Вы находитесь на странице: 1из 17

‫ثورة ‪ 25‬يناير‬

‫أفكر قبل البدء في الكتابة‪ ،‬في سؤال ال يتوقف عن الطرق في عقلي‪" ،‬ماهو الجسد"‬

‫في المعجم‪ ،‬الجسد هو الجزء المحسوس من الكائن الحي‪ ،‬غرائز اإلنسان وحواسه‪.‬‬

‫الجسد‪ :‬هو التجسيد الذي يظهر به اإلنسان‪ ،‬أو التعبير المادي الفريد عن فردانية الشخص‪.‬‬

‫جسد األمر‪ :‬أي مثله وأبرزه في قالب ملموس ومحسوس‪ .‬بمعنى أن جسد اإلنسان هو ذلك‬
‫القالب الملموس الذي يجسد الشخص‪.‬‬

‫في النهاية يمكن القول ببساطة أن الجسد هو الظهور الفيزيائي المادي لماهية الفرد‪.‬‬

‫طيب هل نعرف أجسادنا بالفعل؟ هل فكرنا من قبل في تلمسها والتعرف عليها؟‬

‫أكرر من جديد "ماهية الفرد"‪ .‬أبدو بحاجة أكثر للتعرف على ماهيتي الشخصية‪ ،‬وأتتبع تلك‬
‫الرغبات التي تلح علي أثناء الكتابة‪ .‬أمسك ذراعي بقوة‪ ،‬أضغط على وجهي‪ ،‬على أنفي‪ ،‬أخفي‬
‫عيوني بأصابعي عدة مرات‪ ،‬أتحسس رأسي‪ ،‬رقبتي‪ ،‬صدري‪ ،‬بطني‪ ،‬فخذي‪ ،‬ساقي‪ ،‬أطقطق‬
‫أصابعي‪ ،‬أقراص أذني‪.‬‬

‫هذا الجسد هو (أنا) انا بكل تحميالتي الشخصية والثقافية‪ ،‬التاريخية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬المرضية‪،‬‬
‫الهوياتية‪ ،‬اإلنسانية‪ ،‬النفسية‪ .‬طريقة تعاملي مع هذا الجسد هي التعبير األوضح واألصدقعني‬
‫كشخص‪ .‬عن أفكاري‪ ،‬معتقداتي‪ ،‬استيهاماتي‪ ،‬أحالمي‪ ،‬رغباتي‪.‬‬

‫أتذكر بناتي عندما كن في شهورهن األولى‪ ،‬وهن يحاولن التعرف على أجسادهن الصغيرة‪،‬‬
‫بدهشة وانبهار‪ .‬ينظرن إلى أصابعهن الهشة‪ ،‬يحملقن في كفوفهن الرقيقة‪ .‬في وقت تغير‬
‫الحفاضات كن ينظرن بين سيقانهن بدهشة‪ ،‬يضعن أياديهم ويحاولن لمس أجزاءهن الحميمة‪،‬‬
‫برغبة كبيرة في االكتشاف وفضول ال يمكن تجاهله‪.‬‬

‫أستعيد ذاكرتي القديمة عندما كنت أنا طفلة صغيرة‪ ،‬وأتذكر محاوالتي األولى الكتشاف‬
‫األماكن الغامضة المخبأة في جسدي‪ ،‬وإصرار أمي على منع تلك المحاوالت الطفولية‪ ،‬بنظرات‬
‫زاجرة ونبرة حاسمة "كده عيب"‪" ،‬إقفلي رجلك"‪" ،‬نزلي الفستان"‪" ،‬غطي"‪.‬‬
‫ليترسخ داخل عقلي الطفولي‪ ،‬أن جسدي لغز‪ ،‬سر أعظم‪ ،‬قفص حديدي ال يجب اختراقه أو‬
‫كشفه‪.‬‬

‫ألن هذا الفصل من الكتاب ربما يصبح شهادة شخصية ستبقى لسنوات‪ ،‬يجب أن أقول بصدق‬
‫إنني ال أحمل أي ضغينة ناحية أمي لهذا األمر‪ .‬الوعي يجعلنا نتقبل ضعف اآلخرين وانسياقهم‬
‫للخوف من العقل الجمعي المترسخ بداخلهم‪ ،‬لكن ربما أتساءل كيف يمكن أن يتكون ذلك الوعي‬
‫الذي يمكنه أن يتجاوز ذلك العقل الجمعي والعمل على تغيره‪ ،‬وتكوين عقل جمعي جديد‪ ،‬أكثر‬
‫حرية وتقبال لفردانية كل إنسان‪.‬‬

‫عندما ال يمتلك اإلنسان جسده ال يمتلك وجوده‬


‫تعد واحدة من أهم المساهمات التي قدمها (رودلف شتاينر) لعلم األنثروبوصوفي‪ ،‬هي تقسيم‬
‫الحواس البشرية إلى ‪ 12‬حاسة‪ .‬رأى شتاينر أن اإلنسان يستخدم نظاما أكثر تعقيدا‪ ،‬من‬
‫انطباعات اإلحساس في تفاعله مع العالم‪ ،‬مما تسمح به الحواس الخمس التقليدية‪ .‬إذ ال توفر‬
‫الحواس الخمس سوى فهما سطحيا جدا للتجربة اإلنسانية‪ ،‬وإذا أردنا الحصول على نظرة أعمق‬
‫للطبيعة البشرية‪ ،‬من الضروري توسيع معرفتنا بالحواس البشرية التي تمثل اإلنسان بشكل كلي‪،‬‬
‫وكيف تعمل هذه الحواس‪.‬‬

‫تعرف األربع حواس األولى من هذه الحواس اإلثنى عشر بالحواس السفلى‪ ،‬أو الحواس‬
‫التأسيسية‪ ،‬إنها حواس اللمس والحياة والتوازن والحركة‪ .‬تلك الحواس التأسيسية هي التي توفر‬
‫األساس الذي يحتاج إليه اإلنسان منذ طفولته لتحقيق النجاح األكاديمي‪ ،‬واالجتماعي والعاطفي‪.‬‬
‫وتعد حاسة اللمس واحدة من أهم تلك الحواس السفلى‪ ،‬ألن الشعر باللمس هنا ال يتعلق‬
‫باألحاسيس التي تشعر بها عندما تلمس شيئا‪ .‬إذن تاذا تعني حاسة اللمس لدى شتاينر؟‬

‫تمثل حاسة اللمس الحدود بين اإلنسان وبين اآلخر‪ ،‬سواء كان شىء‪ ،‬أو شخص‪ .‬إنه الشعور‬
‫الذي يجعلنا ندرك أننا جميعا أفراد منفصلين عن العالم الخارجي‪ ،‬بوعينا الذاتي والفردي‪.‬‬
‫الشعور باللمس هو الذي يعرف اإلنسان أين ينتهي كشخص‪ ،‬وأين يبدأ العالم الخارجي‪ .‬يسمح‬
‫لنا بفهم مكانتنا الفردية في العالم‪ ،‬وفهم شخصية اآلخرين الخاصة‪ .‬حاسة اللمس والشعوور‬
‫باللمس هو السبب الوحيد لوجود اآلخر‪ ،‬ألنه يوفر حاجزا بين أنفسنا وبين كل ما يحيط بنا‬
‫ويفصلنا عن بعضنا البعض‪ ،‬وعن العالم‪ .‬وفي الوقت نفسه تعتبر حاسة اللمس هي المرادف‬
‫األول للتواصل‪ ،‬عندما نريد أن نكون أقرب إلى اآلخرين‪ ،‬نمد يد ونلمس اآلخر؛ ذلك اللمس‬
‫الذي يتبعه الوصول إلى طبقة أعمق من األلفة‪.‬‬

‫كل ما ألمسه يلمسني‪ ،‬وأشعر وقتها بالصلة مع العالم‪ .‬إذن إحساس اللمس هو ما يجعلنا في تبادل‬
‫مع العالم الخارجي‪ ،‬وفي الوقت نفسه نكون مستقلين تماما داخل حدود الجلد‪.‬‬

‫ما الذي أقصده من كل الحديث عن حاسة اللمس في معناها األعمق؟ أقصد في‬
‫النهاية أن الجسد هو بوابتنا الشخصية للعالم‪ ،‬وعندما ال يستطيع الفرد التحكم في‬
‫جسده‪ ،‬ال يمكنه بالقطع التحكم في طريقة وجوده في العالم بالشكل الذي يرغب به‬
‫بالفعل‪ ،‬وليس ذلك الشكل الخارجي من الوجود والتفاعل السطحي مع العالم‪.‬‬

‫الجسد كموطن للصراع‬


‫المجتمع المصري والعقل الجمعي في الوقت الحالي يحاول بكل الطرق‪ ،‬طمس‬
‫الفردية‪ ،‬األمر الذي يجعل الفرد ينسى رغباته الفعلية العميقة‪ ،‬ويسعى لنيل رضا‬
‫اآلخرين‪ ،‬ليصبح جزءا من منظومة المجتمع‪ ،‬ألن ليس كل شخص قادر على‬
‫مخالفة السائد‪ ،‬والمرأة بالطبع جزء من المجتمع‪ .‬في الوقت الذي تظن فيه المراة‬
‫أنها حرة في اختياراتها‪ ،‬يكون وعيها الباطني مقيد برأي المجتمع‪ ،‬وبالهوس‬
‫بإعجاب اآلخرين؛ ألن المؤسسات االجتماعية والسلطوية دائما ما تحاول توحيد‬
‫صورة الجسد‪ ،‬وشيطنة كل محاوالت اختراق تلك الصورة أو تغييرها‪ ،‬بالتحايل أو‬
‫التخويف والترهيب‪ ،‬ليصبح الجسد وخاصة جسد المرأة موطنا للصراع اإلجتماعي‬
‫والديني والسلطوي‪ ،‬الساعي لتنميط فكرة الجسد‪ .‬لتصبح المرأة في الطبقات الدنيا أو‬
‫األوساط االجتماعية المتشددة مجرد إشارة أو داللة على الرجل متمثال في األب‪،‬‬
‫األخ‪ ،‬الزوج الذي يمتلك جسدها طبقا لقوانين المجتمع وسلطويته‪ .‬حتى في الطبقات‬
‫األكثر انفتاحا نجد المرأة تتحول إلى واجهة عرض طبقية متحركة‪ ،‬ال تعبر سوى‬
‫عن رغبة وإرادة المجتمع‪.‬‬
‫لذا يتم تلقين الفتيات منذ الصغر كل المفروضات التي تجعلهن مسالمات خاضعات‬
‫لقوانين العرض والطلب المجتمعية‪ ،‬وبالطبع جسد الفتاة هو السلعة األهم‪ ،‬أو ربما‬
‫السلعة الوحيدة التي تملكها الفتاة لجني المكاسب المادية والمعنوية واالعتراف‬
‫المجتمعي‪ ،‬وكلما كان جسدها متناغما مع تلك المتطلبات حسب الرائج وقتها‪ ،‬ترتفع‬
‫مكاسبها وتزدا فرصها‪.‬‬
‫قلق الفتيات حول أجسادهن نابع من الخوف الدائم والمستمر من أن يكن خارج‬
‫الكتالوج المجتمعي‪ ،‬قليالت هن من يستطعن تتبع احتياجتهم الشخصية ورغباتهن‬
‫األعمق النابعة من اإلرادة الشخصية بالفعل‪.‬‬

‫تأثير ثورة ‪ 25‬يناير اجتماعيا‬


‫لكل ثورة سياسية أو عسكرية تأثيرات اجتماعية وثقافية‪ ،‬وعن طريق مراقبة تأثيرات ثورة ‪25‬‬
‫يناير االجتماعية والثقافية وتتبعها‪ ،‬يمكن مالحظة بعض التأثيرات االجتماعية العميقة والتي‬
‫ربما تكون أكثر وضوحا من التغييرات السياسية للثورة‪.‬‬

‫دائما ما يلتحم بالثورات الفئات األكثر تهميشا واألكثر حاجة إلى االنضمام للجموع‪ ،‬الفئات غير‬
‫الملتفت إليها‪ ،‬مثل النساء‪ ،‬الشباب‪ ،‬الفنانين‪ ،‬الذين وجدوا في الثورة فرصة وأمل للتغيير‬
‫الحقيقي‪ ،‬حتى لو لم يتم التغيير السياسي العميق‪ ،‬لكن هناك التأثير االجتماعي والثقافي‬
‫الفردي للثورة‪ ،‬كما طرح جيل دولوز تامنظر والفيلسوف الفرنسي من قبل‪ ،‬حيث ا‬
‫عمل على نقل الثورة من المستوى الكتلي‪ ،‬إلى المستوى الجزيئي الذي يغير صبغة‬
‫الدولة وبناها التحتية بالتدريج‪ ،‬ليصبح التغيير الفعلي على المستوى األصغر‬
‫واألكثر دقة في العالقات‪ ،‬ثم يتسع تدريجيا ليشمل شرائح وعالقات أكثر اتساعا‪.‬‬
‫ربما بدأت ثورة ‪ 25‬يناير كحركة تمرد سياسية‪ ،‬لكنها انفتحت بعد ذلك على مفاهيم‬
‫أكثر اتساعا‪ ،‬تتعلق أيضا بالحرية الفردية‪ ،‬والتخلص من أنواع مختلفة من السلطة‪،‬‬
‫غير سلطة القضاء أو الشرطة أو الحاكم‪ ،‬لكن السلطات االجتماعية‪ ،‬مثل سلطة‬
‫األب‪ ،‬أو المعلم أو المجتمع‪ ،‬والمفروضات االجتماعية والعرفية‪ ،‬وربما الدينية‬
‫أيضا‪ .‬هذا التغير عندما يبدأ في التحول الداخلي من تمرد سياسي‪ ،‬إلى تمرد‬
‫اجتماعي بداخل كل شخص‪ ،‬يصبح كل فرد هو ثورة محتملة تمشي على قدمين‪،‬‬
‫ثورة تحاول تغيير السائد‪ ،‬وإزاحته وفرض الفردية الشخصية‪ ،‬إنسانيا واجتماعيا‬
‫وثقافيا‪.‬‬

‫عندما أستعيد مشاعر التحرر الثوري‪ ،‬والرغبة في اإلنعتاق من النموذج المجهز من‬
‫قبل‪ ،‬أو القالب الذي يصر المجتمع على وضع الفتيات بداخله‪ ،‬أستعيد مشاعري‬
‫الشخصية‪ ،‬صورتي الذهنية عن نفسي‪ ،‬وأتساءل ما معنى صورة الجسد‪ ،‬بالنسبة‬
‫لي‪ ،‬وما الشعور الذي يالزمني عندما أستحضر تلك الصورة؟‬
‫هل هو االطمئنان‪ ،‬الحب‪ ،‬القيمة‪ ،‬أم العار والكره والعداء‪ ،‬والرغبة الملحة في تغيير‬
‫النفس للتواءم مع متطلبات ومفروضات المجتمع‪ .‬في اللحظة الحاسمة التي أقف فيها‬
‫أمام المرآة‪ ،‬بماذا أفكر‪ ،‬بماذا أشعر‪ ،‬وكيف يمكنني وصف ذلك الشعور في كلمات‪.‬‬
‫وال يمكن القول أيضا أن الصورة الذهنية لس عن جسدي ونفسي ‪ ،‬نابعة فقط من‬
‫الطريقة البصرية التي أنظر بها غلى نفسي‪ ،‬ألن األمر هنا يصبح قاصرا‪ ،‬ألن‬
‫صورة الجسد تنبع ايضا من إدراكي الشخصي‪ ،‬وتصوري الخاص عن جسدي‪،‬‬
‫واألفكار والمشاعر‪ ،‬النابعة من ذلك التصور‪ ،‬بمعنى آخر‪ ،‬ربما تغير طريقة‬
‫إدراكي لجسدي ونفسي ‪ ،‬من الصورة البصرية الشخصية‪ ،‬التي أحتفظ بها داخلي‬
‫عن نفسي‪ .‬تلك الصورة اإلدراكية التي ليست بالضرورة صحيحة‪ ،‬وهذا يتعلق‬
‫بمقدار الرضا الذي أشعر به تجاه نفسي األعمق وشكلي الخارجي‪.‬‬
‫تلك الطريقة التي أفكر بها في نفسي وجسدي‪ ،‬هي الصورة المعرفية‪ ،‬التي أنشغل‬
‫بها‪ ،‬والتي تحدد سلوكي الشخصي‪ ،‬وطريقة تعاملي مع اآلخر‪ ،‬أفكر ماذا سيحدث لو‬
‫كانت تلك الصورة المعرفية خاطئة‪ ،‬أو سيئة‪ ،‬او عدائية‪ ،‬أو منحطة‪ .‬كل هذه‬
‫االحتماالت ربما تسبب الوحدة والعزلة واأللم‪ .‬أي أنني في لحظة ما أجعل حياتي‬
‫أصعب وأكثر إرهاقا‪ ،‬وألما لمجرد صورة ذهنية خاطئة عن نفسي رسختها بداخلي‪.‬‬
‫ربما في تلك اللحظة أعود من جديد للكتابة الشخصية‪ ،‬وأفكر فيما أخشى أن يصبح‬
‫ذلك الفصل من الكتاب‪ ،‬هو الفصل األقل اعتمادا على األبحاث‪ ،‬أو المصادر‬
‫البحثية‪ ،‬لكنني أعود وأفكر أنني كشخص وإنسان‪ ،‬أعتبر نفسي الرابط الوحيد‪،‬‬
‫الرابط األكثر ثقة وصدق الذي يمكنني أن أعتمد عليه لربط كل تلك العوالم‬
‫المتناثرة‪( :‬الفن‪ ،‬الجسد‪ ،‬الثورة‪ ،‬الوجود اإلنساني)‪.‬‬
‫اعتقدنا دائما أن الفن يقلد الحياة‪ ،‬يمثل الرسام ما يراه من خالل لوحة‪ ،‬وكذلك يفعل‬
‫النحات من خالل البرونز او الحجر‪ ،‬المصور والسنيمائي يفعلون ذلك بصورة أكثر‬
‫مباشرة‪ .‬لكن مع حركات الفن التجريب والمعاصر‪ ،‬أصبحنا ننظر بطريقة مختلفة‪،‬‬
‫إذ ربما يعمل الفن على تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى الحياة‪ ،‬وطريقة إدراكنا‬
‫ألنفسنا‪ .‬يقول أوسكار وايلد في حديثه عن الضباب في لندن‪ ،‬في إشارة إلى ذلك‬
‫الضباب الجميل الذي يتسلل إلى الشوارع‪ ،‬ويؤدي إلى طمس مصابيح الغاز وتحويل‬
‫المنازل إلى ظالل‪ .‬قال وايلد إن الشعراء والرسامين هم من علموا الناس جمال هذه‬
‫اآلثار‪ ،‬وهي لم تكن موجودة قبل انتباه الفن لها‪ .‬لذا نحن بحاجة إلى مراجعة مدى‬
‫التغير الذي طرأ علينا من خالل أفكار الفن‪ ،‬والكتب والمسرح والسسنيما والدراما‪.‬‬
‫وألن الفن في جوهره عنصر ثوري ومتمرد‪ ،‬كان دائما بمثابة االبن الضال أو‬
‫الشارد‪ ،‬الذي تحاول األنظمة والحكومات تكبيله‪ ،‬ووضعه تحت الرقابة والسيطرة‪،‬‬
‫سواء دينيا أو سياسيا أو اجتماعيا؛ ألن جميع الديكتاتوريين أدركوا قوة تأثير الفن‪،‬‬
‫لذا أنشأ هتلر وزارة اإلعالم والدعاية‪ ،‬التي رأسها (جوبلز) والذي كانت مهمته‬
‫التأكد من كل ما يعرض وينشر‪ ،‬ومدى توافقه مع األفكار واأليدولوجيات السلطوية‪،‬‬
‫دون أي شيء معاد للنظام‪ ،‬حتى أن جوبلز أصبح أيقونة الرقابة والسلطة في العالم‬
‫بالكامل‪.‬‬
‫إذن العالقة بين الفن والسياسة ليست حديثة‪ ،‬بل لهما تاريخ قديم‪ ،‬يراوح بين‬
‫استخدام الفن ألغراض سياسية‪ ،‬أو ما يمكن أن نطلق عليه الفن الديني‪ ،‬وبين‬
‫الطرف اآلخر الذي يستعمل فيه الفنانون‪ ،‬فنهم للتعبير عن سخطهم تجاه الظروف‬
‫االجتماعية والسياسية‪ ،‬تماما مثلما رسم بيكاسو لوحته الشهيرة (غرنيكا) وهي لوحة‬
‫زيتية جدارية‪ ،‬أتمها بيكاسو في يونيو ‪ ،1937‬وهي موجودة حاليا بمتحف رينا‬
‫صوفيا بمدريد‪ .‬رسمت اللوحة بتدرجات األزرق الغامق واألسود‪ ،‬والرمادي‬
‫واألبيض‪ ،‬وهي من أكثر اللوحات المؤثرة في تاريخ الفن‪ ،‬في عالقة الفن‬
‫بالحروب‪ .‬ومن خاللها تظهر معاناة البشر والحيوانات التي يغرقها العنف والفوضى‬
‫واأللم من جراء الحرب‪ .‬لذا أصبحت اللوحة حتى اآلن رمزا ضد الحرب‪ ،‬وتجسيدا‬
‫للسالم وأهميته‪.‬‬
‫ويمكن أيضا أن نستعيد بشكل سريع‪ ،‬رسوم الفنانة األمريكية (سوزان كريل) التي‬
‫قامت بتصوير تعذيب الجنود األمريكيين‪ ،‬للسجناء في سجن أبو غريب‪ ،‬عن طريق‬
‫الرسم‪ .‬وكانت رسوم كريل مرفق بها رسوم بيانية‪ ،‬تظهر المعاملة غير اإلنسانية‬
‫وانعدام العدالة بحق سجناء أبو غريب‪.‬‬
‫إذن من هنا يمكن اعتبار الفن أحد الرواة األصدق للتاريخ‪ ،‬ووسيلة للتغيير‪ ،‬وهو‬
‫بشكل أو بآخر يعزز الطريقة التي ندرك بها األحداث والقضايا داخل المجتمع‪ ،‬وهو‬
‫عنصر أساسي في النشاط االجتماعي المعاصر‪ ،‬ألنه من خالل الرسائل البصرية‬
‫والنشاط الفني‪ ،‬نعبر عما نشعر به‪ ،‬نعبر عن إحباطتنا‪ ،‬وأحالمنا و آالمنا‪ ،‬على أمل‬
‫أن يساعدنا الفن ويمكننا من القايام بشيء حيال ذلك‪ ،‬ألن الهدف من الفن المعاصر‬
‫لم يعد مجرد صنع أشياء جميلة‪ ،‬لمن يرغب فيها ويمكنه التمتع بها‪ .‬وبالرغم من‬
‫وجود مدارس فنية مختلفة تتنازع على معنى الجمال‪ ،‬وفي ما إذا كان كافيا المحاكاة‬
‫البارعة للطبيعة‪ ،‬لكن كل تلك المفاهيم القديمة أخذت تتصدع عند نهاية القرن الثامن‬
‫عشر‪ .‬عندما وضعت الثورة الفرنسية في عام ‪ ،1789‬حدا الفتراضات كثيرة مسلم‬
‫بها منذ قرون‪ ،‬وبدأت مرحلة جديدة من الوعي الذاتي الذي يجعل الناس قادرون‬
‫على حسم الجدل لصالح اختياراتهم الشخصية‪ ،‬مهما كانت مخالفة للمألوف‪ ،‬وهنا‬
‫عندما يصبح الحوار مستحيال‪ ،‬في الصراعات االجتماعية السياسية‪ ،‬يصبح الفن‬
‫طريقة لالحتجاج‪ ،‬عن طريق الملصقات والرسوم‪ ،‬والغرافيتي‪ ،‬وصنع الدمى‬
‫والتماثيل الهزلية‪ ،‬وأنواع مختلفة من فنون الشارع‪ ،‬التي تسخر من الحكا م‪ ،‬كما‬
‫حدث في ثورة ‪ 25‬يناير‪.‬‬

‫قبل الثورة كان مشهد فنون الشارع بكل أنواعها مشهدا نادرا‪ ،‬في القاهرة وفي‬
‫العديد من المدن األخرى في الشرق األوسط‪ ،‬أما اآلن تزدهر الشوارع بالمعاناة‬
‫أجل توثيق المعارضة السياسية للنظام المتسلط‪ ،‬قام فنانون طليعيون بتحويل‬
‫الجدران إلى لوحات‪ ،‬والشوارع إلى متاحف مفتوحة تروي رحلة المعاناة والنضال‬
‫الثوري‪ ،‬للمارة في الشوارع‪ ،‬وبناء على ذلك يحدث الفن تغيير جذري عميق‪ ،‬في‬
‫الجمهور‪ ،‬تجعله يتصرف بدون قصد تبعا للرسالة التي يحملها الفن‪.‬‬

‫العالقة المعقدة بين الوعي الذاتي والفن‬


‫عندما أفكر ما هو الوعي الذاتي‪ ،‬وما هي آثاره‪ ،‬وماعالقة الفن بتطور الوعي الذاتي‬
‫والقدرة على اكتشاف النفس بكل ما تحمله من متناقضات‪ .‬الوعي الذاتي هو القدرة‬
‫على تركيز انتباهنا على أنفسنا من الداخل‪ ،‬وتقييم سلوكنا الشخصي‪ ،‬ورصد األفكار‬
‫والمشاعر منذ بدايتها‪ .‬باإلضافة إلى كونه يساعدنا على عدم إطالق األحكام على‬
‫أنفسنا أو اآلخرين‪ .‬عندما نرصد ونالحظ ونراقب ما يحدث بداخلنا‪ ،‬نكون اكثر‬
‫قدرة على االعتراف به وتقبله لكونه جزء أساسي من تكويننا الشخصي‪ ،‬بدال من‬
‫االستمرار طوال الوقت في تأميب ومعاقبة الذات‪ ،‬بافتراضات دخيلة على كل‬
‫شخص منا‪ ،‬ألنه ال يشبه اآلخرين‪ .‬أنا دائما كنت بحاجة إى تقبل نفسي وأخطائي‬
‫وعيوبي ورغباتي‪ ،‬بقلب مفتوح وإدراك حر‪ ،‬ولم يساعدني على ذلك سوى ممارسة‬
‫أنواع مختلفة من الفنون‪ .‬الفن جعلني شخص أكثر انفتاحا على االختالف البشري‪،‬‬
‫وجعلني أكثر قدرة على إدارة أفكاري وسلوكي وعالقاتي باآلخرين‪.‬‬
‫ربما تأتي صعوبة الوعي الذاتي أو صعوبة تطويره من انعدام األوقات التي نراقب‬
‫أنفسنا من خاللها؛ نحن غالبا ال نهتم بما يحدث بداخلنا‪ ،‬ونعطي انتباه أكبر لما‬
‫يحدث في الخارج‪ .‬القراءة‪ ،‬الكتابة‪ ،‬الرسم‪ ،‬الرقص‪ .‬ممارسة أي نوع من الفنون‪،‬‬
‫تساعدنا على معالجة أفكارنا‪ ،‬ورؤيتها تتجسد أمامنا‪ ،‬مما يجعلنا أكثر قدرة على‬
‫التعامل معها وإعادة تشكيلها‪ .‬الفنون رحلة طويلة من استكشاف النفس والفهم‪ ،‬وهي‬
‫رحلة معقدة ويجب أن تكون عن اختيار لإلنسان نفسه‪ ،‬ألنها مغامرة كبرى قد ال‬
‫يحتملها البعض‪ ،‬الستعذابه الدور الذي يفرضه عليه المجتمع أو الظروف‪ ،‬أو ربما‬
‫لصعوبة االستكشاف الذاتي‪ ،‬وعدم قدرة البعض على دفع ثمن االختيار الحر بشكل‬
‫كامل‪.‬‬

‫الفنان في الجوهر ال يرسم فقط ما هو أمامه‪ ،‬لكنه يرسم أيضا ما بداخله‪ .‬لذا إذا لم‬
‫يستطع التواصل مع ما بداخله‪ ،‬لن يكون هناك أهمية لما في الخارج‪ .‬لهذا السبب ما‬
‫ينظر إليه المتفرج على أنه جميال وممتعا ولطيفا‪ ،‬هو ليس كذلك في الواقع‪ ،‬هي‬
‫عملية عميقة ونفسية ومعقدة ومتعددة الطبقات معبرة عن جوهر اإلنسان‪ ،‬ورحلة‬
‫تستمر طويال بعد التغلب على التحديات التقنية التي يختارها الفنان للتعبير عن‬
‫تفسه‪ ،‬ثم يبدأ في تطويع تلك التحديات للتعبير الحر الصادق‪.‬‬
‫هنا تبدأ المعركة والصراع الحقيقي‪ ،‬أن نتفهم أن العمل الفني ليس مجرد جماد‬
‫جميل‪ ،‬لكنه أكثر من ذلك بكثير‪ .‬وهنا يمكن أن تظهر كلمة (الرؤية) وتتعدد طرق‬
‫الرؤية لكل عمل فني‪ ،‬حسب المتلقي‪ ،‬وأثناء تدريب الفنان المستمرة على المالحظة‪،‬‬
‫تتحسن قدراتنا على التقنية‪ ،‬عن الفروق بين األحجام واأللوان واألشكال والنسب‪،‬‬
‫لكن القدرة األهم والرؤية األعمق التي أقصدها تتجاوز مالحظة الشكل الخارجي‬
‫فقط‪ .‬رؤية تسير في اتجاهين الخارج والداخل معا‪ ،‬ليصبح الهدف من الفن في المقام‬
‫األول هدف شخصي‪ ،‬وتكوين صوت ووعي وأفكار شخصية‪ .‬الفن يشجعنا على‬
‫تنمية الحدس الداخلي‪ ،‬وعدم اليقين المطلق‪ ،‬وكسر القواعد‪ ،‬وهو يمثل عنصر‬
‫اإلرشاد الداخلي للنفس‪.‬‬
‫وألن جسم اإلنسان اساسي في كيفية فهمنا لجوانب مهمة مثل الهوية‪ ،‬والعرق‪،‬‬
‫والجنس‪ ،‬يغير الناس من أشكال أجسادهم للتماشى مع المواثيق االجتماعية‪ ،‬أو‬
‫لتظهر تمردهم على تلك المواثيق‪ ،‬وللتعبير عن رسائل لمن حولهم‪ ،‬حول مدى‬
‫تواءمهم معهم‪ .‬ويستكشف الكثير من الفنانين النوع والهوية من خالل تمثيالت‬
‫الجسد‪ ،‬وباستخدام أجسادهم كجزء من العملية اإلبداعية الخاصة بهم‪.‬‬
‫ويمكن هنا أن نستعيد فترة الستينيات والسبعينيات‪ ،‬كفترة اضطرابات عالمية‪،‬‬
‫خاصة فيما يخص المطالبة بالمساواة بين المرأة والرجل‪ ،‬فيما يتعلق بالحياة‬
‫الجنسية‪ ،‬والحقوق واألسرة ومكان العمل؛ وبدأت صورة المرأة في الفن تتغير تبعا‬
‫للتغيرات االجتماعية‪ ،‬ولم تعد صورة واحدة هي المسيطرة على الشكل األنثوي في‬
‫الفن‪ ،‬وهي الصورة التي يفضلها الرجل للمرأة‪ .‬بل تناول العديد من الفنانيين جسد‬
‫المراة من زوايا مختلفة‪ ،‬تهدم المعايير الثابتة قديما‪ ،‬وهو ما حدث تماما بعد ثورة‬
‫‪ 25‬يناير في مصر‪ ،‬بعد فترات وعقود طويلة من سيطرة الفن االستهالكي‪،‬‬
‫ومحاوالت فرض نمط معين للجمال‪ ،‬الذي يفضله المجتمع وشكل خارجي معين أو‬
‫كود أخالقي متداول لشكل ومالبس المرأة التي يحترمها المجتمع‪ ،‬ولم يكن يسمح‬
‫بحرية التصرف في الجسد لكل فرد‪ ،‬وينظر إلى الجسد (خاصة جسد األنثى) إنه‬
‫ملك عام للمجتمع‪ ،‬وهنا أذكر مرة أخرى التأثير الفردي للثورة‪ ،‬التي ربما لم تحقق‬
‫أهدافها السياسية والعسكرية‪ ،‬لكنها اخترقت بعمق داخل كل فرد مؤيد لها‪ ،‬خاصة‬
‫الفتيتات والنساء المؤيدات لها‪ ،‬والالواتي اعتبرنها ثورتهن الشخصية‪ ،‬وأصبح هناك‬
‫مطالبة مستمرة بالسيطرة الشخصية على الجسد وبدأ التساؤل عن قضايا الهوية‪،‬‬
‫والجندر والتفكير في مدى التوافق الحقيقي على معايير الجمال المتداولة‪.‬‬
‫كل هذه التغيرات‪ ،‬تعيدنا للتقاطعات المختلفة‪ ،‬للجسم البشري وتفسيراته بين الفن‬
‫والدين‪ ،‬ألن الفن دائما ما يجافي فكرة التقديس؛ وأي مناقشة عن الجسم اإلنساني‬
‫يقف فيها الفن والدين على طرفي النقيض‪ .‬الدين ممثال للمجتمع ومقدساته والفن‬
‫متمردا على كل تلك المقدسات التي ترسخت عبر الثقافات والعصور الممتدة‪ ،‬وجسم‬
‫اإلنسان كما كل شيء يشمله التغيير مع تغير القوى االجتماعية والسياسية‬
‫واالقتصادية السائدة‪ .‬وألن وجود الجسم البشري في الفن سواء بشكل ديني‪ ،‬أو‬
‫علماني تثير أسئلة تتعلق بالسلطة أو األيدولوجية‪ ،‬والهوية التي يمتلكها العمل الفني‪،‬‬
‫ألن األداء الفني والتفسيرات المختلفة للجسد تتغير لتترسخ بدال منها‪ ،‬قيم جديدة‬
‫خاصة خالل فترات االحتجاج على األعراف االجتماعية‪ ،‬وإعادة تعريف الهوية‬
‫الشخصية وعالقتها بالجسد‪.‬‬

‫هناك تاريخ طويل من المواقف المختلفة تجاه الجسد في الثقافات المتعددة‪ ،‬لكن‬
‫االعتقاد الراسخ هو الفصل بين الجسد والروح‪ ،‬والتعامل معهم بوصفهم نقيضين‬
‫وليسا متكاملين داخل اإلنسان؛ والنظر إلى الجسد ومتطلباته ورغباته بوصفهم‬
‫الجزء االكثر انحطاطا من اإلنسان‪ .‬بينما الروح هي الفكرة األرقى والجزء األسمى‪،‬‬
‫ومن هنا جاءت كل محاوالت السلطات المختلفة‪ :‬دينية أو عسكرية أو اجتماعية‪،‬‬
‫السيطرة على الوجود البشري الفيزيائي‪ ،‬والتحكم به‪ .‬بمعنى نحن سنتحكم في‬
‫جسدك‪ ،‬شكلك‪ ،‬طريقة تلبية رغباتك‪ ،‬ونترك لك روحك‪ .‬الجزء األسمى بك‪ ،‬يمكنك‬
‫أن تصنع بها ما تشاء‪ ،‬حتى تتجاوز كل األلم بامنيات روحانية رائقة‪ ،‬ألن الثقافات‬
‫الدينية بشكل عام تنظر إلى الجسد اإلنساني على أنه وصمة عار أو مدعاة للخجل‪،‬‬
‫وبحاجة مستمرة للمراقبة ضد الخطيئة المحتملة‪.‬‬

‫وغالبا بعد حركات االحتجاج والثورات‪ ،‬يكون هناك تركيز متزايد بين علماء‬
‫االجتماع‪ ،‬على دراسة الفئات المهمشة مثل النساء واألقليات العرقية واإلثنية‪،‬‬
‫واألشخاص ذوو الميول الجنسية المختلفة‪ ،‬لدراسة أدوارهم وتأثيرهم الثقافي‬
‫واالجتماعي على مر حقب التاريخ المختلفة‪ ،‬التي تتغير فيها قراءة األعمال الفنية‪،‬‬
‫التي تعرض أجسادا بشرية‪ ،‬حسب اإلشارات المختلفة التي تزود المشاهدين‬
‫بالمعلومات المتعلقة بجوهر العمل الفني‪ ،‬الذي نتلقاه ضمن خطاب بصري يتغير‬
‫وفق التقاليد والقيم الدينية والمجتمعية المشتركة التي يتم التعبير عنها من خالل الفن‪.‬‬
‫الجسد والحرية‪:‬‬
‫أعتقد انه من أهم مكتسبات ثورة ‪ 25‬يناير على الصعيد االجتماعي‪ ،‬هو التحرر من‬
‫التابوهات االجتماعية التي ترسخت على مدار عقود طويلة‪ ،‬وأهم هذه التابوهات‪،‬‬
‫هو عدم امتالك الشخص لجسده‪ ،‬أصبحت النساء والفتيات أكثر تخليا عن النمط‬
‫الجمالي السائد‪ ،‬الذي يفرضه المجتمع‪ ،‬وأتحدث هنا عن الفتيات والنساء اللواتي كن‬
‫يحملن بداخلهن تلك الرغبة وال يفصحن عنها‪ ،‬أو يفصحن عنها على استحياء‪،‬‬
‫نتيجة الضغط المجتمعي‪ .‬ساعدت الثورة على تحررهن من القلق أو الخوف من‬
‫ردات فعل المجتمع تجاه رغباتهن غير النمطية‪ ،‬أو غير المتوافقة مع الكود‬
‫المجتمعي‪.‬‬
‫ومن أمثلة تلك المكتسبات التي أنتجتها الحرية الجسدية‪ ،‬ما يسمى بفنون الجسد‪،‬‬
‫واستخدام الفتيات ألجسادهم كأداة للتعبير تساعدهم على توصيل رسالتهم‪ ،‬وجعل‬
‫أصواتهم مسموعة بشكل ما‪ ،‬وساعد على ذلك المناخ االجتماعي والثقافي الذي‬
‫تحرر قليال بعد الثورة‪ .‬ألن الجسد أداة مثالية إلظهار الرغبات واألفكار‪ ،‬وهو أيضا‬
‫طريقة لالعتراض‪ ،‬ومن هنا بدأت الفتيات في استعمال الوشوم والثقب في أماكن‬
‫غير معتادة‪ ،‬لترسيخ الحرية الفردية‪ ،‬ومواجهة المجتمع بشكل صادم‪.‬‬
‫وأصبح هناك اتجاه سائد يميل إلى الحفاظ على الشكل الطبيعي لكل فتاة‪ ،‬سواء كانت‬
‫سمراء‪ ،‬أو قمحية‪ ،‬أو صاحبة شعر مجعد‪ ،‬أو نحيلة‪ ،‬كل تلك الصفات التي كان‬
‫ينبذها المجتمع من قبل‪ ،‬ويحرض الفتيات على إخفاءها‪ ،‬أصبحت هي االتجاه السائد‬
‫لدى الفتيات‪ ،‬للتأكيد على فردانية الشكل واستيعاب مفهوم الجمال النماط ال نهائية‬
‫من البشر‪ ،‬بعيدا عن كتاب المجتمع الذي يرسخ فقط لنوع واحد من الجمال‪.‬‬
‫أما أهم المكتسبات االجتماعية للنساء بعد ثورة ‪ 25‬يناير من وجهة نظر شخصية‬
‫تماما‪ ،‬هو انهيار قدسية الحجاب‪ ،‬والبدأ في تناوله كظاهرة اجتماعية‪ ،‬والبحث عن‬
‫تاريخها‪ ،‬واسباب تناميها في المجتمع المصري‪ ،‬واألهم هو تخلي الكثير من النساء‬
‫والفتيات عنه‪ ،‬بعد سنوات طويلة أو قصيرة من االلتزام به ألسباب اجتماعية في‬
‫المقام األول‪.‬‬
‫كما بدأت ذلك الفصل بحكاية شخصية‪ ،‬أود أن أنهية بحكاية شخصية‪ ،‬حكاية بدأت‬
‫منذ أكثر من ‪ 15‬عاما‪ ،‬كان الخطاب اإلسالمي في ذلك الوقت متمثال في الداعية‬
‫عمرو خالد‪ ،‬وطريقته اللزجة التي تشبه طريقة معلمة الروضة في تعاملها مع‬
‫األطفال‪ .‬كنت مع صديقاتي نذهب لحضور دروس دينية له‪ ،‬وكان أغلب ما يتحدث‬
‫عنه هو أهمية الحجاب‪ ،‬في الحقيقة أنا ال أذكر من خطابه الدعوي شيئا سوى‬
‫تركيزه على أهمية الحجاب وفرضية الحجاب‪ ،‬وكيف أن الحجاب يصون كرامة‬
‫الفتاة وكرامتها‪ ،‬ويحصنها ضد شرور المجتمع‪ .‬هنا يجب أن أستعيد التأثير‬
‫االجتماعي للصديقات والجارات والزميالت‪ .‬تدريجيا تحولت كل المحيطات بي إلى‬
‫الحجاب‪ ،‬وأنا بعد سنوات ال أذكر سوى إنني كنت الوحيدة بدون غطاء الرأس‪،‬‬
‫واستمر الضغط من الصديقات بكل الطرق‪ ،‬الترغيب‪ ،‬النبذ‪ ،‬الترهيب‪ .‬ال أنكر أنني‬
‫في النهاية اخترت الحجاب خوفا من العقاب‪ ،‬وتقربا إلى هللا وتقربا إلى األصدقاء‬
‫والمنظومة االجتماعية بالكامل؛ لم أكن أرغب في مخالفة القواعد االجتماعية‪ ،‬ولم‬
‫أتحمل النبذ االجتماعي‪.‬‬
‫سنوات متوالية مرت‪ ،‬وأهمية الحجاب تتراجع داخلي‪ ،‬والضغط االجتماعي يزداد‪،‬‬
‫خاصة بعد الزواج‪ .‬في المجتمعات الذكورية األبوية‪ ،‬األنثى معلقة دائما برقبة رجل‪،‬‬
‫مسئول عنها دينيا‪ ،‬سيحاسب عنها‪ ،‬كأنها شخص غير كامل األهلية‪ .‬الهوة بين ما‬
‫أرغب فيه وما يحدث بالفعل تزداد مع مرور الوقت‪ .‬باإلضافة إلى الهوة أفكاري‬
‫وشكلي الخارجي‪ .‬غطاء الرأس به نوع من الخضوع االجتماعي‪ ،‬كأني أقول‬
‫للمجتمع المحيط "أنا أنتمي إليك‪ ،‬أنا جزء منك‪ ،‬أنا أتفق مع ثوابتك"‪ .‬في السنوات‬
‫األخيرة لم يعد يمثل الحجاب سوى عقاب نفسي وجسماني ال ينتهي‪ ،‬في اللحظة التي‬
‫أضعه فيها على رأسي‪ ،‬كأنني أتنكر لنفسي ووجودي‪ ،‬لذاتي األعمق واألصدق‪.‬‬
‫ليس األمر هنا بتلك البساطة التي يتحدث بها الناس‪ ،‬أن تتقاطع معتقداتي الشخصية‬
‫مع شكلي الخارجي‪ ،‬أشعر أنني مجبرة على اإلنصياع لقيد فرض علي‪ ،‬مهما بدا‬
‫بسيطا‪ ،‬ومهما حاولت التخفيف من ذلك القيد بطرق مختلفة‪ ،‬بدءا من "الحجاب‬
‫السبانيش"‪ ،‬مرورا بالتيربونات‪ ،‬والكابات‪ ،‬ومحاوالت اختيار مالبس ملونة‪ .‬لكن‬
‫هناك باستمرار جزء مفقود‪ ،‬الجزء األهم مفقود‪ ،‬لما يمثله الشعر من جوهر الهوية‬
‫الشخصية‪ ،‬ولما يحمله شكل الشعر ولونه وطرق تصفيفه من رسائل اجتماعية ال‬
‫تنتهي‪.‬‬
‫سنوات من الصراع الذي ال يشعر به أحد‪ ،‬أفكر في زوجي‪ ،‬وأمي‪ ،‬وبناتي‪ ،‬والعائلة‬
‫الصغيرة‪ ،‬والعائلة الكبيرة‪ .‬أفكر في الجيران‪ ،‬أفكر في المارة العابرين‪ ،‬في حارس‬
‫العقار وزوجته‪ .‬أفكر ماذا سيقول كل شخص‪ ،‬ومع كل فكرة يصبح القيد أكبر‪،‬‬
‫وتتضخم الهوة بيني وبين نفسي أكثر‪.‬‬
‫مع كل كلمة أكتبها‪ ،‬أو ضربة فرشاة على لوحة‪ ،‬يترسخ بداخلي أكثر أنني يجب أن‬
‫أنفلت من هذا القيد‪ ،‬وأصبح أكثر قربا لذاتي‪ .‬أصبحت أكثر عصبية‪ ،‬أكثر تطلبا في‬
‫شراء المالبس‪ ،‬أحاول دائما البحث عن شكل أعتقد أنه يناسبني‪ ،‬وفي نهاية األمر‬
‫مهما بحثت أو اكتشفت حلول‪ ،‬يجب أن أغطي شعري في نهاية األمر‪ ،‬وكأنني أخبئ‬
‫سارة التي أعرفها في حقيبة سوداء‪ ،‬وأظهر أخرى ال أعرفها وال أحبها‪ ،‬لكنها أكثر‬
‫اندماجا مع قواعد المجتمع‪ .‬كنت أنظر إلى كل صديقة تنفلت من ذلك القيد بغبطة‬
‫وبعض الحسد‪ ،‬وأفكر كيف فعلتها‪ .‬كيف أقنعت زوجها‪ ،‬وأهلها‪ ،‬وحارس العقار‪،‬‬
‫واإلخوة واألقارب والعائلة‪ ،‬وسائق التاكسي‪ ،‬وبائع اللبن‪ ،‬و و و ‪..‬‬
‫كنت أشعر أن األمر بحاجة إلى معجزة‪ ،‬خاصة بعد ترسخ الرغبة بداخلي واستحالة‬
‫التواءم مع األمر‪ .‬وهنا أتذكر كل صديقة فعلتها من قبل وأنظر إليها كبطلة تمشي‬
‫على األرض‪ .‬الرابط الذي أرغب في العودة إليه دائما هو الوعي الذاتي والفن‬
‫والثورة‪.‬‬
‫هذا المثلث المتساوي األضالع الذي يعينني دائما على االستمرار‪ ،‬ويخبرني أن‬
‫الحياة ستستمر بالشكل الذي أقرره‪ ،‬الفنون تزيد من حالة الوعي الذاتي‪ ،‬وتعمق‬
‫اإلحساس بالنفس‪ ،‬الوقت الذي قضيته في الحديث مع نفسي‪ ،‬أو مراقبة شقوق‬
‫الجدران الصغيرة‪ ،‬أو المقارنة بين الدرجات المختلفة للون األصفر‪ .‬الوقت الذي‬
‫قضيته في مالحظة الفارق بين الموسيقى الكالسيكية والموسيقى الباروكية‪ ،‬والفارق‬
‫بين أفالم عاطف الطيب ويوسف‪ .‬الوقت الذي قضيته في مالحظة لوحات بيت‬
‫موندريان التجريدية‪ ،‬وكيف حول العالم بأكمله إلى أشكال هندسية ملونة‪ .‬لحظات‬
‫الحيرة المستمرة بين مترادفتين‪ ،‬المراوحة المستمرة والبحث العميق بين الوعي‬
‫والالوعي‪ ،‬لحظات الحيرة والقلق والخوف من سيطرة العقل الجمعي على أفكاري‬
‫وأحالمي ورغباتي‪ .‬خوفي من النبذ مجددا‪ .‬الثورة التي ال تهدأ بداخلي‪ ،‬شكلي الذي‬
‫ال أرضى عنه‪ ،‬المجتمع الذي ال أحب أن أكون من ضحاياه‪ ،‬وال أستعذب فكرة أن‬
‫أكون جزءا هادئ ولطيفا ومتسقا معه‪ .‬االكتئاب الذي أصبح يلتهمني‪ ،‬العقاقير التي‬
‫أبتلعها كل صباح‪ ،‬المكتبة الكبيرة في ركن المنزل‪ ،‬أغلفة الكتب‪ ،‬أسامي ال ُكتاب‬
‫الذين أصبحوا أصدقاء‪ ،‬المالبس الملونة‪ ،‬الحكايات القديمة لفنانين لم يستطيعوا‬
‫التأقلم مع الجماعة‪ ،‬الشعر‪ ،‬والكراسات والمسودات‪ ،‬جويس منصور‪ ،‬فيرجينيا‬
‫وولف‪ ،‬سيلفيا بالث‪ ،‬أروى صالح‪ ،‬مايا أنجلو‪ ،‬نيكيتا جيل‪ ،‬بوكوفسكي‪ ،‬أوكتافيو‬
‫باث‪ ،‬بيسوا‪ ،‬فان غوخ‪ ،‬نوال العلي‪ ،‬أنيس الرافعي‪ ،‬منى الشيمي‪ ،‬ريتسوس‪ ،‬محمد‬
‫أبو زيد‪ ،‬مروة أبو ضيف‪ ،‬وحيد طويلة‪ ،‬سعيد الكفراوي‪ ،‬عفاف طبالة‪ ،‬حسين‬
‫حمودة‪ ،‬بيترا روسينكرانز‪ ،‬كل ذكريات الطفولة‪ ،‬والكلمات المحفورة في ذاكرتي‪،‬‬
‫كتابي المفضلين‪ ،‬النثر المختلط بالشعر‪ ،‬والشعر المختلط بالنثر‪ ،‬القصص المنفلتة‬
‫من أشخاص متوحدين‪ ،‬حكايات الجدات‪ ،‬عقاقير االكتئاب‪ ،‬أقراص الكورتيزون‪،‬‬
‫انفالت اللون على سطح األوراق‪ ،‬بناتي (فريدة‪ ،‬كرمة‪ ،‬فيروز) ألجل كل ذلك‬
‫وأشياء أخرى كثيرة؛ قررت في لحظة صدق وشجاعة أن الفن الذي ال يساعدنا‬
‫لنصبح أنفسنا‪ ،‬ليس فنا‪ ،‬والشجاعة دون فعل ليست شجاعة؛ ونزعت غطاء الرأس‪،‬‬
‫تلك القماشة التي ال أنتمي إليها‪ ،‬وال تنتمي إلي‪ .‬ألصبح أنا كما أصدق نفسي وأراها‬
‫بعمق‪ ،‬أنا كما أرغب أن أكون تماما‪.‬‬
‫ألن ال فن هو االبن األصغر دائما لذا ي ت م ا ال حتكام إلى معايير الدين أو ال سي ا س ةس ل تق و ي ض‬

‫وى ل ا ة ر‬
‫الفن ال نس وي و عل ا قته با لثورة‬

‫تا يرياه‪0‬ة برؤء‬

‫ققتىؤ‬
‫ألنه فن يجب أن يشتبك مع الواقع ويتقاطع معه‪ ،‬وال يقدم الصورة النمطية لألنثى تحيط بها األزهار‬
‫والفراشات‪ ،‬الفن النسوي في جوهره فن مضاد للثوابت اال‬

Вам также может понравиться