Академический Документы
Профессиональный Документы
Культура Документы
بقلم :فضيلة القاضي الشيخ ناصر جبر القرم /عضو محكمة اإلستئناف الشرعية
فالحكمة هي إصابة الحق بالعلم والعقل ،وهي معرفة الحق والعمل به ،وهي كل كلمة وعظتك أو زجرتك ،أو دعتك إلى مكرمة
أو نهتك عن قبيحة ،قال الشيخ ابن سعدي رحمه هللا[ :الحكمة جمال العلم وآلة العمل ،وأقرب الوسائل لحصول المقاصد،
وبالحكمة تهون الصعاب ،وبها تندفع العوائق ،كم ندم عجول طائش ،وكم أدرك المطلوب متأن رفيق ،ال تساس الواليات الكبار
وال الصغار بمثل الحكم ،وال تختل إال باختالل طريقها] ،والحكيم إذا لم يدرك جميع المطلوب تنازل إلى بعضه ،وإذا لم يحصل
له ما قصده من الخير قنع باندفاع الشر ،وإذا لم يندفع كل الشر دفع بعضه وخففه ،يساير األمور واألحوال فينتهز فرصها
ويأتي األمور مع كل باب ووسيلة ،ال يمل السعي وال يدركه الضجر والسآمة ،وال تغره الظواهر حتى يتغلغل في مطاويها
وعواقبها ،ومع كثرة تفكيره وتقليبه األمور من جميع وجوهها ،ومشاورته عند التوقف واالشتباه البد أن ينكشف له ما كان
] .خافيا ويتضح له ما كان مشتبها
وقد أثنى هللا عز وجل على صاحب الحكمة فقال{ :ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} وفي البخاري عن ابن عباس رضي
هللا عنهما قال :ضمني النبي صلى هللا عليه وسلم إلى صدره وقال( :اللهم علمه الحكمة) ،وقال اإلمام البخاري رحمه هللا:
[والحكمة اإلصابة في غير النبوة] ،وتطلق الحكمة في القرآن على معان منها :الموعظة ،كما قال عز وجل{:حكمة بالغة فما
تغني النذر} ،وتطلق على السنة :كما قال عز وجل{ :واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات هللا والحكمة} ،وتطلق على الفهم:
كما قال عز وجل{ :ولقد آتينا لقمان الحكمة} ،وتطلق كذلك على النبوة :كما قال تعالى{ :وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}،
}.وتطلق على اللطف واللين :كما قال عز وجل{ :أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
وأما الحكمة في السنة المشرفة ،فقال صلى هللا عليه وسلم( :ال حسد إال في اثنتين :رجل آتاه هللا ماال فسلطه على هلكته في
الحق ،وآخر آتاه هللا حكمة فهو يقضي بها ويعلمها) ،قال اإلمام النووي رحمه هللا[ :معناه :يعمل بها ويعلمها احتسابا ،والحكمة:
كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح] ،ونقل عن بعض الصحابة الكرام الحث على التماس الحكم والمواعظ واآلداب من
حيث خرجت واإلفادة منها ما دامت صوابا ،وال تقتضي باطال شرعا وال عقال وال عرفا ،ففي (جامع بيان العلم وفضله) البن
عبد البر عن علي رضي هللا عنه أنه قال[ :العلم ضالة المؤمن فخذوه ولو من أيدي المشركين ،وال يأنف أحدكم أن يأخذ الحكمة
ممن سمعها منه] ،وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال[ :خذوا الحكمة ممن سمعتموها ،فإنه قد يقول الحكمة غير الحكيم،
وتكون الرمية من غير رام] ،وعند البيهقي في المدخل عن عكرمة رضي هللا انه قال [ :خذ الحكمة ممن سمعت ،فإن الرجل
يتكلم بالحكمة وليس بحكيم ،فيكون كالرمية خرجت من غير رام ] ،وعنده أيضا عن سعيد بن أبي بردة قال[ :كان يقال :الحكمة
ضالة المؤمن ،يأخذها حيث وجدها] ،وعن عبد هللا بن عبيد بن عمير قال :كان يقال[ :العلم ضالة المؤمن يغدو في طلبها ،فإن
] .أصاب منها شيئا حواه حتى يضم إليه غيره
وأما معنى" :الحكمة ضالة المؤمن" ،فقال عنها اإلمام النووي رحمه هللا[ :أي ال يزال يتطلبها كما يتطلب الرجل ضالته] ،وقال
المناوي رحمه هللا[ :الكلمة الحكمة ضالة المؤمن ،أي مطلوبه فال يزال يطلبها كما يتطلب الرجل ضالته فحيث وجدها فهو أحق
بها ،أي بالعمل بها واتباعها كما أن صاحب الضالة ال ينظر إلى خسة من وجدها عنده] ،وقال بعضهم :الجوهرة النفيسة ال
يشينها سخافة غائصها ودناءة بائعها ،وعن اإلمام مالك رحمه هللا قال :أنه بلغه أن لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال[ :يا بني
جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ،فإن هللا يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي األرض الميتة بوابل السماء] ،وقال عبد الرحمن
].الحبلي[:ليس هدية أفضل من كلمة حكمة تهديها ألخيك
فاإلسالم يعلم المسلم أن يأخذ الحق من أي وعاء خرج ،ويقبل الصواب أيا كان قائله ،ألنه طالب هدى ،وباحث عن الصواب،
سلَّ َم أنه قال:
علَ ْي ِه َو َ صلَّى َّ
ّللاُ َ سو ُل َّ ِ
ّللا َ ورجاع إلى الحق ،وإن كان الحديث المشهور عن أبي هريرة رضي هللا عنه عن َر ُ
ضالَّةُ ْال ُمؤْ مِ ِن فَ َحي ُ
ْث َو َج َدهَا فَ ُه َو أ َ َحق بِ َها) ضعيفا ،إال أن هدي النبي صلى هللا عليه وسلم في قبول النصح ممن ( ْال َك ِل َمةُ ْالحِ ْك َمة ُ َ
هو دونه يدل على هذا المعنى ويقويه ،فكم قبل النبي صلى هللا عليه وسلم مشورة أصحابه ،من ذلك خروجه لمالقاة المشركين
خارج المدينة في غزوة أحد ،وكان رأيه عليه الصالة والسالم أال يخرج إليهم ،بل يقاتلهم داخل المدينة ،ومن ذلك أخذه برأي
سلمان الفارسي رضي هللا عنه عندما أشار عليه بحفر الخندق ،وقبوله نصيحة الصحابي الحباب بن المنذر رضي هللا عنه في
.معركة بدر وغيرها من المواقف
فإن الحق ال يُعرف بالرجال ،ولكن الرجال يُعرفون بالحق ،قال هللا تعالى في محكم تبيانه مخبرا عن بلقيس قبل إسالمها أنها
سدُوهَا َو َج َعلُوا أَع َِّزة َ أ َ ْه ِل َها أ َ ِذلَّة} ،قال هللا تعالى تعقيبا على كالمهاَ { :و َكذَلِكَ َي ْف َعلُونَ }، قالتِ { :إ َّن ْال ُملُوكَ ِإذَا َد َخلُوا قَ ْريَة أ َ ْف َ
فصدقها هللا تعالى يوم قالت حقا ،ولم يرد الحق الذي قالته لفساد معتقدها وضاللها وكفرها يومئذ ،بل إن أكفر من خلق هللا
تعالى وهو إبليس -الذي نستعيذ باهلل منه -لما قال حقا لم يكن كفره حائال بين النبي صلى هللا عليه وسلم وتصديقه في كلمة
ضانَ ،فَأَت َانِي آت فَ َجعَ َل سلَّ َم ِبحِ ْفظِ زَ كَا ِة َر َم َ
علَ ْي ِه َو َ صلَّى َّ
ّللاُ َ ّللا َ سو ُل َّ ِ ع ْنهُ قَا َلَ ( :و َّكلَنِي َر ُ ّللاُ َ
ي َّ ض َحق قالها ،ف َع ْن أ َ ِبي ه َُري َْرة َ َر ِ
ْ َ
ِيث فَقَا َل إِذَا أ َويْتَ إِلَى ف َِراشِكَ فَا ْق َرأ آيَةَ ْ
سل َم فَذَك ََر ال َحد َ َّ علَ ْي ِه َو َ
ّللاُ َ
صلى ََّّ ّللاِ َ
سو ِل َّ الطعَ ِام فَأ َ َخ ْذتُه ُ فَقُ ْلتُ َأل ْرفَعَنَّكَ إِلَى َر ُ
َ يَحْ ثُو مِ ْن َّ
ص َدقَكَ َوه َُو َكذُوب ذَاكَ سلَّ َم َعلَ ْي ِه َو َ صلَّى َّ
ّللاُ َ صبِ َح ،فَقَا َل النَّبِي َ طان َحتَّى ت ُ ْ ش ْي َ ّللا َحافِظ َو َال يَ ْق َربُكَ َ علَيْكَ مِ ْن َّ ِ ْال ُك ْرسِي ِ لَ ْن يَزَ ا َل َ
طان) ،فقد صدق النبي صلى هللا عليه وسلم القول بأن آية الكرسي يحفظ هللا من قرأها وال يقربه شيطان حتى يصبح ،وذلك ش ْي ََ
ألن هذه هي الحقيقة بغض النظر عن قائلها ،والحقيقة إن كذبها من شاء تكذيبها فإن تكذيبه لها ال يبطلها ،ألنه ال يصح غير
.الصحيح
والعجب كل العجب أن يعلق بعض الناس قبولهم الحق على قول ذي جاه أو ذي نسب أو ذي مكانة في المجتمع ،وهذا ما حال
بين األمم السابقة وبين الحق ،فعلى سبيل المثال :قوم نوح عليه السالم ،وهو أول رسل هللا تعالى ما كان صارفهم عن الحق إال
أن أتباع نوح عليه السالم ليسوا من ذوي المكانة والمنزلة ،قال هللا تعالى مخبرا عنهم{ :فَقَا َل ْال َمل ُ الَّذِينَ َكف َُرواْ مِ ن ق ِْو ِم ِه َما
ظنكُ ْم كَا ِذبِينَ }،علَ ْينَا مِ ن فَضْل بَ ْل نَ ُ الرأْي ِ َو َما ن ََرى لَ ُك ْم َ ن ََراكَ إِالَّ بَشَرا ِمثْلَنَاَ ،و َما ن ََراكَ اتَّبَعَكَ إِالَّ الَّذِينَ ُه ْم أ َ َرا ِذلُنَا بَاد َ
ِي َّ
فانصرفوا عن الحق ألنه لم يأت من أحد عظمائهم وكبرائهم ،وهذا فساد ذوق وقلة إدراك فالعاقل يقبل الحق ولو لم يعرف
.قائله ،ولو لم يكن قائله من أصحاب الوجاهات ،فقط يكفي الحق أنه الحق
ث فِي ِه ْم ع َلى ْال ُمؤمِ نِينَ ِإ ْذ َب َع َ لقد أخبرنا هللا في كتابه أن رسولنا الكريم كان يعلم المؤمنين الحكمة ،قال تعالىَ { :ل َق ْد َم َّن هللاُ َ
ضالل مبِين} ،وقال تعالى عن َاب َو ْالحِ ْك َمةََ ،وإِن كَانُواْ مِ ن قَ ْب ُل لَفِي َ سوال مِ ْن أَنفُ ِس ِه ْم يَتْلُو عليه ْم آيَاتِ ِه َويُزَ ِكي ِه ْم َويُ َع ِل ُم ُه ُم ْال ِكت َ َر ُ
َ
َاب َوالحِ ك َمة َويُزَ ِكي ِه ْم} ،وإن هذه ْ ْ ْ ُ ْ ْ ْ
مهمة نبينا صلى هللا عليه وسلمَ { :ربَّنَا َوا ْبعَث فِي ِه ْم َرسُوال مِ ن ُه ْم يَتلو عليه ْم آيَاتِكَ َويُعَ ِل ُم ُه ُم ال ِكت َ
ظ ُكم ِب ِه} ،والحكمة ليست الحكمة منزلة من هللا تعالى القائلَ {:وا ْذ ُك ُرواْ نِ ْع َمتَ هللاِ علي ُك ْم َو َما أَنزَ َل علي ُك ْم مِ نَ ْال ِكت َاب َو ْالحِ ْك َم ِة َي ِع ُ
خاصة برسولنا وحده ،فهناك من األنبياء من أخبرنا هللا أنه عنهم قد آتاهم الحكمة أيضا ،وهم :داوود عليه السالم ،قال تعالى
عنه{:فهزموهم بإذن هللا وقتل داود جالوت وآتاه هللا الملك والحكمة وعلمه مما يشاء} ،وعيسى عليه السالم ،فقال تعالى
ضى أ َ ْمرا فَإِنَّ َما َيقُو ُل لَهُ ُكنَ ف َي ُكونُ ، س ْسنِي َبشَر ،قَا َل َكذَلِكِ ّللاُ َي ْخلُ ُق َما َيشَاءِ ،إذَا قَ َ ب أَنَّى َي ُكونُ لِي َولَد َولَ ْم َي ْم َ عنه{:قَالَتْ َر ِ
علَى َما آت َا ُه ُم اس َسدُونَ النَّ َ نجي َل} ،وآل إبراهيم عليهم السالم ،قال هللا تعالى عنهم{:أ ْم يَحْ ُ اإل ِ ْ
َاب َوالحِ ْك َمةَ َوالت َّ ْو َراة َ َو ِ َويُعَ ِل ُمهُ ْال ِكت َ
عظِ يما} ،وقال كذلك عن لقمانَ {:ولَقَ ْد آت َ ْينَا لُ ْق َمانَ ْالحِ ْك َمةَ أ َ ِن َاب َو ْالحِ ْك َمةَ َوآت َ ْينَاهُم م ْلكا َ ِيم ْال ِكت َض ِل ِه فَقَ ْد آت َ ْينَآ آ َل إِب َْراه َّللاُ مِ ن فَ ْ
غنِي َحمِ يد } .ا ْش ُك ْر ِ ََّلِلَِ ،و َمن َي ْش ُك ْر فَإِنَّ َما َي ْش ُك ُر ِلنَ ْف ِس ِه َو َمن َكف ََر فَإ ِ َّن َّ َ
ّللا َ
سبِي ِل َربِكَ
ع ِإلِى َ وقد كانت الحكمة والموعظة الحسنة من أعظم أخالق رسولنا صلى هللا عليه وسلم ،فقال تعالى مخاطبا له{ :أ ْد ُ
ْ
سبِي ِل ِه َوه َُو أ َ ْعلَ ُم بِال ُم ْهتَدِينَ } ،وهذه سنُ ،إِ َّن َربَّكَ ه َُو أ َ ْعلَ ُم بِ َمن َ
ض َّل َ
عن َ سنَةَِ ،و َجاد ِْل ُهم بِالَّتِي ه َ
ِي أَحْ َ ظ ِة ْال َح َ
بِ ْالحِ ْك َم ِة َو ْال َم ْو ِع َ
الحكمة ممزوجة بالرحمة واللين بعيدة عن الغلظة والفظاظة ،فقال تعالى{:فبما رحمة من هللا لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب
النفضوا من حولك} ،ونحن مأمورون باتباعه وطاعته ،فهو قدوتنا وفالحنا في حياتنا وآخرتنا فقال تعالى{:وما آتاكم الرسول
}فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا