهر يدخل‬
‫يف الشهر ‪.‬‬
‫ات } تعطؼنا‬
‫وم ٌ‬‫وكلمة { َّمعْل ُ َ‬
‫ا‪ٟ‬تكمة من عدم ذكر أ‪ٝ‬تاء شهور‬
‫ا‪ٟ‬تج ‪ ،‬ألهنا كانت معلومة عندهم ‪.‬‬
‫{ فَ َمن فَ َر َض فِي ِه َّن ا‪ٟ‬تج } والفرق‬
‫لؼس من اإلنسان إ‪٪‬تا الفرض من‬
‫اهلل الذي فرض ا‪ٟ‬تج ركنا ً‪ ،‬وأنت‬
‫إن ألزمت به نفسك نية وفعبل ً‪،‬‬
‫وشرعت ونويت ا‪ٟ‬تج يف الزمن‬
‫ا‪١‬تخصوص للحج تكون قد‬
‫فرضت عَل نفسك ا‪ٟ‬تج ‪٢‬تذا‬
‫ا‪١‬توسم الذي ٗتتاره وهو ملزم لك ‪.‬‬
‫وقوله سبحانه ‪ « :‬فرض » يدل‬
‫عَل أنك تلتزم با‪ٟ‬تج وإن كان‬
‫مندوبا ً‪ .‬أي غَت مفروض ‪.‬‬
‫ِ‬
‫{ فَ َمن فَ َر َض في ِه َّن ا‪ٟ‬تج فَبل َ َرفَ َ‬
‫ث‬
‫ال ِيف ا‪ٟ‬تج } ‪.‬‬ ‫وق َوال َ ِج َد َ‬
‫َوال َ ُف ُس َ‬
‫والرفث للسان ‪ ،‬وللعُت ‪.‬‬
‫وللجوارح األخرى رفث ‪ ،‬كلها‬
‫تلتقي يف عملية ا‪ٞ‬تماع ومقدماته ‪،‬‬
‫ورفث اللسان يف ا‪ٟ‬تج أن يذكر‬
‫مسألة ا‪ٞ‬تماع ‪ ،‬ورفث العُت أن‬
‫ينظر إىل ا‪١‬ترأة بشهوة ‪ .‬فالرفث هو‬
‫كل ما يأيت مقدمة للجماع ‪ ،‬أو هو‬
‫ا‪ٞ‬تماع أو ما يتصل به بالكلمة أو‬
‫بالنظرة ‪ ،‬أو بالفعل ‪.‬‬
‫والرفث وإن أُبيح يف غَت ا‪ٟ‬تج فهو‬
‫‪٤‬ترم يف ا‪ٟ‬تج ‪ ،‬أما الفسوق فهو ‪٤‬ترم‬
‫يف ا‪ٟ‬تج ويف غَت ا‪ٟ‬تج ‪ ،‬فكأن اهلل ينبه‬
‫إىل أنه وإن جاز أن ٭تدث من‬
‫ا‪١‬تسلم فسوق يف غير ا‪ٟ‬تج ‪ ،‬فلؼس‬
‫من األدب أن يكون ا‪١‬تسلم يف بيت‬
‫اهلل و٭تدث ذلك الفسوق منه ‪ّ ،‬‬
‫إن‬
‫الفسوق ‪٤‬ترم يف كل وقت ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق‬
‫ينبه هنا ا‪١‬تسرف عَل نفسه ‪ ،‬وعليه‬
‫أن يتذكر إن كان قد فسق بعيدا ً‬
‫عن بيت اهلل فلؼستح أن يعصي اهلل‬
‫يف بيت اهلل؛ فالذاهب إىل بيت اهلل‬
‫يبغي تكفَت الذنوب عن نفسه ‪،‬‬
‫فهل يُعقل أن يرتكب فيه ذنوبا ً؟‬
‫البد أن تستحي أيها ا‪١‬تسلم وأنت‬
‫يف بيت اهلل ‪ ،‬واعلم أن هذا ا‪١‬تكان‬
‫هو ا‪١‬تكان الوحيد الذي ُ٭تاسب فيه‬
‫عَل ‪٣‬ترد اإلرادة ‪.‬‬
‫ويقول اهلل عز وجل ‪َ { :‬و َمن يُ ِردْ‬
‫فِي ِه بِإِ ْ‪ٟ‬تَا ٍد بِ ُظل ْ ٍم ن ُّ ِذقْ ُه ِم ْن ع َ َذ ٍ‬
‫اب‬
‫يم } ػ اٌفج‪] 25 :‬‬ ‫أَلِ ٍ‬
‫إذن الرفث حبلل يف مواضع ‪ ،‬لكنه‬
‫َ٭ت ْ ُر ُم يف الؽيت ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬ولكن‬
‫الفسوق ‪٦‬تؾنع يف كل وقت ‪،‬‬
‫وامؾناعه أشد يف الؽيت ا‪ٟ‬ترام ‪.‬‬
‫وا‪ٞ‬تدال وإن كان مباحا يف غَت ا‪ٟ‬تج‬
‫فبل يصح أن يوجد يف ا‪ٟ‬تج ‪.‬‬

‫ولنا أن نعرف أن مرتبة ا‪ٞ‬تدال دون‬


‫مرتبة الفسوق ‪ ،‬ودون مرتبة‬
‫العصيان ‪ ،‬والرسول قال ‪ « :‬من‬
‫حج فلم يرفث ولم يفسق رجع‬
‫كيوم ولدته أمه » لم يقل ‪ « :‬ولم‬
‫‪٬‬تادل » إن بشرية الرسول تراعي‬
‫ظروف ا‪١‬تسلمُت ‪ ،‬فمن ا‪١‬تحتمل‬
‫أن يصدر جدال من ا‪ٟ‬تاج نؾيجة‬
‫فعل اسؾثاره ‪ ،‬فكأن عدم ذكر‬
‫ا‪ٞ‬تدال يف ا‪ٟ‬تديث فسحة للمؤمن‬
‫ولكن ال يصح أن نتمادى فيها ‪.‬‬
‫وا‪ٞ‬تدال ‪٦‬تكن يف غَت ا‪ٟ‬تج بدليل ‪:‬‬
‫{ َو َجا ِد ْ‪٢‬تُم باليت ِه َي أ َ ْح َس ُن } ػ‬
‫النحل ‪] 125 :‬‬
‫إ‪٪‬تا ا‪ٟ‬تج ال جدال فيه ‪.‬‬
‫وا‪ٞ‬تدال هو أن يلف كل واحد من‬
‫الطرفُت عَل اآلخر ليطوقه با‪ٟ‬تجة‬
‫‪ .‬ثم انظر إىل تقدير ا‪ٟ‬تق لظروف‬
‫البشر وعواطف البشر واالعًتاف‬
‫بها والتقنُت ألمر واقع معًتف هب‪،‬‬
‫اإلنسان من وطنه ومن‬‫َ‬ ‫فا‪ٟ‬تج ُٮترج‬
‫مكان أهله ‪ ،‬ومن ماله ‪ ،‬و‪٦‬تا أَل ِ َف‬
‫واعتاد من حياة ‪ .‬وحُت ٮترج‬
‫اإلنسان هذا ا‪٠‬تروج فقد تضيق‬
‫أخبلق الناس؛ ألهنم ‪ٚ‬تيعا ً‬
‫يعيشون عيشة غَت طؽيعية؛ فهناك‬
‫من ينام يف غرفة مشًتكة مع ناس‬
‫ال يعرفهم ‪ ،‬وهناك أسرة تنام يف‬
‫شقة مشًتكة يلس فيها إال دورة‬
‫مياه واحدة ‪ ،‬ومن ا‪ٞ‬تائز أن يرغب‬
‫أحد يف قضاء حاجته يف وقت قضاء‬
‫حاجة شخص آخر ‪ ،‬وحُت تكون‬
‫هذه ا‪١‬تسألة موجودة ال رأي‬
‫إلنسان ‪ ،‬ولذلك يقال ‪ « :‬ال رأي‬
‫‪ٟ‬تاقن » أي ال رأي ‪١‬تحصور ‪ . .‬أي‬
‫‪١‬تن يريد قضاء حاجته من بول ‪،‬‬
‫وكذلك الشأن يف ا‪ٟ‬تاقب وهو‬
‫٭تتس غائطه ألهنا مسألة‬‫الذي ب‬
‫ُ ِٗتل توازن اإلنسان ‪.‬‬
‫إذن فا‪ٟ‬تياة يف ا‪ٟ‬تج غَت طؽيعية ‪،‬‬
‫وظروف الناس غَت طؽيعية ‪ ،‬لذلك‬
‫٭تذرنا ا‪ٟ‬تق من الدخول يف جدل؛‬
‫ألنه رٔتا كان الضيق من تغيَت‬
‫نظام ا‪ٟ‬تياة سؽبا ًيف إساءة معاملة‬
‫اآلخرين ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق يريد أن ٯتنع هذا‬
‫الضيق من أن يؤثر يف عبلقتنا‬
‫باآلخرين ‪ .‬وقد أثؽتت التجربة أن‬
‫من يذهبون للحج يف ‪ٚ‬تاعة إما أن‬
‫يعودوا متحابُت جدا ً‪ ،‬وإما أعداء‬
‫ألداء ‪.‬‬
‫ولذلك يطلب إلؼنا ا‪ٟ‬تق أن يصُب‬
‫كل إنسان عَل ما يراه من عادات‬
‫غَته يف أثناء ا‪ٟ‬تج ‪ ،‬وليحؾسب‬
‫خروجه عن عاداته وعن رتابة‬
‫أموره وعن أنسه بأهله ٭تؾسب‬
‫ذلك ع دناهلل ‪ ،‬وليشتغل بأنس اهلل‬
‫‪ ،‬ولؼتحمل يف جانبه كل شيء ‪،‬‬
‫ويكفي أنه يف بيت اهلل ويف ضيافته ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يقول ‪َ { :‬و َما‬
‫تَ ْفعَلُوا ْ ِم ْن َخ ْ ٍ‬
‫َت يَعْل َ ْم ُه اهلل َوتَ َز َّو ُدوا ْ‬
‫فَإ َِّن َخ َْت َالزاد التقوى } ‪ .‬فبعد أن‬
‫ث َوال َ‬‫هنانا ا‪ٟ‬تق بقوله ‪ { :‬فَبل َ َرفَ َ‬
‫ال ِيف ا‪ٟ‬تج } وتلك‬ ‫وق َوال َ ِج َد َ‬
‫ُف ُس َ‬
‫أمور سلؽية وهي أفعال عَل اإلنسان‬
‫أن ٯتؾنع عنها ‪ ،‬وهنا يؾبع ا‪ٟ‬تق‬
‫األفعال السلؽية باألمر باألفعال‬
‫اإل‪٬‬تابية ‪ ،‬أفعال ا‪٠‬تَت اليت يعلمها‬
‫اهلل ‪.‬‬
‫إن اهلل يريد أن ‪٧‬تمع يف العبادة بُت‬
‫أمرين ‪ ،‬سلب وإ‪٬‬تاب ‪ ،‬سلب ما‬
‫قال عن الرفث والفسوق وا‪ٞ‬تدال‬
‫‪ ،‬ويريد أن نوجب ونوجد فعبل ‪{ .‬‬
‫َو َما تَ ْفعَلُوا ْ ِم ْن َخ ْ ٍ‬
‫َت يَعْل َ ْم ُه اهلل } ‪.‬‬
‫وما هو ذلك ا‪٠‬تَت؟ إهنا األمور‬
‫ا‪١‬تقابلة للمسائل ا‪١‬تنهي عنها ‪،‬‬
‫فإذا كان اإلنسان ال يرفث يف ا‪ٟ‬تج‬
‫فمطلوب منه أن يعف يف كبلمه ويف‬
‫نظرته ويف أسلوبه ويف عبلقته‬
‫بامرأته ا‪ٟ‬تبلل له ‪ ،‬فيمؾنع عنها ما‬
‫دام ‪٤‬ترما ًويطلب منه أن يفعل ما‬
‫يقابل الفسوق ‪ ،‬من بر وخَت ‪.‬‬
‫ويف ا‪ٞ‬تدال ‪٧‬تد أن مقابله هو الكبلم‬
‫بالرفق واألدب واللُت وْتبلوة‬
‫األسلوب وبالعطف عَل الناس ‪ ،‬هذا‬
‫هو ا‪١‬تقصود بقوله ‪َ { :‬و َما تَ ْفعَلُوا ْ‬
‫َت يَعْل َ ْم ُه اهلل } ‪ .‬وكلمة من‬ ‫ِم ْن َخ ْ ٍ‬
‫َت } لبلبتداء ‪ ،‬كأن‬ ‫قوله { ِم ْن َخ ْ ٍ‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل يريد منك أن‬
‫تصنع خَتا ًوهو سبحانه يرى أقل‬
‫شيء من ا‪٠‬تَت؛ ولذلك قال ‪{ :‬‬
‫يَعْل َ ْم ُه اهلل } ‪ .‬فكأنه خَت ال يراه‬
‫أحد؛ فا‪٠‬تَت الظاهر يراه كل‬
‫الناس؛ والتعبَت{ يَعْل َ ْم ُه اهلل} أي‬
‫ا‪٠‬تَت مهما صغر ‪ ،‬ومهما قل فإن‬
‫اهلل يعلمه ‪ ،‬وكثَت من ا‪٠‬تَتات‬
‫تكون هواجس بالنية ‪ ،‬و‪٬‬تازي اهلل‬
‫عَل ا‪٠‬تَت با‪ٞ‬تزاء الذييناسبه ‪.‬‬
‫وقول ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وتَ َز َّو ُدوا ْ} والزاد ‪:‬‬
‫هو ما يأخذه ا‪١‬تسافر لؼتقوى به عَل‬
‫سفره ‪ ،‬وكان هذا أمرا ًمألوفا عند‬
‫العرب قدٯتا ً؛ ألن ا‪١‬تكان الذي‬
‫يذهبون إليه لؼس فيه طعام ‪ .‬وكل‬
‫هذه الظروف تغَتت اآلن ‪،‬‬
‫وكذلك تغَتت عادات الناس اليت‬
‫كانت تذهب إىل هناك ‪ .‬كانت‬
‫الناس قدٯتا ًتذهب إىل ا‪ٟ‬تج ومعها‬
‫أكفاهنا ‪ ،‬ومعها ملح طعامها ‪ ،‬ومعها‬
‫ا‪٠‬تيط واإلبرة ‪ ،‬فلم يكن يف مكة‬
‫وا‪١‬تدينة ما يكفي الناس ‪ ،‬وأصبح‬
‫الناس يذهبون اآلن إىل هناك ليأتوا‬
‫بكماليات ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وأصبحت ال ٕتد‬
‫غرابة يف أن فبلنا جاء من ا‪ٟ‬تج ومعه‬
‫سبحان‬
‫ه‬ ‫كذا وكذا ‪ .‬كأن ا‪ٟ‬تق‬
‫وتعاىل جعل من كل ذلك إيذانا‬
‫بأنه أخُب قدٯتا يوم كان الوادي‬
‫غَت ذي زرع فقال ‪٬ { :‬تىب إِلَي ْ ِه‬
‫ات كُ ّ ِل َش ْيءٍ ‪ } . .‬ػ القصص ‪:‬‬
‫‪ٙ‬تَ َ َر ُ‬
‫‪] 57‬‬
‫وانظر إىل دقة األداء القرآين يف قوله‬
‫‪٬ { :‬تىب } ومعناها يؤخذ بالقوة‬
‫ولؼس باخؾيار من يذهب به ‪،‬‬
‫فكأن من يذهب بالثمرات بكل‬
‫ألواهنا إىل هناك مرغم أن يذهب‬
‫بها ‪ ،‬وهو رزق من عند اهلل ‪ ،‬ولؼس‬
‫من يد الناس ‪.‬‬
‫وهذا تصديق لقوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫وارزقهم ِّم َن الثمرات ‪ } . . .‬ػ‬
‫إبراهيم ‪] 37 :‬‬
‫وقوله ا‪ٟ‬تق ‪َ { :‬وتَ َز َّو ُدوا ْ} مأخوذة‬
‫كما عرفنا من الزيادة ‪ ،‬والزاد هو‬
‫طعام ا‪١‬تسافر ‪ ،‬ومن يدخر شؼئا‬
‫لسفر فهو فائض وزائد عن‬
‫استهبلك إقامته ‪ ،‬ويأخذه حىت‬
‫يكفيه مئونة السؤال أو‬
‫االستشراف إىل السؤال؛ ألن ا‪ٟ‬تج‬
‫ذلة عبودية ‪ ،‬وذلة العبودية يريدها‬
‫اهلل له وحده ‪ .‬فمن ال يكون عنده‬
‫مؤونة سفره فرٔتا يذل لشخص‬
‫آخر ‪ ،‬ويطلب منه أن يعطيه طعاما ً‬
‫‪ ،‬واهلل ال يريد من ا‪ٟ‬تاج أن يذل‬
‫ألحد ‪ ،‬ولذلك يطلب منه أن يتزود‬
‫بقدر حاجته حىت يكفي نفسه ‪،‬‬
‫وتظل ذلته سليمة لربه ‪ ،‬فبل يسأل‬
‫غَت ربه ‪ ،‬وال يستشرف للسؤال‬
‫من ا‪٠‬تلق ‪ ،‬و َم ْن يسأل أو يستشرف‬
‫فقد أخذ شؼئا ًمن ذلته ا‪١‬تفروض أن‬
‫تكون خالصة يف هذه ا‪١‬ترحلة هلل‬
‫وهو يوجهها للناس ‪ ،‬واهلل يريدها‬
‫له خالصة ‪.‬‬
‫وإن لم يعط الناس السائل‬
‫وا‪١‬تستشرق للسؤال فرٔتا سرق أو‬
‫هنب قدر حاجته ‪ ،‬وتتحول رحلته‬
‫من قصد الُب إىل الشر ‪ .‬وكان بعض‬
‫أهل اليمن ٮترجون إىل ا‪ٟ‬تج ببل زاد‬
‫ويقولون ‪٨ « :‬تن متوكلون ‪،‬‬
‫أنذهب إىل بيت اهلل وال يطعمنا؟ »‬
‫‪ .‬ثم تضطرهم الظروف ألن‬
‫يسرقوا ‪ ،‬وهذا سبب وجود النهب‬
‫والسرقة يف ا‪ٟ‬تج ‪ .‬إن إ‪ٟ‬تاح ا‪ٞ‬توع‬
‫قد يدفع اإلنسان ألن ينهب‬
‫ويسرق لؼسد حاجته ‪.‬‬
‫ومن هنا أراد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن‬
‫يقطع عَل النفس البشرية هذا‬
‫الشر فقال ‪َ { :‬وتَ َز َّو ُدوا ْ} إنه أمر‬
‫من اهلل بالتزود يف هذه الرحلة اليت‬
‫ينقطع فيها اإلنسان عن ماله وعن‬
‫أهلوعن أحبابه وعن معارفه ‪،‬‬ ‫ه‬
‫ويقول سبحانه ‪َ { :‬وتَ َز َّو ُدوا ْفَإ َِّن‬
‫َخ َْت َالزاد التقوى } ونعرف أن‬
‫الزاد هو ما تَقي به نفسك من ا‪ٞ‬توع‬
‫والعطش ‪ ،‬وإذا كان التزود فيه خَت‬
‫السؾبقاء حياتك الفانية ‪ ،‬فما‬
‫بالك با‪ٟ‬تياة األبدية اليت ال فناء‬
‫فيها ‪ ،‬أال ٖتتاج إىل زاد أكُب؟ فكأن‬
‫الزاد يف الرحلة الفانية يعلمك أن‬
‫تتزود للرحلة الباقية ‪.‬‬
‫إذن فقوله ‪ { :‬فَإ َِّن َخ َْت َالزاد‬
‫التقوى } يشمل زاد الدنيا‬
‫واآلخرة ‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل‬
‫يذكرنا باألمور ا‪١‬تُ َح ّسة وينقلنا‬
‫منها إىل األمور ا‪١‬تعنوية ‪ ،‬ولكن إذا‬
‫نظرت بعمق وصدق وحق وجدت‬
‫األمور المعنوية أقوى من األمور‬
‫ا‪ٟ‬تسية ‪ .‬ولذلك نبلحظ يف قوله‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬يابٍت ءَادَ َم قَ ْد‬
‫أَن َزلْنَا عَلَي ْ ُك ْم لِبَاسا ًيُ َوا ِري‬
‫َس ْوءَاتِ ُك ْم } ػ األعراف ‪] 26 :‬‬
‫هذا أمر حسي ‪ .‬ويفيدنا ويزيدنا‬
‫سبحانه « ريشا ً» إنه سبحانه ال‬
‫يواري السوءة فقط ‪ ،‬وإ‪٪‬تا زاد‬
‫األمر إىل الكماليات اليت يتزين بها‬
‫‪ ،‬وهذه الكماليات هي الريش ‪ ،‬أي‬
‫ما يتزين به اإلنسان ‪ ،‬ثم قال ا‪ٟ‬تق‬
‫اس التقوى ذلك َخ َْتٌ} ػ‬ ‫ِ‬
‫‪َ { :‬ولب َ ُ‬
‫األعراف ‪] 26 :‬‬
‫أي أنعمت عليكم باللباس‬
‫والريش ‪ ،‬ولكن هناك ما هو خَت‬
‫اس التقوى } ‪ .‬فإن‬ ‫ِ‬
‫منهما وهو { لب َ ُ‬
‫كنت تعتقد يف اللباس اٌفسي أنه‬
‫َسًت َعورتك ووقاك حرا ًوبردا ً‬
‫وتزينت بالريش منه فافهم أن‬
‫هذا أمر حسي ‪ ،‬ولكن األمر‬
‫األفضل هو لباس التقوى ‪١ ،‬تاذا؟‬
‫ألن مفضوح اآلخرة شر من مفضوح‬
‫الدنيا ‪ .‬إذن فقوله ‪َ { :‬وتَ َز َّو ُدوا ْفَإ َِّن‬
‫َخ َْت َالزاد التقوى واتقون ياأويل‬
‫األلباب } ‪ .‬يعٍت أن ا‪ٟ‬تق يريد‬
‫منك أن تتزود للرحلة زادا ًٯتنعك‬
‫عن السؤال واالستشراف أو‬
‫النهب أو الغصب ‪ ،‬وأحذر أن‬
‫يدخل فيه شيء ‪٦‬تا حرم اهلل ‪،‬‬
‫ولكن تزودك يف دائرة ‪ { :‬واتقون‬
‫ياأويل األلباب } أي يا أصحاب‬
‫العقول ‪ ،‬وال ينبه اهلل الناس إىل ما‬
‫فيهم من عقل إال وهو يريد منهم‬
‫أن ُ٭ت َ ِّك ُموا عقو‪٢‬تم يف القضية ‪،‬‬
‫ألنه جل شأنه يريد منك أن ُٖتَ ِّك َم‬
‫عقلك ‪ ،‬فإن َح َّك ْم َت عقلك يف‬
‫القضية فسيكون ُح ْك ُم العقل يف‬
‫صف أمر اهلل ‪.‬‬
‫و‪١‬تا كان اهلل سبحانه بسعة لطفه‬
‫ور‪ٛ‬تته يريد يف هذه الشعَتة‬
‫ا‪١‬تقدسة والرحلة ا‪١‬تباركة أن‬
‫يتعاون الناس ‪ ،‬أ ِذ َن ‪ٞ‬تماعة من‬
‫ا‪ٟ‬تجاج أن تقوم عَل خدمة‬
‫اآلخرين تؼسَتا ً‪٢‬تم ‪ .‬ومن‬
‫العجيب أن الذين يقومون ٓتدمة‬
‫ص اهلل ‪٢‬تم يف ا‪ٟ‬تج أن‬ ‫يخ‬
‫ا‪ٟ‬تجاج ُر ُ‬
‫ينفروا قبل غَتهم؟ ألن تلك‬
‫مصلحة ضرورية ‪ .‬فهب أن الناس‬
‫‪ٚ‬تيعا ًامؾنعوا عن خدمة بعضهم‬
‫بعضا ًفمن الذي يقوم ٔتصاٌف‬
‫الناس؟ إذن البد أن يذهب أناس‬
‫وحظهم العمل ‪٠‬تدمة ا‪ٟ‬تجاج ‪،‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل بُت ذلك‬
‫ووضحه بقوله ‪ { :‬لَؼ ْ َس عَلَي ْ ُك ْم‬
‫اح أَن تَؽْتَغُوا ْفَ ْضبل ً ِّمن َّربِّ ُك ْم‬
‫ُجن َ ٌ‬
‫ات فاذكروا‬ ‫فَإِذَآ أَفَ ْض ُتم ِّم ْن َع َرفَ ٍ‬
‫اهلل ‪} . . .‬‬
‫اح أ َ ْن تَؽْتَغُوا فَ ْض ًبل‬ ‫لَؼ ْ َس عَلَي ْ ُك ْم ُجن َ ٌ‬
‫ات‬ ‫ت ِم ْن َع َرفَ ٍ‬ ‫ِم ْن َربِّ ُك ْم فَإِذَا أَفَ ْض ُ ْم‬
‫اّللَ ِعن ْ َد ا ْ‪١‬ت َ ْشعَ ِر ا ْ‪ٟ‬ت َ َرا ِم‬
‫فَاذْ ُك ُروا َّ‬
‫َواذْ ُك ُر ُوه كَ َما َه َدا ُك ْم َوإ ِْن ُكن ْ ُت ْم‬
‫ُت (‪)198‬‬ ‫ِمن قَبلِ ِه َ‪١‬تِن َّ ِ‬
‫الضال ّ َ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫اح } أي ال إثم‬ ‫{ لَؼ ْ َس عَلَي ْ ُك ْم ُجن َ ٌ‬
‫عليكم وال حرج { أَن تَؽْتَغُوا ْفَ ْضبل ً‬
‫ِّمن َّر ِبّ ُك ْم } أي أن تتكسبوا يف‬
‫ا‪ٟ‬تج وهو نسك عبادي ‪ ،‬وا‪١‬تكسب‬
‫الذي يأيت فيه هو فضل من اهلل ‪.‬‬
‫وقدٯتا ًكانوا يقولون ‪ :‬فيه « حاج »‬
‫داج » ‪ ،‬واحدة با‪ٟ‬تاء‬
‫‪ ،‬وفيه « ّ‬
‫فالداج » هو‬
‫ّ‬ ‫وواحدة بالدال ‪« ،‬‬
‫الذي يذهب إىل األراضي ا‪١‬تقدسة‬
‫للتجارة فقط ‪ ،‬ونقول له ‪ :‬ال مانع‬
‫أن تذهب لتحج وتتاجر؛ ألنك‬
‫ستؼسر أمراً؛ ألننا إن منعناه فمن‬
‫الذي يقوم بأمر ا‪ٟ‬تجيج؟‬
‫و‪١‬تاذا قال ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬تَؽْتَغُوا ْفَ ْضبل ً ِّمن‬
‫َّربِّ ُك ْم } ولم يقل رزقا ً؟ ‪ .‬لقد‬
‫أوضح ا‪ٟ‬تق يف اآلية اليت قبلها ‪ :‬أال ّ‬
‫تذهبوا إال ّومعكم زادكم ‪ .‬إذن‬
‫أنت ال تريد زادا ًبعملك هذا ‪ ،‬أي‬
‫ال تذهب إىل ا‪ٟ‬تج لتأكل من التجارة‬
‫‪ ،‬إ‪٪‬تا تذهب ومعك زادك وما تأيت‬
‫به هو زائد عن حاجتك ويكون‬
‫فضبل ًمن اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وهو‬
‫جل شأنه يريد منك أال ّيكون يف‬
‫رج؛ فنىف ا‪ٞ‬تناح‬‫عملك ا‪١‬تباح ح ٌ‬
‫عنه؛ فأنت قد جئت ومعك األكل‬
‫والشرب ويكفيك أن تأخذ الربح‬
‫ا‪١‬تعقول ‪ ،‬فبل يكون فيه شائبة ظلم‬
‫كاالستغبلل ‪ٟ‬تاجة ا‪ٟ‬تجيج ‪ ،‬لذلك‬
‫أ‪ٝ‬تاه « فضبل ً» يعٍت أمرا ًزائدا ً‬
‫عن ا‪ٟ‬تاجة ‪.‬‬
‫وكل ابتغاء الرزق وابتغاء الفضل ال‬
‫يصح أن يغيب عن ذهن مؽتغي‬
‫الرزق والفضل ‪ ،‬فكله من عند اهلل ‪.‬‬
‫إياك أن تقول ‪ :‬قوة أسباب ‪،‬‬
‫وإياك أن تقول ‪ :‬ذكاء أو احؾياط ‪،‬‬
‫فبل شيء من ذلك كله؛ ألن الرزق‬
‫كله من اهلل هو فضل من اهلل ‪ .‬وال‬
‫ضرر عليك أن تؽتغي الفضل من‬
‫الرب؛ ألنه هو ا‪٠‬تالق وهو ا‪١‬ترّب ‪.‬‬
‫و‪٨‬تن مربوبون له ‪ ،‬فبل غضاضة أن‬
‫تطلب الفضل من اهلل ‪.‬‬
‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪ { :‬فَإِذَآ‬
‫ات فاذكروا اهلل‬ ‫أَفَ ْض ُتم ِّم ْن َع َرفَ ٍ‬
‫ِعن َد ا‪١‬تشعر ا‪ٟ‬ترام } ‪ .‬وأنت حُت‬
‫تمأل كأسا عن آخرها فهي تفيض‬
‫بالزائد عَل جوانبها ‪ ،‬إذن فالفائض‬
‫معناه شيء افًتق عن ا‪١‬توجود‬
‫للزيادة ‪.‬‬
‫قوله ‪ { :‬فَإِذَآ أَفَ ْض ُتم ِّم ْن َع َرفَ ٍ‬
‫ات }‬
‫تدل عَل أن اهلل قد حكم بأن‬
‫عرفات ستمتلئ امتبلء ‪ ،‬وكل من‬
‫ٮترج منها كأنه فائض عن العدد‬
‫ا‪١‬تحدد ‪٢‬تا ‪ .‬وهذا حكم من اهلل يف‬
‫ا‪ٟ‬تج ‪ .‬وأنت إذا ما شهدت ا‪١‬تشهد‬
‫كؾبه اهلل للمسلمُت ‪ٚ‬تيعا ً‪ .‬إن‬
‫شاء اهلل سًتى هذه ا‪١‬تسألة ‪ ،‬فكأن‬
‫إناء ًقد امتؤل ‪ ،‬وذلك يفيض منه ‪.‬‬
‫وال تدري من أين يأيت ا‪ٟ‬تجيج وال‬
‫إىل أين يذهبون ‪ .‬ومن ينظر من‬
‫يطوفون بالؽيت يظن أهنم كتل‬
‫بشرية ‪ ،‬وكذلك إذا فاض ا‪ٟ‬تجيج‬
‫يف مساء يوم عرفة ٮتيل إليك‬
‫عندما تنظر إليهم أنه ال فارق‬
‫بؼنهم؛ ولذلك يقال ‪ :‬سالت عليه‬
‫شعاب ا‪ٟ‬تي كأهنا سيل ‪.‬‬
‫وقال الشاعر ‪:‬‬
‫فسالت عليه شعاب ا‪ٟ‬تي حُت دعا‬
‫‪ ...‬أصحابه بوجوه كالدنانَت‬
‫وقال آخر ‪:‬‬
‫و‪١‬تا قضؼنا من مٌت كل حاجة ‪...‬‬
‫مسح باألركان من هو ماسح‬
‫و ّ‬
‫أخذنا بأطراف األحاديث بيننا ‪...‬‬
‫وسالت بأعناق ا‪١‬تطي األباطح‬
‫أي كأنه سيل متدفق ‪ ،‬هكذا ٘تاما‬
‫تكون اإلفاضة من عرفات ‪.‬‬
‫وعندما تتأمل الناس ا‪١‬تتوجهُت إىل‬
‫« مزدلفة » تتعجب أين كان كل‬
‫هذا ا‪ٞ‬تمع؟ ترى الوديان يسَت فيها‬
‫الناس وا‪١‬تركبات كأهنم السيل وال‬
‫تستطيع أن تفرق شخصا ًمن‬
‫‪٣‬تموعة ‪ ،‬ويف موقف ا‪ٟ‬تجيج‬
‫إفاضتان ‪ :‬إفاضة من عرفات ‪ ،‬ثم‬
‫إفاضة ثانية بينتها اآلية اليت بعدها‬
‫يقول سبحانه ‪ُ { :‬ث َّم أَفِ ُيضوا ْ ِم ْن‬
‫اض الناس واستغفروا اهلل‬ ‫ث أَفَ َ‬
‫َحي ْ ُ‬
‫يم }‬ ‫إ َِن اهلل َغ ُف ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫ث أَفَ َ‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬
‫اس‬
‫اض النَّ ُ‬ ‫ُث َّم أف ُيضوا م ْن َحي ْ ُ‬
‫يم‬ ‫اّلل َغ ُفور ر ِ‬
‫ح‬ ‫َ‬ ‫ِن‬
‫َ‬ ‫إ‬ ‫اّلل‬
‫َ‬ ‫وا‬‫ر‬ ‫واستَغ ْ ِ‬
‫ف‬
‫َ ٌ َ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫(‪)199‬‬

‫وعرفات ننطقها ٔتنطوقُت ‪ :‬مرة‬


‫نقول « عرفات » كما وردت يف‬
‫هذه اآلية ‪ ،‬ومرة ننطقها « عرفة »‬
‫كما يف قول الرسول صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬ا‪ٟ‬تج عرفة » ‪ .‬وعرفات‬
‫‪ٚ‬تع ‪ ،‬وعرفة مفرد ‪.‬‬
‫هذه الكلمة أصبحت علما ًعَل‬
‫ا‪١‬تكان الفسيح الذي يج٘تع فيه‬
‫ا‪ٟ‬تجيج يف التاسع من ذي ا‪ٟ‬تجة ‪ ،‬وال‬
‫تظن أهنا جبل ‪ ،‬فإذا ‪ٝ‬تعت ‪« :‬‬
‫جبل عرفات » كما يقول الناس‬
‫فافهم أن ا‪١‬تقصود هو ا‪ٞ‬تبل‬
‫ا‪١‬تنسوب إىل عرفات ‪ .‬ولؼس‬
‫عرفات يف ذاْتا ‪ ،‬ولذلك ٕتد أناسا ً‬
‫كثَتين يظنون أهنم إن لم يصعدوا‬
‫ا‪ٞ‬تبل ا‪١‬تس ىم ّتبل الر‪ٛ‬تة الذي‬
‫عند الصخرات اليت وقف عليها‬
‫رسول اهلل يف حجة الوداع فكأن‬
‫اإلنسان منهم لم ٭تج ‪ .‬نقول ‪٢‬تم ‪:‬‬
‫ال ‪ .‬الوقوف يكون يف الوادي ‪،‬‬
‫وا‪ٞ‬تبل ا‪١‬تجاور للوادي أ‪ٝ‬تؼناه‬
‫جبل عرفات ‪ ،‬فا‪ٞ‬تبل هو ا‪١‬تنسوب‬
‫لعرفات ولؼس الوادي هو ا‪١‬تنسوب‬
‫للجبل ‪.‬‬
‫وأصل كلمة عرفة وردت فيها‬
‫أقوال كثَتة ‪ .‬وهناك فرق بُت‬
‫االسم يكون وصفا ثم يصَت ا‪ٝ‬تا ً‪.‬‬
‫وبُت أن يكون عَلَما ًمن أول األمر‬
‫‪ .‬وقلنا ‪ :‬إنه إذا ‪ٝ‬تيت العَلَم من‬
‫أول األمر فبل ضرورة أن يكون فيه‬
‫معٌت اللفظ؛ فقد تس ىم واحدا ًشقيا ً‬
‫ب « سعيد » ‪ ،‬و ُتس ىم ز‪٧‬تية ب «‬
‫قمر » ‪ ،‬وهذا ال يُس ىم « وصفا »‬
‫وإ‪٪‬تا يُس ىم ع َ َ َِ‬
‫لما ًإال أن الناس‬
‫حُت يسمون يتفاءلون باألصل ‪،‬‬
‫ُ‪ٝ‬تي ابٍت « سعيدا ً»‬ ‫فيقال ‪ :‬أ َ ِ ّ‬
‫تفاؤال بأن يكون « سعيدا ً» ‪،‬‬
‫وعندما تكون بنتا ًفقد تعطيها ا‪ٝ‬تا ً‬
‫‪٥‬تالفا ً‪ٟ‬تا‪٢‬تا ‪ ،‬فقد تكون دميمة‬
‫وتسميها « ‪ٚ‬تيلة » تفاؤال ًباالسم‬
‫‪ .‬هنا يكون أخذ العلم للتفاؤل ‪.‬‬
‫والعرب عندما كانوا يسمون‬
‫األ‪ٝ‬تاء كانوا يتفاءلون بها ‪ .‬مثبل ً‬
‫كانوا يسمون « صخرا ً» لؼتفاءلوا‬
‫به أمام األعداء ‪ .‬ويسمون « كلبا ً‬
‫» حىت ال ‪٬‬ترؤ عليه أحد ‪.‬‬
‫وقيل لعرّب ‪ :‬إنكم ٖتسنون أ‪ٝ‬تاء‬
‫عؽيدكم فتقولون « سعيدا ً» و «‬
‫سعدا ً» و « فضبل ً» وتسؼئون‬
‫أ‪ٝ‬تاء أبنائكم؛ تسموهنم ‪ُ « :‬مرة‬
‫» ‪ « ،‬كلبا ً» ‪ « ،‬صخرا ً» قال‬
‫العرّب ‪ :‬نعم؛ ألننا نسمي أبناءنا‬
‫ألعدائنا ليكونوا يف ‪٨‬تورهم ‪،‬‬
‫ونسمي عؽيدنا لنا ‪ .‬وكلمة « عرفة‬
‫» هي اآلن علم عَل مكان ‪ ،‬لكن‬
‫سبب تسمؼتها فيه خبلف ‪ :‬قيل ‪:‬‬
‫ألن آدم هبط يف مكان وحواء هبطت‬
‫يف مكان ‪ ،‬وظل كبل‪٫‬تا يبحث عن‬
‫اآلخر حىت تبلقيا يف هذا المكان ‪،‬‬
‫فسمي « عرفة » ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وا‪ٟ‬تديث عن آدم وحواء يقتضؼنا‬
‫أن نبحث عن سبب تفرقهما الذي‬
‫جعل كبل منهما يبحث عن اآلخر ‪،‬‬
‫إذا كان اهلل عز وجل خلقهما‬
‫ليكونا زوجُت فلماذا فرقهما؟ ‪.‬‬
‫لك أن تتصور حال آدم وهو ‪٥‬تلوق‬
‫يف عالم غريب واسع ٔتفرده ‪،‬‬
‫وينظر حوله فبل ‪٬‬تد بشرا ًمثله ‪،‬‬
‫باهلل أال يشتاق إلنسان يؤنس‬
‫وحدته؟ ‪.‬‬

‫وماذا يكون حاله عندما يرى‬


‫إنسانا ً؟ ‪ .‬الشك أنه سيقابله‬
‫باشؾياق شديد ‪ .‬من أجل هذا فرق‬
‫اهلل بؼنهما وجعل كبل ًّمنهما يبحث‬
‫عن إنسان يؤنس وحشته ‪ ،‬ولو‬
‫ظل كل منهما ّتوار اآلخر فرٔتا‬
‫كان األمر عاديا ً‪ .‬وهكذا أراد اهلل‬
‫لكل من آدم وحواء أن يشتاق كل‬
‫منهما لآلخر ‪ ،‬فأبعد‪٫‬تا عن‬
‫بعضهما ثم تبلقيا بعد طول بعاد ‪،‬‬
‫فكان الشوق للقاء ‪ .‬وبعد اللقاء تأيت‬
‫ا‪١‬تودة والر‪ٛ‬تة واأللفة والسكن ‪،‬‬
‫وهو مطلوب ا‪ٟ‬تياة لزوجُت ‪.‬‬
‫وهناك قول آخر ٓتصوص تسمية‬
‫عرفات ‪ :‬إن سيدنا آدم قالت له‬
‫ا‪١‬تبلئكة وهو يف ذلك ا‪١‬تكان ‪:‬‬
‫اعرف ذنبك وتب إىل ربك فقال ‪:‬‬
‫{ َربَّنَا َظل َ ْمنَآ أ َ ُنف َسنَا َوإِن ل َّ ْم تَغ ْ ِف ْر‬
‫‪ٛ‬تنَا لن َ ُكون َ َّن ِم َن ا‪٠‬تاسرين }‬
‫لَنا َوتَ ْر َ ْ‬
‫ػ األعراف ‪] 23 :‬‬
‫فيكون بذلك قد عرف زلته‬
‫وعرف كيف يتوب ‪ .‬أو حؼنما أراد‬
‫اهلل أن يُعَلِ ّم إبراهيم عليه السبلم‬
‫ربأن ‪٬‬تعل أفئدة‬ ‫‪ ،‬وهو الذي دعا هَّ‬
‫الناس وقلوبهم ٘تيل وْتوى هذا‬
‫ا‪١‬تكان ‪ .‬إن إبراهيم رأى يف ا‪١‬تنام‬
‫أن يذبح ابنه ‪ .‬وتلك مسألة شاقة‬
‫من ثبلثة وجوه ‪ :‬ا‪١‬تشقة األوىل أهنا‬
‫رؤيا ولؼست وحيا ً‪ .‬وا‪١‬تشقة‬
‫الثانية أنه ابنه الوحيد ‪ ،‬وا‪١‬تشقة‬
‫الثالثة أنه هو الذي سيذْته ‪.‬‬
‫إهنا ثبلث مشقات صعاب ‪ ،‬ولؼس‬
‫من ا‪١‬تعقول أن ٘تر هذه ا‪١‬تسألة عَل‬
‫أّب األنؽياء بؼسر وسهولة ‪ ،‬بل البد‬
‫أنه ٖت ّدث فيها كثَتا ًبؼنه وبُت‬
‫نفسه ‪ ،‬وهل هي رؤيا أم ماذا؟ ‪.‬‬
‫ومن هنا ُ‪ٝ‬تي اليوم الذي قبل يوم‬
‫عرفة بيوم الًتوية ‪ .‬وعندما تأكد‬
‫سيدنا إبراهيم بأن رؤيا األنؽياء‬
‫حق عرف أنه البد أن ينفذ ما رأى ‪.‬‬
‫وا‪١‬تكان الذي عرف فيه حقيقة‬
‫الرؤيا ُ‪ٝ‬تي عرفة ‪ .‬أو أنه حُت‬
‫جاءت له الرؤيا بذبح ابنه‬
‫فالشيطان لم يدع مثل هذه‬
‫الفرصة ٘تر ‪ ،‬وكان البد أن يدخل‬
‫ليوسوس إلبراهيم ‪ .‬ألؼس هو‬
‫ك‬‫القائل ‪ { :‬ألَقْ ُع َد َّن َ‪٢‬ت ُ ْم ِص َر َاط َ‬
‫ا‪١‬تستقيم } ػ األعراف ‪] 16 :‬‬
‫فعندما ٘تثل الشيطان إلبراهيم‬
‫ر‪ٚ‬ته با‪ٟ‬تىص سبعا يف ا‪١‬ترة األوىل ‪،‬‬
‫ثم عاوده مرة أخرى فر‪ٚ‬ته سبعا ً‪،‬‬
‫وجاءه يف الثالثة فر‪ٚ‬ته سبعا ً‪ ،‬بعدها‬
‫لم يأت له ثانية ‪ ،‬فجرى إبراهيم‬
‫‪٥‬تافة أن يبلحقه ‪ ،‬ولذلك ُ‪ٝ‬تى‬
‫ا‪١‬تكان با‪١‬تزدلفة ‪ ،‬وا‪١‬تزدلف هو‬
‫ا‪١‬تسرع ‪ ،‬ويس ىم « ذا ا‪١‬تجاز » أي‬
‫أنه اجتاز ا‪١‬تزدلفة ‪ ،‬ويكون قد‬
‫عرف ا‪١‬تسألة عند عرفة ‪.‬‬
‫أو أن جُبيل كان يعرفه ا‪١‬تناسك يف‬
‫هذا ا‪١‬تكان ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬ع َ‬
‫رفت؟‬
‫فَتد إبراهيم ‪ « :‬ع ُ‬
‫رفت » ‪ .‬أو أن‬
‫اإلنسان يعرف فيها ربه يف آخر ما‬
‫شرع له من أركان فكل منا عرف‬
‫األركان ‪ :‬هذا عرف ‪ ،‬وذاك عرف‬
‫‪ ،‬وثالث ‪ ،‬ورابع ‪ ،‬وهكذا فيكون‬
‫كلنا ‪ :‬عرفات ‪ ،‬ويصبح ا‪١‬تكان‬
‫عبودية هلل ‪ .‬اشًتك فيها ‪ٚ‬تيع‬
‫ا‪ٟ‬تجاج ‪.‬‬
‫ات فاذكروا‬ ‫{ فَإِذَآ أَفَ ْض ُتم ِّم ْن َع َرفَ ٍ‬
‫اهلل ِعن َد ا‪١‬تشعر ا‪ٟ‬ترام } ‪.‬‬
‫وا‪١‬تشعر ا‪ٟ‬ترام يف مزدلفة ‪{ :‬‬
‫فاذكروا اهلل } معناها أن اهلل ي َ ّسر‬
‫لكم هذه الرحلة الشاقة ‪ ،‬وجاء‬
‫آمُت وقاصدين بيت اهلل‬ ‫بكم ّ‬
‫ا‪ٟ‬ترام ‪ ،‬ثم تعودون مغفورا لكم ‪،‬‬
‫وهي مسألة تستحق أن تذكروا اهلل‬
‫بالشكر والعرفان ‪.‬‬

‫{ واذكروه َك َما َه َدا ُك ْم } ؛ ألن‬


‫هدايته لكم وتعليمكم أقصر‬
‫طريقة يوصل إىل ا‪٠‬تَت هو ٖتية من‬
‫اهلل ‪٠‬تلقه ‪ ،‬والتحية ‪٬‬تب أن يُ َر ّد‬
‫عليها ‪ ،‬فكما هداكم اذكروه ‪{ .‬‬
‫َوإِن ُكن ْ ُت ْم ِّمن قَبْلِ ِه َ‪١‬ت ِ َن الضآلُت } ؛‬
‫ألهنم طا‪١‬تا حجوا كثَتا ً‪ ،‬يف‬
‫ا‪ٞ‬تاهلية ‪ ،‬فأنتم كنتم ٖتجون‬
‫بضبلل ‪ ،‬واآلن ٖتجون بهدى ‪{ .‬‬
‫ث أَفَ َ‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬
‫اض الناس‬ ‫ُث َّم أف ُيضوا ْم ْن َحي ْ ُ‬
‫} ‪ .‬قوله ‪ُ { :‬ث َّم } تدل عَل أنه‬
‫البد من الوقوف بعرفة أو ا‪١‬تؽيت يف‬
‫مزدلفة؛ ألن { ُث َّم } تدل عَل‬
‫البعدية ببطء والتعقيب بتمهل ‪.‬‬
‫إذن قوله ‪ُ { « :‬ث َّم أَفِ ُيضوا ْ} حجة‬
‫‪١‬تن قال ‪ :‬إنه البد من ا‪١‬تؽيت يف‬
‫مزدلفة ‪ .‬وهذه اآلية نزلت ألن‬
‫قريشا ًكانت ترى نفسها أهل‬
‫ا‪ٟ‬ترم فبل يُطالبون أبدا ًٔتا يُطالب‬
‫به سائر الناس ‪ ،‬ولذلك ال يذهبون‬
‫مع الناس إىل عرفات ‪ ،‬واهلل يريد‬
‫با‪ٟ‬تج ا‪١‬تساواة بُت الناس ‪ ،‬ولذلك‬
‫قال النبي يف حجة الوداع ‪ » :‬كلكم‬
‫بنو آدم وآدم خلق من تراب ‪،‬‬
‫لينتهُت قوم يفتخرون بآبائهم أو‬
‫ليكونن أهون عَل اهلل من ا‪ٞ‬تعبلن «‬
‫فبلبد أن ينسخ اهلل مسلك قريش‬
‫ِ‬ ‫َِ‬
‫ث‬‫فقال ‪ُ { :‬ث َّم أف ُيضوا ْم ْن َحي ْ ُ‬
‫اض الناس } يعٍت ال ٘تيز لكم‬ ‫أَفَ َ‬
‫وال تفرقة بُت ا‪١‬تسلمُت ‪.‬‬
‫وبعض ا‪١‬تفسرين يقول ‪ :‬إن معٌت‬
‫ث أَفَ َ‬ ‫ِ‬
‫اض الناس }‬ ‫{ م ْن َحي ْ ُ‬
‫ا‪١‬تقصود به من حيث أفاض‬
‫إبراهيم ‪ٔ ،‬تعٌت أن سيدنا‬
‫إبراهيم عليه السبلم قد رسم‬
‫مناسك ا‪ٟ‬تج كلها بعد أن علمها اهلل‬
‫له ‪ ،‬فالناس وإن كانوا ‪ٚ‬تعا ًإال أن‬
‫ا‪١‬تراد بكلمة » الناس « هو »‬
‫إبراهيم « ‪ .‬وال نستغرب أن‬
‫يكون معٌت ‪ » :‬الناس « هو »‬
‫إبراهيم « ألن اهلل وصفه بأنه »‬
‫أمة « ‪ .‬وكلمة الناس ُتطلق عَل‬
‫اإلنسان الذي ‪٬‬تمع خصائص‬
‫متعددة؛ ولذلك قال اهلل عز وجل‬
‫عن سيدنا رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫ون الناس عَل َمآ‬ ‫َ‬
‫وسلم ‪ { :‬أ ْم َ٭ت ْ ُس ُد َ‬
‫آتَ ُاه ُم اهلل ِمن فَ ْضلِ ِه } ػ النساء ‪:‬‬
‫‪] 54‬‬
‫لقد وصف ا‪ٟ‬تق رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم بالناس ‪ .‬والرجل الذي‬
‫ذهب للمؤمنُت ٮتُبهم باستعداد‬
‫ا‪١‬تشركُت لقتا‪٢‬تم نزل فيه قوله‬
‫تعاىل ‪ { :‬الذين قَ َ‬
‫ال َ‪٢‬ت ُ ُم الناس }‬
‫إنه إنسان واحد ومع ذلك وصفه‬
‫اهلل بالناس ‪ ،‬كأنه بتنؽيهه‬
‫للمسلمُت يكون ‪ٚ‬تع كل صفات‬
‫ا‪٠‬تَت يف الناس ‪.‬‬
‫{ واستغفروا اهلل إ َِّن اهلل َغ ُف ٌ‬
‫ور‬
‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫ِ‬
‫يم } ّ‬
‫َّرح ٌ‬
‫يعلم أن بٍت آدم ال ٯتكن ‪٢‬تم أن‬
‫يراعوا حقوقه كما ‪٬‬تب أن ُتراىع ‪،‬‬
‫فبل بد أن تفلت منهم أشياء ‪ ،‬وهو‬
‫سبحانه وتعاىل يعلم ذلك؛ ألنه‬
‫خالقهم ‪ ،‬فأمرهم جلت حكمته‬
‫أن يستغفروه؛ ليكفروا عن‬
‫سؼئاْتم ‪.‬‬
‫{ فَإِذَا قَ َضؼ ْ ُت ْم َّمنَا ِس َك ُك ْم فاذكروا‬
‫اهلل َك ِذكْ ِر ُك ْم آبَآءَ ُك ْم أ َ ْو أ َ َش َّد ِذكْرا ً‬
‫‪}...‬‬

‫فَإِذَا قَ َضؼ ْ ُت ْم َمنَا ِس َك ُك ْم فَاذْ ُك ُروا َّ‬


‫اّللَ‬
‫َك ِذكْ ِر ُك ْم آبَاءَ ُك ْم أ َ ْو أ َ َش َّد ِذك ًْرا‬
‫ول َربَّنَا آتِنَا ِيف‬‫اس َم ْن ي َ ُق ُ‬ ‫فَ ِم َن النَّ ِ‬
‫ال ُّدنْيَا َو َما ل َ ُه ِيف ْاآل ِخ َر ِة ِم ْن َخ َبلقٍ‬
‫(‪)200‬‬
‫ونعرف أن « قىض » تأيت ٔتعان‬
‫متعددة ‪ ،‬والعمدة يف هذه ا‪١‬تعاين‬
‫فصل األمر با‪ٟ‬تكمة ‪ ،‬قد يُفصل‬
‫األمر ْتكمة ألنه فرغ منه أداء {‬
‫فَإِذَا قَ َضؼ ْ ُت ْم } أي إذا فرغتم من‬
‫مناسككم ‪ ،‬ه ذه واحدة ‪ .‬وقد‬
‫يكون ألنك فصلت األمر ٓتُب‬
‫يقُت مثل قوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬وقىض‬
‫ك أَال َّتعبدوا إِال َّإِي َّ ُاه } ػ اإلسراء‬
‫َربُّ َ‬
‫‪] 23 :‬‬
‫وقد يكون « قىض » ٔتعٌت حكم‬
‫حكما الزما ًكما تقول ‪ :‬قىض‬
‫القاضي ‪ .‬إذن فكلها تدور حول‬
‫معٌت ‪ :‬فصل ْتكمة ‪ { .‬فَإِذَا‬
‫قَ َضؼ ْ ُت ْم َّمن َ ِ‬
‫اسَك ُك ْم فاذكروا اهلل } ‪.‬‬
‫أي إذا فرغتم من مناسككم ‪،‬‬
‫وا‪١‬تناسك هي األماكن لعبادة ما ‪،‬‬
‫فعرفات مكان للموقف ‪ ،‬و «‬
‫مزدلفة » مكان للمشعر ا‪ٟ‬ترام‬
‫يؽيت فيه ا‪ٟ‬تجاج ‪ .‬و « مٌت »‬
‫منسك للمؽيت أيضا ‪ ،‬إذن كل‬
‫مكان فيه عبادة يُس ىم « منسكا » ‪.‬‬
‫وقوله سبحانه ‪ { :‬فاذكروا اهلل }‬
‫أي فبل يزال ذكر اهلل دائما واردا ً‬
‫يف اآليات ‪ ،‬كأنك حُت توفق إىل أداء‬
‫شيء إياك أن تغًت ‪ ،‬بل اذكر ربك‬
‫الذي شرع لك ثم وفقك وأعانك‬
‫‪ .‬وكأن ا‪ٟ‬تق يريد أن يضع هناية ‪١‬تا‬
‫تعودت عليه العرب يف ذلك الزمان‬
‫فقدٯتا ًكانوا ٭تجون ‪ ،‬فإذا ما‬
‫اجتمعت القبائل يف مٌت ‪ ،‬كانت‬
‫كل قبيلة تقف بشاعرها أو ٓتطؼبها‬
‫ليعدد مآثره ومآثر آبائه ‪ ،‬وما كان‬
‫‪٢‬تم من مفاخر يف ا‪ٞ‬تاهلية و٭تملون‬
‫الديات ‪ ،‬و٭تملون ا‪ٟ‬تماالت ‪،‬‬
‫ويطعمون الطعام ‪ ،‬ويفعلون غَت‬
‫ذلك من العادات ‪ ،‬فأراد اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل أن ينهي فيهم هذه‬
‫العادة اليت هي التفاخر باآلباء‬
‫وبأعما‪٢‬تم فقال ‪ { :‬فاذكروا اهلل‬
‫كَ ِذ ْك ِر ُك ْم آبَآءَ ُك ْم } والذكر معناه‬
‫توجيه الفكر إىل شيء غَت موجود‬
‫ساعة تأيت به ‪ ،‬وال ٯتكن أن يذكر‬
‫اإلنسان من أحداث ا‪١‬تاضي إال‬
‫ا‪ٟ‬تدث الذي له األثر النافع فيه ‪،‬‬
‫وعَل مقدار األثر النافع يكون‬
‫الذكر ‪.‬‬
‫وكانوا قدٯتا ًيطعمون الطعام ‪،‬‬
‫والذي يطعم الطعام يؤدي مهمة يف‬
‫مثل هذه الببلد البُدائية أي‬
‫البدوية وكان من ا‪١‬تبالغة يف‬
‫ا‪ٞ‬تفنات أن بعضهم كا‪١‬تطعم بن‬
‫عدي مثبل ًكانت له جفنة ٭تكي‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم أنه‬
‫كان يستظل بها ساعة ا‪٢‬تجَت ‪.‬‬
‫وا‪ٞ‬تفنة هي الوعاء الذي يوضع فيه‬
‫الطعام ‪ ،‬فتأمل ا‪ٞ‬تفنة كيف‬
‫تكون؟!‬
‫و٭تملون ا‪ٟ‬تماالت ‪ٔ ،‬تعٌت أنه إذا‬
‫قامت قؽيلة عَل قؽيلة وقتلت منها‬
‫خلقا ًكثَتا ًيتطوع منهم ذو ا‪ٟ‬تسب‬
‫وذو ا‪١‬تروءة وذو الشهامة وذو‬
‫النجدة فيحمل كل هذه اآلثار يف‬
‫ماله ‪ .‬والديات هي اليت يتطوع‬
‫بدفعها أهل الشهامة منهم إذا ما‬
‫قتل قاتل قؾيبل ً‪ ،‬وال يقدر عَل أن‬
‫يعطي ديته ‪ ،‬وكانت كل تلك‬
‫األعمال هي ا‪١‬تفاخر ‪.‬‬
‫أراد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن يردهم‬
‫يف كل شيء إىل ذاته ‪ ،‬فقال ‪٢‬تم ‪:‬‬
‫أنتم تذكرون آباءكم؛ ألهنم كانوا‬
‫يفعلون كذا وكذا ‪ ،‬وآباؤكم‬
‫يفتخرون بآبائهم ‪ ،‬انقلوها‬
‫وسلسلوها إىل خالق كل اآلباء وكل‬
‫البشر ‪ ،‬فكل ما ‪٬‬تري من خَت عَل‬
‫يد اآلباء مرده إىل اهلل ‪ ،‬فإن ذكرتم‬
‫آباءكم ‪١‬تا قدموه من خَت ‪،‬‬
‫فاذكروا من أمدهم بذلك ا‪٠‬تَت ‪.‬‬

‫وهو يريد منهم أن يذكروا اهلل‬


‫كذكرهم آباءهم؛ أو أشد ذكرا؛‬
‫ألن كل كائن إ‪٪‬تا يستحق من‬
‫الذكر عَل مقدار ما قدم من ا‪٠‬تَت ‪،‬‬
‫ولن ٕتد كل ا‪٠‬تَت إال هلل ‪ ،‬إذن البد‬
‫أن نذكر اهلل ‪.‬‬
‫وأيضا ًفإن اإلسبلم أراد أن ينهي‬
‫التفاخر باآلباء ليجعل الفخر ذاتيا‬
‫يف نفس ا‪١‬تؤمن ‪ ،‬أي فخرا ًمن‬
‫عمل جليل نابع وحاصل من‬
‫الشخص نفسه؛ ولذلك يقولون‬
‫يف أمثال هؤالء الذين يفخرون‬
‫بأسبلفهم إهنم ‪ « :‬عظاميون »‬
‫أي منسوبون إىل ‪٣‬تد صنعه من‬
‫صاروا عظاما تضمها القبور ‪ ،‬واهلل‬
‫يريدنا أن نكون ذاتيُت يف مفاخرنا‬
‫‪ ،‬أي أن نفخر ٔتا نفعل ‪٨‬تن ‪ ،‬ال ٔتا‬
‫فعل آباؤنا ‪ ،‬فاآلباء أفضوا إىل ما‬
‫قدموا ‪ ،‬ويريد اهلل أن يأخذ‬
‫اإلنسان ذاتية إٯتانية تكليفية ‪.‬‬
‫ومن يريد أن يفتخر فليفتخر‬
‫بنفسه ولذلك يقول الشاعر ‪:‬‬
‫وال تكونوا عظاميُت مفخرة ‪...‬‬
‫ماضيهم عامر يف حاضر خرب‬
‫ال ينفع ا‪ٟ‬تسب ا‪١‬توروث من قدم‬
‫‪ ...‬إال ذوي ‪٫‬تة غاروا عَل ا‪ٟ‬تسب‬
‫والعود من مثمر إن لم يلد ‪ٙ‬ترا ً‪...‬‬
‫‪ٝ‬تا أصبل ًمن ا‪ٟ‬تطب‬ ‫ع َ ّدوه مهما َ َ‬
‫فالنبات الذي لؼس له ‪ٙ‬ترة ‪ ،‬يعؾُبه‬
‫الناس ‪٣‬ترد حطب ‪ ،‬ويريد ا‪ٟ‬تق أن‬
‫ينبه يف ا‪١‬تؤمن ذاتية تفعل ‪ ،‬ولؼس‬
‫ذاتية تفتخر بأنه كان وكان ‪ ،‬بل‬
‫عَل كل إنسان أن يقدم ما يفتخر‬
‫به ‪:‬‬
‫لؼس الفىت من يقول كان أّب ‪ ...‬إن‬
‫الفىت من يقول هأنذا‬
‫وعندما كان العرب يتفاخر بعضهم‬
‫عَل بعض يقول أحدهم لآلخر ‪ :‬يا‬
‫أخي أنت تفتخر عل ّي ٔتاذا؟‬
‫فَتد عليه الثاين ‪ :‬أفتخر عليك‬
‫بآبائي وأجدادي ‪.‬‬
‫فَتد األول ‪ :‬اذكر جيدا أن ‪٣‬تد‬
‫آبائك انتىه بك ‪ ،‬و‪٣‬تد آبائي بدأ‬
‫ّب ‪ ،‬و‪١‬تاذا ال أجعل آلبائي الفخر‬
‫بأهنم أ‪٧‬تبوين؟‬
‫ويف ذلك يقول أحدهم ‪:‬‬
‫قالوا أبو الصقر من شؼبان قلت ‪٢‬تم‬
‫‪ ...‬كبل لعمري ولكن منه ُ‬
‫شؼبان‬
‫أب قد عبل بابن ُذ َرا َش َر ٍف ‪...‬‬
‫وكم ٍ‬
‫عدنان‬
‫ُ‬ ‫لت برسول اهلل‬‫كما ع َ ْ‬
‫وما دام القوم يفتخرون ْتي منهم ‪،‬‬
‫فهم يلتحمون ٔتن يعطيهم ا‪١‬تدد‬
‫ليكونوا شؼئا باقيا ًومؤثرا ًيف الوجود‬
‫‪ ،‬ولؼس بذلك الشيء ا‪١‬تحدود‬
‫ا‪١‬تتمثل يف أنه يطعم الطعام ‪،‬‬
‫و٭تمل ا‪ٟ‬تماالت ويؤدي الديات ‪،‬‬
‫وإ‪٪‬تا يكون ْتمل رسالة اإلنسانية‬
‫العا‪١‬تية ‪.‬‬
‫{ فاذكروا اهلل َك ِذكْ ِر ُك ْم آبَآءَ ُك ْم‬
‫أ َ ْو أ َ َش َّد ِذكْرا ً} ‪ .‬ألن ذكركم اهلل‬
‫سيصلكم با‪١‬تدد منه ‪ ،‬ويعطيكم‬
‫ا‪١‬تعونة لتكونوا أهبل لقيادة حركة‬
‫ا‪ٟ‬تياة يف األرض ‪ ،‬فتوطدوا فيها‬
‫األمن والسبلم والر‪ٛ‬تة والعدل ‪،‬‬
‫وهذا هو ما ‪٬‬تب أن يكون ‪٣‬تاال‬
‫للفخر ‪.‬‬
‫وبعد ذلك يلفؾنا ا‪ٟ‬تق فيما يأيت إىل‬
‫أن اإلنسان إذا ما قىض ا‪١‬تناسك‬
‫كان أهبل ألن يضرع إىل اهلل ‪،‬‬
‫ويسأل اهلل ٔتا ٭تب أن يسأله ‪،‬‬
‫والسؤال هلل ٮتتلف باختبلف ‪٫‬تة‬
‫السائلُت ‪ ،‬وكانوا ال يسألون اهلل إال‬
‫قائلُت ‪ :‬يا رب أعطٍت إببل ً‪ ،‬يا رب‬
‫أعطٍت غنما ً‪ ،‬يا رب أعطٍت بقرا ً‪،‬‬
‫ويا رب أعطٍت حائطا ًأي بستانا ً‪،‬‬
‫يا رب كما أعطيت أّب أعطٍت ‪.‬‬

‫ولم يكن يف با‪٢‬تم إال األمور ا‪١‬تادية‬


‫‪ ،‬وأراد اهلل أن ‪٬‬تعلهم يرتفعون‬
‫با‪١‬تسألة هلل ‪ ،‬وأن يُ َص ّعِ ُدوها إىل‬
‫شيء أخلد وأبىق وأنفع ‪ ،‬ومن هنا‬
‫تأيت ا‪١‬تزية اإلٯتانية ‪ ،‬فإذا كنتم‬
‫سؾسألون اهلل متاعا من متاع الدنيا‬
‫فما الفارق بؼنكم وبُت أهل‬
‫ا‪ٞ‬تاهلية؟‬
‫ذلك ما نفهمه من قول اهلل عز‬
‫وجل يف ختام هذه اآلية ‪ { :‬فَ ِم َن‬
‫ول َربَّنَآ آتِنَا ِيف الدنيا‬
‫الناس َمن ي َ ُق ُ‬
‫َو َما ل َ ُه ِيف اآلخرة ِم ْن َخبلَقٍ } ‪.‬‬
‫فالعبد حُت يؤدي مناسكه هلل ‪٬‬تد‬
‫نفسه أهبل ألن يسأل اهلل ‪ ،‬وما‬
‫دمت قد وجدت نفسك أهبل ألن‬
‫تسأل اهلل فاسأل اهلل ٓتَت باق؛ ألن‬
‫عد حاجته إىل‬‫اإلنسان إ‪٪‬تا يُ َص ُ‬
‫ا‪١‬تسئول عَل مقدار مكانة ا‪١‬تسئول‬
‫ومزنلته؛ فقد تذهب لشخص‬
‫تطلب منه عشرة قروش ‪ ،‬وقد‬
‫تذهب آلخر أغٌت من األول فتقول‬
‫له ‪ :‬أعطٍت جنيها ‪ ،‬ولثالث ‪ :‬تطلب‬
‫منه عشر جنيهات ‪ ،‬إنك تطلب‬
‫عَل قدر ‪٫‬تة كل منهم يف اإلجابة‬
‫عَل سؤالك ‪.‬‬
‫إذن ما دام العباد بعد أداء ا‪١‬تناسك يف‬
‫موقف سؤال هلل فلي َص ّعِ ُدوا‬
‫ُ‬
‫مسألتهم هلل وليطلبوا منه النافع‬
‫أبدا ً‪ ،‬وال ينحطوا بالسؤال إىل‬
‫األمور الدنيوية الفانية البحتة ‪{ .‬‬
‫ول َربَّنَآ آتِنَا ِيف‬ ‫ِ‬
‫فَم َن الناس َمن ي َ ُق ُ‬
‫الدنيا َو َما ل َ ُه ِيف اآلخرة ِم ْن َخبلَقٍ }‬
‫إن العبد قد ال يريد من دعائه هلل إال‬
‫الدنيا ‪ ،‬وال حظ وال نصيب له يف‬
‫اآلخرة ‪ ،‬ومثل هذا اإلنسان يكون‬
‫ساقط ا‪٢‬تمة؛ ألنه طلب شؼئا ًيف‬
‫الدنيا الفانية ‪ ،‬ويريد اهلل أن‬
‫ن ُ َص ّعِد ‪٫‬تؾنا اإلٯتانية ‪ .‬ولذلك‬
‫يؾبعها بقوله ا‪ٟ‬تق ‪ِ { :‬و ِمن ْ ُه ْم َّمن‬
‫ول َربَّنَآ آتِنَا ِيف الدنيا َح َس َة ًن َو ِيف‬
‫ي َ ُق ُ‬
‫اب النار }‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬‫اآلخرة حسنَةً وقِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ول َربَّنَا آتِنَا ِيف ال ُّدنْيَا‬
‫َو ِمن ْ ُه ْم َم ْن ي َ ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َح َسنَةً َو ِيف ْاآلخ َرة َح َسنَةً َوقنَا ع َ َذ َ‬
‫اب‬
‫النَّا ِر (‪)201‬‬
‫و‪١‬تاذا لم ننس الدنيا هنا؟ ألهنا هي‬
‫ا‪١‬تزرعة لآلخرة ‪ .‬وقوله سبحانه ‪:‬‬
‫{ آتِنَا ِيف الدينا َح َسنَةً } اختلف‬
‫فيها العلماء؛ بعضهم ضيقها وقال‬
‫‪ :‬إن حسنة الدنيا هي ا‪١‬ترأة‬
‫الصا‪ٟ‬تة ‪ .‬وقال عن حسنة اآلخرة‬
‫إهنا ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬ومنهم من قال ‪ :‬إن‬
‫حسنة الدنيا هي العلم؛ ألن عليه‬
‫يُؽ ْ ٍَت العمل ‪ ،‬ويف حسنة اآلخرة قال‬
‫‪ :‬إهنا ا‪١‬تغفرة؛ ألهنا أم ا‪١‬تطالب ‪.‬‬
‫ومن استعراض أقوال العلماء‬
‫‪٧‬تدهم يتفقون عَل أن حسنة‬
‫اآلخرة هي ما يؤدي إىل ا‪ٞ‬تنة مغفرة‬
‫ور‪ٛ‬تة ‪ ،‬لكنهم اختلفوا يف حسنة‬
‫الدنيا ‪ .‬أقول ‪١ :‬تاذا ال ‪٧‬تعل حسنة‬
‫الدنيا أعم وأمشل فنقول ‪ :‬يا رب‬
‫أعطنا كل ما ُ٭ت َ ّ ِس ُن الدنيا عندك‬
‫لعبدك ‪.‬‬
‫ويذيل ا‪ٟ‬تق هذه اآلية بقول ‪{ :‬‬
‫اب النار } وسبحانه وتعاىل‬ ‫ِ‬
‫َوقنَا ع َ َذ َ‬
‫نت عَل عباده ٯتنت عليهم‬ ‫حُت َٯت ْ َ ُّ‬
‫بأن زحزحهم عن النار وأدخلهم‬
‫ا‪ٞ‬تنة ‪ ،‬كأن ‪٣‬ترد الزحزحة عن النار‬
‫نعيم ‪ ،‬فإذا ما أدخل ا‪ٞ‬تنة بعد‬
‫الزحزحة عن النار فكأنه أنعم عَل‬
‫اإلنسان بنعمتُت؛ ألنه سبحانه‬
‫قال ‪َ { :‬وإِن ِّمن ُك ْم إِال َّ َوا ِر ُد َها } ػ‬
‫مريم ‪] 71 :‬‬
‫ومعناها أن كل إنسان سَتى النار‬
‫إما وهو يف طريقه للجنة ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫ا‪ٟ‬تمد هلل ‪ ،‬اإلٯتان أ‪٧‬تاين من هذه‬
‫النار وعذابها ‪ .‬فهو عندما يرى‬
‫النار وبشاعة منظرها ٭تمد اهلل عَل‬
‫نعمة اإلسبلم ‪ .‬اليت أ‪٧‬تته من النار‬
‫‪ .‬فإذا ما دخل ا‪ٞ‬تنة ورأى نعيمها‬
‫٭تمد اهلل مرة ثانية ‪ .‬وكذلك يرى‬
‫النار من هو من أهل األعراف أي‬
‫ال يف النار وال يف ا‪ٞ‬تنة ‪ ،‬يقول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫{ فَ َمن ُز ْح ِز َح َع ِن النار َوأُدْ ِخ َل‬
‫ا‪ٞ‬تنة فَ َق ْد فَازَ} ػ آل عمران ‪:‬‬
‫‪] 185‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق من بعد ذلك ‪{ :‬‬
‫يب ِّ‪٦‬تَّا كَ َسبُوا ْواهلل‬ ‫ِ‬
‫أولئك َ‪٢‬ت ُ ْم نَص ٌ‬
‫َسرِي ُع ا‪ٟ‬تساب }‬

‫يب ِ‪٦‬تَّا َك َسبُوا َو ّ َُ‬


‫اّلل‬ ‫ِ‬
‫ك َ‪٢‬ت ُ ْم نَص ٌ‬‫ول َ‬‫أُ ِئ َ‬
‫اب (‪)202‬‬ ‫َسرِي ُع ا ِْ‪ٟ‬ت َس ِ‬

‫والنصيب هو ا‪ٟ‬تظ ‪ ،‬وأما { ِّ‪٦‬تَّا‬


‫َك َسبُوا ْ} فنعرف من قبل أن فيه «‬
‫كسب » وفيه « اكؾساب » ‪.‬‬
‫واالكؾساب فيه افتعال ‪ ،‬إ‪٪‬تا‬
‫الكسب هو أمر عادي ‪ ،‬ولذلك ٕتد‬
‫أن االكؾساب ال يكون إال يف الشر؛‬
‫كأن الذي يفعل الشر يتكلف فيه ‪،‬‬
‫لكن من يفعل ا‪٠‬تَت فذلك أمر‬
‫طؽيعي من اإلنسان ‪ .‬وا‪١‬تقصود ب‬
‫{ ِّ‪٦‬تَّا كَ َسبُوا ْ} هنا هو الكسب من‬
‫اسؾيفاء أعما‪٢‬تم اليت فعلوها يف‬
‫ا‪ٟ‬تج إحراما ً‪ ،‬وتلؽية ‪ .‬وطوافا ً‪،‬‬
‫وسعيا ً‪ ،‬وذهابا ًإىل « مٌت » ‪ ،‬وذهابا ً‬
‫إىل « عرفات » ووقوفا ًبها ‪،‬‬
‫وإفاضة إىل « مزدلفة » ‪ ،‬ورميا ً‬
‫للجمار ‪ .‬يف « مٌت » ‪ ،‬وطواف‬
‫إفاضة ‪ ،‬وكل هذا كسب لئلنسان‬
‫الذي نال شرف ا‪ٟ‬تج ‪.‬‬
‫وعندما نقرأ ‪ { :‬واهلل َسرِي ُع‬
‫ا‪ٟ‬تساب } فلنفهم أن السرعة هي‬
‫أن يقل الزمن عن ا‪ٟ‬تدث ‪ ،‬فبدال‬
‫من أن يأخذ ا‪ٟ‬تدث منك ساعة ‪،‬‬
‫وقد تنهيه يف نصف ساعة ‪ ،‬وكل‬
‫حدث له زمن ‪ ،‬وا‪ٟ‬تدث حُت‬
‫يكون له زمن وتريد أن تقلل زمن‬
‫ا‪ٟ‬تدث فبلبد أن تسرع فيه حىت‬
‫تنجزه يف أقل وقت ‪ .‬وتقليل‬
‫الزمن يقتضي سرعة ا‪ٟ‬تركة يف‬
‫الفعل ‪ ،‬وذلك يف األفعال العبلجية‬
‫اليت ٖتتاج ُمعَا‪ٞ‬تة ‪ ،‬وعمبل ًمن‬
‫اإلنسان ‪ ،‬لكن سبحانه يفعل ب «‬
‫ُكن » وال ٭تتاج عمله إىل عبلج ‪،‬‬
‫وبالتايل ال ٭تتاج إىل زمن ‪ ،‬إذن فهو‬
‫سريع ا‪ٟ‬تساب؛ ألنه ال ٭تتاج إىل‬
‫زمن ‪ ،‬وألنه ال يشغله شأن عن شأن‬
‫‪ ،‬وهذا هو الفرق بُت قدرة الواحد‬
‫سبحانه وقدرة ا‪ٟ‬تادث؛ ألن‬
‫ا‪ٟ‬تادث عندما يؤدي عمبل ً‪ ،‬فهذا‬
‫العمل يشغله عن غَته من‬
‫األعمال ‪ ،‬فبل يستطيع أن يؤدي‬
‫عمليتُت يف وقت واحد ‪ ،‬لكن‬
‫الواحد األحد ال يشغله فعل عن‬
‫فعل ‪ ،‬وبالتايل يفعل ما يريد وقتما‬
‫يريد ولكل من يريد ‪.‬‬
‫ولذلك ُسئل اإلمام علي بن أّب‬
‫طالب ‪ :‬كيف ٭تاسب اهلل ا‪٠‬تبلئق‬
‫‪ٚ‬تيعا ًيف ‪ٟ‬تظة واحدة؟ ‪ .‬فقال ‪« :‬‬
‫كما يرزقهم يف ساعة واحدة » ‪.‬‬
‫فهو سبحانه الذي يرزقهم ‪ ،‬وكما‬
‫يرزقهم ٭تاسبهم ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق من‬
‫بعد ذلك ‪ { :‬واذكروا اهلل يف أَيَّا ٍم‬
‫َمعْ ُدود ٍ‬
‫ات ‪} . . .‬‬‫ّ َ‬
‫ات فَ َم ْن‬ ‫اّلل ِيف أَيَّا ٍم معْ ُدود ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َواذْ ُك ُروا َّ َ‬
‫ُت فَ َبل إِث َْم عَلَي ْ ِه َو َم ْن‬ ‫تَعَ َّج َل ِيف ي َ ْو َم ْ ِ‬
‫تَأ َ َّخ َر فَ َبل إِث َْم عَلَي ْ ِه ِ‪١‬ت َ ِن ا َّت َىق َوا َّت ُقوا‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫اّللَ َواعْل َ ُموا أن َّ ُك ْم إِلَيْه ُٖتْ َش ُر َ‬
‫ون‬ ‫َّ‬
‫(‪)203‬‬
‫ونبلحظ أن ذكر اهلل أمر شائع يف‬
‫‪ٚ‬تيع ا‪١‬تناسك ‪ ،‬و { يف أَيَّا ٍم‬
‫ات } أي يف أيام التشريق ‪.‬‬ ‫َمعْ ُدود ٍ‬
‫ّ َ‬
‫يف اليوم التاسع نكون يف عرفة وليلة‬
‫العاشر نؽيت فيها ب « مزدلفة » ‪،‬‬
‫ثم بعد ذلك نفيض من حيث‬
‫أفاض الناس ‪ ،‬نذهب لرمي ‪ٚ‬ترة‬
‫العقبة ‪ ،‬وبعضنا يذهب ليطوف‬
‫طواف اإلفاضة وينهي مناسكه ‪ ،‬أو‬
‫قد يذهب ليذبح ويتحلل التحلل‬
‫األصغر ‪ ،‬إن لم يكن معه امرأة ‪،‬‬
‫وإن طاف فهو يتحلل التحلل‬
‫األكُب ‪ .‬أما األيام ا‪١‬تعدودات أي‬
‫أيام التشريق فهي األيام الثبلثة‬
‫بعد يوم النحر ‪ .‬وقد ‪ٝ‬تيت بذلك‬
‫نسبة إىل الشروق ‪ ،‬والشروق‬
‫خاص بالشمس ‪ ،‬كانوا قدٯتا ًإذا ما‬
‫ذْتوا ذبائحهم ‪ٝ‬تيت هذه األيام‬
‫بأيام التشريق ‪ .‬وعندما نسمع‬
‫ات } نفهم‬ ‫قوله ‪ { :‬يف أَيَّا ٍم َمعْ ُدود ٍ‬
‫ّ َ‬
‫منها أهنا فوق يومُت ‪.‬‬
‫وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَ َمن‬
‫ُت فَبل َإِث َْم عَلَي ْ ِه َو َمن‬
‫تَعَ َّج َل ِيف ي َ ْو َم ْ ِ‬
‫تَأ َ َّخ َر فبل إِث َْم عَلَي ْ ِه ِ‪١‬ت َ ِن اتىق } ‪ .‬قول‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬يف أَيَّا ٍم‬
‫ات } ثم قوله ‪ { :‬فَ َمن‬ ‫َمعْ ُدود ٍ‬
‫ّ َ‬
‫ُت } يدل عَل أن‬ ‫تَعَ َّج َل ِيف ي َ ْو َم ْ ِ‬
‫كلمة « أيام » تطلق عَل ا‪ٞ‬تمع وهو‬
‫األكثر من يومُت ‪ ،‬أي ثبلثة أيام ‪،‬‬
‫لكن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل جعل‬
‫للقيام ّبومُت حكم القيام‬
‫بالثبلثة ‪ ،‬فإن تعجلت يف يومُت فبل‬
‫إثم عليك ومن قىض ثبلثة أيام فبل‬
‫إثم عليه كيف يكون ذلك؟ ‪.‬‬
‫ألن ا‪١‬تسألة لؼست زمنا ً‪ ،‬ولكنها‬
‫استحضار نية تعبدية ‪ ،‬فقد ٕتلس‬
‫ثبلثة أيام وأنت غَت مستحضر‬
‫النية التعبدية؛ لذلك قال سبحانه‬
‫‪١ِ { :‬ت َ ِن اتىق } ‪ ،‬فإياك أن تقارن‬
‫األفعال بزمنها ‪ ،‬وإ‪٪‬تا هي‬
‫بإخبلص النية والتقوى فيها ‪.‬‬
‫ويذيل ا‪ٟ‬تق اآلية بالقول الكريم ‪:‬‬
‫{ واتقوا اهلل واعلموآ أَن َّ ُك ْم إِلَي ْ ِه‬
‫ون } ‪ .‬وقد جاء سبحانه‬ ‫ُٖتْ َش ُر َ‬
‫ون }‬‫وتعاىل بكلمة { ُٖتْ َش ُر َ‬
‫لتؾناسب ز‪ٛ‬تة ا‪ٟ‬تج؛ ألنه كما‬
‫حشركم هذا ا‪ٟ‬تشر وأنتم لكم‬
‫اخؾيار ‪ ،‬هو سبحانه القادر أن‬
‫٭تشركم ولؼس لكم اخؾيار ‪ .‬فإذا‬
‫كنت قد ذهبت باخؾيارك إىل هذا‬
‫ا‪ٟ‬تشر البشري الكبَت يف ا‪ٟ‬تج‬
‫فاعرف أن الذي كلفك بأن تذهب‬
‫باخؾيارك لتشارك يف هذا‬
‫االجتماع ا‪ٟ‬تشد هو القادر عَل أن‬
‫يأيت بك وقد سلب منك االخؾيار ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق من بعد ذلك ‪َ { :‬و ِم َن‬
‫الناس َمن يُعْ ِجب ُ َ‬
‫ك قَ ْول ُ ُه ِيف ا‪ٟ‬تياة‬
‫الدنيا َويُ ْش ِه ُد اهلل عَل َما ِيف قَلْبِ ِه َو ُه َو‬
‫أَل َ ُّد ا‪٠‬تصام }‬

‫ك قَ ْول ُ ُه ِيف‬ ‫َو ِم َن النَّ ِ‬


‫اس َم ْن يُعْ ِجب ُ َ‬
‫اّللَ عََلَ َما ِيف‬ ‫ا ْ‪ٟ‬تَيَا ِة ال ُّدنْيَا َويُ ْش ِه ُد َّ‬
‫قَلْبِ ِه َو ُه َو أَل َ ُّد ا‪٠‬تِْ َصا ِم (‪َ )204‬وإِذَا‬
‫تَ َو َّىل َس ََع ِيف ْاأل َ ْر ِض لِي ْف ِس َد فِيهَا‬
‫ُ‬
‫َويُهْلِ َ‬
‫ك ا ْ‪ٟ‬ت َ ْر َث َوالن ّ َْس َل َو ّ َُ‬
‫اّلل َال‬
‫ب ال ْ َف َسادَ (‪)205‬‬ ‫ُ٭ت ِ ُّ‬
‫يريد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن يضع‬
‫أمامنا قضية وجودية ‪ ،‬وهذه‬
‫القضية الوجودية هي أن كل عمل‬
‫له ظاهر وله باطن ‪ .‬ومن ا‪ٞ‬تائز أن‬
‫تتقن الظاهر وتدلس عَل الناس يف‬
‫الباطن ‪ ،‬فإذا كان الناس ‪٢‬تم مع‬
‫بعضهم ظاهر وباطن ‪ .‬فمن‬
‫مصلحة اإلنسان أن ينتمي هو‬
‫والناس ‪ٚ‬تيعا ًإىل عالم يعرف فيه‬
‫كل إنسان أن هناك إ‪٢‬تا ًحكيما ً‬
‫يعرف كل شيء عنا ‪ٚ‬تيعا ً‪.‬‬
‫فإذا كان عندك شيء ال أعلمه ‪ ،‬وأنا‬
‫عندي شيء أنت ال تعلمه كيف‬
‫تسَت مصا‪ٟ‬تنا؟ ولذلك فمن‬
‫ضروريات حياتنا أن نؤمن معا بإله‬
‫يطلع عَل سرائرنا ‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬وهذا ما‬
‫‪٬‬تعلنا نلزم األدب ‪ .‬ولذلك قيل ‪:‬‬
‫« إن َع ّمي ْ َت عَل قضاء األرض فلن‬
‫تع ىم عَل قضاء السماء » ‪.‬‬
‫إذن فقضاء السماء وعلم اهلل‬
‫بالغيب مسألة ‪٬‬تب أن ‪٨‬تمده عليها‬
‫‪ ،‬ألنه هو الذي سيحمي كل واحد‬
‫منا من غَته ‪ .‬وعندما سًت اهلل غيؽنا‬
‫فذلك نعمة ‪٬‬تب أن نشكره‬
‫عليها؛ ألن النفوس متقلبة ‪ .‬فلو‬
‫علمت ما يف نفسي عليك يف ‪ٟ‬تظة‬
‫قد ال يسرك ‪ . .‬وقد ال تنساه أبدا ً‬
‫ويظل رأيك يفَّسؼئا ً‪ ،‬لكن الظنون‬
‫واآلراء ٘تر عندي وعندك وتنتهي‬
‫‪ .‬ولو اطلع كل منا عَل غيب اآلخر‬
‫لكانت اٌفياة مرهقة ‪ ،‬والقول‬
‫ا‪١‬تأثور يذكر ذلك ‪ « :‬لو تكاشفتم‬
‫ما تدافنتم » ‪.‬‬
‫إذن فمن ر‪ٛ‬تة اهلل ومن أكُب نعمه‬
‫عَل خلقه أن سًت غيب خلقه عن‬
‫خلقه ‪ .‬وا‪ٟ‬تق ٭تذرنا ‪٦‬تن قال فيهم‬
‫‪َ { :‬و ِم َن الناس َمن يُعْ ِجب ُ َ‬
‫ك قَ ْول ُ ُه ِيف‬
‫ا‪ٟ‬تياة الدنيا } أي الذين يظهرون‬
‫من خَت خبلف ما يبطنون من شر ‪،‬‬
‫ولذلك صور الشاعر هذه ا‪١‬تسألة‬
‫فقال ‪:‬‬
‫عَل الذم بؾنا ‪٣‬تمعُت وحالنا‪ ...‬من‬
‫ا‪٠‬توف حال ا‪١‬تجمعُت عَل ا‪ٟ‬تمد‬
‫أي لو تكاشفنا لقلنا كلنا ذما ً‪ ،‬إ‪٪‬تا كلنا‬
‫مداحون حُت يلىق بعضنا بعضا كل‬
‫يقول بلسانه ما لؼس يف قلبه ‪ .‬و «‬
‫يعجبك قوله » فهل ا‪١‬تمنوع أن‬
‫يعجبك القول؟ ال ‪ ،‬يعجؽٍت القول‬
‫ولكن يف غَت ا‪ٟ‬تياة الدنيا ‪ ،‬فالقول‬
‫الذي يعجب هو ما يتعلق بأمر ا‪ٟ‬تياة‬
‫اآلخرة الباقية ليضمن لنا ا‪٠‬تَت عند‬
‫من ٯتلك كل ا‪٠‬تَت ‪.‬‬
‫وكىف بالذي يسمع من مادح له‬
‫مدحا ً‪ ،‬وا‪١‬تادح نفسه يضمر يف قلبه‬
‫كرها ًله ‪ ،‬وكىف بذلك شهادة تغفيل‬
‫للممدوح ‪ ،‬بأنه يقول بؼنه وبُت‬
‫نفسه ‪ « :‬إن ا‪١‬تمدوح غبي؛ ألين‬
‫أمدحه وهو مصدق مدحي له » ‪.‬‬
‫إن اهلل سبحانه وتعاىل ينبهنا إىل‬
‫ضرورة أن يكون ا‪١‬تسلم يقظا‬
‫وفطنا ً‪ ،‬ومن يقول لنا كبلما ًيعجؽنا‬
‫يف ا‪ٟ‬تياة نتهمه بأن كبلمه لؼس‬
‫حسنا؛ ألن خَت الكبلم هو ما يكون‬
‫يف األمر البايق ‪.‬‬
‫ولذلك عندما أرسل خليف ُة‬
‫ا‪١‬تسلمُت لئلمام جعفر الصادق‬
‫يقول له ‪١ :‬تاذا ال تغشانا أي ال‬
‫تزورنا كما يغشانا الناس؟ فكتب‬
‫اإلمام جعفر الصادق للخليفة يقول‬
‫‪ :‬أما بعد فلؼس عندي من الدنيا ما‬
‫أخاف عليه ‪ ،‬ولؼس عندك من‬
‫اآلخرة ما أرجوك له ‪.‬‬

‫وكأنه يريد أن يقول له اتركنا‬


‫وحالنا؛ أنت ‪٤‬تتاج ‪١‬تن ‪٬‬تلس معك‬
‫وٯتدحك ‪ ،‬وأنت ال تعلم أن أول‬
‫أناس ‪٢‬تم رأي سيء فيك هم من‬
‫ٯتدحونك ‪.‬‬
‫{ َو ِم َن الناس َمن يُعْ ِجب ُ َ‬
‫ك قَ ْول ُ ُه ِيف‬
‫ا‪ٟ‬تياة الدنيا } وهذه اآلية نزلت يف‬
‫األخنس ابن شريق الثقفي وا‪ٝ‬ته‬
‫أّب ّولقب باألخنس ألنه خنس‬
‫ورجع يوم بدر فلم يقاتل‬
‫ا‪١‬تسلمُت مع قريش واعتذر ‪٢‬تم‬
‫بأن العَت قد ‪٧‬تت من ا‪١‬تسلمُت‬
‫وعادت إليهم ‪ ،‬وكان ساعة يقابل‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫يظهر إسبلمه ويلُت القول للرسول‬
‫ويدعي أنه ٭تبه ‪ ،‬ولكنه بعد أن‬
‫خرج من عند رسول اهلل صَل اهلل‬
‫‪ٛ‬تر لقوم‬ ‫عليه وسلم مر بزرع و ُ ُ‬
‫من ا‪١‬تسلمُت فأحرق الزرع وقتل‬
‫ا‪ٟ‬تمر ‪ .‬واآلية وإن نزلت يف‬
‫األخنس فهي تشمل كل ُمنافق ‪.‬‬
‫{ َويُ ْش ِه ُد اهلل عَل َما ِيف قَلْبِ ِه َو ُه َو أَل َ ُّد‬
‫ا‪٠‬تصام} ال تقولوا ‪ « :‬اهلل يشهد »‬
‫‪ ،‬وإ‪٪‬تا هاتوا شهداءكم ليشهدوا‬
‫عَل صدق قولكم؛ ألن معٌت « اهلل‬
‫يشهد » هو إخبار منك بأن اهلل‬
‫يشهد لك ‪ .‬وأنت كاذب يف هذه ‪،‬‬
‫وتريد أن تضفي ا‪١‬تصداقية عَل‬
‫كذبك بإقحام اهلل يف ا‪١‬تسألة‪.‬‬
‫وساعة تسمع واحدا ًيقول لك ‪:‬‬
‫أُ ْش ِه ُد اهلل عَل أين ك َذا ‪ ،‬فقل له ‪:‬‬
‫هذا إخبار منك بأن اهلل يشهد ‪،‬‬
‫وأنت قد تكذب يف هذا ا‪٠‬تُب ‪ ،‬أنا‬
‫أفضل أن يشهد اثنان من البشر‬
‫وال نقحم اهلل يف هذه الشهادة ‪{ .‬‬
‫َويُ ْش ِه ُد اهلل عَل َما ِيف قَلْبِ ِه َو ُه َو أَل َ ُّد‬
‫ا‪٠‬تصام} وألد ا‪٠‬تصام هو الفاسق‬
‫يف معصؼته ‪ ،‬ويقال ‪ :‬فبلن عنده لدد‬
‫أي فسق يف خصومته ‪ ،‬و‪٬‬تادل‬
‫بالباطل ‪ .‬ولذلك يقول الرسول‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪ « :‬إن أبغض‬
‫الرجال إىل اهلل هو األلد ا‪٠‬تصم » ‪.‬‬
‫يعٍت ا‪١‬تجادل بالباطل الذي عنده‬
‫قسوة يف ا‪١‬تعصية ‪ ،‬فهو ٍ‬
‫عاص ويف‬
‫الوقت نفسه قاس يف معصؼته ‪.‬‬
‫و‪١‬تاذا هو ألد ا‪٠‬تصام؟ ألن الذي‬
‫‪٬‬تابهك باألمر ‪٬‬تعلك ٖتتاط له ‪ ،‬أما‬
‫الذي يقابلك بنفاق فهو الذي‬
‫يريد أن ٮتدعك ‪ ،‬وهذا عنف يف‬
‫ا‪٠‬تصومة فا‪٠‬تصم الواضح أفضل‬
‫ألنه يواجهك ٔتا يف باطنه ‪ ،‬لكن إذا‬
‫جابهت الذي يبطن خصومته‬
‫ويظهر ‪٤‬تؽته يكون قاسيا ًعليك يف‬
‫خصومته؛ ألنه يريد أن ٮتدعك‬
‫ويُؽَي ّ ُت لك ‪.‬‬
‫{ َوإِذَا توىل سَع ِيف األرض لِي ْف ِس َد‬
‫ُ‬
‫فِيِهَا } و { توىل } ‪ :‬انصرف أي‬
‫يقول لك ما يعجبك ‪ ،‬فإذا توىل‬
‫عنك نقل ا‪١‬تسألة إىل ا‪ٟ‬تقيقة‬
‫بإظهار ما كان ٮتفيه ‪ ،‬و٭تتمل‬
‫ا‪١‬تعٌت أنه إذا توىل شؼئا ًآخر ‪ ،‬من‬
‫الوالية ‪ ،‬ففيه { توىل } من التويل‬
‫وهو االنصراف واإلعراض ‪ ،‬وفيه‬
‫{ توىل } من الوالية ‪.‬‬
‫{ َوإِذَا توىل سَع ِيف األرض لِي ْف ِس َد‬
‫ُ‬
‫ك ا‪ٟ‬ترث والنسل }‬ ‫فِيِهَا َويُهْلِ َ‬
‫كانت األرض بدون تدخل البشر‬
‫‪٥‬تلوقة عَل هؼئة الصبلح ‪ ،‬والفساد‬
‫أمر طارئ من ش‬
‫البر ‪.‬‬

‫ونعرف أن الفساد لم يطرأ عَل أي‬


‫أمر إال ولئلنسان فيه دخل ‪.‬‬
‫‪١‬تاذا اشتكؼنا أزمة قوت ولم نشتك‬
‫أزمة هواء؟ ألن ا‪٢‬تواء ال تدخل‬
‫لئلنسان فيه ‪ ،‬ؤتقدار تدخل‬
‫اإلنسان يكون الفساد ‪ .‬لقد‬
‫تدخلنا قليبل ًيف ا‪١‬تياه فجاء يف ذلك‬
‫فساد ‪ ،‬فلم ‪٨‬تسن نقلها يف مواسَت‬
‫جيدة فوصلت لنا ملوثة ‪ ،‬أو زاد‬
‫عليها الكلور أو نقص ‪ .‬وبقدر ما‬
‫يكون التدخل يكون اإلفساد ‪ ،‬أما‬
‫يف الزمن القديم فقد كان اإلنسان‬
‫يذهب إىل مصدر ا‪١‬تاء ا‪١‬تباشر يف‬
‫اآلبار ويأخذ ا‪١‬تاء الطؽيعي الذي‬
‫خلقه اهلل ببل تدخل من اإلنسان‬
‫ولم يكن تلوث أو غَته ‪.‬‬
‫إذن عَل مقدار وجود اإلنسان يف‬
‫حركة ا‪ٟ‬تياة غَت ا‪١‬تُر ّشدة باإلٯتان‬
‫باهلل ينشأ الفساد ‪ ،‬ولذلك كان البد‬
‫له من منهج ‪ٝ‬تاوي لئلنسان ‪.‬‬
‫والكائنات غَت اإلنسان لؼس ‪٢‬تا‬
‫منهج وهي ‪٥‬تلوقة بالغريزة وتؤدي‬
‫مهمتها فقط؛ فالدابة لم ٘تؾنع‬
‫يوما ًعن ركوبك عليها ‪ ،‬ولم ٘تؾنع‬
‫أن ٖتمل عليها أثقالك ‪ ،‬أو‬
‫تستعُت بها يف ا‪ٟ‬ترث ‪ ،‬أو الري ‪،‬‬
‫حىت عندما تذْتها ال ٘تؾنع عليك ‪،‬‬
‫‪١‬تاذا؟ ألهنا ‪٥‬تلوقة بالغريزة اليت‬
‫تؤدي بها ا‪ٟ‬تركة النافعة بدون‬
‫اخؾيار منها ‪ .‬وإذا امؾنعت يف وقت‬
‫فإ‪٪‬تا يكون ذلك ألمر طارئ‬
‫كمرض مثبل ‪.‬‬
‫لكن الذي له اخؾيار البد أن يكون‬
‫له منهج يقول له ‪ :‬افعل هذا وال‬
‫تفعل تلك ‪ .‬فإن استقام مع ا‪١‬تنهج‬
‫يف « افعل » و « ال تفعل » سارت‬
‫حياته بشكل متوازن ‪ ،‬لكن إذا لم‬
‫يستقم تفسد ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬وهذا ما‬
‫نفهمه من قوله تعاىل ‪َ { :‬وإِذَا توىل‬
‫سَع ِيف األرض لِي ْف ِس َد فِيِهَا } ‪ ،‬كأن‬
‫ُ‬
‫اإلفساد هو الذي ٭تتاج إىل عمل ‪،‬‬
‫اترك الطؽيعة وا‪١‬تخلوقات كما‬
‫هي ٕتدها تعمل يف انضباط وكمال‬
‫عَل ما يرام ‪.‬‬
‫إذن فالفساد طارئ من اإلنسان‬
‫الذي ٭تيا ببل منهج ألنه{ َوإِذَا توىل‬
‫سَع ِيف األرض لِي ْف ِس َد فِيِهَا } فكأن‬
‫ُ‬
‫األصل يف األرض وما فيها جاء عَل‬
‫هؼئة الصبلح ‪ ،‬فإن لم تزد الصاٌف‬
‫صبلحا ًفبل ٖتاول أن تفسده ‪ .‬قال‬
‫تعاىل ‪َ { :‬وإِذَا قِ َ‬
‫يل َ‪٢‬ت ُ ْم ال َ ُت ْف ِس ُدوا ْ ِيف‬
‫ون *‬ ‫ح‬ ‫األرض قالوا إ َِّ‪٪‬تا َ‪٨‬تْن م ْصلِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫أال إ َِّهنُم ُهم ا‪١‬تفسدون ولكن ال َّ‬
‫ْ ُ‬
‫ون } ػ البقرة ‪] 12-11 :‬‬ ‫ي َ ْش ُع ُر َ‬
‫ومن هنا نفهم أهنم ظنوا أن‬
‫األرض ٖتتاج إىل حركتهم‬
‫إلصبلحها ‪ ،‬برغم أن األرض‬
‫بدون حركتهم صا‪ٟ‬تة؛ ألنهم ال‬
‫يتحركون ٔتنهج اهلل ‪.‬‬
‫إذن هذه اآلية نفهم منها أن‬
‫اإلنسان إذا { توىل } ٔتعٌت رجع أو‬
‫توىل والية سَع يف األرض ليفسد‬
‫فيها؛ فكأن الفساد يف األرض أمر‬
‫طارئ وينتج من سعي اإلنسان عَل‬
‫غَت منهج من اهلل ‪ .‬وما دام لئلنسان‬
‫اخؾيار فيجب أن يكون له منهج‬
‫أعَل منه يصون ذلك االخؾيار ‪ ،‬فإن‬
‫لم يكن له منهج وسار عَل هواه فهو‬
‫مفسد ال ‪٤‬تالة ‪.‬‬
‫وانظر إىل غباء الذي يفسد يف‬
‫األرض ‪ ،‬هل يظن أنه هو وحده‬
‫الذي سؼستفيد يف األرض ‪ ،‬فأباح‬
‫لنفسه أن يفسد يف األرض لغَته؟‬
‫إنه ينىس ا‪ٟ‬تقيقة ‪ ،‬فكما يفسد‬
‫لغَته ‪ ،‬فغَته يُفسد له ‪ ،‬فمن‬
‫ا‪٠‬تاسر؟ كلنا سنخ سر إذن ‪.‬‬

‫{ َوإِذَا توىل سَع ِيف األرض لِي ْف ِس َد‬


‫ُ‬
‫ك ا‪ٟ‬ترث والنسل ‪. . .‬‬ ‫فِيِهَا َويُهْلِ َ‬
‫} ػ البقرة ‪] 205 :‬‬
‫وا‪ٟ‬ترث له معنيان ‪ :‬فمرة يُطلق‬
‫عَل الزرع ‪ ،‬ومرة يُطلق عَل النساء‬
‫‪ ،‬ا‪١‬تعٌت األول ورد يف قوله تعاىل ‪{ :‬‬
‫ان إِذْ َ٭ت ْ ُك َم ِ‬
‫ان ِيف‬ ‫َودَ ُاوودَ َو ُسلَي ْ َم َ‬
‫اٌفرث إِذْن َ َف َش ْت فِي ِه َغن َ ُم القوم }‬
‫ػ األنؽياء ‪] 78 :‬‬
‫فا‪ٟ‬ترث يف اآلية معناه ‪ :‬الزرع ‪،‬‬
‫والزرع ناتج عن إثارة األرض‬
‫وإهاجتها ‪ .‬وعملك يا أيها‬
‫اإلنسان أن ْتيج األرض وتثَتها ‪،‬‬
‫وتأيت بالبذر الذي خلقه اهلل يف‬
‫األرض اليت خلقها اهلل ‪ ،‬وتسقيها‬
‫با‪١‬تاء الذي خلقه اهلل ‪ ،‬وتكُب يف‬
‫ا‪٢‬تواء الذي خلقه اهلل ‪ ،‬ولذلك‬
‫يلفؾنا وينبهنا ا‪ٟ‬تق سبحانه فيقول ‪:‬‬
‫ُون * أَأ َ ُنت ْم‬ ‫َ َ‬
‫{ أفَ َرأي ْ ُتم َّما َٖتْ ُرث َ‬
‫تَ ْز َر ُعون َ ُه أ َ ْم َ‪٨‬ت ْ ُن الزارعون } ػ‬
‫الواقعة ‪] 64-63 :‬‬
‫وا‪١‬تعٌت الثاين ‪ :‬يُطلق ا‪ٟ‬ترث عَل‬
‫ا‪١‬ترأة يف قوله تعاىل ‪ { :‬نِ َس ُ‬
‫آؤ ُك ْم‬
‫َح ْر ٌث ل َّ ُك ْم } ػ البقرة ‪] 223 :‬‬
‫وإذا كان حرث الزرع هدفه إ‪٬‬تاد‬
‫النبات فكذلك ا‪١‬ترأة حىت تلد‬
‫األوالد ‪ .‬ويقول سبحانه وتعاىل ‪{ :‬‬
‫فَأ ْ ُتوا ْ َح ْرثَ ُك ْم أىن ِشػ ْ ُت ْم } ػ البقرة‬
‫‪] 223 :‬‬
‫وأراد ا‪١‬تتحللون اإلباحيون أن‬
‫يُطلقوا إتيان ا‪١‬ترأة يف ‪ٚ‬تيع‬
‫جسدها ‪ ،‬نقول ‪٢‬تم ‪ :‬الحظوا قوله‬
‫‪ « :‬حرثكم » وا‪ٟ‬ترث ‪٤‬تل‬
‫اإلنبات ‪ ،‬فاإلتيان يكون يف ‪٤‬تل‬
‫اإلنبات فقط ‪ ،‬ال تفهمها تعميما ً‬
‫وإ‪٪‬تا هي ٗتصيص ‪ .‬ويتابع ا‪ٟ‬تق‬
‫وصف الذي يقول القول ا‪ٟ‬تسن ‪،‬‬
‫ولكنه يسَع يف األرض بالفساد‬
‫ك ا‪ٟ‬ترث والنسل‬ ‫فيقول ‪َ { :‬ويُهْلِ َ‬
‫} ‪ .‬والنسل هو األ‪٧‬تال والذرية ‪.‬‬
‫ب‬‫ويذيل اٌفق اآلية ‪ { :‬واهلل ال َ ُ٭ت ِ ُّ‬
‫الفساد } أي أن ا‪ٟ‬تق يريد منكم‬
‫إن لم تدخلوا بطاقة اهلل اليت خلقها‬
‫لكم فكرا ًوعطاء ‪ ،‬فعَل األقل‬
‫اتركوا ا‪١‬تسألة كما خلقها اهلل؛‬
‫ألن اهلل ال ٭تب أن تفسدوا فيما‬
‫خلقه صا‪ٟ‬تا ًيف ذاته ‪.‬‬
‫وما سبق يف هذه اآلية هو ‪٣‬ترد صورة‬
‫من صور استقبال الدعوة‬
‫اإلسبلمية يف أول عهدها ‪ ،‬من‬
‫الذين كانوا ينافقون واقعها القوي ‪،‬‬
‫فيأتون بأقوال ُتعجب ‪ ،‬وبأفعال‬
‫ُتعجب من ينافق ‪ .‬ونعرف أن‬
‫النفاق كان دليبل عَل قوة ا‪١‬تسلمُت ‪،‬‬
‫ولذلك لم ينشأ النفاق يف مكة ‪،‬‬
‫وإ‪٪‬تا نشأ يف ا‪١‬تدينة ‪ .‬فقد قال ا‪ٟ‬تق‬
‫‪َ { :‬و ِم ْن أ َ ْه ِل ا‪١‬تدينة َم َر ُدوا ْعََلَ‬
‫النفاق } ػ التوبة ‪] 101 :‬‬
‫ورٔتا يؾساءل إنسان ‪ :‬وكيف‬
‫تظهر هذه الظاهرة يف البؼئة‬
‫اإلٯتانية القوية يف ا‪١‬تدينة؟ ونقول‬
‫‪ :‬ألن اإلسبلم يف مكة كان ضعيفا ً‪،‬‬
‫والضعيف ال ينافقه أحد ‪ ،‬واإلسبلم‬
‫يف ا‪١‬تدينة أصبح قويا ً‪ ،‬والقوي هو‬
‫الذي ينافقه الناس ‪.‬‬
‫فجود النفاق يف ا‪١‬تدينة كان‬
‫إذن و‬
‫ظاهرة صحية تدل عَل أن اإلٯتان‬
‫أصبح قويا ْتيث يدعيه َم ْن لؼس‬
‫عنده إسبلم ‪ .‬وهؤالء كانوا يقولون‬
‫قوال ًحسنا ً‪ٚ‬تيبل ً‪ ،‬وقد يفعلون أمام‬
‫من ينافقونه فعبل ًيُعجب َم ْن‬
‫يراهم أو يسمعهم ‪ ،‬ولكنهم ال‬
‫يثؽتون عَل ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬فإذا ما تولوا ‪ ،‬أي‬
‫اختفوا عن أنظار َم ْن ينافقونه‬
‫رجعوا إىل أصلهم الكفري ‪ ،‬أو إذا‬
‫ائتمنوا عَل شيء فهم يسعون يف‬
‫األرض فسادا ً‪.‬‬
‫واآلية هنا تتعرض لشيء يدل عَل‬
‫فطنة ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬إن اآلية فضحت‬
‫َم ْن نافق وكان األخنس عمدة يف‬
‫النفاق ‪ ،‬وفضيحة ا‪١‬تنافق بهذه‬
‫الصورة ‪ ،‬تدل عَل أن وراء ‪٤‬تمد‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ووراء ا‪١‬تؤمنُت‬
‫ٔتحمد ‪ ،‬ربَّا ًٮتُبهم ٔتَ ْن يدلس‬
‫عليهم ‪ ،‬وأيضا ًينبههم لضرورة أن‬
‫تكون ‪٢‬تم فطنة بدليل قول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫{ َوإِذَا قِ َ‬
‫يل ل َ ُه اتق اهلل أ َ َخ َذتْ ُه العزة‬
‫باإلثم ‪} . . .‬‬
‫اّللَ أ َ َخ َذتْ ُه الْعِ َّز ُة‬ ‫َوإِذَا قِ َ‬
‫يل ل َ ُه اتَّ ِق َّ‬
‫ف ْسب ُ ُه َجهَنَّ ُم َولَبِػ َْس ا ْ‪١‬تِهَ ُاد‬ ‫اإلث ِْم َح‬
‫بِ ْ ِ‬
‫(‪)206‬‬

‫وال يقال له اتق اهلل إال إذا كان قد‬


‫عرف أنه منافق ‪ ،‬وماداموا قد قالوا‬
‫له ذلك فهذا دليل عَل أن فطنتهم‬
‫لم ‪٬‬تز عليها هذا النفاق ‪ .‬ونفهم‬
‫من هذه اآلية أن ا‪١‬تؤمن كَ ِؼّس فطن‬
‫‪ ،‬والبد أن ينظر إىل األشياء ٔتعيار‬
‫اليقظة العقلية ‪ ،‬وال يدع نفسه‬
‫‪١‬تجرد الصفاء الرباين ليعطيه‬
‫القضية ‪ ،‬بل يريد اهلل أن يكون‬
‫لكل مؤمن ذاتية وكياسة ‪.‬‬
‫{ َوإِذَا قِ َ‬
‫يل ل َ ُه اتق اهلل } فكأن‬
‫ا‪١‬تظهر الذي يقول أو يفعل به ‪،‬‬
‫وينايف التقوى؛ ألنه قول معجب ال‬
‫ينسجم مع باطن غَت معجب ‪،‬‬
‫صحيح أنه يصلي يف الصف األول ‪،‬‬
‫ويتحمس لقضايا الدين ‪ ،‬ويقول‬
‫القول ا‪ٞ‬تميل الذي يعجب النبي‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ويعجب‬
‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬لكنه سلوك وقول صادر‬
‫عن نية فاسدة ‪ .‬ومعٌت « اتق اهلل »‬
‫أي ليكن ظاهرك موافقا ًلباطنك ‪،‬‬
‫فبل يكفي أن تقول قوال ًيُعجب ‪ ،‬وال‬
‫يكفي أن تفعل فعبل ًيروق الغَت؛‬
‫ألن اهلل ٭تب أن يكون القول‬
‫منسجما ًمع الفعل ‪ ،‬وأن يكون‬
‫فعل ا‪ٞ‬توارح منسجما ًمع نيات‬
‫القلب ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬فا‪١‬تؤمن البد وأن تكون عنده‬
‫فطنة ‪ ،‬وذكاء ‪ ،‬وأ ْ‪١‬تعِيَّة ‪ ،‬ويرى‬
‫تصرفات ا‪١‬تقابل ‪ ،‬فبل يأخذ‬
‫بظاهر األمر ‪ .‬وال ٔتعسول القول‬
‫وال بالفعل ‪ ،‬إن لم يصادف فيه‬
‫انسجام فعل مع انسجام نية ‪ .‬وال‬
‫يكتفي بأن يعرف ذلك وإ‪٪‬تا البد‬
‫أن يقول للمنافق حقيقة ما يراه‬
‫حىت يقصر عَل ا‪١‬تنافق أمد النفاق ‪،‬‬
‫ألنه عندما يقول له ‪ « :‬اتق اهلل »‬
‫يفهم ا‪١‬تنافق أن نفاقه قد انكشف‬
‫‪ ،‬ولعله بعد ذلك يرتدع عن النفاق‬
‫‪ ،‬ويف ذلك ر‪ٛ‬تة من ا‪١‬تؤمن با‪١‬تنافق‬
‫‪ .‬وكل َم ْن يرى ويلمح بذكائه نفاقا ً‬
‫من أحد هنا يقول له ‪ « :‬اتق اهلل »‬
‫فا‪١‬تراد أن يفضح نفاقه ويقول له ‪:‬‬
‫« اتق اهلل » ‪ .‬فإذا قال له واحد ‪« :‬‬
‫اتق اهلل » وقال له آخر ‪ « :‬اتق اهلل‬
‫» ‪ ،‬وثالث ‪ ،‬ورابع ‪ ،‬فسيعرف ٘تاما‬
‫أن نفاقه قد انكشف ‪ ،‬ولم يعد‬
‫كبلمه يعجب الناس ‪.‬‬
‫{ َوإِذَا قِ َ‬
‫يل ل َ ُه اتق اهلل أ َ َخ َذتْ ُه العزة‬
‫باإلثم } ‪ ،‬وتقؼيد العزة باإلثم هنا‬
‫يفيد أن العزة قد تكون بغَت إثم ‪،‬‬
‫ومادام اهلل قد قال ‪ { :‬أ َ َخ َذتْ ُه العزة‬
‫باإلثم } ‪ ،‬فهناك إذن عزة بغَت‬
‫إثم ‪ .‬نعم ‪ ،‬ألن العزة مطلوبة‬
‫للمؤمن واهلل عز وجل حكم‬
‫بالعزة لنفسه وللرسول وللمؤمنُت‬
‫‪ { :‬وهلل العزة ولرسوله وللمؤمنُت‬
‫} ػ ا‪١‬تنافقون ‪] 8 :‬‬
‫وهذه عزة با‪ٟ‬تق ولؼست باإلثم ‪.‬‬
‫وما الفرق بُت العزة با‪ٟ‬تق وبُت‬
‫العزة باإلثم؟ ولنستعرض القرآن‬
‫الكريم لنعرف الفرق ‪ .‬ألم يقل‬
‫سحرة فرعون ‪ :‬فيما حكاه اهلل‬
‫ون إِن َّا لَن ْح ُن‬‫ع‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫عنهم ‪ { :‬بِعِ َّز ِة فِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫الغالبون } ػ الشعراء ‪] 44 :‬‬
‫هذه عزة باإلثم والكذب ‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعاىل ‪ { :‬ب َ ِل الذين‬
‫كَ َف ُروا ْ ِيف ِع َّز ٍة َو ِش َقاقٍ } ػ ص ‪] 2 :‬‬
‫وهي عزة كاذبة أيضا أما قوله عز‬
‫وجل ‪:‬‬

‫ك َر ِ ّب العزة َع َّما‬
‫ان َر ِبّ َ‬
‫{ ُسب ْ َح َ‬
‫ِ‬
‫ون } ػ الصافات ‪] 180 :‬‬ ‫يَص ُف َ‬
‫فتلك هي العزة ا‪ٟ‬تقيقة ‪ ،‬إذن‬
‫فالعزة هي القوة اليت تَغْلِ ُب ‪ ،‬وال‬
‫يَغْلِبها أحد ‪ .‬أما العزة باإلثم فهي‬
‫أنفة الكُبياء ا‪١‬تقرونة بالذنب‬
‫وا‪١‬تعصية ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫يقول لكل من يريد هذا اللون من‬
‫العزة باإلثم ‪ :‬إن كانت عندك عزة‬
‫فلن يقوى عليك أحد ‪ ،‬ولكن يا‬
‫سحرة فرعون يا من قلتم بعزة‬
‫فرعون إنا لنحن الغالبون ‪ ،‬أنتم‬
‫الذي خررتم سجدا ً‪١‬توىس وقلتم ‪:‬‬
‫آمنَّا بِ َر ِ ّب العا‪١‬تُت * َر ِ ّب‬
‫{ قَالُوا ْ َ‬
‫ون } ػ الشعراء ‪:‬‬ ‫موىس َو َه ُار َ‬
‫‪] 48-47‬‬
‫ولم تنفعكم عزة فرعون؛ ألهنا‬
‫عزة باإلثم ‪ ،‬لقد جاءت العزة با‪ٟ‬تق‬
‫فغلبت العزة باإلثم ‪ .‬لذلك يبُت لنا‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن العزة حىت ال‬
‫تكون باإلثم ‪٬ ،‬تب أن تكون عَل‬
‫الكافر باهلل ‪ ،‬وتكون ذلة عَل ا‪١‬تؤمن‬
‫باهلل ‪ { .‬أ َ ِذل َّ ٍة عََلَ ا‪١‬تؤمنُت أ َ ِع َّز ٍة عََلَ‬
‫الكافرين } ػ ا‪١‬تائدة ‪] 54 :‬‬
‫َآء عََلَ‬ ‫َِ‬
‫وكذلك قوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أش ّد ُ‬
‫آء بَؼْن َ ُه ْم } ػ الفتح ‪:‬‬
‫‪ٛ‬ت ُ‬
‫الكفار ُر َ َ‬
‫‪] 29‬‬
‫وهذا دليل العزة با‪ٟ‬تق ‪ ،‬وعبلمتها‬
‫أهنا ساعة تغلب تكون يف منتىه‬
‫االنكسار ‪ ،‬ولنا القدوة يف سيدنا‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم ‪،‬‬
‫وهو الذي خرج من مكة ألنه لم‬
‫يستطع أن ٭تمي الضعفاء من‬
‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬وبعد ذلك يعود إىل مكة‬
‫فاٖتا ًبنصر اهلل ‪ ،‬ويدخل مكة‬
‫ورأسه ينحٍت من التواضع هلل حىت‬
‫يكاد أن ٯتس قربوس سرج دابته ‪،‬‬
‫تلك هي القوة ‪ ،‬وهي عَل عكس‬
‫العزة باإلثم اليت إن غلبت تطىغ ‪،‬‬
‫إ‪٪‬تا العزة باإلثم اليت إن غلبت‬
‫تطىغ ‪ ،‬إ‪٪‬تا العزة با‪ٟ‬تق إن غلبت‬
‫تتواضع ‪.‬‬
‫{ َوإِذَا قِ َ‬
‫يل ل َ ُه اتق اهلل أ َ َخ َذتْ ُه العزة‬
‫باإلثم } أي أن األنفة والكُبياء‬
‫مقرونة باإلثم ‪ ،‬واإلثم هو‬
‫ا‪١‬تخالف للمأمور به من ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ { ،‬فَ َح ْسب ُ ُه َجهَنَّ ُم‬
‫َولَبِػ َْس ا‪١‬تهاد } ‪ .‬أي عزة هذه اليت‬
‫تقود يف النهاية إىل النار؟ إهنا لؼست‬
‫عزة ‪ ،‬ولكنها ذلة ‪ ،‬فبل خَت يف عمل‬
‫بعده النار ‪ ،‬وال شر يف عمل بعده‬
‫ا‪ٞ‬تنة ‪ .‬فإن أردت أن تكون عزيزا ً‬
‫فتأمل عاقؽتك وإىل أين ستذهب؟‬
‫{ فَ َح ْسب ُ ُه } أي يكفيه هذا‬
‫فضيحة لعزته باإلثم ‪ ،‬وأما كلمة «‬
‫مهاد » فمعناها شيء ‪٦‬تهد و ُموطأ ‪،‬‬
‫أي مريح يف ا‪ٞ‬تلوس والسَت‬
‫واإلقامة ‪ .‬ولذلك يسمون فراش‬
‫الطفل ا‪١‬تهد ‪ .‬وهل ا‪١‬تهاد بهذه‬
‫الصورة يناسب العذاب؟ نعم‬
‫يناسبه ٘تاما ً؛ ألن الذي ‪٬‬تلس يف‬
‫ا‪١‬تهاد ال إرادة له يف أن ٮترج منه ‪،‬‬
‫كالطفل فبل قوة له يف أن يغادر‬
‫فراشه ‪ .‬إذن فهو قد فقد إرادته‬
‫وسيطرته عَل أبعاضه ‪ .‬فإن كان‬
‫ا‪١‬تهاد بهذه الصورة يف النار فهو‬
‫بػس ا‪١‬تهاد ‪ .‬هذا لون من الناس‬
‫ويف ا‪١‬تقابل يعطؼنا سبحانه لونا ً‬
‫آخر من الناس فيقول سبحانه ‪{ :‬‬
‫َو ِم َن الناس َمن ي َ ْش ِري ن َ ْف َس ُه ابتغآء‬
‫ات اهلل ‪} . . .‬‬‫َم ْر َض ِ‬

‫َو ِم َن النَّ ِ‬
‫اس َم ْن ي َ ْش ِري ن َ ْف َس ُه ابْتِغَاءَ‬
‫وف بِالْعِبَا ِد‬ ‫ات َ ِ‬‫ِ‬
‫اّلل َر ُء ٌ‬
‫اّلل َو ّ َُ‬‫َم ْر َض ّ‬
‫(‪)207‬‬
‫واهلل سبحانه وتعاىل ساعة‬
‫يستعمل كلمة « يشري » ‪٬‬تب أن‬
‫أنه من األفعال اليت‬
‫نبلحظ ا‬
‫تستخدم يف الشيء ومقابله ‪ ،‬ف «‬
‫شرى » يعٍت أيضا « باع » ‪ .‬إذن ‪،‬‬
‫كلمة « شرى » ‪٢‬تا معنيان ‪ ،‬واقرأ‬
‫إن شئت يف سورة يوسف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫{ َو َش َر ْو ُه بِث َ َمنٍ َٓت ْ ٍس } ػ يوسف ‪:‬‬
‫‪] 20‬‬
‫أي باعوه بثمن رخيص ‪ .‬وتأيت‬
‫أيضا ٔتعٌت اشًتى ‪ ،‬فالشاعر‬
‫العرّب القديم عنًتة ابن شداد‬
‫يقول ‪:‬‬
‫فخاض غمارها وشرى وباعا‪. ...‬‬
‫إذن « شرى » لغة ‪ُ ،‬تستعمل يف‬
‫معنيُت ‪ :‬إما أن تكون ٔتعٌت « باع‬
‫» ‪ ،‬وإما أن تكون ٔتعٌت « اشًتى »‬
‫‪ ،‬والسياق والقرينة ‪٫‬تا اللذان‬
‫٭تددان ا‪١‬تعٌت ا‪١‬تقصود منهم فقول‬
‫عنًتة ‪ « :‬شرى وباع » نفهم أن‬
‫ا‪١‬تقصود من « شري » هنا هو «‬
‫اشًتى » ‪ ،‬ألهنا مقابل « باع » ‪،‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ { :‬و َش َر ْو ُه بِث َ َمنٍ َٓت ْ ٍس‬
‫} ػ يوسف ‪] 20 :‬‬
‫يوضحه سياق اآلية بأهنم باعوه ‪.‬‬
‫وهذا من عظمة اللغة العربية ‪ ،‬إهنا‬
‫لغة تريد أناسا ًيستقبلون اللفظ‬
‫بعقل ‪ ،‬و‪٬‬تعلون السياق يتحكم يف‬
‫فهمهم للمعاين ‪.‬‬
‫{ َو ِم َن الناس َمن ي َ ْش ِري ن َ ْف َس ُه }‬
‫ونفهم « يشري » هنا ٔتعٌت يؽيع‬
‫نفسه ‪ ،‬والذي يؽيع نفسه هو الذي‬
‫يفقدها ٔتقابل ‪ .‬واإلنسان عندما‬
‫يفقد نفسه فهو يضحي بها ‪،‬‬
‫وعندما تكون التضحية ابتغاء‬
‫مرضاة اهلل فهي الشهادة يف سؽيله‬
‫عز وجل ‪ ،‬كأنه باع نفسه وأخذ‬
‫مقابلها مرضاة اهلل ‪ .‬ومثل ذلك‬
‫قوله تعاىل ‪ { :‬إ َِّن اهلل اشًتى ِم َن‬
‫ا‪١‬تؤمنُت أ َ ُنف َس ُه ْم } ػ التوبة ‪:‬‬
‫‪] 111‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق يعطيهم ا‪ٞ‬تنة مقابل‬
‫أنفسهم وأموا‪٢‬تم ‪ .‬إذن فقوله ‪{ :‬‬
‫َو ِم َن الناس َمن ي َ ْش ِري ن َ ْف َس ُه ابتغآء‬
‫ات اهلل } يعٍت باع نفسه‬ ‫َم ْر َض ِ‬
‫وأخذ ا‪ٞ‬تنة مقاببل ً‪٢‬تا ‪ ،‬هذا إذا كان‬
‫معٌت« يشري » هو باع ‪.‬‬
‫وماذا يكون ا‪١‬تعٌت إذا كانت ٔتعٌت‬
‫اشًتى؟ هنا نفهم أنه اشًتى‬
‫نفسه ٔتعٌت أنه ضٌق بكل شيء يف‬
‫سؽيل أن تسلم نفسه اإلٯتانية ‪.‬‬
‫ومن العجب أن هذه اآلية قيل يف‬
‫سبب نزو‪٢‬تا ما يؤكد أهنا ٖتتمل‬
‫ا‪١‬تعنيُت ‪ ،‬معٌت « باع » ومعٌت «‬
‫اشًتى » فها هو ذا أبو يحىي الذي هو‬
‫صهيب بن سنان الرومي كان يف‬
‫مكة ‪ ،‬وقد كُب سنه ‪ ،‬وأسلم وأراد‬
‫أن يهاجر ‪ ،‬فقال له الكفار ‪ :‬لقد‬
‫جئت مكة فقَتا ًوآويناك إىل‬
‫جوارنا وأنت اآلن ذو مال كثَت ‪،‬‬
‫وتريد أن ْتاجر ٔتالك ‪.‬‬
‫فقال ‪٢‬تم ‪ :‬أإذا خليت بؼنكم وبُت‬
‫مايل أأنتم تاركوين؟‬
‫فقالوا ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬تضمنون يل راحلة ونفقة إىل‬
‫أن أذهب إىل ا‪١‬تدينة؟‬
‫قالوا ‪ :‬لك هذا ‪.‬‬
‫إنه قد شرى نفسه بهذا السلوك‬
‫واسؾبقاها إٯتانيا ًبثروته ‪ ،‬فلما‬
‫ذهب إىل ا‪١‬تدينة لقيه أبو بكر‬
‫وعمر فقاال له ‪ :‬ربح الؽيع يا أبا ٭تِت‬
‫‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأربح اهلل كل ٕتارتكم ‪.‬‬
‫وقال له سيدنا أبو بكر وسيدنا‬
‫عمر ‪ :‬إن رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم أخُبنا أن جُبيل أخُبه‬
‫بقصتك ‪ ،‬ويروي أن الرسول صَل‬
‫اهلل عليه وسلم قال له ‪ :‬ربح الؽيع‬
‫أبا ٭تِت ‪.‬‬

‫إذن معٌت اآلية وفق هذه القصة ‪:‬‬


‫أنه اشًتى نفسه ٔتاله ‪ ،‬وسياق‬
‫اآلية يتفق مع ا‪١‬تعٌت نفسه ‪ .‬وهذه‬
‫من فوائد األداء القرآين حيث‬
‫اللفظ الواحد ٮتدم معنيُت‬
‫متقابلُت ‪.‬‬
‫ولكن إذا كان ا‪١‬تعٌت أنه باعها‬
‫فلذلك قصة أخرى ‪ ،‬ففي غزوة‬
‫بدر ‪ ،‬وهي أول غزوة يف اإلسبلم ‪،‬‬
‫وكان صناديد قريش قد ‪ٚ‬تعوا‬
‫أنفسهم ‪١‬تحاربة ا‪١‬تسلمُت يف هذه‬
‫الغزوة ‪ ،‬و٘تكن ا‪١‬تسلمون من قتل‬
‫بعض هؤالء الصناديد ‪ ،‬وأسروا‬
‫منهم كثَتين أيضا ‪ ،‬وكان ِ‪٦‬ت َّ ْن‬
‫قتلوا يف هذه الغزوة واحد من‬
‫صناديد قريش هو أبو عقبة ا‪ٟ‬تارث‬
‫بن عامر والذي قتله هو صحاّب‬
‫ا‪ٝ‬ته خؽيب بن عدي األنصاري‬
‫األوسي ‪ ،‬وهو من قؽيل األوس‬
‫با‪١‬تدينة ‪ ،‬وبعد ذلك مكر بعض‬
‫الكفار فأرسلوا إىل رسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم وقالوا ‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل ‪ ،‬إننا قد أسلمنا ‪ ،‬ونريد أن‬
‫ترسل إلؼنا قوما ليعلمونا اإلسبلم ‪.‬‬
‫فأرسل ‪٢‬تم رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم عشرة من أصحابه‬
‫ليعلموهم القرآن ‪ ،‬فغدر الكافرون‬
‫بهؤالء العشرة فقتلوهم إال خؽيب‬
‫بن عدي ‪ ،‬استطاع أن يفر ْتياته‬
‫ومعه صحاّب آخر ا‪ٝ‬ته زيد بن‬
‫ال ّدَثِنّة ‪ ،‬لكن خبؼبا ًوقع يف األسر‬
‫وعرف الذين أسروه أنه هو الذي‬
‫قتل أبا عقبة ا‪ٟ‬تارث يف غزوة بدر ‪،‬‬
‫فباعوه البن أّب عقبة ليقتله مقابل‬
‫أبيه ‪ ،‬فلم يشأ أن يقتله وإ‪٪‬تا صلبه‬
‫حيا ً‪ ،‬فلما تركه مصلوبا ًعَل‬
‫ا‪٠‬تشبة ‪ ،‬قال رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم وهو يف ا‪١‬تدينة ‪ :‬من‬
‫يزنل خبؼبا عن خشؽته وله ا‪ٞ‬تنة؟‬
‫قال الزبَت ‪ :‬أنا يا رسول اهلل ‪.‬‬
‫وقال ا‪١‬تقداد ‪ :‬وأنا معه يا رسول‬
‫اهلل ‪.‬‬
‫فذهبا إىل مكة فوجدا خبؼبا ًعَل‬
‫ا‪٠‬تشبة وقد مات وحوله أربعون من‬
‫قريش ٭ترسونه ‪ ،‬فانتهزا منهم‬
‫غفلتهم وذهبا إىل ا‪٠‬تشبة وانتزعا‬
‫خبؼبا ًوأخذاه ‪ ،‬فلما أفاق القوم لم‬
‫‪٬‬تدوا خبؼبا ًفقاموا يتؾبعون األثر‬
‫ليلحقوا ٔتن خطفوه ‪ ،‬فرآهم‬
‫الزبَت ‪ ،‬فألىق خبؼبا ًعَل األرض ‪،‬‬
‫ثم نظر إليه فإذا باألرض تؽتلعه‬
‫فس ىم بليع األرض ‪ .‬وبعد ذلك‬
‫التفت إليهم ونزع عمامته اليت‬
‫كان يتخىف وراءها وقال ‪ :‬أنا الزبَت‬
‫بن العوام ‪ ،‬أمي صفية بنت عبد‬
‫ا‪١‬تطلب ‪ ،‬وصاحبي ا‪١‬تقداد ‪ ،‬فإن‬
‫شػتم فاضلتكم يعٍت يفاخر كل منا‬
‫بنفسه وإن شػتم نازلتكم يعٍت‬
‫قاتلتكم وإن شػتم فانصرفوا ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬ننصرف ‪ ،‬وانصرفوا ‪ ،‬فلما‬
‫ذهب الزبَت وا‪١‬تقداد إىل رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم بشرهم باًفنة‬
‫اليت صار إليها خؽيب ‪.‬‬
‫إذن فقد باع خؽيب نفسه با‪ٞ‬تنة ‪.‬‬
‫وعَل ذلك فإن ذهبت بسبب نزول‬
‫اآلية إىل أّب ٭تِت صهيب بن سنان‬
‫الرومي تكون « شرى » ٔتعٌت‬
‫اشًتى ‪ ،‬وإن ذهبت بسبب الزنول‬
‫إىل خؽيب فتكون ٔتعٌت ‪ :‬باع ‪.‬‬

‫وهكذا ‪٧‬تد أن اللفظ الواحد يف‬


‫القرآن الكريم ٭تتمل أكثر من‬
‫واقع ‪.‬‬
‫وخؽيب بن عدي هذا قالت فيه‬
‫ماويّة ابنة الرجل الذي اشًتاه‬
‫ليعطيه لعقبة ليقتله مقابل أبيه ‪،‬‬
‫قالت ‪ :‬واهلل لقد رأيت خبؼبا ًيأكل‬
‫قطفا من العنب كرأس اإلنسان!‬
‫وواهلل ما يف مكة حائط بستان وال‬
‫عنب وإ‪٪‬تا هو رزق ساقه اهلل له ‪.‬‬
‫و‪١‬تا جاءوا ليقتلوه قال ‪ :‬أنظروين‬
‫أصل ركعتُت ‪ .‬فصَل ركعتُت‬ ‫ِّ‬
‫ونظر إىل القوم وقال ‪ :‬واهلل لوال أين‬
‫أخاف أن تقولوا إنه زاد يف الصبلة‬
‫لكي نبطئ بقتله لزدت ‪ .‬وقال قبل‬
‫أن يقتلوه ‪ :‬اللهم أحصهم عددا ً‪،‬‬
‫واقتلهم بددا ً‪ ،‬وال تبق منهم أحدا ً‪.‬‬
‫ثم هتف وقال ‪:‬‬
‫ولست أبايل حُت أقتل مسلما ً‪...‬‬
‫عَل أي جنب كان يف اهلل مصرعي‬
‫وكان ذلك آخر ما قاله ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬واهلل َر ُؤ ٌ‬
‫وف بالعباد‬
‫} وما العبلقة بُت ما سبق وبُت‬
‫رءوف بالعباد؟ مادام اهلل رءوفا ً‬
‫بالعباد فلم يشأ اهلل أن ‪٬‬تعل ذلك‬
‫أمرا ًكليا ًيف كل مسلم ‪ ،‬وإ‪٪‬تا جعلها‬
‫فلتات لتؿبت صدق القضية‬
‫اإلٯتانية ‪ ،‬ألنه ال يريد أن يضحي‬
‫كل ا‪١‬تسلمُت بأنفسهم ‪ ،‬وإ‪٪‬تا‬
‫يريد أن يسؾبقي منا أناسا ً٭تملون‬
‫الدعوة ‪.‬‬
‫وبعد أن عرض ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫أصناف الناس الذين يستقبلون‬
‫الدعوة كفرا ًونفاقا ً‪ ،‬و َم ْن يقابلهم‬
‫‪٦‬تن يستقبلوهنا إٯتانا ًخالصا ً‪ ،‬نادى‬
‫‪ٚ‬تيع ا‪١‬تؤمنُت فقال ‪ { :‬ياأيها‬
‫الذين آ َم ُنوا ْادخلوا ِيف السلم كَآفَّةً‬
‫وال َتَؾَّبِ ُعوا ْ ُخ ُطو ِ‬
‫ات الشيطان إِن ّ َُه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُت }‬‫ل َ ُك ْم ع َ ُد ٌّو ُّمبِ ٌ‬
‫يَا أَيُّهَا ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا ادْ ُخلُوا ِيف ِ‬
‫السل ْ ِم‬
‫ّ‬
‫ان‬ ‫كَافَّةً و َال تَؾَّبِ ُعوا ُخ ُطو ِ‬
‫ات ال َّشي ْ َط ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُت (‪)208‬‬ ‫إِن ّ َُه ل َ ُك ْم ع َ ُد ٌّو ُمبِ ٌ‬
‫تبدأ اآلية بنداء الذين آمنوا باهلل‬
‫وكأنه يقول ‪٢‬تم ‪ :‬يا َم ْن آمنتم ّب‬
‫استمعوا ‪ٟ‬تديثي ‪ .‬فلم يكلف اهلل‬
‫من لم يؤمن به وإ‪٪‬تا خاطب الذين‬
‫أحبوه وآمنوا به ‪ ،‬وماداموا قد أحبوا‬
‫اهلل فبلبد أن يتجه كل مؤمن إىل من‬
‫٭تبه؛ ألن اهلل لن يعطيه إال ما‬
‫يسعده ‪.‬‬
‫إسعاد ‪١‬تن‬
‫إذن فالتكليف من اهلل ٌ‬
‫أحب ‪ { ،‬ياأيها الذين آ َم ُنوا ْادخلوا‬
‫ِيف السلم كَآ َّفةً} ‪ ،‬وكلمة « يف »‬
‫ُتفيد الظرفية ‪ ،‬ومعٌت الظرفية أن‬
‫شؼئا ٭تتوي شؼئا ‪ ،‬مثال ذلك‬
‫الكوب الذي ٭تتوي ا‪١‬تاء فنقول ‪« :‬‬
‫ا‪١‬تاء يف الكوب » ‪ ،‬وكذلك ا‪١‬تسجد‬
‫٭تتوي ا‪١‬تصلُت فنقول ‪ « :‬ا‪١‬تصلون‬
‫يف ا‪١‬تسجد » ‪.‬‬
‫والظرفية تدل عَل إحاطة الظرف‬
‫با‪١‬تظروف ‪ ،‬ومادام الظرف قد‬
‫أحاط با‪١‬تظروف إذن فبل جهة‬
‫يفلت منها ا‪١‬تظروف من الظرف ‪.‬‬
‫ولذلك يعطؼنا ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫صورة التمكن من مسألة الظرفية‬
‫عندما يقول ‪َ { :‬وأل َُصلِ ّؽَنَّ ُك ْم ِيف‬
‫ُج ُذو ِع النخل } ػ طه ‪] 71 :‬‬
‫إن الصلب دائما ًيكون عَل شيء ‪،‬‬
‫وتشاء اآلية الكرٯتة أن تشرح لنا‬
‫كيف ٯتكن أن يكون الصلب‬
‫متمكنا ًمن ا‪١‬تصلوب ‪ .‬فأنت إذا‬
‫أردت أن تصلب شؼئا ًعَل شيء‬
‫فأنت تربطه عَل ا‪١‬تصلوب عليه ‪،‬‬
‫فإذا ما بالغت يف ربطه كأنك‬
‫أدخلت ا‪١‬تصلوب داخل ا‪١‬تصلوب‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ومثال ذلك ‪ ،‬هات عود كُبيت‬
‫وضعه عَل إصبعك ثم اربطه بخيط‬
‫ربطا جيدا ً‪ ،‬ستبلحظ أن العود قد‬
‫غاص يف جلدك ‪ .‬وا‪ٟ‬تق يقول ‪{ :‬‬
‫ادخلوا ِيف السلم كَآ َّفةً} ِ‬
‫والسلْم‬
‫ّ‬
‫والسلَم هو اإلسبلم ‪،‬‬
‫والسل ْ ُم َّ‬
‫َّ‬
‫فا‪١‬تادة كلها واحدة؛ ألن السلم ضد‬
‫ا‪ٟ‬ترب ‪ ،‬واإلسبلم جاء لؼنهي‬
‫ا‪ٟ‬ترب بؼنك وبُت الكون الذي‬
‫تعؼش فيه لصا‪ٟ‬تك ولصاٌف الكون‬
‫ولتون يف سبلم مع اهلل ويف سبلم مع‬ ‫ك‬
‫الكون ‪ ،‬ويف سبلم مع الناس ‪ .‬ويف‬
‫سبلم مع نفسك ‪.‬‬
‫قوله ‪ { :‬ادخلوا ِيف السلم } معناه‬
‫حىت يكؾنفكم السلم ‪ .‬إن اهلل هو‬
‫اإلله ا‪٠‬تالق للكون والبد أن تعيشوا‬
‫يف سبلم معه؛ ألنكم ال تؤمنون إال‬
‫به إ‪٢‬تا ًواحدا ً‪ .‬فيجب علؼنا أن‬
‫نعؼش مع األرض والسماء والكون‬
‫يف سبلم؛ ألن الكون ا‪٠‬تاضع‬
‫ا‪١‬تقهور ا‪١‬تسخر الذي ال ٯتلك أن‬
‫ٮترج عما ُرسم له يعمل ‪٠‬تدمتك‬
‫وال يعاندك ‪.‬‬
‫واإلنسان حُت يكون طائعا ًيُ َس ّر‬
‫به كل شيء يف الوجود؛ ألن الوجود‬
‫طائع و ُمسبِ ّح ‪ ،‬فساعة ‪٬‬تد اإلنسان‬
‫ُمسبِ ّحا ًمثله يُ َس ّر به ألنه يف سبلم‬
‫مع الكون ‪ .‬وأنت يف سبلم مع‬
‫نفسك؛ ألن لك إرادة ‪ ،‬وهذه‬
‫اهلل ‪٢‬تا كل جوارحك ‪،‬‬ ‫قه‬
‫اإلرادة َ َ َر ُ‬
‫والذي تريده من أي عضو يفعله‬
‫لك ‪ ،‬لكن هل يرَض أي عضو ّ‬
‫عما‬
‫تأمره به؟ تلك مسألة أخرى ‪ ،‬مثبل ً‬
‫‪ ،‬لسانك ينفعل بإرادتك ‪ ،‬فتقول‬
‫به ‪ « :‬ال إله إال اهلل » وقال به غَتنا‬
‫من ا‪١‬تشركُت غَت ذلك ‪ ،‬وأشركوا‬
‫مع اهلل بشرا ًوغَت بشر يعبدوهنم‬
‫وقال ا‪١‬تلحدون بألسنتهم والعياذ‬
‫باهلل ‪ « :‬ال إله يف الكون » ولم‬
‫يعص اللسان أحدا ًمن هؤالء ألنه‬
‫مقهور إلرادْتم ‪.‬‬

‫وتنتهي إرادة اإلنسان عَل لسانه‬


‫وعَل ‪ٚ‬تيع جوارحه يوم القيامة‬
‫فيشهد عليه كما تشهد عليه سائر‬
‫أعضائه ‪ :‬األرجل ‪ ،‬واأليدي ‪،‬‬
‫والعيون ‪ ،‬واآلذان ‪ ،‬وكل عضو يقر‬
‫ٔتا كان يفعل به ‪ ،‬ألنه ال سيطرة‬
‫لئلنسان عَل تلك األبعاض يف هذا‬
‫اليوم ‪ .‬إ‪٪‬تا السيطرة كلها للخالق‬
‫األعَل ‪.‬‬
‫{ ِ ّ‪١‬ت َ ِن ا‪١‬تلك اليوم ِ َ ِ‬
‫ّلل الواحد‬ ‫ّ‬
‫القهار } ‪ .‬وا‪ٟ‬تق حُت ينادي‬
‫ا‪١‬تؤمنُت بأن يدخلوا يف السلم كافة‬
‫فا‪١‬تعٌت ٭تتمل أيضا أن ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل ٮتاطب ا‪١‬تسلمُت‬
‫أال يأخذوا بعضا ًمن الدين ‪،‬‬
‫ويًتكوا البعض اآلخر ‪ ،‬فيقول ‪٢‬تم‬
‫‪ :‬خذوا اإلسبلم كُله وطبقوه كامبلً؛‬
‫ألن اإلسبلم ٯتثل بناء له أسس‬
‫معلومة ‪ ،‬وقواعد واضحة ‪ ،‬فبل‬
‫٭تاول أحد أن يأخذ شؼئا ًمن حكم‬
‫بعيدا ًعن حكم آخر ‪ ،‬وإال ‪ٟ‬تدث‬
‫ا‪٠‬تلل ‪.‬‬
‫وعَل سؽيل ا‪١‬تثال قد ٕتد خبلفا ًبُت‬
‫الزوج والزوجة ‪ ،‬وقد يؤدي‬
‫ا‪٠‬تبلف إىل معارك وطبلق ‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك ‪٧‬تد من يتهم اإلسبلم بأنه‬
‫أعىط الرجل سيفا ًمسلطا ًعَل ا‪١‬ترأة‬
‫‪ .‬ونقول ‪٢‬تم ‪ :‬و‪١‬تاذا تتهمون‬
‫اإلسبلم؟ هل دَ َخل ْ َت عَل الزواج‬
‫ٔتنطق اإلسبلم؟ ‪ .‬إن كنت قد‬
‫دخلت عَل الزواج ٔتنطق اإلسبلم‬
‫فستجد القواعد ا‪١‬تنظمة واليت‬
‫ٖتفظ للمرأة كرامتها ‪ ،‬ولكن‬
‫هناك َم ْن يدخل عَل الزواج بغَت‬
‫منطق اإلسبلم ‪ ،‬فلما وقع يف األزمة‬
‫راح ينادي اإلسبلم ‪ .‬هل اختار‬
‫الرجل َم ْن تشاركه حياته ٔتقياس‬
‫الدين؟ وهل وضع نُصب عينيه‬
‫شروط اخؾيار الزوجة الصا‪ٟ‬تة اليت‬
‫جاءت يف ا‪ٟ‬تديث الشريف ‪:‬‬
‫عن أّب هريرة رضي اهلل عنه عن‬
‫النبي صَل اهلل عليه وسلم قال ‪« :‬‬
‫تنكح ا‪١‬ترأة ألربع ‪١ :‬تا‪٢‬تا ‪ ،‬و‪ٟ‬تسبها‬
‫‪ ،‬و‪ٞ‬تما‪٢‬تا ‪ ،‬ولدينها ‪ ،‬فاظفر بذات‬
‫الدين تربت يداك » ‪.‬‬
‫فضل الرجل ذات الدين عَل‬ ‫هل ّ‬
‫سواها؟ أم فضل مقياسا ًآخر؟ ‪.‬‬
‫وعندما جاء رجل ليخطب ابنة من‬
‫أبيها هل وضع األب مقايؼس‬
‫اإلسبلم يف االعؾبار عند موافقته‬
‫عَل هذا الزواج؟ هل فضلتم َم ْن‬
‫ترضون دينه وخل ُ ُقه؟ أم تركتم‬
‫تلك القواعد ‪ .‬أنت تركت قواعد‬
‫اإلسبلم فلماذا تلوم اإلسبلم عند‬
‫سوء النتائج والعواقب؟ ‪.‬‬
‫إنك إن أردت أن ٖتاسب فبل دبأن‬
‫تأخذ كل أمورك ٔتقايؼس‬
‫اإلسبلم ‪ ،‬ثم تصرف ٔتا يناسب‬
‫اإلسبلم ‪ .‬فإن كنت كذلك‬
‫فاإلسبلم ٭تميك من كل شيء ‪.‬‬
‫فاإلسبلم يساند القوي يف الكون‬
‫ويساند ال ُق َوى يف النفس ْتيث‬
‫تعؼش يف سبلم وال تتعاند؛ ألن كل‬
‫ذلك يقابله ا‪ٟ‬ترب ‪ .‬وا‪ٟ‬ترب إ‪٪‬تا‬
‫تنشأ من تعاند القوي ‪ ،‬فؾتعاند‬
‫قوى نفسك يف حرب مع نفسك ‪،‬‬
‫وتتعاند قوى البشر يف حرب مع‬
‫البشر ‪ ،‬وتتعاند قواك مع قوى‬
‫الكون األخرى ‪ ،‬فأنت تعاند‬
‫الطؽيعة وتعاند مع ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل ‪.‬‬
‫إذن فالتعاند ينشأ منه ا‪ٟ‬ترب ‪،‬‬
‫وا‪ٟ‬ترب ال تنشأ إال إذا اختلفت‬
‫األهواء ‪ .‬وأهواء البشر ال ٯتكن أن‬
‫تلتقي إال عندما تكون ‪٤‬تروسة‬
‫بقيم َم ْن ال هوى له ‪ ،‬ولذلك يقول‬
‫اهلل عز وجل ‪:‬‬

‫{ َول َ ِو اتبع ا‪ٟ‬تق أ َ ْه َوآءَ ُه ْم ل َ َف َس َد ِت‬


‫السماوات واألرض َو َمن فِي ِه َّن }‬
‫ػ ا‪١‬تؤمنون ‪] 71 :‬‬
‫‪١‬تاذا؟ ‪ .‬دعك من الكون األصم‬
‫حولك ‪ ،‬أو دعك من الكون الذي ال‬
‫اخؾيار له يف أن يفعل أو ينفعل‬
‫لك؛ فهو فاعل أو منفعل لك بدون‬
‫اخؾيار منه ‪ ،‬ولكن انظر إىل البشر‬
‫من جنسك ‪ ،‬فما الذي ‪٬‬تعل هوى‬
‫إنسان يسيطر عَل أهواء غَته؟ ‪.‬‬
‫ما الذي زاده ذلك اإلنسان حىت‬
‫تكون أنت تابعا ًله؟ أو يكون تابعا ً‬
‫لك؟ ‪ .‬ويف قانون الؾبعية ال ٯتكن‬
‫إال أن يكون التابع مؤمنا ًبأن‬
‫ا‪١‬تؾبوع أعَل منه ‪ ،‬وال ٯتكن لبشر‬
‫أن توجد عنده هذه الفوقية أبدا ً ‪.‬‬
‫لذلك البد للبشر ‪ٚ‬تيعا ًأن يكونوا‬
‫تبعا ًلقوة آمنوا بأهنا فوقهم ‪ٚ‬تيعا ً‪.‬‬
‫فحُت نؤمن ندخل يف السلم ‪ ،‬وال‬
‫يوجد تعاند بُت أي قوى وقوة‬
‫أخرى؛ ألين لست خاضعا ًلك ‪،‬‬
‫وأنت لست خاضعا ًيل ‪ ،‬وأنا وأنت‬
‫مسلمون لقوة أعَل مٍت ومنك ‪،‬‬
‫ويشًتط يف القوة اليت نؾبعها‬
‫طائعُت أال يكون ‪٢‬تا مصلحة فيما‬
‫تشرع ‪.‬‬
‫إن ا‪١‬تشرعُت من البشر يراعون‬
‫مصا‪ٟ‬تهم حُت يشرعون ‪،‬‬
‫فمشرع الشيوعية يضع تشريعه‬
‫ضد الرأ‪ٝ‬تالية ‪ ،‬ومشرع‬
‫الرأ‪ٝ‬تالية يضع تشريعه ضد‬
‫الشيوعية ‪ ،‬لكن عندما يكون‬
‫ا‪١‬تشرع غَت منتفع ٔتا يشرع ‪،‬‬
‫تريع ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬ ‫فهذا هو ش‬
‫‪.‬‬
‫وحُت ندخل يف اإلسبلم ندخل‬
‫‪ٚ‬تيعا ًال يشذ منا أحد ‪ ،‬ذلك معٌت {‬
‫ادخلوا ِيف السلم كَآ َّفةً} ‪ ،‬هذا معٌت‬
‫وارد ‪ ،‬وهناك معٌت آخر وارد أيضا‬
‫وهو ادخلوا يف السلم أي اإلسبلم‬
‫ّتميع تكاليفه ْتيث ال تًتكوا تكليفا ً‬
‫يشذ منكم ‪.‬‬
‫وحُت يأيت ا‪١‬تعٌت األول فؤلننا لو لم‬
‫ندخل يف السلم ‪ٚ‬تيعا ًلشقي الذين‬
‫يُسلمون بالذين ال يُسلمون؛ ألن‬
‫الذي يُسلم سيهذب سلوكه‬
‫بالنسبة لآلخرين ‪ ،‬ويكون نفع‬
‫ا‪١‬تسلم لسواه ‪ ،‬ويشىق ا‪١‬تسلم بعد‬
‫إسبلم من لم يسلم ‪ ،‬فمن‬
‫مصلحؾنا ‪ٚ‬تيعا ًأن نكون ‪ٚ‬تيعا ً‬
‫مسلمُت ‪ .‬والذين ال يدركون هذه‬
‫يفرون قول اهلل تعاىل ‪{ :‬‬ ‫ا‪ٟ‬تقيقة س‬
‫ال َي َ ُض ُّر ُك ْم َّمن َض َّل إِذَا اهتديتم }‬
‫ػ ا‪١‬تائدة ‪] 105 :‬‬
‫عَل غَت ظاهرها ‪ ،‬فمن ِض ْمن‬
‫روا من لم يؤمن‬ ‫تبص‬
‫هدايتكم أن ُ َ ّ ُ‬
‫بأن يؤمن؛ ألن مصلحتكم أن‬
‫تسلموا ‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬فإذا أسلمت أنت‬
‫فسيعود إسبلمك عَل الغَت؛ ألن‬
‫سلوكك سيصبح مستقيما ً ا ً‬
‫مهذب‪،‬‬
‫والذي لم يسلم سيصبح سلوكه‬
‫غَت مستقيم وغَت مهذب ‪،‬‬
‫وستشىق أنت به ‪ .‬إذن فمن‬
‫مصلحتك أن تقضي وقتا ًطويبل ً‬
‫وتتحمل عناء كبَتا ًيف أن تدعو‬
‫غَتك ليدخل يف اإلسبلم ‪ .‬وإياك‬
‫أن تقول ‪ :‬إن ذلك يضيع عليك‬
‫فرص ا‪ٟ‬تياة ‪ .‬ال إنه يضمن لك‬
‫فرص ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬ولن يضيع وقتك‬
‫ألنك ستح مي نفسك من شرور‬
‫غَت ا‪١‬تسلم ‪.‬‬
‫وأذكر جيدا ًأننا حُت تكلمنا يف‬
‫فاٖتة الكتاب قلنا ‪ :‬إن اهلل يُعلمنا‬
‫أن نقول ‪ { :‬إياك نعبد } فكلنا يا‬
‫رب نعبدك وسنسعد ‪ٚ‬تيعا بذلك‬
‫‪ ،‬واهدنا كلنا يا رب؛ ألنك إن‬
‫هديؾٍت وحدي فسؼستمتع غَتي‬
‫بهدايتك يل ‪ ،‬وأنا سوف أشىق‬
‫بضبلله ‪.‬‬

‫فمن مصلحتنا ‪ٚ‬تيعا ًأن نكون‬


‫مهديُت ‪ٚ‬تيعا ً‪.‬‬
‫هذا عَل معٌت { ادخلوا ِيف السلم‬
‫كَآ َّفةً} أي ‪ٚ‬تيعا ً‪ .‬أما معٌت قوله‬
‫تعاىل ‪ { :‬ال َي َ ُض ُّر ُك ْم َّمن َض َّل إِذَا‬
‫اهتديتم } أي ال تتحملون أوزار‬
‫ضبل‪٢‬تم إذا أمرتم با‪١‬تعروف‬
‫وهنؼتم عن ا‪١‬تنكر ‪ .‬أما ا‪١‬تعٌت الثاين‬
‫فادخلوا يف اإلسبلم ْتيث ال يشذ‬
‫منكم أحد ‪ .‬ويأخذ شؼئا وبعضا من‬
‫اإلسبلم ويًتك بعضا منه ‪ ،‬فأنت‬
‫تريد أن تؽٍت حياتك ‪ .‬ورسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم شرح أن‬
‫لئلسبلم أسسا ًهي األركان ا‪٠‬تمسة‬
‫‪ ،‬وإياك أن تأخذ ثبلثة أركان‬
‫وتًتك ركنُت؛ ألن هندسة‬
‫اإلسبلم مبنية عَل ‪ٜ‬تسة أركان ‪.‬‬
‫وقد قال يل أحد ا‪١‬تهندسُت ‪ :‬إننا‬
‫نستطيع أن ننشئ بنيانا ًعَل ثبلثة‬
‫أركان أو عَل أربعة أو عَل ‪ٜ‬تسة ‪.‬‬
‫فقلت له ‪ :‬ولكن حُت ٕتعل البنيان‬
‫عَل أربعة أركان ‪ ،‬وتوزيع األ‪ٛ‬تال‬
‫واألثقال عَل أربعة أسس ‪ ،‬هل‬
‫ٯتكنك حُت ُتنشئ أن ٕتعلها ثبلثة‬
‫أركان فقط؟ ‪ .‬قال ‪ :‬ال ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬إذن فالؽناء إ‪٪‬تا ينشأ من‬
‫البداية عَل األسس اليت تريدها ‪،‬‬
‫ولذلك فأنت توزع القوى عَل‬
‫ثبلثة أو أربعة أو ‪ٜ‬تسة من البداية‬
‫‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل شاء أن ‪٬‬تعل‬
‫أسس اإلسبلم ‪ٜ‬تسة ‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫يُؽ ْ ٌَت اإلسبلم ‪ ،‬وحُت يؽٌت اإلسبلم‬
‫فإياك أن تأخذ لؽنة من اإلسبلم‬
‫دون لؽنة ‪ ،‬بل يُؤخذ اإلسبلم كله ‪،‬‬
‫فالضرر الواقع يف العالم اإلسبلمي‬
‫إ‪٪‬تا هو ناتج من التلفيقات اليت‬
‫ٖتدث يف العالم ا‪١‬تسلم ‪ .‬تلك‬
‫التلفيقات اليت ٖتاول أن تأخذ‬
‫بعضا ًمن اإلسبلم وتًتك بعضا ‪،‬‬
‫وهذا هو السبب يف التعب والضرر؛‬
‫ألن اإلسبلم البد أن يؤخذ كله مرة‬
‫واحدة ‪ .‬إذن { ادخلوا ِيف السلم‬
‫كَآ َّفةً} يعٍت إياكم أن تًتكوا‬
‫حكما ًمن األحكام ‪ .‬إن الذي‬
‫يتعب ا‪١‬تنؾسبُت إىل الدين اآلن أننا‬
‫نريد أن نلفق حياة إسبلمية يف ببلد‬
‫تأخذ قوانؼنها من ببلد غَت إسبلمية‬
‫‪.‬‬
‫إذن حىت ننجح يف حياتنا ‪ ،‬فبلبد أن‬
‫نأخذ اإلسبلم كله ‪ .‬ولؤلسف فإن‬
‫كثَتا ًمن حكام الببلد ا‪١‬تسلمة ال‬
‫يأخذون من اإلسبلم إال آخر قوله‬
‫تعاىل ‪ { :‬أ َ ِط ُيعوا ْاهلل َوأ َ ِط ُيعوا ْ‬
‫الرسول َوأُ ْو ِيل األمر ِمن ْ ُك ْم } إهنم‬
‫يأخذون { َوأُ ْو ِيل األمر ِمن ْ ُك ْم }‬
‫ويًتكون { أ َ ِط ُيعوا ْاهلل َوأ َ ِط ُيعوا ْ‬
‫الرسول } ‪.‬‬
‫وأقوال ‪١ :‬تاذا تأخذون األخَتة‬
‫وتًتكون ما قبلها؟ إن اهلل لم ‪٬‬تعل‬
‫لويل األمر طاعة مستقلة بل قال ‪:‬‬
‫{ أ َ ِط ُيعوا ْاهلل َوأ َ ِط ُيعوا ْالرسول‬
‫َوأُ ْو ِيل األمر ِمن ْ ُك ْم } ليدل عَل أن‬
‫طاعة ويل األمر من باطن طاعة‬
‫اهلل وطاعة الرسول ‪ .‬فنحن ال نريد‬
‫تلفيقا ًيف اإلسبلم ‪ ،‬خذوه كامبل ً‪،‬‬
‫تسًت٭توا أنتم ونسًتيح ‪٨‬تن‬
‫معكم ‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق سْتانه وتعاىل يريد‬
‫بدعوتنا إىل دخول اإلسبلم أن‬
‫يعصم الناس من فؾنة اختبلف‬
‫أهوائهم فخفف ورفع عن خلقه ما‬
‫ٯتكن أن ٮتتلفوا فيه ‪ ،‬وتركهم‬
‫أحرارا ًيف أن يزاولوا مهمة‬
‫استنباط أسرار اهلل يف وجوده بالعلم‬
‫التجريبي كما ٭تبون ‪ ،‬فإن أرادوا‬
‫رقيا ًفليُعْ ِملُوا عقو‪٢‬تم ا‪١‬تخلوقة‬
‫هلل؛ يف الكون ا‪١‬تخلوق هلل ‪ ،‬بالطاقة‬
‫ا‪١‬تخلوقة هلل؛ لؼسعدوا أنفسهم‬
‫ويدفعوها إىل الريق ‪ ،‬وإن انتىه أحد‬
‫منهم إىل قضية كونية ‪ ،‬واكتشف‬
‫سرا ًمن األسرار يف الكون فهو لن‬
‫يقدم للناس جديدا ًيف ا‪١‬تنهج ‪،‬‬
‫وسيأخذ الناس هذا ا‪ٞ‬تديد وال‬
‫يعارضونه ‪.‬‬

‫إذن فمن ا‪١‬تمكن أن يسؾنبط‬


‫العلماء بعضا ًمن أسرار قضايا‬
‫الكون ا‪١‬تادية بوساطة العلم‬
‫التجريبي ‪ ،‬وهي أمور سؼتفق عليها‬
‫الناس ‪ ،‬ولكن البشر ٯتكن أن‬
‫ٮتتلفوا يف األمور النابعة من‬
‫أهوائهم؛ ألن لكل واحد هوى ‪،‬‬
‫وكل واحد يريد أن يؾبع هواه وال‬
‫يؾبع هوى اآلخرين ‪ ،‬وا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫يريد أن يعصمنا من األهواء لذلك‬
‫قال لنا ‪ { :‬ادخلوا ِيف السلم كَآ َّفةً}‬
‫أي ادخلوا يف كل صور اإلسبلم ‪،‬‬
‫حىت ال يأيت تناقض األهواء يف‬
‫ا‪١‬تجتمع ‪.‬‬
‫وكن أيها ا‪١‬تؤمن يف سلم مع نفسك‬
‫فبل يؾناقض لسانك مع ما يف قلبك ‪،‬‬
‫فبل تكن مؤمن اللسان كافر القلب‬
‫‪ .‬كن منسجما ًمع نفسك حىت ال‬
‫تعاين من صراع ا‪١‬تلكات ‪ .‬وأيضا ً‬
‫كن داخبل ًيف السبلم مع الكون‬
‫الذي تعؼش فيه ‪ ،‬مع السماء ‪ ،‬مع‬
‫األرض ‪ ،‬مع ا‪ٟ‬تيوان ‪ ،‬مع النبات ‪.‬‬
‫كن يف سلم مع كل تلك ا‪١‬تخلوقات‬
‫ألهنا ‪٥‬تلوقة مسخرة طائعة هلل ‪ ،‬فبل‬
‫تشذ أنت لتغضبها ُوٖتْ ِفظها عليك ‪.‬‬
‫كن منسجما ًمع الزمن أيضا ً‪ ،‬ألن‬
‫الزمن الذي يحدث فيه منك ما‬
‫ٮتالف منهج اهلل سيلعنك هو وا‪١‬تكان‬
‫‪ ،‬وإذا أردت أن تشيع سبلمك يف‬
‫الكون فعليك كما علمك الرسول‬
‫صَل اهلل عليه وسلم أن تسالم كل‬
‫الكون ‪ ،‬وكان الرسول صَل اهلل‬
‫عليه وسلم يشيع السبلم يف الزمان‬
‫وا‪١‬تكان ‪ ،‬وعَل سؽيل ا‪١‬تثال كان‬
‫صَل اهلل عليه وسلم أكثر الناس‬
‫صياما ًيف شعبان ‪ ،‬و‪١‬تا سأله‬
‫الصحابة عن هذا أخُبهم أن‬
‫شعبان شهر يهمله الناس ألنه بُت‬
‫رجب ‪ ،‬وهو من األشهر ا‪ٟ‬ترم‬
‫األربعة وبُت رمضان ‪ ،‬فأحب أن‬
‫٭تِت ذلك الشهر الذي يغفل عنه‬
‫الناس ‪ ،‬فكأن رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم أراد أن يسعد الزمان‬
‫بأن يشيع فيه لونا من العبادة فبل‬
‫‪٬‬تعله أقل من األزمنة األخرى ‪.‬‬
‫كذلك األمكنة تريد أن تسعد بك‬
‫‪ ،‬فكل األماكن تسعد بذكر اهلل‬
‫فيها ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه بعد أن أمرنا‬
‫‪ٚ‬تيعا ًبالدخول يف السلم بافعل وال‬
‫تفعل ‪ ،‬حذرنا من اتباع الشيطان‬
‫ألنه هو الذي يعمل عَل إبعادنا عن‬
‫منهج اهلل فقال جل شأنه ‪َ { :‬وال َ‬
‫تَؾَّبِ ُعوا ْ ُخ ُطو ِ‬
‫ات الشيطان إِن ّ َُه ل َ ُك ْم‬ ‫َ‬
‫ُت } ػ البقرة ‪] 208 :‬‬ ‫ع َ ُد ٌّو ُّمبِ ٌ‬
‫و‪١‬تاذا ال نؾبع خطوات الشيطان؟‬
‫ألن عداوته لئلنسان عداوة مسبقة‬
‫‪ ،‬وقف من آدم هذا ا‪١‬توقف ‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك أقسم بعزة اهلل أن يغويكم‬
‫‪ٚ‬تيعا ً‪ ،‬وإذا كان ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫قد حىك لنا القصة فكأنه أعطانا‬
‫ا‪١‬تناعة ‪ ،‬أي أن الشيطان لم‬
‫يفاجػنا ‪ .‬وإ‪٪‬تا وضع ا‪ٟ‬تق أمامنا‬
‫قصة الشيطان مع آدم واضحة‬
‫جلية ليعطؼنا ا‪١‬تناعة ‪ ،‬بدليل أننا‬
‫حُت نريد أن نصون أجسامنا ‪٧‬تعل‬
‫ألنفسنا مناعة قبل أن يأيت ا‪١‬ترض‬
‫‪ ،‬نُطعم أنفسنا ضد شلل األطفال ‪،‬‬
‫وضد الكولَتا ‪ ،‬وضد كذا ‪ ،‬وكذا ‪،‬‬
‫فكأن اهلل سبحانه وتعاىل يذكر قصة‬
‫الشيطان مع أبؼنا آدم ليقول لنا ‪:‬‬
‫الحظوا أن عداوته مسبقة ‪.‬‬

‫وما دام له معكم عداوة مسبقة فلن‬


‫يأخذكم عَل غرة؛ ألن اهلل نبهكم‬
‫لتلك ا‪١‬تسألة مع ا‪٠‬تلق األول ‪.‬‬
‫والشيطان عندما يُذكر يف القرآن‬
‫يراد به مرة عاصي ا‪ٞ‬تن ‪ ،‬ألن طائع‬
‫ا‪ٞ‬تن مثل طائع البشر ٘تاما ً‪ ،‬ومرة‬
‫يريد به شياطُت اإلنس ‪ .‬إذن من‬
‫ا‪ٞ‬تن شياطُت ‪ ،‬ومن اإلنس‬
‫شياطُت ‪.‬‬
‫وحىت تستطيع أن تفرق بُت ما‬
‫يزينه الشيطان وبُت ما تزينه لك‬
‫نفسك ‪ ،‬فإن رأيت نفسك مصرا ً‬
‫عَل معصية من لون واحد فاعلم أن‬
‫السبب هو نفسك ‪ ،‬ألن النفس‬
‫تريدك عاصيا ًمن لون يشبع نقصا ً‬
‫فيها فهي تصر عليه ‪ :‬إنسان ٭تب‬
‫ا‪١‬تال فتؾسلط عليه نفسه من جهة‬
‫ا‪١‬تال ‪ ،‬وإنسان آخر ٭تب ا‪ٞ‬تنس‬
‫فتؾسلط عليه نفسه من جهة‬
‫النساء ‪ ،‬وثالث ٭تب الفخر‬
‫وا‪١‬تديح فتؾسلط عليه نفسه من‬
‫جهة َم ْن ينافقه ‪ .‬لكن الشيطان ال‬
‫يصر عَل معصية بعؼنها ‪ ،‬فإن رآك‬
‫قد امؾنعت عن معصية فهو يزين‬
‫لك معصية أخرى؛ ألنه يريدك‬
‫عاصيا ًعَل أية جهة ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق ٭تذرنا { وال َتَؾَّبِ ُعوا ْ ُخ ُطو ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الشيطان إِن ّ َُه ل َ ُك ْم ع َ ُد ٌّو ُّمبِ ٌ‬
‫ُت } ‪.‬‬
‫ولؼس هناك عداوة أوضح من‬
‫عداوة الشيطان بعد أن وقف من‬
‫آدم وقال ما أورده ا‪ٟ‬تق عَل لسانه ‪:‬‬
‫ُت‬ ‫‪ٚ‬تعِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك ألُ ْغ ِويَنَّهم أ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال فَبِعِ َّز ِ‬
‫ت‬ ‫{ قَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك ِمن ْ ُه ُم ا‪١‬تخلصُت } ػ‬ ‫* إِال َّ ِعبَادَ َ‬
‫ص ‪] 83-82 :‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق من بعد ذلك ‪ { :‬فَإِن‬
‫زَلَل ْ ُت ْم ِّمن بَعْ ِد َما َجآءَتْ ُك ُم البؼنات‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫يم }‬‫فاعلموا أ َّن اهلل َعزِي ٌز َحك ٌ‬
‫فَإ ِْن زَلَل ْ ُت ْم ِم ْن بَعْ ِد َما َجاءَتْ ُك ُم‬
‫ات فَاعْل َ ُموا أ َ َّن َّ‬
‫اّللَ َعزِي ٌز‬ ‫الْب َ ِّين َ ُ‬
‫يم (‪)209‬‬ ‫ِ‬
‫َحك ٌ‬
‫وال ّزلة هي ا‪١‬تعصية ‪ ،‬وهي مأخوذة‬
‫من « زال » ‪ ،‬وزال الشيء أي‬
‫خرج عن استقامته ‪ ،‬فكأن كل شيء‬
‫له استقامة ‪ ،‬وا‪٠‬تروج عنه يعؾُب‬
‫زلبل ‪ ،‬والزلل ‪ :‬هو الذنوب‬
‫وا‪١‬تعاصي اليت ُٗتالف بها ا‪١‬تنهج‬
‫ا‪١‬تستقيم ‪.‬‬
‫{ ِّمن بَعْ ِد َما َجآءَتْ ُك ُم البؼنات }‬
‫إنه سبحانه يوضح لنا أنه ال عذر‬
‫لكم مطلقا يف أن تزلوا؛ ألنٍت بؼنت‬
‫لكم كل شيء ‪ ،‬ولم أترككم إىل‬
‫عقولكم ‪ ،‬ومن ا‪١‬تنطقي أن‬
‫تستعملوا عقولكم استعماال‬
‫صحيحا لتديروا حركة الكون‬
‫الذي استخلفتكم فيه ‪ ،‬ومع ذلك ‪،‬‬
‫إن أصابتكم الغفلة فأنا أرسل‬
‫الرسل ‪ .‬ولذلك قال سبحانه ‪{ :‬‬
‫ث َر ُسوال ً}‬ ‫ِ‬
‫َو َما ُكنَّا ُمعَ ّذبِ َ‬
‫ُت حىت نَبْعَ َ‬
‫ػ اإلسراء ‪] 15 :‬‬
‫لقد رحم اهلل ا‪٠‬تلق بإرسال الرسل‬
‫ليبؼنوا لئلنسان الطريق الصحيح‬
‫من الطريق ا‪١‬تعوج ‪ .‬وا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل يًتك بعض األشياء للبشر‬
‫ليأتوا بفكر من عندهم ثم يرتضي‬
‫اإلسبلم ما جاءوا به ليعلمنا أن‬
‫العقل إذا ما كان طؽيعيا ومنطقيا‬
‫فهو قادر عَل أن يهتدي إىل ا‪ٟ‬تكم‬
‫بذاته ‪ .‬ويف تاريخ اإلسبلم ‪٧‬تد أن‬
‫سيدنا عمر قد رأى أشياء واقًتح‬
‫بعضا من االقًتاحات ‪ ،‬ووافق‬
‫عليها الرسول صَل اهلل عليه وسلم ‪،‬‬
‫ثم يزنل القرآن عَل وفق ما قاله‬
‫عمر ‪ ،‬وقد يؾساءل أحد قائبل ‪:‬‬
‫ألم يكن النبي صَل اهلل عليه وسلم‬
‫أوىل؟‬
‫نقول ‪ :‬لو كانت تلك اآلراء قد‬
‫جاءت من النبي صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ‪١‬تا كان فيها غرابة؛ ألن النبي‬
‫صَل اهلل عليه وسلم معصوم ويوحي‬
‫إليه ‪ ،‬لكن اهلل يريد أن يقول لنا ‪:‬‬
‫أن العقل الفطري عندما يصفو فهو‬
‫يستطيع أن يهتدي للحكم‬
‫الصحيح ‪ ،‬وإن لم يكن هناك‬
‫حكم قد نزل من السماء ‪ .‬ولذلك‬
‫تستفز أحكام سيدنا عمر عددا ً‬
‫كبَتا ًمن ا‪١‬تستشرقُت ويقولون ‪:‬‬
‫ألؼس عندكم سوى عمر؟ ‪١‬تاذا ال‬
‫تقولون ‪٤‬تمدا؟‬
‫نقول ‪٢‬تم ‪ :‬لقد ترىب عمر يف‬
‫مدرسة النبي صَل اهلل عليه وسلم ‪،‬‬
‫فما يقوله هو ‪ ،‬إ‪٪‬تا قد أخذه عن‬
‫النبي صَل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وقد أقر‬
‫عمر بذلك وقال ‪ « :‬ما عمر لوال‬
‫اإلسبلم » ‪ ،‬و‪٨‬تن نستشهد بعمر‬
‫ألنه بشر ولؼس رسوال ً‪ ،‬ويسري‬
‫عليه ما يسري عَل البشر ‪ ،‬فبل يوىح‬
‫إليه ولم يكن معصوما ‪.‬‬
‫إذن كأن ا‪ٟ‬تق أراد أن يُقَ ّ ِرب لنا‬
‫القدرة عَل االستنباط والفهم‬
‫فنكون ‪ٚ‬تيعا عمر؛ ألن عمر‬
‫بالفطرة كان يهتدي إىل الصواب ‪،‬‬
‫ويقول لرسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬نفعل كذا » ‪ ،‬فيزنل‬
‫الوحي موافقا لرأيه ‪ ،‬فكأن اهلل لم‬
‫يكلفنا شططا ‪ ،‬إ‪٪‬تا جاء تكليفه‬
‫ليحمي العقول من أهواء النفس‬
‫اليت تطمس العقول ‪ ،‬فآفة الرأي‬
‫ا‪٢‬توى ‪ ،‬ولوال وجود األهواء لكانت‬
‫اآلراء كلها متفقة ‪.‬‬
‫وقدٯتا أعطوا لنا مثبل با‪١‬ترأة اليت‬
‫‪ٚ‬تعت الصيف والشتاء يف ليلة‬
‫واحدة ‪ ،‬فقد زوجت ابنها وابنتها ‪،‬‬
‫وعاش األربعة معها يف حجرة‬
‫واحدة ‪ ،‬ابنها معه زوجته ‪ ،‬وابنتها‬
‫معها زوجها ‪ ،‬وا‪١‬ترأة معهم ‪ ،‬تنام‬
‫نوما قليبل وتذهب البنتها توصيها‬
‫‪ « :‬دفئي زوجك وأرضيه » فا‪ٞ‬تو‬
‫بارد ‪ ،‬وتذهب البنها وتقول ‪« :‬‬
‫ابعد عن زوجتك فالدنيا حر » ‪.‬‬

‫إن ا‪١‬تكان واحد ‪ ،‬والليل واحد ‪،‬‬


‫لكن ا‪١‬ترأة جعلته صيفا ًوشتاء يف‬
‫وقت واحد والسبب هو هوى‬
‫النفس ‪ .‬واهلل سبحانه يبُت لنا ذلك‬
‫يف قوله ‪َ { :‬ول َ ِو اتبع ا‪ٟ‬تق أ َ ْه َوآءَ ُه ْم‬
‫ل َ َف َس َد ِت السماوات واألرض َو َمن‬
‫فِي ِه َّن } ػ ا‪١‬تؤمنون ‪] 71 :‬‬
‫إذن فا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يعصمنا‬
‫حُت يُ َشرع لنا ‪ ،‬فالبشر يضيقون‬
‫ذرعا بتقنؼنات أنفسهم ألنفسهم ‪،‬‬
‫فيحاولون أن ٮتففوا من خطأ‬
‫التقنُت البشري ‪ ،‬فيقننوا أشياء‬
‫يعدلون بها ما عندهم ‪ ،‬ولو نظرت‬
‫إىل ما عدلوه من قوانُت لوجدته‬
‫تعديبل يلتقي مع اإلسبلم أو يقًتب‬
‫من اإلسبلم ‪.‬‬
‫لقد سألوين يف أمريكا ‪١ :‬تاذا لم يظهر‬
‫اإلسبلم فوق كل العقائد برغم‬
‫أنكم تقولون ‪ :‬إن اهلل يقول يف‬
‫كتابه ‪ { :‬لِي ُ ْظ ِه َر ُه عََلَ الدين كُلِ ّ ِه }‬
‫‪ .‬ومع ذلك لم يظهر دينكم عَل كل‬
‫األديان ‪ ،‬ولم يزل كثَت من الناس‬
‫غَت مسلمُت سواء كانوا يهودا أو‬
‫نصارى أو ببل دين؟ قلت ‪ :‬لو‬
‫فطنتم إىل قول اهلل ‪َ { :‬ول َ ْو َك ِر َه‬
‫الكافرون } و { َول َ ْو كَ ِر َه‬
‫ا‪١‬تشركون } لدلكم ذلك عَل أن‬
‫ظهور اإلسبلم قد تم مع وجود كفار‬
‫‪ ،‬وظهوره مع وجود مشركُت ‪ ،‬وإال‬
‫لو ظهر وال شيء معه فممن يُك َره؟‬
‫إن العقيدة اليت يكرهها أهل‬
‫الكفر هي اليت تعزز وجود اإلسبلم ‪.‬‬
‫إذن { لِي ُ ْظ ِه َر ُه عََلَ الدين كُلِ ّ ِه َول َ ْو‬
‫َك ِر َه ا‪١‬تشركون } يدل عَل أن‬
‫ظهور اإلسبلم يعٍت وجود كافر‬
‫ووجود مشرك كبل‪٫‬تا سيكون‬
‫موجودا وسيكرهان انتشار الدين‬
‫‪.‬‬
‫وعندما نرى أحداث ا‪ٟ‬تياة تضطر‬
‫الببلد الغربية عندما ‪٬‬تدون خطأ‬
‫تقنؼنهم فيحاولون أن يعدلوا يف‬
‫التقنيات فبل ‪٬‬تدون تعديبل إال أن‬
‫يذهبوا إىل أحكام اإلسبلم ‪ ،‬لكنهم‬
‫لم يذهبوا إليه كدين إ‪٪‬تا ذهبوا‬
‫إليه كنظام ‪ ،‬إن رجوعهم إىل‬
‫اإلسبلم لدليل وتأكيد عَل صحة‬
‫وسبلمة أحكام اإلسبلم ‪ ،‬ألهنم لو‬
‫أخذوا تلك األحكام كأحكام دين‬
‫لقال غَتهم ‪ :‬قوم تعصبوا لدين‬
‫آمنوا به فنفذوا أحكامه ‪ .‬ولكنهم‬
‫برغم كرههم للدين ‪ ،‬اضطروا‬
‫ألن يأخذوا بتعاليمه ‪ ،‬فكأنه ال حل‬
‫عندهم إال األخذ ٔتا ذهب إليه‬
‫اإلسبلم ‪.‬‬
‫إذن قول اهلل ‪ { :‬لِي ُ ْظ ِه َر ُه عََلَ الدين‬
‫كُلِ ّ ِه َول َ ْو كَ ِر َه ا‪١‬تشركون } قوة‬
‫لنظام اإلسبلم ‪ ،‬ال لتؤمن به وإ‪٪‬تا‬
‫تضطر أن تلجأ إليه ‪ ،‬وكانوا يف‬
‫إيطاليا عَل سؽيل ا‪١‬تثال يعؼبون عَل‬
‫اإلسبلم الطبلق ويعؾُبونه انتقاما‬
‫‪ٟ‬تقوق ا‪١‬ترأة ‪ ،‬ولكن ظروف ا‪ٟ‬تياة‬
‫وا‪١‬تشكبلت األسرية اضطرْتم‬
‫إلباحة الطبلق ‪ ،‬فهل قننوه ألن‬
‫اإلسبلم قال به؟ ال ‪ ،‬ولكن ألهنم‬
‫وجدوا أن حل مشكبلْتم ال يأيت إال‬
‫منه ‪.‬‬
‫ويف أمريكا عندما شنوا ‪ٛ‬تلة شعواء‬
‫عَل تناول ا‪٠‬تمور ‪ ،‬هل حاربوها‬
‫ألن اإلسبلم حرمها؟ ال ‪ ،‬ولكن ألن‬
‫واقع ا‪ٟ‬تياة الصحية طلب منهم‬
‫ذلك ‪ .‬إذن { َول َ ْو َك ِر َه الكافرون } ‪،‬‬
‫{ َول َ ْو كَ ِر َه ا‪١‬تشركون } ‪ :‬معنا‪٫‬تا‬
‫أهنم سيلجأون إىل نظام اإلسبلم‬
‫ليحل قضاياهم ‪ .‬فإن لم يأخذوه‬
‫كدين فسوف يأخذونه نظاما ‪.‬‬
‫{ فَإِن زَلَل ْ ُت ْم ِّمن بَعْ ِد َما َجآءَتْ ُك ُم‬
‫البؼنات فاعلموا أ َ َّن اهلل َعزِي ٌز‬
‫يم } أي إياكم أن تظنوا أنكم‬ ‫ِ‬
‫َحك ٌ‬
‫بزللكم أخذتم حظوظ أنفسكم‬
‫من اهلل ‪ ،‬فإن مرجعكم إىل اهلل وهو‬
‫عزيز وعزته سبحانه هي أنه يَغلب‬
‫وال يُغلب ‪ ،‬فهو يدبر أمورنا بر‪ٛ‬تة‬
‫وحكمة ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪{ :‬‬
‫ون إِال َّأَن يَأْتِي َ ُه ُم اهلل ِيف‬
‫َه ْل ي َ ُنظ ُر َ‬
‫ُظل َ ٍل ِّم َن الغمام ‪} . . .‬‬
‫ون إ َِّال أ َ ْن يَأْتِي َ ُه ُم ّ َُ‬
‫اّلل ِيف‬ ‫َه ْل يَن ْ ُظ ُر َ‬
‫ُظل َ ٍل ِم َن الْغ َ َما ِم َوا ْ‪١‬ت َ َبل ِئ َك ُة َو ُق ِض َي‬
‫ور‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫األ‬
‫ْ‬ ‫ع‬‫ُ‬ ‫ْاأل َ ْمر وإ َِىل َ ِ‬
‫اّلل ُت ْر َج‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ّ‬
‫(‪)210‬‬

‫أي ماذا ينتظرون؟ هل ينتظرون‬


‫أن تدا‪٫‬تهم األمور و‪٬‬تدوا‬
‫أنفسهم يف كون وإن أخذ زخرفة‬
‫فهو يتحول إىل هشيم تذروه‬
‫الرياح ‪ ،‬ويصَت اإلنسان أمام‬
‫‪ٟ‬تظة ا‪ٟ‬تساب ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ه ْل ي َ ُنظ ُر َ‬
‫ون } مأخوذة‬
‫من النظر ‪ .‬والنظر هو طلب‬
‫اإلدراك لشيء مطلق ‪ .‬وطلب‬
‫اإلدراك ألي شيء بأي شيء يُس ىم‬
‫نظرا ‪ .‬ومثال ذلك أننا نقول ألي‬
‫إنسان يتكلم يف أي مسألة معنوية ‪:‬‬
‫ألؼس عندك نظر؟ أي هل ٘تلك‬
‫قوة اإلدراك أم ال؟‬
‫إذن فالنظر هو طلب اإلدراك‬
‫للشيء ‪ ،‬فإن طلبت أن ترى فهو‬
‫النظر بالعُت ‪ ،‬وإن طلبت أن تعرف‬
‫وتعلم؛ فهو النظر بالفكر وبالقلب‬
‫‪ .‬وأحيانا يُطلق النظر عَل االنتظار‬
‫‪ ،‬وهو طلب إدراك ما يتوقع ‪.‬‬
‫ون إِال َّأَن يَأْتِي َ ُه ُم اهلل‬
‫و { َه ْل ي َ ُنظ ُر َ‬
‫} ‪ ،‬يعٍت هل ينتظرون إال أن‬
‫تأتيهم الساعة وتفاجئهم يف‬
‫الزمن ا‪٠‬تاص؟ ألهنا لن تفاجئ‬
‫أحدا يف الزمن العام ‪ ،‬فسوف‬
‫يكون ‪٢‬تا آيات صغرى وآيات‬
‫كُبى ‪ ،‬ومعٌت أن ‪٢‬تا آيات صغرى‬
‫وكُبى ‪ ،‬أن ذلك دليل عَل أن اهلل‬
‫ٯتهلنا لنتدارك أنفسنا ‪ ،‬فبل يزال‬
‫فاٖتا لباب التوبة ما لم تطلع‬
‫الشمس من مغربها ‪.‬‬
‫وساعة نسمع قوله تعاىل ‪َ { :‬ه ْل‬
‫ون إِال َّأَن يَأْتِي َ ُه ُم اهلل } نقول‬
‫ي َ ُنظ ُر َ‬
‫‪ :‬ما الذي يؤجل دخو‪٢‬تم يف‬
‫اإلسبلم كافة؟ ما الذي ينتظرونه؟‬
‫٘تاما كأن تقول لشخص أمامك ‪:‬‬
‫ماذا تنتظر؟ كذلك ا‪ٟ‬تق ٭تؿنا عَل‬
‫الدخول يف السلم كافة وإال فماذا‬
‫تنظرون؟‬
‫و { إِال َّأَن يَأْتِي َ ُه ُم اهلل ِيف ُظل َ ٍل ِّم َن‬
‫الغمام وا‪١‬تبلئكة } ساعة تقول ‪:‬‬
‫{ يَأْتِي َ ُه ُم اهلل } أو « جاء ربك »‬
‫أو يأيت سبحانه ٔتثل يف القرآن ‪٦‬تا‬
‫نعرفه يف ا‪١‬تخلوقُت من اإلتيان‬
‫وا‪١‬تجيء وكالوجه واليد ‪ ،‬فلتأخذه‬
‫يف إطار { لَؼ ْ َس َك ِمثْلِ ِه َش ْي ٌء } فاهلل‬
‫موجود وأنت موجود ‪ ،‬فهل وجودك‬
‫كوجوده؟ ال ‪.‬‬
‫إن اهلل حي وأنت حي ‪ ،‬أحياتك‬
‫كحياته؟ ال ‪ .‬واهلل ‪ٝ‬تيع وأنت‬
‫‪ٝ‬تيع ‪ ،‬أ‪ٝ‬تعك كسمعه؟ ال ‪ .‬واهلل‬
‫بصَت وأنت بصَت ‪ ،‬أبصرك‬
‫كبصره؟ ال ‪ .‬وما دمت تعتقد أن له‬
‫صفات مثلها فيك ‪ ،‬فتأخذها‬
‫بالنسبة هلل يف إطار{ لَؼ ْ َس َك ِمثْلِ ِه‬
‫َش ْي ٌء } ‪.‬‬
‫ولذلك يقول ا‪١‬تحققون ‪ :‬إنك‬
‫تؤمن باهلل كما أعطاك صورة‬
‫اإلٯتان به لكن يف إطار ال ٮتتلف‬
‫عما يف أنه { لَؼ ْ َس َك ِمثْلِ ِه َش ْي ٌء‬
‫عنه َّ‬
‫} ‪ ،‬وإن أمكن أن تتصور أي شيء‬
‫فربك عَل خبلف ما تتصور ‪ ،‬ألن ما‬
‫خطر ببالك فإن اهلل سبحانه عَل‬
‫خبلف ذلك ‪ ،‬فبال اإلنسان ال ٮتطر‬
‫عليه إال الصور ا‪١‬تعلومة له ‪ ،‬وما‬
‫دامت صورا معلومة فهي يف خلق‬
‫اهلل وهو سبحانه ال يشبه خلقه ‪.‬‬
‫إن ساعة يتجَل ا‪ٟ‬تق ‪ ،‬سيفاجئ‬
‫الذين تصوروا اهلل عَل أية صورة ‪،‬‬
‫أنه سبحانه عَل غَت ما تصوروا‬
‫وسيأتيهم اهلل ْتقيقة لم تكن يف‬
‫رءوسهم أبداً؛ ألنه لو كانت صورة‬
‫ا‪ٟ‬تق يف بال البشر لكان معٌت ذلك‬
‫أهنم أصبحوا قادرين عَل تصوره ‪،‬‬
‫وهو القادر ال ينقلب مقدورا ًعليه‬
‫أبدا ً‪ ،‬ومن عظمته أن العقل ال‬
‫يستطيع أن يتصوره ماديا ً‪.‬‬

‫ولذلك ضرب اهلل لنا مثبل ًيق ّ ِرب لنا‬


‫ا‪١‬تسألة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬ويف أ َ ُنف ِس ُك ْم‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ون } ػ الذاريات ‪21 :‬‬ ‫أفَبل َ ُتبْص ُر َ‬
‫]‬
‫إن الروح ا‪١‬توجودة يف ‪٦‬تلكة‬
‫جسمنا واليت إذا خرجت من‬
‫إنسان صار جيفة ‪ ،‬وعاد بعد ذلك‬
‫إىل عناصر تتحلل وأٓترة تتصاعد ‪،‬‬
‫هذه الروح اليت يف داخل كل م انلم‬
‫يستطع أحد تصورها ‪ ،‬أو ٖتديد‬
‫مكاهنا أو شكلها ‪ ،‬هذه الروح‬
‫ا‪١‬تخلوقة هلل لم نستطع أن‬
‫نتصورها ‪ ،‬فكيف نستطيع أن‬
‫نتصور ا‪٠‬تالق األعظم؟‬
‫ون إِال َّأَن يَأْتِي َ ُه ُم اهلل‬
‫{ َه ْل ي َ ُنظ ُر َ‬
‫} يعٍت ٔتا لم يكن يف حسباهنم ‪.‬‬
‫هل ينتظرون حىت يروا ذلك‬
‫الكون ا‪١‬تنسق البديع قد اندثر ‪،‬‬
‫والكون كله تبعثر ‪ ،‬والشمس‬
‫كورت والنجوم انكدرت ‪ ،‬وكل‬
‫شيء يف الوجود تغَت ‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫يفاجأون بأهنم أمام ربهم ‪ .‬فماذا‬
‫ينتظرون؟ ‪.‬‬
‫إذن ‪٬‬تب أن ينتهزوا الفرصة قبل‬
‫أن يأيت ذلك األمر ‪ ،‬وقبل أن تفلت‬
‫الفرصة من أيديهم ويُنهي أمد‬
‫رجوعهم إىل اهلل ‪١ .‬تاذا يسوفون يف‬
‫أن يدخلوا يف السلم كافة؟ ما الذي‬
‫ينتظرونه؟ أينتظرون أن يتغَت‬
‫اهلل؟ أو أن يتغَت منهج اهلل؟ إن ذلك‬
‫لن ٭تدث ‪.‬‬
‫ونؤكد مرة أخرى أننا عندما‬
‫نسمع شؼئا ًيتعلق با‪ٟ‬تق فيما يكون‬
‫مثله يف البشر فلنأخذه يف إطار{‬
‫لَؼ ْ َس كَ ِمثْلِ ِه َش ْي ٌء } ‪ .‬فكما أنك‬
‫آمنت بأن هلل ذاتا ًال كالذوات ‪،‬‬
‫فيجب أن تعلم أن هلل صفات‬
‫لؼست كالصفات ‪ ،‬وأن هلل أفعاال ً‬
‫لؼست كاألفعال ‪ ،‬فبل ٕتعل ذات اهلل‬
‫‪٥‬تالفة لذوات الناس؛ ثم تأيت يف‬
‫الصفات اليت قال اهلل فيها عن‬
‫نفسه وٕتعلها مثل صفات الناس ‪،‬‬
‫فإذا كان اهلل ‪٬‬تيء؛ فبل تتصور ‪٣‬تؼئه‬
‫أنه سؼًتك مكانا ًإىل مكان ‪ ،‬فهو‬
‫سبحانه يكون يف مكان ٔتا ال ٮتلو‬
‫عنه مكان ‪ ،‬تلك هي العظمة ‪.‬‬
‫فإذا قيل ‪ { :‬إِال َّأَن يَأْتِي َ ُه ُم اهلل }‬
‫فبل تظن أن إتيانه كإتيانك ‪ ،‬ألن‬
‫ذاته لؼست كذاتك ‪ ،‬وألن الناس‬
‫يف اختبلف درجاْتم ٗتتلف أفعا‪٢‬تم‬
‫‪ ،‬فإذا كان الناس ٮتتلفون يف األفعال‬
‫باختبلف مناز‪٢‬تم ‪ ،‬ويف الصفات‬
‫باختبلف مناز‪٢‬تم ‪ ،‬فا‪ٟ‬تق مزنه عن‬
‫كل شيء وكل تصور ‪ ،‬ولنأخذ كل‬
‫شيء يتعلق به يف إطار { لَؼ ْ َس‬
‫كَ ِمثْلِ ِه َش ْي ٌء } ؛ ففعْل ربك ٮتتلف‬
‫عن فعلك ‪ .‬وإياك أن ُٗتضع فعله‬
‫لقانون فعلك؛ ألن فعلك ٭تتاج إىل‬
‫عبلج وإىل زمن ٮتتلف باختبلف‬
‫طاقتك وباختبلف قدرتك ‪ ،‬واهلل‬
‫ال يفعل األشياء بعبلج ْتيث تأخذ‬
‫منه زمنا ًولكنه يقول ‪ُ { :‬ك ْن‬
‫فَي َ ُك ُ‬
‫ون } ‪.‬‬
‫كأن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يريد أن‬
‫يعطؼنا صورة عن اإل‪٧‬تاز الذي ال‬
‫دخل الخؾيار البشر يف أن ٮتالفوا‬
‫فيه فيقول ‪ :‬ساعة ‪٬‬تيء األمر‬
‫ا‪٩‬تلعت كل قدرة ‪١‬تخلوق عن ذلك‬
‫األمر وأصبح األمر هلل وحده ‪.‬‬
‫و { ِيف ُظل َ ٍل ِّم َن الغمام } ‪ .‬فيه‬
‫شيء يظللك وفيه شيء تستظل به‬
‫‪ ،‬والشيء الذي يظللك ال يكون‬
‫لك والية عليه يف أن يظللك إال ّأن‬
‫ترى أين ظله وتذهب إليه ‪ ،‬وشيء‬
‫آخر تستطيع أنت التصرف فيه‬
‫كا‪١‬تظلة تفتحها يف أي مكان تريد ‪.‬‬

‫وكلمة « ظلل » معناها أهنا تسًت‬


‫عنك مصدر الضوء؛ ولذلك حؼنما‬
‫أراد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن يصور‬
‫لنا ذلك قال ‪َ { :‬وإِذَا َغ ِشي َ ُه ْم َّم ْو ٌج‬
‫كالظلل دَ َع ُوا ْاهلل } ػ لقمان ‪32 :‬‬
‫]‬
‫أي جاءهم الفزع األكُب كالظلة‬
‫‪٤‬تيطا ًبهم ‪ ،‬فكأن اهلل يريد أن‬
‫ٮتُبنا أن الكون سؼندثر كله‬
‫وسيأتيك األمر ا‪١‬تفزع ‪ ،‬األمر‬
‫ا‪١‬تفج ع ‪ ،‬وا‪١‬تؤمن كان يتوقعه ‪،‬‬
‫وسيدخل عليه بردا ًوسبلما ً؛ ألنه‬
‫ما آمن من أجله ‪ ،‬لكن الكافر‬
‫سيصاب بالفزع األكُب؛ ألنه‬
‫فوجيء بشيء لم يكن يف حسابه ‪.‬‬
‫وقارن بُت ‪٣‬تيء األمر ‪١‬تن يؤمله ‪،‬‬
‫وبُت ‪٣‬تيء األمر ‪١‬تن ال يؤمله ‪ .‬إن‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل قال ‪ :‬ساعة‬
‫ٕتيء هذه الظلل والمالئكة فقد‬
‫قىض األمر ‪ .‬وعندما تسمع { ُق ِض َي‬
‫األمر } فاعلم أن ا‪١‬تراد أن‬
‫الفرصة أفلتت من أيدي الناس ‪،‬‬
‫فمن لم يرجع إىل ربه قبل اآلن‬
‫فلؼست له فرصة أن يرجع ‪ .‬ومثال‬
‫ذلك ما قاله ا‪ٟ‬تق يف قصة نوح ‪{ :‬‬
‫َو ُق ِض َي األمر واستوت عََلَ ا‪ٞ‬تودي }‬
‫ػ هود ‪] 44 :‬‬
‫أي انتىه كل شيء ‪ ،‬ولم يعد للناس‬
‫قدرة عَل أن يرجعوا عما كانوا فيه‬
‫‪ .‬فاهلل يقول ‪ :‬ماذا تنتظرون؟ هل‬
‫تنتظرون حىت يأتيكم هذا اليوم؟‬
‫البد أن تنتهزوا الفرصة لًتجعوا‬
‫إىل ربكم قبل أن تفلت منكم‬
‫فرصة العودة ‪َ { .‬وإ َِىل اهلل تَ ْر َج ُع‬
‫األمور } ‪ ،‬ومرة تأيت { َوإ َِىل اهلل‬
‫ُت ْر َج ُع األمور } ‪.‬‬
‫وفيه فرق بُت « تَرجع األمور »‬
‫بفتح التاء وبُت « ُترجع األمور »‬
‫بضم التاء ‪ .‬فكأن األمور مندفعة‬
‫بذاْتا ‪ ،‬ومرة تساق إىل اهلل ‪ .‬إن‬
‫الراغب سَتجع إىل ربه بنفسه؛‬
‫ألنه ذاهب إىل ا‪٠‬تَت الذي ينتظره ‪،‬‬
‫أما غَت الراغب والذي كان ال يرجو‬
‫لقاء ربه فَ َس َُت َجع بالرغم عنه ‪،‬‬
‫تأيت قوة أخرى ُترجعه ‪ ،‬فمن لم‬
‫‪٬‬تيء ر َغبا ًيأيت َ‬
‫رهبا ً‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪َ { :‬س ْل بٍت‬
‫يل كَ ْم آتَؼْن َ ُاهم ِّم ْن آي َ ٍة ب َ ِؼّن َ ٍة‬
‫إِ ْس َر ِائ َ‬
‫َو َمن يُب َ ِ ّد ْل نِعْ َم َة اهلل ‪} . . .‬‬

‫يل َك ْم آتَؼْن َ ُاه ْم ِم ْن‬


‫َس ْل ب َ ٍِت إِ ْس َر ِائ َ‬
‫اّلل ِم ْن‬
‫آي َ ٍة ب َ ِؼّن َ ٍة و َم ْن ب َي ِ ّد ْل نِعْمةَ َ ِ‬
‫َ ّ‬ ‫َ ُ‬
‫يد الْعِ َق ِ‬
‫اب‬ ‫اّللَ َش ِد ُ‬
‫بَعْ ِد َما َجاءَتْ ُه فَإ َِّن َّ‬
‫(‪)211‬‬
‫فكأن اهلل لم ٭تمل عَل بٍت‬
‫إسرائيل ويريد منهم أن يقروا‬
‫عَل أنفسهم ٔتا أكرمهم به اهلل من‬
‫خَت سابق؛ فساعة تقول ‪ « :‬اسأل‬
‫فبلنا ًعما فعلته معه » ‪ ،‬كأنك ال‬
‫تأمر بالسؤال إال عن ثقة ‪ ،‬وأنه لن‬
‫‪٬‬تد جوابا ًإال ما يؤيد قولك ‪ .‬وا‪ٟ‬تق‬
‫يبلغ رسوله صَل اهلل عليه وسلم أن‬
‫يسأل بٍت إسرائيل عن ا‪٠‬تَت‬
‫السابق الذي غمرهم به وهو‬
‫سبحانه عليهم أهنم لن يستطيعوا‬
‫مع لددهم أن يتكلموا إال ٔتا يوافق‬
‫القضية اليت يقو‪٢‬تا ا‪ٟ‬تق وتصبح‬
‫حجة عليهم ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق سبح انه وتعاىل يقول ‪َ { :‬س ْل‬
‫بٍت إِ ْس َر ِائ َ‬
‫يل كَ ْم آتَؼْن َ ُاهم } ساعة‬
‫تسمع { َك ْم } يف مقام كهذا‬
‫فافهم أهنا كناية عن اإلخبار عن‬
‫األمر الكثَت ٓتبلف{ َك ْم } اليت‬
‫تريد بها االستفهام ‪ .‬وأنت تقول ‪:‬‬
‫« كم فعلت كذا مع فبلن » و «‬
‫كم صنعت معه معروفا ً» و « كم‬
‫ْتاونت معه » و « كم أكرمته » ‪.‬‬
‫لذلك فعندما تسمع { َك ْم } هذه‬
‫فاعرف أن معناها الكمية الكثَتة‬
‫اليت يُكٌت بها عَل أن عدد ال ٭تىص ‪.‬‬
‫{ َس ْل بٍت إِ ْس َر ِائ َ‬
‫يل كَ ْم آتَؼْن َ ُاهم‬
‫ِّم ْن آي َ ٍة ب َ ِؼّن َ ٍة } إن ا‪ٟ‬تق يريد أن‬
‫يضرب لنا مثبل ًكمثل إنسان يأكل‬
‫خَتك وينكر معروفك ‪،‬‬
‫ويشكوك إىل إنسان ‪ ،‬فًتد أنت لم‬
‫ينقل لك الشكوى ‪ :‬سله ماذا‬
‫قدمت له من ‪ٚ‬تيل ‪ ،‬أنا لن أتكلم‬
‫بل سأجعله هو يتكلم ‪ .‬وأنت ال‬
‫تقول ذلك إال وأنت عَل ثقة من أنه‬
‫ال يستطيع أن يغَت شؼئا ً‪.‬‬
‫ألم يفلق ‪٢‬تم البحر؟ ‪ .‬ألم ‪٬‬تعل‬
‫عصا موىس حية؟ ألم يظللهم اهلل‬
‫بالغمام؟ ألم يعطهم اهلل ا‪١‬تن‬
‫والسلوى؟ كل ذلك أعطاه اهلل‬
‫‪٢‬تم؛ فلم يشكروا نعمة اهلل ‪،‬‬
‫فحل عليهم غضبه؛ أخذهم‬
‫بالسنُت وا‪ٞ‬توع وأخذهم بالقمل‬
‫والضفادع والدم ‪ ،‬كل ذلك فعله‬
‫اهلل معهم ‪ . .‬وحُت يقول ا‪ٟ‬تق‬
‫يل }‬‫لرسوله ‪َ { :‬س ْل بٍت إِ ْس َر ِائ َ‬
‫فالقول منسحب عَل أمة رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم ‪ .‬فإذا جاءك‬
‫واحد منهم فاسأله ‪ :‬كم ٍ‬
‫آية‬
‫أعطاها اهلل لكم فأنكر٘توها ‪،‬‬
‫وتلكأتم ‪ .‬وتعنّتُّم ‪ { .‬كَ ْم آتَؼْن َ ُاهم‬
‫ِّم ْن آي َ ٍة ب َ ِؼّن َ ٍة } إن { َك ْم } تدل عَل‬
‫الكمية الكبَتة ‪ ،‬و{ ِّم ْن آي َ ٍة } ‪:‬‬
‫معناها األمر العجيب ‪ .‬و { ب َ ِؼّن َ ٍة }‬
‫تعٍت األمر الواضح الذي ال ٯتكن‬
‫أن يغفل عنه أحد ‪.‬‬
‫يل َك ْم آتَؼْن َ ُاهم‬ ‫{ َس ْل بٍت إِ ْس َر ِائ َ‬
‫ِّم ْن آي َ ٍة ب َ ِؼّن َ ٍة َو َمن يُب َ ِ ّد ْل نِعْ َمةَ اهلل‬
‫ِ‬
‫من بَعْ ِد َما َجآءَتْ ُه فَإ َِّن اهلل َش ِد ُ‬
‫يد‬
‫العقاب } ‪ .‬وكيف يبدل اإلنسان‬
‫نعمة اهلل؟ ‪ .‬إن نعمة اهلل حُت‬
‫تصيب خلقا ًفالواجب عليهم أن‬
‫يستقبلوها ابلشكران ‪ ،‬ومعٌت‬
‫الشكران هو نسؽتها إىل واهبها‬
‫واالستحياء أن يعصوا من أنعم‬
‫عليهم بها ‪ .‬فإذا استقبل الناس‬
‫النعمة بغَت ذلك فقد ُب ِدلَت ‪.‬‬
‫ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق يف آية أخرى ‪{ :‬‬
‫أَل َ ْم تَ َر إ َِىل الذين ب َ َّدلُوا ْنِعْ َمةَ اهلل‬
‫ُك ْفرا ً} وما داموا قد بدلوها كفرا ً‪،‬‬
‫فيكون الكفر هو الذي جاء مكان‬
‫اإلٯتان ‪.‬‬

‫إذن كان ا‪١‬تطلوب أن يقابلوا النعمة‬


‫باإلٯتان ‪ ،‬باالزدياد يف التقرب إىل‬
‫اهلل ‪ ،‬لكنهم بدلوا النعمة بالكفر ‪.‬‬
‫{ َو َمن يُب َ ِ ّد ْل نِعْ َم َة اهلل ِمن بَعْ ِد َما‬
‫يد العقاب } قد‬ ‫َجآءَتْ ُه فَإ َِّن اهلل َش ِد ُ‬
‫يد العقاب }‬‫نفهم أن معٌت { َش ِد ُ‬
‫هو أمر يتعلق باآلخرة ‪ ،‬ولعل أناسا ً‬
‫يسؾبطئون اآلخرة ‪ ،‬أو أناسا ًغَت‬
‫مؤمنُت باآلخرة ‪ ،‬فلو كان األمر‬
‫بالعقاب يقتصر عَل عقاب اآلخرة‬
‫لشقي الناس ٔتن ال يؤمنون‬
‫باآلخرة ‪ . .‬أو يسؾبطئوهنا ألن‬
‫هؤالء يعؼثون يف األرض فساداً؛‬
‫ألهنم ال ٮتافون اآلخرة وال يؤمنون‬
‫بها ‪ ،‬أو أهنا ال ٗتطر ببا‪٢‬تم ‪.‬‬
‫فالذي يؤمن بأن هناك آخرة تأيت‬
‫وسيكون فيها حساب ‪ ،‬هو الذي‬
‫سيكون سلوكه عَل مقتىض ذلك‬
‫اإلٯتان ‪ .‬أما الذي ال يؤمن أن‬
‫هناك يوما ًآخر فالدنيا تشىق به ‪.‬‬
‫فإذا لم يعجل اهلل بلون من العقوبة‬
‫للذين ال يؤمنون باآلخرة أو الذين‬
‫يسؾبطئون اآلخرة لشقي الناس‬
‫بهؤالء الذين ال يؤمنون أو‬
‫يسؾبطئون ‪.‬‬
‫وكل ‪ٚ‬تاعة ال تقبل عَل منهج اهلل ‪،‬‬
‫ويبدلون نعمة اهلل كفرا ًالبد أن‬
‫يكون هلل فيهم عقاب عاجل ‪،‬‬
‫وذلك ليعلم الناس أن من لم‬
‫يرتدع إٯتانا ًوخوفا ًمن اليوم‬
‫اآلخر فعليه أن يرتدع ‪٥‬تافة أن‬
‫يأتيه العقاب يف الدنيا ‪ .‬فالظالم إذا‬
‫علم أن ظا‪١‬تا ًمثله لقي عقابه‬
‫وحسابه يف الدنيا فسيخاف أن‬
‫يظل؛ وإن لم يكن مؤمنا ًباآلخرة ‪،‬‬
‫ألنه سؼتأكد أن ا‪ٟ‬تساب واقع ال‬
‫‪٤‬تالة ‪ .‬ولذلك ال يؤجل اهلل العقاب‬
‫كله إىل اآلخرة ولكن يزنل بعضا منه‬
‫يف الدنيا ‪ .‬ويقول ا‪ٟ‬تق يف الذين‬
‫يبدلون نعمة اهلل كفرا ً‪ { :‬أ َ َل ْم تَ َر‬
‫إ َِىل الذين ب َ َّدلُوا ْنِعْ َم َة اهلل ُك ْفرا ً‬
‫َوأ َ َحلُّوا ْقَ ْو َم ُه ْم دَ َار البوار * َجهَنَّ َم‬
‫ي َ ْصل َ ْو َهنَا َوبِػ َْس القرار } ػ‬
‫إبراهيم ‪] 29-28 :‬‬
‫هذه عقوبة اآلخرة ولن يًتكهم‬
‫اهلل يف الدنيا دون أن ينا‪٢‬تم العقاب‬
‫‪.‬‬
‫وحىت الذين يظلمون ويتعسفون‬
‫مع أهنم مسلمون ال يًتكهم اهلل‬
‫ببل عقاب يف الدنيا حىت يأتيهم يوم‬
‫القيامة بل البد أن ‪٬‬تيء ‪٢‬تم من‬
‫واقع دنياهم ما ٮتيف الناس من‬
‫هذه ا‪٠‬تواتيم حىت تستقيم حركة‬
‫ا‪ٟ‬تياة بُت الناس ‪ٚ‬تيعا ‪ ،‬وإال‬
‫فسيكون الشقاء واقعا عَل الناس‬
‫من هؤالء ومن الذين ال يؤمنون‬
‫بعقاب اآلخرة ‪.‬‬
‫بض الصا‪ٟ‬تُت يقول‪« :‬‬ ‫وكان ع‬
‫اللهم إن القوم قد اسؾبطأوا‬
‫آخرتك وغرهم حلمك فخذهم‬
‫أخذ عزيز مقتدر »؛ ألنه سبحانه‬
‫لو ترك عقابهم لآلخرة لفسدوا‬
‫وكانوا فؾنة لغَتهم من ا‪١‬تؤمنُت ‪.‬‬
‫ولذلك شاء اهلل أن ‪٬‬تعل يف منهج‬
‫اإلٯتان ٕترٯتا ًوعقوبة تقع يف‬
‫الدنيا ‪١ ،‬تاذا؟ حىت ال يستشري‬
‫فساد من يشك يف أمر اآلخرة ‪.‬‬
‫وشدة عقاب اهلل ال ‪٬‬تعلها يف اآلخرة‬
‫فقط ‪ ،‬بل جعلها يف الدنيا أيضا ً؛‬
‫ولذلك يقول اهلل سبحانه وتعاىل ‪:‬‬
‫{ َو َم ْن أ َ ْع َر َض َعن ِذكْ ِري فَإ َِّن ل َ ُه‬
‫َمعِي َشةً َضنكا ً َو َ‪٨‬ت ْ ُش ُر ُه ي َ ْو َم القيامة‬
‫أع ىم } ػ طه ‪] 124 :‬‬
‫ثم يقول سبحانه وتعاىل ‪ُ { :‬ز ِي ّ َن‬
‫لِل َّ ِذي َن كَ َف ُروا ْا‪ٟ‬تياة الدنيا‬
‫ون ِم َن الذين آ َم ُنوا ْوالذين‬
‫َوي َ ْس َخ ُر َ‬
‫اتقوا فَ ْوقَ ُه ْم ي َ ْو َم القيامة ‪} . . .‬‬

‫ُز ِي ّ َن لِل َّ ِذي َن َك َف ُروا ا ْ‪ٟ‬تَيَا ُة ال ُّدنْيَا‬


‫ون ِم َن ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا َوال َّ ِذي َن‬ ‫َوي َ ْس َخ ُر َ‬
‫الي َ َام ِة َو ّ َُ‬
‫اّلل‬ ‫ا َّت َق ْوا فَ ْوقَ ُه ْم ي َ ْو َم قِ ْ‬
‫اب‬‫َت ِح َس ٍ‬ ‫ي َ ْر ُز ُق َم ْن ي َ َش ُاء بِغ َ ْ ِ‬
‫(‪)212‬‬
‫يريد ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل أن يبُت‬
‫واقع اإلنسان يف الكون ‪ ،‬هذا الواقع‬
‫الذي يدل عَل أنه سيد ذلك الكون‬
‫‪ ،‬ومعٌت ذلك أن كل األجناس‬
‫ٗتدمه ‪ .‬وقد عرفنا أن ا‪ٞ‬تماد ٮتدم‬
‫النبات ‪ ،‬وا‪ٞ‬تماد والنبات ٮتدمان‬
‫ا‪ٟ‬تيوان ‪ ،‬وا‪ٞ‬تماد والنبات وا‪ٟ‬تيوان‬
‫ٗتدم اإلنسان ‪ ،‬فاإلنسان سيد هذه‬
‫األجناس ‪.‬‬
‫وكان مقتىض العقل أن يبحث هذا‬
‫السيد عن جنس أعَل منه ‪ ،‬فكما‬
‫كانت األجناس اليت دونه يف خدمته‬
‫‪ ،‬فبلبد أن يكون هذا ا‪ٞ‬تنس‬
‫األعَل يناسب سيادته ‪ ،‬ولن ‪٬‬تد‬
‫شؼئا يف الوجود أبدا أعَل من ا‪ٞ‬تنس‬
‫الذي ينؾسب إليه ‪ ،‬لذلك كان‬
‫ا‪١‬تفروض أن يقول اإلنسان ‪ :‬أنا‬
‫أريد جنسا ينبهٍت عن نفسي؛ فأنا‬
‫يف أشد االحؾياج إليه ‪ .‬فإذا جاء‬
‫الرسل وقالوا ‪ :‬إن الذي أعَل منك‬
‫أيها اإلنسان هو اهلل ولؼس كمثله‬
‫شيء وتعاىل عن كل األجناس ‪ .‬كان‬
‫‪٬‬تب عَل اإلنسان أن يقول ‪:‬‬
‫مرحبا؛ ألن معرفة اهلل ٖتل له اللغز‬
‫‪ .‬والرسل إ‪٪‬تا جاءوا ليحلوا‬
‫لئلنسان لغزا ًيبحث عنه ‪ ،‬وكان عَل‬
‫اإلنسان أن يفرح ٔتجيء الرسل ‪،‬‬
‫وخصوصا ًأن اهلل عز وجل ال يريد‬
‫خدمة منه ‪ ،‬إن اإلنسان هو الذي‬
‫٭تتاج لعبادة اهلل لؼسخر له الكائنات‬
‫‪ ،‬ويعبده ليعزه ‪ .‬إذن فا‪١‬تؤمن بُت‬
‫أمرين ‪ :‬بُت خادم له مسخر وهو‬
‫من دونه من ا‪ٞ‬تهاد والنبات‬
‫ٍ‬
‫متفضل عليه‬ ‫وا‪ٟ‬تيوان ‪ٍ ،‬‬
‫ومعط‬
‫ُ‪٥‬تتا ٍر وهو أعَل منه ‪ .‬إنه هو اهلل ‪.‬‬
‫فمن يأخذ واحدة ويًتك واحدة‬
‫فقد أخذ األدىن وترك األعَل ‪،‬‬
‫فيقول له ا‪ٟ‬تق ‪ :‬خذ األعَل ‪ .‬فإذا‬
‫كنت سعيدا ًبعطاء ا‪١‬تخلوقات‬
‫األدىن منك ‪ ،‬وٖتب أن تستزيد منها‬
‫فكيف ال تستزيد ‪٦‬تن هو أعَل‬
‫منك؟ ‪ .‬إنه اهلل ‪.‬‬
‫وا‪ٟ‬تق عندما يقول ‪ُ { :‬ز ِي ّ َن لِل َّ ِذي َن‬
‫َك َف ُروا ْا‪ٟ‬تياة الدنيا } فهو يريد أن‬
‫يلفؾنا إىل أن مقايؼس الكافرين‬
‫مقايؼس هابطة نازلة؛ ألن الذي‬
‫ُزين ‪٢‬تم هو األمر األدىن ‪ .‬ومن‬
‫خؼبة التقدير أن يأخذ اإلنسان‬
‫األمر األدىن ويفضله عَل األعَل ‪.‬‬
‫وكلمة { ُز ِي ّ َن } عندما تأيت يف‬
‫القرآن تكون مبنية ‪١‬تا لم يسم‬
‫فاعله مثل قوله تعاىل ‪ُ { :‬ز ِي ّ َن‬
‫ب الشهوات ِم َن النساء‬ ‫لِلنَّ ِ‬
‫اس ُح ُّ‬
‫والبنُت والقناطَت ا‪١‬تقنطرة ِم َن‬
‫الذهب والفضة } ػ آل عمران ‪:‬‬
‫‪] 14‬‬
‫اس } ويف آية‬ ‫هناك { ُز ِي ّ َن لِلنَّ ِ‬
‫البقرة اليت ‪٨‬تن بصددها { ُز ِي ّ َن‬
‫لِل َّ ِذي َن كَ َف ُروا ْ} ‪١‬تاذا قال ا‪ٟ‬تق‬
‫اس } و‪١‬تاذا قال‬ ‫هناك ‪ُ { :‬ز ِي ّ َن لِلنَّ ِ‬
‫هنا ‪ُ { :‬ز ِي ّ َن لِل َّ ِذي َن كَ َف ُروا ْ } ؟ لقد‬
‫قال ا‪ٟ‬تق ذلك ألن الذين كفروا‬
‫لؼس عندهم إال ا‪ٟ‬تياة الدنيا ‪،‬‬
‫فاألعَل ال يؤمنون به ‪ ،‬ولكن يف‬
‫مسألة الناس عامة عندما يقول اهلل‬
‫ب‬ ‫عز وجل ‪ُ { :‬ز ِي ّ َن لِلنَّ ِ‬
‫اس ُح ُّ‬
‫الشهوات ِم َن النساء والبنُت‬
‫والقناطَت ا‪١‬تقنطرة ِم َن الذهب‬
‫والفضة وا‪٠‬تيل ا‪١‬تسومة واألنعام‬
‫وا‪ٟ‬ترث ذلك َمتَا ُع ا‪ٟ‬تياة الدنيا‬
‫واهلل ِعن ْ َد ُه ُح ْس ُن ا‪١‬تآب } فهو‬
‫سبحانه يقول للناس ‪ :‬خذوا ا‪ٟ‬تياة‬
‫حسنت ‪.‬‬‫وزينت يعٍت ُ‬ ‫عَل قدرها ‪ُ .‬‬
‫فمن الذي حسنها؟ لقد حسنها‬
‫اهلل عز وجل ‪.‬‬

‫فكيف تنىس الذي حسنها لك ‪،‬‬


‫وجعلها ‪ٚ‬تيلة وجعلها ٖتت‬
‫تصرفك ‪.‬‬
‫كان ‪٬‬تب أن تأخذها وسيلة لئلٯتان‬
‫ٔتن رزقك إياها ‪ ،‬وكلما ترى شؼئا‬
‫‪ٚ‬تيبل يف الوجود تقول ‪ « :‬سبحان‬
‫اهلل » ‪ ،‬وتزداد إٯتانا باهلل ‪ ،‬أما أن‬
‫تأخذ ا‪١‬تسألة وتعز‪٢‬تا عمن خلقها‬
‫فذلك هو ا‪١‬تقياس النازل ‪.‬‬
‫أو أن اهلل سبحانه وتعاىل هو الذي‬
‫زينها بأن جعل يف الناس غرائز‬
‫٘تيل إىل ما تعطيه هذه ا‪ٟ‬تياة الدنيا‬
‫‪ ،‬ونقول ‪ :‬هل أعىط سبحانه‬
‫الغرائز ولم يعط منهجا لتعلية هذه‬
‫الغرائز؟ ال ‪ ،‬لقد أعَل الغرائز‬
‫وأعىط ا‪١‬تنهج لتعلية الغرائز ‪ ،‬فبل‬
‫تأخذ هذه وتًتك تلك ‪ .‬ولذلك‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬والباقيات‬
‫الصا‪ٟ‬تات َخ َْتٌ} ػ الكهف ‪] 46 :‬‬
‫وا‪ٟ‬تق عندما يقول ‪ُ { :‬ز ِي ّ َن لِل َّ ِذي َن‬
‫كَ َف ُروا ْا‪ٟ‬تياة الدنيا } فهو يفضح‬
‫من يعتقدون أنه ال حياة بعد هذه‬
‫ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬ونقول ‪٢‬تم ‪ :‬هذا مقياس‬
‫نازل ‪ ،‬وميزان غَت دقيق ‪ ،‬ودليل‬
‫عَل ا‪ٟ‬تمق؛ ألنكم ذهؽتم إىل األدىن‬
‫وتركتم األعَل ‪ .‬ومن العجيب‬
‫أنكم فعلتم ذلك ثم يكون بؼنكم‬
‫وبُت من اختار األعَل هذه‬
‫ا‪١‬تفارقات ‪ .‬أنتم يف األدىن‬
‫وتسخرون من الذين التفتوا إىل‬
‫األعَل ‪ ،‬إن ا‪ٟ‬تق يقول ‪{ :‬‬
‫ون ِم َن الذين آ َم ُنوا ْ} ‪.‬‬
‫َوي َ ْس َخ ُر َ‬
‫‪١‬تاذا يسخرون منهم ‪.‬‬
‫ألن الذين آمنوا ملتزمون ‪ ،‬ومادام‬
‫اإلنسان ملتزما فسيعوق نفسه عن‬
‫حركات الوجود اليت تأتيه من غَت‬
‫حل ‪ ،‬لكن هؤالء قد انطلقوا بكل‬
‫قواهم وملكاْتم إىل ما يزين ‪٢‬تم‬
‫من ا‪ٟ‬تياة ‪.‬‬
‫لذلك ٕتد إنسانا ًيعؼش يف مستوى‬
‫دخله ا‪ٟ‬تبلل ‪ ،‬وال ٯتلك إال ُحلَّةً‬
‫واحدة « بدلة » ‪ ،‬وإنسانا ًآخر‬
‫يسرق غَته ‪ ،‬فتجد الثاين الذي‬
‫يعؼش عَل أموال غَته حسن‬
‫ا‪١‬تظهر وا‪٢‬تندام وعندما يلتقي‬
‫االثنان ٕتد الذي ينهب يسخر من‬
‫الذي يعؼش عَل ا‪ٟ‬تبلل ‪١ ،‬تاذا؟ ألنه‬
‫يعؾُب نفسه يف مقياس أعَل منه ‪،‬‬
‫يرى نفسه حسن ا‪٢‬تندام و «‬
‫الشياكة » فيحسم ا‪ٟ‬تق هذه‬
‫ا‪١‬تسألة ويقول ‪ { :‬والذين اتقوا‬
‫فَ ْوقَ ُه ْم ي َ ْو َم القيامة } ‪١ .‬تاذا يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬ألؼسوا فوقهم اآلن؟‬
‫إن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل يتحدث عن‬
‫ا‪١‬تنظور ا‪١‬ترئي للناس؛ ألهنم ال‬
‫ينظرون إىل الراحة النفسية وهي‬
‫انسجام ملكات اإلنسان حؼنما‬
‫يذهب لؼنام ‪ ،‬ولم ‪٬‬ترب عَل نفسه‬
‫سقطة دينية وال سقطة خلقية ‪ ،‬وال‬
‫يؤذي أحدا ً‪ ،‬وال يرتشي ‪ ،‬وال ينم‬
‫وال يغتاب ‪ ،‬كيف يكون حاله‬
‫عندما يستعرض أفعاله يومه قبل‬
‫نومه؟ البد أن يكون يف سعادة ال‬
‫تقدر ٔتال الدنيا ‪.‬‬
‫ولذلك لم يدخل اهلل هذا‬
‫اإلحساس يف ا‪١‬تقارنة ‪ ،‬وإ‪٪‬تا أدخل‬
‫ا‪١‬تسألة اليت ال يقدر عليها أحد ‪{ .‬‬
‫فقَ ُه ْم ي َ ْو َم القيامة }‬ ‫والذين اتقوا َْو‬
‫‪ .‬ولذلك يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫‪ { :‬إ َِّن الذين أ َ ْج َر ُموا ْكَانُوا ْ ِم َن‬
‫الذين آ َم ُنوا ْي َ ْض َح ُك َ‬
‫ون * َوإِذَا َم ُّروا ْ‬
‫ون * َوإِذَا انقلبوا إىل‬ ‫بِ ِه ْم يَتَغَا َم ُز َ‬
‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫ُت * َوإِذَا‬ ‫أ ْهل ِه ُم انقلبوا فَك ِه َ‬
‫َ‬
‫َرأ ْو ُه ْم قالوا إ َِّن هؤالء ل َ َضال ُّ َ‬
‫ون *‬
‫ِِ‬ ‫ُ ِ‬
‫ُت } ػ‬ ‫َو َمآ أ ْرسلُوا ْعَلَي ْ ِه ْم َحافظ َ‬
‫ا‪١‬تطففُت ‪] 33-29 :‬‬
‫ثم يقول ا‪ٟ‬تق بعد ذلك ‪ { :‬فاليوم‬
‫ون‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ح‬ ‫ض‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫الكفار‬ ‫ن‬ ‫الذين آمنوا ْ ِ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫* عََلَ األرآئك ي َ ُنظ ُر َ‬
‫ون * َه ْل ث ِ ُّو َب‬
‫الكفار َما كَانُوا ْي َ ْفعَل ُ َ‬
‫ون }‬

‫ػ ا‪١‬تطففُت ‪] 36-34 :‬‬


‫أي هل عرفنا أن ‪٧‬تازيهم؟ نقول ‪:‬‬
‫نعم يا رب ‪ .‬خصوصا أن ضحك‬
‫اآلخرة لؼس بعده بكاء ‪.‬‬
‫{ والذين اتقوا فَ ْوقَ ُه ْم ي َ ْو َم القيامة‬
‫} ولنبلحظ أن ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫خالف األسلوب يف هذه اآلية ‪ ،‬لقد‬
‫كان ا‪١‬تفروض أن يقول ‪ :‬والذين‬
‫آمنوا فوقهم ‪ .‬لكنه قال ‪{ :‬‬
‫والذين اتقوا فَ ْوقَ ُه ْم } ألنه قد‬
‫يؤخذ اإلٯتان عَل أنه اسم ‪ ،‬فقد‬
‫شاع عنك أنك مؤمن ‪ ،‬فأنت بهذا‬
‫الوصف ال يكفي لؾنال به ا‪١‬ترتبة‬
‫السامية إال إذا كانت أفعالك تؤدي‬
‫بك إىل التقوى ‪.‬‬
‫فبل تقل ‪ « :‬أنا مؤمن » ويقول‬
‫غَتك ‪ « :‬أنا مؤمن » ‪ ،‬ويصبح‬
‫ا‪١‬تؤمنون مليارا من البشر يف العالم‬
‫‪ ،‬نقول ‪٢‬تؤالء ‪ :‬أنتم لن تأخذوا‬
‫اإلٯتان باالسم وإ‪٪‬تا تأخذون‬
‫اإلٯتان بااللتزام ٔتنهج السماء ‪.‬‬
‫ولذلك لم يقل اهلل ‪ « :‬والذين‬
‫آمنوا فوقهم يوم القيامة » وإ‪٪‬تا‬
‫قال ‪ { :‬والذين اتقوا فَ ْوقَ ُه ْم ي َ ْو َم‬
‫القيامة } ليعزل االسم عن‬
‫الوصف ‪ .‬ويذيل ا‪ٟ‬تق اآلية بالقول‬
‫الكريم ‪ { :‬واهلل ي َ ْر ُز ُق َمن ي َ َش ُ‬
‫آء‬
‫اب } ‪ .‬ما هو الرزق؟‬ ‫َت ِح َس ٍ‬
‫بِغ َ ْ ِ‬
‫الرزق عند القوم ‪ :‬هو كل ما ينتفع‬
‫به؛ فكل شيء تنتفع به هو رزق ‪.‬‬
‫وطبقا ‪٢‬تذا التعريف فاللصوص‬
‫يعؾُبون ا‪ٟ‬ترام رزقا ‪ ،‬ولكنه رزق‬
‫حرام ‪.‬‬
‫والناس يقصرون كلمة الرزق عَل‬
‫شيء واحد يشغل با‪٢‬تم دائما وهو‬
‫« ا‪١‬تال » نقول لهم ‪ :‬ال ‪ ،‬إن الرزق‬
‫هو كل ما يُنتفع به ‪ ،‬فكل شيء يكون‬
‫‪٣‬تاله االنتفاع يدخل يف الرزق ‪:‬‬
‫وخل ُ ُقك رزق ‪،‬‬
‫علمك رزق ‪ُ ،‬‬
‫وجاهك رزق ‪ ،‬وكل شيء تنتفع به‬
‫هو رزق ‪ .‬ساعة تقول ‪ :‬إن كل ذلك‬
‫رزق تأخذ قول اهلل ‪ { :‬فَ َما الذين‬
‫ُف ّ ِضلُوا ْبِ َر ِّآدي ِرزْقِ ِه ْم عَل َما َمل َ َك ْت‬
‫آء } ػ النحل ‪:‬‬ ‫أَي ْ َم ُاهن ُ ْم فَ ُه ْم فِي ِه َس َو ٌ‬
‫‪] 71‬‬
‫كأن اهلل يريد من خلقه استطراق‬
‫أرزاقهم عَل غَتهم ‪ ،‬وكل إنسان‬
‫متميز وتزيد عنده حاجة عليه أن‬
‫يردها عَل الناس ‪ ،‬لكن الناس ال‬
‫تفهم الرزق إال عَل أنه مال ‪ ،‬وال‬
‫يفهمون أنه يطلق عَل كل شيء‬
‫ينتفعون به ‪.‬‬
‫إذا كان األمر كذلك فما معٌت {‬
‫َت ِح َس ٍ‬
‫اب }‬ ‫آء بِغ َ ْ ِ‬
‫ي َ ْر ُز ُق َمن ي َ َش ُ‬
‫اب } البد أن‬ ‫َت ِح َس ٍ‬
‫كلمة { بِغ َ ْ ِ‬
‫نفهمها عَل أن ا‪ٟ‬تساب يقتضي‬
‫اسب عليه ‪.‬‬‫و‪٤‬ت َ َ‬
‫اسب ‪ُ ،‬‬ ‫ُ‪٤‬تا ِسب ‪ُ ،‬‬
‫و‪٤‬ت َ َ‬
‫َت ِح َس ٍ‬
‫اب }‬ ‫وعَل هذا يكون { بِغ َ ْ ِ‬
‫‪٦‬تن و‪١‬تن ويف ماذا؟‬
‫إنه رزق بغَت حساب من اهلل؛ فقد‬
‫يرزقك اهلل عَل قدر سعيك ‪ .‬ورٔتا‬
‫أكثر ‪ ،‬وهو يرزق بغَت حساب ‪،‬‬
‫ألنه ال توجد سلطة أعَل منه تقول‬
‫له ‪١ :‬تاذا أعطيت فبلنا أكثر ‪٦‬تا‬
‫يستحق ‪.‬‬
‫وهو يرزق بغَت حساب؛ ألن‬
‫خزائنه ال تنفد ‪ .‬ويرزق بغَت‬
‫حساب؛ ألنه ال ٭تكمه قانون ‪،‬‬
‫وإ‪٪‬تا يعطي بطبلقة القدرة ‪ .‬إنه‬
‫جل وعبل يعطي للكافر حىت تتعجب‬
‫أنت وتقول ‪ :‬يعطي الكافر وال‬
‫يعطي ا‪١‬تؤمن ‪١‬تاذا؟‬
‫إذا استطاع أحد أن ٭تاسبه فلؼسأله‬
‫‪١‬تاذا يفعل ذلك؟ إنه يعطي مقاببل‬
‫للحسنة سبعمائة ضعف بغَت‬
‫حساب ‪ .‬إن ا‪ٟ‬تساب إ‪٪‬تا يأيت‬
‫عندما تأخذ معدودا ً‪ ،‬فإذا أخذت‬
‫مثبل مائة من ألف فأنت طرحت‬
‫معدودا ًمن معدود فبل بد أن ينقص‬
‫‪ ،‬وعندما تراه ينقص فأنت ٗتاف‬
‫من العطاء ‪.‬‬
‫لكن اهلل ٓتبلف ذلك ‪ ،‬إنه يعطي‬
‫معدودا ًمن غَت معدود ‪.‬‬
‫َت ِح َس ٍ‬
‫اب }‬ ‫إذن ساعة تقرأ { بِغ َ ْ ِ‬
‫فقل إن ا‪ٟ‬تساب إن كان واقعا من‬
‫اهلل عَل الغَت ‪ ،‬فهو ال يعطي عَل قدر‬
‫العمل بل يزيد ‪ ،‬ولن ٭تاسب‬
‫نفسه ولن ُ٭تاسبه أحد ‪َ { .‬ما‬
‫ِعن َد ُك ْم يَن َف ُد َو َما ِعن َد اهلل بَاقٍ } ػ‬
‫النحل ‪] 96 :‬‬
‫َت ِح َس ٍ‬
‫اب‬ ‫آء بِغ َ ْ ِ‬
‫إذن { ي َ ْر ُز ُق َمن ي َ َش ُ‬
‫} ٕتعل كل إنسان يلزم أدبه إن‬
‫رأى غَته قد ُرزق أكثر منه؛ ألنه ال‬
‫يعلم حكمة اهلل فيها ‪ .‬وهناك‬
‫أناس كثَتون عندما يعطيهم اهلل‬
‫نعمة يقولون ‪ « :‬ربنا أكرمنا ‪،‬‬
‫وعندما يسلبهم النعمة يقولون ‪» :‬‬
‫ربنا أهاننا « ‪ ،‬ويف ذلك يقول‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬فَأ َ َّما اإلنسان إِذَا‬
‫َ‬
‫َما ابتبله َربُّ ُه فَأك َْر َم ُه َون َ َّع َم ُه فَي َ ُق ُ‬
‫ول‬
‫رّب أَك َْر َم ِن * َوأ َ َّمآ إِذَا َما ابتبله‬
‫ول رّب أ َ َهان َ ِن‬ ‫ِ‬
‫فَ َق َد َر عَلَيْه ِرزْقَ ُه فَي َ ُق ُ‬
‫} ػ الفجر ‪] 16-15 :‬‬
‫كبل ‪٥ .‬تطئ أنت يا َمن اعؾُبت‬
‫النعمة إكراما من اهلل ‪ ،‬وأنت ‪٥‬تطئ‬
‫أيضا ًيا َمن اعؾُبت سلب النعمة‬
‫إهانة من اهلل؛ إن النعمة ال تكون‬
‫إكراما من اهلل إال إذا وفقك اهلل يف‬
‫حسن التصرف يف هذه النعمة ‪،‬‬
‫وحق النعمة يف كل حال يكون‬
‫بشكر ا‪١‬تنعم ‪ ،‬وعدم االنشغال بها‬
‫عمن رزقك إياها ‪.‬‬
‫و‪٨‬تب أن نفهم أيضا أن قول اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ { :‬واهلل ي َ ْر ُز ُق َمن‬
‫اب } ينسحب عَل‬ ‫َت ِح َس ٍ‬
‫آء بِغ َ ْ ِ‬
‫ي َ َش ُ‬
‫معٌت آخر ‪ ،‬وهو أنه سبحانه ال ٭تب‬
‫أن ُت َق ِ ّدر أنت رزقك ْتساب‬
‫حركة عملك فقط؛ فحساب‬
‫حركة عملك قد ٮتطئ ‪ .‬مثال ذلك‬
‫الفبلح الذي يزرع ويقدر رزقه‬
‫فيما يُنْت َ ُج من األرض ‪ ،‬ورٔتا‬
‫جاءت آفة تذهب بكل شيء كما‬
‫نبلحظ ونشاهد ‪ ،‬ويصبح رزق‬
‫الفبلح يف ذلك الوقت من مكان آخر‬
‫لم يدخل يف حسابه أبدا ً‪.‬‬
‫و‪٢‬تذا فإن عَل اإلنسان أن يعمل‬
‫يف األسباب ‪ ،‬ولكنه ال يأخذ حسابا‬
‫من األسباب ‪ ،‬ويظن أن ذلك هو‬
‫رزقه؛ ألن الرزق قد يأيت من طريق‬
‫لم يدخل يف حسابك وال يف‬
‫حساباتك ‪ ،‬وقال ا‪ٟ‬تق يف ذلك ‪{ :‬‬
‫َو َمن يَتَّ ِق اهلل َ‪٬‬تْعَل ل َّ ُه َ‪٥‬ت ْ َرجا ً*‬
‫ث ال َ َ٭تْؾ َ ِس ُب } ػ‬ ‫ِ‬
‫َوي َ ْر ُزقْ ُه م ْن َحي ْ ُ‬
‫الطبلق ‪] 3-2 :‬‬
‫وبعد ذلك يقول لنا ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل يف آية أخرى ما يوضح لنا‬
‫ويبُت قضية العقيدة وموكب‬
‫الرساالت يف األرض ‪ ،‬بداية‬
‫وتسلسبل ًوتتابعا ًيف رسل متعاقبُت‬
‫‪ ،‬فقال ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪ { :‬ك َ َ‬
‫ان‬
‫الناس أُ َّمةً َوا ِح َدة ًفَبَعَ َ‬
‫ث اهلل النبيُت‬
‫ُمب َ ِّشرِي َن َو ُمن ِذرِي َن ‪} . . .‬‬

‫اّلل‬
‫ث ّ َُ‬ ‫اس أُ َّمةً َوا ِح َدة ًفَبَعَ َ‬
‫ان النَّ ُ‬
‫كَ َ‬
‫ُت ُمب َ ِّشرِي َن َو ُمن ْ ِذرِي َن َوأَن ْ َز َل‬
‫النَّبِيِ ّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب بِا ْ‪ٟ‬ت َ ّ ِق لي َ ْح ُك َم ب َ ْ َ‬
‫ُت‬ ‫َمعَ ُه ُم الْكت َ َ‬
‫اختَل َ َف‬ ‫يما ا ْختَل َ ُفوا فِي ِه َو َما ْ‬ ‫النَّ ِ ِ‬
‫اس ف َ‬
‫وه ِم ْن بَعْ ِد َما‬ ‫فِي ِه إ َِّال ال َّ ِذي َن أُو ُت ُ‬
‫ات بَغْيًا بَؼْن َ ُه ْم فَهَ َدى‬ ‫َجاءَْتْ ُ ُم الْب َ ِؼّن َ ُ‬
‫اّلل ال َّ ِذي َن آ َم ُنوا ِ‪١‬تَا ا ْختَل َ ُفوا فِي ِه ِم َن‬ ‫َّ ُ‬
‫اّلل يَهْ ِدي َم ْن ي َ َش ُاء إ َِىل‬ ‫ا ْ‪ٟ‬ت َ ّ ِق بِإِذْنِ ِه َو ّ َُ‬
‫اط م ْستَقِ ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫يم (‪)213‬‬ ‫ص َر ُ‬
‫ولقائل أن يقول ‪ :‬إذا كان الناس‬
‫أمة واحدة ‪ ،‬وقد رتب اهلل بعث‬
‫وإرسال النبيُت عَل كوهنم أمة‬
‫واحدة؛ فمن أين إذن جاء ا‪٠‬تبلف‬
‫إىل حياة الناس؟ ونقول ‪ :‬البد أن‬
‫ُٖتمل هذه اآلية ا‪١‬تجملة عَل آية‬
‫أخرى مفصلة يف قوله تعاىل ‪َ { :‬و َما‬
‫ان الناس إِال َّأُ َّمةً َوا ِح َدة ًفاختلفوا‬ ‫كَ َ‬
‫ك ل َ ُق ِض َي‬
‫َول َ ْوال َكَلِ َم ٌة َسبَقَ ْت ِمن َّربِّ َ‬
‫ون } ػ يونس‬ ‫بؼنهم فِ ِ ِ ِ‬
‫يما فيه َٮتْتَل ُف َ‬‫َ َْ ُ ْ َ‬
‫‪] 19 :‬‬
‫البد لنا إذن أن نأخذ هذه اآلية يف‬
‫ظل آية سورة يونس؛ فا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل ساعة ٮتاطب العقل‬
‫البشري يريد أن ٓتاطبه خطابا‬
‫يوقظ فيه عقله وفكره حىت‬
‫يستقبل كبلم اهلل ّتماع تفكَته ‪،‬‬
‫وأن يكون القرآن كله حاضرا ًيف‬
‫ذهنك ‪ ،‬وٮتدم بعضه بعضا ‪.‬‬
‫ث اهلل‬ ‫ان الناس أُ َّمةً َوا ِح َدة ًفَبَعَ َ‬
‫{ كَ َ‬
‫النبيُت } ‪ .‬فقبل بعث اهلل النبيُت‬
‫كان الناس أمة واحدة يؾبعون آدم ‪،‬‬
‫وقد بلغ ا‪ٟ‬تق آدم ا‪١‬تنهج بعد أن‬
‫اجؾباه وهداه ‪ ،‬وعلم آدم أبناءه‬
‫منهج اهلل ‪ ،‬فظل الناس من أبنائه‬
‫عَل إٯتان بعقيدة واحدة ‪ ،‬ولم ينشأ‬
‫عندهم ما يوجب اختبلف‬
‫أهوائهم ‪ ،‬فالعالم كان واسعا ً‪،‬‬
‫وكانت القلة السكانية فيه هي آدم‬
‫وأوالده فقط ‪ ،‬وكان خَت العالم‬
‫يؾسع للموجودين ‪ٚ‬تيعا ‪ .‬إذن ال‬
‫تطاحن عَل شيء ‪ ،‬ومن يريد شؼئا ً‬
‫يأخذه ‪ ،‬وكانت ا‪١‬تلكية مشاعة‬
‫للجميع؛ ألنه لم تكن هناك ملكية‬
‫ألحد؛ فمن يريد أن يؽٍت بؼتا فله‬
‫أن يبنيه ولو عَل عشرين فدانا ‪،‬‬
‫ومن يريد أن يأكل فاكهة أو يأخذ‬
‫‪ٙ‬ترا ًمن أي بستان فله أن يأخذ ما‬
‫يريد ‪.‬‬
‫وا‪١‬تثال عَل ذلك يف حياتنا اليومية ‪،‬‬
‫هناك رب األسرة الذي يأيت‬
‫بعشرين كيلو برتقاال ًويًتكها‬
‫أمام أوالده ‪ ،‬وكل طفل يريد‬
‫برتقالة أو أكثر فهو يأخذ ما يريد‬
‫ببل حرج ‪ ،‬لكن لو اشًتى رب‬
‫الؽيت كيلو برتقاال ًواحدا ًفكل‬
‫طفل يأخذ برتقالة واحدة فقط ‪.‬‬
‫إذن كان الناس أمة واحدة ‪ ،‬أي لم‬
‫توجد األطماع ‪ ،‬ولم يوجد حب‬
‫االستػثار با‪١‬تنافع ‪٦‬تا ‪٬‬تعلهم‬
‫ٮتتلفون ‪ .‬إذن فأساس االختبلف‬
‫هو الطمع يف متاع الدنيا ‪ ،‬ومن هنا‬
‫ينشأ ا‪٢‬توى ‪.‬‬
‫وكان من ا‪١‬تفروض يف آدم عليه‬
‫السبلم بعد أن بلغه اهلل ا‪١‬تنهج أن‬
‫يبلغه ألوالده ‪ ،‬وأن يتقبل أبناؤه‬
‫ا‪١‬تنهج ‪ ،‬ولكن بعض أوالده ٘ترد عَل‬
‫ا‪١‬تنهج ‪ ،‬ونشأ حب االستػثار من‬
‫ضيق ا‪١‬تُ ْستَأثر وا‪١‬تُنْتَفع به ‪ ،‬ومن‬
‫هنا نشأت ا‪٠‬تبلفات ‪ .‬ولنا يف قصة‬
‫هابيل وقابيل ما يوضح ذلك ‪{ :‬‬
‫واتل عَلَي ْ ِه ْم نَبَأ َابٍت ءَادَ َم با‪ٟ‬تق إِذْ‬
‫قَ َربا ُقربانا ًفتقبِ َل ِمن أَح ِد ِ‬
‫‪٫‬تا َول َ ْم‬
‫َ َ‬ ‫ّ َ ْ َ َُ ُ ّ‬
‫ِ‬
‫ال‬
‫ك قَ َ‬ ‫يُت َ َقب َّ ْل م َن اآلخر قَ َ‬
‫ال ألَقْ ُتلَنَّ َ‬
‫إ َِّ‪٪‬تَا يَتَقَب َّ ُل اهلل ِم َن ا‪١‬تتقُت } ػ‬
‫ا‪١‬تائدة ‪] 27 :‬‬
‫ونعرف أن آدم وحواء ‪٫‬تا أصل‬
‫الوجود ‪ ،‬حواء تلد توأمُت يف كل‬
‫مرة ‪ ،‬وأراد آدم أن يزاوجهم‬
‫فكيف تكون ا‪١‬تزاوجة وهم ‪ٚ‬تيعا ً‬
‫أبناؤه وأبناء عصر واحد؟ وكل‬
‫منهم يعرف أن الذي أمامه هو‬
‫أخوه ‪.‬‬

‫لقد واجه الشرع تلك ا‪١‬تشكلة يف‬


‫ذلك الوقت ‪ ،‬واعؾُب أن البعد هو‬
‫بعد البطن ‪ ،‬أي أن الذي يولد مع‬
‫أخيه يف بطن واحد فهو أخوه ‪ ،‬أما‬
‫الذي ُولد بعده أو قبله فكأنه لؼس‬
‫أخاه ‪ ،‬لذلك كان آدم وحواء‬
‫يبادالن زواج األبناء حسب ابتعاد‬
‫البطون ‪ ،‬وكان الغرض من هذا‬
‫الؾباعد أن تكون ا‪١‬ترأة وكأهنا‬
‫أجنؽية عن أخيها ‪.‬‬
‫روي عن ابن عباس وابن مسعود‬
‫رضي اهلل عنهما ‪ « :‬أن آدم كان‬
‫يزوج ذكر كل بطن بأنثى اآلخر ‪،‬‬
‫وأن هابيل أراد أن يتزوج أخت‬
‫قابيل وكان أكُب من هابيل وأخت‬
‫قابيل أحسن فأراد قابيل أن‬
‫يستأثر بها عَل أخيه ‪ .‬وأمره آدم‬
‫عليه السبلم أن يزوجه إياها فأىب ‪،‬‬
‫فأمر‪٫‬تا أن يقربا قربانا ًفقرب‬
‫هابيل جذعة ‪ٝ‬تؼنة وكان صاحب‬
‫غنم ‪ ،‬وقرب قابيل حزمة من زرع‬
‫نار فأكلت‬ ‫م‬
‫ن رديء زرعه فزنلت ُ‬
‫قربان هابيل وتركت قربان‬
‫قابيل ‪ ،‬فغضب وقال ‪ :‬ألقتلنك‬
‫حىت ال تنكح أخيت ‪ ،‬فقال ‪ { :‬إ َِّ‪٪‬تَا‬
‫يَت َ َقب َّ ُل اهلل ِم َن ا‪١‬تتقُت } ‪.‬‬
‫إذن ‪ ،‬كان ميبلد أول خبلف بُت‬
‫البشر حؼنما تنافس اثنان‬
‫لبلستػثار ٔتنفعة ما ‪ ،‬وكان هذا‬
‫مثاال ًواضحا ً‪١‬تا ٯتكن أن ٭تدث‬
‫عندما تضيق ا‪١‬تنافق عن األطماع ‪.‬‬
‫ان الناس أُ َّمةً َوا ِح َدة ً} لكنهم‬
‫{ كَ َ‬
‫اختلفوا ‪ٟ‬تظة االستػثار با‪١‬تنافع ‪،‬‬
‫وأصبح لكل إنسان هوى ‪ .‬ولو شاء‬
‫اهلل أن ‪٬‬تعل منهجه آلدم منهجا ً‬
‫دائما ًإىل أن تقوم الساعة لفعل ‪.‬‬
‫لكنه سبحانه بر‪ٛ‬تته يعلم أنه‬
‫خلقنا ‪ ،‬ويعلم أننا نعقل مرة‬
‫ونسهو مرة ‪ ،‬ونلتزم مرة ‪ ،‬وهنمل‬
‫مرة أخرى ‪ ،‬فشاء اهلل أن يواصل‬
‫‪٠‬تلقه مواكب الرسل ‪ .‬ولذلك‬
‫يأيت قول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬فَبَعَ َ‬
‫ث اهلل النبيُت‬
‫ُمب َ ِّشرِي َن َو ُمن ِذرِي َن } ‪ .‬ومهمة »‬
‫التبشَت واإلنذار « هي أن يتذكر‬
‫الناس أن هناك جنة ونارا ً‪ ،‬ولذلك‬
‫يبشر كل رسول َم ْن آمن من قومه‬
‫با‪ٞ‬تنة ‪ ،‬وينذر َم ْن كفر من هؤالء‬
‫القوم بالنار ‪ .‬ويذكرنا ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه بأنه أشهدنا عَل أنفسنا عَل‬
‫ك‬ ‫وحدانؼته فقال ‪َ { :‬وإِذْ أ َ َخ َذ َربُّ َ‬
‫ِمن بٍت ءَادَ َم ِمن ُظ ُهو ِر ِه ْم ُذ ِّريَّت َ ُه ْم‬
‫َوأ َ ْشهَ َد ُه ْم عَل أ َ ُنف ِس ِه ْم أَل َ ْس ُت‬
‫بِ َر ِبّ ُك ْم قَالُوا ْبَل َش ِه ْدنَآ أَن تَ ُقولُوا ْ‬
‫ِِ‬
‫ي َ ْو َم القيامة إِن َّا ُكنَّا َع ْن هذا غَافل َ‬
‫ُت‬
‫ك آب َ ُاؤنَا ِمن‬ ‫* أ َ ْو تقولوا إِن ّ ََمآ أ َ ْش َر َ‬
‫قَب ْ ُل َو ُكنَّا ُذ ِّريَّةً ِّمن بَعْ ِد ِه ْم أَفَ ُتهْلِ ُكنَا‬
‫ِٔتَا فَعَ َل ا‪١‬تبطلون } ػ األعراف ‪:‬‬
‫‪] 173-172‬‬
‫ٮتُب سبحانه أنه استخرج ذرية آدم‬
‫من أصبلبهم شاهدين عَل‬
‫أنفسهم أن اهلل ربهم ومليكهم ‪،‬‬
‫وأنه ال إله إال هو كما أنه فطرهم‬
‫عَل ذلك ‪ :‬ثم بعد أن أخرجهم إىل‬
‫الوجود من آدم جاء للخلق األول‬
‫وهو آدم وأعطاه ا‪١‬تنهج وكانت‬
‫األهواء غَت موجودة ‪ ،‬فظل ا‪١‬تنهج‬
‫مطبقا بُت بٍت آدم ‪ .‬وبعد ذلك‬
‫تعددت األهواء ‪ ،‬وتعدد األهواء إ‪٪‬تا‬
‫ينشأ عن االستػثار با‪١‬تنافع ‪ ،‬وذلك‬
‫بسبب ا‪٠‬توف من استػثار الغَت ‪،‬‬
‫فنشأ حب الذات ‪ ،‬و‪١‬تا كانت ا‪١‬تنافع‬
‫ال تؾسع ألطماع الناس فقد‬
‫استشرى حب االستػثار والتملك‬
‫‪.‬‬
‫و‪٧‬تد هذه ا‪١‬تسألة واضحة حؼنما‬
‫تتوافر السلع وتغمر األسواق ‪.‬‬

‫وتستطيع أن تشًتي أي سلعة يف أي‬


‫وقت ٖتب ‪ ،‬وٕتدها متوافرة ‪ ،‬عند‬
‫ذلك ال توجد أزمة ‪ ،‬لكن األزمة‬
‫تنشأ عندما تقل الكميات‬
‫ا‪١‬تعروضة من السلع عن حاجة‬
‫الناس ‪ ،‬فؼتكالب الناس عَل‬
‫االستػثار بها ‪ .‬وهكذا نعرف أن‬
‫ا‪١‬تنافع عندما توجد ‪ ،‬وتكون دون‬
‫األطماع هنا تتولد ا‪١‬تشكبلت ‪.‬‬
‫ومن ر‪ٛ‬تة ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل‬
‫با‪٠‬تلق ‪ ،‬ومن ٘تام علمه سبحانه‬
‫بضعف البشر أمام أهوائهم وأمام‬
‫استػثارهم با‪١‬تنافع ‪ ،‬أرسل الرسل‬
‫إىل البشر ليبشروا ولؼنذروا ‪{ .‬‬
‫َوأَن َز َل َمعَ ُه ُم الكتاب با‪ٟ‬تق لِي َ ْح ُك َم‬
‫يما اختلفوا فِي ِه َو َما‬ ‫ِ‬
‫ُت الناس ف َ‬ ‫بَ ْ َ‬
‫وه ِمن بَعْ ِد‬ ‫اختلف فِي ِه إِال َّالذين أُو ُت ُ‬
‫َما َجآءَْتْ ُ ُم البؼنات } فكأن ا‪ٟ‬تق لم‬
‫يشأ أن يًتك البشر ليختلفوا ‪،‬‬
‫وإ‪٪‬تا الغفلة من الناس هي اليت‬
‫أوجدت هذا االختبلف ‪ِ { .‬من‬
‫بَعْ ِد َما َجآءَْتْ ُ ُم البؼنات بَغْيا ًبَؼْن َ ُه ْم‬
‫} ومن هذا القول ا‪ٟ‬تكيم نعرف‬
‫أن االختبلف ال ينشأ إال من إرادة‬
‫البغي ‪ ،‬والبغي هو أن يريد اإلنسان‬
‫أن يأخذ غَت حقه ‪ .‬وما دام كل منا‬
‫يريد أن يأخذ غَت حقه فبل بد أن‬
‫ينشأ البغض ‪.‬‬
‫{ فَهَ َدى اهلل الذين آ َم ُنوا ْ ِ‪١‬تَا‬
‫اختلفوا فِي ِه ِم َن ا‪ٟ‬تق بِإِذْنِ ِه } أي أن‬
‫اهلل يهدي الذين آمنوا من كل قوم‬
‫بالرسول الذي جاء مبشرا ومنذرا‬
‫وحامبل منهج ا‪ٟ‬تق ليحكم بُت‬
‫الناس فيما اختلفوا فيه ‪ .‬وبذلك‬
‫يظل ا‪١‬تنهج سائدا ًإىل أن ٘تضي‬
‫فًتة طويلة تغفل فيها النفوس ‪،‬‬
‫وتبدأ من خبل‪٢‬تا ا‪١‬تطامع و٭تدث‬
‫النسيان ‪١‬تنهج اهلل ‪ ،‬وتنشأ األهواء‬
‫‪ ،‬فَتسل اهلل الرسل ليعيدوا الناس‬
‫إىل ا‪١‬تنهج القويم ‪ ،‬واستمر هذا‬
‫األمر حىت جاءت رسالة اإلسبلم‬
‫خا٘تة وبعث اهلل سيدنا ‪٤‬تمدا ًصَل‬
‫اهلل عليه وسلم للدنيا كافة ‪،‬‬
‫وبذلك ضمن لنا ا‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل أال ينشأ خبلف يف األصل؛‬
‫ألننا لو كنا سنختلف يف أصل‬
‫العقيدة ‪ٞ‬ترى علؼنا ما جرى عَل‬
‫األمم السابقة ‪ .‬هم اختلفوا‬
‫فأرسل اهلل ‪٢‬تم رسبل مبشرين‬
‫ومنذرين ‪ ،‬لكن أمة ‪٤‬تمد صَل اهلل‬
‫عليه وسلم أراد ا‪ٟ‬تق ‪٢‬تا منهجا‬
‫واضحا ٭تميها من االختبلف يف‬
‫أصل العقيدة ‪ .‬وإن اختلف الناس‬
‫من أمة ‪٤‬تمد صَل اهلل عليه وسلم‬
‫فعليهم أن يسًتشدوا با‪١‬تنهج ا‪ٟ‬تق‬
‫ا‪١‬تتمثل يف القرآن والسنة ‪.‬‬
‫ونعرف أن من ‪٦‬تيزاته صَل اهلل‬
‫عليه وسلم أنه خاتم األنؽياء ْتق ‪،‬‬
‫ولن ٕتد يف ا‪١‬توكب الرسايل رسوال‬
‫أوكل له اهلل أن ينشئ حكما‬
‫جديدا لم يزنل يف كتاب اهلل إال‬
‫سيدنا ‪٤‬تمدا ًصَل اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫لقد أعىط اهلل سيدنا رسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم التفويض يف أن‬
‫يشرع عن اهلل؛ يف ظل عصمة اهلل‬
‫له فقد قال سبحانه ‪َ { :‬و َمآ آتَا ُك ُم‬
‫الرسول فَ ُخ ُذ ُوه َو َما َهنَا ُك ْم َعن ْ ُه‬
‫فانتهوا } ػ ا‪ٟ‬تشر ‪] 7 :‬‬
‫إنه أمر واضح للمؤمنُت بأن‬
‫يأ٘تروا بأمر الرسول الكريم صَل‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ألن ما يأمرهم به‬
‫فيه الصبلح وا‪٠‬تَت ‪ ،‬وأن ينتهوا‬
‫عما ينهاهم عنه؛ ألنه صَل اهلل‬
‫عليه وسلم إ‪٪‬تا ينهي عن األمور‬
‫اليت لؼس فيها خَت ألمة ا‪١‬تسلمُت ‪.‬‬
‫ويأمر ا‪ٟ‬تق جل وعبل ‪ٚ‬تاعة‬
‫ا‪١‬تسلمُت بطاعة الرسول صَل اهلل‬
‫عليه وسلم ألهنا من طاعة اهلل ‪،‬‬
‫فيقول جل وعبل ‪َّ { :‬م ْن يُ ِط ِع‬
‫الرسول فَ َق ْد أ َ َطا َع اهلل َو َمن توىل‬
‫فَ َمآ أ َ ْر َسلْن َ َ‬
‫اك عَلَي ْ ِه ْم َح ِفيظا ً} ػ‬
‫النساء ‪] 80 :‬‬
‫وهكذا نرى أن طاعة الرسول‬
‫صَل اهلل عليه وسلم من طاعة اهلل ‪،‬‬
‫ومن يعرض عن طاعته فله العقاب‬
‫يف اآلخرة ‪ .‬ويؤكد ا‪ٟ‬تق سبحانه عَل‬
‫طاعته وطاعة الرسول صَل اهلل‬
‫عليه وسلم فيقول ‪ُ { :‬ق ْل أ َ ِط ُيعوا ْ‬
‫اهلل والرسول فإِن تَ َول َّ ْوا ْفَإ َِّن اهلل ال َ‬
‫ب الكافرين } ػ آل عمران ‪:‬‬ ‫ُ٭ت ِ ُّ‬
‫‪] 32‬‬
‫هكذا نعرف أن طاعة الر‪ٛ‬تن‬
‫تستوجب طاعة الرسول صَل اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ .‬إذن فقد فوض اهلل‬
‫رسوله أن يُ َش ّ ِرع للبشر ‪ .‬وهو عليه‬
‫الصبلة والسبلم ما ينطق عن ا‪٢‬توى‬
‫‪.‬‬
‫وميزة أخرى ألمة ا‪١‬تسلمُت هي أن‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫ترك لنا حق االجتهاد يف ا‪١‬تسائل‬
‫اليت لم يأيت فيها نص يف القرآن وال‬
‫من السنة ‪ ،‬أو ورد فيها نص ولكنه‬
‫٭تتمل أكثر من معٌتً ‪ ،‬ومعٌت ذلك‬
‫أن ا‪ٟ‬تق سبحانه قد أ ِم َن أمة ‪٤‬تمد‬
‫عليه الصبلة والسبلم بأن تصل‬
‫باالجتهاد ‪١‬تا ٭تسم أي خبلف ‪ ،‬وأن‬
‫أي اختبلف لن يصل إىل ا‪ٞ‬توهر ‪.‬‬
‫فلو علم اهلل أزال أننا سوف ‪٩‬تتلف‬
‫اختبلفا يف صحيح العقيدة لكان قد‬
‫أرسل لنا رسبل ً‪.‬‬
‫و‪٨‬تن ‪٧‬تد كل االختبلفات بُت‬
‫طوائف ا‪١‬تسلمُت ال ٗترج عن‬
‫إطار فهم نصوص القرآن أو‬
‫أحاديث رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وكل مسلم يريد أن‬
‫يستقي دليله من الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫ومعٌت ذلك أننا لن نًتك األصل ‪،‬‬
‫ولكن كل منا يريد أن يأخذ ا‪ٟ‬تكم‬
‫الصحيح بل إننا ‪٧‬تد أن بعضا من‬
‫ا‪١‬تسلمُت الذين لم ‪٬‬تدوا دليلهم‬
‫من القرآن والسنة قد حاولوا أن‬
‫يضعوا حديثا ينسبونه إىل رسول‬
‫اهلل ليؽنوا عليه ا‪ٟ‬تكم الذي‬
‫يريدونه ‪ .‬وهؤالء مأواهم النار؛‬
‫ألهنم نطقوا بلسان رسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم ما لم يقله الرسول‬
‫الكريم لقد كذبوا عليه ‪ ،‬ومن‬
‫كذب عليه متعمدا فليؾبوأ مقعده‬
‫من النار ‪.‬‬
‫إذن فكلنا نلتقي حول القرآن‬
‫والسنة والنبوية ‪ ،‬أين ا‪١‬تشكلة‬
‫إذن؟ ا‪١‬تشكلة هي أن يكون الناس‬
‫أذكياء وعَل علم حىت يعرفوا هل‬
‫ا‪١‬تأخوذ من القرآن مقبول أو غَت‬
‫مقبول؟ وهل األحاديث ا‪١‬تسؾند‬
‫إليها ٔتقايؼس ا‪ٞ‬ترح والتعديل‬
‫موجودة أو ال؟ إذ ن فحصافة‬
‫االجتهاد والرأي عند أمة ‪٤‬تمد‬
‫صَل اهلل عليه وسلم جعلتهم‬
‫مأمونُت عَل كل شيء يف ا‪١‬تنهج ‪.‬‬
‫وأن ا‪٠‬تبلف فيما بؼنهم لم يصل‬
‫إىل ما وصلت إليه األمم السابقة ‪،‬‬
‫ولكن عليهم أن ينتهوا ويرتقوا‬
‫حىت ٯتيزوا األمور اليت تكون من‬
‫غَت معطيات القرآن ‪ ،‬ثم يريد‬
‫قوم أن ٭تملوها عَل القرآن ‪.‬‬
‫إن عليهم أال يفسروا القرآن‬
‫حسب أهوائهم بل حسب ما جاء‬
‫به الرسول صَل اهلل عليه وسلم حىت‬
‫يكون هواهم تبعا ‪١‬تا جاء به وعلؼنا‬
‫أن ننؾبه إىل أن اهلل قد أ ِم َن أمة‬
‫‪٤‬تمد صَل اهلل عليه وسلم عَل‬
‫القرآن وعَل رسالة اإلسبلم ‪،‬‬
‫والقرآن ورسالة اإلسبلم لن‬
‫يصيبها التغيَت أو التحريف ‪ ،‬وكل‬
‫ما هو مطلوب أن يكون ا‪١‬تؤمنون‬
‫أهل دقة وفطنة ‪ ،‬فإذا أراد إنسان‬
‫أن يستغل أية سلطة زمنية أو أن‬
‫‪٬‬تيء ْتديث موضوع لَتوج لباطله‬
‫فعَل ا‪١‬تسلمُت أن يكشفوا سوء‬
‫مقصد هذا اإلنسان ‪.‬‬

‫فنحن نفهم أن اهلل شاء باإلسبلم‬


‫حياة القيم ‪ ،‬كما شاء با‪١‬تاء حياة‬
‫ا‪١‬تادة ‪ ،‬وا‪١‬تاء حىت يظل ماء فبل بد‬
‫أن يظل ببل طعم وال لون وال‬
‫رائحة ‪ ،‬فإذا أردت أن ٕتعل له‬
‫طعما ًخرج عن خاصؼته؛ رٔتا‬
‫أصبح مشروبا أو عصَتا ًأو غَت‬
‫ذلك ‪ ،‬وقد ٭تب بعض الناس نوعا‬
‫من العصَت ‪ ،‬لكن كل الناس ٭تبون‬
‫ا‪١‬تاء؛ ألن به ُتصان ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬فإذا‬
‫رأيت دينا ًقد تلون ّتماعة أو‬
‫بهؼئة أو بشكل فاعلم أن ذلك‬
‫خارج عن نطاق اإلسبلم ‪ .‬وكل‬
‫‪ٚ‬تاعة تريد أن تصبغ دين اهلل بلون‬
‫إ‪٪‬تا ٮترجونه عن طؽيعته األصلية ‪،‬‬
‫ولذلك ‪٧‬تد أمؾنا يف مصر قد صانت‬
‫علوم اإلسبلم باألزهر الشريف‬
‫وكل عالم من علماء اإلسبلم يف أي‬
‫بقعة من بقاع األرض مدين‬
‫لؤلزهر الشريف ‪ .‬و‪٧‬تد أننا ‪٨‬تب‬
‫آل بيت رسول اهلل صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ولكن ال ‪٧‬تد عندنا متشيعا‬
‫واحدا ‪ ،‬ويف الوقت نفسه ال ‪٧‬تد‬
‫واحدا ًيكره أبا بكر وعمر ‪ ،‬وهذا‬
‫هو اإلسبلم الذي ال يتلون؛ ألنه‬
‫إسبلم الفطرة ‪ِ { .‬صبْغ َ َة اهلل َو َم ْن‬
‫أ َ ْح َس ُن ِم َن اهلل ِصبْغَةً } ػ ق‬
‫البرة ‪:‬‬
‫‪] 138‬‬
‫فالذين ٭تاولون يف زمان من األزمنة‬
‫أن يصبغوا الدين بشكل أو بطقوس‬
‫أو بلون أو برسوم أو هؼئة خاصة‬
‫نقول ‪٢‬تم ‪ :‬أنتم تريدون أن‬
‫ُٗترجوا اإلسبلم عن عمومؼته‬
‫الفطرية اليت أرادها اهلل له ‪ ،‬والبد‬
‫أن تقفوا عند حد الفطرة‬
‫اإلسبلمية ‪ ،‬وال تلونوا اإلسبلم هذا‬
‫التلوين ‪ .‬وبذلك ‪٨‬تقق قول اهلل ‪{ :‬‬
‫فَهَ َدى اهلل الذين آ َم ُنوا ْ ِ‪١‬تَا اختلفوا‬
‫فِي ِه ِم َن ا‪ٟ‬تق بِإِذْنِ ِه واهلل يَهْ ِدي َمن‬
‫اط ُّم ْستَقِ ٍ‬
‫يم }‬ ‫ي َ َشآء إىل ِص َر ٍ‬
‫ُ‬
‫ونعرف أن ا‪٢‬تداية معناها األمر‬
‫ا‪١‬توصل للغاية ‪ ،‬وحُت ترد ا‪٢‬تداية‬
‫من اهلل سبحانه وتعاىل فعلؼنا أن‬
‫نفهم أن ا‪٢‬تداية من اهلل ترد عَل‬
‫معنيُت ‪ :‬ا‪١‬تعٌت األول هو الداللة‬
‫عَل الطريق ا‪١‬توصل ‪ ،‬وا‪١‬تعٌت الثاين‬
‫هو ا‪١‬تعونة ‪.‬‬
‫وضربت من قبل ا‪١‬تثل بشرطي‬
‫ا‪١‬ترور الذي يدلك عَل الطريق‬
‫ا‪١‬توصل إىل الغاية اليت تريدها ‪،‬‬
‫فإن احًتمت كبلمه ونفذته فهو‬
‫يعطي لك شؼئا ًمن ا‪١‬تعونة ‪ ،‬بأن‬
‫يسَت معك أو يوصلك إىل ا‪١‬تكان‬
‫الذي تريد ‪ .‬فما بالنا با‪ٟ‬تق سبحانه‬
‫وتعاىل وله ا‪١‬تثل األعَل؟ إنه يهدي‬
‫ا‪ٞ‬تميع ٔتعٌت يد‪٢‬تم ‪ ،‬فالذين آمنوا‬
‫به وأحبوه يهديهم هداية أخرى ‪،‬‬
‫وهي أن يعؼنهم عَل ما أقاموا‬
‫نفوسهم فيه ‪ .‬وبعضنا يدخله‬
‫العجب عندما يسمع قول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫َ‬
‫ود فَهَ َديْن َ ُاه ْم فاستحبوا‬ ‫{ َوأ َّما ‪ٙ‬تَ ُ ُ‬
‫الع ىم عََلَ ا‪٢‬تدى فَأ َ َخ َذْتْ ُ ْم َصا ِعقَ ُة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العذاب ا‪٢‬تون ٔتَا كَانُوا ْي َ ْكسب ُ َ‬
‫ون *‬
‫ون }‬ ‫َو َ‪٧‬تَّؼْنَا الذين آ َم ُنوا ْ َوكَانُوا ْيتَّ ُق َ‬
‫ػ فصلت ‪] 18-17 :‬‬
‫بعضنا يتعجب مؾسائبل ‪ :‬كيف‬
‫يقول سبحانه ‪ :‬إنه هداهم ‪ ،‬ثم‬
‫استحبوا الع ىم عَل الهدى؟ ونقول ‪:‬‬
‫إن « هداهم » جاءت هنا ٔتعٌت «‬
‫د‪٢‬تّم » لكنهم استحبوا الع ىم عَل‬
‫ا‪٢‬تدى ‪ ،‬أما الذين استجابوا ‪٢‬تداية‬
‫الداللة وآمنوا فقد أعاهنم اهلل‬
‫وأ‪٧‬تاهم؛ ألهنم عرفوا تقواه‬
‫سبحانه ‪.‬‬
‫و‪٨‬تن نسمع بعض الناس يقولون ‪:‬‬
‫ما دام اهلل يهدي من يشاء إىل‬
‫صراط مستقيم فما ذنب الذي لم‬
‫يهتد؟ نقول ‪ :‬إن ا‪ٟ‬تق يهدي من‬
‫شاء إىل صراط مستقيم؛ أي يبُت‬
‫الطريق إىل ا‪٢‬تداية ‪ ،‬فمن يأخذ‬
‫بهداية الداللة يزده اهلل بهداية‬
‫ا‪١‬تعونة ويؼسر له ذلك األمر ‪ .‬و‪٨‬تن‬
‫نعلم أن اهلل نىف ا‪٢‬تداية عن رسول‬
‫اهلل صَل اهلل عليه وسلم يف آية ‪،‬‬
‫وأثؽتها له يف آية أخرى برغم أنه‬
‫فعل واحد لفاعل واحد ‪ .‬قال ا‪ٟ‬تق‬
‫نافيا ا‪٢‬تداية عن الرسول صَل اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬إِن ّ ََك ال َْتَ ْ ِدي َم ْن‬
‫أ َ ْحؽَب ْ َت } ػ القصص ‪] 56 :‬‬
‫وا‪ٟ‬تق يذكر للرسول صَل اهلل عليه‬
‫وسلم ا‪٢‬تداية يف موضع آخر فيقول‬
‫له ‪ { :‬وإِن ّ ََك لتهدي إىل ِص َر ٍ‬
‫اط‬ ‫َ‬
‫يم } ػ الشورى ‪] 52 :‬‬ ‫ُّم ْستَقِ ٍ‬
‫ومن هنا نفهم أن ا‪٢‬تداية نوعان ‪:‬‬
‫هداية الداللة ‪ ،‬فهو « يهدي » أي‬
‫يدل الناس عَل طريق ا‪٠‬تَت ‪.‬‬
‫وهناك هداية أخرى معنوية ‪ ،‬وهي‬
‫من اهلل وال دخل للرسول صَل اهلل‬
‫عليه وسلم فيها ‪ ،‬وهي هداية‬
‫ا‪١‬تعونة ‪.‬‬
‫إذن قوله تعاىل ‪َ { :‬وإِن ّ ََك لتهدي إىل‬
‫يم } معناها ‪ :‬أنك‬ ‫ِص َر ٍ‬
‫اط ُّم ْستَقِ ٍ‬
‫تدل عَل الصراط ا‪١‬تستقيم ‪ ،‬ولكن‬
‫اهلل هو الذي يعُت عَل هذه ا‪٢‬تداية‬
‫ِ‬
‫‪ { .‬واهلل يَهْدي َمن ي َ َش ُ‬
‫آء إىل‬
‫يم } فعلؼنا أن‬ ‫ِص َر ٍ‬
‫اط ُّم ْستَقِ ٍ‬
‫نستحضر اآليات اليت شاء اهلل أن‬
‫يهدي فيها مؤمنا وأال يهدي آخر ‪.‬‬
‫ويقول ا‪ٟ‬تق سبحانه ‪ { :‬واهلل ال َ‬
‫يَهْ ِدي القوم الكافرين } ػ البقرة ‪:‬‬
‫‪] 264‬‬
‫معٌت ذلك أن اهلل ال يهدي إال الذين‬
‫آمنوا به ‪ .‬وهدايته للمؤمنُت‬
‫تكون ٔتعونتهم عَل االستمرار يف‬
‫ا‪٢‬تداية؛ فالكل قد جاءته هداية‬
‫الداللة ولكن ا‪ٟ‬تق ٮتتص ا‪١‬تؤمنُت‬
‫بهداية ا‪١‬تعونة ‪ .‬وا‪ٟ‬تق يقول يف‬
‫ذلك ‪ { :‬أَفَ َم ْن أ َ َّس َس ُبنْيَان َ ُه عَل‬
‫تقوى ِم َن َ ِ‬
‫اّلل َو ِر ْض َوانٍ َخ َْتٌ أَم َّم ْن‬‫ّ‬
‫أ َ َّس َس ُبنْيَان َ ُه عَل َش َفا ُج ُر ٍف َها ٍر‬
‫فاهنار بِ ِه ِيف نَا ِر َجهَنَّ َم واهلل ال َيَهْ ِدي‬
‫القوم الظا‪١‬تُت } ػ التوبة ‪109 :‬‬
‫]‬
‫إن ا‪ٟ‬تق يوضح لنا ا‪١‬تقارنة بُت‬
‫الذي يؤسس بنيان حياته عَل‬
‫تقوى من اهلل ابتغاء اٍفير وا‪ٞ‬تنة ‪،‬‬
‫وهو الذي جاءته هداية الداللة‬
‫فاتبعها ‪ ،‬فجاءته هداية ا‪١‬تعونة من‬
‫اهلل ‪ .‬وبُت ذلك الذي يؤسس بنيان‬
‫حياته عَل حرف واد متصدع آيل‬
‫للسقوط فسقط به البنيان يف نار‬
‫جهنم ‪ ،‬إنه الذي جاءته هداية‬
‫الداللة فتجاهلها ‪ ،‬فلم تصله‬
‫هداية ا‪١‬تعونة ‪ ،‬ذلك هو الظالم‬
‫ا‪١‬تنافق الذي يريد السوء با‪١‬تؤمنُت‬
‫‪ .‬وا‪ٟ‬تق تبارك وتعاىل يقول ‪{ :‬‬
‫استغفر َ‪٢‬ت ُ ْم أ َ ْو ال َتَ ْستَغ ْ ِف ْر َ‪٢‬ت ُ ْم إِن‬
‫ُت َم َّرة ًفَل َن يَغ ْ ِف َر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَ ْستَغْف ْر َ‪٢‬ت ُ ْم َسبْع َ‬
‫اهلل َ‪٢‬ت ُ ْم ذلك بِأ َ َّهن ُ ْم َك َف ُروا ْباهلل‬
‫َو َر ُسول ِ ِه واهلل ال َيَهْ ِدي القوم‬
‫الفاسقُت } ػ التوبة ‪] 80 :‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق يبلغ رسوله أنه مهما‬
‫استغفر للمنافقُت الذين يُظهرون‬
‫اإلسبلم ‪ ،‬ويبطنون الكفر فلن يغفر‬
‫اهلل ‪٢‬تم ‪١ ،‬تاذا؟ ألن هداية الداللة‬
‫قد جاءت ‪٢‬تم فادعوا أهنم مؤمنون‬
‫بها ‪ ،‬ولم تصلهم هداية ا‪١‬تعونة؛‬
‫ألهنم يكفرون باهلل ورسوله ‪ ،‬واهلل‬
‫ال يهدي مثل هؤالء القوم‬
‫الفاسقُت ا‪٠‬تارجُت بقو‪٢‬تم عن‬
‫منهج اهلل ‪ .‬وبعد ذلك يقول ا‪ٟ‬تق ‪:‬‬
‫{ أ َ ْم َح ِسؽ ْ ُت ْم أَن تَ ْد ُخلُوا ْا‪ٞ‬تنة َو َ‪١‬تَّا‬
‫يَأْتِ ُكم َّمث َ ُل الذين َخل َ ْوا ْ ِمن قَبْلِ ُكم‬
‫‪}...‬‬

‫أ َ ْم َح ِسؽ ْ ُت ْم أ َ ْن تَ ْد ُخلُوا ا‪ٞ‬تَْنَّ َة َو َ‪١‬تَّا‬


‫يَأْتِ ُك ْم َمث َ ُل ال َّ ِذي َن َخل َ ْوا ِم ْن قَبْلِ ُك ْم‬
‫َم َّست ْ ُه ُم الْبَأ ْ َس ُاء َوا َّلض َّر ُاء َو ُزل ْ ِزلُوا‬
‫ول َوال َّ ِذي َن آ َم ُنوا‬ ‫ول ال َّر ُس ُ‬ ‫َح َّىت ي َ ُق َ‬
‫اّلل أ َ َال إ َِن ن َ ْص َر َ ِ‬
‫اّلل‬ ‫مع ُه م َىت ن َ ْصر َ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ََ َ‬
‫يب (‪)214‬‬ ‫قَ ِر ٌ‬
‫أي أظننتم أنكم تدخلون ا‪ٞ‬تنة‬
‫بدون ابتبلءات ٖتدث لكم؟ إن‬
‫ا‪ٟ‬تق سبحانه ينفي هذا الظن ويقول‬
‫‪ :‬لؼس األمر كذلك ‪ ،‬بل البد من‬
‫ٖتمل تبعات اإلٯتان ‪ ،‬فلو كان‬
‫اإلٯتان بالقول لكان األمر سهبل ‪،‬‬
‫لكن الذي يُ َصعِ ُب اإلٯتان هو‬
‫العمل ‪ ،‬أي ‪ٛ‬تل النفس عَل منهج‬
‫اإلٯتان ‪ .‬لقد استكُب بعض من‬
‫الذين عاصروا ‪٤‬تمدا ًصَل اهلل عليه‬
‫وسلم أن يقولوا ‪ « :‬ال إله إال اهلل »‬
‫ألهنم فهموا مطلوبها؛ ألن األمر لو‬
‫اقتصر عَل ‪٣‬ترد كلمة تقال ببل‬
‫رصيد من عمل يؤديها ‪ ،‬لكان‬
‫أسهل عليهم أن يقولوها ‪ ،‬لكنهم‬
‫كانوا ال يقولون إال الكلمة ْتقها ‪،‬‬
‫ولذلك أيقنوا ٘تاما أهنم لو قالوا ‪« :‬‬
‫ال إله إال اهلل » النتهت كل‬
‫معتقداْتم السابقة ‪ ،‬لكنهم لم‬
‫يقولوها؛ ألهنم أبوا وامؾنعوا عن‬
‫القيام ْتقها وأداء مطلوبها ‪.‬‬
‫إن ا‪ٟ‬تق يقول ‪ { :‬أ َ ْم َح ِسؽ ْ ُت ْم أَن‬
‫تَ ْد ُخلُوا ْا‪ٞ‬تنة َو َ‪١‬تَّا يَأْتِ ُكم َّمث َ ُل‬
‫الذين َخل َ ْوا ْ ِمن قَبْلِ ُكم َّم َّست ْ ُه ُم‬
‫البأسآء والضرآء } فما العبلقة بُت‬
‫هذه اآلية وما سبق من اآليات؟ لقد‬
‫كان ا‪ٟ‬تديث عن بٍت إسرائيل‬
‫الذين حسبوا أهنم يدخلون ا‪ٞ‬تنة‬
‫بدون أن يؽتلوا ‪ ،‬وصارت ‪٢‬تم‬
‫أهواء ٭ترفون بها ا‪١‬تنهج ‪ .‬أما أمة‬
‫رسول اهلل صَل اهلل عليه وسلم‬
‫فعليهم أن يستعدوا لبلبتبلء ‪ ،‬وأن‬
‫يعرفوا كيف يتحملون الصعاب ‪.‬‬
‫و‪٨‬تن نعرف يف النحو أن هناك‬
‫أدوات نفي وجزم ‪ .‬ومن أدوات‬
‫النفي « لم » و « ‪١‬تا » فعندما نقول‬
‫‪ « :‬لم ٭تضر زيد » فهذا حديث يف‬
‫ا‪١‬تاضي ‪ ،‬ومن ا‪ٞ‬تائز أن ٭تضر اآلن‬
‫‪ .‬ولكن إذا قلت ‪١ « :‬تا ٭تضر زيد »‬
‫فالنفي مستمر حىت اآلن ‪ ،‬أي أنه‬
‫لم يأيت حىت ساعة الكبلم لكن‬
‫حضوره و‪٣‬تؼئه متوقع ‪ .‬ولذلك‬
‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬قَال َ ِت األعراب آ َم َّان‬
‫ُقل ل َّ ْم ُت ْؤ ِم ُنوا ْولكن قولوا أ َ ْسل َ ْمنَا‬
‫َو َ‪١‬تَّا ي َ ْد ُخ ِل اإلٯتان ِيف ُقلُوبِ ُك ْم } ػ‬
‫ا‪ٟ‬تجرات ‪] 14 :‬‬
‫وعندما ‪ٝ‬تع األعراب ذلك قالوا ‪:‬‬
‫‪٨‬تمد اهلل ‪ ،‬فمازال هناك أمل أن‬
‫نؤمن ‪ .‬لقد أراد اهلل أن يكون‬
‫األعراب صادقُت مع أنفسهم ‪،‬‬
‫وقد نزلت هذه اآلية كما يقول‬
‫بعض ا‪١‬تفسرين يف قوم من بٍت أسد‬
‫‪ ،‬جاءوا إىل ا‪١‬تدينة يف سنة جدب ‪،‬‬
‫وأعلنوا الشهادة لرسول اهلل صَل‬
‫اهلل عليه وسلم وقالوا ‪ « :‬ال إله إال‬
‫اهلل ‪٤‬تمد رسول اهلل » ‪ ،‬وكانوا‬
‫يطلبون الصدقة ‪ ،‬و٭تاولون أن‬
‫ٯتنوا عَل الرسول صَل اهلل عليه‬
‫وسلم بأهنم لم يقاتلوه كما فعل‬
‫غَته م ‪ ،‬فجاءت هذه اآلية لتوضح‬
‫أن اإلٯتان درجة أرىق من إظهار‬
‫اإلسبلم ‪ .‬لكن ذلك ال يعٍت أهنم‬
‫منافقون ‪ ،‬ولذلك يوضح القرآن‬
‫الكريم أن إظهار اإلسبلم ال يعٍت‬
‫اإلٯتان؛ ألن اإلٯتان عملية قلؽية‬
‫‪.‬‬
‫لقد أعلنوا ا‪٠‬تضوع هلل ‪ ،‬وأرادوا أن‬
‫يقوموا بأعمال ا‪١‬تسلمُت نفسها‬
‫لكن لؼس هذا هو كل اإلٯتان ‪.‬‬
‫آمنَّا } فقال ا‪ٟ‬تق‬
‫وهم قالوا ‪َ { :‬‬
‫‪٢‬تم ‪ :‬ال لم تؤمنوا وكونوا صادقُت‬
‫مع أنفسكم فاإلٯتان عملية قلؽية‬
‫‪ ،‬وال يقال إنك آمنت؛ ألهنا مسألة‬
‫يف قلبك ‪ ،‬ولكن قل أسلمت ‪ ،‬أي‬
‫خضعت وفعلت مثلما يفعل‬
‫ا‪١‬تؤمنون ‪ ،‬فهل فعلت ذلك عن‬
‫إٯتان أو غَت إٯتان ‪.‬‬

‫إن ذلك ه و موضوع آخر ‪ .‬هنا‬


‫تقول اآلية ‪ { :‬أ َ ْم َح ِسؽ ْ ُت ْم أَن‬
‫تَ ْد ُخلُوا ْا‪ٞ‬تنة َو َ‪١‬تَّا يَأْتِ ُكم َّمث َ ُل‬
‫الذين َخل َ ْوا ْ ِمن قَبْلِ ُكم } أي ال‬
‫ٯتكن أن تدخلوا ا‪ٞ‬تنة إال إذا‬
‫جاءكم من االبتبلء مثل من‬
‫سبقكم من األمم والبد أن ُتفؾنوا‬
‫وأن ٘تحصوا ببأساء وضراء ‪ ،‬ومن‬
‫يؿبت بعد ذلك فهو يستحق أن‬
‫يدخل ا‪ٞ‬تنة ‪ ،‬فبل تظنوا أنكم أمة‬
‫متميزة عن غَتكم يف أمر االخؾبار‬
‫‪ ،‬فأنتم لن تدخلوا ا‪ٞ‬تنة ببل ابتبلء ‪،‬‬
‫بل عَل العكس سيكون لكم‬
‫االبتبلء عَل قدر النعماء ‪.‬‬
‫أنتم ستأخذون مكانة عالية يف‬
‫األمم ولذلك البد أن يكون‬
‫ابتبلؤكم عَل قدر مكانتكم ‪ ،‬فإن‬
‫كنتم ذوي مكانة عالية وستحملون‬
‫الرسالة ا‪٠‬تا٘تة وتنساحون يف‬
‫الدنيا فبل بد أن يكون ابتبلؤكم‬
‫عَل قدر عظمة مسئولؼتكم‬
‫ومهمتكم ‪.‬‬
‫{ َو َ‪١‬تَّا يَأْتِ ُكم َّمث َ ُل الذين َخل َ ْوا ْ ِمن‬
‫قَبْلِ ُكم َّم َّست ْ ُه ُم البأسآء والضرآء‬
‫َو ُزل ْ ِزلُوا ْ} إن قول اهلل ‪َ { :‬و َ‪١‬تَّا }‬
‫يفيد بأن ما حدث للذين من قبلهم‬
‫من ابتبلء عليهم سيقع عَل ا‪١‬تؤمنُت‬
‫مثله ‪.‬‬
‫وعندما نتأمل قوله ا‪ٟ‬تق ‪{ :‬‬
‫َو ُزل ْ ِزلُوا ْ} فأنت تكتشف خاصية‬
‫فريدة يف اللغة العربية ‪ ،‬هذه‬
‫ا‪٠‬تاصية هي تعبَت الصوت عن‬
‫واقعية ا‪ٟ‬تركة ‪ ،‬فكلمة « زلزلوا »‬
‫أصلها زلزلة ‪ ،‬وهذه الكلمة ‪٢‬تا‬
‫مقطعان ‪٫‬تا « زل ‪ ،‬زل » ‪ .‬و « زل‬
‫» ‪ :‬أي سقط عن مكانه ‪ ،‬أو وقع من‬
‫مكانه ‪ ،‬والثانية ‪٢‬تا ا‪١‬تعٌت نفسه‬
‫أيضا ً‪ ،‬أي وقع من مكانه ‪ ،‬فالكلمة‬
‫تعطؼنا معٌت الوقوع ا‪١‬تتكرر ‪:‬‬
‫وقوع أول ‪ ،‬ووقوع ثانٍ ‪ ،‬والوقوع‬
‫الثاين لؼس امتدادا ًللوقوع األول؛‬
‫ولكنه يف إتاه معاكس ‪ ،‬فلو كانت‬
‫يف إتاه واحد ‪ٞ‬تاءت رتؼبة ‪ ،‬إن‬
‫الزلة الثانية تأيت عكس الزلة‬
‫األوىل يف االٕتاه ‪ ،‬فكأهنا سقوط جهة‬
‫اليمُت مرة ‪ ،‬وجهة الشمال مرة‬
‫أخرى ‪.‬‬
‫ومثل ذلك « ا‪٠‬تلخلة » أي حركة‬
‫يف إتاهُت معاكسُت « َخ ّل »‬
‫األوىل جهة اليمُت ‪ ،‬و « َخ ّل »‬
‫الثانية جهة الؼسار ‪ ،‬وبهذا تستمر‬
‫ا‪٠‬تلخلة ‪.‬‬
‫وهكذا « الزلزلة » ٖتمل داخلها‬
‫تغَت االٕتاه الذي يُس ىم يف ا‪ٟ‬تركة‬
‫بالقصور الذايت ‪ .‬وا‪١‬تثال عَل ذلك‬
‫هو ما ٭تدث لئلنسان عندما يكون‬
‫راكبا ًسيارة ‪ ،‬وبعد ذلك يأيت قائد‬
‫السيارة فيعوقها بالكابح « الفرامل‬
‫» بقوة ‪ ،‬عندئذ يندفع الراكب‬
‫لؤلمام مرة ‪ ،‬ثم للخلف مرة أخرى‬
‫‪ ،‬ورٔتا تكسر زجاج السيارة‬
‫األمامي حسب قوة االندفاع؛ ما‬
‫الذي تسبب يف هذا االندفاع؟ إن‬
‫السبب هو أن جسم الراكب كان‬
‫مهيأ ألن يسَت لؤلمام؛ والسائق‬
‫أوقف السيارة والراكب ال زال‬
‫مهيأ للسَت لؤلمام ‪ ،‬فهو يرتج ‪ ،‬وقد‬
‫يصطدم بأجزاء السيارة الداخلية‬
‫عند وقوفها فجأة ‪ .‬وعملية «‬
‫الزلزلة » مثل ذلك ٘تاما ً‪ ،‬ففيها‬
‫يصاب الشيء باالرٕتاج لؤلمام‬
‫وا‪٠‬تلف ‪ ،‬أو لليمُت والؼسار ‪ ،‬ويف‬
‫أي جهتُت متعاكستُت ‪.‬‬

‫و { َو ُزل ْ ِزلُوا ْ} يعٍت أصابتهم‬


‫الفاجعة الكُبى ‪ ،‬ا‪١‬تلهية ‪،‬‬
‫ا‪١‬تتكررة ‪ ،‬وهي ال تتكرر عَل ‪٪‬تط‬
‫واحد ‪ ،‬إ‪٪‬تا يتعدد تكرارها ‪ ،‬فمرة‬
‫يأخذها اإلٯتان ‪ ،‬ثم تأخذها‬
‫ا‪١‬تصائب واألحداث ‪ ،‬وتتكرر‬
‫ا‪١‬تسألة حىت يقول الرسول صَل اهلل‬
‫عليه وسلم والذين آمنوا معه ‪{ :‬‬
‫مىت ن َ ْص ُر اهلل } ؟‬
‫ويأيت بعده القول ‪ { :‬أال إ َِّن ن َ ْص َر‬
‫يب } فهل يؾساءلون أوال ً‪،‬‬ ‫اهلل قَ ِر ٌ‬
‫ثم يثوبون إىل رشدهم ويردون عَل‬
‫يب‬‫أنفسهم { أال إ َِّن ن َ ْص َر اهلل قَ ِر ٌ‬
‫} أم أن ذلك إيضاح بأن ا‪١‬تسألة‬
‫تتأرجح بُت { مىت ن َ ْص ُر اهلل }‬
‫يب } ؟ ‪.‬‬ ‫وبُت { أال إ َِّن ن َ ْص َر اهلل قَ ِر ٌ‬
‫لقد بلغ ا‪١‬توقف يف عصر رسول اهلل‬
‫صَل اهلل عليه وسلم من االخؾيار‬
‫واالبتبلء إىل القمة ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫واصل الرسول صَل اهلل عليه وسلم‬
‫والذين معه االستمساك باإلٯتان‬
‫‪ .‬لقد مستهم البأساء والضراء‬
‫وزلزلوا ‪ ،‬أي أصابتهم رجفة‬
‫عنيفة هزْتم ‪ ،‬حىت وصل األمر‬
‫من أثر هذه ا‪٢‬تزة أن { ي َ ُق َ‬
‫ول‬
‫الرسول والذين آ َم ُنوا ْ َمعَ ُه مىت ن َ ْص ُر‬
‫يب } ‪ .‬إن‬ ‫اهلل أال إ َِّن ن َ ْص َر اهلل قَ ِر ٌ‬
‫‪٣‬تيء األسلوب بهذا الشكل { مىت‬
‫ن َ ْص ُر اهلل } يعٍت اسؾبطاء ‪٣‬تيء‬
‫النصر أوال ً‪ ،‬ثم التبشَت من بعد‬
‫ذلك يف قوله ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬أال إ َِّن ن َ ْص َر‬
‫يب } ‪ .‬ولم يكن ذلك‬ ‫اهلل قَ ِر ٌ‬
‫للشك واالرتياب فيه ‪ .‬وهذا‬
‫االسؾبطاء ‪ ،‬ثم التبشَت كان من‬
‫ضمن الزلزلة الكبَتة ‪ ،‬فقد‬
‫اختلطت األفكار ‪ :‬أناس يقولون ‪:‬‬
‫{ مىت ن َ ْص ُر اهلل } فإذا بصوت آخر‬
‫من ا‪١‬تعركة يرد عليهم قائبل ‪ { :‬أال‬
‫يب } ‪.‬‬‫إ َِّن ن َ ْص َر اهلل قَ ِر ٌ‬
‫وسياق اآلية يقتضي أن الذين قالوا‬
‫‪ { :‬مىت ن َ ْص ُر اهلل } هم الصحابة ‪،‬‬
‫وأن الذي قال ‪ { :‬أال إ َِّن ن َ ْص َر اهلل‬
‫يب } هو رسول اهلل صَل اهلل‬ ‫قَ ِر ٌ‬
‫عليه وسلم ‪ .‬ثم ينتقل ا‪ٟ‬تق‬
‫سبحانه وتعاىل بعد ذلك إىل قضية‬
‫أخرى ‪ ،‬هذه القضية شاعت يف هذه‬
‫الصورة وهي ظاهرة سؤال ا‪١‬تؤمنُت‬
‫عن األشياء ‪ ،‬وهي ظاهرة إٯتانية‬
‫صحية ‪ ،‬وكان يف استطاعة ا‪١‬تؤمنُت‬
‫أال يسألوا عن أشياء لم يأيت فيها‬
‫تكليف إٯتاين خوفا ًمن أن يكون يف‬
‫اإلجابة عنها تقؼيد للحركة ‪،‬‬
‫ولذلك قال رسول اهلل صَل اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬ذروين ما تركتكم ‪،‬‬
‫فإ‪٪‬تا هلك من كان قبلكم بكثرة‬
‫سؤا‪٢‬تم واختبلفهم عَل أنؽيائهم ‪،‬‬
‫فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما‬
‫استطعتم وإذا هنؼتكم عن شيء‬
‫فدعوه » ‪.‬‬
‫ورغم ذلك كانوا يسألون عن أدق‬
‫تفاصيل ا‪ٟ‬تياة ‪ ،‬وكانت هذه‬
‫الظاهرة تؤكد أهنم عشقوا‬
‫التكليف من اهلل؛ فهم يريدون أن‬
‫يؽنوا كل تصرفاْتم بناء ًإسبلميا ً‪،‬‬
‫ويريدون أن يسألوا عن حكم‬
‫اإلسبلم يف كل عمل ليعملوا عَل‬
‫أساسه ‪ .‬يقول ا‪ٟ‬تق سبحانه وتعاىل ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫{ ي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫ك َماذَا يُنْف ُق َ‬
‫ون ‪} . . .‬‬

‫ون ُق ْل َما‬ ‫ِ‬


‫ك َماذَا يُنْف ُق َ‬ ‫ي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫أَن ْ َفقْ ُت ْم ِم ْن َخ ْ ٍ‬
‫َت فَلِل ْ َوال ِ َدي ْ ِن‬
‫ُت َوالْؼَت َ َاىم َوا ْ‪١‬ت َ َسا ِك ِ‬
‫ُت‬ ‫َو ْاألَقْ َربِ َ‬
‫ِيل َو َما تَ ْفعَلُوا ِم ْن َخ ْ ٍ‬
‫َت‬ ‫َواب ْ ِن َّ‬
‫السؽ ِ‬
‫فَإ َِن َ ِ ِ‬
‫يم (‪)215‬‬ ‫اّللَ بِه عَل ٌ‬
‫ّ ّ‬
‫والسؤال ورد من عمرو بن ا‪ٞ‬تموح‬
‫وكان شيخا ًكبَتا ًفقال ‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل ‪ ،‬إن مايل كثَت فبماذا أتصدق ‪،‬‬
‫وعَل من أنفق؟ ولم يكن يسأل‬
‫لنفسه فقط ‪ ،‬بل كان يًتجم عن‬
‫مشاعر غَته أيضا ‪ ،‬ولذلك جاءت‬
‫اإلجابة عامة ال ٗتص السائل‬
‫وحده ولكنها تشمل كل ا‪١‬تؤمنُت ‪.‬‬
‫ِ‬
‫والسؤال عن { َماذَا يُنْف ُق َ‬
‫ون } ؛‬
‫فكأن الشيء ا‪١‬تُنْفق هو الذي‬
‫يسألون عنه ‪ ،‬واإلنفاق كما نعرف‬
‫يتطلب فاعبل ًهو ا‪١‬تُنْفق؛ والشيء‬
‫ا‪١‬تُن َفق هو ا‪١‬تال ؛ ومن َف َقا ًعليه ‪ .‬وهم‬
‫قد سألوا عن ماذا ينفقون ‪ ،‬فكأن‬
‫أمر اإلنفاق أمر ُم َسل َّ ُم به ‪ ،‬لكنهم‬
‫يريدون أن يعرفوا ماذا ينفقون؟‬
‫فيأيت السؤال عَل هذه الوجه و‪٬‬تيء‬
‫ا‪ٞ‬تواب حامبل اإلجابة عن ذلك‬
‫الوجه وعن أمر زائد ‪.‬‬
‫ك َماذَا‬ ‫يقول ا‪ٟ‬تق ‪ { :‬ي َ ْسأَلُون َ َ‬
‫ون } هذا هو السؤال ‪،‬‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫يُن ْ ِ‬
‫ف‬
‫َ‬
‫وا‪ٞ‬تواب { ُق ْل َمآ أَن ْ َف ْق ُت ْم ِّم ْن َخ ْ ٍ‬
‫َت‬
‫فَلِل ْ َوال ِ َدي ْ ِن } ‪ .‬إن الظاهر‬
‫السطحي يظن أن السؤال هو فقط‬
‫عن ماذا ينفقون؟ وأن ا‪ٞ‬تواب جاء‬
‫عن ا‪١‬تنفق عليه ‪ .‬قنول ‪ :‬ال ‪١ ،‬تاذا‬
‫نسيت قوله ا‪ٟ‬تق ‪ :‬إن اإلنفاق ‪٬‬تب‬
‫أن كون من « خَت » فا‪١‬تال ا‪١‬تُنفق‬
‫منه ال بد أن يتصف بأنه جاء من‬
‫مصدر خَت ‪.‬‬
‫وبُت أنه ‪ :‬مادمتم‬‫وبعد ذلك زاد ّ‬
‫تعتقدون أن اإلنفاق واجب‬
‫فعليكم أن تعلموا ما هو الشيء‬
‫الذي تنفقونه ‪ ،‬و َم ْن الذي يستحق‬
‫أن يُن ْ َف َق عليه ‪ُ { .‬ق ْل َمآ أَن ْ َفقْ ُت ْم ِّم ْن‬
‫َت } ‪ .‬وا‪٠‬تَت هو الشيء ا‪ٟ‬تسن‬ ‫َخ ْ ٍ‬
‫النافع ‪ .‬وا‪١‬تُن ْ َفق عليه هو دوائر الذي‬
‫يُن ْ ِفق؛ ألن اهلل يريد أن ُ٭ت َ ّمل‬
‫ا‪١‬تؤمن دوائره ا‪٠‬تاصة ‪ ،‬حىت تلتحم‬
‫‪ٛ‬تل‬ ‫الدوائر مع بعضها فيكون قد ّ‬
‫ا‪١‬تجتمع عَل كل ا‪١‬تجتمع ‪ ،‬ألنه‬
‫سبحانه حُت ُ٭ت َ ّملٍت أسريت‬
‫ووالدي واألقربُت ‪ ،‬فهذه صيانة‬
‫لؤلهل ‪ ،‬وكل واحد منا له والدان‬
‫وأقربون ‪ ،‬ودائريت أنا تشمل‬
‫والدي وأقارّب ‪ ،‬ثم تشيع يف أمر‬
‫ّ‬
‫آخر؛ يف الؼتاىم وا‪١‬تساكُت ‪.‬‬
‫وهات كل واحد واحسب دوائره‬
‫من الوالدين واألقربُت وما يكون‬
‫حوله من الؼتاىم وا‪١‬تساكُت‬
‫فستجد الدوائر ا‪١‬تتماسكة قد‬
‫مشلت كل ا‪١‬تحتاجُت ‪ ،‬ويكون‬
‫ا‪١‬تجتمع قد ‪ٛ‬تل بعضه بعضا ً‪ ،‬وال‬
‫يوجد بعد ذلك إال العاجز عن‬
‫العمل ‪ .‬وعرفنا أن السائل هو «‬
‫عمرو بن ا‪ٞ‬تموح » ‪ ،‬وكانت له‬
‫قصة عجؼبة؛ كان أعرج واألعرج‬
‫معذور من اهلل يف ا‪ٞ‬تهاد ‪ ،‬فلؼس عَل‬
‫األع ىم حرج ‪ ،‬وال عَل األعرج‬
‫حرج وال عَل ا‪١‬تريض حرج ‪« .‬‬
‫وأراد الرسول صَل اهلل عليه وسلم‬
‫أن ٮترج من غزوة فجاءه عمرو بن‬
‫ا‪ٞ‬تموح وقال ‪ :‬يا رسول اهلل ال‬
‫ٖترمٍت من ا‪ٞ‬تهاد فإن أبنائي‬
‫٭ترمونٍت من ا‪٠‬تروج لعرجيت ‪ .‬قال‬
‫له النبي صَل اهلل عليه وسلم ‪ :‬إن‬
‫اهلل قد عذرك فيمن عذر ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ولكٍت يا رسول اهلل أحب أن أطأ‬
‫بعرجيت ا‪ٞ‬تنة » ‪.‬‬
‫هذا هو َم ْن سأل عن ماذا ينفقون ‪،‬‬
‫فجاءت اإلجابة من ا‪ٟ‬تق ‪ُ { :‬ق ْل َمآ‬
‫َت } أي ما أخرجتم‬ ‫أَن ْ َفقْ ُت ْم ِّم ْن َخ ْ ٍ‬
‫من مال؛ ألن اإلنفاق يعٍت اإلخراج‬
‫‪ ،‬وا‪٠‬تَت هنا هو ا‪١‬تال ‪ ،‬واإلنفاق‬
‫يقتضي إخراج ا‪١‬تال عن ملكية‬
‫اإلنسان بؽيع أو هبة أو صلة ‪،‬‬
‫وأصل كلمة « اإلنفاق » مأخوذ‬
‫من « نفقت السوق » أي راجت؛‬
‫ألن السوق تقوم عَل البضاعة ‪،‬‬
‫وحُت تأيت إىل السوق وال ٕتد سلعا ً‬
‫فذلك يعٍت أن السوق رائجة ‪،‬‬
‫ولكن عندما ٕتد البضائع مكدسة‬
‫بالسوق فذلك يعٍت أن السوق‬
‫الزالت قائمة ‪.‬‬

‫إذن فمعٌت « نفقت السوق » أي‬


‫ذهبت كل البضائع كما تذهب‬
‫ا‪ٟ‬تياة من الدابة ‪ ،‬فعندما نقول ‪:‬‬
‫نفقت الدابة ‪ ،‬أي ماتت ‪ .‬وأوجه‬
‫اإلنفاق بؼنها سبحانه يف قوله ‪{ :‬‬
‫فَلِل ْ َوال ِ َدي ْ ِن واألقربُت والؼتاىم‬
‫وا‪١‬تساكُت وابن السؽيل } ‪ .‬فهل‬
‫كل يؾيم ‪٤‬تتاج؟ رٔتا يكون اليؾيم‬
‫قد ورث ا‪١‬تال لكن علؼنا أن نفهم‬
‫أن ا‪١‬تسألة لؼست هي سد حاجة‬
‫‪٤‬تتاج فقط ‪ ،‬ولكنها الوقوف ّتانب‬
‫ضعيف يف أي زاوية من زوايا‬
‫الضعف؛ ألن الطفل عندما يكون‬
‫يؾيما ًولديه ماله ‪ ،‬ثم يراك‬
‫تعطف عليه فهو يشعر أن أباه لم‬
‫ٯتت؛ ألن أبوته باقية يف إخوانه‬
‫ا‪١‬تؤمنُت ‪ ،‬وبعد ذلك ال يشب عَل‬
‫ا‪ٟ‬تسد ألوالد آباؤهم موجودين ‪،‬‬
‫لكن حُت يرى اليؾيم كل أب‬
‫مشغوال بأبنائه عن أيتام مات‬
‫أبوهم ‪ ،‬هنا يظهر فيه ا‪ٟ‬تقد ‪،‬‬
‫وتًتىب فيه غريزة االعًتاض عَل‬
‫القدر ‪ ،‬فيقول « ‪١‬تاذا أكون أنا‬
‫الذي مات والدي؟ » ‪ ،‬ولكن حُت‬
‫يرى الناس ‪ٚ‬تيعا آباءه ‪ ،‬ويصلونه‬
‫بالؽسمة والود والًتحاب وا‪١‬تعونة‬
‫فلسوف يشعر أن من له أب واحد‬
‫يًتكه الناس اعتمادا ًعَل وجود أبيه‬
‫‪ ،‬لكن حؼنما ٯتوت أبوه فإن الناس‬
‫تلتفت إليه با‪١‬تودة وا‪١‬تحبة ‪،‬‬
‫ويًتتب عَل ذلك أن تشيع ا‪١‬تحبة‬
‫يف ا‪١‬تجتمع اإلسبلمي واأللفة‬
‫والرضا بقدر اهلل ‪ ،‬وال يعًتض‬
‫أحد عَل وفاة أبيه ‪ ،‬فإن كان القدر‬
‫قد أخذ أباه فقد ترك له آباء‬
‫متعددين ‪.‬‬
‫ولو علم الذين يرفضون ا‪١‬تودة‬
‫والعطف عَل اليؾيم ألن والده ترك‬
‫له ما يكفيه ‪ ،‬لو علموا ما يًتتب عَل‬
‫هذا التعاطف من نفع معنوي‬
‫لؾنافسوا عَل التعاطف معه؛‬
‫فلؼست ا‪١‬تسألة مسألة حاجة‬
‫مادية ‪ ،‬وإ‪٪‬تا هي حاجة معنوية ‪.‬‬
‫وأنا أقول دائما ‪٬ :‬تب أن نرّب يف‬
‫الناشئة أن اهلل ال يأخذ أحدا ًمن‬
‫خلقه ويف األرض حاجة إليه؛‬
‫وارقبوا هذا األمر فيمن حولكم‬
‫ٕتدوا واحدا ًوقد ُتوىف وترك أوالدا ً‬
‫صغارا ًفيحزن أهله ومعارفه؛ ألنه‬
‫ترك أوالده صغارا ً‪ ،‬وينسون األمر‬
‫من بعد ذلك ‪ ،‬و٘تر فًتة من الزمن‬
‫ويفاجأ الناس بأن أوالد ذلك‬
‫الرجل قد صاروا سادة ا‪ٟ‬تي ‪ ،‬وكأن‬
‫والدهم كان ‪٤‬تؽسا عَل رزقهم ‪،‬‬
‫فحؼنما انتىه األب فتح اهلل عَل‬
‫األبناء صنابَت الرزق ‪ ،‬وذلك حىت ال‬
‫فنت إنسان يف سبب ‪.‬‬‫يُ َ‬
‫وبعد اإلنفاق عَل الؼتاىم ‪٧‬تد اإلنفاق‬
‫عَل ا‪١‬تساكُت وابن السؽيل ‪ ،‬وقد‬
‫عرفنا أن ا‪١‬تسكُت هو ا‪١‬تحتاج‬
‫وابن السؽيل هو ا‪١‬تنقطع عن أهله‬
‫وماله ‪.‬‬

‫وٮتتم ا‪ٟ‬تق ه ذه اآلية بقوله ‪َ { :‬و َما‬


‫يم } ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫تَ ْفعَلُوا ْ ِم ْن َخ ْ ٍ‬
‫َت فَإ َِّن اهلل بِه عَل ٌ‬
‫إن اهلل يريد أن يرد الطبع البشري‬
‫إىل قضية هي ‪ :‬إياك أن تطلب‬
‫جزاء ا‪٠‬تَت الذي تفعله مع هؤالء من‬
‫أحد من ا‪٠‬تلق ‪ ،‬ولكن اطلبه من اهلل‬
‫‪ ،‬وإياك أن ٖتاول أن يعلم الناس‬
‫عنك أنك ُمن ْ ِفق عَل األقارب‬
‫والؼتاىم وابن السؽيل؛ ألن الذين‬
‫تريدهم أن يعلموا ال يقدرون لك‬
‫عَل جزاء ‪ ،‬وعلمهم لن يزيدك‬
‫شؼئا ‪ ،‬وحسبك أ َ ْن يعلم اهلل الذي‬
‫أعطاك ‪ ،‬والذي أعطيت ‪٦‬تا‬
‫استخلفك فيه ابتغاء مرضاته ‪.‬‬
‫فحُت ينفق الناس ‪١‬ترضاة الناس ‪،‬‬
‫يلقون من بعد ذلك النكران‬
‫وا‪ٞ‬تحود فيكون من أعىط قد خسر‬
‫ما أنفق ‪ ،‬واسؾبىق الشر ‪٦‬تن أنفقه‬
‫عليهم ‪.‬‬
‫ولو أن اإلنسان ا‪١‬تسلم قصد‬
‫باإلنفاق وعمل ا‪٠‬تَت مرضاة‬
‫ا‪٠‬تالق األعَل عز وجل السؾبىق ما‬
‫أنفق من حسنات وثواب ليوم‬
‫القيامة ‪ ،‬ولسخر اهلل له قلوب من‬
‫تصدق عليهم با‪١‬تحبة والوفاء‬
‫با‪١‬تعروف ‪ ،‬وهذه عدالة من اهلل‬
‫تتجَل يف أنه يفعل مع ا‪١‬ترائُت‬
‫ذلك؛ ألهنم يعطون ويف با‪٢‬تم أهنم‬
‫أعطوا له ‪ ،‬ولو أعطوا اهلل ‪١‬تا أنكر‬
‫اآلخذ ‪ٚ‬تيل العطاء ‪ .‬أنت أعطؼته‬
‫‪١‬ترضاته هو ‪ ،‬فكأن اهلل يقول لك ‪:‬‬
‫سأتركك له ليجازيك و‪٢‬تذا كان‬
‫ا‪١‬تتصدق يف السر من السبعة الذين‬
‫يظلهم اهلل يف ظله يوم ال ظل إال‬
‫ظله فمنهم ‪ . . « :‬ورجل تصدق‬
‫بصدقة فأخفاها حىت ال تعلم مشاله‬
‫ما تنفق ٯتؼنه » وهذا هو األفضل يف‬
‫صدقة التطوع ‪ ،‬وأما الزكاة‬
‫الواجبة فإعبلهنا أفضل ‪ ،‬وكذلك‬
‫ا‪ٟ‬تال بالنسبة للصبلة فالفريضة‬
‫تكون إعبلهنا أفضل ‪ ،‬والنافلة‬
‫يكون إسرارها أفضل ‪ .‬لكن لو‬
‫أث‬
‫عملت ويف بالك اهلل فستجد ر‬
‫العطاء ويف وفاء من أخذ ‪ .‬فإياك أن‬
‫ٖتاول ولو من طرف خف ّي أن يعلم‬
‫الناس أنكم تفعلون ا‪٠‬تَت ‪ .‬وبعد‬
‫ذلك يرجع ا‪ٟ‬تق إىل قضية سبق أن‬
‫عا‪ٞ‬تها يف قوله تعاىل ‪َ { :‬وال َ‬
‫وه ْم ِعن ْ َد ا‪١‬تسجد ا‪ٟ‬ترام حىت‬ ‫ِ‬
‫ُتقَاتل ُ ُ‬
‫يُ َقاتِلُو ُك ْم فِي ِه } يرجع ا‪ٟ‬تق إىل‬
‫ا‪١‬تبالعام يف‬ ‫القتال فؼتكلم عن دأ‬
‫ب عَلَي ْ ُك ُم‬ ‫القتال فيقول ‪ُ { :‬كتِ‬
‫َ‬
‫القتال َو ُه َو ُك ْر ٌه ل َّ ُك ْم ‪} . . .‬‬

Вам также может понравиться