Академический Документы
Профессиональный Документы
Культура Документы
أفكر قبل البدء في الكتابة ،في سؤال ال يتوقف عن الطرق في عقلي" ،ماهو الجسد"
في المعجم ،الجسد هو الجزء المحسوس من الكائن الحي ،غرائز اإلنسان وحواسه.
الجسد :هو التجسيد الذي يظهر به اإلنسان ،أو التعبير المادي الفريد عن فردانية الشخص.
جسد األمر :أي مثله وأبرزه في قالب ملموس ومحسوس .بمعنى أن جسد اإلنسان هو ذلك
القالب الملموس الذي يجسد الشخص.
في النهاية يمكن القول ببساطة أن الجسد هو الظهور الفيزيائي المادي لماهية الفرد.
أكرر من جديد "ماهية الفرد" .أبدو بحاجة أكثر للتعرف على ماهيتي الشخصية ،وأتتبع تلك
الرغبات التي تلح علي أثناء الكتابة .أمسك ذراعي بقوة ،أضغط على وجهي ،على أنفي ،أخفي
عيوني بأصابعي عدة مرات ،أتحسس رأسي ،رقبتي ،صدري ،بطني ،فخذي ،ساقي ،أطقطق
أصابعي ،أقراص أذني.
هذا الجسد هو (أنا) انا بكل تحميالتي الشخصية والثقافية ،التاريخية ،االجتماعية ،المرضية،
الهوياتية ،اإلنسانية ،النفسية .طريقة تعاملي مع هذا الجسد هي التعبير األوضح واألصدقعني
كشخص .عن أفكاري ،معتقداتي ،استيهاماتي ،أحالمي ،رغباتي.
أتذكر بناتي عندما كن في شهورهن األولى ،وهن يحاولن التعرف على أجسادهن الصغيرة،
بدهشة وانبهار .ينظرن إلى أصابعهن الهشة ،يحملقن في كفوفهن الرقيقة .في وقت تغير
الحفاضات كن ينظرن بين سيقانهن بدهشة ،يضعن أياديهم ويحاولن لمس أجزاءهن الحميمة،
برغبة كبيرة في االكتشاف وفضول ال يمكن تجاهله.
أستعيد ذاكرتي القديمة عندما كنت أنا طفلة صغيرة ،وأتذكر محاوالتي األولى الكتشاف
األماكن الغامضة المخبأة في جسدي ،وإصرار أمي على منع تلك المحاوالت الطفولية ،بنظرات
زاجرة ونبرة حاسمة "كده عيب"" ،إقفلي رجلك"" ،نزلي الفستان"" ،غطي".
ليترسخ داخل عقلي الطفولي ،أن جسدي لغز ،سر أعظم ،قفص حديدي ال يجب اختراقه أو
كشفه.
ألن هذا الفصل من الكتاب ربما يصبح شهادة شخصية ستبقى لسنوات ،يجب أن أقول بصدق
إنني ال أحمل أي ضغينة ناحية أمي لهذا األمر .الوعي يجعلنا نتقبل ضعف اآلخرين وانسياقهم
للخوف من العقل الجمعي المترسخ بداخلهم ،لكن ربما أتساءل كيف يمكن أن يتكون ذلك الوعي
الذي يمكنه أن يتجاوز ذلك العقل الجمعي والعمل على تغيره ،وتكوين عقل جمعي جديد ،أكثر
حرية وتقبال لفردانية كل إنسان.
تعرف األربع حواس األولى من هذه الحواس اإلثنى عشر بالحواس السفلى ،أو الحواس
التأسيسية ،إنها حواس اللمس والحياة والتوازن والحركة .تلك الحواس التأسيسية هي التي توفر
األساس الذي يحتاج إليه اإلنسان منذ طفولته لتحقيق النجاح األكاديمي ،واالجتماعي والعاطفي.
وتعد حاسة اللمس واحدة من أهم تلك الحواس السفلى ،ألن الشعر باللمس هنا ال يتعلق
باألحاسيس التي تشعر بها عندما تلمس شيئا .إذن تاذا تعني حاسة اللمس لدى شتاينر؟
تمثل حاسة اللمس الحدود بين اإلنسان وبين اآلخر ،سواء كان شىء ،أو شخص .إنه الشعور
الذي يجعلنا ندرك أننا جميعا أفراد منفصلين عن العالم الخارجي ،بوعينا الذاتي والفردي.
الشعور باللمس هو الذي يعرف اإلنسان أين ينتهي كشخص ،وأين يبدأ العالم الخارجي .يسمح
لنا بفهم مكانتنا الفردية في العالم ،وفهم شخصية اآلخرين الخاصة .حاسة اللمس والشعوور
باللمس هو السبب الوحيد لوجود اآلخر ،ألنه يوفر حاجزا بين أنفسنا وبين كل ما يحيط بنا
ويفصلنا عن بعضنا البعض ،وعن العالم .وفي الوقت نفسه تعتبر حاسة اللمس هي المرادف
األول للتواصل ،عندما نريد أن نكون أقرب إلى اآلخرين ،نمد يد ونلمس اآلخر؛ ذلك اللمس
الذي يتبعه الوصول إلى طبقة أعمق من األلفة.
كل ما ألمسه يلمسني ،وأشعر وقتها بالصلة مع العالم .إذن إحساس اللمس هو ما يجعلنا في تبادل
مع العالم الخارجي ،وفي الوقت نفسه نكون مستقلين تماما داخل حدود الجلد.
ما الذي أقصده من كل الحديث عن حاسة اللمس في معناها األعمق؟ أقصد في
النهاية أن الجسد هو بوابتنا الشخصية للعالم ،وعندما ال يستطيع الفرد التحكم في
جسده ،ال يمكنه بالقطع التحكم في طريقة وجوده في العالم بالشكل الذي يرغب به
بالفعل ،وليس ذلك الشكل الخارجي من الوجود والتفاعل السطحي مع العالم.
دائما ما يلتحم بالثورات الفئات األكثر تهميشا واألكثر حاجة إلى االنضمام للجموع ،الفئات غير
الملتفت إليها ،مثل النساء ،الشباب ،الفنانين ،الذين وجدوا في الثورة فرصة وأمل للتغيير
الحقيقي ،حتى لو لم يتم التغيير السياسي العميق ،لكن هناك التأثير االجتماعي والثقافي
الفردي للثورة ،كما طرح جيل دولوز تامنظر والفيلسوف الفرنسي من قبل ،حيث ا
عمل على نقل الثورة من المستوى الكتلي ،إلى المستوى الجزيئي الذي يغير صبغة
الدولة وبناها التحتية بالتدريج ،ليصبح التغيير الفعلي على المستوى األصغر
واألكثر دقة في العالقات ،ثم يتسع تدريجيا ليشمل شرائح وعالقات أكثر اتساعا.
ربما بدأت ثورة 25يناير كحركة تمرد سياسية ،لكنها انفتحت بعد ذلك على مفاهيم
أكثر اتساعا ،تتعلق أيضا بالحرية الفردية ،والتخلص من أنواع مختلفة من السلطة،
غير سلطة القضاء أو الشرطة أو الحاكم ،لكن السلطات االجتماعية ،مثل سلطة
األب ،أو المعلم أو المجتمع ،والمفروضات االجتماعية والعرفية ،وربما الدينية
أيضا .هذا التغير عندما يبدأ في التحول الداخلي من تمرد سياسي ،إلى تمرد
اجتماعي بداخل كل شخص ،يصبح كل فرد هو ثورة محتملة تمشي على قدمين،
ثورة تحاول تغيير السائد ،وإزاحته وفرض الفردية الشخصية ،إنسانيا واجتماعيا
وثقافيا.
عندما أستعيد مشاعر التحرر الثوري ،والرغبة في اإلنعتاق من النموذج المجهز من
قبل ،أو القالب الذي يصر المجتمع على وضع الفتيات بداخله ،أستعيد مشاعري
الشخصية ،صورتي الذهنية عن نفسي ،وأتساءل ما معنى صورة الجسد ،بالنسبة
لي ،وما الشعور الذي يالزمني عندما أستحضر تلك الصورة؟
هل هو االطمئنان ،الحب ،القيمة ،أم العار والكره والعداء ،والرغبة الملحة في تغيير
النفس للتواءم مع متطلبات ومفروضات المجتمع .في اللحظة الحاسمة التي أقف فيها
أمام المرآة ،بماذا أفكر ،بماذا أشعر ،وكيف يمكنني وصف ذلك الشعور في كلمات.
وال يمكن القول أيضا أن الصورة الذهنية لس عن جسدي ونفسي ،نابعة فقط من
الطريقة البصرية التي أنظر بها غلى نفسي ،ألن األمر هنا يصبح قاصرا ،ألن
صورة الجسد تنبع ايضا من إدراكي الشخصي ،وتصوري الخاص عن جسدي،
واألفكار والمشاعر ،النابعة من ذلك التصور ،بمعنى آخر ،ربما تغير طريقة
إدراكي لجسدي ونفسي ،من الصورة البصرية الشخصية ،التي أحتفظ بها داخلي
عن نفسي .تلك الصورة اإلدراكية التي ليست بالضرورة صحيحة ،وهذا يتعلق
بمقدار الرضا الذي أشعر به تجاه نفسي األعمق وشكلي الخارجي.
تلك الطريقة التي أفكر بها في نفسي وجسدي ،هي الصورة المعرفية ،التي أنشغل
بها ،والتي تحدد سلوكي الشخصي ،وطريقة تعاملي مع اآلخر ،أفكر ماذا سيحدث لو
كانت تلك الصورة المعرفية خاطئة ،أو سيئة ،او عدائية ،أو منحطة .كل هذه
االحتماالت ربما تسبب الوحدة والعزلة واأللم .أي أنني في لحظة ما أجعل حياتي
أصعب وأكثر إرهاقا ،وألما لمجرد صورة ذهنية خاطئة عن نفسي رسختها بداخلي.
ربما في تلك اللحظة أعود من جديد للكتابة الشخصية ،وأفكر فيما أخشى أن يصبح
ذلك الفصل من الكتاب ،هو الفصل األقل اعتمادا على األبحاث ،أو المصادر
البحثية ،لكنني أعود وأفكر أنني كشخص وإنسان ،أعتبر نفسي الرابط الوحيد،
الرابط األكثر ثقة وصدق الذي يمكنني أن أعتمد عليه لربط كل تلك العوالم
المتناثرة( :الفن ،الجسد ،الثورة ،الوجود اإلنساني).
اعتقدنا دائما أن الفن يقلد الحياة ،يمثل الرسام ما يراه من خالل لوحة ،وكذلك يفعل
النحات من خالل البرونز او الحجر ،المصور والسنيمائي يفعلون ذلك بصورة أكثر
مباشرة .لكن مع حركات الفن التجريب والمعاصر ،أصبحنا ننظر بطريقة مختلفة،
إذ ربما يعمل الفن على تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى الحياة ،وطريقة إدراكنا
ألنفسنا .يقول أوسكار وايلد في حديثه عن الضباب في لندن ،في إشارة إلى ذلك
الضباب الجميل الذي يتسلل إلى الشوارع ،ويؤدي إلى طمس مصابيح الغاز وتحويل
المنازل إلى ظالل .قال وايلد إن الشعراء والرسامين هم من علموا الناس جمال هذه
اآلثار ،وهي لم تكن موجودة قبل انتباه الفن لها .لذا نحن بحاجة إلى مراجعة مدى
التغير الذي طرأ علينا من خالل أفكار الفن ،والكتب والمسرح والسسنيما والدراما.
وألن الفن في جوهره عنصر ثوري ومتمرد ،كان دائما بمثابة االبن الضال أو
الشارد ،الذي تحاول األنظمة والحكومات تكبيله ،ووضعه تحت الرقابة والسيطرة،
سواء دينيا أو سياسيا أو اجتماعيا؛ ألن جميع الديكتاتوريين أدركوا قوة تأثير الفن،
لذا أنشأ هتلر وزارة اإلعالم والدعاية ،التي رأسها (جوبلز) والذي كانت مهمته
التأكد من كل ما يعرض وينشر ،ومدى توافقه مع األفكار واأليدولوجيات السلطوية،
دون أي شيء معاد للنظام ،حتى أن جوبلز أصبح أيقونة الرقابة والسلطة في العالم
بالكامل.
إذن العالقة بين الفن والسياسة ليست حديثة ،بل لهما تاريخ قديم ،يراوح بين
استخدام الفن ألغراض سياسية ،أو ما يمكن أن نطلق عليه الفن الديني ،وبين
الطرف اآلخر الذي يستعمل فيه الفنانون ،فنهم للتعبير عن سخطهم تجاه الظروف
االجتماعية والسياسية ،تماما مثلما رسم بيكاسو لوحته الشهيرة (غرنيكا) وهي لوحة
زيتية جدارية ،أتمها بيكاسو في يونيو ،1937وهي موجودة حاليا بمتحف رينا
صوفيا بمدريد .رسمت اللوحة بتدرجات األزرق الغامق واألسود ،والرمادي
واألبيض ،وهي من أكثر اللوحات المؤثرة في تاريخ الفن ،في عالقة الفن
بالحروب .ومن خاللها تظهر معاناة البشر والحيوانات التي يغرقها العنف والفوضى
واأللم من جراء الحرب .لذا أصبحت اللوحة حتى اآلن رمزا ضد الحرب ،وتجسيدا
للسالم وأهميته.
ويمكن أيضا أن نستعيد بشكل سريع ،رسوم الفنانة األمريكية (سوزان كريل) التي
قامت بتصوير تعذيب الجنود األمريكيين ،للسجناء في سجن أبو غريب ،عن طريق
الرسم .وكانت رسوم كريل مرفق بها رسوم بيانية ،تظهر المعاملة غير اإلنسانية
وانعدام العدالة بحق سجناء أبو غريب.
إذن من هنا يمكن اعتبار الفن أحد الرواة األصدق للتاريخ ،ووسيلة للتغيير ،وهو
بشكل أو بآخر يعزز الطريقة التي ندرك بها األحداث والقضايا داخل المجتمع ،وهو
عنصر أساسي في النشاط االجتماعي المعاصر ،ألنه من خالل الرسائل البصرية
والنشاط الفني ،نعبر عما نشعر به ،نعبر عن إحباطتنا ،وأحالمنا و آالمنا ،على أمل
أن يساعدنا الفن ويمكننا من القايام بشيء حيال ذلك ،ألن الهدف من الفن المعاصر
لم يعد مجرد صنع أشياء جميلة ،لمن يرغب فيها ويمكنه التمتع بها .وبالرغم من
وجود مدارس فنية مختلفة تتنازع على معنى الجمال ،وفي ما إذا كان كافيا المحاكاة
البارعة للطبيعة ،لكن كل تلك المفاهيم القديمة أخذت تتصدع عند نهاية القرن الثامن
عشر .عندما وضعت الثورة الفرنسية في عام ،1789حدا الفتراضات كثيرة مسلم
بها منذ قرون ،وبدأت مرحلة جديدة من الوعي الذاتي الذي يجعل الناس قادرون
على حسم الجدل لصالح اختياراتهم الشخصية ،مهما كانت مخالفة للمألوف ،وهنا
عندما يصبح الحوار مستحيال ،في الصراعات االجتماعية السياسية ،يصبح الفن
طريقة لالحتجاج ،عن طريق الملصقات والرسوم ،والغرافيتي ،وصنع الدمى
والتماثيل الهزلية ،وأنواع مختلفة من فنون الشارع ،التي تسخر من الحكا م ،كما
حدث في ثورة 25يناير.
قبل الثورة كان مشهد فنون الشارع بكل أنواعها مشهدا نادرا ،في القاهرة وفي
العديد من المدن األخرى في الشرق األوسط ،أما اآلن تزدهر الشوارع بالمعاناة
أجل توثيق المعارضة السياسية للنظام المتسلط ،قام فنانون طليعيون بتحويل
الجدران إلى لوحات ،والشوارع إلى متاحف مفتوحة تروي رحلة المعاناة والنضال
الثوري ،للمارة في الشوارع ،وبناء على ذلك يحدث الفن تغيير جذري عميق ،في
الجمهور ،تجعله يتصرف بدون قصد تبعا للرسالة التي يحملها الفن.
الفنان في الجوهر ال يرسم فقط ما هو أمامه ،لكنه يرسم أيضا ما بداخله .لذا إذا لم
يستطع التواصل مع ما بداخله ،لن يكون هناك أهمية لما في الخارج .لهذا السبب ما
ينظر إليه المتفرج على أنه جميال وممتعا ولطيفا ،هو ليس كذلك في الواقع ،هي
عملية عميقة ونفسية ومعقدة ومتعددة الطبقات معبرة عن جوهر اإلنسان ،ورحلة
تستمر طويال بعد التغلب على التحديات التقنية التي يختارها الفنان للتعبير عن
تفسه ،ثم يبدأ في تطويع تلك التحديات للتعبير الحر الصادق.
هنا تبدأ المعركة والصراع الحقيقي ،أن نتفهم أن العمل الفني ليس مجرد جماد
جميل ،لكنه أكثر من ذلك بكثير .وهنا يمكن أن تظهر كلمة (الرؤية) وتتعدد طرق
الرؤية لكل عمل فني ،حسب المتلقي ،وأثناء تدريب الفنان المستمرة على المالحظة،
تتحسن قدراتنا على التقنية ،عن الفروق بين األحجام واأللوان واألشكال والنسب،
لكن القدرة األهم والرؤية األعمق التي أقصدها تتجاوز مالحظة الشكل الخارجي
فقط .رؤية تسير في اتجاهين الخارج والداخل معا ،ليصبح الهدف من الفن في المقام
األول هدف شخصي ،وتكوين صوت ووعي وأفكار شخصية .الفن يشجعنا على
تنمية الحدس الداخلي ،وعدم اليقين المطلق ،وكسر القواعد ،وهو يمثل عنصر
اإلرشاد الداخلي للنفس.
وألن جسم اإلنسان اساسي في كيفية فهمنا لجوانب مهمة مثل الهوية ،والعرق،
والجنس ،يغير الناس من أشكال أجسادهم للتماشى مع المواثيق االجتماعية ،أو
لتظهر تمردهم على تلك المواثيق ،وللتعبير عن رسائل لمن حولهم ،حول مدى
تواءمهم معهم .ويستكشف الكثير من الفنانين النوع والهوية من خالل تمثيالت
الجسد ،وباستخدام أجسادهم كجزء من العملية اإلبداعية الخاصة بهم.
ويمكن هنا أن نستعيد فترة الستينيات والسبعينيات ،كفترة اضطرابات عالمية،
خاصة فيما يخص المطالبة بالمساواة بين المرأة والرجل ،فيما يتعلق بالحياة
الجنسية ،والحقوق واألسرة ومكان العمل؛ وبدأت صورة المرأة في الفن تتغير تبعا
للتغيرات االجتماعية ،ولم تعد صورة واحدة هي المسيطرة على الشكل األنثوي في
الفن ،وهي الصورة التي يفضلها الرجل للمرأة .بل تناول العديد من الفنانيين جسد
المراة من زوايا مختلفة ،تهدم المعايير الثابتة قديما ،وهو ما حدث تماما بعد ثورة
25يناير في مصر ،بعد فترات وعقود طويلة من سيطرة الفن االستهالكي،
ومحاوالت فرض نمط معين للجمال ،الذي يفضله المجتمع وشكل خارجي معين أو
كود أخالقي متداول لشكل ومالبس المرأة التي يحترمها المجتمع ،ولم يكن يسمح
بحرية التصرف في الجسد لكل فرد ،وينظر إلى الجسد (خاصة جسد األنثى) إنه
ملك عام للمجتمع ،وهنا أذكر مرة أخرى التأثير الفردي للثورة ،التي ربما لم تحقق
أهدافها السياسية والعسكرية ،لكنها اخترقت بعمق داخل كل فرد مؤيد لها ،خاصة
الفتيتات والنساء المؤيدات لها ،والالواتي اعتبرنها ثورتهن الشخصية ،وأصبح هناك
مطالبة مستمرة بالسيطرة الشخصية على الجسد وبدأ التساؤل عن قضايا الهوية،
والجندر والتفكير في مدى التوافق الحقيقي على معايير الجمال المتداولة.
كل هذه التغيرات ،تعيدنا للتقاطعات المختلفة ،للجسم البشري وتفسيراته بين الفن
والدين ،ألن الفن دائما ما يجافي فكرة التقديس؛ وأي مناقشة عن الجسم اإلنساني
يقف فيها الفن والدين على طرفي النقيض .الدين ممثال للمجتمع ومقدساته والفن
متمردا على كل تلك المقدسات التي ترسخت عبر الثقافات والعصور الممتدة ،وجسم
اإلنسان كما كل شيء يشمله التغيير مع تغير القوى االجتماعية والسياسية
واالقتصادية السائدة .وألن وجود الجسم البشري في الفن سواء بشكل ديني ،أو
علماني تثير أسئلة تتعلق بالسلطة أو األيدولوجية ،والهوية التي يمتلكها العمل الفني،
ألن األداء الفني والتفسيرات المختلفة للجسد تتغير لتترسخ بدال منها ،قيم جديدة
خاصة خالل فترات االحتجاج على األعراف االجتماعية ،وإعادة تعريف الهوية
الشخصية وعالقتها بالجسد.
هناك تاريخ طويل من المواقف المختلفة تجاه الجسد في الثقافات المتعددة ،لكن
االعتقاد الراسخ هو الفصل بين الجسد والروح ،والتعامل معهم بوصفهم نقيضين
وليسا متكاملين داخل اإلنسان؛ والنظر إلى الجسد ومتطلباته ورغباته بوصفهم
الجزء االكثر انحطاطا من اإلنسان .بينما الروح هي الفكرة األرقى والجزء األسمى،
ومن هنا جاءت كل محاوالت السلطات المختلفة :دينية أو عسكرية أو اجتماعية،
السيطرة على الوجود البشري الفيزيائي ،والتحكم به .بمعنى نحن سنتحكم في
جسدك ،شكلك ،طريقة تلبية رغباتك ،ونترك لك روحك .الجزء األسمى بك ،يمكنك
أن تصنع بها ما تشاء ،حتى تتجاوز كل األلم بامنيات روحانية رائقة ،ألن الثقافات
الدينية بشكل عام تنظر إلى الجسد اإلنساني على أنه وصمة عار أو مدعاة للخجل،
وبحاجة مستمرة للمراقبة ضد الخطيئة المحتملة.
وغالبا بعد حركات االحتجاج والثورات ،يكون هناك تركيز متزايد بين علماء
االجتماع ،على دراسة الفئات المهمشة مثل النساء واألقليات العرقية واإلثنية،
واألشخاص ذوو الميول الجنسية المختلفة ،لدراسة أدوارهم وتأثيرهم الثقافي
واالجتماعي على مر حقب التاريخ المختلفة ،التي تتغير فيها قراءة األعمال الفنية،
التي تعرض أجسادا بشرية ،حسب اإلشارات المختلفة التي تزود المشاهدين
بالمعلومات المتعلقة بجوهر العمل الفني ،الذي نتلقاه ضمن خطاب بصري يتغير
وفق التقاليد والقيم الدينية والمجتمعية المشتركة التي يتم التعبير عنها من خالل الفن.
الجسد والحرية:
أعتقد انه من أهم مكتسبات ثورة 25يناير على الصعيد االجتماعي ،هو التحرر من
التابوهات االجتماعية التي ترسخت على مدار عقود طويلة ،وأهم هذه التابوهات،
هو عدم امتالك الشخص لجسده ،أصبحت النساء والفتيات أكثر تخليا عن النمط
الجمالي السائد ،الذي يفرضه المجتمع ،وأتحدث هنا عن الفتيات والنساء اللواتي كن
يحملن بداخلهن تلك الرغبة وال يفصحن عنها ،أو يفصحن عنها على استحياء،
نتيجة الضغط المجتمعي .ساعدت الثورة على تحررهن من القلق أو الخوف من
ردات فعل المجتمع تجاه رغباتهن غير النمطية ،أو غير المتوافقة مع الكود
المجتمعي.
ومن أمثلة تلك المكتسبات التي أنتجتها الحرية الجسدية ،ما يسمى بفنون الجسد،
واستخدام الفتيات ألجسادهم كأداة للتعبير تساعدهم على توصيل رسالتهم ،وجعل
أصواتهم مسموعة بشكل ما ،وساعد على ذلك المناخ االجتماعي والثقافي الذي
تحرر قليال بعد الثورة .ألن الجسد أداة مثالية إلظهار الرغبات واألفكار ،وهو أيضا
طريقة لالعتراض ،ومن هنا بدأت الفتيات في استعمال الوشوم والثقب في أماكن
غير معتادة ،لترسيخ الحرية الفردية ،ومواجهة المجتمع بشكل صادم.
وأصبح هناك اتجاه سائد يميل إلى الحفاظ على الشكل الطبيعي لكل فتاة ،سواء كانت
سمراء ،أو قمحية ،أو صاحبة شعر مجعد ،أو نحيلة ،كل تلك الصفات التي كان
ينبذها المجتمع من قبل ،ويحرض الفتيات على إخفاءها ،أصبحت هي االتجاه السائد
لدى الفتيات ،للتأكيد على فردانية الشكل واستيعاب مفهوم الجمال النماط ال نهائية
من البشر ،بعيدا عن كتاب المجتمع الذي يرسخ فقط لنوع واحد من الجمال.
أما أهم المكتسبات االجتماعية للنساء بعد ثورة 25يناير من وجهة نظر شخصية
تماما ،هو انهيار قدسية الحجاب ،والبدأ في تناوله كظاهرة اجتماعية ،والبحث عن
تاريخها ،واسباب تناميها في المجتمع المصري ،واألهم هو تخلي الكثير من النساء
والفتيات عنه ،بعد سنوات طويلة أو قصيرة من االلتزام به ألسباب اجتماعية في
المقام األول.
كما بدأت ذلك الفصل بحكاية شخصية ،أود أن أنهية بحكاية شخصية ،حكاية بدأت
منذ أكثر من 15عاما ،كان الخطاب اإلسالمي في ذلك الوقت متمثال في الداعية
عمرو خالد ،وطريقته اللزجة التي تشبه طريقة معلمة الروضة في تعاملها مع
األطفال .كنت مع صديقاتي نذهب لحضور دروس دينية له ،وكان أغلب ما يتحدث
عنه هو أهمية الحجاب ،في الحقيقة أنا ال أذكر من خطابه الدعوي شيئا سوى
تركيزه على أهمية الحجاب وفرضية الحجاب ،وكيف أن الحجاب يصون كرامة
الفتاة وكرامتها ،ويحصنها ضد شرور المجتمع .هنا يجب أن أستعيد التأثير
االجتماعي للصديقات والجارات والزميالت .تدريجيا تحولت كل المحيطات بي إلى
الحجاب ،وأنا بعد سنوات ال أذكر سوى إنني كنت الوحيدة بدون غطاء الرأس،
واستمر الضغط من الصديقات بكل الطرق ،الترغيب ،النبذ ،الترهيب .ال أنكر أنني
في النهاية اخترت الحجاب خوفا من العقاب ،وتقربا إلى هللا وتقربا إلى األصدقاء
والمنظومة االجتماعية بالكامل؛ لم أكن أرغب في مخالفة القواعد االجتماعية ،ولم
أتحمل النبذ االجتماعي.
سنوات متوالية مرت ،وأهمية الحجاب تتراجع داخلي ،والضغط االجتماعي يزداد،
خاصة بعد الزواج .في المجتمعات الذكورية األبوية ،األنثى معلقة دائما برقبة رجل،
مسئول عنها دينيا ،سيحاسب عنها ،كأنها شخص غير كامل األهلية .الهوة بين ما
أرغب فيه وما يحدث بالفعل تزداد مع مرور الوقت .باإلضافة إلى الهوة أفكاري
وشكلي الخارجي .غطاء الرأس به نوع من الخضوع االجتماعي ،كأني أقول
للمجتمع المحيط "أنا أنتمي إليك ،أنا جزء منك ،أنا أتفق مع ثوابتك" .في السنوات
األخيرة لم يعد يمثل الحجاب سوى عقاب نفسي وجسماني ال ينتهي ،في اللحظة التي
أضعه فيها على رأسي ،كأنني أتنكر لنفسي ووجودي ،لذاتي األعمق واألصدق.
ليس األمر هنا بتلك البساطة التي يتحدث بها الناس ،أن تتقاطع معتقداتي الشخصية
مع شكلي الخارجي ،أشعر أنني مجبرة على اإلنصياع لقيد فرض علي ،مهما بدا
بسيطا ،ومهما حاولت التخفيف من ذلك القيد بطرق مختلفة ،بدءا من "الحجاب
السبانيش" ،مرورا بالتيربونات ،والكابات ،ومحاوالت اختيار مالبس ملونة .لكن
هناك باستمرار جزء مفقود ،الجزء األهم مفقود ،لما يمثله الشعر من جوهر الهوية
الشخصية ،ولما يحمله شكل الشعر ولونه وطرق تصفيفه من رسائل اجتماعية ال
تنتهي.
سنوات من الصراع الذي ال يشعر به أحد ،أفكر في زوجي ،وأمي ،وبناتي ،والعائلة
الصغيرة ،والعائلة الكبيرة .أفكر في الجيران ،أفكر في المارة العابرين ،في حارس
العقار وزوجته .أفكر ماذا سيقول كل شخص ،ومع كل فكرة يصبح القيد أكبر،
وتتضخم الهوة بيني وبين نفسي أكثر.
مع كل كلمة أكتبها ،أو ضربة فرشاة على لوحة ،يترسخ بداخلي أكثر أنني يجب أن
أنفلت من هذا القيد ،وأصبح أكثر قربا لذاتي .أصبحت أكثر عصبية ،أكثر تطلبا في
شراء المالبس ،أحاول دائما البحث عن شكل أعتقد أنه يناسبني ،وفي نهاية األمر
مهما بحثت أو اكتشفت حلول ،يجب أن أغطي شعري في نهاية األمر ،وكأنني أخبئ
سارة التي أعرفها في حقيبة سوداء ،وأظهر أخرى ال أعرفها وال أحبها ،لكنها أكثر
اندماجا مع قواعد المجتمع .كنت أنظر إلى كل صديقة تنفلت من ذلك القيد بغبطة
وبعض الحسد ،وأفكر كيف فعلتها .كيف أقنعت زوجها ،وأهلها ،وحارس العقار،
واإلخوة واألقارب والعائلة ،وسائق التاكسي ،وبائع اللبن ،و و و ..
كنت أشعر أن األمر بحاجة إلى معجزة ،خاصة بعد ترسخ الرغبة بداخلي واستحالة
التواءم مع األمر .وهنا أتذكر كل صديقة فعلتها من قبل وأنظر إليها كبطلة تمشي
على األرض .الرابط الذي أرغب في العودة إليه دائما هو الوعي الذاتي والفن
والثورة.
هذا المثلث المتساوي األضالع الذي يعينني دائما على االستمرار ،ويخبرني أن
الحياة ستستمر بالشكل الذي أقرره ،الفنون تزيد من حالة الوعي الذاتي ،وتعمق
اإلحساس بالنفس ،الوقت الذي قضيته في الحديث مع نفسي ،أو مراقبة شقوق
الجدران الصغيرة ،أو المقارنة بين الدرجات المختلفة للون األصفر .الوقت الذي
قضيته في مالحظة الفارق بين الموسيقى الكالسيكية والموسيقى الباروكية ،والفارق
بين أفالم عاطف الطيب ويوسف .الوقت الذي قضيته في مالحظة لوحات بيت
موندريان التجريدية ،وكيف حول العالم بأكمله إلى أشكال هندسية ملونة .لحظات
الحيرة المستمرة بين مترادفتين ،المراوحة المستمرة والبحث العميق بين الوعي
والالوعي ،لحظات الحيرة والقلق والخوف من سيطرة العقل الجمعي على أفكاري
وأحالمي ورغباتي .خوفي من النبذ مجددا .الثورة التي ال تهدأ بداخلي ،شكلي الذي
ال أرضى عنه ،المجتمع الذي ال أحب أن أكون من ضحاياه ،وال أستعذب فكرة أن
أكون جزءا هادئ ولطيفا ومتسقا معه .االكتئاب الذي أصبح يلتهمني ،العقاقير التي
أبتلعها كل صباح ،المكتبة الكبيرة في ركن المنزل ،أغلفة الكتب ،أسامي ال ُكتاب
الذين أصبحوا أصدقاء ،المالبس الملونة ،الحكايات القديمة لفنانين لم يستطيعوا
التأقلم مع الجماعة ،الشعر ،والكراسات والمسودات ،جويس منصور ،فيرجينيا
وولف ،سيلفيا بالث ،أروى صالح ،مايا أنجلو ،نيكيتا جيل ،بوكوفسكي ،أوكتافيو
باث ،بيسوا ،فان غوخ ،نوال العلي ،أنيس الرافعي ،منى الشيمي ،ريتسوس ،محمد
أبو زيد ،مروة أبو ضيف ،وحيد طويلة ،سعيد الكفراوي ،عفاف طبالة ،حسين
حمودة ،بيترا روسينكرانز ،كل ذكريات الطفولة ،والكلمات المحفورة في ذاكرتي،
كتابي المفضلين ،النثر المختلط بالشعر ،والشعر المختلط بالنثر ،القصص المنفلتة
من أشخاص متوحدين ،حكايات الجدات ،عقاقير االكتئاب ،أقراص الكورتيزون،
انفالت اللون على سطح األوراق ،بناتي (فريدة ،كرمة ،فيروز) ألجل كل ذلك
وأشياء أخرى كثيرة؛ قررت في لحظة صدق وشجاعة أن الفن الذي ال يساعدنا
لنصبح أنفسنا ،ليس فنا ،والشجاعة دون فعل ليست شجاعة؛ ونزعت غطاء الرأس،
تلك القماشة التي ال أنتمي إليها ،وال تنتمي إلي .ألصبح أنا كما أصدق نفسي وأراها
بعمق ،أنا كما أرغب أن أكون تماما.
ألن ال فن هو االبن األصغر دائما لذا ي ت م ا ال حتكام إلى معايير الدين أو ال سي ا س ةس ل تق و ي ض
وى ل ا ة ر
الفن ال نس وي و عل ا قته با لثورة
ققتىؤ
ألنه فن يجب أن يشتبك مع الواقع ويتقاطع معه ،وال يقدم الصورة النمطية لألنثى تحيط بها األزهار
والفراشات ،الفن النسوي في جوهره فن مضاد للثوابت اال