Вы находитесь на странице: 1из 43

‫ورﻗﺔ ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺞ اﻹﺣﯾﺎء واﻟﺗﺟدﯾد‬

‫ﺑﺳم ﷲ اﻟرﺣﻣن اﻟرﺣﯾم‬


‫ورﻗﺔ ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺞ اﻹﺣﯾﺎء واﻟﺗﺟدﯾد‬
‫ﻣﻘدﻣﺔ‬
‫إن اﻋﺗﻣﺎد اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺻﺎﺋب أﻣر ﻻ ﻓﻛﺎك ﻣﻧﮫ‪ ،‬ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﺗﯾﺎر أو ﺣراك ذي رؤﯾﺔ‬
‫إﺻﻼﺣﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑد ﻣن طرﯾق ﺗﻧﻔذ ﺑﮫ ھذه اﻟرؤﯾﺔ ﻣن إطﺎرھﺎ اﻟﻧظري اﻟﻣﺟرد إﻟﻰ اﻹطﺎر‬
‫اﻟواﻗﻌﻲ اﻟﻣﺗﺟﺳد‪ ،‬ﻻ ﯾﻔﮭم أن ﯾﻛون اﻟﻣﻧﮭﺞ ﺿرﺑﺎ ﻣن اﻟﻌﻣل ﻓﻘط ﻻ ﯾﺣﺗوي ﺷﻘﺎ ﻧظرﯾﺎ‪ ،‬ﺑل اﻟﺣق‬
‫أن اﻟرؤﯾﺔ اﻟﻧظرﯾﺔ ذاﺗﮭﺎ إذ أرﯾد ﻟﮭﺎ ان ﺗﺗﺟﻧب اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟذي ھو آﻓﺔ ﻛل ﻋﻣل وﻧظر و ان‬
‫ﺗﺗﺟﻧب اﻟﺗﺿﺎرب و اﻟﻔوﺿﻰ و اﻧﻌدام اﻟﺗﻧﺎﺳق و إذا إرﯾد ﻟﮭﺎ ﻛذﻟك ان ﺗﺗﻣﺗﻊ ﺑﻘدرة ذاﺗﯾﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺗﻘﯾﯾم ﺑﺣﯾث ﯾﻧﺳب إﻧﺟﺎزھﺎ و ﯾﻘﺎﯾس إﻟﻰ ﻣدى اﻟزﻣن اﻟذي ﺗﺣﻘق ﻓﯾﮫ ﻓﯾﺳﮭل ﺗﻘﯾﯾﻣﮫ؛ ﻓﻼ ﺑد أن‬
‫ﺗﻌﺗﺻم ﺑﻣﻧﮭﺞ ﺻﺎرم ﯾﻘوَ م ﻣﺎ ﯾﻠﺣﻘﮭﺎ ﻣن إﻋوﺟﺎج‪ ،‬ﺑل إن اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻣﻔﯾد ﻓﻲ ﺗﯾﺳﯾر ﻓﮭم ﺗﻠك‬
‫اﻟرؤﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن ﯾﺳﻠك اﻟطرق اﻟواﺿﺣﺔ و اﻟﻌﻘل ﯾﺳﺗﺳﯾﻎ اﻟوﺿوح و ﯾﻧﻔر ﻣن اﻟﻐﻣوض‪ ،‬و‬
‫وظﯾﻔﺔ اﻟﻣﻧﮭﺞ ھﻲ رﺳم ذﻟﻛم اﻟطرﯾق اﻟذي ﯾﺳﻠﻛﮫ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻲ إطﺎر اﺑﺗﻼﺋﻧﺎ اﻻوﺳﻊ و اﻟذي ھو اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻧﺟد اﻟﻣﻧﺎھﺞ ﻓﯾﮫ ﻣﺗﻌددة و ﻣﺗﺿﺎرﺑﺔ‪ ،‬ﻣﻣﺎ‬
‫أدى ﻟﺣﺎﻟﺔ ﻣن اﻹﻧﻘﺳﺎم اﻟﻣﻧﮭﺟﻲ اﻟذي وﻟد ﺑدوره ﻋدة إﻧﺷﺎطﺎرات ﻣﺗﺿﺎﻋﻔﺔ و ﻣﺗواﻟﯾﺔ‪ ،‬وﻋﻠﻰ‬
‫ﺗﻌدده ﯾﻣﻛن أن ﺗﻧﺟﺻر ﻣن ﺣﯾث ﺟوھره إﻟﻰ ﻧﻣطﯾن ﺳﺎﺋدﯾن ﻧﻌﻧﻲ ھﻧﺎ اﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ و‬
‫اﻻﺧرى اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن اﻧﮭﻣﺎ ﺗﻘﻔﺎن ﻋﻠﻰ طرﻓﻲ ﻧﻘﯾض إﻻ اﻧﮭﻣﺎ ﺗﺷﺗرﻛﺎن ﻓﻲ ﻧﻘطﺔ‬
‫ﺟوھرﯾﺔ و ﺣﺳﺎﺳﺔ؛ ﺗﻠك اﻟﻧﻘطﺔ ھﻲ إھﻣﺎل اﻟواﻗﻊ اﻟظرﻓﻲ و اﻟﺑﻌد ﻋن ﺗﻔﮭم ﺣﺎﺟﺎﺗﮫ و‬
‫ﺿرورات إﺻﻼﺣﮫ؛ ﻓﺎﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻣﻧﮭﺎ آﺛر اﻻﻧﻐﻼق ﻓﻲ ﻛﮭف اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣظﻠم و ﺗﻧﻛر ﻟﻠواﻗﻊ و‬
‫ﻏض اﻟطرف ﻋن اﺣﻛﺎﻣﮫ و ﻣﺗطﻠﺑﺎﺗﮫ‪ ،‬و اﻟﺣدﯾث ﻣﻧﮭﺎ اﻧﺳﻠﺦ ﻋن اﻟﺗﺎرﯾﺦ و ﻋﻣل ﻋﻠﻰ ﺗﺣوﯾل‬
‫اﻟواﻗﻊ ﻗﺳرﯾﺎ ﺑﺎﺳﺗﯾراد واﻗﻊ آﺧر؛ زُ ﯾف ﻓﻲ وﻋﯾﻧﺎ ﺑﺄﻧﮫ آﺧر ﻣﺎ ﺗوﺻﻠت ﻟﮫ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ أو أرﻗﻰ ﻣﺎ‬
‫ﯾﻣﻛن أن ﺗﺑﻠﻐﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻲ إطﺎر ﺑﻼﺋﻧﺎ اﻟظرﻓﻲ اﻟﻣﺎﺛل اﻟذي ھﯾﺄ ﷲ ﻟﻧﺎ ﻓﯾﮫ اﻟﻣﺑﺗﻠﻰ –اﻟﺳودان أﻋﻧﻲ– ﻧﻌﯾش ﻓﻲ ﺑﯾﺋﺔ اﻗل‬
‫ﻣﺎ ﯾﻣﻛن ان ﺗوﺻف ﺑﮫ ھو اﻧﮭﺎ ﺑﯾﺋﺔ ﻓﻘﯾرة ﻣن ﺣﯾث اﻟﻣﻧﺎھﺞ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻐﺎﻟب ﻣن اﻟﻧﺎس ﺑﻣﻧظوﻣﺎﺗﮭم‬
‫اﻟﻘﺑﯾﻠﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ و طواﺋﻔﮭم و ﺟﻣﺎﻋﺎﺗﮭم ﯾﺿرﺑون ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة ﻛﯾﻔﻣﺎ اﺗﻔق‪ ،‬ﻟﻌل اﻟﺗواﻛل اﻟﻣوروث‬
‫ﻋن اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟﺻوﻓﯾﺔ ﻛﺎن ﻟﮫ اﺛر ﻏﺎﻟب‪ ،‬و إن اﻟدارس ﻟﻠﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﻓﻲ ھﯾﺋﺗﮭﺎ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ‬
‫ﻟﯾﺗﻌرف ﻣﺑﺎﺷرة ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻼﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﺎﺋدة و اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ ﻷھم ﻣﻌﺎﻟم ﺗﻠك اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ‪.‬‬
‫إن ﺑروز اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻣن اﻟﻣﺛﻘﻔﯾن اﻟﺳوداﻧﯾﯾن ﻓﻲ ﺣﻘﺑﺔ ﻣﺎ ﺑﻌد اﻹﺳﺗﻌﻣﺎر و ﺑﺳط ﻧﻔوذھﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﻔﺎﺻل اﻟﺣﻛم و ﻣؤﺳﺳﺎﺗﮫ ﺑﯾن أﻧﮭﺎ طﺑﻘﺔ ورﺛت ذات ﻓﻘر اﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﻣوﺟود ﻓﻲ اﻻطر اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ‪،‬‬
‫أو ﻟﻌﻠﮭﺎ ﺑدأت ﺗزدھد اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﻣﺳﺗورد ﻟﻣﺎ ﺗﺑﯾن ﻟﮭﺎ اﺻطداﻣﮫ ﺑﺎﻟﺗﻘﻠﯾد ﻣرة ﺑﻌد ﻣرة‪ ،‬ﻓﺎﻻﺳﺗﻌﺎﻧﺔ‬
‫ﺑﻣﻧﺎھﺞ دﺧﯾﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ وﻟد ﺣﺎﻟﺔ ﻣن اﻟﺗﺷوه و اﻟﺗﺧﺑط و اﻟﻔوﺿﻰ اﻟﻌﺎرﻣﺔ ﺻﺎﺣﺑت‬
‫ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻹﺻﻼح اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ و اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺑﻧﺗﮭﺎ ﺗﻠك اﻟﻣﻧظوﻣﺎت اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﺑﻼ اﺳﺗﺛﻧﺎء‪.‬‬
‫ﻟﻌل اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﺗﻌﺗﺑر ﺻﺎﺣﺑﺔ ﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺣﻛم اﻷطول ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺳودان‬
‫اﻟﺣدﯾث ﻣﻧذ ﻣﺎ ﺑﻌد اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر وﺣﺗﻰ اﻵآن‪ ،‬و اﻧﺗﮭﺟت ﻧﮭﺟﺎ ﺗﻧﺳﺑﮫ ﻟﻺﺳﻼم ﻓﻲ اﻹﺻﻼح‬
‫اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ و اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻟﻛن ﻣﺎ وﺻﻠت إﻟﯾﮫ ﺗﺟرﺑﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺣﻛم ﯾوﺿﺢ ﺑﺟﻼء ﻣدى اﻟﻼﻣﻧﮭﺟﯾﺔ‬
‫اﻟذي ﻛﺎن ﻣﺧﻔﯾﺎ اﺳﻔل اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﻣزﻋوم‪ ،‬ﻓﺎﺧﺗﻼف اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن ﺑﻌد ﻋﺷرﯾﺗﮭم اﻷوﻟﻰ ﺣول ﻗﺿﺎﯾﺎ‬
‫ھﻲ ﻣن ﺻﻣﯾم اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻹﺳﻼﻣﻲ؛ ﺑﯾن ان اﻟﺣرﻛﺔ ﻛﺎﻧت ﺗﻔﺗﻘر ﻟﻣﻧﮭﺞ ﺟﺎﻣﻊ‪ ،‬ﺑل اﺗﺿﺢ اﻧﮭﺎ اﻛﺛر‬
‫ذراﺋﻌﯾﺔ ﻣن ﻏﯾرھﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﻔز ﻋﻠﻰ ﻣﺑﺎدﺋﮭﺎ‪ ،‬و اﻟﺗﺣول اﻟﺳرﯾﻊ ﻣن ﻧﻣط إﻟﻰ ﻧﻣط ﻣﻌﺎﻛس‪ ،‬ﻛﺎن‬
‫ذﻟك ﻟوﻗﺗﮫ ﻣﻔﯾدا ﻓﻲ إرﺑﺎك ﺧﺻوﻣﮭﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﯾن‪ ،‬ﻟﻛﻧﮫ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻣطﺎف ﺗﺣول إﻟﻰ ارﺗﺑﺎك‬
‫داﺧﻠﻲ ﻋﺎﻧت ﻣﻧﮫ اﻟﺣرﻛﺔ ذاﺗﮭﺎ و اﻧﻛﺳرت ﺷوﻛﺗﮭﺎ و ﻛﺎدت رﯾﺣﮭﺎ ان ﺗذھب‪.‬‬
‫ﺑﻣﺎ اﻧﻧﺎ ﻓﺋﺔ ﺷﺎﺑﺔ ﻣن ﺟﮭﺔ ﻧﺷﺄﺗﮭﺎ و ﻣن ﺟﮭﺔ ﻏﺎﻟﺑﯾﺔ ﻣﻛوﻧﺎﺗﮭﺎ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻓﺈن ﻗراءﺗﻧﺎ ﻟﻠواﻗﻊ اﻟﺷﺑﺎﺑﻲ‬
‫ﻛﺷﻔت ﻟﻧﺎ ﻋن ﻗﺻور ﻣﻧﮭﺟﻲ ﻛﺑﯾر ﯾﺻﺎﺣب ﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻟﻔﻌل اﻟﺷﺑﺎﺑﯾﺔ‪ ،‬و ﻟﻌل روح اﻹﻧدﻓﺎع‬
‫اﻟﺷﺑﺎﺑﻲ و اﻟطﺎﻗﺔ اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﯾﻛون ﻟﮭﺎ اﺛر ھﺎم ﻓﻲ ﻗﻔزھم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﮭﺞ و إﻗﻼﻟﮭم ﻣن ﺷﺄﻧﮫ‪ ،‬ﻟذﻟك‬
‫اﺗﺳﻣت ﻏﺎﻟب ﻣﺷﺎرﯾﻌﮭم ﺑﺎﻟﻼﺟدوى و اﻟﻌﺑث‪ ،‬ﻓﺗوزﻋوا ﺑﯾن ﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻟﺗﻧﻣﯾﺔ اﻟﺑﺷرﯾﺔ و اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ‬
‫اﻟﺧﯾرﯾﺔ و أﺧرى ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻣﺎ اﺳﺗطﺎﻋت ان ﺗﻐﺎدر ﺣﯾز اﻵﺑﺎء اﻟﻣؤﺳﺳﯾن ﺷﺑرا واﺣدا‪ ،‬و اﻷﺳوا‬
‫ﻣن ذﻟك ﺑروز اﻧﻣﺎط ﻣن اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﻌﺑﺛﻲ اﻟذي آﺛر اﻟﻌﯾش ﻓﻲ ﻣﻠﮭﺎة ﯾﺣﺳب ان ﻓﯾﮭﺎ ﻣﻧﺟﺎة ﻣن‬
‫اﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ اﻟدﻧﯾوﯾﺔ و ﻏﯾر ﻋﺎﺑﻲء ﺑﺄي ﻣﺳؤوﻟﯾﺎت ﻻﺣﻘﺔ‪.‬‬
‫وھﻧﺎك ﻧﻣط ﺷﺑﺎﺑﻲ ﯾﻛﺎد ﯾﻛون اﻟﺳﺎﺋد ﺑﻼ ﻣﻧﺎزع‪ ،‬ﯾﺷﺎﺑﮫ إﻟﻰ ﺣد ﺑﻌﯾد اﻟﻧﻣط اﻟﻌﺑﺛﻲ اﻟﻣذﻛور آﻧﻔﺎ‪،‬‬
‫أي اﻧﮫ ﻋﺑﺛﻲ و ﻋدﻣﻲ ﻻه ﺑدوره‪ ،‬ﻟﻛﻧﮫ ﯾﻔﻌل ذﻟك ﻋن ﺟﮭﺎﻟﺔ ﺑﻣﺎ ﯾﻔﻌل‪ ،‬ﺑﻣﻌﻧﻰ إﻧﮫ ﻋﺑﺛﻲ ﻣن‬
‫ﺣﯾث ﻻ ﯾدرك ﻓﻔرﻗﮫ ﻣن اﻻول ان اﻷول ﯾﻔﻠﺳف اﻟﻌﺑث ﺑﯾﻧﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﯾﻌﺑث ھﻛذا ﻓﻘط‪ ،‬وھو ﻋﻠﻰ‬
‫ﻛﺛرﺗﮫ إﻻ أﻧﮫ أﺧف ﺷرا ﻣن اﻷول ﻻﻧﮫ ﻓﻘط ﻟم ﯾﺟد ﺑدﯾﻼ ﻣﻘﻧﻌﺎ ﻋن اﻟﻌﺑث‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣﺎ اﻻول ﻣﻘﺗﻧﻊ‬
‫ﺑﺎن اﻟﻌﺑث ھو أﻓﺿل اﻟﺧﯾﺎرات اﻟﻣطروﺣﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻓﻲ ﻣﻌﻧﺎه‪:‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﺗدور ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻣﻧﮭﺞ ﺣول ﻣﻌﻧﯾﯾن و ھﻣﺎ ﻣﻌﻧﻰ اﻟطرﯾق و ﻣﻌﻧﻰ اﻟوﺿوح؛ ﻓﻔﻲ ﻟﺳﺎن‬
‫اﻟﻌرب ﻻﺑن ﻣﻧظور طرﯾق ﻧﮭﺞ ﺗﻌﻧﻲ طرﯾق واﺿﺢ وﻓﻲ اﻟﻣﻌﺟم اﻟﻐﻧﻲ ﻣﻧﮭﺞ ‪:‬اﺳم اﺻﻠﮫ ﻣن‬
‫ﻧﮭﺞ و ﻣﻌﻧﺎه ﯾﺳﯾر وﻓق ﻣﻧﮭﺞ ﻣﺣدد ﯾﻌﻧﻲ وﻓق ﺧطﺔ ﻣﺣددة اﻟﻣﻌﺎﻟم و ﯾﺄﺗﻲ ﻛذﻟك ﺑﻣﻌﻧﻰ اﻟطرﯾق‬
‫اﻧﺗﮭﺟﮫ إذا ﺳﻠﻛﮫ او اوﺿﺣﮫ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﻌﺟم اﻟراﺋد‪ .‬وﻣﻧﮫ اﻟﻣﻧﮭﺎج ﻛﻣﺎ ورد ﻓﻲ اﻵﯾﺔ‬
‫اﻟﻛرﯾﻣﺔ )و ﺟﻌﻠﻧﺎ ﻟﻛل ﻣﻧﻛم ﺷرﻋﺔ و ﻣﻧﮭﺎﺟﺎ( ﺑﻣﻌﻧﻰ اﻟطرﯾﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻟﺗﻲ ﺧص ﷲ ﺑﮭﺎ ﻛل‬
‫اﻣﺔ ﻣن اﻷﻣم‪.‬‬
‫ﻓﻲ اﻹﺻطﻼح‪ :‬اﻟﻣﻧﮭﺞ ھو ﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻷﺳس و اﻟﻣرﺗﻛزات اﻟﺗﻲ ﺗوﺿﺢ ﻣﺳﻠك اﻟﻔرد او اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‬
‫او اﻻﻣﺔ ﻟﺗﺣﻘﯾق اﻵﺛﺎراﻟﺗﻲ ﯾﺻﺑو إﻟﯾﮭﺎ ﻛل ﻣﻧﮭم‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ اﻛﺛر اﯾﺟﺎزا ھو طرﯾق ﻟﻠﺗﻔﻛﯾر و اﻟﻌﻣل‬
‫ﺑﺣﯾث ﻻ ﯾﺗﺿﺎرب اﻟﻌﻣل ﻣﻊ اﺳس اﻟﺗﻔﻛﯾر اﻟﻣﻧﺷﺋﺔ ﻟﮫ ﻓﺎﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺻﺣﯾﺢ ﯾﺷﻛل ﺑﻧﯾﺔ ﻋﺎﺻﻣﺔ ﻣن‬
‫اﻟﺗﻧﺎﻗض ﻓﻲ اﻟﻔﻌل اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ؛ اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟذ ھو ﻣﺻدر ﻛل ﺧطﺄ‪ ،‬ﻣن ذﻟك ﯾظﮭر اﻻﻋﺗداد ﺑﺎﻟﻣﻧﮭﺞ‬
‫ﻛﺛﯾرا ﻓﻲ اﻟﻔﻌل اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻹطﺎر اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ و اﻟﻣﻌرﻓﻲ و ﻛذﻟك ﻓﻲ اﻹطﺎر اﻟﻔﻘﮭﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻌرف ﺑﺎﻟﻣذاھب اﻟﻔﻘﮭﯾﺔ‪ .‬وﯾﺗﺿﺢ اﯾﺿﺎ ﻣدى اﻟذم اﻟذي ﺗﺣﻣﻠﮫ ﻋﺑﺎرة ”ﻋدﯾم اﻟﻣﻧﮭﺞ”؛ إذ أﻧﮭﺎ‬
‫ﺗﻌﺑر ﻋن ﻧوع ﻣن اﻟﻔوﺿﻰ و اﻟﺗﺧﺑط و ﻛﺛرة اﻻﺧطﺎء ﻓﻲ اﻟﻧظر و اﻟﻌﻣل‪.‬‬
‫اﻧﻌدام اﻟﻣﻧﮭﺞ وﺣده ﻻ ﯾﻔﻲ ﺑﺗوﺻﯾف ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗﺧﺑط و اﻟﻔوﺿﻰ اﻟﻧظرﯾﺔ و اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ؛ ﻓﺎﻟﻌدﯾد ﻣن‬
‫اﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟرﻛﯾﻛﺔ ﺗﻌﻣل ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺗﻧﺎ و ﺗﻔﺿﻲ إﻟﻰ ﻧﺗﺎﺋﺞ ﻛﺎرﺛﯾﺔ‪ ،‬ﻟﯾس ذﻟك إﻻ ﻷﻧﮭﺎ ﻣﻧﺎھﺞ ﻏﯾر‬
‫ﺻﺣﯾﺣﺔ ﻓﻲ ذاﺗﮭﺎ‪ ،‬أو ﻏﯾر ﻣﺗﻼﺋﻣﺔ ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ اﻟذي ﯾُﺗوﺳل ﺑﮭﺎ ﻹﺻﻼﺣﮫ‪ ،‬ھذا ﯾﺣﺗم ﻋﻠﯾﻧﺎ اﻟﺑﺣث‬
‫ﻋن اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻷﺻوب ﻓﻲ ذاﺗﮫ؛ ﺑﻣﻌﻧﻰ ﻓﻲ ﺗﻘﻌﯾداﺗﮫ اﻟﻧظرﯾﺔ و اﺗﺳﺎﻗﮫ اﻟداﺧﻠﻲ ﻣن ﺟﮭﺔ‪ ،‬وﻣن‬
‫ﺟﮭﺔ أﺧرى ﻧﺑﺣث ﻓﻲ ﻣﻼءﻣﺗﮫ ﻟﻠواﻗﻊ اﻟﻣراد ﺗطﺑﯾﻘﮫ ﻋﻠﯾﮫ‪.‬‬
‫و ﻣن آﻓﺔ اﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺻﺣﯾﺣﺔ ﻛذﻟك ھو ﻋدم اﻟﺗزام ﻣﻧﺳوﺑﯾﮭﺎ ﺑﻣﺣدداﺗﮭﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﺣرﻛﺎت‬
‫اﻹﺻﻼح ﺗﺣﻣل ﻣﻧﺎھﺞ ﺻﺣﯾﺣﺔ ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺗﮭﺎ اﻟﻧظرﯾﺔ و اﻟﻔﻛرﯾﺔ؛ إﻻ أن اﻟﺗﮭﺎون ﻓﻲ إﻟﺗزام ﺧط‬
‫ﺳﯾر ذﻟك اﻟﻣﻧﮭﺞ ﯾﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﻘﻊ ﻓرﯾﺳﺔ اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟﻧﺎﺟم ﻋن ھذا اﻟﺗﮭﺎون‪ ،‬ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻣﻧﺎھﺞ‬
‫اﻟطﻣوﺣﺔ ﻻﻗت ﻣﺻﯾرا ﻣﻣﺎﺛﻼ؛ ﻷن ﺗدﺧل اﻟﻌﺎﻣل اﻟﺑﺷري ﻓﻲ ﻣدى إﻟﺗزام اﻟﺑﺷر ﺑﺎﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﻣﻌﯾن‬
‫ﯾﻔﻘد اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﺟدواه و ﻓﺎﺋدﺗﮫ‪ .‬ﻣن أﺟل ذﻟك ﻧﺷدد ﻓﻲ ورﻗﺗﻧﺎ ھذه ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻣل اﻹﺧﻼص‬
‫ﻟﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﺧﺻوﺻﺎ أﻧﻧﺎ ﻗد ﺗواﺿﻌﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ ﻣﺳﺑﻘﺎ‪ ،‬وﺗﻧﺣﺻر ﻣﮭﻣﺔ ھذه اﻟورﻗﺔ ﻓﻲ ﺗﻘﻌﯾد ﻗواﻋد و‬
‫ﺗرﺗﯾب اوﻟوﯾﺎت ذﻟك اﻟﻣﻧﮭﺞ‪.‬‬
‫آﻓﺔ اﺧرى ﺗﺻﯾب اﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺻﺣﯾﺣﺔ‪ ،‬طﺎﻟﻣﺎ أن اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻗد وﺿﻌﺗﮫ ﺟﻣﺎﻋﺔ او ﻓرد ﻣﺎ‪ ،‬ﻓﮭو ﺻﯾﻎ‬
‫ﺑﺣﯾث ﯾﺗﻧﺎﺳب و واﻗﻊ ظرﻓﻲ ﻣﻌﯾن‪ ،‬ﻟﻛن ﻣﺎ ﯾﻠﺑث ذﻟﻛم اﻟواﻗﻊ ان ﯾﺗﺑدل و ﺗدور ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ‬
‫ﺻروف اﻟزﻣﺎن ﻓﺗﺗﻐﯾر ﺗﺑﻌﺎ ﻟذﻟك ظروﻓﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻠو ﺟﻣدت ﺗﻠﻛم اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻧﮭﺟﮭﺎ اﻟﻘدﯾم و إن‬
‫ﻛﺎن ﺻﺣﯾﺣﺎ ﻓﮭﻲ ﻋرﺿﺔ ﻷن ﯾﺳﺑﻘﮭﺎ اﻟزﻣﺎن و ﻣن ﺛم ﯾﺟرﻓﮭﺎ ﺗﯾﺎره و ﯾﻘﻠﺑﮭﺎ ﻛﯾف ﺷﺎء‪ ،‬أو‬
‫ﺗﺟﻣد ﺑواﻗﻌﮭﺎ ﻓﻲ ﺣدود ذﻟك اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻓﺗﺧرج ھﻲ ﻣن إطﺎر ﺣرﻛﺔ اﻟزﻣﺎن و اﻟﺗﻔﺎﻋل ﻣﻌﮫ‪ ،‬ﻛﺣﺎل‬
‫ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟطواﺋف اﻟدﯾﻧﯾﺔ و اﻻﺣزاب اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺳودان‪ ،‬ﻛﺎﻟﯾﺳﺎر اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﻲ واﻟطﺎﺋﻔﺗﯾن‬
‫اﻟﻛﺑرﯾﯾن و ﻛذﻟك اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎﺳﺎھﺎ اﻟزﻣﺎن أو ﻛﺎد‪.‬‬
‫و اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟذي ﻧﻌﻧﯾﮫ ﻓﻲ ورﻗﺗﻧﺎ ھذه و اﻟﺗﻲ اﺳﻣﯾﻧﺎھﺎ )ورﻗﺔ اﻟﻣﻧﮭﺞ( ھو ذﻟﻛم اﻟطرﯾق اﻟﻧظري و‬
‫ﺗﺎﺑﻌﮫ اﻟﻌﻣﻠﻲ اﻟذي ﻧﺳﻌﻰ ﻋﺑره ﻟﻐﺎﯾﺔ ﻣﺣددة ﺗم ﺑﺳطﮭﺎ ﺑﺻورة واﻓﯾﺔ ﻓﻲ ورﻗﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻟﮭذه ﺳﻣﯾت‬
‫ب )ورﻗﺔ اﻟدواﻋﻲ( و ﻻ ﺑﺄس ﻣن ذﻛرھﺎ ھﻧﺎ ﺑﺈﯾﺟﺎز؛ ﻓﺎﻟﻐﺎﯾﺔ ﻣن ذﻟك إﺻﻼح واﻗﻌﻧﺎ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‬
‫ﺑﻛﺎﻓﺔ ﺗﻔرﯾﻌﺎﺗﮫ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ و اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ و اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ و اﻟﺗﺛﻘﯾﻔﯾﺔ… إﻟﺦ‪ ،‬وھو إﺻﻼح ﯾﺗﺄﺳس ﻋﻠﻰ‬
‫رﻛﯾزة أوﻟﻰ ﺗﻌﺗﺑر اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ اﻟﻣﺗﻣﺛل ﻓﻲ اﻟﮭدى اﻟﻘرآﻧﻲ و ﺳﻧﺗﮫ اﻟﺗﺎﺑﻌﺔ ﺑوﺻﻔﮫ اﻟﻣﺻدر‬
‫اﻷﻗدر ﻋﻠﻰ ﺷرح ﺣﺎﻟﺔ ﻛون اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم و اﻟﺗﺎرﯾﺦ‪ ،‬ﺑل ھو ﻟﻣﺎ ﯾﺗﻣﺗﻊ ﺑﮫ ﻣن إطﻼق و‬
‫ﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻟﻠظﺎھرة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﯾﺣﻣل ﻓﻲ ﺑﺎطﻧﮫ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ھداﯾﺔ و إﺻﻼح واﻗﻊ اﻹﻧﺳﺎن ﻛﯾﻔﻣﺎ ﻛﺎن‬
‫و أﯾﻧﻣﺎ ﻛﺎن‪.‬‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻓﻲ ﺿرورﺗﮫ‪:‬‬
‫ﻟﻌل ﺿرورة اﻟﻣﻧﮭﺞ ﺗﻛﻣن ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻓﻲ اﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﯾؤدﯾﮭﺎ و ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ؛ ﻓﺈن إطﺎر اﻟﻌﻣل‬
‫اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻻ ﺑد ﻟﮫ ﻣن ﻣﻧﮭﺞ ﯾﻌﺻﻣﮫ ﻣن اﻟذﻟل‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻓﻲ ھذا اﻹطﺎر ﻓﺈن‬
‫اﻷﺧطﺎء داﺋﻣﺎ ﺗﻛون ﺟﺳﯾﻣﺔ و ذات ﺗﻛﺎﻟﯾف ﺑﺎھظﺔ‪ ،‬ﻷﻧﮭﺎ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺳﺎن ﻣﺑﺎﺷرة ﻓﺗﻣس‬
‫ﻣﻌﺎﺷﮫ ﺑل ﻗد ﺗﮭدد وﺟوده‪ .‬إن اﻟﻣﻧﮭﺞ ﯾﺿﻔﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣل ﻋدة ﻋواﻣل ﺗﺳﮭم ﻣﺑﺎﺷرة ﻓﻲ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ و‬
‫ﺗﺣﻘﯾق آﺛﺎر ذﻟك اﻟﻌﻣل‪ ،‬و ﻛﺛﯾر ﻣن اﻻﻋﻣﺎل اﻟﺟﯾدة أدت إﻟﻰ ﻧﺗﺎﺋﺞ ﻣﻌﺎﻛﺳﺔ ﺑﺳﺑب ﻏﯾﺎب او‬
‫ﺗﺧﺑط ﻓﻲ اﻟﻣﻧﮭﺞ و ﻧﻌﺗﺑر أن اھم ﻣﺎ ﯾﺿﻔﯾﮫ اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻋﻠﻰ ﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻟﻔﻌل اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ‪:‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻟوﺿوح و اﻟﺑﯾﺎن‬
‫ذﻟك ﻷن ﻛل ﻓﻌل ﻏﯾر ﻣﻣﻧﮭﺞ ﯾﺗﺳم ﺑﺎﻟﻐﻣوض و اﻹﻟﻐﺎز‪ ،‬ﻷﻧﮫ ﻣن اﻟﻌﺳﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺎﻋل ﻧﻔﺳﮫ أن‬
‫ﯾﺗوﻗﻊ ﺧطواﺗﮫ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻓﯾﻌد ﻟﮭﺎ إﻋدادا ﻣﺑﻛرا‪ ،‬ﻧﺎھﯾك ﻋن اﻟﻣراﻗب ﻟﻠﻔﻌل اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻓﺈن ﻣدى‬
‫إرﺗﺑﺎﻛﮫ ﯾﻛون اوﺳﻊ ﻣن ﻏﯾره‪ ،‬و ﯾﺳﮭل ﻋﻠﯾﮫ رﻓض اﻟﻣﺷروع اﻟﻣﻌﯾن ﺑﺳﺑب ﻋدم وﺿوﺣﮫ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﻧﺎس ﯾﺗﺟﻧﺑون ﺑطﺑﻌﮭم اﻟﻘﻔز ﻓﻲ اﻟظﻼم‪ ،‬و ﻟﻌﻠك ﻗد ﺗﻠﺣظ اﻟﻌزوف اﻟﻌﺎم ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﻧﺎ ﻋن‬
‫اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺳم ﺑﻌدم وﺿوﺣﮭﺎ ﺑﺳﺑب ﻏﯾﺎب اﻟﻣﻧﮭﺞ‪ .‬ﺧﯾر ﻣﺛﺎل ﻟذﻟك اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ‬
‫اﻟطﺎﺋﻔﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺳودان؛ ﻧﻌﻧﻲ ﺗﺣدﯾدا ﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﺗﻌول ﻋﻠﻰ زﻋﺎﻣﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﺗﻛل ﻟﮭﺎ ﻛل‬
‫اﻻﻣر‪ ،‬و ﺗﺗﻘﻠب اﻟطﺎﺋﻔﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺗﺑﻌﺎ ﻟﺗﻘﻠﺑﺎت ﻣزاج اﻟزﻋﯾم و ﺑﻌﺿﮭﺎ ﯾﺻﯾﺑﮫ اﻟدوار إذا ﻏﯾب‬
‫اﻟزﻋﯾم ﺑﺄﻗدار ﷲ وﻓﺎة‪ ،‬وﺗﺻﺑﺢ اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﺑﻌدھﺎ ﻋرﺿﺔ ﻟﻺﻧﻘﺳﺎم و اﻟﺗﻔﺗت ﺑل و اﻟﺗﻼﺷﻲ ﺑﺻورة‬
‫ﻛﺎﻣﻠﺔ‪.‬‬
‫ﻛﺎن ﻣن أھم دواﻓﻌﻧﺎ ﻟﻛﺗﺎﺑﺔ )ورﻗﺔ اﻟﻣﻧﮭﺞ( أن ﻧوﺿﺢ اﻟﻣﺳﯾر اﻟذي ﺳﻧﺳﻠﻛﮫ‪ ،‬و ان ﻧﺗﺑﺻر ”ﻣﻌﺎﻟم‬
‫اﻟطرﯾق“ ﻗﺑل اﻟوﻟوج إﻟﯾﮫ و ﻧﺿﻔﻲ ﻗدرا ﻣن اﻟوﺿوح ﻻزم ﻟﻘﯾﺎم ﺗﯾﺎرﻧﺎ اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟﺟدﯾد‬
‫ﻣﺗﻌظﯾن ﺑﺳﺎﺑﻘﺔ اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ و ﻣﻌﺗﺑرﯾن ﻛذﻟك‪ ،‬و ﻣﺑﺗﻐﺎﻧﺎ ﻣن ھذا اﻟوﺿوح ھو أن ﯾﺳﺗﺳﮭل‬
‫اﻟﻧﺎظر إﻟﯾﻧﺎ اﻹﻧدراج ﻓﻲ ﻣﺷروﻋﻧﺎ‪ ،‬ﻷن اﻟوﺿوح ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺗﻧﺎ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ھذه ﻧﺎدر ﯾﻌز ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟطﺎﻟﺑﯾن إﯾﺟﺎده‪ ،‬و إﻻ ﻓﻠﯾﺳﮭل ﻋﻠﻰ ذﻟﻛم اﻟﻧﺎظر ﻓﮭﻣﻧﺎ إذا آﺛر اﻟﺑﻘﺎء ﺑﻌﯾدا ﻋﻧﺎ‪.‬‬
‫ﺛﺎﻧﯾﺎ‪ :‬اﺧﺗﺻﺎر اﻟطرﯾق ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ اﻟﻣﻧﺷودة‪:‬‬
‫إن ﻋﺎﻣل اﻟزﻣﺎن ذو أھﻣﯾﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺷروﻋﻧﺎ اﻹﺻﻼﺣﻲ ھذا وﻧﮭﺟﻧﺎ اﻟذي ﻧﻧﺗﮭﺟﮫ‪،‬‬
‫و اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻣﻔﯾد ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ اﻟزﻣﺎن أﻻ ﯾﺗﺑدد ﻓﯾﻣﺎ ﻻ ﯾﺟدي ﻧﻔﻌﺎ ﻓﻲ ﺳﺑﯾل ﺑﻠوغ ﻏﺎﯾﺗﻧﺎ‬
‫اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ‪ ،‬و ﻛﻣﺎ اﺷرﻧﺎ ﻓﺈن ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ﺑﺳﺑب ﻣن ﻏﯾﺎب اﻟﻣﻧﮭﺞ أو‬
‫إﺿطراﺑﮫ وﻗﻌت ﻓرﯾﺳﺔ ذﻟﻛم اﻟﺗﺑدﯾد‪ ،‬ﻓﺗﻔﻠﺗت اﻟطﺎﻗﺔ و اﻟزﻣن ﻣن ﺑﯾن ﯾدي ”ﺣﻣﻠﺔ اﻟﻧواﯾﺎ‬
‫اﻟطﯾﺑﺔ“ ﻟﻛن دون ﺗﺣﻘﯾق ﻏﺎﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ أو إدراك ھدف ﻣﻧﺷود‪ .‬ﻓﻣﺎ ﯾوﻓره اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻣن ﺗرﺗﯾب‬
‫ﻣﺗﻧﺎﺳق ﻟﻸوﻟوﯾﺎت ﺑﺣﺳب ﺣﺎﺟﺔ اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﻌﯾن؛ ﯾﺟﻌل اﻟﺟﮭد ﻛﻠﮫ ﻣوﺟﮭﺎ ﻓﻲ وﺟﮭﺗﮫ اﻟﺻﺎﺋﺑﺔ‪ ،‬و‬
‫ﯾﻌﺻﻣﻧﺎ ﻛذﻟك ﻣن اﻟﺗﺑدﯾد اﻟذي ﻋﺎﻗﺑﺗﮫ اﻟرھق و اﻟﻧدم‪.‬‬
‫ﺛﺎﻟﺛﺎ ﺿﻣﺎن ﻋدم اﻟﺗﻌﺛر‪:‬‬
‫إن اﻟﻌﻣل اﻟﻌﺷواﺋﻲ و اﻟﻌﻔوي ﻋرﺿﺔ ﻟﻠﺗﻌﺛر و اﻟوﺻول إﻟﻰ طراﺋق ﻣﺳدودة‪ ،‬و ﯾﺳﮭل ﻣن ﺑﻌد‬
‫ذﻟك أن ﯾﻧﺻرف ﻋﻧﮫ أرﺑﺎﺑﮫ‪ ،‬ﻛﺣﺎل ﻛﺛﯾر ﻣن ﻣﻧظﻣﺎت ﺗﻌرف ﻧﻔﺳﮭﺎ ب”اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣدﻧﻲ“ اﻟﺗﻲ‬
‫ﺗﻌﻣل ﻓﻘط ﻣن أﺟل ﻣلء ﻓراغ ﻣﺎ ﻓﻲ اوﻗﺎت ﻣﻧﺳوﺑﯾﮭﺎ او ﻧﻘص ﻣﺎ ﻓﻲ ﺷﺧﺻﯾﺎﺗﮭم‪ ،‬دون ان‬
‫ﯾﺟﻣﻌﮭم اطﺎر ﻣﻧﮭﺞ ﻧﺎظم؛ ﻓﮭﻲ ﺗﻐﻠق اﺑواﺑﮭﺎ و ﯾﺗﻔرق ﻣﻧﺳوﺑوھﺎ ﻋﻧد اول ﻣﺣﻧﺔ‪ ،‬ذﻟك أن اﻧﻌدام‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻏﯾب ﻋﻧﮭم إﻣﻛﺎن ﺗوﻗﻊ اﻟﻌﺛرات و ﻣن ﺛم ﻏﺎﺑت ﻋﻧﮭم اﻟﻣﻘدرة ﻋﻠﻰ اﺑﺗداع رد اﻟﻔﻌل‬
‫اﻻﻧﺟﻊ‪.‬و ﻟﻌﻠﻧﺎ ﻧﻠﺣظ ﻛﺛﯾرا ﻣن ھذه اﻟﺗﺟﻣﻌﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم ﻓﻘط ﻣن اﺟل اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻣﻊ اﻹﺣﺗﻔﺎظ‬
‫ﺑﺎﻟﻣﻌﻧﻰ اﻻﻛﺛر اﺑﺗذاﻻ ﻟﻛﻠﻣﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬ﻓﺗﺗﻔرق ﻋﻧد أول اﺑﺗﻼء و رﺑﻣﺎ ﺗﺗﺟﻣﻊ ﻣرة أﺧرى ﻟﻛﻧﮭﺎ‬
‫ﻣرﺗﮭﻧﺔ ﻟﻠظروف ﻻ ﺗﺑدي ﺗﺟﺎھﮭﺎ أﯾﻣﺎ ﻣﻘﺎوﻣﺔ‪ ،‬وﺗظل ھﻛذا ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻧﺣﻼل ﺛم ارﺗﺑﺎط ﺛم‬
‫اﻧﺣﻼل دون ان ﯾﺗﺣﻘق ﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ أﺛر ﺗدرﻛﮫ أو اﻣل ﺗﺣﻘﻘﮫ‪ .‬إن اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻻ ﺗﻛﻣن أھﻣﯾﺗﮫ ﻓﻲ‬
‫ﺿﻣﺎن ﻋدم اﻟﺗﻌﺛر ﻓﺣﺳب؛ ﺑل ﺗﻣﺗد إﻟﻰ اﺑﻌد ﻣن ذﻟك ﻓﮭو ﺿﻣﺎن ﻹﺑداء اﻻﺳﺗﺟﺎﺑﺔ اﻷﺑﻠﻎ ﻟﻛل‬
‫طﺎرئ و ﺟدﯾد‪.‬‬
‫راﺑﻌﺎ اﻟﻌﺻﻣﺔ ﻣن اﻟﺗﻧﺎﻗض‪:‬‬
‫ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ؛ ﻓﺈن اﻟﺗﻧﺎﻗض آﻓﺔ ﻛل ﻧظر و ﻋﻣل إﻧﺳﺎﻧﻲ‪ ،‬وھو ﺑدوره ﻣﺻدر ﻛل ﺧطﺈ وﻣن ﺛم‬
‫إﻧﻘﺳﺎم و ﺗﺷﺗت و ﻟﻐﯾﺎب اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﯾم ﻓﺈن ﻏﺎﻟب اﻟﻔﻌل اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻓﻲ واﻗﻌﻧﺎ ﻗد وﻗﻊ ﺿﺣﯾﺔ‬
‫ھذا اﻟﺗﻧﺎﻗض‪ ،‬اﻟذي ﯾﺟﻌل اﻻﻣر ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﺻدﻗﺎ و ﻛذﺑﺎ ﺻواﺑﺎ و ﺧطﺄ‪ ،‬و ﺑﮭذا ﻓﺈن ﻛل ﻓﻌل‬
‫إﻧﺳﺎﻧﻲ إذا ﻧﺎﻗض ﻧﻔﺳﮫ ﻓﮭو ﻣدﻋﺎة ﻟزﻋزﻋﺔ اﻟﺛﻘﺔ ﻓﻲ ذﻟﻛم اﻟﻔﺎﻋل و ﻓﻲ اﻟﻔﻌل ﺑدوره‪ ،‬إن اﻟﻧﺎظر‬
‫ﻓﻲ ﺳﯾرة ﻣﺷﺎرﯾﻌﻧﺎ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ﯾﺟد ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻌﺟﺎﺋب ﻣن ﺟﮭﺔ ﻣﻧﺎﻗﺿﺗﮭﺎ ﻟﻧﻔﺳﮭﺎ‪ ،‬ﻣﻣﺎ اﻓﻘد ﻛﺛﯾرا ﻣن‬
‫اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ﻣﺻداﻗﯾﺗﮭﺎ و وﻟد ﺣﺎﻟﺔ ﻣن اﻟﻌزوف اﻟﻌﺎم و اﻧﻘطﺎع اﻻﻣل ﻓﻲ ﻛل ﻣﺷروع‬
‫إﺻﻼﺣﻲ ﻣطروح أو ﺣﺗﻰ ﻗﺎدم ﻟم ﯾطرح ﺑﻌد‪ ،‬و اﻟﺣق ﻓﺈن اﻟﺗﻧﺎﻗض ﻻ ﯾﺗوﻟد إﻻ ﻋن ﻏﯾﺎب‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺻﺣﯾﺢ أو ﻋن ﻋدم اﻹﻛﺗراث ﻟﮫ إن وﺟد‪ .‬ﻟذﻟك ﻛﺎﻧت ﻏﺎﯾﺗﻧﺎ ﻣن ﺗوﺿﯾﺢ اﻟﻣﻧﮭﺞ ھﻲ‬
‫اﺟﺗﻧﺎب ذﻟك اﻟﺗﻧﺎﻗض ﻓﻲ اﻟﻘول و اﻟﻔﻌل اﻟﻣﻔﺿﻲ ﺑدوره إﻟﻰ زﻋزﻋﺔ اﻟﺛﻘﺔ واﻧﺗﮭﺎك اﻟﻣﺻداﻗﯾﺔ‪.‬‬
‫ﺧﺎﻣﺳﺎ اﻟﺗﻘﯾﯾم و اﻟﻣﻘﺎﯾﺳﺔ‪:‬‬
‫إن إھﻣﺎل ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻘﯾﯾم ﻟﻠﻣﻧﺟز اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻓﻲ ﻛل ﻣﺷروع ﻣﺑﺷر ﺑﻔﺷل ذﻟك اﻟﻣﺷروع‪ ،‬و ﻻ‬
‫ﺳﺑﯾل ﻟذﻟك اﻟﺗﻘﯾﯾم إﻻ ﺑﺎﺳﺗﺣﺿﺎر اﻟﻣﻧﮭﺞ‪ ،‬إذ أﻧﮫ ﯾوﺿﺢ ﺑﺟﻼء اﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻧﻧﺷدھﺎ و ﺳﺑﯾل‬
‫اﻟوﺻول إﻟﯾﮭﺎ و اﻟﻣدى اﻟزﻣﻧﻲ اﻟﻣﺗﺎح ﻟذﻟﻛم اﻟوﺻول‪ ،‬وإن اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺗﻘﯾﯾم ﯾﻧﻌﻛس ﺑدوره ﻋﻠﻰ‬
‫ﻧﺟﺎﻋﺔ اﻟﻣﻧﮭﺞ و ﺗﻘوﯾﻣﮫ؛ ﻓﻘد ﻧﺷﻌر ﺑﻌد اﻟﺗﻘﯾﯾم أن اﻟﺑطء ﻓﻲ ﺗﺣﻘﯾق اﻟﻐﺎﯾﺎت ﻣرده إﻟﻰ ﻋدم‬
‫ﻣﻼءﻣﺔ اﻟﻣﻧﮭﺞ؛ ﻓﻧﻌود وﻧﺣﺎول ﺗرﻣﯾم اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻣن ﺟدﯾد ﺑﺣﯾث ﻧﺻل إﻟﻰ ﻣﻧﮭﺞ ﯾدﻓﻊ ﺑﺟﮭدﻧﺎ‬
‫ﺑﺻورة اﺳرع ﻣن ﺳﺎﺑﻘﮫ ﻓﻲ ﺳﺑﯾل إدراك ﻏﺎﯾﺗﻧﺎ اﻟﻣﻧﺷودة‪.‬‬
‫ﺳﺎدﺳﺎ ﺗﺟﻧب اﻟﻌﺷواﺋﯾﺔ و اﻟﺗﺧﺑط ﻓﻲ اﻟﺧطﺎب‪:‬‬
‫ﻛﺛﯾرا ﻣﺎ ﺗﺗﺿﺎرب آراء و ﺗﺻرﯾﺣﺎت اﻟذﯾن ﯾﻧﺗﻣون إﻟﻰ ﻣﻧظوﻣﺔ إﺻﻼﺣﯾﺔ واﺣدة‪ ،‬وھذا ﻣﻼﺣظ‬
‫ﻓﻲ ﺑﯾﺋﺗﻧﺎ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ‪ ،‬و ﻟﯾس ذﻟك إﻻ ﺑﺳﺑب ﻣن ﻏﯾﺎب اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﻧﺎظم و اﻟﺿﺎﺑط ﻟﺳﻠوك أوﻟﺋك‬
‫اﻹﺻﻼﺣﯾﯾن‪ ،‬وﻟﻌل اﻹرﺗﺑﺎك و اﻟﺗﺧﺑط ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى اﻟﺧطﺎب اﻟﻌﺎم ﻟﯾﻌﻛس ﻣدى اﻟﺗﺧﺑط اﻟﻛﺎﻣن‬
‫ﻓﻲ اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻣﻧﮭﺟﯾﺔ ﻟﺗﻠك اﻟﻣﻧظوﻣﺎت‪ ،‬ﻓﮭﻲ ﺟﻣﯾﻌﺎ –ﺑﻼ اﺳﺗﺛﻧﺎء– ﺗﮭﻣل اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻣﻧﮭﺟﻲ ﻓﻲ‬
‫اداﺋﮭﺎ اﻟﻌﺎم‪ ،‬ﻓﺗﺟدھﺎ ﺗﺗﺻرف ﺑردود اﻻﻓﻌﺎل اﻟﻣﺟﺗزأة‪ ،‬و ﺗﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﺣوادث ﻛﺄﻧﮭﺎ ﺟزر‬
‫ﻣﺗﻌﺎزﻟﺔ؛ ﻓﯾﺳﮭل ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟوﻗوع ﻓﻲ اﻟﻔوﺿﻰ و اﻟﺗﺿﺎرب‪ ،‬إن واﺣدا ﻣن أھداف ورﻗﺗﻧﺎ ھذه ھو‬
‫أن ﻧﺗﺟﻧب ھذه اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗﻲ اﺻﺑﺣت ”ﺳوداﻧﯾﺔ“ ﺑﺎﻣﺗﯾﺎز‪ ،‬وأن ﻧﺗﺣﺎﺷﻰ رد اﻟﻔﻌل اﻟﻣﻌﮭود ﻋﻧد‬
‫اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﯾن و اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﯾن اﻟﺳوداﻧﯾﯾن؛ إﻣﺎ اﻟﻔوﺿﻰ اﻟﻌﺎرﻣﺔ أو اﻟدﺧول ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺷﻠل‬
‫اﻟذھﻧﻲ ﻋﻧد طروء اﻟﺣوادث‪.‬‬
‫اﻟﻼﻣﻧﮭﺞ وﺟوده ﻣن ﻋدﻣﮫ‪:‬‬
‫إن ﻣن اﻟﻣﻘوﻻت اﻟﺳﺎذﺟﺔ و اﻟﻣﺗداوﻟﺔ ﺣول اﻟﻼﻣﻧﮭﺞ ھﻲ ﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﺗﻘول ﺑﺄن اﻟﻼﻣﻧﮭﺞ ﻓﻲ ﺣد‬
‫ذاﺗﮫ ﻣﻧﮭﺞ‪ ،‬وھذا ﻣﺟرد ﺗطرﯾف ﻟﻔظﻲ ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﮫ‪ ،‬ﻷن اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻓﻲ اﺑﻠﻎ ﻣﻌﺎﻧﯾﮫ ھو ﻧﻣط ﻣن‬
‫اﻻﻧﺗظﺎم ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻌﺎﻗل ان ﯾﺗﺑﯾﻧﮫ و ﯾﺗﻧﺑﺄ ﺑﺎﻟﻐﺎﺋب ﻣن أﺟزاﺋﮫ‪ ،‬و ھذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻣﻔﻘود ﺗﻣﺎﻣﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺟﮭﺔ اﻟﻼﻣﻧﮭﺞ ﺗﻠك‪ ،‬ﻣن ھذا ﯾﺗﺿﺢ أن اﻟﻼﻣﻧﮭﺞ ﻣوﺟود وھو ﻧوع ﻣن اﻟﻔوﺿﻰ و اﻟﻌﺑث و‬
‫اﻟﺑﻌﺛرة و اﻟﻼﺗﺣدﯾد‪.‬‬
‫ظﮭر ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻼﻣﻧﮭﺞ إﻟﻰ ﺳطﺢ اﻟﺗداول اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ﻛﺑطﺎﻗﺔ دﻓﻌت ﺑﮭﺎ ﺗﯾﺎرات ﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ﻋﻣدت إﻟﻰ ﺗﻔﻛﯾك اﻟﺳردﯾﺎت اﻟﻛﺑرى و ﻓﻘدت إﯾﻣﺎﻧﮭﺎ اﻟﻣطﻠق ﺑﺎﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ و ﻋﺎدت ﺗﺟﺗﺎﺣﮭﺎ‬
‫ﻣوﺟﺔ اﻟﺷك ﻣن ﺟدﯾد‪ ،‬ﻓﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺣداﺛﺔ و إن ﻛﺎﻧت ﺗﺳﺗﺧدم ﻣﻧﺎھﺞ ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﻓﮭﻲ ﺗﻘول ﺑﻼ ﺟدوى‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ و ﻻ ﻗﯾﻣﺗﮫ و ﺗﺳﺗﺑدل اﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﻛﺑرى ﺑﺎﻻﻗﺎﺻﯾص اﻟﺻﻐرى اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻣل ﻓﻲ أطر‬
‫ﻣﺣﺻورة و ﺿﯾﻘﺔ‪ .‬و ﺑوﺻﻔﻧﺎ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﻣﻘﻠدة ﻓﺈن طﯾﻔﺎ ﺷﺑﺎﺑﯾﺎ ﻣﻧﺎ ﺗﺄﺛر ﺑﺗﻠك اﻟﻧزﻋﺔ اﻟﺗﺟزﯾﺋﯾﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﻣﺷﻛﻼت‪ ،‬ﻓﻛل ﻗﺻﺔ ھﻲ ﻣﺣددة ﺑﻣﺟﺎﻟﮭﺎ ﻻ ﺗﻣﺗد إﻟﻰ ﻣﺎ وراء ﺣدودھﺎ‪،‬‬
‫ﺗواﺿﻌﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺳﻣﯾﺔ ھؤﻻء ”ﺑﺎﻟﺗﻔﻛﯾﻛﺎﻧﯾﯾن”‪ ،‬اﻟذﯾن ھم ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺳﺗﻧﻛر اﻟﻌﻣل اﻟﻣﻧﮭﺟﻲ‬
‫اﻹﺻﻼﺣﻲ ﺗﺣدﯾدا‪ ،‬و ﺗﻔﺿل ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺳﯾوﻟﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ و ﺗﻧﺷﺄ ﻓﯾﮭم روح ﻧﻘدﯾﺔ ﺗﻔﻛﯾﻛﯾﺔ ھداﻣﺔ ﻻ‬
‫ﺗﮭﺗم ﺑﺎﻟﺑﻧﺎء و ﻻ اﻹﺻﻼح‪.‬‬
‫ﻣﺷﻛﻼت اﻟﻼﻣﻧﮭﺞ‪:‬‬
‫–اﻟﺳﯾر ﺑﻼ ﺧطﻰ ﻣﻌﻠوﻣﺔ او ﻣﺳﺎﻟك واﺿﺣﺔ‪.‬‬
‫–اﻟوﻗوع ﻓﻲ اﻟﺗﺧﺑط و اﻟﺗﻌﺛر و اﻻرﺗﺑﺎك‪.‬‬
‫–ﺣﺻول اﻟﻐﻣوض و اﻟﺗﻧﺎﻗض ﻋﻧد اﻟﻣﺗﻠﻘﯾن و ازدﯾﺎد اﻻﻟﺗﺑﺎس‪.‬‬
‫–اﻟﻧﻔور اﻟﻌﺎم و اﻟﻌزوف ﻋن اﻟﻣﺷروع اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟﻣﺗوﻟد ﻋن ﻏﻣوﺿﮫ‪.‬‬
‫ﻧﻣوذج ﻏﯾﺎب اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻓﻲ واﻗﻌﻧﺎ‪:‬‬
‫اﻟﺳﻠوك اﻟﻌﻔوي‪:‬‬
‫ﯾﻌرف اﻟﺳﻠوك اﻟﻌﻔوي ﻓﻲ ﻣدارس ﻋﻠم اﻟﻧﻔس اﻟﺣدﯾث ﺑﺎﻧﮫ رد ﻓﻌل ﺳرﯾﻊ دون ﺳﺎﺑق ﺗﻔﻛﯾر‪ ،‬و‬
‫أھم ﻣﺎ ﯾﻌﻛس ﻏﯾﺎب اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻋﻧد اﻟﻌﻔوﯾﯾن أﻧﮭم ﯾﺗﺻرﻓون ﺑﻌﻔوﯾﺔ ﻟﺣظﺔ اﺗﺧﺎذ اﻟﻘرار‪ .‬ﻟﻌل ھذا‬
‫اﻟﻧﻣط ﻣن اﻟﺳﻠوك و طرﯾﻘﺔ اﺗﺧﺎذ اﻟﻘرار ﺗوﺟد ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﺑﻛﺛرة‪ ،‬و ھﻲ ﺗﻌﺑر ﺗﻌﺑﯾرا ﺻرﯾﺣﺎ‬
‫ﻋن ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻼﻣﻧﮭﺟﯾﺔ اﻟﺳﺎﺋدة ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻹﺣﯾﺎن ﺗﺻور ﻟﻧﺎ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس‬
‫أﻧﮭﺎ ﻧوع ﻣن اﻟﺑﺳﺎطﺔ اﻟﻣطﻠوﺑﺔ إﻻ اﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﮭﺎ ﺳذاﺟﺔ و ﺑﻼھﺔ ﺗﻘود إﻟﻰ ﻧﺗﺎﺋﺞ ﻏﯾر‬
‫ﻣﺣﻣودة‪.‬‬
‫و ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻓﺈن اﻟﻧﻣط اﻟﺻوﻓﻲ اﻟﺳﺎﺋد ﻓﻲ اﻟﺳودان رﺑﻣﺎ ﯾﻛون ﻗد ﺳﺎھم ﻓﻲ ﺗﻌﻣﯾم ھذا‬
‫اﻟﺳﻠوك ﻋﻧد اﻟﺳوداﻧﯾﯾن أﻓرادا و ﻣﻧظوﻣﺎت‪ ،‬ﺑل ﺣﺗﻰ اوﻟﺋك اﻟذﯾن ﯾﻧﺗﻣون ﻟﺗﻧظﯾﻣﺎت ﺗدﻋﻲ‬
‫اﻟﺻراﻣﺔ اﻟﻣﻧﮭﺟﯾﺔ ﺗﻐﺷﺎھم أﺣﺎﯾﯾن ﻋدة ﯾﺗﺻرﻓون ﻓﯾﮭﺎ ﺑﻌﻔوﯾﺔ‪ ،‬و ﻟن ﻧﻔرد ﻟﻠﺗﺻوف و أﺛره ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺳوداﻧﻲ ﺣدﯾﺛﺎ ﺗﺣت ھذا اﻟﻌﻧوان؛ ذﻟك أن اﻟﺗﺻوف ﻓﻲ ذاﺗﮫ ﻣﻧﮭﺞ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧﺎﻗش‬
‫ﺗﺣت ﻋﻧوان اﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﻣطروﺣﺔ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﺑﺗﻼﺋﻧﺎ‪.‬‬
‫ﻧﻣﺎذج ﻟﻠﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺳﺎﺋدة ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺎت اﺑﺗﻼﺋﻧﺎ‪:‬‬
‫ﻟﻌل اﻟﺳؤال اﻟذي ﯾﺧطر ﻋﻠﻰ ذھن اﻟﻘﺎرئ ﻟورﻗﺗﻧﺎ ھذه ﻣﻔﺎده‪ :‬ﻟﻣﺎذا ﻧﺣن ﺑﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻣﻧﮭﺞ ﺟدﯾد؟‬
‫ﻟﻣﺎذا اﻟﻘﻔز ﻓوق ﻛل اﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﻣطروﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﺳﺎﺣﺔ؟ أﻟﯾﺳت اﻟﺑداﯾﺔ اﻟﺻﻔرﯾﺔ ﻣﻛﻠﻔﺔ و ﻓﯾﮭﺎ‬
‫ﻣﺧﺎطرة ﻛﺑﯾرة؟؟ ﻟﻣﺎذا ﻟم ﻧﻧدرج ﺗﺣت ﻻﻓﺗﺔ ﺟﺎھزة ذات ﺗﺎرﯾﺦ ﻋرﯾض ﻓﻲ اﻟﻌﻣل اﻹﺻﻼﺣﻲ و‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ؟؟ و رﺑﻣﺎ ﻧظرة ﺳرﯾﻌﺔ ﻓﻲ ﺧﺎرطﺔ ﻣﻧﺎھﺞ اﻟﻧظر و اﻟﻌﻣل ﻓﻲ واﻗﻌﻧﺎ اﻟﺳوداﻧﻲ‬
‫اﻟﺿﯾق و اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻷوﺳﻊ؛ ﻛﻔﯾﻠﺔ ﺑﺄن ﺗﺟﯾب ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺳؤال‪ ،‬واﻗﻌﻧﺎ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل واﻗﻊ‬
‫ﻣﺗﺄزم ﻻ ﯾﻧﻔك ﯾواﻗﻊ اﻟﻣﺂزق ﻣﺄزﻗﺎ ﺗﻠو ﻣﺄزق‪ ،‬و أﻣﺗﻧﺎ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ أﻣﺔ ﻣﮭزوﻣﺔ و ﺗﺷﮭد ﺗراﺟﻌﺎ‬
‫ﺳرﯾﻌﺎ و اﺳﺗﺳﻼﻣﺎ ﻋﺎﻣﺎ؛ إﻻ ﻣن ﺟﯾوب ﺿﯾﻘﺔ ھﻧﺎ وھﻧﺎك ﺗﻛﺎﻓﺢ ﻓﻲ ﯾﺄس ﺷدﯾد‪ ،‬و ھذا إن دل‬
‫ﻓﺈﻧﮫ ﯾدل ﻋﻠﻰ ﻋدم ﺟدوى ﻣﻧﺎھﺞ اﻟﻧظر و اﻟﻌﻣل ﻓﻲ واﻗﻌﻧﺎ‪ ،‬ﺗﺣت اﻟﻌﻧوان أﻋﻼه ﻧﻧﺎﻗش ﻋددا ﻣن‬
‫اﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ ﻟﻠﻌﻣل اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻓﻲ واﻗﻌﻧﺎ اﻹﺳﻼﻣﻲ و اﻟﺳوداﻧﻲ‪.‬‬
‫ﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺗﻘﻠﯾد و اﻹﻧﻐﻼق‪:‬‬
‫أوﻻ اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺻوﻓﻲ‪:‬‬
‫إن ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟدراﺳﺎت اﻟﺗراﺛﯾﺔ ﺗﺗﻌﺳف ﻓﻲ اﻟﺣﻛم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺻوف اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﺗرد أﺳﺑﺎب ﻧﺷﺄﺗﮫ‬
‫ﺟﻣﯾﻌﺎ إﻟﻰ ﻋواﻣل ﺧﺎرج اﻟﺳﯾﺎق اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬و ﻟﯾس ذﻟك إﻻ ﻣن أﺟل ﻣﺣﺎﺻرﺗﮫ و ﻗطﻊ ﺷﺄﻓﺗﮫ‪،‬‬
‫ﯾدﻓﻌﮭﺎ ﻟذﻟك ﺣﺟم اﻟﻣﺧﺎطر اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺳﺑب ﻓﯾﮭﺎ اﻟرؤﯾﺔ اﻟﺻوﻓﯾﺔ اﻟﺑﺎطﻧﯾﺔ و ﺗﺻﯾب ﺑﮭﺎ ﺟوھر‬
‫اﻟرؤﯾﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ اﻟﻣﻌﺗﻣدة ﻋﻠﻰ ﻓﺎﻋﻠﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ ھداﯾﺔ ﷲ‪ ،‬ﻟﻛن ﺗﺄﻣل ﻋﻣﯾق و‬
‫ﺗرﯾث ﻓﻲ إطﻼق اﻟﺣﻛم ﻋﻠﻰ ظﺎھرة اﻟﺗﺻوف ﯾﺑﯾن أﻧﮭﺎ ظﺎھرة وﻟﯾدة اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ وھﻲ‬
‫ﻣن ﺻﻣﯾم طﺑﯾﻌﺔ اﻹﻧﺳﺎن ورد ﻓﻌل ﺑﺷري ﺗﺟﺎه ﻛل ﻓﺳﺎد ﯾﻠﺣق ب”ﻋﺎﻟم اﻟظﺎھر”‪ .‬و اﻟﺗﺻوف‬
‫ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻠﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ و ﻏﯾره ﯾﺄﺗﻲ ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﻔﺳﺎد اﻟواﻗﻊ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﮭو ﺣﺎﻟﺔ إﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺻرﻓﺔ ﻻ‬
‫ﯾﺧﺗص ﺑﮭﺎ دﯾن دون دﯾن و ﻻ ﺷﻌب دون ﺷﻌب‪.‬‬
‫ﺑﻘراءة ﻣﺗﺄﻧﯾﺔ ﻟﻠﺗﺎرﯾﺦ؛ ﯾﺗﺿﺢ ﻟﻧﺎ ﺑﺟﻼء أن اﻟﺗﺻوف ﻛﺎن ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻷﺣوال اﻹﺿطراب و اﻟﻔﺳﺎد‬
‫اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ و اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟذي ﺿرب اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻧذ ﺣﻛم اﻟدوﻟﺔ اﻷﻣوﯾﺔ و اﻟﻌﺑﺎﺳﯾﺔ و اﻟذي‬
‫ﻻ زال ﻣﺳﺗﻣرا ﺣﺗﻰ اﻟﻠﺣظﺔ؛ ﻓﺟﺎء اﻟﺗﺻوف ﺑوﺻﻔﮫ ردة ﻓﻌل داﺧﻠﯾﺔ ﻋﻠﻰ أﺣوال اﻟﻔﺳﺎد ﺗﻠك‪ ،‬و‬
‫آﺛر اﻟﻣﺗﺻوﻓﺔ اﻷواﺋل ”اﻟﻧﺳﺎك“ اﻹﻧﻌزال ﻋن ﻋﺎﻟم اﻟدﻧﯾﺎ و ﻋﺎﻟم اﻟظﺎھر و اﻟﮭروب إﻟﻰ اﻟﻔﯾﺎﻓﻲ‬
‫و اﻟودﯾﺎن رﻏﺑﺔ ﻓﻲ اﻟوﺻول ﻷﺧﻼق ﷲ و اﻧﻛﺷﺎف اﻟﺣﺟب اﻟﻣﺎدﯾﺔ اﻟﻣﺎﻧﻌﺔ ﻋن رؤﯾﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ‬
‫اﻟﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻣﻌﻧﻰ إﻧﮫ ﻛﺎن ردة ﻓﻌل طﺑﯾﻌﯾﺔ ﻟﺣﺎﻟﺔ اﻹﻧﻐﻣﺎس ﻓﻲ اﻟﻣﻠذات اﻟﺗﻲ أﺻﺎﺑت ﺣﻛﺎم و ﻏﺎﻟب‬
‫ﺷﻌوب اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺛم ﺗطورت اﻟظﺎھرة اﻟزھدﯾﺔ و اﻹﻧﻌزاﻟﯾﺔ ھذه إﻟﻰ أن ﺗﺑﻠور اﻟﺗﺻوف‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻲ و اﻛﺗﻣﻠت أﺳﺳﮫ اﻟﻧظرﯾﺔ و ﻗﺎﻣت دﻋﺎﺋﻣﮫ اﻟﻣﻧﮭﺟﯾﺔ‪.‬‬
‫و ﺗﺑﻌﺎ ﻟذم ﻋﺎﻟم اﻟظﺎھر و اﻟﺗﺳﺎﻣﻲ ﻋﻧﮫ ﯾﺗم اﺗﮭﺎم اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻌﺟز و اﻟﻌﻘل ﻋن اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌرﻓﺔ‬
‫و ﻓﺿﺢ ﻗﺻور اھل اﻟظﺎھر ﻣن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ و اﻟﻣﺗﻛﻠﻣﺔ واﻟﻔﻘﮭﺎء و اﻟﺣﻛﺎم و اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﯾن؛ ﻓﻛل اوﻟﺋك‬
‫ﻣن ﺣﯾث ﯾدرﻛون وﻣن ﺣﯾث ﻻ ﯾدرﻛون؛ ﻓﮭم ﺗﺑﻊ ﻟﻸھواء و اﻟﺷﮭوات و ﻏﺎﺑت ﻋﻧﮭم اﻟﺣﻘﺎﺋق و‬
‫اﺿﻠﺗﮭم اﻟﻣﺎدﯾﺎت و ﻋﻣت ﺑﺻﯾرﺗﮭم و راﻧت ﻋﻠﻰ ﻗﻠوﺑﮭم ﻓﺣﺟﺑﺗﮭﺎ ﻋن اﻟﺧﯾر و اﻟﻔﻼح‪ ،‬و ﻷن‬
‫اﻟﻌزﻟﺔ ھذه ﺣﺎﻟﺔ ﻋﺳﯾرة ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﺈن اﻟﺗﺻوف ﻗد ﺗﻧﺎزل ﻋﻧﮭﺎ و ﻋﺎد ﻟﯾﺷﻛل ﻣﻌﺎﻟم ﺣرﻛﺔ‬
‫إﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺗﺟﻣﻊ اﻟﻣرﯾدﯾن و اﻟذاﻛرﯾن ﻓﻲ إطﺎر ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﺑﺎﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺻوﻓﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻛون ﻋﻠﻰ‬
‫رأﺳﮭﺎ ﺳﻠﺳﻠﺔ ذھﺑﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﺷﺎﯾﺦ و اﻟزھﺎد و اھل اﻟﻛﺷف و اﻟﻌرﻓﺎن‪.‬‬
‫و ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟرؤى و اﻷﻓﻛﺎر ﻻ ﺗﺣﯾﺎ ﻓﻲ ﻋواﻟم ﻣﻌزوﻟﺔ؛ ﺗدﻓق إﻟﻰ اﻟﺗﺻوف اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻌدﯾد‬
‫ﻣن اﻟرؤى و اﻟﻸﻓﻛﺎر اﻟدﺧﯾﻠﺔ ﻋﻠﯾﮫ و اﻟواردة ﻋﻠﯾﮫ ﻣن ﺣﺎﻻت اﻧﻌزال ﻣﺷﺎﺑﮭﺔ اﻧﺗﺷرت ﻓﻲ ﻛﺛﯾر‬
‫ﻣن ﺷﻌوب اﻟﺷرق اﻷﻗﺻﻰ‪ ،‬ﻛم دﺧﻠت ﻋﻠﯾﮫ ﻛذﻟك اﻟرؤﯾﺔ اﻻﻓﻼطوﻧﯾﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟم ﯾﻔﻌل ﺣرﻛﺔ‬
‫اﻟﺗرﺟﻣﺔ و اﻹطﻼع اﻟﻛﺛﯾف ﻋﻠﻰ اﻟﻣوروث اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ اﻟﯾوﻧﺎﻧﻲ‪ ،‬و ﺗﺄﺛر اﻟﺗﺻوف اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺗﺑﻌﺎ‬
‫ﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﺛﺎﻗف و اﻟﺗﻼﻗﺢ ﺑﯾن اﻷﻓﻛﺎر ﺑﺎﻟﻧزﻋﺔ اﻟﻐﻧوﺻﯾﺔ و اﻷﻓﻼطوﻧﯾﺔ اﻟﻣﺣدﺛﺔ و اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ و‬
‫اﻟﯾﮭودﯾﺔ…اﻟﺦ‪ ،‬وﻛﺎن ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل ﻟﮭذا اﻻﺣﺗﻛﺎك اﺛره اﻟﺳﺎﻟب و اﻟﻣوﺟب ﻓﻲ ﺑﻠورة اﻟﺗﺻوف‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻲ و ﺗﻣظﮭره ﻋﺑر اﻟﺗﺎرﯾﺦ‪.‬‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺻوﻓﻲ و ﺳﻣﺎﺗﮫ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪:‬‬
‫اﻟﻌزﻟﺔ ﻋن ﻋﺎﻟم اﻟظﺎھر‪:‬‬
‫إن اﻟﻧﺎظر ﻷﻗوال اﻟﻣﺗﺻوﻓﺔ اﻷواﺋل اﻟذﯾن آﺛروا اﻹﻧﻌزال ﻋن اﻟدﻧﯾﺎ و اﻟﺗﻧﻛر ﻟﻌﺎﻟﻣﮭﺎ و ﺟدوى‬
‫اﻟﻌﯾش ﻓﯾﮫ؛ ﯾﻠﺣظ ﻣﯾﻠﮭم إﻟﻰ ﺗﻛرار ذﻛر ”ﻋﺎﻟم اﻟﺑﺎطن“ ﻣﻘﺎﺑل ﻋﺎﻟم اﻟدﻧﯾﺎ اﻟظﺎھر‪ ،‬و ﯾﻠﺣظ ﻛذﻟك‬
‫أﻧﮭم ﯾﻔﺿﻠون اﻟﻌﯾش ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻌﺎﻟم و ﯾزدھدون ﻟﺻﺎﻟﺢ ﻋﺎﻟم اﻟﺑﺎطن ﺿد ﻋﺎﻟم اﻟظﺎھر اﻟﻣﺗﮭم ھو‬
‫ﻣﻼذ اﻟدﻧﯾﺎ‪ ،‬وﻟد ھذا ﻓﻲ اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺻوﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣن اﻻزدھﺎد‬
‫و أھﻠﮫ ”اھل اﻟظﺎھر“ ﺑﺎﻹﻧﻐﻣﺎس ﻓﻲ ﱢ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟظﺎھر‪ ،‬و ﯾﻔﺳر ذﻟك ﻋزﻟﺔ اوﻟﺋك اﻟﻣﺗﺻوﻓﺔ ﻋﻣﺎ ﯾدور ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻗدﯾﻣﺎ و‬
‫ﺣدﯾﺛﺎ و اﻟﻧﺄي ﺑﺄﻧﻔﺳﮭم ﻋن اﻟﺗﻌﻘﯾدات و اﻟﻔﺗن اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ و اﻻﺑﺗﻼءات اﻟﺣرﺟﺔ‪ ،‬و ﺗﺗﻔﺎوت ھذه‬
‫اﻟﻌزﻟﺔ ﻣن ﺣﯾث اﻟدرﺟﺔ؛ ﻓﺑﯾن ﻣﻧﻌزﻟﯾن ﻋن اﻟﻌﺎﻟم ﺑرﻣﺗﮫ و ﺑﯾن آﺧرﯾن ﯾﻧﻌزﻟون ﻋن ﻣﺟﺎﻻت‬
‫ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟظﺎھر‪ ،‬ﺧﺻوﺻﺎ ﻋﺎﻟم اﻟﻔﻌل اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪.‬‬
‫ﺣﺻر اﻹﺻﻼح ﻓﻲ ﺗزﻛﯾﺔ اﻟﻔرد‪:‬‬
‫ﺣﺻر اﻟﻣﺗﺻوﻓﺔ اﻹﺻﻼح ﻓﻲ إﺻﻼح ﺧوﯾﺻﺔ ﻧﻔس اﻟﻔرد ﺑﺎﻟرﯾﺎﺿﺔ و اﻟذﻛر و اﻟﺗﺑﺗل و اﻟزھد‬
‫ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ‪ .‬ﻣن ذﻟك ﺗوﻟدت ﻣﻘوﻻت اﻟﻣﺗﺻوﻓﺔ ﺣول اﻟﻔﻧﺎء و اﻟﺣﻠول و اﻻﺗﺣﺎد؛ إذ أن اﻟﻐﺎﯾﺔ‬
‫اﻷﺳﻣﻰ ﻟﻠﻣﺗﺻوﻓﺔ ھﻲ اﻟﻔﻧﺎء ﻓﻲ ﷲ و اﻻﺗﺣﺎد ﻣﻌﮫ وھذا ﯾﺗطﻠب ﺑدوره ﻣزﯾدا ﻣن اﻟﻌزﻟﺔ ﻋن‬
‫اﻟﻌﺎﻟم و ﻣزﯾدا ﻣن اﻹﻗﻼل ﻣن ﺷﺄن اﻟدﻧﯾﺎ‪.‬‬
‫و ﯾﻼﺣظ ﻣن ھذا أن اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺻوﻓﻲ ﺑﺄﺻﺎﻟﺗﮫ؛ ﯾﻌﻣل ﻋﻠﻰ اﻹﺑﺗﻌﺎد ﻋن اﻟﻔﺗن و اﻟﺑﻼﯾﺎ و اﻟﺗوﻟﻲ‬
‫ﻋﻧﮭﺎ و اﻹﻧﺷﻐﺎل ﻋن أﺣوال اﻟﻧﺎس ﺑﺣﺎﻟﺔ اﻟﻧﻔس و اﻟﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺗرﺑﯾﺗﮭﺎ و ﺗزﻛﯾﺗﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﺗﺗرﻗﻰ ﻓﻲ‬
‫ﻣﻘﺎﻣﺎت اﻟﻣﺣﺑﺔ إﻟﻰ ﺣد اﻟﻔﻧﺎء ﻓﻲ ﷲ و اﻧﻛﺷﺎف ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ اﻟﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬وھذا ھو ﻣﺎﺟﻌل رؤى اﻟﻣﺗﺻوﻓﺔ‬
‫ﻟﻺﺻﻼح رؤى ﻣﺣدودة و ﻓﻲ أطر ﻣﺧﺻوﺻﺔ ﻣﻣﺎ أﻋﺟزھﺎ أن ﺗواﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟدﯾن اﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫ﻓﻲ طرﺣﮫ ﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻹﺻﻼح ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻗﺿﯾﺔ ﻛﻠﯾﺔ ﺗﻧطﻠق ﻣن ﺧوﯾﺻﺔ اﻟﻔرد و ﺗﻣﺗد ﻋﺑر اﻷھل و‬
‫اﻷﻣﺔ و ﺗﻣﺳك ﺑﺄﺣوال اﻟﻌﻠم و اﻟﻣﻌﺎش و اﻟﺣﻛم و اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ و اﻹﺟﺗﻣﺎع و اﻟﻔن واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ و ﻛل‬
‫ﻣﺎھو ﻣﺧﺗص ﺑﺷﺄن اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺑﻌدﯾﮫ اﻟﻔردي و اﻟﺟﻣﺎﻋﻲ‪.‬‬
‫ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﻣﺣﺑﺔ‪ ،‬و ﻟﯾﺳت اﻹﺻﻼح‪:‬‬
‫إن اﻟﺻوﻓﻲ ﯾﺗرﻗﻰ ﻓﻲ ﻣدارج اﻟﺳﺎﻟﻛﯾن آﺧذا ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺎﻟﻣﺷﺎق و اﻟﺣرﻣﺎن ﺣﺗﻰ ﯾﺑﻠﻎ ﻣﻘﺎم اﻟﻣﺣﺑﺔ‪،‬‬
‫ﻣﻣﺎ ﯾﺟﻌل رد ﻓﻌل اﻟﻣﺗﺻوف ﺗﺟﺎه اﻟواﻗﻊ رد ﻓﻌل إﻧﺳﺣﺎﺑﻲ إﻧطواﺋﻲ؛ ﯾﻣﻛن اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﮫ‬
‫ب”ﺣﺎﻟﺔ اﻟﮭروب إﻟﻰ اﻟداﺧل“ ﻟذﻟك ﺗﺟدھم ﻋﺑر اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻗﻠﯾﻠﻲ اﻹﻧﺷﻐﺎل ﺑﺎﻟﻣﺟﺎل اﻟﻌﺎم‪ ،‬ﻣﻣﺎ وﻟد‬
‫ﺣﺎﻟﺔ ﻣن اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ اﻟﺧﻔﯾﺔ ﻓﻲ اﻷداء اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟﺻوﻓﻲ‪ ،‬ﺑﻣﻌﻧﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺟﻌل ﻣن اﻟدﯾن ﺑرﻣﺗﮫ ﺷﺄﻧﺎ‬
‫ﺧﺎﺻﺎ ﻻ ﺻﻠﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﻣﺟﺎل اﻟﻌﺎم‪.‬‬
‫اﺳﺗﺑدال اﻟواﻗﻊ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺑﺎﻟطرﯾﻘﺔ و ﺣﻛوﻣﺔ اﻟﺑﺎطن‪:‬‬
‫ذھب اﻟﻌﻘل اﻟﻌرﻓﺎﻧﻲ اﻟﺻوﻓﻲ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻟث اﻹﺳﻼﻣﻲ إﻟﻰ إﻧﺷﺎء ﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑدﯾل؛ ﻓﺑﻌد أن‬
‫اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌزﻟﺔ اﻟﻔردﯾﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺧﺎﻟف اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺑدورھﺎ؛ ﻟﺟﺄ‬
‫اﻟﻣﺗﺻوﻓﺔ إﻟﻰ أﻧﺷﺎء اﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺻوﻓﯾﺔ ﻟﺗﺣل ﻣﺣل ذﻟك اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻣﺎدي اﻟﻣﺷﮭود و ﯾﺗﻣﺗﻊ ﻓﯾﮭﺎ ﺳﺎدة‬
‫اﻟطرﯾق ﺑذات اﻟﺳﻠطﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺎرﺳﮭﺎ اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟظﺎھر أو ﺑﺳﻠطﺎت اﻋظم‪ ،‬و‬
‫ﺗوﻟدت ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ذﻟك ”ﺣﻛوﻣﺔ اﻟﺑﺎطن“ ﺑﺗراﺗﺑﯾﺔ ﺳﻠطوﯾﺔ ﻣﺷﺎﺑﮭﺔ ﻟﺗﻠك اﻟﻣوﺟودة ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟظﺎھر‬
‫ﺗﻠك اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ وﻻﯾﺔ اﻟﻐواث و اﻻﻗطﺎب و اﻻﺑدال و اﻟﻧﺟﺑﺎء و اﻻوﺗﺎد و اﻟﻧﻘﺑﺎء‪ ..‬اﻟﺦ‪.‬‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺻوﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﺳودان‪:‬‬
‫ﻣﻣﺎ ﺳﺑق ﻧﺟد أن اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺻوﻓﻲ ﻗد ﻋﻣل ﻋﻠﻰ إﻧﺷﺎء ﻋﺎﻟﻣﮫ اﻟﺧﺎص ﺑﮫ‪ ،‬و ﻏض اﻟطرف ﻋن‬
‫أي ﻋﺎﻟم آﺧر ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﻋﺎﻟم اﻻﺑﺗﻼء اﻟذي ﻧﺣن ﺑﺻدد ﺗﻘدﯾم رؤﯾﺗﻧﺎ اﻟﻣﻧﮭﺟﯾﺔ ﻓﻲ إﺻﻼﺣﮫ‪،‬‬
‫وﻟﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺣدﯾث ﻗد ﺑﺳط ﺑﺎﺳﺗﻔﺎﺿﺔ ﺣول اﻟطﺎﺋﻔﺗﯾن اﻟﻌظﻣﯾﯾن )اﻧظر ورﻗﺔ دواﻋﻲ ﺗﺄﺳﯾس‬
‫اﻹﺣﯾﺎء و اﻟﺗﺟدﯾد( ﻓﻲ اﻟﺳودان طﺎﺋﻔﺗﻲ اﻟﺧﺗﻣﯾﺔ و اﻻﻧﺻﺎر؛ ﻓﺳﻧﺷﯾر إﻟﯾﮭﻣﺎ ھﻧﺎ إﺷﺎرة ﻏﯾر‬
‫ﻣﺳﺗﻐرﻗﺔ‪.‬‬
‫ﻣﻊ اﻧدراج اﻟطﺎﺋﻔﺗﯾن اﻟﻛﺎﻣل ﻓﻲ ﺻﻠب اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ‪ ،‬إﻻ أﻧﮭﻣﺎ ﻻ زﻟﺗﺎ ﺗﺣﺗﻔظﺎن‬
‫ﺑﻐﺎﻟب ﺳﻣﺎت اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺻوﻓﻲ‪ ،‬و ﻟﯾس اﻟﺗﺳﻠﯾم اﻟﻣطﻠق ﻟﻣﺎ ﯾﻘوﻟﮫ اﻟزﻋﯾم اﻟطﺎﺋﻔﻲ و ﯾرﺗﺋﯾﮫ ﺑرأﯾﮫ‬
‫إﻻ ﻷﻧﮫ ﯾﻣﺛل ذﻟك اﻟﻧﻣط ﻣن اﻟوﻻﯾﺔ اﻟﺻوﻓﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺻب ﻧﻔﺳﮭﺎ ﺣﺎﻛﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔوس و اﻣوال و‬
‫ﺣﯾﺎة اﻻﺗﺑﺎع ﺟﻣﯾﻌﺎ‪ ،‬و ھذا اﻟﻧﻣط ﻣن اﻹﻧﺧراط اﻟﻣزدوج ﻓﻲ اﻟﻌﻣل اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟﻌﺎم ﺗوﻟد ﻋﻧﮫ‬
‫ﺣﺎﻟﺗﺎن ﻣن اﻟﺗﻌﺎطﻲ ﻣﻊ ھذا اﻟواﻗﻊ وھﻣﺎ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ و ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻣﺳﻛﻧﺔ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ‬
‫ﻓﺗﻧﺗﺞ ﻋن رؤﯾﺔ ﺣﺻر اﻟدﯾن ﻓﻲ إطﺎر ﺿﯾق ﯾﺧﺗص ﺑﺷﺄن اﻟﻔرد و ﯾﻌزل اﻟدﯾن ﻋن اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬و‬
‫ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻣﺳﻛﻧﺔ ﻧﺎﺟﻣﺔ ﺑدورھﺎ ﻋن ذﻟك اﻟﺗﺳﻠﯾم اﻷﻋﻣﻰ ﻟﺳﯾد اﻟطرﯾﻘﺔ و زﻋﯾم اﻟطﺎﺋﻔﺔ‪.‬‬
‫إن اﻟﺻوﻓﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺳودان ﻛﺎن ﻟﮭﺎ دور ﻋظﯾم ﻓﻲ إذاﺑﺔ اﻟﺣواﺟز و اﻟﺟدر اﻟﺳﻣﯾﻛﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت‬
‫ﺗﻌزل اﻷﻋراق اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋن ﺑﻌﺿﮭﺎ اﻟﺑﻌض و أوﺟدت ﺑذﻟك ﻧوﻋﺎ ﻣن اﻟﺗداﻣﺞ اﻟوطﻧﻲ –ﻛﻣﺎ‬
‫ﯾﺷﯾر ﻟذﻟك اﺑو اﻟﻘﺎﺳم ﺣﺎج ﺣﻣد ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ اﻟﺳودان اﻟﻣﺄزق اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ و آﻓﺎق اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل–ﻓوق‬
‫راﺑطﺔ اﻟﻘﺑﯾﻠﺔ و اﻟﺟﮭﺔ اﻟﺿﯾﻘﺔ وھذا ﻣﻣﺎ ﯾﺣﻣد ﻟﮭﺎ‪ ،‬و ﻛذﻟك ﻛﺎن ﻟﮭﺎ دور ﺑﺎرز ﻓﻲ اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺷﻌب اﻟﺳودان أﻻ ﯾﻧزﻟق ﻓﻲ أطر اﻟدﻧﯾﺎﻧﯾﺔ اﻟﻣﺣﺿﺔ و ﺷراھﺔ اﻹﺳﺗﮭﻼك‪ ،‬ﻟﻛن ﻗﺻور‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺻوﻓﻲ أﻋﺟز اﻟﻣﺗﺻوﻓﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﯾن ﻓﻲ اﻟﺳودان ﻋن إﺑداع ﺣل ﻟﻣﺷﻛﻼت اﻟﺑﻠد ﻛﺛﯾﻔﺔ‬
‫اﻟﻌﻘد‪ ،‬و ﺗﺣوﻟت اﻟطﺎﺋﻔﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ اﻟﺗﻲ ﺗﻣظﮭر ﻋﺑرھﺎ اﻟﻌﻣل اﻟﺻوﻓﻲ ﻓﻲ ﺻورة ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ إﻟﻰ‬
‫واﺣدة ﻣن ﻣﻌﯾﻘﺎت اﻟﻧﮭﺿﺔ و اﻹﺻﻼح ﻓﻲ اﻟوطن‪.‬‬
‫ﻧﺣن ﻻ ﻧرى أن إزاﻟﺔ ﻧﻣط اﻟﺗدﯾن اﻟﺻوﻓﻲ ﻣﻌﻧﺎه ﻣﺑﺎﺷرة إﺻﻼح ﺣﺎل اﻟواﻗﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ و‬
‫اﻟﺳوداﻧﻲ ﺑﺧﺻوﺻﮫ؛ ﻟﻛن إﺑﻘﺎءه ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺗﮫ ھذه ﻏﯾر ﻣﻧﺗﺞ و ﻏﯾر ﻣﻔﯾد‪ ،‬ھذا إن ﻟم ﯾﻛن ﯾﺧﺻم‬
‫ﻣن اﺣﺗﻣﺎل اﻟﻧﮭﺿﺔ و اﻹﺻﻼح‪ ،‬إﻧﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﻧﻌﻣل ﻋﻠﻰ إﺻﻼح اﻟﺗﺻوف اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻧﻔﺳﮫ‪،‬‬
‫و ذﻟك ﺑﺟﻌﻠﮫ أﻛﺛر اﺗﺻﺎﻻ ﺑﺎﻟوﺣﻲ و ﻣﻧﮭﺟﯾﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎطﻲ ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﺟزﻣﺎ ﻓﺈن اﻟﻣﻧﮭﺟﯾﺔ‬
‫اﻟﻘرآﻧﯾﺔ ﻟﯾﺳت إﻧﻌزاﻟﯾﺔ و ﻻ إﻧطواﺋﯾﺔ؛ ﺑل ھﻲ ﻋﯾن ﻣﻧﮭﺟﯾﺔ اﻟﻣواﺟﮭﺔ و اﻟﺗﺑدﯾل ﻟﻠواﻗﻊ إﻟﻰ‬
‫اﻷﺻﻠﺢ‪ ،‬ﻧﺷﯾر ھﻧﺎ ﻟدراﺳﺔ ﻣﻧﺷورة ﻟﻠدﻛﺗور ﻣﺣﻣد اﻟﻣﺟذوب ﺻﺎﻟﺢ و ﻋﻧواﻧﮭﺎ ”ﻧظرات ﻓﻲ‬
‫إﺻﻼح اﻟﺗﺻوف اﻹﺳﻼﻣﻲ”‪.‬‬
‫ﺛﺎﻧﯾﺎ اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ‪:‬‬
‫ﻣﺎ اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ‪:‬‬
‫إن اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ ﻣﺻدر ﺻﻧﺎﻋﻲ ﻣن ﺳﻠف و ھو أﺻل ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺗﻘدم و ﺳﺑق ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺟم‬
‫ﻣﻘﺎﯾﯾس اﻟﻠﻐﺔ ﻻﺑن ﻓﺎرس و ﻣن ذﻟك اﻟﺳﻠف‪ :‬اﻟذﯾن ﻣﺿوا و اﻟﻘوم اﻟﺳﻼف‪ :‬اﻟﻣﺗﻘدﻣون و ﻗد‬
‫اﺳﺗﻌﻣﻠت ﻓﻲ اﻟﻘرآن ﺑذات اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻗوﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪) :‬وﺟﻌﻠﻧﺎھم ﺳﻠﻔﺎ و ﻣﺛﻼ ﻟﻶﺧرﯾن( و‬
‫اﺻطﻼﺣﺎ‪ :‬ﺗدور ﻏﺎﻟب ﺗﻌرﯾﻔﺎت اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن ﻟﻠﺳﻠﻔﯾﺔ ﺣول ﻣﻌﻧﻰ واﺣد وھو )اﻟﺳﻠف‪ :‬ھم اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ‬
‫و اﻟﺗﺎﺑﻌون ﻣن أھل اﻟﻘرون اﻟﺧﯾرﯾﺔ اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻷول‪ ،‬و اﻟﺳﻠﻔﯾون‪ :‬ھم اﻟذﯾن ﯾﻌﺗﻘدون ﻣﻌﺗﻘد اﻟﺳﻠف‬
‫اﻟﺻﺎﻟﺢ رﺿوان ﷲ ﻋﻠﯾﮭم و ﯾﻧﺗﮭﺟون ﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠف ﻓﻲ ﻓﮭم اﻟﻛﺗﺎب و اﻟﺳﻧﺔ(‪.‬‬
‫ﻣﺷﻛﻼت ﺣول اﻟﺗﻌرﯾف‪:‬‬
‫إن اﻟﻣﺷﻛﻼت اﻟﺗﻲ ﺳﻧﺛﯾرھﺎ ﻓﻲ ھذه اﻟﺳﺎﻧﺣﺔ ﻗد ﺗﺗﻌﻠق ﺗﻌﻠﻘﺎ ﻣﺑﺎﺷرا ﺑﺎﻟﺗﻌرﯾف؛ ذﻟك اﻟﺗﻌرﯾف‬
‫اﻟذي ﯾﺑدو ﺟﻠﯾﺎ أﻧﮫ ﯾﻠﺧص ﻓﻲ ﻣﻌﻧﺎه ﻣﺎھﯾﺔ اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ؛ ﻷﺟل ذﻟك ﻓﺈن ھذه اﻟﻣﺷﻛﻼت‬
‫ﺗﻧﺳﺣب ﺑدورھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ ﺑﻛﻠﯾﺗﮫ‪ ،‬و ﻷﺟل أﻧﮭﺎ ﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺗﻌرﯾف ﻓﮭﻲ ﺗرﺗﺑط ارﺗﺎﺑطﺎ و‬
‫ﺛﯾﻘﺎ ﺑﺎﻟﺷق اﻟﻧظري ﻟﻠﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ‪.‬‬
‫اوﻻ ﻣﺷﻛﻠﺔ ﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠف‪:‬‬
‫ﻣن اﻟواﺿﺢ أن اﻟﺗﻌرﯾف ﯾﺳﺗﺑطن وﺟود ﻣﻧﮭﺞ ﺳﻠﻔﻲ واﺣد و واﺿﺢ ﺑﻌﯾﻧﮫ و ﻻ ﺧﻼف ﺣوﻟﮫ‪،‬‬
‫ﻟﻛن ﻟو ﺗﺄﻣﻠﻧﺎ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻠف اﻟﺻﺎﻟﺢ ﻣن أﻣﺔ اﻹﺳﻼم ﻟوﺟدﻧﺎ أن ھذا اﻹﺋﺗﻼف ﺣول‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻛﺎن إﺋﺗﻼﻓﺎ ﻣﺗوھﻣﺎ‪ ،‬ﺣﺗﻰ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ رﺿوان ﷲ ﻋﻠﯾﮭم اﻟذﯾن ﯾﺷدد اﻟﺳﻠﻔﯾون ﻟدى ﺗﺑرﯾر‬
‫ﻣﻧﮭﺟﮭم ﺑﺄﻧﮫ ﻣﻧﮭﺞ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ؛ ﻟم ﯾﻛن اوﻟﺋك اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻧﮭﺞ واﺣد‪ ،‬و اﻻﺧﺗﻼف ﺑﯾﻧﮭم ﻛﺎن‬
‫ﻣﺗﺣﻘﻘﺎ ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻷﻣور اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ و اﻟﻔﻘﮭﯾﺔ ﺑل و ﺣﺗﻰ اﻟﻣﻧﮭﺟﯾﺔ ﻓﻲ طراﺋق اﻟﻔﻘﮫ و اﻟﻧظر ﻓﻲ‬
‫اﻟﻣﺳﺎﺋل‪ ،‬ﻓطرﯾﻘﺔ ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب رﺿﻲ ﷲ ﻋﻧﮫ اﻟﺑﺎﺣﺛﺔ ﻋن ﻣﻐﺎزي اﻻﺣﻛﺎم و اﻟﻧﺻوص‬
‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ دون اﻟوﻗوف ﻋﻧد اﻟﻔﺎظﮭﺎ؛ ﻣﻐﺎﯾرة ﻟطرﯾﻘﺔ ﻋﺎﺋﺷﺔ واﺑن ﻋﺑﺎس رﺿﻲ ﷲ ﻋﻧﮭﻣﺎ‬
‫اﻟﻣﺗﻣﺳﻛﺔ ﺑظﺎھر اﻟﻧص دون اﻷﺧذ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﺣﻛﻣﺗﮫ‪ .‬و ﯾرد اﻟﺳﻠﻔﯾون ﻋﻠﻰ ھذا اﻻﺷﻛﺎل ﺑﺄﻧﮭم‬
‫ﻟﯾﺳوا إﻻ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ اﺟﺗﻣﻊ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ رﺿوان ﷲ ﻋﻠﯾﮭم‪.‬‬
‫ﺛﺎﻧﯾﺎ ﺗﺣﻘﯾق اﺟﻣﺎع اﻟﺳﻠف‪:‬‬
‫ﯾﻼﺣظ أن اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن ﻣن ﺟﮭﺔ ردھم ﻋﻠﻰ اﻹﺷﻛﺎل اﻷول ﺣول ﺗﻌدد ﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺳﻠف؛ ﻗد ﺿﯾﻘوا‬
‫إطﺎر ﻣﻧﮭﺟﮭم إﻟﻰ اﻟﺣد اﻷدﻧﻰ‪ ،‬و ﻟﻌﻠﮫ ﻣن اﻟﻌﺳﯾر أن ﺗﺟد ﻣﺳﻠﻣﺎ ﻛﯾﻔﻣﺎ ﺗﺳﻣت طﺎﺋﻔﺗﮫ أن ﯾﻛون‬
‫ﻣﺧﺎﻟﻔﺎ ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯾﮫ اﺟﻣﺎع اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ رﺿوان ﷲ ﻋﻠﯾﮭم‪ ،‬ﺣﺗﻰ اوﻟﺋك اﻟذﯾن ﯾظن اﻟﺳﻠﻔﯾون أﻧﮭم‬
‫ﯾﺧرﺟوھم ﺑذﻟك اﻟﺗﻌرﯾف ﻣن داﺋرة اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ و داﺋرة اﺗﺑﺎع اﺟﻣﺎع اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻛﺎﻟﺧوارج و اﻟﺷﯾﻌﺔ‬
‫و اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ‪ ،‬ﻓﺄوﻟﺋك ﻓﻲ ﻛل ﻣواﻗﻔﮭم ﯾﻧﺎزﻋون اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن ﻓﻲ ﻛﯾﻔﯾﺔ ﺗﺣﻘق ذﻟك اﻹﺟﻣﺎع ﻛﻣﺎ ﻋﻧد‬
‫اﻟﺧوارج‪ ،‬أو ﻓﻲ طرق ﻧﻘل اﻵﺛﺎر و اﻷﺧﺑﺎر ﻛﻣﺎ ھو اﻟﺣﺎل ﻋﻧد اﻟﺷﯾﻌﺔ و اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ‪ ،‬و اﻟﺣق أن‬
‫ﺗﻘﯾﯾد ﻓﮭم اﻟدﯾن اﻟذي ھو رﺳﺎﻟﺔ ﻟﻛﺎﻓﺔ اﻟﻧﺎس ﺑﻔﮭم ﻓﺋﺔ و ﻟﺣظﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﻛﻔﯾل ﺑﺄن ﯾدﺧل‬
‫اﻟدﯾن ﻓﻲ ﻣﻌﺿﻼت ﻣﻌﻘدة‪ ،‬ﻧﺎھﯾك ﻋن أﻧﮫ ﻣدﻋﺎة ﻟﺧروج اﻟدﯾن ﻣن اﻟواﻗﻊ و اﻧﺣﺑﺎﺳﮫ ﻓﻲ ﻛﮭف‬
‫اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣظﻠم‪.‬‬
‫ﺛﺎﻟﺛﺎ اﻹﻧﻐﻼق ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ‪:‬‬
‫ﻟﻣﺎ ﯾدﻋﻲ اﻟﺳﻠﻔﯾون أﻧﮭم ﻋﻠﻰ إﺟﻣﺎع اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ و اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن اﻟذﯾن ھم اﻟﺳﻠف اﻟﺻﺎﻟﺢ؛ ﻓﮭم ﻣن‬
‫ﺣﯾث ﻻﯾﺷﻌرون ﯾﺣﺑﺳون اﻟدﯾن ﻓﻲ إطﺎر ﺗﺎرﯾﺧﻲ ﺑﻌﯾﻧﮫ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾﺿﻌف ﻗدرة اﻟﻔﻘﯾﮫ اﻟﺳﻠﻔﻲ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺗﻌﺎطﻲ ﻣﻊ اﻟطواريء و اﻟﺣوادث اﻟﺗﻲ ﻣﺎ ﯾﻧﻔك اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﺗﻠﻘب ﯾدﻓﻊ ﺑﮭﺎ ﻓﻲ وﺟﮭﮫ‪ ،‬و ھذه‬
‫اﻟﺣوادث ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل رﺑﻣﺎ ﻻ ﺗﻛون ﻗد ﻻﻗت اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ و ﻻ اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن و ﻻ ﺗﺎﺑﻌﯾﮭم؛ ﻓﻼ ﯾﺟد‬
‫اﻟﻔﻘﯾﮫ اﻟﺳﻠﻔﻲ وﺻﻔﺔ ﺟﺎھزة ﻓﻲ ﺗراث اﻟﺳﻠف ﻟﯾواﺟﮫ ﺑﮭﺎ اﻟطﺎرئ اﻟﺟدﯾد‪ ،‬وھﻧﺎ ﺗﻧﻛﺷف ﻣﻌﺎﻟم‬
‫ﺿﻌف اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ ﻓﯾﺄﺗﻲ ﺑﺎﻷﻋﺎﺟﯾب اﻟﻣﻧﻛرة ﻛﻣﺎ ھو واﺿﺢ ﻓﻲ ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ و اﻻﻗﺗﺻﺎد‬
‫و اﻻﺟﺗﻣﺎع و اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ و اﻻﻋﻼم‪.‬‬
‫و إذا ﺗﺄﻣﻠﻧﺎ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻌﻣل اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟﻌﺎم؛ ﻓﺈن اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن ﻗد أﺧﻠوا ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻌﻣل اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ و اﻟﻔﻧﻲ‬
‫و اﻟرﯾﺎﺿﻲ ﻟﻐﯾرھم ﻣن ﺗﯾﺎرات اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ و اﻟﺗﻐرﯾب و ﺗﯾﺎرات اﻟﺣرﻛﺔ اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣﺎ‬
‫اﻛﺗﻔوا ھم ﺑﺎطﻼق اﻟﺗﺣرﯾﻣﺎت و اﻟﺗﺣﻠﯾﻼت و اﻟﺗﻔرﯾﻊ ﻏﯾر اﻟﻣﺟدي ﻓﻲ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻔﻘﮭﯾﺔ‪ ،‬و ﻟﻣﺎ‬
‫اﻧدرج اﻟﺳﻠﻔﯾون ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻌﻣل اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﺑﻌُدة اﻟﻘرون اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻟﮭﺟرﯾﺔ اﻷول؛ ﺗﺑﯾن ﻣدى ﻗﺻور‬
‫اﻟرؤﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣﻧﮭﺎ اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻓوﻗﻌوا ﻓﻲ ﺗﺄﯾﯾد اﻻﺳﺗﺑداد ﻛﻣﺎ ﻓﻲ أﻧﻣوذج ﺣزب اﻟﻧور اﻟﺳﻠﻔﻲ‬
‫ﻓﻲ ﻣﺻر‪.‬‬
‫راﺑﻌﺎ اﻟﺗﻧﺎزع ﺑﯾن اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن‪:‬‬
‫إن اﻟذي ﺗﺗﻣﯾز ﺑﮫ ﺗﯾﺎرات اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ھو اﻟﻣﯾل اﻟﻣﺗﻌﺎظم ﻟﻺﻧﻘﺎﺳم و اﻻﻧﺷطﺎر ﺣول‬
‫ﻣﺎھﯾﺔ اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ ﺣﻘﯾﻘﺔ؛ ﻓﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺗﯾﺎرات اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ ﺗرى ﻓﻲ رﺻﯾﻔﺗﮭﺎ –اﻟﺗﻲ ھﻲ أﯾﺿﺎ‬
‫ﺳﻠﻔﯾﺔ– ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻣﺑﺗدﻋﺔ و اﻟﻣﺑدﻟﯾن و اﻟﻣﻐﺎﻟﯾن‪ ،‬و ھذا ﯾﻘدح ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻓﻲ إﯾﮭﺎم اﻟﺗﻌرﯾف‬
‫اﻟذي ﯾﺟﻌل ﻣﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻠف ﺷﺄﻧﺎ واﺣدا ﻣﺣﺎطﺎ ﺑﺳﯾﺎج ﻣﺗﯾن ﯾﻔﺻل ﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠف ﻋن ﻣﻧﺎھﺞ‬
‫ﻏﯾرھم‪ ،‬و رﺑﻣﺎ ﯾﻘول ﻗﺎﺋل إن اﻟﺗﻌدد ﻓﻲ اﻟﻣﻔﺎھﯾم ﻻ ﯾﻘدح ﻓﻲ واﺣدﯾﺔ اﻟﻣﻧﮭﺞ؛ ﻓﻧﻘول إن اﻟذي‬
‫ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻠﻔﯾون اﻟﻣﻌﺎﺻرون ﻟﯾس ﺗﻌددا ﻓﻲ اﻟﻣﻔﺎھﯾم ﻓﺣﺳب؛ ﺑل ھو ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ إﺣﺗﻛﺎر ﻟﻣﻔﮭوم‬
‫اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ ﻟﻠﻔﺻﯾل اﻟﻣﺣﺗﻛر ﺑﻌﯾﻧﮫ‪ ،‬و ﻟو ﺿرﺑﻧﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻣﺛﺎﻻ‪ :‬إن اﻟﻣذاھب اﻟﻔﻘﮭﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‬
‫ﺗﻌددت ﺣﺗﻰ اﺳﺗﻘرت إﻟﻰ أرﺑﻌﺔ ﻣذاھب ﻋﻧد أھل اﻟﺳﻧﺔ‪ ،‬و ﻛل ﯾﺣﺎول اﻟوﺻول إﻟﻰ ﻏرض‬
‫واﺣد وھو ﻓﻘﮫ اﺣﻛﺎم اﻹﺳﻼم؛ إﻻ أن واﺣدا ﻣﻧﮭم ﻟم ﯾدﻋﻲ أﻧﮫ ھو ﻓﻘﮫ اﻹﺳﻼم ﺑﻌﯾﻧﮫ ﺑﯾﻧﻣﺎ‬
‫اﻵﺧرون ﻟﯾﺳوا إﻻ أھل دﻋوى و ﺑﺎطل‪ ،‬و ظﻠت ھذه اﻟﻣذاھب ﺗﺗﻌﺎﯾش ﻣﻧذ ظﮭورھﺎ ﺣﺗﻰ‬
‫اﻟﻠﺣظﺔ دون أن ﯾﻛون ھم واﺣد ﻣﻧﮭﺎ أن ﯾﻘﺿﻲ ﻋﻠﻰ أﻟﺑﻘﯾﺔ ﻟﯾﺳﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﻔﮭم وﺣده‪ .‬ﻟﻛن ﻣﺎ ﯾﺣدث‬
‫ﻓﻲ اﻧﻘﺳﺎم اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن ﺣول ﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠف و ﻣﺎھﯾﺗﮫ ﻓﮭو اﻧﻘﺎﺳم ﺣﺎد و اﻗﺻﺎﺋﻲ إﻟﻰ ﺣد ﺑﻌﯾد و‬
‫ﯾﻌوزه إﻣﻛﺎن اﻟﺗﻌﺎﯾش و ذﻟك أﺧطر ﻣﺎ ﻗدﻣﮫ اﻟﺳﻠﻔﯾون و أﻗﺣﻣوه ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪ ،‬و ﻛل‬
‫ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﺗﺳﻣت ﺑﺎﻟﺳﻠﻔﯾﺔ ﻓﮭﻲ ﺗﺣﻣل ﻓﻲ داﺧﻠﮭﺎ ﺑذور اﻧﻘﺳﺎﻣﮭﺎ؛ ﺧﺻوﺻﺎ ﺣول ﺗﻠك اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ‬
‫اﻟﺗﻲ ﺗطرأ و ﻻ ﯾﻛون ﻟﮭﺎ ﻓﺻل ﯾرﺟﻊ إﻟﯾﮫ ﻓﻲ ﻛﺗب اﻟﺗراث و ﺗﻠك أﻣﺛﻠﺗﮭﺎ ﻋدﯾدة ﺑﺣﯾث ﻻﯾﺳﻊ‬
‫اﻟﻣﻘﺎم ﻟذﻛرھﺎ‪.‬‬
‫أﺻول و ﻣﻌﺎﻟم اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ‪:‬‬
‫اﻟﺗوﺣﯾد‪:‬‬
‫ﯾﻌﻧﻲ اﻟﺳﻠﻔﯾون ﺑﮭذا اﻷﺻل‪ :‬ﻛﻠﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺄﺑواب اﻟﻌﻘﯾدة ﻣن ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻹﯾﻣﺎن و اﻟﻛﻔر و اﻷﺳﻣﺎء و‬
‫اﻟﺻﻔﺎت و اﻟﻘدر و اﻟﻘﺿﺎء و اﻟﯾوم اﻵﺧر و اﻹﻋﺗﻘﺎد ﻓﻲ اﻟرﺳل و اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ‪ ،‬و ﺗﻔﺻﯾﻼت ﺗﻠك‬
‫اﻟﻣﺳﺎﺋل و ﺟزﺋﯾﺎﺗﮭﺎ‪ .‬و اﻟﻣﻼﺟظ أن ﻏﺎﻟب اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﺗﻲ ﻣﺎﯾز اﻟﺳﻠﻔﯾون ﺑﮭﺎ أﻧﻔﺳﮭم ﻋن ﺑﻘﯾﺔ‬
‫اﻟﻔرق ﺑﻣﺎ ﻓﯾﮭﺎ اﻻﺷﺎﻋرة و اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ و اﻟﺧوارج و اﻟﻣﺗﺻوﻓﺔ ﻓﻲ ﻣﯾدان اﻟﻌﻘﯾدة ﻗﺿﺎﯾﺎ طﺎرﺋﺔ‪ ،‬ﻟم‬
‫ﯾﻛن ﻗد ظﮭر ﻏﺎﻟﺑﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﮭد اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ و ﻻ أواﺋل اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن‪ ،‬ﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻓﺈن إدﻋﺎء اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن ﻟﮭذا‬
‫اﻟﺗﻣﯾز ﻋن ﺑﻘﯾﺔ اﻟﻔرق ﻓﻲ ﻣﺳﺎﺋل اﻻﻋﺗﻘﺎد و اﻟﻘدر و اﻻﺳﻣﺎء و اﻟﺻﻔﺎت ﻻ أﺻل ﻟﮫ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻛل ﻣن‬
‫أوﻟﺋك ﯾدﻋﻲ أﻧﮫ ﯾﻧﺗﮭﺞ ﻓﻲ اﺑواب ﻋﻘﯾدﺗﮫ ﻧﮭﺞ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ اﻟﻛرام أو ﯾدﻋﻲ أن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ إذا طرأت‬
‫ﻋﻠﯾﮭم ذات ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﺟدل اﻟﻛﻼﻣﻲ ﻟﺗﺻرﻓوا ﺗﺟﺎھﮭﺎ ﺑذات طرﯾﻘﺗﮫ‪ ،‬و ﯾﻼﺣظ ذﻟك ﻓﻲ اﻟﺟدال‬
‫اﻟﻘﺎﺋم ﺑﯾن اﻟﻣﺗﺻوﻓﯾن اﻷﺷﺎﻋرة و اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن ﻓﻲ ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻷﺳﻣﺎء و اﻟﺻﻔﺎت و اﻟﻛراﻣﺎت و‬
‫اﻷوﻟﯾﺎء و اﻟﺻﺎﻟﺣﯾن؛ ﻓﻛﻼھﻣﺎ ﯾﻧطﻠق ﻣن ذات اﻟﻣﺻﺎدر ﻓﻲ ﺗﻌزﯾز ﻣوﻗﻔﮫ و دﺣض ﻣوﻗف‬
‫اﻵﺧر‪.‬‬
‫اﻟﻣﻼﺣظ ﻛذﻟك ﻋﻧد اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن ھو ﺗﺟرﯾد ﻣﻔﮭوم اﻟﺗوﺣﯾد و اﺑﻌﺎده ﻋن ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﻌﻣل اﻻﺧرى و‬
‫ﺣﺻره ﻓﻲ داﺋرة اﻻﻋﺗﻘﺎد‪ ،‬و ذﻟك ﻣﻐﺎﯾر ﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﻘرآن؛ اﻟذي ﯾﻼﺣظ ﻓﯾﮫ ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ‬
‫اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ و اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﻏﯾر ﻣﻧﻔﺻﻠﺔ ﻋن ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻹﯾﻣﺎن‪ ،‬ﻻ ﺳﯾﻣﺎ ذﻛر اﻹﯾﻣﺎن ﻣﺗﺑوع ﺑﺎﻟﻌﻣل‬
‫اﻟﺻﺎﻟﺢ ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻵﯾﺎت‪ ،‬و ﻗﺻص اﻻﻧﺑﯾﺎء اﻟﺗﻲ ﯾﺷدد اﻟﻧﺑﻲ ﻓﻲ أوﻟﮭﺎ ﻋﻠﻰ دﻋوة اﻹﯾﻣﺎن و‬
‫ﺗﺻﺣﯾﺢ اﻹﻋﺗﻘﺎد ﺛم ﯾﺧﺎطب اﻟﻘﺿﯾﺔ اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ ﺑﺎﺗﺻﺎل وﺛﯾق ﻣﻊ ﻣﻔﮭوم اﻹﯾﻣﺎن‪ ،‬و ذﻟك واﺿﺢ‬
‫ﻓﻲ ﻗﺻﺔ ﻣوﺳﻰ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻼم‪ ،‬ﻟﻣﺎ ﺟﺎء ﻟﯾﻌﺎﻟﺞ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺷرك اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻋﻧد ﺑﻧﻲ اﺳراﺋﯾل‪ ،‬و ﻓﻲ‬
‫ﻗﺻﺔ ﻟوط اﻟذي ﺟﺎء ﻟﯾﻌﺎﻟﺞ ﻣﺷﻛﻼ أﺧﻼﻗﯾﺎ ﺑﻌﯾﻧﮫ دون اﻧﻔﺻﺎل ﻋن ﻣﻔﮭوم اﻹﯾﻣﺎن‪ ،‬و ﺷﻌﯾب‬
‫اﻟذي ﺧﺎطب اﻧﺣراﻓﺎ اﻗﺗﺻﺎدا دون اﻧﻔﺻﺎل ﻋن ﻗﺿﯾﺔ اﻹﯾﻣﺎن إﻟﻰ آﺧر ﻗﺻص اﻷﻧﺑﯾﺎء ﻓﻲ‬
‫اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻛﻲ ﺗﻛﺎﻣل اﻹﺻﻼح اﻟدﯾﻧﻲ ﻋﺑر ﺗﺎرﯾﺦ اﻹﻧﺳﺎن‪.‬‬
‫اﻷﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻻﺗﺑﺎع‪:‬‬
‫ﯾرﯾد اﻟﺳﻠﻔﯾون ﻣن ھذا اﻷﺻل ﺗﺣﻘﯾق ﻋﻣﻠﯾﺔ اﺗﺑﺎع اﻟﻛﺗﺎب و اﻟﺳﻧﺔ و اﻗﺗﻔﺎء اﺛر ﻛل ﻣن ﺳﺎر ﻋﻠﻰ‬
‫ھذه اﻟطرﯾﻘﺔ و اﻟﻣﻧﮭﺎج ﻛﻣﺎ ﯾﻌﻧون ﺑذﻟك اﻟﺗﻼزم ﻣﻊ ﻋدم اﻻﺑﺗداع و اﻻﺣداث ﻓﻲ اﻟدﯾن‪ ،‬و ﯾﺗﺟﺳد‬
‫ذﻟك ﻓﻲ ﺷﻌﺎر اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن اﻟراﺋﺞ ‪ :‬ﻛﺗﺎب و ﺳﻧﺔ ﺑﻔﮭم ﺳﻠف اﻷﻣﺔ‪ ،‬و ﯾﻼﺣظ ﻋﻠﯾﮫ ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ ﺗﺣت‬
‫ﻋﻧوان ﻣﺷﻛﻼت اﻟﺗﻌرﯾف اﺳﺗﺑطﺎن اﻟﺗﺻدﯾق ﺑوﺟود ﻣﻧﮭﺞ واﺣد ﻓﻲ اﻟﻔﮭم ﻟﻠﻘرآن اﻟﻛرﯾم و اﻟﺳﻧﺔ‬
‫ﻛﺎن ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ و اﻟﺗﺎﺑﻌون‪ ،‬ﻛذﻟك ﯾﻼﺣظ ﻋﻠﯾﮫ أﻧﮫ ﯾﺳﺗﺑطن أن ﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠف ﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ ﻛل‬
‫ﻣﺷﻛﻼت اﻟواﻗﻊ اﻟﺗﻲ ﺗطرأ ﺣﺗﻰ ﺑﻌد اﻧﻘﺿﺎء ﻋﮭد اﻟﺳﻠف و اﻧﻘﺷﺎع اﻟﻘرون اﻟﺧﯾرﯾﺔ اﻟﺛﻼﺛﺔ؛‬
‫ﻓﺎﻻﺗﺑﺎع إن ﻛﺎن ﻟﻛﺗﺎب ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ و ﺳﻧﺗﮫ اﻟﮭﺎدﯾﺔ ﻓﮭذا ﻋﯾن ﻣﺎ ﻧﻘول ﺑﮫ‪ ،‬ﻟﻛن إن ﻛﺎن‬
‫اﺗﺑﺎع اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ و إن ﻟم ﻧﺟد ﻓﺎﻟﺗﺎﺑﻌﯾن و إن ﻟم ﻧﺟد ﻓﺗﺎﺑﻌﯾﮭم ﻓﮭذا ﻗول ﻻ أﺻل ﻟﮫ ﻣن اﻟﻛﺗﺎب‬
‫اﻟذي ﯾﺄﻣرﻧﺎ أن ﻧﺗﻣﺳك ﺑﮭداﯾﺗﮫ ھو و ھداﯾﺔ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ و ﺳﻠم‪ ،‬و ذﻟك ﻋﺎﺋد ﻓﻲ‬
‫اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ إﻟﻰ إﯾﻣﺎﻧﻧﺎ اﻟﻣطﻠق ﺑﺄن اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻣﻧزل ﺻﺎﻟﺢ و ﻗﺎدر ﻹﺻﻼح ﻛل واﻗﻊ ﻣﮭﻣﺎ ﺟدت‬
‫ﻣﺷﻛﻠﺗﮫ و ﺗﺑدﻟت ظروﻓﮫ ﺑﺣﯾث أﺻﺑﺣت ﻏﯾر اﻟظروف اﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ رﺿوان ﷲ‬
‫ﻋﻠﯾﮭم و اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن‪.‬‬
‫اﻻﺻل اﻟﺛﺎﻟث اﻟﺗزﻛﯾﺔ‪:‬‬
‫ﯾُﻘﺻد ﺑﺎﻟﺗزﻛﯾﺔ ﻋﻧد اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن ﺗطﮭﯾر اﻟﻧﻔس وﺣﻔظﮭﺎ ﻣن اﻵﺛﺎم؛ ﻓﻔﻌل اﻟطﺎﻋﺎت و اﻹﻛﺛﺎر ﻣن‬
‫اﻻﻋﻣﺎل اﻟظﺎھرة و اﻟﺑﺎطﻧﺔ ﻣﻣﺎ ﯾراد ﺑﮫ ﺗﺣﻘﯾق ذﻟك اﻻﺻل‪ ،‬و ﯾﻼﺣظ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ ﻓﻲ‬
‫ھذا اﻻﺻل؛ ﺣﺻر اﻟﺗزﻛﯾﺔ ﻓﻲ اﻻطﺎر اﻟﻔردي دون اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺳﻠﻔﯾون ﯾﻌﻣدون إﻟﻰ ﺗزﻛﯾﺔ‬
‫اﻟﻔرد ﺑﺣﯾث ﯾﺻﺑﺢ ھو داﻋﯾﺔ ﻛذﻟك اﻟﻰ ﺗزﻛﯾﺔ اﻻﻓراد‪ ،‬دون أن ﯾرﺳم اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ ﻣﻌﺎﻟم‬
‫ﻧﺗﯾﺟﺔ ھذه اﻟﺗزﻛﯾﺔ و ﺛﻣرﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﻧظﯾم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ؛ ﻧﻌﻧﻲ ﺑذﻟك ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟدوﻟﺔ و اﻟﻣؤﺳﺳﺎت‬
‫اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻣﻧﺎ اﻻﺳﻼﻣﻲ وھﻲ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب ﻣؤﺳﺳﺎت ذات طﺑﯾﻌﺔ ﻋﻠﻣﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﯾﻠﺗﻔت اﻟﻣﻧﮭﺞ‬
‫اﻟﺳﻠﻔﻲ إﻟﻰ ﻧﻘدھﺎ ﻓﻲ ﻣﺷﻛﻼت ھﺎﻣﺷﯾﺔ ﻣﺛل اﻹﺧﺗﻼط ﻓﻲ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ و اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ أو‬
‫اﻟﺳﻌﻲ إﻟﻰ ﻣﻧﻊ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻰ و اﻟﻐﻧﺎء و اﻟﺗﺑرج ﻓﻲ وﺳﺎﺋل اﻹﻋﻼم ﻏﺎﻓﻼ ﺑذﻟك ﻋن اﻷﺛر اﻷﺑﻠﻎ‬
‫ﻟﮭذه اﻟﻣؤﺳﺳﺎت ذات اﻷﺳس اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻣل ﻋن ﻋﻣد ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻣﻧﺔ اﻟﺣﯾﺎة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ؛ ﻓﺎﻟﺳﻠﻔﻲ‬
‫ﻗد ﯾﺳﺗﺷﯾط ﻏﺿﺑﺎ إن رأى ﻓﺗﺎة ﻣﺗﺑرﺟﺔ ﻓﻲ اﻟطرﯾق‪ ،‬ﻟﻛﻧﮫ ﻗد ﯾﻌﺟﺑﮫ ﺷﻛل اﻟﺑﻧك اﻟرﺑوي اﻟﻘﺎﺋم ﻓﻲ‬
‫ذات اﻟطرﯾق ﻣﻊ أن اﺛر اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟدﯾن و اﻹﯾﻣﺎن و اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﯾﻔوق أﺛر اﻷول‬
‫ﺑﺄﺿﻌﺎف ﻏﯾر ﻣﺣﺳوﺑﺔ‪ ،‬و ﯾﻼﺣظ ﻣن ھذا أن اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ ﻣﻧﺻرف إﻟﻰ ﻗﺷور اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ و‬
‫ظواھر اﻟﻣﺷﻛﻼت دون اﻟﻧظر ﺑﻌﻣق ﻓﻲ اﺑﻌﺎدھﺎ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ و آﺛﺎرھﺎ اﻟﺧﻔﯾﺔ‪.‬‬
‫اﻟﺳﻠﻔﯾون و اﻟﮭروب إﻟﻰ اﻟﺧﻠف‪:‬‬
‫ﺗﺗﻔق اﻟﻣﺟﻣوﻋﺎت اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ ﺟﻣﯾﻌﮭﺎ ﻋﻠﻰ أن ﺻﻼح اﻟواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ و اﻹﺳﻼﻣﻲ إﻧﻣﺎ ﯾﻛون‬
‫ﺑﺎﻟرﺟوع إﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻠف‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن اﺧﺗﻼﻓﮭم ﻓﻲ طرﯾق ذﻟك اﻟرﺟوع و ﺻورة‬
‫اﻟرﺟوع ﻛذﻟك‪ ،‬ﻓﺿﻼ ﻋن ان اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ ﯾﺗﺑﻧﻰ رؤﯾﺔ ﻗدرﯾﺔ ﻣﻔﺎدھﺎ أن اﻟواﻗﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻧذ‬
‫ﻋﮭد اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟراﺷدة ﻻ ﺑد و ان ﯾﺳﻠك ﻣﺳﻠﻛﺎ اﻧﺣدارﯾﺎ ﻧﺣو اﻟﺗردي ﻟﻸدﻧﻰ؛ ﻓﺎﻟﻘرون اﻷوﻟﻰ ھﻲ‬
‫ﺧﯾر اﻟﻘرون‪ ،‬و اﻟﻘرون اﻟﻼﺣﻘﺔ ﺷر ﻣن ﺳﺎﺑﻘﺗﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﯾﺑﻠﻎ اﻟﺷر ﺗﻣﺎﻣﮫ ﻓﻲ آﺧر اﻟزﻣﺎن‪ ،‬و‬
‫اﻟواﺿﺢ أن ھذه اﻟرؤﯾﺔ ﺗﺑث روﺣﺎ ﻣﻠؤھﺎ اﻟﻌﺟز و ﻓﻘدان اﻷﻣل ﻓﻲ إﺻﻼح اﻟواﻗﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ و‬
‫ﻟو ﺑﺎﻟرﺟوع إﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻠف اﻟﺻﺎﻟﺢ ﻓﻲ ﺻورﺗﮫ ﻻ ﻓﻲ ﺟوھره‪ ،‬و ﻗد ﺗؤدي ھذه اﻟروح‬
‫إﻟﻰ ﻣﻌﺎداة اﻟواﻗﻊ و ﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﻌﻧف اﻟﻌﺷواﺋﻲ ﺗﺟﺎه ﻣﻛوﻧﺎﺗﮫ ﻛﻣﺎ ﯾظﮭر ذﻟك ﻣن ﺳﻠوك اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن‬
‫اﻟﺟﮭﺎدﯾﯾن و اﺳﺎﻟﯾﺑﮭم ﻓﻲ اﻹﺻﻼح‪ ،‬ﻓﺿﻼ ﻋن أن ھذه اﻟرؤى ﻓﻲ ﻣﺟﻣوﻋﮭﺎ ﺟﻌﻠت ﻣن اﻟﻣﻧﮭﺞ‬
‫اﻟﺳﻠﻔﻲ ﻣﻧﮭﺟﺎ إﻧﻛﻔﺎﺋﯾﺎ ﻣﺎﺿوﯾﺎ ﯾﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﺗﻐﻧﻲ ﺑﺎﻟﻣﺎﺿﻲ و ﯾﺣﯾﺎ ﻓﻲ أﻣﺟﺎده‪ ،‬و اﻓﻘده ذﻟك‬
‫اﻟﺗﻣﺟﯾد ﻟﻠﻣﺎﺿﻲ اﻟﻘدرة اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻗراءة اﻟﺗراث ﻣن أﺟل اﺳﺗﻧﺑﺎط اﻟﻌظﺎت و اﻟﻌﺑر‪ ،‬و أﻓﻘده‬
‫ﻛذﻟك ﻋﺎﻣل اﻟﻣﻌﺎﺻرة اﻟذي ﯾﻣﻛﻧﮫ ﻣن ﻣﺧﺎطﺑﺔ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻵﻧﯾﺔ و ﻧﺻب اﻟﺳﻠﻔﯾون ﻣن‬
‫ﺑﻌد أﻧﻔﺳﮭم ﺣراﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺎرﯾﺦ إﺳﻼﻣﻲ ﻣن أﻓﻌﺎل اﻟﺑﺷر ﻟﯾس ﺑﻣﺷرق ﻛﻠﮫ‪.‬‬
‫إن ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﮭروب إﻟﻰ اﻟﺧﻠف اﻟﺗﻲ ﯾﻣﺎرﺳﮭﺎ اﻟﺳﻠﻔﯾون ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﮭم اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻟﮭﻲ ﺷﺑﯾﮭﺔ إﻟﻰ‬
‫ﺣد ﺑﻌﯾد ﺑﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﯾﻣﺎرﺳﮭﺎ اﻟﺻوﻓﯾون و اﻟﺗﻲ أﺳﻣﯾﻧﺎھﺎ ﺑﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﮭروب إﻟﻰ اﻟداﺧل‪ ،‬و ﻛﻠﺗﺎھﻣﺎ‬
‫آﯾﺳﺗﺎ ﻣن إﺻﻼح اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﺎﺛل ﻟﻣﺎ ﺗراءى ﻟﮭﻣﺎ اﺑﺗﻌﺎده ﻋن ﻣﺛﺎل اﻟدﯾن اﻟﻣرﺟو‪ ،‬ﻓﺎﻧﻛﻔﺄ أھل‬
‫اﻟﺗﻘﻠﯾد ﻣن اﻟﺟﮭﺗﯾن ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﮭم ﻏﯾر آﺑﮭﯾن ﻟﻠواﻗﻊ ﻛﻠﯾﺔ؛ أو ﻣﺷﺗﻐﻠﯾن ﺑﺣﻠول ﻓوﻗﯾﺔ ﻻ ﺗﻛﺎد ﺗﺧﺎطب‬
‫ﺟوھر ﻣﻌﺿﻼت اﻹﺻﻼح و ﻣﻌﯾﻘﺎﺗﮫ؛ إﻧﻣﺎ ﺗﻛﺗﻔﻲ ﺑﺎﻟطرق اﻟﺧﻔﯾف ﻋﻠﻰ أﺑواب اﻟﻔﺳﺎد ﻣﺣﻛﻣﺔ‬
‫اﻟﻐﻠق ﻣﻊ اﻹﺣﺗﻔﺎظ ﺑﺣﺎﻟﺔ ﻓﻘدان اﻷﻣل ﻣن اﻹﺻﻼح اﻟﻌﺎم ﺑﺻورة ﻛﻠﯾﺔ‪.‬‬
‫اﻟﺳﻠﻔﯾون و اﻟواﻗﻊ اﻟﺳوداﻧﻲ‪:‬‬
‫ﺗرﺟﻊ ﺟذور ﺣﺿور اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻓﻲ اﻟﺳودان إﻟﻰ ﺑداﯾﺎت اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن‪ ،‬ﻣﻊ ﺷﯾوخ‬
‫ﻋرب ﺟﺎءوا ﻣن اﻟﺟزﯾرة ﻣﺗﺄﺛرﯾن ﺑﺎﻟدﻋوة اﻟوھﺎﺑﯾﺔ‪ ،‬و ﺗﺗﻠﻣذ ﻋﻠﯾﮭم ﻋدد ﻣن اﻟﺳوداﻧﯾﯾن اﻟذﯾن‬
‫أﺳﺳوا ﻣن ﺑﻌد ﺟﻣﺎﻋﺔ أﻧﺻﺎر اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻣﺣﻣدﯾﺔ‪ ،‬اﻟﺗﻲ ظﻠت ﺣﺗﻰ وﻗت ﻗرﯾب اﻟﻣﻣﺛل اﻷوﺣد ﻟﻠﺗﯾﺎر‬
‫اﻟﺳﻠﻔﻲ ﺑﺎﻟﺳودان‪ ،‬إﻟﻰ أن دﺧﻠت ﺗﯾﺎرات ﺟدﯾدة ﻣﻊ ﺑداﯾﺔ اﻟﺗﺳﻌﯾﻧﺎت ﻓﻲ آﺧر اﻟﻘرن ذاﺗﮫ و اﺧذت‬
‫ﺗﻧﺎﻓس اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﻓﻲ ذﻟك اﻹﻧﺗﻣﺎء‪.‬‬
‫ﻣن اﻟﻣﻌﻠوم أن اﻟواﻗﻊ اﻟﺳوداﻧﻲ واﻗﻊ ﻣﺗﺷرب ﺑﺎﻟﺗﺻوف؛ ﻓﻣﺎ ﻣن ﻗرﯾﺔ ﻣن ﻗراه إﻻ و ﻋﻠﻰ‬
‫رأﺳﮭﺎ وﻟﻲ أو ﺻﺎﻟﺢ‪ ،‬ذﻟك ﺟﻌل اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺳودان ﻣﻧﺻرﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﺳﻣﯾﮫ ھﻲ ب”اﻟﺑدع و‬
‫ﺷرﻛﯾﺎت اﻟﻘﺑور“ ﻓﺎﺳﺗﻐرق ذﻟك ﻣﻧﮭﺎ ﺟﮭدا و طﺎﻗﺔ ﻟم ﯾؤدي إﻟﻰ ﺣدوث ﺗﻐﯾﯾر ﺗﻧﺷده ﺧﺻوﺻﺎ‬
‫أن اﻟﻌﻣل اﻟدﻋوي اﻟﺳﻠﻔﻲ ﻗد اﺳﺗﻣر ﺗﻘرﯾﺑﺎ ﻟﻘرن ﻛﺎﻣل‪ ،‬ﺗطور ﺧﻼل ذﻟك اﻟﻘرن ﻋﻣﻠﮫ ﻣن اﻹطﺎر‬
‫اﻟﺧﯾري و اﻟدﻋوي إﻟﻰ ﺑﻌض اﻟﺗﺣﺎﻟﻔﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻣﻊ اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻟﻛن ظﻠت رؤﯾﺔ‬
‫اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن اﻟﺧﺎﺻﺔ ﻣﺗﻘزﻣﺔ و ﻣﻧﻐﻠﻘﺔ ﺗﺟﺎه اﻟﻌﻣل اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﺗﺣدﯾدا‪ ،‬ﺗﺄﺛرا ﺑﺎﻹﺗﺟﺎه اﻟذي‬
‫ﯾﺣرم اﻟﺗﺣزب اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ و ﻣﻧﺎزﻋﺔ اﻟﺳﻠطﺎن ﺷوﻛﺗﮫ‪.‬‬
‫و ﺑﻣﺎ أن اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﻻ ﺗﺧﺗﻠف ﻋن رﺻﯾﻔﺎﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﻣل ﺑذور اﻹﻧﺷطﺎر اﻟداﺧﻠﻲ؛ ﻓﻘد‬
‫ﺗﻌرﺿت ﻟﻌدة إﻧﻘﺳﺎﻣﺎت ﻣﺗﺗﺎﻟﯾﺔ و ﺣﺎدة‪ ،‬أدى ذﻟك إﻟﻰ ﺗﻔﻛك ﻗدراﺗﮭﺎ و ﺗدﻧﻲ ﺟرأﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻣل‪،‬‬
‫ﻓﺄﺻﺑﺢ اﻟﺳﻠﻔﯾون ﻓﻲ ﻏﺎﻟب أوﻗﺎﺗﮭم ﯾﻣﺛﻠون دور ﻟﻌﺑﺔ اﻟﺧﯾوط اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺻل ﺧﯾوطﮭﺎ ﺑﻘﺑﺿﺔ اﻟدوﻟﺔ‬
‫اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ﻓﺗرﻗص ﺗﺑﻌﺎ ﻟﺣرﻛﺔ اﺻﺎﺑﻌﮭﺎ ﻛﯾف ﺗﺷﺎء‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﺑروز ﺗﯾﺎرات اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ‬
‫اﻟﺟﮭﺎدﯾﺔ إﻻ اﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺗﻌدى اﻟﺟﯾوب اﻟﺻﻌﯾرة ﻏﯾر اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ‪ ،‬ﺧﺻوﺻﺎ أﻧﮭﺎ ﻧﺷﺎت ﻓﻲ ﺑﯾﺋﺔ‬
‫اﻟﺳودان اﻟﺑﻌﯾدة ﻋن اﻟﻌﻧف و اﻟﻣﺎﺋﻠﺔ ﻟﻠﺗﺳﺎﻣﺢ و ﻗﺑول اﻵﺧر‪.‬‬
‫ﻣن ﻗﺻور اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ ﺗوﻟدت رؤﯾﺔ اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن اﻟﻘﺎﺻرة ﻟﻺﺻﻼح ﻓﻲ اﻟﺳودان؛ ﻓﮭم ﯾﺧﺎطﺑون‬
‫ﻣﻧذ ظﮭورھم ﻣﺷﻛﻼ واﺣدا‪ ،‬و ﯾردون إﻟﯾﮫ ﻛﺎﻓﺔ ﻣﺷﻛﻼت اﻟوطن اﻟﻣﺗﻔﺎﻗﻣﺔ‪ ،‬ذﻟﻛم ھو ﺷرﻛﯾﺎت‬
‫اﻟﻘﺑور اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺗﺑرھﺎ اﻟﺳﻠﻔﯾون أس ﺑﻼء اﻟﺳودان‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣﺎ ﻻ ﯾطرف ﺟﻔﻧﮭم ﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾم‬
‫اﻟﺣدﯾث و اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺟن و ﺗﺧﺑز ﻋﻘول أﺟﯾﺎل ﻣن اﺑﻧﺎء اﻟﺳودان و ﺗرﺑﯾﮭﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ و اﻷﻧﺳﻼخ ﻣن رداء اﻟدﯾن ﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬و اﻧﺳﺣب ذﻟك ﻋﻠﻰ ﺗواﺿﻊ وﺻﻔﺗﮭم ﻟﻺﺻﻼح ﻓﻲ‬
‫اﻟﻣﺟﺎل اﻟﻌﺎم ﺑﻣﻧﻊ اﻻﺧﺗﻼط ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻣﻌﺎت و ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟدوﻟﺔ و ﻣﻧﻊ اﻟﺗﺑرج و اﻟﺳﻔور ﻓﻲ‬
‫اﻹﻋﻼم و اﻟﺷﺎرع اﻟﻌﺎم‪.‬‬
‫و ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﺎ ﻧرﯾده ﻣن اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن ھو اﻟﻧظر ﻣن ﺟدﯾد ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟم اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺳﻠﻔﻲ‪ ،‬و ﺗﻘدﯾم رؤﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ‬
‫ﺑﻧﺎءة ﻟﻣﺷﻛﻼﺗﮫ‪ ،‬و اﻹرﺗﻔﺎع ﺑﮫ ﻣن ورطﺔ اﻷﺷﺧﺎص إﻟﻰ ﻣﺻﺎف اﻷﻓﻛﺎر؛ ﻧﻌﻧﻲ ﺑذﻟك ﻓﻛرة‬
‫اﻟدﯾن اﻟﺻﻠﺑﺔ اﻟﻣﺳﺗﻣدة ﻣن وﺣﻲ ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﻣﺑﺎﺷرة‪ ،‬دون ﺗﻣرﯾرھﺎ ﻋﻠﻰ واﻗﻊ ﺳﺎﺑق وﺟﻌﻠﮭﺎ‬
‫ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﮫ و ﻣﻧﻐﻠﻘﺔ ﻓﯾﮫ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻧرﯾد ﻣﻧﮭم اﻹﻧﺗﺑﺎه إﻟﻰ ﻋﻣق اﻟﻣﺷﻛل اﻟذي ﻧﻌﺎﯾﺷﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻲ؛ ﻓﮭو ﻻ ﯾﻧﺣﺻر ﻓﻲ ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻻﺧﺗﻼط و اﻟﻐﻧﺎء و اﻟﺗﺑرج و اﻟﺳﻔور و ﻻ ﺣﺗﻰ ﺷرﻛﯾﺎت‬
‫اﻟﻘﺑور؛ إﻧﻣﺎ ھو ﻣﺷﻛل أﻋﻣق ﺑﻛﺛﯾر‪ ،‬ﻣﺷﻛل أﻣﺔ ﺳُرﻗت ﺛروﺗﮭﺎ اﻟﻣﺎدﯾﺔ و اﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ و طﻣﺳت‬
‫ﻣﻌﺎﻟم ﺣﺿﺎرﺗﮭﺎ اﻟﺑﺎذﺧﺔ‪ ،‬ﻋﺑر ﻣؤﺳﺳﺎت ﻻ دﯾﻧﯾﺔ واﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﺧﺑﯾﺛﺔ‪ ،‬و أﺻﺑﺣت أﻣﺔ ﺗﺎﺑﻌﺔ و‬
‫ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻐﯾرھﺎ ﻣن أﻣم اﻹﺳﺗﻛﺑﺎر و اﻟﺑﻐﻲ ﻻ ﺗﻣﻠك ﻗوﺗﮭﺎ و ﻻ ﻗرارھﺎ‪.‬‬
‫ﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺗوﻓﯾق‪:‬‬
‫اطﻠﻘﻧﺎ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﻘﺳم ﻣن اﻟﻣﻧﺎھﺞ إﺳم ﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺗوﻓﯾق؛ ﻓﮭذه اﻟﻣﻧﺎھﺞ ﻟم ﺗﺟﻌل اﻟﺣل اﻹﺻﻼﺣﻲ‬
‫ﻣﺣﺑوﺳﺎ ﻓﻲ اﻟﺗراث واﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻓﻘط‪ ،‬ﻟﻛﻧﮭﺎ ﻋﻣﻠت ﻋﻠﻰ إﯾﺟﺎد ﺻﯾﻐﺔ وﺳطﻰ ﺗﺣﻔظ ﻓﯾﮭﺎ ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ‬
‫اﻷﺻﯾﻠﺔ ﺑﺗراﺛﮭﺎ اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬و ﻋﻼﻗﺗﮭﺎ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺑﺎﻟواﻗﻊ اﻟﺣﺎﺿر اﻟﻣﺗﻘﻠب‪ ،‬و ﯾﻼﺣظ ﻋﻠﻰ ھذه‬
‫اﻟرؤى و اﻟﻣﻧﺎھﺞ أﻧﮭﺎ ﻛﺛﯾرا ﻣﺎ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻓﺦ اﻟﺗﻠﻔﯾق ﻣن ﺣﯾث إرادﺗﮭﺎ اﻟﺗوﻓﯾق ﺑﯾن ﻣﺎﺿﯾﮭﺎ اﻟﺑﻌﯾد‬
‫و ﺣﺎﺿرھﺎ اﻟﻣﺎﺛل‪ ،‬و ذﻟك ﻋﺎﺋد ﺑﺎﻷﺳﺎس إﻟﻰ ﻣدﺧﻠﮭﺎ ﻟﻺﺻﻼح اﻟذي ﯾﻔﺗرض ﺿﻣﻧﺎ ﺿرورة‬
‫اﻟﻣواءﻣﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﺎﺿﻲ و اﻟﺣﺎﺿر و اﻟﻣزاوﺟﺔ ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻋﻠﻰ أي ھﯾﺋﺔ ﺗﻛون‪ ،‬دون أن ﺗﺟد ﻟﮭذه‬
‫اﻟﻣزاوﺟﺔ أي ﻣﺑررات واﻗﻌﯾﺔ أو ﻣﻌرﻓﯾﺔ و ذﻟك ﺳﯾﺗﺿﺢ ﻣن اﺳﺗﻌراض ﺗﻠك اﻟﻣﻧﺎھﺞ و ﻧﻘدھﺎ‬
‫ﺗﺑﺎﻋﺎ‪.‬‬
‫ﻣﻧﮭﺞ اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪:‬‬
‫ﯾؤرخ ﻟظﮭور اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺑظﮭور ﺟﯾل اﻟﺻﺣوة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻷول‪ ،‬اﻟذي ﻣﺛﻠﮫ‬
‫ﺟﻣﺎل اﻟدﯾن اﻷﻓﻐﺎﻧﻲ و ﺗﻠﻣﯾذه ﻣﺣﻣد ﻋﺑده‪ ،‬أوﻟﺋك اﻟرواد اﻟذﯾن ﻧظروا ﻓﻲ واﻗﻊ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ‬
‫و ﻗﺎﯾﺳوه إﻟﻰ اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐﺎﻟﺑﺔ ﻓﻲ ﻋﮭدھم‪ ،‬ﻓﺎﺳﺗﯾﻘﻧوا ﺑؤس ﺣﺎﻟﮫ و اﻧﻛﺷف ﻟﮭم ﻣدى ذﻟﻛم‬
‫اﻟﺗدھور اﻟذي أﺻﺎب اﻷوﺿﺎع اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓﺎﻧﺣدرت ﺑﻌده ﻣن ﻣﻛﺎﻧﺔ ﻣﺷرﻓﺔ إﻟﻰ أﺧرى ﺳﺣﯾﻘﺔ و‬
‫وﺿﯾﻌﺔ‪ ،‬و ﯾﻼﺣظ ﻋﻠﻰ ﻣﻧﮭﺞ اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ أﻧﮫ ﻣﻧﮭﺞ ﯾﺗﺳم ﺑﺎﻟﻌﻣوﻣﯾﺎت اﻟﻣﻔرطﺔ و‬
‫اﻟﺷﻌﺎرات اﻟﻣﺑﮭﻣﺔ‪ ،‬ﺑﻌﯾدا ﻋن اﻟﺗﻔﺻﯾل و ﺳﺑل اﻟﺗﻧزﯾل إﻟﻰ أرض اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﯾظن اﻟﺑﻌض أن ھذا‬
‫داء اﺻﺎب اﻟﻣدرﺳﺔ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻧذ ﺑواﻛﯾر ﻧﺷﺄﺗﮭﺎ؛ ﻟﻛﻧﮫ ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ ﻟو ﺗﺄﻣﻠﻧﺎه ﻛﺎن‬
‫ﻣطﻠوﺑﺎ ﻣرﺣﻠﯾﺎ‪ ،‬ﻓﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻹﺻﻼح ھﻛذا ﺗﺑدأ ﺑﻌﻣوﻣﯾﺎت ﻣﺑﮭﻣﺔ ﺛم ﻣﺎ ﺗﻠﺑث أن ﺗﺗﺟﺳد ﻓﻲ‬
‫ﻣﺷﺎرﯾﻊ ﻋﻣﻠﯾﺔ و ﺧطط ﻧﺎﻓذة و ﺗﻔﺻﯾﻠﯾﺔ‪ ،‬و ﻟﻌﻠﻧﺎ ﻧرﻛز ﻓﻲ ﻧﻘدﻧﺎ ﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗﻔﺻﯾل و اﻟﺗﻧزﯾل ﺗﻠك‪ ،‬ذﻟك ﻹن اﻟﻣﻘدﻣﺎت اﻟﺗﻲ اﻧطﻠق ﻣﻧﮭﺎ ﺟﯾل اﻟﺻﺣوة ﺣول اﻟﺣل‬
‫اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻟﻣﻌﺿﻠﺔ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺻﺣﯾﺣﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻠﮭﺎ ﻓﻼ ﺳﺑﯾل ﻹﺳﺗﻌﺎدة أﻣﺟﺎد ﻋﺎﻟم اﻹﺳﻼم‬
‫إﻻ ﺑﺎﻟﻌودة إﻟﻰ اﻹﺳﻼم ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺣﯾث ﯾﺷﻣل اﻟﺣﯾﺎة ﺑﻛﺎﻓﺔ ﺷﻌﺎﺑﮭﺎ اﻟﺗﻧظﯾﻣﯾﺔ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ و‬
‫اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ و اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ ‪..‬إﻟﺦ‪ ،‬ﻟﻛن ﻛﯾف ﺗﻛون ھذه اﻟﻌودة؟؟ و ھذا ﻋﯾن ﻣﺎ واﻗﻊ اﻹﺳﻼﻣﯾون ﻓﯾﮫ‬
‫ﺧطﻼ ﻋظﯾﻣﺎ؛ ﺗﺟﻠﻰ ﻓﻲ ﻣﻧﺎھﺟﮭم ﻣن ﺣﯾث ﺑﻧﯾﺗﮭﺎ اﻟﻧظرﯾﺔ و ﺗﻣظﮭراﺗﮭﺎ اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﻛذﻟك‪.‬‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺣرﻛﻲ؛ ﺳﻣﺎﺗﮫ و ﻣﺷﻛﻼﺗﮫ‪:‬‬
‫ﻣر ﺗطور اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻌدة ﻣراﺣل‪ ،‬ﻣﻧذ ﺗﺑﻠور اﻟرؤﯾﺔ‬
‫اﻟﻧظرﯾﺔ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻊ اﻷﻓﻐﺎﻧﻲ و ﻣﺣﻣد ﻋﺑده و رﺷﯾد رﺿﺎ‪ ،‬ﺛم اﻟﺗﺣﻘق اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻣﻊ‬
‫ﺟﻣﺎﻋﺔ اﻹﺧوان ﻓﻲ ﻣﺻر ﻋﻠﻰ ﯾد ﻣؤﺳﺳﮭﺎ اﻹﻣﺎم اﻟﺷﮭﯾد ﺣﺳن اﻟﺑﻧﺎ‪ ،‬ﺛم إﻣﺗدادات اﻟﺣرﻛﺔ‬
‫اﻟﻔﻛرﯾﺔ و اﻟﺗﻧظﯾﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﻧﺗظﻣت اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﺗﻰ أﺻﺑﺣت اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣن أھم‬
‫اﻟﻣﻛوﻧﺎت اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم أﺟﻣﻊ‪ ،‬ﺧﺻوﺻﺎ ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻌﻣل اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻹﺳﻼﻣﯾون‬
‫اﺻﺑﺣوا ﻣﻛوﻧﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن إھﻣﺎﻟﮫ‪ ،‬و رﻗﻣﺎ ﺳﯾﺎﺳﯾﺎ ﺻﻌﺑﺎ ﻓﻲ ﻋدﯾد اﻟﻣﻌﺎدﻻت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺣول اﻟﻌﺎﻟم‪،‬‬
‫و ﻟﻣﺎ ﻟﻠﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣن أھﻣﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ وطﻧﻧﺎ اﻟﺳودان ﻓﺈن اﻟﻘﺳم اﻷﻛﺑر ﻣن ﻋرض وﻧﻘد‬
‫اﻟﻣﻧﺎھﺞ ھذا ﻣﺧﺻص ﻟﻠﺣرﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬و ﺑدأﻧﺎ ﺑﻧﻘد ﺳﻣﺎت اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﻌﺎﻣﺔ؛ ﺧﺻوﺻﺎ ﺗﻠك‬
‫اﻟﺗﻲ ﺳﺎھﻣت ﻓﻲ إﺑراز ﻋﺟزه ﻋن إﺟﺎﺑﺔ اﻟﺳؤال اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺣرﻛﻲ و أدب اﻟﻣراﻓﻌﺎت‪:‬‬
‫إﺳﺗﻐرﻗت ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻌﻣوﻣﯾﺎت ھذه وﻗﺗﺎ أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﺗﺳﺗﺣق ﻓﻲ ﺳﻠم ﺻﻌود اﻟﺣرﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ؛‬
‫ﻓﺎﻟﻣﺟﮭود اﻟﺣرﻛﻲ ﺑﻌد ﺟﯾل اﻟﺻﺣوة اﻷول ﻋﺎد ﻣرة أﺧرى إﻟﻰ ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﮭﺗﺎف اﻟﻌﺎم و اﻟﻣراﻓﻌﺔ‬
‫اﻟﺑراﻗﺔ‪ ،‬ﻣﻛﺎن ان ﯾﻧزل إﻟﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺧطط اﻟﺗﻔﺻﯾﻠﯾﺔ و اﻟﺗدﺑﯾرات اﻹﺟراﺋﯾﺔ اﻟﺻرﯾﺣﺔ‪ ،‬ﻓﻔﻲ‬
‫ﻋﻘدي اﻟﺳﺗﯾﻧﺎت و اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﺎت ﻣن اﻟﻘرن اﻟﻣﺎﺿﻲ – وھو ﺗﺎرﯾﺦ ﻣﺗﺄﺧر ﻋن ﺟﯾل اﻟﻣﺻﻠﺣﯾن‬
‫اﻷواﺋل– ﺷﺎع ﻓﻲ اوﻟﺋك اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن اﻟﻔﻛر اﻹطﻼﻗﻲ اﻟﻌﺎم اﻟذي ﯾﻧﺷﻐل ﺑﺗردﯾد اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﺟﻠﯾﻠﺔ‬
‫دون اﻹﻟﺗﻔﺎت إﻟﻰ اﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺧدم ﺗﻠك اﻟﻣﺑﺎدئ‪ ،‬و ﻛﺎن ﻟﮭذا اﻟﻧزوع أﺛره اﻟﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ‬
‫ﻋوز اﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ أو ﺿﺂﻟﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑل ﻋظﯾم اﻻﺑﺗﻼءات اﻟﺗﻲ واﺟﮭﮭﺎ اﻹﺳﻼﻣﯾون أﻧﻔﺳﮭم‪،‬‬
‫وھذا ﻣﻣﺎ ﻻ ﯾﺳﻊ اﻟﻣﻘﺎم ﻟذﻛره ﻣن ﺷدة ﻛﺛرﺗﮫ و ﻣرارﺗﮫ ﻓﻲ اﻟوﻗت ذاﺗﮫ‪.‬‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺣرﻛﻲ و أ ُﺣﺎدﯾﺔ اﻟﻣدﺧل اﻹﺻﻼﺣﻲ‪:‬‬
‫ﻣﮭﻣﺎ ادﻋت اﻟﺣرﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ أﻧﮭﺎ ﺗﻌﺗﻣد ﻣﺑدأ اﻟﺷﻣول ﻓﻲ ﺷﻌﺎراﺗﮭﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ؛ ﻓذﻟك ﻻ ﯾﺧﻔﻲ‬
‫اﺳﺗﻐراق ﺗﻠك اﻟﺣرﻛﺎت ﻓﻲ اﻟﻌﻣل اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ذي اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﮭﻠﻛﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗﻧزف ﺟﮭدا و وﻗﺗﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﻐﯾن ﻣن طﺎﻗﺔ اﻟﺣرﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ‪ ،‬و ﻟﻌل ﻣﻧﺑﻊ ذﻟك ﻣن ﺧط ِﺄ اﻟﺗﺷﺧﯾص اﻷول ﻟﻣﻌﺿﻠﺔ‬
‫اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺑوﺻﻔﮭﺎ –ﻋﻧد اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن– ﻣﻌﺿﻠﺔ ”ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ“ ﺳﺑﺑﮭﺎ ﻓﻘدان اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‬
‫و اﺳﺗﺧﻼف ﺣﻛوﻣﺎت ﻣﺎ ﺑﻌد اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻛم ﺑﻐﯾر ﻣﺎ اﻧزل ﷲ‪ ،‬و اﻟﻣﻼﺣظ ﺗﺷﺎﺑﮫ ھذه‬
‫اﻟرؤﯾﺔ ﻣﻊ رؤﯾﺗﻲ اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة و اﻟﺻوﻓﯾﺔ‪ ،‬و اﻟﻠﺗﯾن ﺗﻠﺧﺻﺎن اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺷرك و اﻟﻔﺳﺎد‬
‫ﺗﺑﺎﻋﺎ‪ ،‬و اﻟﻛل ﺑﻼ اﺳﺗﺛﻧﺎء ﯾﻌﺗﻣد ﻣدﺧﻼ إﺻﻼﺣﯾﺎ ﯾواﻓﻲ ذﻟك اﻟﺗﺷﺧﯾص اﻟذي اﻓﺗرض اﺑﺗداءً‪ ،‬و‬
‫اﻟﺣق إن اﻟﻣدﺧل اﻹﺣﺎدي ﻟﻺﺻﻼح ﯾﺟﻌل ﻣن ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻹﺻﻼح ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗﺟزﯾﺋﯾﺔ‪ ،‬ﻣﺗﻘزﻣﺔ‬
‫وﻗﺎﺻرة ﻋن إدراك ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻹﺻﻼﺣﻲ‪.‬‬
‫و ﻟﻣﺎ ﯾﻌﺗﻣده اﻹﺳﻼم ﻣن ﻣﺑدإ اﻟﺷﻣول اﻟذي ﻻ ﯾﺟزئ اﻟﺣﯾﺎة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ؛ ﻓﺈن ﻛل ﻣﻧﮭﺞ إﺻﻼﺣﻲ‬
‫ﯾﻧﺑﻐﻲ ان ﯾﺗﺣﻠﻰ ﺑذﻟﻛم اﻟﻣﺑدأ‪ ،‬و ﺑﻧظر ﻋﻣﯾق ﻟﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻧﺟد اﻧﮭﺎ ﻣﺷﻛﻠﺔ ذات‬
‫طﺑﯾﻌﺔ ﻣرﻛﺑﺔ‪ ،‬ﯾﺗداﺧل ﻓﯾﮭﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻣﻊ اﻹﻗﺗﺻﺎدي و اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ و اﻟﻔﻧﻲ و اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﻲ و اﻟﻣﻌرﻓﻲ‪ ،‬و‬
‫ﺑﺗﻌﻘد ذﻟك اﻟﺗرﻛﯾب ﻓﯾﻧﺑﻐﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻹﺻﻼﺣﻲ أن ﯾﻛون ﻣرﻛﺑﺎ –ﻛذﻟك– ﺗرﻛﯾﺑﺎ ﯾواﻓﻲ ﺗﻌﻘﯾد‬
‫ﺗﻠك اﻟﻣﺷﻛﻼت و ﯾﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺣﻠﺣﻠﺗﮭﺎ ﺑﻧﺟﺎﻋﺔ‪ ،‬و واﺿﺢ أن ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻻ ﯾﻣﻛن‬
‫ﺣﺻرھﺎ ﻓﻲ اﻟﺣﻛم ﺑﻐﯾر ﻣﺎ اﻧزل ﷲ او ﺷرﻛﯾﺎت اﻟﻘﺑور أو ﻓﺳﺎد اﻟﻧﻔوس‪ ،‬وﻛل ھذه ﺗﺑدو‬
‫اﻋراض ﻟﻣﺷﻛل اﻋﻣق ﺑﻛﺛﯾر‪ ،‬وھو اﻟﻌﺟز ﻋن اﻟﺗﻌﺎطﻲ ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ اﻟﺣﺿﺎري اﻟﺟدﯾد ﺑﻣﺎ ﺗﺗطﻠﺑﮫ‬
‫اﺣﺗﯾﺎﺟﺎت ذﻟك اﻟواﻗﻊ‪.‬‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺣرﻛﻲ و إﺟﻼل اﻟﺗﻧظﯾم‪:‬‬
‫ﻻ ﯾﻐﯾب ﻋن واﺣد ﻣن اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن أن ﻗﯾﻣﺔ اﻟﺗﻧظﯾم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﺣددة ﺑوﺻﻔﮫ وﺳﯾﻠﺔ ﺗﺣﻘﯾق اﻟﻣﺑدأ‬
‫اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ و ﺗﻧزﯾﻠﮫ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﻟﻛن ﯾﻼﺣظ أن ﻏﺎﻟب اﻟﺣرﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ وﻗﻌت‬
‫ﺿﺣﯾﺔ ﺗﺑﺟﯾل و إﺟﻼل اﻟﺗﻧظﯾم ﺑﺣﯾث ﺗﺣول اﻟﺗﻧظﯾم إﻟﻰ ﻏﺎﯾﺔ ﻓﻲ ذاﺗﮫ‪ ،‬و ﺳﺎھم ذﻟك ﻓﻲ ﺑﻠورة‬
‫ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺟﻣود اﻟﺗﻧظﯾﻣﻲ اﻟﺗﻲ ﻻ زاﻟت ﺗراوﺣﮭﺎ ﺑﻌض اﻟﺣرﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ؛ ﻓﻛﺛﯾر ﻣﻧﮭﺎ أﺧذ‬
‫ﯾﺑﺟل اﻷﺷﻛﺎل و ﯾﻌظم اﻟﺻور و ﯾﺿﺣﻲ ﻓﻲ ﺳﺑﯾل ذﻟك ﺑﺎﻟﻣﺑﺎدئ و اﻟﻘﯾم اﻟﺗﻲ ﻣن أﺟﻠﮭﺎ أ ُ ﻧﺷﺊ‬
‫اﻟﺗﻧظﯾم ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬و ﻣﻛﻣن ذﻟك اﻟداء ھو اﻋﺗﻣﺎد اﻟﻣدﺧل اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻟﻺﺻﻼح ﺑوﺻﻔﮫ ﻣدﺧﻼ أﺣﺎدﯾﺎ‬
‫ﯾُﻌظم ﻣن ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻛﺳب اﻟﺗﻧظﯾﻣﻲ و اﻟﺣﺷد اﻟﺗﻌﺑوي و ﺣﺻد اﻷﺻوات اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﯾﺔ و ﻣﺣﺎﻛﺎة‬
‫اﻷﺣزاب و اﻟﺗﻧظﯾﻣﺎت اﻟﺣدﯾﺛﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘﯾس ﻛﺳﺑﮭﺎ اﻟﻌﺎم ﺑﻌدد ﻣﺎ ﺗﺣﺻده ﻣن اﺻوات اﻟﻧﺎﺧﺑﯾن و‬
‫اﻟﻣؤﯾدﯾن‪ ،‬ذﻟك ﺟﻌل ﻣن ﺗﻧظﯾﻣﺎت اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺻورا و ھﯾﺎﻛل ﺟﺎﻣدة ﻻ ﺗﺗﺟدد ﺑﺗﺟدد‬
‫ﺣﺎﺟﺎت زﻣﺎﻧﮭﺎ و ﻣﻛﺎﻧﮭﺎ و أﻓﻘد ﻣﻧﮭﺟﮭﺎ ﻋﺎﻣل اﻟﻣواﻛﺑﺔ اﻟذي ھو ﺷرط ﻧﺟﺎﻋﺔ اﻟﻣﻧﮭﺞ ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻣﻘدﻣﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺣرﻛﻲ ﺑﯾن ﻣﺣورﯾﺔ اﻟﺷﯾﺦ اﻟﻘﺎﺋد و ھﯾﻣﻧﺔ اﻟﺟﯾل اﻟﻣؤﺳس‪:‬‬
‫ﻛﺛﯾرا ﻣﺎ ﯾﺣﺗﻔﻲ اﻹﺳﻼﻣﯾون ﺑﺷﯾﺦ أو ﺟﯾل ﺷﯾوخ ﻓﻲ أول ﻋﮭد ﺗﻧظﯾﻣﮭم ﯾﻧﺳب إﻟﯾﮭم ﻓﺿل‬
‫اﻟﺗﺄﺳﯾس و إﺑداء اﻟﻣﺑﺎدرة‪ ،‬و ھذا ﺑﺣد ذاﺗﮫ ﻻ ﺑﺄس ﺑﮫ‪ ،‬ﻟﻛن ﻟﻣﺎ ﯾﺗﺣول اﻷﻣر إﻟﻰ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗﻘدﯾس و‬
‫ﺗﺑﺟﯾل‪ ،‬ﺛم وﻗوف ﻋﻧد ﻣﺣطﺔ اﻟﺗﺄﺳﯾس اﻷوﻟﻰ دون اﻟﻧظر إﻟﻰ ﻣﺎ ﺑﯾن ﯾدي اﻟﺗﻧظﯾم ﻣن اﺑﺗﻼء‬
‫ﺟدﯾد ﻻ ﯾﻣﺎﺛل اﺑﺗﻼء ﺟﯾل اﻟﺗﺄﺳﯾس؛ ﯾﻔﻘد اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻹﺻﻼﺣﻲ ﺳﻣﺔ ھﺎﻣﺔ ﻣن ﺳﻣﺎﺗﮫ و ھﻲ‬
‫اﻹﺳﺗﻣرارﯾﺔ‪ ،‬ﻷن ﺗﻠك اﻟﺗﻧظﯾﻣﺎت –ﻛﻣﺎ ھو ﻣﺷﺎھد و ﻣﻌﻠوم– ﻟﻣﺎ ﺗﻔﻘد ذﻟك اﻟﺷﯾﺦ اﻟﻘﺎﺋد أو اﻟﺟﯾل‬
‫اﻟﻣؤﺳس ﺑﺳﺑب اﻟوﻓﺎة ﺳﻧﺔ ﻣﺎﺿﯾﺔ ﻓﻲ ﺧﻠق ﷲ؛ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﺿطرب و ﺗرﺗﺑك ارﺗﺑﺎﻛﺎ ﻣﻛﻠﻔﺎ‪ ،‬ذﻟك‬
‫ﻷﻧﮭﺎ ﺟﻌﻠت آﺻرﺗﮭﺎ اﻟراﺑطﺔ ﺑﯾن ﻋﺿوﯾﺗﮭﺎ اﻟوﻻء ﻟﻠﺷﯾﺦ أو ﺟﯾل اﻟﺷﯾوخ دون اﻟوﻻء ﻟﻠﻣﻧﮭﺞ‬
‫اﻟراﺳﺦ‪ ،‬و ﺗﺻﺑﺢ ﺑذﻟك ﻋرﺿﺔ ﻟﻺﻧﻘﺳﺎم و اﻟﺗﻔرق و اﻟﺗﺷرذم و ذھﺎب اﻟرﯾﺢ‪ ،‬و ﻣﮭﻣﺎ ﺣﺎوﻟت‬
‫اﻟﺣرﻛﺎت أن ﺗﺗﺟﻧب ھذا اﻟﻣﺄزق ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻋرﺿﺔ ﻷن ﺗﻔﺷل‪ ،‬إﻻ أن ﺗﺑدل ﻣﻧﮭﺟﮭﺎ و ﺗﻌﻠﻲ ﻣن ﻗﯾﻣﺔ‬
‫اﻟوﻋﻲ ﺑﺎﻟزﻣﺎن و اﻟﻣﻛﺎن و ﺗﺳﺗﺟﯾب ﻟﻛل اﺑﺗﻼء ﺟدﯾد ﺑﻣﺎ ﯾﻛﺎﻓﺋﮫ‪ ،‬ﻏﯾر طرﯾﻘﺗﮭﺎ اﻟﺗﻲ ﺗﺷﺑﮫ‬
‫طرﯾﻘﺔ اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن اﻟﻣﺎﺿوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺟﺗر أدوﯾﺔ اﻟﻣﺎﺿﻲ ﻟﺗﻌﺎﻟﺞ أدواء اﻟﺣﺎﺿر‪.‬‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺣرﻛﻲ و اﻹﺳﺗﻐراق ﻓﻲ اﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻟﻔردﯾﺔ‪:‬‬
‫ﺷددت اﻟﺣرﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺑدأ اﻟﺷﻣول‪ ،‬و اﻟذي ﺑدوره ﻣﺳﺗﻣد ﻣن رؤﯾﺔ‬
‫اﻹﺳﻼم ﻟﻺﻧﺳﺎن و اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ﻓﺎﻟﺗوﺣﯾد اﻟذي ھو ﻋﻣود اﻹﺳﻼم ﻓﻲ أھم ﻣﻌﺎﻧﯾﮫ ھو ﺻرف اﻟﺣﯾﺎة‬
‫ﺟﻣﯾﻌﺎ ﺗﻌﺑدا ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﺑﻼ ﺷرﯾك‪ ،‬ﻟﻛن اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟذي اﻋﺗﻣدﺗﮫ اﻟﺣرﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﺳﺑﯾل‬
‫إدراك ﺗﻠك اﻟﻐﺎﯾﺔ ﻗد ﺗﻘﺎﺻر ﺑﺎﻟﺣرﻛﺎت ﻋن إدراﻛﮭﺎ‪ ،‬و ھو ﻣﻧﮭﺞ ﺗرﺑﯾﺔ اﻟﻔرد اﻟذي ﯾﺷﻛل اﻷﺳرة‬
‫و اﻟﺗﻲ ﺗﺷﻛل ﺑدورھﺎ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟذي ﯾﺷﻛل اﻷﻣﺔ؛ ﻓﺄﺻﺑﺢ ﻏﺎﻟب ھم اﻟﺗرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺣرﻛﺔ ﻣوﺟﮫ‬
‫إﻟﻰ ﺧوﯾﺻﺔ اﻟﻔرد و ﺗزﻛﯾﺔ ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬دون اﻟﻧظر إﻟﻰ ﺣﺎل اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺳﻠك ﻓﯾﮭﺎ ذﻟك‬
‫اﻟﻔرد ﺑﻌد إﺻﻼﺣﮫ‪ ،‬إذ ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻣؤﺳﺳﺎت و ﺑﻧﯾﺗﮭﺎ اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ﻣﺎ ھو ﻛﻔﯾل ﺑﺈﻓﺳﺎد ﻛل ﺻﺎﻟﺢ‪ ،‬و ﻗد‬
‫ﯾظن ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻧﻔس أﻧﮫ ﺣﺎﻓظ ﻟﺻﻼﺣﮫ ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾﻌﻣل ﻓﻲ ﻣؤﺳﺳﺔ ﺗﻔﺳد واﻗﻌﮫ ﺑرﻣﺗﮫ‪ ،‬و اﻹﻧﺻراف‬
‫إﻟﻰ ﺣﺎل اﻟﻧﻔس ﺷﺎﺑﮭت ﻓﯾﮫ اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟطرق اﻟﺻوﻓﯾﺔ إﻟﻰ ﺣد ﺑﻌﯾد‪ ،‬ﻓوﻗﻌت ﻛذﻟك ﻓﻲ‬
‫داء اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ اﻟﺧﻔﻲ اﻟذي ﯾﻔﺻل اﻷﺧﻼق اﻟﻔردﯾﺔ ﻋن اﻷطر اﻟﻣؤﺳﺳﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺣرﻛﻲ و دﻋوى اﻟﻔﻘﮫ اﻟﻣﺗﻔرد‪:‬‬
‫ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺣرﻛﺎت اﻻﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﺗﺑﺗدر ﻣﻘدﻣﺔ ﻣﻧﮭﺟﮭﺎ ﺑﺎﻹﺷﺎرة ﻟﺿﻌف ﻣﻧﺎھﺞ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‬
‫اﻟﻣوروﺛﺔ ﻣن ﺣﯾث ﻗدرﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟواﻗﻊ اﻟﺟدﯾد‪ ،‬و إذا ﻛﺎن اﻹﺳﻼم ﻣﺑدأ ﯾﺻﻠﺢ ﻟﻠﺗﻔﺎﻋل‬
‫ﻣﻊ ﻛل زﻣﺎن و ﻣﻛﺎن ﻓﺈن اﻟﻛﯾﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺟﻠﻰ ﺑﮭﺎ ذﻟك ذﻟك اﻟﺗﻔﺎﻋل ﺗﺧﺗﻠف ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻻزﻣﻧﺔ و‬
‫اﻻﻣﻛﻧﺔ‪ ،‬و ﻣن ﺣﯾث أرادت اﻟﺣرﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣن ھذه اﻟﻣﻘدﻣﺔ أن ﺗﻛون ﻟﮭﺎ ﻋوﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﺑﺗداع‬
‫ﻣﻧﮭﺟﮭﺎ اﻟﺟدﯾد؛ أﺻﺑﺣت ھذه اﻟﻣﻘوﻟﺔ ﺗُردد ﺑﻛﺛﺎﻓﺔ ﻟﻣﺎ ﯾرﯾد ﻣﻧﺳوﺑو ﺗﻠك اﻟﺣرﻛﺎت ﺗﺑرﯾر ﻓﺷل‬
‫ﻣﻧﺎھﺟﮭم و اﻻﻋﺗذار ﻋن أﺧطﺎﺋﮭم اﻟﺟﺳﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﺎﻋﻠﮭم ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺣﺎﺿر؛ ﻓﻛﺛﯾر ﻣن‬
‫ﻗﺎدة ﺗﻠك اﻟﺣرﻛﺎت ﻟﻣﺎ ﯾﺳﺄﻟون ﻋن أﺳﺑﺎب ﻓﺷﻠﮭم ﯾردون اﻷﻣر ﺑرﻣﺗﮫ إﻟﻰ ﺿﻌف اﻟﻣوروث‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻲ و ﺧﻠوه ﻣن اﻟﺗﺟﺎرب اﻟﻧﺎﺟﻌﺔ ﻓﻲ اﻹﺻﻼح‪ ،‬و ﺗطﺎول اﻟﻌﮭد ﺑﺂﺧر اﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﻧﺎﺟﻌﺔ‬
‫وھو ﻣﻧﮭﺞ اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟراﺷدة و اﻟذي ﺗﻼﺷﻰ ﻣﻧذ ﻗﯾﺎم اﻟدوﻟﺔ اﻷﻣوﯾﺔ ﺑُﻌﯾد اﻟﻔﺗﻧﺔ اﻟﻛﺑرى‪.‬‬
‫و ﻟﻌل اﻟدﻋوى ھذه ﻻ ﺗﻌﻔﻲ اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن ﻣن اﻟﻣﺳﺋوﻟﯾﺔ اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ و اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ ﺗﺟﺎه ﻣﺎ واﻗﻌوه ﻣن‬
‫ﻣﺷﻛﻼت؛ ﻷن اﻟﺳﺑب اﻷﺳﺎس ﻓﯾﮭﺎ ھو ﻋوار ﻣﻧﮭﺟﮭم و اﺿطراب ﺑﻧﯾﺗﮫ اﻟﻧظرﯾﺔ و اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ‪ ،‬ذﻟك‬
‫ﻷن اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن ﻟﻣﺎ طرﺣوا ﻣﺷروﻋﮭم اﻟﻣﺑﺷﱢر ﺑﺎﻧﻔراج ﻛرﺑﺔ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻛﺎﻧوا ﯾدرﻛون‬
‫ﺳﻠﻔﺎ ﺿﻌف ذﻟك اﻟﻣوروث اﻟﻔﻘﮭﻲ و اﻟﻣﻌرﻓﻲ و ﺗواﺿﻊ ﻗدراﺗﮫ اﻟﺗﻲ ﻣﺎ ﺗﺳﻌﻔﮫ ﻟﺣل ﻣﺷﻛﻼت‬
‫اﻟﺣﺎﺿر‪ ،‬و ﻛﺎن ﯾﻧﺑﻐﻲ ﻋﻠﯾﮭم إذ ذاك إﯾﺟﺎد اﻟﺻﯾﻐﺔ اﻟﻣﻼﺋﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺻﻠﺢ ﻓﻌﻼ ﻟﺗدارك ذﻟك اﻟﺧﻠل‬
‫اﻟذي ﻟﺣق ﺑﺎﻟﻣوروث ﻓﺄﻗﻌده ﻋن وظﯾﻔﺗﮫ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﺑﻌض ﻣﺣﺎوﻻت اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن اﻟﻘﻠﯾﻠﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻣﺿﻣﺎر ”ﺗﺟدﯾد اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ“ إﻻ أن اﻟﻔﻘﮫ اﻟﺟدﯾد ﻧﻔﺳﮫ ﻟم ﯾﺧرج ﻣن إطﺎر اﻟﻌﻣوﻣﯾﺎت اﻟﻠﻔظﯾﺔ‬
‫و اﻟﻘواﻋد اﻷﺻوﻟﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ اﺑﺗُدﻋت ﻟﺗواﻓﻲ ﺣﺎﺟﺎت ﻋﺻر ﺑﻌﯾﻧﮫ‪ ،‬و ظل ﻓﻘﮫ اﻟﺣرﻛﺎت‬
‫ﺟﻣﯾﻌﺎ –ﻛﻔﻘﮫ ﺳﺎﺑﻘﯾﮭم– ﯾﻼﺣق أﺣداث اﻟزﻣﺎن اﻟﻣﺗﺳﺎرﻋﺔ و ﯾﻠﮭث ﺧﻠﻔﮭﺎ ﺑﺎﻟﻔﺗوى‪ ،‬دون أن‬
‫ﯾﺻﻧﻊ ﺑذاﺗﮫ ﺣدﺛﺎ واﺣدا ﯾﻌﺑر ﻋن ﺟوھر اﻟﺗدﯾن ﺑﺑﻧﺎء اﻟﺳﻧن ﻛﻣﺎ ﺳﯾﺗﺿﺢ ﻣن ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﻻﺣﻘﺎ‪.‬‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ‪:‬‬
‫ﺗﻣﯾزت اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﯾرھﺎ ﻣن ﺣرﻛﺎت اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻛل ﺷﻲء ﺣﺗﻰ‬
‫ظروف اﻟﻧﺷﺄة؛ ﻓﺎﻟﺣرﻛﺔ ﻟم ﺗﻧﺷﺄ ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﺟﻣﺎﻋﺔ دﯾﻧﯾﺔ ﺗواﺟﮫ ﺣﺎﻟﺔ اﻧﺳﻼخ اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻋﺎم ﻋن‬
‫ﻗﯾم اﻟدﯾن اﻹﺳﻼﻣﻲ و ﺗرﯾد ﺑذل اﻟوﺳﻊ ﻓﻲ ﺳﺑﯾل رد اﻟﻧﺎس إﻟﻰ ﺟﺎدة اﻟطرﯾق ﻋﺑر إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺗﻧظﯾم‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑوﺻﻔﮫ ﻣؤﺳﺳﺔ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻔﺎﺳدة و اﻟﻣﻧﺳﻠﺧﺔ ﺗﻠك‪ ،‬و اﻟذي ﯾﺗطﻠب‬
‫ﺑدوره إﺗﺑﺎع ﻣﻧﮭﺞ ﺗزﻛوي ﺗرﺑوي ﻓرداﻧﻲ ﯾﻌﻣل ﻋﻠﻰ إﻋداد اﻷﻓراد ﻣن أﺟل إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺗﻧظﯾم و‬
‫اﻟذي ﺳﯾ ﻣﺎرس ﺑدوره اﻟﻌﻣل اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‪ ،‬ﺑل اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﻧﺷﺄت ﻧﺷﺄةً‬
‫ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻣﺑﺎﺷرة ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﺟﻣﺎﻋﺔ ”ﺿﻐط ﺳﯾﺎﺳﻲ“ ﺗﺳﻌﻰ ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟدﺳﺗور اﻹﺳﻼﻣﻲ و ﺗﺳﺗﻌﻣل ﻓﻲ‬
‫ﺳﺑﯾل ذﻟك ﻛل اﻟﻣﺗﺎح اﻣﺎﻣﮭﺎ؛ ﻣن ﺗﻧظﯾﻣﮭﺎ اﻟﺧﺎص‪ ،‬ﻋﺎﻣﺔ اﻟﺷﻌب‪ ،‬زﻋﻣﺎء اﻟﻘﺑﺎﺋل‪ ،‬ﺳﺎدة اﻟطرق‬
‫اﻟﺻوﻓﯾﺔ‪ ،‬زﻋﻣﺎء اﻟطواﺋف اﻟدﯾﻧﯾﺔ و ﻛل ﻣﺎ ﯾﻣﻛن إﺳﺗﻌﻣﺎﻟﮫ‪ ،‬و اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﻣﻧذ ﻣﺳﻣﺎھﺎ‬
‫اﻷﻗدم )ﺣرﻛﺔ اﻟﺗﺣرر اﻹﺳﻼﻣﻲ( ﻛﺎﻧت دواﻋﻲ ﻧﺷوءھﺎ ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺑﺎﻷﺳﺎس؛ ﻓﺎﻟظرف اﻹﺳﺗﻌﻣﺎري‬
‫و اﻟﻣد اﻟﯾﺳﺎري اﻟﻣﺎرﻛﺳﻲ ﻛﺎﻧﺎ اﻟﻌﺎﻣﻠﯾن اﻟداﺧﻠﯾﯾن أﻷﺑرز ﻓﻲ ﺑﻠورة ﻣﺷروع اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ و‬
‫اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻓﻲ ﺑواﻛﯾره‪.‬‬
‫أﺛر اﻟﻧﺷﺄة ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﮭﺞ‪:‬‬
‫ﻛﺎن ﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﺷﺄة اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺣرﻛﺔ اﻷﺛر اﻟﺑﺎﻟﻎ اﻟذي ﺟﻌل ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ ﺗظﮭر ﻓﻲ ﻏﺎﻟب ﺗﺎرﯾﺧﮭﺎ‬
‫ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﺣزﺑﺎ ﺳﯾﺎﺳﯾﺎ‪ ،‬ﯾﻣﺎرس اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ ﻛﯾﻔﻣﺎ ﺗﻣﺎرﺳﮭﺎ اﻷﺣزاب اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث ﻣﯾﻠﮭﺎ إﻟﻰ‬
‫اﻟﻣﺿﺎﻏطﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟﯾوﻣﯾﺔ و اﻟﺗﻧﺎﻓس اﻟﻣﺣﻣوم ﺣول اﻟدواﺋر اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﯾﺔ و اﺗﺣﺎدات اﻟطﻼب ﻓﻲ‬
‫اﻟﺟﺎﻣﻌﺎت و اﻟﻣﻧﺎﻓﺳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻘﺎﺑﺎت و اﻟﻘطﺎﻋﺎت اﻟﻔﺋوﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪ ،‬و ﺟﻌﻠت ﻛﺳﺑﮭﺎ ﯾﻘﺎس وﻓﻘﺎ‬
‫ﻟﺗﻠك اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر؛ ﻓﺈن ﺧﺻوم اﻟﺣرﻛﺔ ﻋﻧد ﻧﺷﺄﺗﮭﺎ ﻛﺎﻧوا ﻣن اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﯾن اﻟﯾﺳﺎرﯾﯾن و ﻟﯾﺳوا ﺟﻣﺎﻋﺔ‬
‫اﻟطرق اﻟﺻوﻓﯾﺔ أو اﻟﻔﻘﮭﺎء اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﯾن أو اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن أو زﻋﻣﺎء اﻟطواﺋف اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أﻧﮭﺎ‬
‫ﺣرﻛﺔ ﺗﺟدﯾدﯾﺔ‪ ،‬و ﺗﺑﻌﺎ ﻟذﻟك أﻧﺷﺄت اﻟﺣرﻛﺔ ﺗﻧظﯾﻣﮭﺎ اﻷوﺳﻊ و ﺑﻧت ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺗﺣﺎﻟﻔﺎﺗﮭﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ و‬
‫اھﺗﻣت ﺑﺎﻟﻛﺳب اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟﻛﻣﻲ‪ ،‬و ﻛﺎن ﻻ ﺑد ﻟﮭﺎ أن ﺗﺿﻊ اﻷﺳﺎس اﻟﻧظري اﻟذي ﯾﺳﻌﻔﮭﺎ ﺑﮭﻛذا‬
‫ﺗداﺑﯾر ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺻرﻓﺔ؛ و ﻛﺎن ذﻟﻛم اﻷﺳﺎس اﻟﻧظري ھو اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﻔﻘﮭﻲ اﻷﺻوﻟﻲ اﻟﻣﻘﺎﺻدي‬
‫اﻟﻣﺳﺗﻣد ﻣن اﻟﻣدوﻧﺔ اﻟﻔﻘﮭﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ و ﺷﻛل ﺑدوره –ﻣﻊ اﻹﺳﮭﺎم اﻟﺗﺟدﯾدي– اﻷﺳﺎس اﻟﻧظري‬
‫اﻷﻛﺛر أھﻣﯾﺔ و اﻟذي ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺣرﻛﻲ ﺑرﻣﺗﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﺷرح اﻷﺳﺎس اﻟﻧظري ﻟﻠﻣﻧﮭﺞ اﻟﺣرﻛﻲ اﻟﺳوداﻧﻲ‪:‬‬
‫ﻣن اﻹطﻼع ﻋﻠﻰ ﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﯾﺗﺿﺢ أﻧﮭﺎ اﻋﺗﻣدت ﻣداﺧل اﺻول اﻟﻔﻘﮫ و‬
‫ﻓﻘﮫ اﻟﻣﻘﺎﺻد ﻟﺗﺣدد ﻣﻌﺎﻟم أﺳﺎﺳﮭﺎ اﻟﻧظري‪ ،‬ذﻟﻛم اﻷﺳﺎس اﻟذي ﺷﻛل ﺑدوره ﻣﻌﺎﻟم اﻟﺧطﺎب اﻟﻌﺎم‬
‫و اﻷداء و اﻟﻛﺳب اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻋﺑر ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺣرﻛﺔ‪ ،‬ﺑل إن أھم اﻟﻣﻧﻌطﻔﺎت اﻟﻔﻛرﯾﺔ و اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ و‬
‫اﻟﻔﺗوﺣﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻔﺎﺧر ﺑﮭﺎ اﻟﺣرﻛﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﯾن ﻣن أﻗراﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧت ﺑﺳﺑب اﻋﺗﻣﺎدھﺎ اﻹطﺎر‬
‫اﻟﻔﻘﮭﻲ اﻻﺻوﻟﻲ و اﻟﻣﻘﺎﺻدي‪ ،‬و ﻛﺛﯾرا ﻣﺎ ﻗرأﻧﺎ ﻟزﻋﯾم اﻟﺣرﻛﺔ و ﻣﻔﻛرھﺎ اﻷﺑرز اﻟﺷﯾﺦ اﻟدﻛﺗور‬
‫ﺣﺳن اﻟﺗراﺑﻲ ﻋﻠﯾﮫ رﺣﻣﺔ ﷲ ﺣدﯾﺛﺎ ﺣول ﺿﺂﻟﺔ اﻟﻧﺻوص اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻹطﺎر اﻟﻌﺎم ﻣن ﺣﯾث‬
‫ﻋددھﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑل ﻛﺛﺎﻓﺔ ﺗﻠك اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺷﻌﺎﺋر و اﻹطﺎر اﻟﺧﺎص ﻣﻣﺎ ﺑﺎت ﯾﻌرف ﺑﺎﻷﺣوال‬
‫اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ‪ ،‬وھذه رؤﯾﺔ ﻣﺳﺗﻣدة ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ اﻷﺻوﻟﯾﺔ اﻷوﻟﻰ و اﻟﺗﻲ ﻣﻔﺎدھﺎ أن‬
‫ﻧﺻوص اﻟﻛﺗﺎب و اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ؛ ﺑﯾﺑﻧﻣﺎ وﻗﺎﺋﻊ اﻟزﻣﺎن ﻣﻣﺗدة ﺑﻼ ﻧﮭﺎﯾﺔ‪ ،‬و ھﻧﺎ ﯾﺄﺗﻲ دور اﻟﻔﻘﯾﮫ‬
‫اﻟﻣﺟﺗﮭد ﻟﯾﺳﺗﻌﻣل ”اﻟﻧص اﻟﻣﺣدود“ ﻟﯾﻼﺣق ﺑﮫ اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﺗﺟدد ﻋﺑر اﻵﻟﯾﺎت اﻷﺻوﻟﯾﺔ ﻣن ﻗﯾﺎس‬
‫و اﺳﺗﺣﺳﺎن و ﻣﺻﺎﻟﺢ ﻣرﺳﻠﺔ ‪ ..‬إﻟﺦ‪.‬‬
‫إن أﻧﻣوذج أﺻول اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ و ﻓﻘﮫ اﻟﻣﻘﺎﺻد اﻟﻣﺗﺟذر ﻓﻲ ﺗراث اﻹﺳﻼم ﻣﻧذ اﻹﻣﺎم اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ‬
‫و اﻟﺟوﯾﻧﻲ و اﻟﻐزاﻟﻲ و ﻣن ﺑﻌده و اﻧﻣوذج ﻣﻘﺎﺻد اﻟﺷرﯾﻌﺔ و ﺗطوراﺗﮫ ﻣﻧذ اﻟﻐزاﻟﻲ و اﻟﺷﺎطﺑﻲ‬
‫و ﺣﺗﻰ اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن ﻣﺛل اﻟطﺎھر ﺑن ﻋﺎﺷور و اﻟﻘرﺿﺎوي و ﻋﻠﻲ ﺣﺳب ﷲ ﻗد اﻋﺗﻣد ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﻔﮭوم ”اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ“ ﺑوﺻﻔﮫ اﻟرﻛﯾزة اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻋﻣل اﻟﻣﺟﺗﮭد؛ ﻓﮭو ﯾﺗوﺧﻰ ﻣﺻﺎﻟﺢ‬
‫اﻟﻌﺑﺎد ﻓﻲ ﻛل ﺗﻌﺎﻣﻠﮫ ﻣﻊ ﻣﻧﺎطﺎت اﺣﻛﺎم اﻟﺷرﯾﻌﺔ‪ ،‬و ﻓﻲ ھذا وﺟد اﻟدﻛﺗور ﺣﺳن اﻟﺗراﺑﻲ رﺣﻣﮫ‬
‫ﷲ ﺿﺎﻟﺗﮫ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﻛﻧﮫ ﻣن اﻻﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻷدوات اﻷﺻوﻟﯾﺔ اﻟﻣﺗﻣددة ﻟﺗﺳﺗوﻋب اﻟواﻗﻊ اﻟذي ھو‬
‫ﺑﺻدد اﻻﻟﺗﺣﺎم ﻣﻌﮫ ﺑﺣرﻛﺗﮫ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬وھو اﻟواﻗﻊ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟﺳوداﻧﻲ ﻛﺛﯾر اﻟﺗﻘﻠﺑﺎت‪ ،‬و ﻣن‬
‫ﻓطﻧﺗﮫ أدرك اﻟﺗراﺑﻲ أن اﻷداة اﻟﺗراﺛﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﻠﻲ ﻣن ﺷﺄن اﻟرواﯾﺔ و إﻗﺣﺎم اﻟﻧص‬
‫اﻟﺟﺎﻣد ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﺳﺎﺋل اﻟﻣﺗﻘﻠب ﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻟﺗﺳﻌﻔﮫ ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﻋﺔ واﻗﻊ ﺳﯾﺎﺳﻲ ﻛﺛﯾف اﻟﺗﻌﻘﯾد‪ ،‬ﻧﺎھﯾك‬
‫ﻋن اﻟرؤى اﻟﺻوﻓﯾﺔ اﻟﺑﺎطﻧﯾﺔ اﻟراﺳﺧﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺳوداﻧﻲ و اﻟﺗﻲ ﯾﻌرف اﻟﺗراﺑﻲ ﺟﯾدا ﻣﺎ‬
‫ﺗﻠﺣﻘﮫ ﺑﺎﻟواﻗﻊ ﻣن ﺟﻣود و رﻛود‪ ،‬ﻟذﻟك ﻧﺟد ﺣﻣﻠﮫ اﻟﺷدﯾد ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻛﻣﺎ اﻟرؤﯾﺗﯾن اﻟﺳﺎﺋدﺗﯾن‪ ،‬و ﻛذﻟك‬
‫ﻧﺄﯾﮫ ﻋن ﻣﺟﺎدﻻت اﻟﻌﻘﺎﺋد اﻟﻛﻼﻣﯾﺔ اﻟﻌﻘﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﻠد ﺣرﻛﺔ و ﻻ ﺗﻐﯾر واﻗﻌﺎ‪.‬‬
‫و ﻟﻣﺎ اﻋﺗﻣدت اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓﻘﮫ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻣﻘﺎﺻدي؛ وﺟدت ﺑذﻟك ﺳﻌﺔ ﻣن اﻟﻌﺳﯾر‬
‫إﯾﺟﺎدھﺎ إذا اﻋﺗﻣدت اﻟﺣرﻛﺔ ﻋﻠﻰ اﻟرؤى اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ اﻟﻧﻘﻠﯾﺔ أو اﻟﺑﺎطﻧﯾﺔ اﻟﺻوﻓﯾﺔ‪ ،‬و ﻣﻣﺎ زاد اﻟﺳﻌﺔ‬
‫اﺗﺳﺎﻋﺎ ﻛﺎن اﻟﻣﺟﮭود اﻟﻣﻘدر اﻟذي ﻗﺎم ﺑﮫ ﻣﻔﻛر اﻟﺣرﻛﺔ اﻷول ﻓﻲ ﺗوﺳﯾﻊ ادوات اﻟﻧظر ﻓﻲ‬
‫ﻧﺻوص اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﺑﻐﯾﺔ ﺗﻧزﯾل اﻻﺣﻛﺎم ﻋﻠﻰ اﻟواﻗﻊ ﻟﺗوﺧﻲ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ﻓﯾﮫ‪ ،‬ﻓظﮭرت ﻣدوﻧﺗﮫ‬
‫اﻟﻣﺗﻛﺎﻣﻠﺔ ﺣول ﺗﺟدﯾد اﺻول اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻌد ﺗﺧﻠﯾﺻﮭﺎ ﻣن اﻟﺛﻘل اﻟﯾوﻧﺎﻧﻲ اﻷرﺳطﻲ ﺑﺎﺑﺗداع‬
‫ﻣﻔﺎھﯾم اﻟﻘﯾﺎس اﻟواﺳﻊ و اﻻﺳﺗﺻﺣﺎب اﻟواﺳﻊ و ﺗوﺳﯾﻊ ﻣﻔﮭوم ”اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ“ اﻟﻣرﺳﻠﺔ ﻣﻣﺎ ﺷﻛل‬
‫ﻣﮭﺎدا ﺟﯾدا إﺗﻛﺄت ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻟب ﻓﻠﺳﻔﺗﮭﺎ اﻟﻧظرﯾﺔ و ﻣﺎ ﺗﺑﻌﮭﺎ ﻣن ﺗﺣﻘق ﺗﺎرﯾﺧﻲ ﺗﻣظﮭر‬
‫ﻓﻲ اداﺋﮭﺎ اﻟﻌﺎم‪ .‬و ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣﻣﺎ أﺛﺎرﺗﮫ ﻣن ﺣﻧق اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﯾن اﻟﺟﺎﻣدﯾن؛ إﻻ أﻧﮭﺎ –ﻓﻘﮫ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ–‬
‫ﺗﻌﺗﺑر اﻟﺑواﺑﺔ اﻟﻌظﻣﻰ اﻟﺗﻲ وﻟﺟت ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ إﻟﻰ ﻋﺎﻟم ﻣن اﻟﻔﺗوﺣﺎت‬
‫اﻟﻌﺎﺟﻠﺔ ﻗﻠﻣﺎ وﻟﺟﺗﮫ رﺻﯾﻔﺎﺗﮭﺎ ﻣن ﺣرﻛﺎت اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻧﻘد أﻧﻣوذج ﻓﻘﮫ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﻋﻧد اﻟﺣرﻛﺔ‪:‬‬
‫إن ﺗﺑﻧﻲ اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻟﻔﻘﮫ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣﺳﺗﻣد ﻣن اﺻول اﻟﻔﻘﮫ و ﻓﻘﮫ اﻟﻣﻘﺎﺻد ﺑرﻏم ﻣﺎ‬
‫اﻛﺗﺳﺑت وراءه ﻣن إﻧﺟﺎزات إﻻ أﻧﮫ أوﻗﻊ اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﻲ ﻓﺧﺎخ ﻻ ﺣد ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻛﻣﺎ اﺳﮭم ﺑﺻورة ﻣﺑﺎﺷرة‬
‫ﻓﻲ ﺷرﻋﻧﺔ اﻟﺳﻠوك اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺳوداﻧﻲ اﻟذي ﯾﺗﻣﯾز ﺑﺎﻟذراﺋﻌﯾﺔ و اﻹﻟﺗﻔﺎف اﻟﺳرﯾﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺑﺎدئ‪،‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻋﺗﺑﺎر أن اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺗﮭﺎ ﻧﺳﺑﯾﺔ و ﻣﺗﻐﯾرة‪ ،‬ﯾﺳﮭل اﻹﻟﺗﻔﺎف ﻣﻌﮭﺎ ﺧﺻوﺻﺎ إذا أوﻛل‬
‫ﺗﺣدﯾد ﻣﺎھﯾﺗﮭﺎ ﻟﺻﺎﺣب اﻟﺳﻠطﺔ و ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻘرار؛ ﻓﮭو ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﯾدور ﺣﯾﺛﻣﺎ دارت ﻣﺻﻠﺣﺗﮫ‪،‬‬
‫وھو ﻣﺎ ﯾؤدي ﻓﻲ آﺧر اﻷﻣر إﻟﻰ اﻹﻟﺗﻔﺎف ﻋﻠﻰ اﻟﻧص اﻟﻣؤﺳس ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬وھو ﻣﺎ ﯾﺻرح ﺑﮫ ﻛﺛﯾر‬
‫ﻣن اﻷﺻوﻟﯾﯾن ﻟﻣﺎ ﯾﺻطدم ﻓﻲ أذھﺎﻧﮭم ﺻرﯾﺢ اﻟﻧص ﻣﻊ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻣﻘدرة؛ ﻓﮭم ﯾﺗﺟﺎوزون‬
‫اﻟﻧص ”اﻟﺟﺎﻣد اﻟﻣﺗﻧﺎھﻲ“ ﻣن أﺟل ﺗﻠﻛم اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﺗﻘدﯾر اﻟﻧﺳﺑﻲ ﻟﻠﻔﻘﯾﮫ‪ ،‬و ھذا ﻣﺎ ﯾﻔﺳر‬
‫اﻟﺣدث اﻷﺑرز ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺣرﻛﺔ و ھو إﻧﻘﻼﺑﮭﺎ اﻟﻌﺳﻛري اﻟذي ﻣﻛﻧﮭﺎ ﻣن اﻟﺳﻠطﺔ و ﯾﻔﺳر ﻛذﻟك‬
‫ﻛﺛﯾرا ﻣن اﻷﺣداث اﻟﻣﻔﺻﻠﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣﻔﺎﺻﻠﺔ؛ ﻓرﺑﻣﺎ ﯾﻘول ﻗﺎﺋل إن اﻟﻣﻔﺎﺻﻠﺔ اﻟﺗﻲ أدت إﻟﻰ‬
‫إﺑﻌﺎد اﻟﺷﯾﺦ و ﻣن ﻣﻌﮫ ﻛﺎﻧت ﺗﻘدﯾرا ﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟدوﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﻠﻔﮭﺎ وﺟود اﻟﺷﯾﺦ و إﺳﻼﻣﯾﺗﮫ اﻟﺻﺎدﻗﺔ‬
‫ﺗﻛﺎﻟﯾف ﺑﺎھظﺔ ﻟم ﺗﻛن ﻣن ﺻﺎﻟﺣﮭﺎ؛ و ھذا ﻋﯾن ﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن اﻟﻣﻧﺎزﻋﺔ ﺣوﻟﮫ إذ أن ﻣﺎ ﯾﻘدره‬
‫اﻟﺷﯾﺦ اﻟﻔﻘﯾﮫ ﻣﺻﻠﺣﺔ ﯾراه ﻏﯾره ﻣن أھل اﻟﻘوة و اﻟﺳﻠطﺎن ﻣﻔﺳدة و ھﻛذا دواﻟﯾك‪.‬‬
‫و ﻧﺣن إذ ﻧﻧﺎزع اﻟﻣﻘﺎﺻدﯾﯾن و اﻷﺻوﻟﯾﯾن ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﮭم؛ ﻻ ﻧﺳﻠ ﱢم ﺑﻔرﺿﯾﺗﮭم اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘول‬
‫ﺑﺗﻧﺎھﻲ دﻻﻟﺔ اﻟﻧﺻوص ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑل ﺗﻌدد و ﻛﺛرة اﻟﻧوازل‪ ،‬و ﻟﻌل اﻟﺧطﺎب اﻟﻘرآﻧﻲ ﺻرﯾﺢ ﻓﻲ‬
‫ﻗل ﻟو ﻛﺎن اﻟﺑﺣر ﻣدادا ﻟﻛﻠﻣﺎت رب ﻟﻧﻔد اﻟﺑﺣر ﻗﺑل ان ﺗﻧﻔد‬ ‫دﺣض ھذا اﻟزﻋم ﻟﻣﺎ ﯾﻘول‬
‫ﻛﻠﻣﺎت رﺑﻲ و ﻟو ﺟﺋﻧﺎ ﺑﻣﺛﻠﮫ ﻣددا( ﻛﻣﺎ ﻧوﺟﮫ اﻋﺗراﺿﺎ ﺻﺎرﺧﺎ ﺣول ﻏﻣوض ﻓﻛرة اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ‬
‫ﻧﻔﺳﮭﺎ؛ إذ ھﻲ ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ ﺗﺗﻣﯾز ﺑﻧﺳﺑﯾﺔ ﺳﺎﻓرة ﺗﺟﻌﻠﮭﺎ أداة طﯾﻌﺔ ﻓﻲ ﯾد اﻟﻔﻘﯾﮫ ﯾﺧرج ﺑﮭﺎ ﻛﯾﻔﻣﺎ‬
‫ﺷﺎء ﻋﻠﻰ ﻣراد اﻟﺷﺎرع ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ‪.‬‬
‫و ﻧﻌﺗﻘد أن اﻟﺧطﺎب اﻟﻘرآﻧﻲ ﺑﻌﺎﻣﻠﻲ ”اﻟﺧﻠود“ و ”ﻻ ﺗﻧﺎھﻲ اﻟدﻻﻟﺔ“ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ھداﯾﺔ اﻟﻧوازل اﻟﺗﻲ‬
‫ھﻲ ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ ﺑدورھﺎ؛ ﻓﺎﻟزﻣﺎن ﻣﺣدود ﺑﯾوم آﺧر ﻻ ﻧوازل ﺑﻌده‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣﺎ دﻻﻟﺔ اﻟﺧطﺎب اﻟﻘرآﻧﻲ‬
‫اﻟﻣﻧزل‬
‫ِ‬ ‫ﺗﻼﺋم ھداﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ أزﻣﻧﺗﮫ و أﻣﻛﻧﺗﮫ و ھذا اﻟزﻋم ﯾﺳﺗﻧد ﻋﻠﻰ وﺣداﻧﯾﺔ اﻟﻣﺻدر‬
‫ﻟﻠﻛﺗﺎب و وﺣدة اﻟﺧﻠق اﻟذي ھو ﻣن ﺻﻧﻊ ذﻟﻛم اﻟﻣﺻدر‪ ،‬و ﻧﺳﺗﺑدل ﻣﻔﮭوم اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ‬
‫ﺑﻣﻔﮭوم ”اﻟﺣق“ اﻟذي ھو أﻛﺛر ذﻛرا ﻓﻲ اﻟﻘرآن و أﻛﺛر ﺗﻌﺑﯾرا ﻋن اﻟﺑﻌد اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻓﻲ اﻟﺳﻠوك‬
‫اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ؛ ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن ﯾﺗوﺧﻰ اﻟﺣق و ﻟو ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻏﯾر ﻣﺻﻠﺣﺗﮫ اﻵﻧﯾﺔ اﻟﻌﺎﺟﻠﺔ‪ ،‬وھو ﯾﺑﺗﻐﻲ ﺑذﻟك‬
‫وﺟﮫ ﷲ و اﻟﺻﻼح اﻵﻧﻲ و اﻟﺟزاء اﻵﺟل دون أن ﯾﻠﺗف ﻋﻠﻰ ﻣراد اﻟﺧطﺎب ودﻻﻟﺗﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻧﻘد اﻟوﺟﮫ اﻟﺣداﺛﻲ ﻟﻠﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ‪:‬‬
‫ﺗﺳود ﻓﻲ أدﺑﯾﺎت اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﺗﺳﻣﯾﺗﮭﺎ ﺑﺄﻧﮭﺎ ”ﺣرﻛﺔ ﺣدﯾﺛﺔ“ ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮭﺎ ﺗﻘﺑل‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ ﻣن ﺣﯾث ھﻲ و ﺗﺳﻌﻰ ﺣﺛﯾﺛﺎ إﻟﻰ ﻋﻣﻠﯾﺔ أﺳﻠﻣﺔ ﻣﺿﺎدة ﻟﻧﻣوذج اﻟﺗﺣدﯾث‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﻠﻣﻧﺔ اﻟﻛﺎﻣﻧﺔ‬
‫ﻓﻲ أﻧﻣوذج اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ أﻣر ﻻ ﺗﺧطﺋﮫ ﻋﯾن ﻓﻘﮭﺎء اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﺑﺣﻛم دراﺳﺗﮭم ﻓﻲ‬
‫اﻟﻐرب‪ ،‬ﻟﻛﻧﮭﺎ ﻋﻧدھم أﻣر ﻣﺳﺗﺳﮭل ﺑﺣﯾث ﻻ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻋﺑﻘرﯾﺔ ﻧﺎﺟﻌﺔ و ﻻ إﻟﻰ ﻣﺟﮭود ﺑﺎﻟﻎ‪،‬‬
‫ﻟﻛن ﺑدا ﻣن ﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ أن ھذا اﻻﺳﺗﺳﮭﺎل ﻟم ﯾﻛن ﻓﻲ ﻣﺣﻠﮫ؛ إﻻ إذا ﻛﺎﻧت اﻷﺳﻠﻣﺔ‬
‫ﺗﻌﻧﻲ ﻓﻲ أدب اﻟﺣرﻛﺔ إﻧﺷﺎء ﻣﺳﺟد ﺻﻐﯾر ﻧﺎءِ ﻋﻧد زاوﯾﺔ ﻛل وزارة و ﻗﺻر رﺋﺎﺳﻲ ﻓﺧﯾم‪ ،‬ھذا‬
‫ﻣﺎ اﺳﺗطﺎﻋت اﻟﺣرﻛﺔ إﻧﺟﺎزه ﺑﺎﻟﻔﻌل و ھذا ﻟﯾس إﻻ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗﺟﯾﯾر ﺳطﺣﻲ ﻟﺟوھر اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ اﻟﻛﺎﻣن‬
‫ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪.‬‬
‫إن ﻗﺑول اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﻷﻧﻣوذج اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ و اﻟﺗﻣﺎھﻲ ﻣﻌﮫ ﻧﺎﺑﻊ ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻣن‬
‫اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻧظرﯾﺔ ﻟﻠﺣرﻛﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗوﻋب ﻛل ﺻﺎﻟﺢ و ﺗوظﻔﮫ ﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺑﺎد؛ ﺑﮭذا اﻋﺗُﺑرت اﻟدوﻟﺔ‬
‫اﻟﺣدﯾﺛﺔ –ﺳﻠﯾﻠﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻻوروﺑﯾﺔ اﻟﻣﻧﺎھﺿﺔ ﻟﻠدﯾن– اﻋﺗﺑرت أﻣرا ﻣﺣﻣودا و ﺻﺎﻟﺣﺎ ﻓﻲ ﻋرف‬
‫ﻓﻘﮭﺎء اﻟﺣرﻛﺔ ﻣﺎ دون اﻟﺗراﺑﻲ؛ إذ ﺻرح ﺑﺎﻛرا أن أﻧﻣوذج اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻟﯾس ھو‬
‫اﻟطﻣوح اﻷﺳﻣﻰ اﻟذي ﺗﺳﻌﻰ ﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼم ﻹﻧﺟﺎزه‪ ،‬ﻟﻛن ﻣن اﻟواﺿﺢ ﺑﻌد اﻟﺷﻘﺔ ﺑﯾن اﻟﺷﯾﺦ و‬
‫ﻣن دوﻧﮫ و ﻛذﻟك ﺳطوة اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ و ھﯾﻣﻧﺗﮭﺎ اﻟﻘﺎﺑﺿﺔ ﺣﺗﻰ ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟذي ﯾﻌرف ﺣﯾﻠﮭﺎ و‬
‫ﯾﺣﯾط ﺑدروﺑﮭﺎ؛ إذ ان اﻟﺷﯾﺦ و ﺑﻘﯾﺔ اﻟﺣرﻛﺔ ﻛﺎﻧوا اﻟﺿﺣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﺗﻠك اﻟرؤﯾﺔ اﻟﻣﮭﯾﻣﻧﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‬
‫اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪.‬‬
‫و ﻟﻌل ﺗﺑﻧﻲ أﻧﻣوذج اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻗد أوﻗﻊ اﻟﺣرﻛﺔ –ﻛﻣن ﻗﺑﻠﮭﺎ ﻣن ﺣرﻛﺎت اﻹﺻﻼح اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ‬
‫اﻟﺗﻲ ﺑﻠﻐت اﻟﺳﻠطﺔ– ﻓﻲ ﻓﺦ اﻹﺳﺗﺑداد‪ ،‬ذﻟك أن اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻓﻲ إطﺎر ﺻراﻋﮭﺎ ﻣﻊ اﻟﻘوى‬
‫اﻟﻛﻧﺳﯾﺔ ﺗم ﺗﺿﺧﯾﻣﮭﺎ ﺑﺣﯾث ﺣﻠت ﻣﺣل اﻟﺳﻠطﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ أو ﻛﺎدت‪ ،‬و ﺑذﻟك أﺻﺑﺣت ذات طﺎﺑﻊ‬
‫ﺗﺳﻠطﻲ ﻗﺎھر‪ ،‬ﺧﺻوﺻﺎ ﻓﻲ ﻧﺳﺧﺗﮭﺎ اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ اﻟواردة ﻋﻠﻰ ﻣﺟﺗﻣﻌﻧﺎ ﻣن اﻟﻐرب و ﻛل ﻣن‬
‫ﺗﻣﻛن ﻣن زﻣﺎم أﻣرھﺎ ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف اﻧﺗﻣﺎءاﺗﮭم ﻓﻲ اﻟﺳودان ؛ ﻓﮭو ﺳﯾﺳﺗﺑد ﺑﮭﺎ ﻣن ﺣﯾث ﯾدري او‬
‫ﻣن ﺣﯾث ﻻﯾدري؛ و ﻣﺎ اﺳﺗﺑداد اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟدوﻟﺔ إﻻ ﻧﺗﺎج ﺗﻼزم طﺑﯾﻌﺔ اﻟدوﻟﺔ‬
‫اﻟﺣدﯾﺛﺔ اﻟﻣﮭﯾﻣﻧﺔ و ﻓﻘﮫ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟذي ﯾرﺗﺑط ﻓﯾﮫ ﺗﺣدﯾد ﻣﺎھﯾﺔ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ﺑﻣﻘدار ﻣﺎ ﯾﺗوﻓر ﻋﻧد‬
‫اﻟﻔﻘﯾﮫ ﻣن ﻗوة أو ﺳﻠطﺔ‪.‬‬
‫و ﻣﻣﺎ ﺳﺎھم ﻓﻲ ﻧﻛﺎرة أﻧﻣوذج اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﺳودان طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺳوداﻧﻲ ﻧﻔﺳﮫ اﻟذي‬
‫ﻟم ﯾﻌرف ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺧﮫ –ﻗﺑل اﻟﺣﻛم اﻹﺳﺗﻌﻣﺎري اﻟﺛﻧﺎﺋﻲ– أي ﻧﻣط ﻗﮭري ﻣن أﻧﻣﺎط اﻟﺣﻛم ﺑل ﻛل‬
‫اﻟدول اﻟﺗﻲ ﺣﻛﻣت أرﺟﺎء اﻟﺳودان اﻟﻣﺗﻔرﻗﺔ ﻛﺎﻧت ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ ﻣﺑدإ اﻟﺗﺣﺎﻟف و اﻟﺗﺂﻟف ﺑﯾن اﻟﻘﺑﺎﺋل‬
‫و اﻟدوﯾﻼت اﻟﺻﻐﯾرة‪ ،‬و اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم ﺑدور ﻣﺣدود ﺗﺟﺎه ﺗﻧظﯾم ﺣﺎﺟﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾﻘوم‬
‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺳوداﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺗواﺿﻊ إﻣﻛﺎﻧﺎﺗﮫ ﺑﻛﺎﻓﺔ اﻟوظﺎﺋف اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻣن ﺗرﺑﯾﺔ و ﺗﻌﻠﯾم ﻋﻠﻰ ﯾد‬
‫اﻟﻔﻘﮭﺎء و ﺳﺎدة اﻟطرق اﻟﺻوﻓﯾﺔ و ﺷﯾوخ اﻹدارة اﻷھﻠﯾﺔ‪ ،‬واﺿﺢ ھذا ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺳﻠطﻧﺔ اﻟزرﻗﺎء‬
‫و ﺳﻠطﻧﺔ دارﻓور‪ ،‬و ﯾﺿطﻠﻊ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑرﻣﺗﮫ ﺑﺑﻘﯾﺔ اﻟوظﺎﺋف ﻣن ﺻﺣﺔ و ﺗﺟﺎرة و زراﻋﺔ دون‬
‫أن ﯾﻛون ﻟﻠدوﻟﺔ ﺳﺎﻓر ﺗدﺧل ﻛﻣﺎ ھو اﻟﺣﺎل ﻣﻊ اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪.‬‬
‫و ﻟﻌل ھذا ﯾﻔﺳر ﻛﺛﯾرا ﻣن ﺗﻧﺎزع اﻟﺳوداﻧﯾﯾن أﻧﻔﺳﮭم ﻣﻊ ﻣن ﯾدﯾر اﻟدوﻟﺔ و ﯾﺗﺣﻛم ﻓﻲ زﻣﺎﻣﮭﺎ‬
‫ﻛﺎﺋﻧﺎ ﻣن ﻛﺎن‪ ،‬و ﯾﻼﺣظ ذﻟك ﻋﺑر ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺳودان اﻟﺣدﯾث ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻌرف ﺑﺗﻣﻠﻣل اﻷطراف ﻣن‬
‫ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻣرﻛز اﻟﻘﺎﺑﺿﺔ‪ ،‬ﻣﮭﻣﺎ ذھﺑت ﺑﻌض اﻟﺗﺣﻠﯾﻼت اﻟﻔﺟﺔ إﻟﻰ إرﺟﺎع اﻷﻣر إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﻌرف‬
‫ﺑﺟدﻟﯾﺔ اﻟﻣرﻛز و اﻟﮭﺎﻣش؛ ﻓﺄوﻟﺋك ﯾﻧﺑﺷون ﺧﻠف اﻷﻋراض دون ﺗﺷﺧﯾص اﻟداء‪ ،‬و ﻣﻛﻣن ذﻟك‬
‫اﻟداء ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺔ اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ذاﺗﮭﺎ؛ إذا ﻧظرﻧﺎ ﺑﻌﯾن اﻻﻋﺗﺑﺎر إﻟﻰ أﻧﮭﺎ ﺗرﻛﺔ اﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ‬
‫ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ ﻣﺳﺗﻧﺑطﺔ ﻣن اﻟﺳﻠوك اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ اﻟﻣوﻏل ﻓﻲ اﻟﻣرﻛزﯾﺔ؛ ﻓﻠو ﺟﺋﻧﺎ ﺑﻣن ﻓﻲ‬
‫اﻟﮭﺎﻣش ﻟﯾﺗوﻟﻰ اﻟﺣﻛوﻣﺔ اﻟﻣرﻛزﯾﺔ ﻓﺈن اﻟﮭﺎﻣش ﺳﯾظل ھﺎﻣﺷﺎ و اﻟﻣرﻛز ﯾﺑﻘﻰ ﻛذﻟك‪ ،‬ﺗﺗﺑدل‬
‫اﻟوﺟوه و اﻟﺳﻠوك اﻟﻣرﻛزي اﻹﻧﻘﺑﺎﺿﻲ ﻻ ﯾﺗﺑدل‪.‬‬
‫ﻣﺎذا ﻧرﯾد ﻣن اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪:‬‬
‫اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﺗﺑدو ﺑﻌد اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ أﺿﻌف أﺣواﻟﮭﺎ؛ ﻓﺎﻹﻧﻘﺳﺎم إﻟﻰ أﺣزاب ﺻﻐرى‬
‫و أﺧرى ﻛﺑرى ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻺﻧﻘﺳﺎم ﺑدورھﺎ و اﻟﻔﺷل اﻟﻛﺎرﺛﻲ ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ اﻟدوﻟﺔ ﯾﺟﻌل اﻟﺣرﻛﺔ‬
‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻠﺣﺔ إﻟﻰ إﻋﺎدة اﻟﻧظر ﻓﻲ ﻛﺳﺑﮭﺎ اﻟﺳﺎﺑق‪ ،‬و ھذا ﻻﯾﻛﻔﻲ ﻓﯾﮫ ﻣراﺟﻌﺔ اﻟﺧطط‬
‫و اﻹﺟراءات‪ ،‬ﺑل ﺗﺣﺗﺎج اﻟﺣرﻛﺔ إﻟﻰ إﻋﺎدة اﻟﻧظر ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﮭﺎ ﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻧﻌﻧﻲ ﺑذﻟك اﻷﺳﺎس اﻟﻔﻘﮭﻲ‬
‫اﻟذي ﻗﺎﻣت ﻋﻠﯾﮫ و اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺑﻧﺗﮭﺎ و ﺛﺑت ﻋدم ﺟدواھﺎ رﻏم ﻣﺎ اﻟﺣق ﻣﻔﻛراﻟﺣرﻛﺔ ﺑﮭﺎ‬
‫ﻣن ﺗﺟدﯾد‪ ،‬ﻛذﻟك اﻟﺣرﻛﺔ ﺑﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ إﻋﺎدة ﺗﻌرﯾف ذاﺗﮭﺎ‪ ،‬و ﻣن ﺛم ﺗﻌرﯾف اﻟﻐﺎﯾﺎت اﻟﻌﻠﯾﺎ اﻟﺗﻲ‬
‫ﺗﺳﻌﻰ ﻧﺣوھﺎ‪ ،‬و ﻣراﺟﻌﺔ اﻟﻣوﻗف اﻟﺿﺑﺎﺑﻲ أو ﻗل اﻟﺗﻠﻔﯾﻘﻲ ﻣن واﻓدات اﻟﺗﺣدﯾث و ﺗﺣﺗﺎج اﻟﺣرﻛﺔ‬
‫ﻛذﻟك إﻟﻰ أن ﺗﺻﺑﺢ أﻛﺛر إﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﺗﺑﻧﻲ ﻣﻧﮭﺟﯾﺔ ﺻﺎرﻣﺔ ﻗواﻣﮭﺎ اﻟﺗﺄوﯾل ﻟﻠﺧطﺎب اﻟﻘرآﻧﻲ واﺗﺧﺎذ‬
‫اﻻﺳوة اﻟرﺳوﻟﯾﺔ اﻟﺣﺳﻧﺔ ﺗوﺧﯾﺎ ﻹﺣﻘﺎق اﻟﺣق‪.‬‬
‫إن ﻣﺎ اﻧﺗﮭﻰ إﻟﯾﮫ ﺣﺎل اﻟدوﻟﺔ و اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ اﻟﺳودان ﻋﻘب ﺣﻛم اﻟﺣرﻛﺔ اﻟذي اﻣﺗد ﻟرﺑﻊ ﻗرن ﻣن‬
‫اﻟزﻣﺎن ﯾﺟﻌل اﻟﺣرﻛﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺷﮭﺎدة ﺣق ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﮭﺎ‪ ،‬ﻻ ﺗﻛﺗﻔﻲ ﻓﯾﮭﺎ ﺑﺎﻟﻧﻘد اﻟذاﺗﻲ و ﺗﻘرﯾﻊ‬
‫اﻻﻓراد؛ ﺑل ﯾﻣﺗد إﻟﻰ ﻧﻘد اﻟﻣﻧﮭﺞ و اﻟرؤﯾﺔ اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻘﺎﺑﻌﺔ ﺧﻠف اﻟﺳوك اﻟﺣرﻛﻲ ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﺛم ﯾﻣﺗد‬
‫إﻟﻰ رد اﻷﻣﺎﻧﺎت إﻟﻰ أھﻠﮭﺎ و اﻟﻣظﺎﻟم إﻟﻰ أﺻﺣﺎﺑﮭﺎ‪ ،‬و ﺗﻔﻌﯾل ﻣﺑدأي اﻟﺷﮭﺎدة ﺑﺎﻟﺣق و اﻟﻘﯾﺎم‬
‫ﺑﺎﻟﻘﺳط‪ ،‬و إﻻ ﻓﺳﺗﺻﺑﺢ اﻟﺣرﻛﺔ ﻣﺛﺎﻻ ﺳﻲء اﻟذﻛر ﻋن ﺗﺟرﺑﺔ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺳودان‪ .‬و اﻟﺣرﻛﺔ‬
‫ﻛذﻟك ﺑﺣﺎﺟﺔ ﻻن ﺗﺗﻌظ ﻣن ﺗﺎرﯾﺦ اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ و اﻟﺗﺟﺎرب اﻟﻣﻛررة اﻟﻔﺎﺷﻠﺔ؛ ﺑﺄن ﺗﺳﻌﻰ‬
‫ﺑﺎﻹﺟﺗﮭﺎد إﻟﻰ ﺑﻠورة ﻧﻣوذج اﻟﺣﻛم اﻷﻣﺛل اﻟذي ﯾﻌﺑر ﻋن إرادة ﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺳودان و ﯾﺣﻣل ﻓﻲ‬
‫ﺟوھره ﻗﯾم اﻟدﯾن اﻟﻌظﻣﻰ‪ ،‬ﻷن اﻹرﺗﮭﺎن إﻟﻰ اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ و أﻧﻣوذﺟﮭﺎ اﻟﺑﺎﺋس ﯾﺧﺻم ﻣن‬
‫ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺣرﻛﺔ و ﯾﺿﻔﻲ اﻟظﻠﻣﺎت ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺷرق ﻣﻣﺎ أﻧﺟزﺗﮫ‪.‬‬
‫ﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺗﺣدﯾث و اﻹﻧﺳﻼخ‪:‬‬
‫ﻟو ﺗﺄﻣﻠﻧﺎ ﺳﺎﺣﺗﻧﺎ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﺗﻣﻌن؛ ﻻﺗﺿﺢ ﻟﻧﺎ ﺣﺟم اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎت اﻟﺗﻲ ﺗرزح ﺗﺣﺗﮭﺎ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﻣﻧذ‬
‫ﻣﺎ ﺑﻌد اﻹﺳﺗﻌﻣﺎر‪ ،‬و ﻟن ﻧﻛون ﻛﺎذﺑﯾن إن ﺟزﻣﻧﺎ إن ذﻟك اﻟﺗﻧﺎﻗض ﻣﺻﻧوع ﻓﻲ ﺑﯾﺋﺗﻧﺎ ﻣن ﻗﺑل‬
‫اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر؛ ﻓﮭو و إن ﻛﺎن ﻗد ﺳﻠ ﱠم ﺑﺎﺳﺗﻘﻼل اﻟدول اﻟﻣﺳﺗﻌﻣرة إﻻ أﻧﮫ ﻋﻣل ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺗﺑﻌﯾﺗﮭﺎ ﻟﮫ‪ ،‬و ﻟم ﺗﻛن ھذه اﻟﺗﺑﻌﯾﺔ ﻟﺗﺗﺣﻘق ﻟوﻻ أن ﺧﻠف اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر ﻣن ﯾﺿﻣن ﻟﮫ ﺗﻠك اﻟﺗﺑﻌﯾﺔ و‬
‫اﻟﺧﺿوع اﻟﻣﺳﺗﻣرﯾن إﻟﻰ ﺣﻘﺑﺔ ﻣﺎ ﺑﻌد اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر‪ ،‬و ﻛﺎﻧت اﻟوﺳﯾﻠﺗﯾن اﻟﻌظﻣﯾﯾن اﻟﺗﯾن ﺿﻣن ﺑﮭﻣﺎ‬
‫اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر ﺗﺑﻌﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﻌﻣرات اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﻟﮫ ھﻣﺎ اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ و اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺟدﯾث‪ ،‬و ﺑﻌد اﻟﺗﻘﺳﯾم‬
‫اﻟذي ﺗم ﻓﻲ اﺗﻔﺎق ”ﺳﺎﯾﻛس ﺑﯾﻛون“ ﺿﻣن اﻟﻐرب اﻻﺳﺗﻌﻣﺎري ﺟﺎﻟﺔ ﺗﺷرذم ﻣﺳﺗﻣرة ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﺳﺗوى اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺗﻣﻧﻌﮫ ﻣن اﻹﺋﺗﻼف ﺗﺣت أي ﻣﺳﻣﻰ ﻗد ﯾﮭدﱢد اﻟﮭﯾﻣﻧﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬و ﺿﻣن ﻋﺑر أداﺗﻲ اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ و ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺣدﯾث ﻛذﻟك ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺷرذم داﺧل‬
‫اﻟدوﯾﻠﺔ اﻟواﺣدة؛ ﺑﺣﯾث ﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ إﻗﻌﺎد ﻧﮭﺿﺗﮭﺎ و ﺗﺑدﯾد طﺎﻗﺗﮭﺎ‪.‬‬
‫و ﻣن رﺣم ذﻟك اﻟﻐرس اﻹﺳﺗﻌﻣﺎري وﻟدت أﺟﯾﺎل ﻣﺗﻼﺣﻘﺔ ﻣن اﺑﻧﺎء اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﻣن أوﻟﺋك‬
‫اﻟذﯾن ﯾرون ﺻﻼح واﻗﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن إﻧﻣﺎ ﯾﺗﻠﺧص ﻓﻲ اﻹﻧﺳﻼخ ﻣن ﺗﺎرﯾﺧﮭم و إﻋﻼن ﺗﺑﻌﯾﺔ ﻛﻠﯾﺔ‬
‫ﻟﻠﺳﯾﺎق اﻟﻐرﺑ ﻲ اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﻲ ﻗﻠﺑﺎ وﻗﺎﻟﺑﺎ‪ ،‬وﻟﻣﺎ ُطﺑﺧت ھذه اﻟﻔﺋﺔ ﻣن اﺑﻧﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﻣؤﺳﺳﺎت‬
‫اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ و ﺟﺎﻣﻌﺎﺗﮭﺎ اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟﻧزﻋﺔ‪ ،‬اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻌل ﻣن اﻟﻣﺎدة أﺳﺎﺳﺎ أﻋﻠﻰ ﻟﻠﻣﻌرﻓﺔ و‬
‫اﻟﺣﯾﺎة‪ ،‬وﻣن ﺛم ﯾﺻﺑﺢ اﻟدﯾن و ﻣﺗﻌﻠﻘﺎﺗﮫ أﻣورا رﻣزﯾﺔ أﻗرب ﻟﻠﺧﯾﺎل ﻣﻧﮭﺎ إﻟﻰ اﻟواﻗﻊ اﻟﻌﻣﻠﻲ‬
‫اﻟﻣﻌﯾش‪ ،‬ﯾﻧﺑﻐﻲ إﺑﻌﺎدھﺎ ﻋن ﺣﯾﺎة اﻹﻧﺳﺎن ﺗﻣﺎﻣﺎ‪ ،‬أو ﻋﻠﻰ أﻗل ﺗﻘدﯾر ﯾﻧﺑﻐﻲ إﺑﻌﺎدھﺎ ﻋن اﻹطﺎر‬
‫اﻟﻌﺎم اﻟﻣﺗﻣﺛل ﻓﻲ ھﯾﺋﺔ إدارة اﻟدوﻟﺔ أو وﺿﻊ ﻓﻠﺳﻔﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾم و ﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻓﺈن اﻟوﺻﻔﺔ اﻟﻧﺎﺟﻌﺔ‬
‫ﻟﻣﺷﻛﻼت ﻋﺎﻟﻣﻧﺎ اﻹﺳﻼﻣﻲ–ﻋﻧد ھؤﻻء– ﺗﺗﻠﺧص ﻓﻲ اﻟﻘطﯾﻌﺔ اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ و اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻣﻊ ﺗراث‬
‫اﻷﻣﺔ و ﻣن ﺛم اﻟﻠﺣﺎق و اﻟﺳﯾر اﻟﺣﺛﯾث ﻋﻠﻰ ﺧطﻰ اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪.‬‬
‫اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺣدﯾث ‪..‬ﻣﺧﺑز ﻋﻘول اﻟﺗﺣدﯾث و اﻹﻧﺳﻼخ‪:‬‬
‫ﻓﻲ ﺣﻘﺑﺔ اﻹﺳﺗﻌﻣﺎر ﻋﻣل اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر اﻟﻐرﺑﻲ ﻋن وﻋﻲ ﺧﺑﯾث ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻣﻧﺔ اﻟﺣﯾﺎة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬و ذﻟك ﻟﺧﺑرة اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر و ﻣﻌرﻓﺗﮫ ﺑﺗﺄﺛﯾر اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﻧﮭﺿﺔ ذﻟك اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬و ﺑﺿﻐﯾﻧﺔ‬
‫ﺳﺎﺑﻘﺔ ﯾذﻛرھﺎ اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر ﺟﯾدا ﻟﻣﺎ ﻟم ﺗﻛن ﻣن ﻗوة ﺗﺳﺗطﯾﻊ اﻟوﻗوف ﻓﻲ وﺟﮫ ﺟﯾوش اﻟﺻﻠﯾﺑﯾﯾن‬
‫اﻟﺟرارة إﻻ ﺟﯾوش اﻟﻣﺟﺎھدﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‪ ،‬و ﻛذﻟك اﻷﺛر اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻌﻣﯾق اﻟذي اﺳﺷﻔﮫ اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر‬
‫ﻓﻲ ﺣرﻛﺎت اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟوطﻧﯾﺔ ﺿد اﻹﺳﺗﻌﻣﺎر ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﻛل ذﻟك ﻛﺎن ﻟﮫ أﺛر ﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ ان ﯾوﻟﻲ‬
‫اﻟﻐرب اﻹﺳﺗﻌﻣﺎري اﻹﺳﻼم اھﺗﻣﺎﻣﺎ ﻋظﯾﻣﺎ‪ ،‬و ﺧﻼل ﺳﻧﻲ اﻹﺳﺗﻌﻣﺎر ﻋﻣل اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر ﻋﻠﻰ‬
‫إﯾﺟﺎد اﻟﺟﯾل اﻟﻣﻧﺳﻠﺦ ﻋن اﻹﺳ ﻼم و اﻟﻣﺗﻧﻛﱢر ﻟﺗﺎرﯾﺧﮫ اﻟذي ﺻوره اﻹﺳﺗﺷراق ﺑﺄﻧﮫ ﺗﺎرﯾﺦ ﻣظﻠم‬
‫ﻻ ﻧور ﻓﯾﮫ و ﻻ ﺿﯾﺎء‪.‬‬
‫ﻛرﱠ س اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر ﻋن وﻋﻲ ﺟﮭده ﻓﻲ إﺑﻌﺎد اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟدﯾﻧﻲ اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻣن ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺟدﯾدة‬
‫اﻟﺗﻲ أﺳﻣﺎھﺎ اﻟﺟﺎﻣﻌﺎت اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪ ،‬و وﺟﮫ ﺻرف اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻛذﻟك ﺻوب ﺗرﻗﯾﺔ و ﺗﺣﺳﯾن‬
‫اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺣدﯾث؛ ﻓﺄﺻﺑﺣت اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﺗﺣظﻰ ﺑﺎﻹھﺗﻣﺎم اﻟﺑﺎﻟﻎ ﻣن ﻗﺑل‬
‫اﻟدوﻟﺔ و ﻣن ﺛم اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻧﻔﺳﮫ‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣﺎ ظل اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺗﻘﻠﯾدي ﻣﻌﺗﻣدا ﻋﻠﻰ اﻟﺟﮭد اﻟﺷﻌﺑﻲ اﻟذاﺗﻲ و‬
‫ﻣﺣروﻣﺎ ﻣن اﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن اﻹﻋﺗﻣﺎدات اﻟﺣﻛوﻣﯾﺔ و ﻛﻣﺎ ﯾﻘول اﻟدﻛﺗور اﺳﻣﺎﻋﯾل اﻟﻔﺎروﻗﻲ ‪:‬‬
‫)ﺣﯾﺛﻣﺎ ﺗوﻓرت اﻹﻋﺗﻣﺎدات اﻟﺣﻛوﻣﯾﺔ ﻣن اﻹدارة اﻹﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ؛ ﻓﺈن ﻣﺗطﻠﺑﺎت ”اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ“ ﻛﺎﻧت‬
‫ﺗﻔرض ﻧﻔﺳﮭﺎ ﺑﺎﺳم اﻟﺣداﺛﺔ و اﻟﺗﻘدم(‪.‬‬
‫ﻛﺎﻧت ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟدﯾﻧﻲ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ راﻛدة دون ﺗﻐﯾﯾر‪ ،‬ذﻟك ﺑدﻋوى اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ و ﺑﺗواﺿﻊ‬
‫ﻧﺻﯾﺑﮭﺎ اﻟذي ﺗﺣظﻰ ﺑﮫ ﻣن اﻹﻋﺗﻣﺎدات اﻟﺣﻛوﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎﻋﻣﻠت اﻹدارة اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﺑﻌﺎد‬
‫ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟدﯾﻧﻲ ﻋن اﻹﺣﺗﻛﺎك و اﻟﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟواﻗﻊ ”اﻟﺣدﯾث“ ﻣن أﺟل ﺗﺣﺟﯾم ﻗدرات‬
‫ﺧرﯾﺟﻲ ﻣﻌﺎھد اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟدﯾﻧﻲ ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺷﻛﻠوا ﻣﻧﺎﻓﺳﺔ ﻟﺧرﯾﺟﻲ ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺣدﯾث؛ ﺑﮭذا‬
‫ﯾﺗﺳﻧﻰ ﻷوﻟﺋك اﻹﻧﺳﻼﺧﯾﯾن اﻹﻧدراج ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ و اﻹﻗﺗﺻﺎدي و اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﮫ اﻹدارﯾﺔ و اﻟﺗﻧظﯾﻣﯾﺔ‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾﻘﺑﻊ ﺧرﯾﺟو اﻟﻣﻌﺎھد اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺟوف اﻟﻣﺳﺎﺟد و أروﻗﺔ‬
‫اﻟﻛﺗﺎﺗﯾب‪ ،‬وھذا ﻣﺎ ﺧطط ﻟﮫ اﻟﺟﮭﺎﺑذة اﻟﻣﺳﺗﻌﻣرون ﺑﻌﻧﺎﯾﺔ و ﻟﻌﻠﮫ اﻷﺳﺎس اﻟذي ﻗﺎﻣت ﻋﻠﯾﮫ‬
‫ﻋﻣﻠﯾﺔ ”اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ اﻟﻣدروﺳﺔ“ ﻟﻠواﻗﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬
‫و إذا ﻛﺎﻧت روح اﻷﺳﻠﻣﺔ ﻋﺎﻟﯾﺔ ﺳﺎﻋﺔ اﻹﺳﺗﻌﻣﺎر ﻷﺟل ﻣﺎ ﯾﺑﺛﮫ اﻟﺗﺣدي ﻓﻲ ﻧﻔوس اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن؛‬
‫ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻗد ﺧﺑت ﺗﻣﺎﻣﺎ ﺑُﻌﯾد ﺧروج اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر و أﺻﺑﺣت ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺣدﯾث ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟﯾوم‬
‫أﺷد ﺟرأة ﻓﻲ اﻟدﻋوة إﻟﻰ ﻣﺑﺎدﺋﮭﺎ اﻟﻼإﺳﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬و ﺟﺎھرت أﺟﯾﺎل ﻣن أﺑﻧﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑطرح‬
‫اﻟﺗﺣدﯾث و اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ ﺑوﺻﻔﮭﻣﺎ اﻟﺣل اﻻﻧﺟﻊ ﻟﺣﺎل اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﻣﺗﺄزم‪ ،‬و ھؤﻻء ﻣن ھذه‬
‫اﻟﺟﮭﺔ ﻓﺈﻧﮭم ﯾﺷﺎﺑﮭون اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن و اﻟﻣﺗﺻوﻓﺔ ﻓﻲ ھروﺑﮭم ﻋن ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬وإذا ھرب اﻟﺳﻠﻔﯾون‬
‫إﻟﻰ اﻟوراء و ھرب اﻟﻣﺗﺻوﻓﺔ إﻟﻰ اﻟداﺧل ﻓﮭؤﻻء ﯾﮭرﺑون إﻟﻰ أﺳﻔل‪ ،‬وﻣﺎ ﻧرى ﻓﻲ اﻟﺳﯾﺎق‬
‫اﻟﺣﺿﺎري اﻟﻐرﺑﻲ ذي اﻷﺳس اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ اﻟﻣﺎدﯾﺔ إﻻ ﺣطﺎ ﻣن ﻗدر اﻹﻧﺳﺎن و إﻗﻼﻻ ﻣن ﺷﺄﻧﮫ‪.‬‬
‫ﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺗﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﺳودان‪:‬‬
‫ﻛﺑﻘﯾﺔ دول اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣظﻲ اﻟﺳودان ﺑﺎﻷداﺗﯾن اﻟﻔﺎﻋﻠﺗﯾن ﻓﻲ ﺗﻔرﯾﺦ أﺟﯾﺎل اﻟﺗﺣدﯾث‪ ،‬و ھﻣﺎ‬
‫اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺣدﯾث و اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪ ،‬و ﻟﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺳودان ﻣﺳﺗﻌﻣرة ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﺣظﻲ ﺑﺎﻟﻧﻣط‬
‫اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﻠﯾم و اﻟﻧظم و اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺣﺎﻛﻣﺔ‪ ،‬و ﯾﺑدو أن اﻟﻧﻣط اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﻠﯾم ﻛﺎن‬
‫ﻟﮫ ﻏﺎﻟب اﻷﺛر ﻓﻲ ﺑﻠورة ﻣﻌﺎﻟم اﻟﻧﺧﺑﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ زاوﻟت أﻧﺷطﺔ اﻟﻌﻣل اﻟﻌﺎم ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد ﺧروج‬
‫اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر‪ ،‬و ﻣﺎ ﯾﻠﺣظﮫ اﻟﺣﺻﯾف ﻣن اﻹﺳﺗﻐراق ﻓﻲ اﻹدارة و اﻟﺗﻧظﯾم اﻟذي ﻛﺎن ﺳﻣﺔ ﻣﺎﺋزة‬
‫ﻷداء ھذه اﻟﻧﺧب ﻓﻲ اﻟﺷﺄن اﻟﻌﺎم ﯾﻌود ﻣﺑﺎﺷرة إﻟﻰ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣرﻛزﯾﺔ اﻹدارﯾﺔ اﻟﺻﺎرﻣﺔ ﻟﻠﻧظم‬
‫اﻟﺗﻲ أوﻛل إﻟﯾﮭﺎ إدارة اﻟﻣﺳﺗﻌﻣرات اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬و ﻛﺎن ﻟﮭذه اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﺗﺄﺛﯾر ﻛﺑﯾر ﻋﻠﻰ ﻋﻠل‬
‫اﻟﺳودان اﻟﻣﺗراﻛﺑﺔ؛ ﻓﮭؤﻻء ﺣﺳﺑوا أن اﻹدارة اﻟﻣرﻛزﯾﺔ اﻟﺻﺎرﻣﺔ وﺣدھﺎ ھﻲ اﻟﻛﻔﯾﻠﺔ ﺑﺣﻠﺣﻠﺔ‬
‫ﻣﺷﻛﻼت اﻟدوﻟﺔ و اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪ ،‬و ﻣن ﺣﯾث ھذا اﻟﺣﺳﺑﺎن أھﻣﻠوا طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺳوداﻧﻲ ﻧﻔﺳﮫ و‬
‫ﻣﻧظوﻣﺗﮫ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻟﻐﺎﻟﺑﺔ و ﺗﺎرﯾﺧﮫ اﻟﺑﻌﯾد و اﻟﻘرﯾب‪ ،‬وﻛﺎن اﻟﺗﺣدﯾث ﻋﻠﻰ ﯾد ھؤﻻء ﯾﺄﺗﻲ إرﻏﺎﻣﺎ‬
‫ﻋﺑر ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘﺎھرة دون اﻟﻧظر ﻓﻲ ﻣدى اﺳﺗﻌداد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ و ﻋﺳر ﻗﺎﺑﻠﯾﺗﮫ اﻟﺗﺣدﯾث‪ ،‬و‬
‫ﻣن ھذا ﺗوﻟد ﺷﻌور اﻹﻧﺳﺎن اﻟﺳوداﻧﻲ ﺗﺟﺎه اﻟدوﻟﺔ و ﻧزوﻋﮫ اﻟﺷدﯾد ﻟﻠﺗﻔﻠت ﻣن إﺳﺎرھﺎ؛ ﻓﮭﻲ –‬
‫ﺑﻧﻣطﮭﺎ ﻋﺑر ﺗﺎرﯾﺧﻧﺎ اﻟﺣدﯾث– اﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ و إن ﺣﻛﻣﮭﺎ ﺳوداﻧﯾون‪.‬‬
‫و ﻟﻌل اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ ﻗد ﻧﺟﺢ إﻟﻰ ﺣد ﺑﻌﯾد ﻓﻲ ﺳﻠﺦ اﻷﺟﯾﺎل اﻟﺗﻲ ﺗرﺑت ﻓﻲ ﻛﻧﻔﮫ‪ ،‬ﺣﺗﻰ‬
‫ﻏدا اﻟواﺣد ﻣﻧﮭم ﯾﻛن ﻟﻠﻣﺳﺗﻌﻣر ﺗﻘدﯾرا و إﺟﻼﻻ ﻗﻠﻣﺎ ﻟﻘﯾﮫ اﻟﻣﺳﺗﻌﻣرون اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾون ﻓﻲ‬
‫ﻣﺳﺗﻌﻣرات أ ُﺧرى‪ ،‬و ﻗد اﻧﺗﻘل ھذا اﻹﺟﻼل ﻋﺑر اﻟﻧﺧب إﻟﻰ ﺟذور اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ‬
‫ﺗﺧﻔﻲ ﺣﻧﯾﻧﮭﺎ إﻟﻰ اﻹدارة اﻟﺑرﯾطﺎﻧﯾﺔ رﻏم أﻧﮭﺎ إدارة اﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ ﻧﺎھﺑﺔ ﻟﻠﺛروات و رﻏم ﻣﺎ ﻻﻗﺎه‬
‫اﻟﺳودان ﻣن ﻛﺛﯾف أزﻣﺎت ﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑوﺣدﺗﮫ و ﻛﯾﻧوﻧﺗﮫ ﺑﺳﺑب ﺗﻠك اﻹدارة‪ ،‬إﻻ أن روح اﻹﻧﮭزام‬
‫ﺗﺟﺎه اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر ظﻠت ﺳﺎﺋدة و ﻏﺎﻟﺑﺔ و ھذا إن ﺣﺳﺑﻧﺎه ﻧﺟﺎح ﻟﻠﻣﺳﺗﻌﻣر إﻻ أﻧﮫ ﯾﻌﺑر ﻋن إﻧﻌدام‬
‫رؤﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﯾن ﻟﻣوﻗﻌﮭم ﻓﻲ اﻟﺣﺿﺎرة و اﻟﺗﺎرﯾﺦ و ﺿﺑﺎﺑﯾﺔ ﻧظرﺗﮭم إﻟﻰ ﻣﺳﺗﻘﺑﻠﮭم اﻟﺑﻌﯾد‪.‬‬
‫اﻟﺳﻣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺗﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﺳودان‪:‬‬
‫اﻟﺗﺑﻌﯾﺔ ﻟﻠﺳﯾﺎق اﻟﺣﺿﺎري اﻟﻐرﺑﻲ‪:‬‬
‫إذا ﻗﺳﻣﻧﺎ اﻟﻐرب ﻟﺷرق ﻣﺎرﻛﺳﻲ و ﻏرب ﻟﯾﺑراﻟﻲ رأﺳﻣﺎﻟﻲ؛ ﻓﺈن ﻣﻧﺎھﺞ اﻟﺗﺣدﯾث اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺳودان ﻟم ﺗﻛن ﻟﺗﺧرج ﻋن ھذه اﻟﺗﺑﻌﯾﺔ ﺷﺑرا واﺣدا‪ ،‬ﻓﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣداﺛﯾﯾن اﻟﺳوداﻧﯾﯾن ﯾرون ﻓﻲ‬
‫اﺗﺑﺎع اﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ اﻻوروﺑﯾﺔ ﺣﻼ ﻧﺎﺟﻌﺎ ﻟﻣﺷﻛﻼت وطﻧﻧﺎ اﻟﻣﺗﻔﺎﻗﻣﺔ‪ ،‬و ھذا إن ﻛﺎن دﺣﺿﮫ‬
‫ﺳﮭﻼ ﻣن ﺟﮭﺔ أن اﻟﺣﻠول ﻟﻣﺷﻛﻼت واﻗﻊ ﻣﺎ ﻟﮫ طﺑﯾﻌﺗﮫ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ و ﺳﯾﺎﻗﮫ اﻟﺣﺿﺎري اﻟﻣﺧﺗﻠف ﻻ‬
‫ﺗﺻﻠﺢ ﺑﺄي ﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال ﻟواﻗﻊ ﻣﻐﺎﯾر ﻟﮫ ﺧﺻوﺻﯾﺗﮫ اﻟﻣﺎﺋزة‪ ،‬ﻓﺈن ھذا اﻟﺣل ﯾُﺳﮭﱢل ﻋﻠﻰ ھذه‬
‫اﻟﻧﺧب اﻟﻛﺳوﻟﺔ ﻛﺛﯾرا ﻣن ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺑﺣث و اﻟﻧﺑش ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺳوداﻧﻲ‪ ،‬و ﯾرﻓﻊ ﻋﻧﮭﺎ‬
‫ﻛﻠﻔﺔ اﻹﺑداع‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن ھذا اﻟطرح ﯾوازي و ﯾﻌﺎدل ﻣﺎ ﺗﻠﻘﺗﮫ ھذه اﻟﻧﺧب ﻋﺑر ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻠﻘﯾم اﻟﻔﻣوي‬
‫ﻟﻠوﺻﻔﺎت اﻟﺟﺎھزة ﻓﻲ ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﻐرﺑﻲ‪ ،‬و ھذا اﻟطرح ﯾﺟد أرﺿﯾﺔ ﺧﺻﺑﺔ ﻓﻲ ﻋدﯾد‬
‫أﺟﯾﺎل ﻻﺣﻘﺔ ﻣن اﻟﺳوداﻧﯾﯾن ﺳﺗُﻌد ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺣدﯾث‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾﺳﮭل ﻋﻠﻰ ھذه‬
‫اﻟﻧﺧب ﻋﻧﺎء اﻟﺣﺷد و اﻟﺗﻌﺑﺋﺔ‪.‬‬
‫و رﺑﻣﺎ ﯾﻌﺑر ﺗﺣﺎﻟف ﺗﻠك اﻟﻧﺧب ﻣﻊ اﻟطﺎﺋﻔﯾﺔ ﻋﺑر ﺗﺎرﯾﺧﻧﺎ اﻟﺣدﯾث ﻋن ﺣﺎﻟﺔ اﻻﻏﺗراب اﻟﺗﻲ‬
‫ﯾﺳﺗﺷﻌرھﺎ ھؤﻻء ﻣن ﻧﻛﺎرة وﺻﻔﺗﮭم؛ إذ أﻧﮭﺎ ﺗُطرح ﻓﻲ ﺳﯾﺎق ﻣﻔﻌم ﺑﺎﻟﺗﻘﻠﯾد و اﻟﺗدﯾن اﻟﺻوﻓﻲ‬
‫اﻟﺳﺎذج‪ ،‬و ﻟﻣﺎ ذھب ﺑﻌﺿﮭم ﯾرﺗﻣﻲ ﺗﺣت ﻋﺑﺎءة اﻟﺳﺎدة اﻟطﺎﺋﻔﯾﯾن آﺛر اﻵﺧر ”اﻟﻣﺎرﻛﺳﻲ“ أن‬
‫ﯾﺳﻠك طرﯾق اﻟﺛورة و اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ ﺟﯾوب اﻟﺗﻘﻠﯾد؛ ﻓﻛﺎﻧت اﻹﻧﻘﻼﺑﺎت اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ ذات ”اﻟطﺑﯾﻌﺔ‬
‫اﻟﺛورﯾﺔ“ طرﯾﻘﺎ آﺧر ﻟﻺﺻﻼح ﻓﻲ ﻋرف ھؤﻻء‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣﺎ اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻻ زال ﻣﺗوﺣﻼ ﻓﻲ اﻟوﺻﻔﺔ‬
‫اﻹﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ اﻟﻣﺗﺑﻠدة؛ ﻧﻌﻧﻲ ھﻧﺎ اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﺑوﺻﻔﮭﺎ طرﯾﻘﺎ ﻟﻺﺻﻼح‪.‬‬
‫ﺗﺑﻧﻲ اﻷﺳﺎس اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ اﻟﻣﺎدي‪:‬‬
‫ﻟﻣﱠﺎ ﻛﺎن ﻗدر اﻟﺳودان أن ﯾﻛون ﻣﺳﺗﻌﻣرة ﺑرﯾطﺎﻧﯾ ﺔ؛ ﻓﺈن ﻧﺧﺑﺗﮫ ﺣظﯾت ﺑﺎﻟﺷﱡﺣﻧﺔ اﻷﻋظم ﻣن‬
‫ﻣطﻠﻊ أن إﻧﺟﻠﺗرا ﻛﺎﻧت ھﻲ اﻟﻣﮭﺎد اﻷﺳﺎس ﻟﻠﻧظر اﻟﻣﺎدي‬ ‫اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻣﺎدﯾﺔ‪ ،‬و ﻻ ﯾﺧﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﱠ‬
‫ﻟﻠﻌﺎﻟم‪ ،‬وھﻲ إن ﺣظﯾت ﺑﺗوﺗر أﻗل ﺟراء اﻟﺻراع ﺑﯾن اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ واﻟﻌﻠﻣﻧﺔ ﻣن رﺻﯾﻔﺗﮭﺎ ﻓرﻧﺳﺎ إﻻ‬
‫أﻧﮭﺎ اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻷﻣﺛل ﻟﻠﻧﺷوء و اﻟﺗﻣظﮭر اﻟﻣﺎدي ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻌﻣل اﻟﻌﺎم و وﺻﻔﺎت ﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻹﺻﻼح؛‬
‫ﻓﻣﻧذ ﺗوﻣﺎس ھوﺑز و ﻣرورا ﺑﺟون ﻟوك و ﺣﺗﻰ دﯾﻔﯾد ھﯾوم ﺗﺑﻠورت اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻣﺎدﯾﺔ اﻟﺣﺳﯾﺔ‬
‫ﺑوﺻﻔﮭﺎ روح اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ و ﻋﻣﺎد ﻧظرﺗﮭﺎ و ﺗﺻورھﺎ ﻟﻠﻛون و اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬و ھﻲ ﻧظرة‬
‫إﻟﺣﺎدﯾﺔ ﻗﺑل أن ﺗﻛون ﻋﻠﻣﺎﻧﯾﺔ ﺗﻌﻣل ﺑﺣزم ﻋﻠﻰ إﻗﺻﺎء ﻓﻠﺳﻔﻲ ﻟﻠدﯾن ﻣن اﻟﺣﯾﺎة ﺟﻣﯾﻌﮭﺎ و اﻟﺣﯾﺎة‬
‫اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ أﻗل ﺗﻘدﯾر‪ ،‬ﺑذﻟك ﻛﺎﻧت اﻟﻧﺧب اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﻣن ﺣﯾث ﺗﻌﻲ أو ﻣن ﺣﯾث ﻻ ﺗﻌﻲ‬
‫ﺗﺗﺑﻧﻰ ﻓﻲ اداﺋﮭﺎ اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻷﻧﻣوذج اﻟﻣﺎدي‪ ،‬وھو أﻧﻣوذج دﻧﯾﺎﻧﻲ ﻣن اﻟﻌﺳﯾر ﺗرﻛﯾﺑﮫ ﻋﻠﻰ واﻗﻊ‬
‫ﻣﻔﻌم ﺑﺎﻟﺗدﯾن اﻟﺻوﻓﻲ ﻛواﻗﻊ اﻟﺳودان‪ ،‬و ﻣن ھﻧﺎ ﺑﺎن ﺑوار ﻣﺷﺎرﯾﻊ ﻧﺧب اﻹﻧﺳﻼخ و اﻟﺗﺣدﯾث‪.‬‬
‫و إن ﻛﺎﻧت اﻟﻧﺧب اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾﺔ ﻗد ﺗﺑﻧت اﻷﺳﺎس اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ اﻟﻣﺎدي ﻓﺈن اﻟﻧﺧب اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ‬
‫ﺗﺑﻧت اﻷﺳﺎس اﻟﻣﺎدي ذاﺗﮫ ﻟﻛن ﻓﻲ ﺻورﺗﮫ اﻟﺟدﻟﯾﺔ‪ ،‬و ھو اﻟﻣﺳﺗورد ﻣن ﺷرق اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻐرﺑﻲ‪ ،‬و‬
‫ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﻧﺧب اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ ﺗردد ﻣﻘوﻻت اﻟﻣﺎدﯾﺔ اﻟﺟدﻟﯾﺔ ﺑﺣذاﻓﯾرھﺎ ﻣﺛل ”اﻹﺷﺗراﻛﯾﺔ‬
‫اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ“ ﻛﺎن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺳوداﻧﻲ اﻟزراﻋﻲ ﯾﻧظر إﻟﻰ ذﻟﻛم اﻟﺷﻌﺎر ﺑﺑﻼھﺔ ﻣﺗﻧﺎھﯾﺔ‪ ،‬و ﻟﯾس ذﻟك‬
‫ﻣن ﻗﺻور ﻓﻲ ذھن اﻟﻣزارع أو اﻟﻌﺎﻣل اﻟﺑﺳﯾط‪ ،‬إﻧﻣﺎ اﻟﻌطب ﻛﺎﻣن ﻓﻲ ذھن اﻟﻧﺧب اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ‬
‫اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺗورد أدوﯾﺔ اﻟﻐرب ﻷﺟل أدواء اﻟﺷرق و ھذا إن ﺻدق دواؤه ﻋﻠﻰ ﻋﻠل‬
‫اﻟﺑدن ﻓﻼ ﯾﺻدق ﺑﺣﺎل ﻋﻠﻰ ﻋﻠل اﻟﺟﻣﺎﻋﺎت؛ إذ أن اﻟﺑﻌد اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺑﻌد ﻛﺛﯾف اﻟﺗﻌﻘﯾد ﻻ ﺗﻧﺟﻊ‬
‫ﻓﯾﮫ اﻟوﺻﻔﺎت اﻟﺳﺎذﺟﺔ و ﻻ اﻟﺣﻠول اﻟﻣﺗﻌﺟﻠﺔ‪.‬‬
‫اﻹﺳﺗﻐراق ﻓﻲ اﻟدﻋﺎوى اﻟﻘوﻣﯾﺔ‪:‬‬
‫إن ﻣن ﻟوازم اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻣﺎدﯾﺔ اﻹﻋﻼء ﻣن ﺷﺄن اﻟﺗﻘﯾﯾم ﻋﻠﻰ أﺳس ﻋرﻗﯾﺔ و ﻗوﻣﯾﺔ‪ ،‬وﻟﻣﺎ وﺟدت‬
‫أوروﺑﺎ أن إطﺎر اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ﻗد ﺟر ﻋﻠﯾﮭﺎ وﯾﻼت اﻟﺻراع و اﻟﺣروب اﻟدﯾﻧﯾﺔ اﺳﺗﺑدﻟت ذﻟك اﻹطﺎر‬
‫ﺑﺎﻹطﺎر اﻟﻘوﻣﻲ‪ ،‬و ﺷﺎﻋت ﻣﻌﮫ اﻟﻔﻠﺳﻔﺎت اﻟﻣﺎدﯾﺔ ﻓﻲ اﻹﺟﺗﻣﺎع اﻟﺑﺷري ﻛﺎﻟﻧﺎزﯾﺔ و اﻟﻔﺎﺷﯾﺔ و‬
‫اﻟداروﯾﻧﯾﺔ اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ذات اﻷﺳﺎس اﻟﻧظري اﻟﻣﺎدي اﻟﻣﺣض‪ ،‬و ﻛﺎن ﻟدﻋﺎة اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﺳودان‬
‫ﻧﺻﯾب واﻓر ﻣن دﻋوى اﻟﻘوﻣﯾﺔ‪ ،‬و ﻟﻣﱠﺎ ﻛﺎن اﻟﺳودان ﺑﻠدا ﻣﺗﻌدد اﻟﻘوﻣﯾﺎت و اﻷﻋراق؛ ﻓﺈن‬
‫اﻟﻧﺧب اﻟﺳوداﻧﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ طرﺣت ﻋدة ﻗوﻣﯾﺎت ﻣﺗﺿﺎرﺑﺔ‪ ،‬ﻛل ﯾﻐﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻗوﻣﯾﺗﮫ ﺑﺣﺳﺑﺎن أﻧﮭﺎ‬
‫اﻟﻣﻧﻔذ اﻟذي إذا وﻟﺞ اﻟﺳوداﻧﯾون ﻋﺑر ﺑواﺑﺗﮫ ﺣُﻠ ﱠت ﻣﺷﻛﻼﺗﮭم و اﻧﺻﻠﺣت أﺣواﻟﮭم‪ ،‬و ﻟو ﻧظرﻧﺎ‬
‫إﻟﻰ أوروﺑﺎ اﻟﻘرن اﻟواﺣد و ﻋﺷرﯾن ﻟﺗﺑﯾﱠن ﻟﻧﺎ أﻧﮭﺎ ﻗد ﺗﻧﺎزﻟت ﻋن ذﻟك اﻹطﺎر اﻟﺿﯾق اﻟذي أذاﻗﮭﺎ‬
‫وﯾﻼت ﺣرﺑﯾن ﻋﺎﻟﻣﯾﺗﯾن إﻟﻰ إطﺎر أوﺳﻊ‪ ،‬إﻻ أن اﻟﻧﺧب اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﻻ زاﻟت ﺗرزح ﺗﺣت وطﺄة‬
‫اﻟﺗﻘﻠﯾد اﻷﻋﻣﻰ ﻟﻛل واﻓد ﻣن اﻟﻐرب و ﻟو ﻟﻔظﮫ اﻟﻐرب ﻧﻔﺳﮫ‪.‬‬
‫وﻋﺑر دﻋوات ﺳوداﻧوﯾﺔ و أﺧرى إﻓرﯾﻘﺎﻧﯾﺔ و أﺧرى ﻋرﺑﯾﺔ و أﺧرى أﻓروﻋروﺑﯾﺔ و أﺧرى‬
‫ﻧوﺑﯾﺔ ﺗﻧوﻋت ﺗوﺻﯾﻔﺎت اﻟﺣﱡذاق ﻣن دﻋﺎة اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ ﻣن أﺟل ﺗﺣدﯾد ھُوﯾﺔ اﻟﺳودان‪ ،‬و ﻛﺄن ﻣﺷﻛﻠﺔ‬
‫اﻟﺳودان ھذه ﺗﺗﻌﻠق ﻓﻘط ﺑﺎﻟﮭُوﯾﺔ‪ ،‬و ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﮭُوﯾﺎت ﻣﺗﻌددة ﻓﺈن ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﺳودان ﻣن ﻣﻧظور‬
‫ھؤﻻء ﻻ ﺣل ﻟﮭﺎ؛ إﻻ أن ﺗﺳود ﻗوﻣﯾﺔ ﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب ﻗوﻣﯾﺎت أ ُﺧرى ﻟﮭﺎ ذات اﻟﺣق ﻓﻲ اﻟﻌﯾش و‬
‫اﻟﺗﻣﺗﻊ و اﻹﻧﺗﻣﺎء إﻟﻰ أرض اﻟوطن اﻟﻣﻧﻛوب‪ ،‬و ھذا ﻋﯾن اﻟﻔﺦ اﻟذي ﻧﺻﺑﮫ اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر ﻟﻌدﯾد‬
‫اﻟﺑﻠدان اﻟﺗﻲ اﺳﺗﻌﻣرھﺎ ﺣﺗﻰ ﺗُﻘﻌدھﺎ اﻟﺧﻼﻓﺎت اﻟداﺧﻠﯾﺔ ذات اﻟﺣﻠول اﻟﻣﺳﺗﺣﯾﻠﺔ ﻋن أي ﻧﮭﺿﺔ او‬
‫ﺗﻘدم‪ ،‬وﻣن ﺛم ﺿﻣﺎن ﺗﺑﻌﯾﺗﮭﺎ ﻟﻠﻣﺳﺗﻌﻣر ﻣدى ﺣﯾﺎﺗﮭﺎ وﯾﺑدو أن اﻟﻧﺧﺑﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﻗد واﻗﻌت ذﻟك‬
‫اﻟﻔﺦﱠ ﺑﺗﻣﯾﱡز ﺷدﯾد‪.‬‬
‫اﻟرﻓض اﻟﻘﺎطﻊ ﻟﻠرؤى اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ‪:‬‬
‫ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﻧﺧب اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﻗد ﺗﻠﻘت ﻣﻧﺎھﺟﮭﺎ و ادواﺗﮭﺎ ﻣن اﻟﻣﺳﺗﻌﻣر اﻟﻐرﺑﻲ و‬
‫ﻣؤﺳﺳﺎﺗﮫ اﻟﺗﻲ ﺧﻠﻔﮭﺎ ﻣن وراﺋﮫ؛ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻗد ورﺛت ﻋﻧﮫ ذات اﻟرؤﯾﺔ اﻟراﻓﺿﺔ ﻹﻗﺣﺎم اﻟدﯾن ﻓﻲ‬
‫اﻹطﺎر اﻟﻌﺎم‪ ،‬وھﻲ ﺑﮭذا ﻋزﻓت ﻋن اﻟﻧظر ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻣرﻓوض و ﻗﺎﯾﺳﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻋﺟل ﺑﺎﻟﻣرﻓوض‬
‫اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ‪ ،‬ﻣﻊ اﻟﺑون اﻟﺷﺎﺳﻊ ﺑﯾن اﻹﺳﻼم و اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ‪ ،‬و ﻟﻌل ھذا اﻟﻌزوف اﻟﻧﺧﺑوي اﻟﺳوداﻧﻲ‬
‫ﻋن اﻟﻧظر ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺞ اﻹﺳﻼم و ﻧظرﺗﮫ ﻟﻺﻧﺳﺎن و اﻟﻛون ﺟﻌل ھذه اﻟﻧﺧب ﺗﺑدو ﻣوﻏﻠﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺑﻼھﺔ ﻟﻣﺎ ﺗُﻘدم ﻋﻠﻰ ﻧﻘد أﻧﻣوذج اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺣﻛم و اﻟﺣﯾﺎة؛ ﻓﻠو ﻟم ﺗﺳﺗدع ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﺗﻧﺔ اﻟﻛﺑرى‬
‫و اﻟدوﻟﺔ اﻷﻣوﯾﺔ و اﻟﻌﺑﺎﺳﯾﺔ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﺳﺗدﻋﻲ أﻧﻣوذج ﺣﻛم اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻟﺗﻌﺿد ﻣن ﺧﻼل‬
‫اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻋدم ﺟدوى اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻹطﺎر اﻟﻌﺎم‪ ،‬و ﯾﻔوﺗﮭﺎ أن اﻷول ﻟﯾس إﻻ ﺗﺣﻘق ﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻣﻔﺎرق‬
‫ﻟﻸﻧﻣوذج اﻟﻧظري اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻣدى ﺷﺎﺳﻊ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﯾﺗﻠﺧص ﻓﻲ أن ﻋﯾب أﻧﻣوذج ﺣﻛم اﻟﺣرﻛﺔ‬
‫اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻷول ھو ﺗورطﮭﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﺗورط ﻓﯾﮫ اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾون ﻣن ﺗﺑﻧﯾﮭم ﻷﻧﻣوذج اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ‬
‫ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرھﺎ اﻟوﺻﻔﺔ اﻻﻣﺛل ﻹدارة اﻟﺷﺄن اﻟﻌﺎم‪.‬‬
‫اﻟﻧﺧﺑوﯾﺔ اﻟﻣﻔرَ طﺔ‪:‬‬
‫ﺗﻣﯾز اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﺗﺣدﯾﺛﻲ اﻟﺳوداﻧﻲ ﺑﻧﺧﺑوﯾﺔ ﺳﺎﻓرة‪ ،‬و رﺑﻣﺎ ﯾرﺟﻊ ذﻟك ﺑﺎﻷﺳﺎس إﻟﻰ طﺑﯾﻌﺔ ﻣن‬
‫ﺗﺑﻧﺎه ﻣﻣن درﺳوا ﻓﻲ ﻣؤﺳﺳﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﺣدﯾث و ﻧﺿﺟت ﻋﻘوﻟﮭم ﻓﻲ أروﻗﺔ اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ‪ ،‬و‬
‫ظﻠت رؤاھم ﺣﺑﯾﺳﺔ اﻟﻣﺟﺎﻟس اﻟﺧﺎﺻﺔ ﻻ ﺗﻛﺎد ﺗﻐﺎدر ﺟدر اﻟﺻواﻟﯾن اﻟﻣﻐﻠﻘﺔ ﻗﯾد أﻧﻣﻠﺔ‪ ،‬و ﻣن‬
‫ﻏرﺑﺗﮭﺎ اﻟﻌﺎرﻣﺔ ظﻠت ﻣﺳﺗﻧﻛرة ﻋﻧد اﻟﺟﻣﺎھﯾر و ﺑﻌﯾدة ﻋن وﺟداﻧﮭم‪ ،‬و اﻟﺣق إن وﺻﻔﺔ‬
‫اﻹﺻﻼح ﻷﯾﻣﺎ ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن اﻟﻧﺎس ﻻﺑد أن ﺗﻧﺑﻊ ﻣن ﺟذورھم‪ ،‬و أي وﺻﻔﺔ ﺗﻌول ﻋﻠﻰ ﻗوة‬
‫اﻟﺳﻠطﺔ أو ھﯾﻣﻧﺔ اﻟﻧﺧﺑﺔ ﻓﻣﺻﯾرھﺎ اﻟﺑوار‪ ،‬وھذا واﺿﺢ ﻣﻣﺎ ﺗﻌﺎﻧﯾﮫ ﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻹﺻﻼح اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ‬
‫ﻣن إﻧﻐﻼق ﻓوﻗﻲ و اﻧﺣﺑﺎس ﻗﺳري ﻋن اﻟﺟﻣﺎھﯾر‪.‬‬
‫ﻣﺎ اﻟﻣطﻠوب ﻣن اﺻﺣﺎب ﻣﺷروع اﻟﻌﻠﻣﻧﺔ‪:‬‬
‫رﺑﻣﺎ ﯾﻛون اﻟﻌﺎﻣل اﻷﺳﺎس اﻟذي ﯾدﻓﻊ ﻣﺗﺑﻧﻲ اﻟﺣداﺛﺔ إﻟﻰ اﻋﺗﺑﺎرھﺎ اﻟﻣﺧرج اﻷوﺣد ﻟﻣﺷﻛﻼت‬
‫أﻣﺗﮫ؛ ھو ﻋﺎﻣل اﻟﺷﻌور ﺑﺎﻻﻧﮭزام اﻟﺣﺿﺎري ﺗﺟﺎه اﻟﻐرب اﻟﻣﮭﯾﻣن و اﻟﻘﺎﺑض ﻋﻠﻰ زﻣﺎم أﻣر‬
‫اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻧذ ﻋﮭد ﺑﻌﯾد‪ ،‬و ﻛذﻟك اﻟﺣﯾل اﻟﺣداﺛﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﺑﻌﮭﺎ ﻣﻧﺗﺟو اﻟﺣداﺛﺔ ﻓﻲ ﺳﺑﯾل ﺗﺳوﯾﻘﮭﺎ‬
‫ﺑوﺻﻔﮭﺎ آﺧر ﻣﺎ ﺗوﺻﻠت إﻟﯾﮫ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ و ھﻲ ﺑذﻟك ﻟﯾﺳت إﻻ ﻧﺗﺎج ”إﻧﺳﺎﻧوي“ ﻻ ﻣﺑرر ﻟرﻓﺿﮫ‪،‬‬
‫ﻣﻊ أن اﻟﻌﺎرف ﺑﻣﺿﺎرب اﻟﺣداﺛﺔ ﯾدرك أن اﻹﻧﺳﺎﻧوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗدﺛر ﺑﮭﺎ ﻟﯾﺳت إﻻ إﻗﺻﺎء ﻗﺳري‬
‫و اﻟدﯾن و إﺣﻼل اﻹﻧﺳﺎن ﻣﻛﺎن اﻹﻟﮫ‪ .‬و رﺑﻣﺎ ﺳﺎھم ذﻟك أﯾﺿﺎ ﻓﻲ ﺻد اﻟﺣداﺛﯾﯾن ﻋن اﻟﺗﻌﻣق ﻓﻲ‬
‫أطروﺣﺔ اﻹﺳﻼم؛ ﻓﺑدت ﻣواﻗﻔﮭم اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻣﻧﮫ ﺳﺎذﺟﺔ و ﻣﺗواﺿﻌﺔ‪ ،‬و ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻓﺎﻟﻣطﻠوب ﻣﻧﮭم‬
‫ﻣزﯾدا ﻣن اﻹطﻼع ﻋﻠﻰ ﻣﻧﮭﺟﯾﺔ اﻹﺳﻼم و اﻟﺑﻌد ﻋن ﻓﺦ ﻣﻘﺎﯾﺳﺗﮫ ﺑﺎاﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪ ،‬و اﻟﺗﻲ‬
‫ﻛﺎن ﻟﮭﺎ أﺛر ﻛﺑﯾر ﻓﻲ ﺗﻣﻠص اﻟﻐرب ﻋن رداء اﻟدﯾن ﺑﻛﻠﯾﺗﮫ‪ ،‬و إن اطﻼﻋﮭم ﻋﻠﻰ ﻣﻧﮭﺟﯾﺔ اﻹﺳﻼم‬
‫ﻟﻣﺎ ﯾﻘوﱢ ي ﻣﻠﻛﺗﮭم اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻟﻣﻧﮭﺟﯾﺗﻧﺎ اﻟﻣﺳﺗﻧﺑطﺔ ﻣﻧﮫ؛ ﻓﺈﻧﮫ ﻧﺎﻓﻊ ﻟﻧﺎ ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺗرﻣﯾم و ﺗﻌدﯾل وھذا‬
‫ﻣﻣﺎ ﯾﻔﯾد اﻟﻣﻧﮭﺞ و ﯾﺧدم اﻟﻣﻌرﻓﺔ دوﻧﻣﺎ ﺷك‪.‬‬
‫و ﻣطﻠوب ﻣن اﻟﺣداﺛﯾﯾن ﻛذﻟك اﻟﺳﻌﻲ ﻧﺣو رؤﯾﺔ أﻛﺛر ﻣواﻛﺑﺔ و ﻣﻼءﻣﺔ و ﺗﻌﺑﯾرا ﻋن واﻗﻌﻧﺎ‬
‫اﻟﻣﻌﯾش؛ ﻓﻣﻌﻠوم أن اﻟواﻗﻊ اﻟﻐرﺑﻲ ﻏﯾر واﻗﻊ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ؛ ﻓﮭﻣﺎ ﯾﺧﺗﻠﻔﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻌﻠل‬
‫و اﻷدوﯾﺔ ﻛذﻟك‪ ،‬و ﻣن اﻟﺳطﺣﯾﺔ اﺳﺗﺟﻼب ادوﯾﺔ اﻟﻐرب ﻟﻌﻠل ﻋﺎﻟم اﻹﺳﻼم‪ ،‬و ھذا ﻣﻣﺎ ﯾﺟﻌل‬
‫رؤﯾﺗﮭم ﻟﻠﺣل أﻛﺛر اﺗﺳﺎﻗﺎ‪ ،‬ﻣﻛﺎن رؤﯾﺗﮭم اﻟﻣطروﺣﺔ اﻵن و اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺳم ﺑﺎﻟﺗﻠﻔﯾق ﻓﻲ أﻗﺑﺢ ﺻوره و‬
‫ﺑﺎﻟﻣزاوﺟﺔ اﻟﻣﺳﺗﺣﯾﻠﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺎت‪..‬‬
‫اﻟﺟزء اﻟﺛﺎﻧﻲ‪:‬‬
‫ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺞ اﻹﺣﯾﺎء و اﻟﺗﺟدﯾد‬
‫ﻣﻧﮭﺞ اﻹﺣﯾﺎء و اﻟﺗﺟدﯾد‬
‫اوﻻ ﻣﺑﺎدئ اﻟﻣﻧﮭﺞ‪:‬‬
‫ﺣول ﻣﺑدأ اﻹﺣﯾﺎء‪:‬‬
‫ﺟرت ﺳﻧﺔ ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻟدﯾن أن ﺗﻐﺷﺎه ﻏﺎﺷﯾﺔ ﻣوات؛ ﯾﻔﻘد ﺳﺎﻋﺗﮭﺎ أھم ﻣﻌﺎﻟﻣﮫ و‬
‫ﺗﻧطﻣس ﺣﯾﻧﮭﺎ ﻏﺎﻟب اﺻوﻟﮫ‪ ،‬و ﻣﮭﻣﺎ ﯾﺗﺣﻘق ﻣراد اﻟدﯾن ﻓﻲ واﻗﻊ ﺣﯾﺎة اﻟﻧﺎس و ﺗﺗﺑدل أﺣواﻟﮭم‬
‫اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ و اﻟﻣﺟﺎﻧﺑﺔ ﻟﮫ إﻟﻰ أﺣوال ﻣﺗﻼزﻣﺔ ﻣﻌﮫ ﻣﮭﺗدﯾﺔ ﺑﮭدﯾﮫ ﻣﻧﻌﻛﺳﺔ ﻋﻠﻰ واﻗﻌﮭم ﺻﻼﺣﺎ و‬
‫ﻓﻼﺣﺎ؛ ﻓﺈﻧﮭم ﻋرﺿﺔ ﻟﻺﻋراض ﻋﻧﮫ و اﻟﺗوﻟﻲ ﻋن ﺟﺎﻧﺑﮫ ﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن ﻣﻧذ إﻧزاﻟﮫ إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ‬
‫اﻹﺑﺗﻼء اﻟﻣﺎدي اﻟﻣﺷﮭود ﻣﺎ اﻧﻔك ﯾﻧﻔﺗن ﺑﻣظﺎھر ذﻟك اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺟب ذاﻛرﺗﮫ اﻟﻔطرﯾﺔ ﻋن‬
‫ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﻟﻐﯾب‪ ،‬ذﻟك اﻹﯾﻣﺎن اﻟذي أ ُودع ﻓﯾﮫ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟذر و ﻓﺻﻠﮫ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻗوﻟﮫ ‪:‬‬
‫) َو ْإ ِذ أ َﺧَ َذ رَ ﺑﱡكَ ﻣِنْ َﺑﻧِﻲ آدَمَ ﻣِنْ ُظﮭ ِ‬
‫ُورھِمْ ُذرﱢ ﯾﱠﺗَ ﮭُمْ َوأ َﺷْ ﮭَدَ ھُمْ ﻋَ ﻠ َﻰ أ َﻧْ ﻔ ُﺳِ ِﮭمْ أ َ ﻟ َﺳْ تُ ﺑ ِرَ ﺑﱢﻛُمْ ﻟﻗَﺎ ُوا ﺑَﻠ َﻰ‬
‫ﺷَﮭدْ ﻧَﺎ أ َنْ ﺗَﻘ ُوﻟ ُوا ﯾ َْومَ ْاﻟﻘِﯾَﺎ َﻣ ِﺔ إ ِﻧﱠﺎ ﻛُﻧﱠﺎ ﻋَنْ ھ ََذا ﻏَ ﺎﻓِﻠ ِﯾنَ أ ْ*َو ﺗَﻘ ُوﻟ ُوا إ ِﻧﱠ ﻣَﺎ أ َﺷْرَ كَ آﺑَﺎ ؤُ ﻧَﺎ ﻣِنْ ﻗَ ْﺑ ُل َوﻛُﻧﱠﺎ‬
‫ِ‬
‫ُذرﱢ ﯾ ًﱠﺔ ﻣِنْ ﺑَﻌْ ِدھِمْ أ َﻓَﺗُ ْﮭﻠ ِﻛُﻧَﺎ ﺑ ِ ﻣَﺎ ﻓَﻌَ َل ْاﻟ ُﻣﺑْطِ ﻠ ُونَ ( اﻷﻋراف‪ . 173 ،172 /‬و إن ﻛﺎن اﻷﻣر ﻗد‬
‫ﺗﻛرر ﻋﺑر اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻓﻲ ﻣﺧﺗﻠف اﺗﺑﺎع اﻻدﯾﺎن اﻟﺗوﺣﯾدﯾﺔ ﻓﺈن ﻋﺻرﻧﺎ ﻗد ﻻﻗﻰ ﺣظﺎ اوﻓر ﻣن‬
‫ﺳطوة اﻟﻣﺎدﯾﺔ اﻟﺣﺎﺟﺑﺔ ﻟﻠﻐﯾب‪ ،‬و ﻗد ﺗﻛﺛﻔت ﻓﯾﮫ ﺗﺄﺛﯾرات اﻟﻣﺎدة اﻟطﺎﻏﯾﺔ ﻓﺄورﺛت اﻟﻌﺎﻟم دﻧﯾﺎﻧﯾﺔ‬
‫ﻣﺣﺿﺔ ظﻠت ﺗﺻوغ ﺳﯾﺎﺳﺗﮫ و اﻗﺗﺻﺎده و ﻋﻠوﻣﮫ و اﺟﺗﻣﺎﻋﮫ‪ ،‬ﺗﻠك اﻟدﻧﯾﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺟﻌﻠت ﻣن‬
‫اﻹﻧﺳﺎن ﻛﺎﺋﻧﺎ ﻣﺗﺷﯾﺋﺎ ﻣﻧﺳﺣﻘﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻣﺣﯾط ﺑﮫ ﻣن ﻛل ﺻوب‪ ،‬ﻻ ﯾﺳﺗﺑﯾن طرﯾق ھداﯾﺗﮫ و ﻻ‬
‫ﯾﺗﺳﺎءل ﻋن ﻣﺑدإ و ﻻ ﻋن ﻣﺻﯾر‪.‬‬
‫ﺣﯾﻧﻣﺎ ﺗﺣﯾط ﻏﺎﺷﯾﺎت اﻟﻣﺎدة اﻹﻧﺳﺎن ﻣن ﻛل ﺣدب ﻓﺈن أﻗدار ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﺟري ﺑﺣﯾث‬
‫ﺗﻌﯾن اﻹﻧﺳﺎن ﻋﻠﻰ ﺗﺑﺻر اﻟﺳﺑﯾل ﻣن ﺑﻌد اﻟﺿﻼﻟﺔ‪ ،‬إﻣﺎ ﻋﺑر رﺳﺎﻟﺔ ﺟدﯾدة و رﺳول ﻗدوة ﯾﺣﯾﻲ‬
‫ﻣﺎ ﻣﺎت ﻣن ﻗﯾم اﻟﻐﯾب اﻟﻣطﻣوﺳﺔ ﻓﻲ اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺣﺟوب و ﯾﻧﻌش ذاﻛرﺗﮫ اﻟﻔطرﯾﺔ ﻓﯾرﺗد ﻣن ﺑﻌد‬
‫ﺿﻼل و ﻋﻣﻰ إﻟﻰ اھﺗداء و ﺑﺻﯾرة ﻓﺗﺷﺑﮫ رﺳﺎﻟﺔ ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ أﻣطﺎر اﻟﺳﻣﺎء اﻟﺗﻲ ﺗﺣﯾﻲ‬
‫اﻷرض ﻣن ﺑﻌد ﺟﻔﺎﻓﮭﺎ و ﺟدﺑﮭﺎ و إھﻼك زرﻋﮭﺎ ﻓﺗﻌود ﺧﺿراء ﻧﺿرة ﯾﻘول ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪:‬أ َ)ﻟ َمْ ﯾَﺄ ِْن‬
‫ﻛَﺎ ﱠ ذِﯾنَ أ ُوﺗُوا ْاﻟﻛِﺗَﺎبَ ﻣِن‬ ‫ﻟ ِﻠ ﱠ ذِﯾنَ آﻣَﻧُوا أ َن ْﺗَﺧﺷَﻊَ ﻗ ُﻠ ُو ُﺑﮭُمْ ﻟِذِﻛْ ِر ﱠﷲ ِ َوﻣَﺎ ﻧَزَ َل ﻣِنَ اﻟْﺣَ قﱢ َوﻻ ﯾَﻛُوﻧُوا ﻟ‬
‫ُونَﻠ َ*ﻣُوا أ َنﱠ ﱠﷲ َ ﯾُﺣْ ﯾ ِﻲ اﻷ َرْ ضَ ﺑَﻌْ َد‬ ‫ﻓَطﺎ َل ﻋَﻠ َ ﯾ ِْﮭمُ اﻷ َ َﻣ ُد ﻓَﻘَﺳَتْ ﻗ ُﻠ ُو ُﺑﮭُمْ َوﻛَ ﺛِﯾ ٌر ﻣﱢﻧْ ﮭُمْ ﻓَﺎﺳِ ﻘ اﻋْ‬ ‫ﻗَ ْﺑ ُل َ‬
‫ت ﻟ َﻌَ ﻠ ﱠﻛُمْ ﺗَﻌْ ﻘِﻠ ُونَ ( أو ﺗﻘوم ﺑﮫ ﺟﻣﺎﻋﺔ ﺗﺗدارك أﺻول اﻹﯾﻣﺎن و ﺗﺳﺗﻌﯾد ﻣﺎ‬ ‫ﻣ َْوﺗِﮭَﺎ ﻗَدْ َﺑﯾﱠﻧﱠﺎ ﻟ َﻛُم ُ اﻵﯾَﺎ ِ‬
‫َت أ ُ ﻣ ٌﱠﺔ ﻣﱢﻧْ ﮭُمْ ﻟ ِمَ ﺗَ ﻌ ُِظونَ ْﻗَوﻣًﺎ ﱠﷲ ُ ُﻣ ْﮭﻠ ِﻛُ ﮭُمْ أ َْو‬ ‫اﻧطﻣس ﻣن ﻣﻌﺎﻟﻣﮫ ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﻗوﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪)َ :‬وإ ِْذ ﻗَﺎﻟ ْ‬
‫ونَ َﻣ*ﱠﺎ ﻧَ ﺳُوا ْ ﻣَﺎ ُذﻛﱢ رُوا ْ ﺑ ِ ِﮫ أ َﻧﺟَ ﯾْﻧَﺎ اﻟ ﱠ ذِﯾنَ‬
‫ﻣُﻌَ ﱢذ ُﺑﮭُمْ ﻋَ َذاﺑًﺎ ﺷَ دِﯾدً ا ﻗَﺎﻟ ُواْ ﻣَﻌْ ذِرَ ةً إ ِ ﻟ َﻰ رَ ﺑﱢﻛُمْ َوﻟ َﻌَ ﻠ ﱠﮭُمْ ﯾَﺗﱠﻘ ُ ﻓَﻠ‬
‫ِﯾس ﺑ ِ ﻣَﺎ ﻛَﺎﻧُوا ْ ﯾَﻔْ ﺳُﻘ ُونَ ( و ﻟﻣﺎ ﻛﺎن اﻹﺳﻼم دﯾﻧﺎ‬ ‫ب َﺑﺋ ٍ‬ ‫ﯾَﻧْ ﮭ َْونَ ﻋَ ِن اﻟﺳﱡوءِ َوأ َﺧَ ْذﻧَﺎ اﻟ ﱠ ذِﯾنَ َظﻠ َﻣُوا ْ ﺑ ِﻌَ َذا ٍ‬
‫ﻣﻛﺗﻣﻼ و اﻟرﺳول ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ ﻧﺑﯾﺎ ﺧﺎﺗﻣﺎ ﻓﺈن ﻣﺑدأ اﻹﺣﯾﺎء ظل ﻣﺄﺻوﻻ ﻓﻲ ﺧطﺎب ﷲ‬
‫اﻟﻣؤﺳس و ﺗﺟﻠﻰ ذﻟك ﻓﯾﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﮫ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺟﻣﺎﻋﺎت و أﻓرادا ﻋﺑر ﺗﺎرﯾﺧﮭم اﻟﺑﻌﯾد و اﻟﻘرﯾب‬
‫ﺑﻌﻣﻠﯾﺎت إﺣﯾﺎء ﻣﺗواﺻﻠﺔ ﺗواﻟﻲ إﻧﻌﺎش ذاﻛرة اﻹﯾﻣﺎن أﻻ ﯾُﻧﺳﻰ أو ﺗﺧﺑو ﺟذوﺗﮫ‪ ،‬و ﻗد ﻛﺎن‬
‫اﻹﺣﯾﺎء ﻋﺑر ﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼم ﻣﺑدأ ﻣﻔﺻﻠﯾﺎ ﺳﺎھم ﻓﻲ أن ﺗﺑﻘﻰ أﺻول اﻹﺳﻼم ﺣﯾﺔ ﻣﺗﻘدة‪.‬‬
‫اﺳﺗﺷﻌﺎرا ﻣﻧﺎ ﺑﺿرورة اﻹﺣﯾﺎء و ﻧﻔﺎذ أﺛره ﻓﻲ ھداﯾﺔ و إﺻﻼح واﻗﻊ اﻹﻧﺳﺎن؛ ﻓﺈﻧﻧﺎ اﻋﺗﻣدﻧﺎه‬
‫ﻣﺑدأ أﺳﺎﺳﯾﺎ ﻗﺎﺋﻣﺎ ﻋﻠﻰ أﺻول اﻹﺳﻼم اﻟﺣﯾﺔ ﻧﻌﻧﻲ ﺑذﻟك اﻟﻘرآن و ﺳﻧﺗﮫ اﻟﺗﺎﺑﻌﺔ؛ ﻓﻣﮭﻣﺎ ﻟﺣق‬
‫اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣن ﻧﺳﯾﺎن ﺑﻔﻌل ﺗطﺎول ﻋﮭد ﻧزول اﻟرﺳﺎﻟﺔ ﻓﺈن ﻛﺗﺎب ﷲ اﻟﺧﺎﻟد ﻻ زال ﯾذﻛرھم ﺑﺗﻌﺎﻟﯾم‬
‫اﻟﻐﯾب اﻟﻣﺧﺑوءة ﻓﻲ ﻓطرﺗﮭم‪ ،‬و ﻛﯾﻔﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﺳﺗﺟﺎﺑﺗﮭم ﻟﻠذﻛرى ﻛﺎﻧت ﺣﯾﺎﺗﮭم‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘدر اﻟﺿﺋﯾل ﻣن‬
‫اﻹﺳﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟﻠذﻛرى ﯾورث ﺣﯾﺎة ﺿﺋﯾﻠﺔ و اﻟﻘدر اﻷﻋظم ﯾورث ﺣﯾﺎة ﻋظﯾﻣﺔ‪ ،‬ﯾﻘول ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪) :‬ﻧﺣنُ‬
‫أ َﻋْ ﻠ َمُ ﺑ ِ ﻣَﺎ ﯾَﻘ ُوﻟ ُونَ َوﻣَﺎ أ َﻧتَ ﻋَ ﻠ َ ﯾ ِْﮭم ﺑ ِﺟَ ﺑ ٍﱠﺎر َﻓَذﻛﱢرْ ﺑ ِْﺎﻟﻘ ُرْ ِآن ﻣَن ﯾَﺧَ ﺎفُ َوﻋِ ﯾد( ﺳورة ق اﻵﯾﺔ ‪،45‬‬
‫وﻟﻌل ﻣﮭﻣﺗﻧﺎ اﻷوﻟﻰ ﺗﻛﻣن ﻓﻲ إﺷﺎﻋﺔ اﻟذﻛرى ﺑﺎﻟﻘرآن ﻓﻣﺎ ﻣن ﻛﺗﺎب ﻣﻧزل أو ﻣﻔﺗرى ﺣﺎز ﻗدرﺗﮫ‬
‫ﻋﻠﻰ ھداﯾﺔ واﻗﻊ اﻹﻧﺳﺎن ﻛﯾﻔﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻛﺎﻧﮫ و ﻣﺗﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن زﻣﺎﻧﮫ‪.‬‬
‫ﺣول ﻣﺑدأ اﻟﺗﺟدﯾد‪:‬‬
‫ﻛﺛﯾرا ﻣﺎ ﺗردد ﻓﻲ اﻵوﻧﺔ اﻷﺧﯾرة ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺗﺟدﯾد ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺑوﺻﻔﮫ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﯾﺳﻌﻰ‬
‫ﻋﺑرھﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون إﻟﻰ ﺗدارك ﻓﻘﮭﮭم و ﻣن ﺛم واﻗﻌﮭم اﻟذي ﺑﺎن ﻟﮭم اﻧﺣطﺎطﮫ ﺑﻌد أن ﻗﺎﯾﺳوه إﻟﻰ‬
‫واﻗﻊ اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ و إﻟﻰ ﺗﺎرﯾﺧﮭم اﻟﺣﺿﺎري اﻟزاھر و ﻟم ﺗﺑﻠﻎ ﻣﺟﮭوداﺗﮭم اﻟﺗﺟدﯾدﯾﺔ إﻻ أﻧﮭﺎ‬
‫ﻟﺣﻘت ﺗﺟدﯾد اﺻول اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﺑر اﻟﻣﺟﮭود اﻟﻔذ اﻟذي ﺑذﻟﮫ اﻟﺷﯾﺦ اﻟدﻛﺗور ﺣﺳن اﻟﺗراﺑﻲ‬
‫رﺣﻣﮫ ﷲ و إن ﻟم ﯾﻛن ﻣﻌﻧﯾﺎ ﺑﺎﻟﺗﻔﺻﯾل اﻟدﻗﯾق ﻗدر ﻋﻧﺎﯾﺗﮫ ﺑرﺳم اﻟﺧطوط اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻣﻧﮭﺞ اﺻوﻟﻲ‬
‫ﺟدﯾد‪ ،‬ﯾﺗﺟﺎوز ﻋﺑره اﻟﻣﺟﮭود اﻻﺻوﻟﻲ اﻟﻘدﯾم اﻟﻣرﺗﮭن إﻟﻰ وﻗﺎﺋﻊ ظرﻓﯾﺔ ﻣﻌرﻓﯾﺔ ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﻣﺗﺄﺛرة‬
‫ﺑﺗراث اﻟﯾوﻧﺎن و ﻣﻧطﻘﮫ اﻟﺷﻛﻠﻲ اﻟﺟﺎﻣد‪ ،‬و ﻗد ﻧﺟﺢ اﻟﺷﯾﺦ ﻓﻲ ﻣﺷروﻋﮫ إﻟﻰ ﺣد ﺑﻌﯾد و اﺳﺗطﺎع‬
‫أن ﯾﻛﺳر اﻟﻘﯾود و اﻟﺳﻼﺳل اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ﺣول ﻣﻌﺻم اﻟﻔﻘﮫ اﻟﺗﻲ ﻣﻧﻌﺗﮫ ﻣن اﻹﺑداع و ﺳﺎھﻣت ﻓﻲ‬
‫ﺟﻌﻠﮫ ﻓﻘﮭﺎ ﺟﺎﻣدا ﻻ ﯾﻛﺎد ﯾﺧﺎطب واﻗﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﻘدر ﻣﺎ ﯾﺧﺎطب ﺗﺎرﯾﺧﮭم و ﻣﺎﺿﯾﮭم‪.‬‬
‫ﻧﺗﻔق ﻣﻊ اﻟﺷﯾﺦ ﻓﻲ أﺻﺎﻟﺔ ﻣﻔﮭوم اﻟﺗﺟدﯾد ﻓﻲ اﻹﺳﻼم و ﺣﺎﺟﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻟﮫ‪ ،‬و ﯾﻌزز ذﻟك ﻣﺎ ﺟﺎء‬
‫ْس ﻛُ ﱢل ﻣِﺎﺋَ ِﺔ ﺳَ ﻧَ ٍﺔ ﻣَنْ ﯾُﺟَ ﱢد ُد ﻟ َﮭَﺎ دِﯾﻧَ ﮭَﺎ( و إن‬
‫اﻷ ﱠﻣ ِﺔ ﻋَ ﻠ َﻰ رَ أ ِ‬
‫ﻓﻲ اﻷﺛر اﻟﺻﺣﯾﺢ ) إ ِنﱠ ﱠﷲ َ َﯾﺑْﻌَ ُث ﻟ ِ َﮭ ِذ ِه ْ ُ‬
‫ﻛﺎن اﻹﺣﯾﺎء ﻣﻌﻧﯾﺎ ﺑﺑﻌث أﺻول اﻹﯾﻣﺎن اﻟﻣﻧﺳوﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻐﯾب ﻓﺈن اﻟﺗﺟدﯾد ﻣﻌﻧﻲ ﺑﺻور اﻟﺗﻌﺑﯾر‬
‫ﻋن ﺗﻠك اﻷﺻول ﻓﻲ ﻛل واﻗﻊ طﺎرئ و ﺟدﯾد‪ ،‬ﻓواﻗﻊ اﻟﻧﺎس ﻣﮭﻣﺎ أﺑطﺄ ﺑﮫ اﻟﺗﻐﯾر ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﯾﺛﺑت‬
‫ﻋﻠﻰ ﺣﺎل و أھل اﻟدﯾن ﺑﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺗدارك واﻗﻌﮭم أﻻ ﯾﺧرج ﻋن ﺣﯾز اﻟدﯾن ﻛﻠﯾﺔ‪ ،‬و إذا ﺧرج‬
‫اﻟواﻗﻊ ﻋن اﻟدﯾن ﻓﺈن اﻟدﯾن ﯾﺑﻘﻰ ﻣﺣﻔوظﺎ ﻟﻛﻧﮫ ﯾﻧﺣﺻر ﻓﻲ اﺿﯾق ﺣدوده‪ ،‬و ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن‬
‫اﻟﯾوم ﻣن ھوان و ﺗراﺟﻊ و ھﯾﻣﻧﺔ ﻏرﺑﯾﺔ ﻋﻠﻣﺎﻧﯾﺔ ﻗﺎﺑﺿﺔ ﻣﺎ ﯾدﻓﻌﮭم إﻟﻰ إﻋﻣﺎل اﻟﺗﺟدﯾد ﺑﺈﻟﺣﺎح‬
‫أﺷد ﻣن أي وﻗت ﻣﺿﻰ‪ ،‬ﻓواﻗﻌﮭم ﺗﻔﻠت ﻋن ﺣﯾز اﻟدﯾن ﺣﺗﻰ ﻏدا ﺗدﯾﻧﮭم ﻣﺣض طﻘوس ﻣﺟردة‬
‫ﻻ ﺗﻛﺎد ﺗؤﺛر ﻓﻲ واﻗﻌﮭم و ﺣﯾﺎﺗﮭم أﯾﻣﺎ ﺗﺄﺛﯾر‪ ،‬و ﺗﻼﺷت ﻛﺛﯾر ﻣن ﺗﻌﺎﻟﯾم اﻟدﯾن اﻟﺣق و اﺳﺗﺑدﻟت‬
‫ﺑﺎﻟﻛﻔر اﻟﺧﻔﻲ أو ﺑﺎﻟﺻور اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ اﻟﻣﻌزوﻟﺔ و اﻟﻌﺎﺟزة ﻋن ھداﯾﺔ اﻟﺣﺎﺿر؛ ﻓﺗﻌﻠﯾﻣﮭم و‬
‫ﺳﯾﺎﺳﺗﮭم و ﻣﺟﺗﻣﻌﮭم و اﻗﺗﺻﺎدھم ﺑل ﻛل ﻣﺳﺎﻗﺎت ﺣﯾﺎﺗﮭم ﺟرﻓﺗﮭﺎ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ذات اﻟﺗوﺟﮭﺎت‬
‫اﻟدھراﻧﯾﺔ اﻟﺳﺎﻓرة‪ ،‬و زاد ﻣن ﺑﻠواھم ﺗﻘزم ﻓﻘﮭﮭم ﻟدﯾﻧﮭم و ﻗﻠﺔ ﻣﻌرﻓﺗﮭم ﺑﺗﺎرﯾﺧﮭم و ﻋزﻟﺗﮭم ﻋن‬
‫ﻋﻧﺻر ﺣﺿﺎرﺗﮭم ﻓﻐدوا ﻛﺄﻧﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣن إﺳﻼﻣﮭم ﺻورا و أﺷﻛﺎﻻ ﻗدﯾﻣﺔ أو اﺻوﻻ و ﺗﻌﺎﻟﯾم ﻣﯾﺗﺔ‪.‬‬
‫إن ﻧزوﻋﻧﺎ ﻧﺣو اﻟﺗﺟدﯾد ﻧﻌﺑر ﺑﮫ ﻋن ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻷﺻول اﻟﺣﯾﺔ ﻟﻛن ﺑﺗﻌﺑﯾرات ﺟدﯾدة ﻓﻲ‬
‫واﻗﻌﻧﺎ اﻟظرﻓﻲ اﻟﻣﺎﺛل‪ ،‬و إن ﻛﺎﻧت ﻣﻠل اﻧﺑﯾﺎء ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﺗﻔق ﻓﻲ أﺻوﻟﮭﺎ اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ؛‬
‫ﻓﺈن ﺻور اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﺗﻠك اﻷﺻول ﺗﺧﺗﻠف ﺑﺎﺧﺗﻼف ظرف ﻛل ﻧﺑﻲ ﻣﺑﻌوث ﻓﻲ ﻗوم ﺑﻌﯾﻧﮭم‪،‬‬
‫ﻓﻘوم ﻧزﻋوا ﻧزوﻋﺎ ﻏﯾر اﺧﻼﻗﻲ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺗﮭم اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﺛل ﻗوم ﻟوط ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻼم و ﻗوم‬
‫ﻧزﻋوا ﻧزوﻋﺎ ﻣﺳرﻓﺎ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺗﮭم اﻹﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻣﺛل ﻗوم ﺷﻌﯾب و وﻗوم ﻧزﻋوا ﻧزوﻋﺎ ﻋﻠﻣﺎﻧﯾﺎ ﻓﻲ‬
‫ﻋﻼﻗﺎﺗﮭم اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻣﺛل ﻗوم ﻣوﺳﻰ‪ ،‬ﻓﺟﺎءت ﻛل رﺳﺎﻟﺔ ﻣن رﺳﺎﻻت اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن ﺗﺷدد ﻋﻠﻰ إﺣﯾﺎء‬
‫أﺻول اﻹﯾﻣﺎن اﻟﻣرﻛوز ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس و ﺗﻌﺑر ﻋن أﺻول ﺗﻠك اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺗﺟدﯾد ﯾرد اﻟواﻗﻊ اﻟﻔﺎﺳق‬
‫ﻋن ﺗﻠك اﻷﺻول‪.‬‬
‫اﻹﺣﯾﺎء و اﻟﺗﺟدﯾد و ﺑﻧﺎء اﻟﺳﻧن‪:‬‬
‫و إن ﻛﺎن اﻹﻧﺳﺎن ﻋﺑر ﺗﺎرﯾﺧﮫ ﺗﻌﺗرﯾﮫ اﻟﺣوادث و ﺗﺗﻘﻠب ﻓﻲ وﺟﮭﮫ اﻹﺑﺗﻼءات ﻛﺄﻧﻣﺎ اﻟزﻣﺎن‬
‫ﺳﯾل ﺟﺎرف ﺑﺎﻷ ﺣداث ﯾﻘذﻓﮭﺎ ﻓﻲ وﺟﮫ اﻹﻧﺳﺎن ﻗذﻓﺎ و ﺗﺑﻌﺎ ﻟذﻟك ﻛﺎﻧت اﻟﺷراﺋﻊ ﺗُﻼﺣق أﺣداث‬
‫اﻟزﻣﺎن ﻓﺗُﻘوﱢ م ﻣﺎ ﯾﻠﺣﻘﮭﺎ ﻣن ﻋوج و ﺗرد ﻣﺎ ﯾﻧﺣرف ﺑﮭﺎ ﻋن ﺻراط ﷲ اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم ﺛم ﻣﺎ ﯾﻠﺑث‬
‫اﻹﻧﺳﺎن أن ﯾﻣﺗﻠك أﻣره ﺑﮭداﯾﺔ اﻟﺷرﯾﻌﺔ و ﯾﻘوﱢ م زﻣﺎﻧﮫ ﺑﺣﯾث ﻻ ﺗُﻔزﻋﮫ اﻟطوارئ و ﻻ ﺗُرﺑﻛﮫ‬
‫اﻟﺣﺎدﺛﺎت و ﻛﺄﻧﻣﺎ واﻗﻌﮫ ﻛﻠﮫ ﯾﺻﻧﻌﮫ وﻓق ﻣراد ﷲ اﻟﺗﺷرﯾﻌﻲ و ھذا ﻏﺎﯾﺔ ﺗﺣﻘق اﻟدﯾن و ﺗﻧزل‬
‫اﻟﻣﺛﺎل ﻋﻠﻰ اﻟواﻗﻊ و ھذه اﻟﺻﻧﺎﻋﺔ ﻟﻠواﻗﻊ وﻓق ھداﯾﺔ اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﺑﻣﻌﻧﺎھﺎ اﻷﻋم ھو ﻣﺎ ﻧطﻠق ﻋﻠﯾﮫ‬
‫ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ھذا ﺑﻧﺎء اﻟﺳﻧن‪ ،‬وھو ﻣﺎ ﯾﺟﻌﻠﻧﺎ ﻧﻔﺗرق و دﻋﺎة اﻟﺗﺟدﯾد اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن اﻟذﯾن اﻧﺻب ﺟﮭدھم‬
‫اﻟﺗﺟدﯾدي ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾﺔ ”ﺗوﺳﯾﻊ“ آﻟﯾﺎت اﺻول اﻟﻔﻘﮫ ﻟﺗﺷﻣل اﻟطﺎرئ اﻟﺟدﯾد ﻣن أﺣداث اﻟزﻣﺎن دون‬
‫اﻟطﻣوح إﻟﻰ إﯾﺟﺎد اﻧﻣوذج اﻟﺻﻼح اﺑﺗداء‪ ،‬ذﻟك اﻷﻧﻣوذج اﻟذي ﯾرﻣز إﻟﯾﮫ اﻟﻘرآن ﺑﺳﻧﺔ ﷲ‪.‬‬
‫و ﻟﻣﺎ ﻛﻧﺎ ﻧﺣﯾﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﺻﯾﻎ ﻣزاﺟﮫ وﻓق اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﺣﻛﻣت ھﯾﻣﻧﺗﮭﺎ ﻋﻠﯾﮫ وﺷدّت‬
‫وﺛﺎﻗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺻﻣﮫ ﻓﺈن اﺑﺗﻼء اﻹﺣﯾﺎء و اﻟﺗﺟدﯾد و ﻣن ﺛم ﺑﻧﺎء اﻟﺳﻧن اﻟﺻﺎﻟﺣﺔ وﻓق ﺷرﯾﻌﺔ ﷲ‬
‫ﻟﮭو أﺷد اﺑﺗﻼء ﯾﺟﺎﺑﮭﮫ اﻟﻌﻘل اﻟﻣﺳﻠم ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺧﮫ‪ ،‬و ﻟو ﺗﺄﻣﻠﻧﺎ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺷرك ﺑﺟﻣﯾﻊ اﺷﻛﺎﻟﮫ ﻓﺈﻧﮫ‬
‫ﯾﺧﻠو ﻣن ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺷرك اﻟﻣﮭﯾﻣن اﻟﺗﻲ ﻧﻌﺎﯾﺷﮭﺎ اﻵن‪ ،‬و ﻟﻌل اﻟﻧﺎظر إﻟﻰ ﻣﯾﻘﺎت ﻧزول ﺷرﯾﻌﺔ‬
‫اﻹﺳﻼم ﻟﯾﻠﺣظ أن اﻹﺳﻼم أول ﺗﻧزﱡ ﻟﮫ وﺟد ﺑﻌﺿﺎ ﻣن ﻣﺳﺎﺣﺎت ﺧﺎﻟﯾﺔ ﻓﻲ وﺟدان اﻹﻧﺳﺎن و‬
‫أﺧرى ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻣﮫ؛ ﻓﻣﻸ اﻟﻔراغ و اﺳﺗﺣوذ ﻣن ﺛم ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾز اﻟﻣﻣﻠوء‪ ،‬و رﺑﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺣﺎﻟﺔ اﻹﻧﮭﯾﺎر‬
‫اﻟﻘﯾﻣﻲ اﻟﻌﺎم ﻓﻲ اﻟﺣﺿﺎرات اﻟﺗﻲ ﻋﺎﺻرﺗﮭﺎ ﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼم أول ﺗﻧزﻟﮭﺎ ﻗد أﺳﮭﻣت ﺑﻘدر ﻛﺑﯾر‬
‫ﻓﻲ أن ﺗﻣﻸ اﻟﺷرﯾﻌﺔ –ﺑﺄھﻠﯾﺗﮭﺎ اﻟﻐﺎﻟﺑﺔ و ﻗﯾﻣﮭﺎ اﻟﻌﻠﯾﺔ– ﺗﻠﻛم اﻟﻣﻛﺎﻧﺔ و ان ﺗﺳد ذﻟﻛم اﻟﻔراغ‪ ،‬ﻟﻛﻧﻧﺎ‬
‫اﻵن ﺑﯾن ﯾدي ﻋﺎﻟم ﺗﻧﻌدم ﻓﯾﮫ اﻟﻣﺳﺎﺣﺎت اﻟﺧﺎﻟﯾﺔ و إﻧﺳﺎن ﻣزدﺣم اﻟوﺟدان ﻋﺑر ﻗﯾم اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫اﻟﻐرﺑﯾﺔ وآﻟﯾﺎﺗﮭﺎ اﻟﻧﺎﻓذة ﻣن ﺗﻌﻠﯾم و إﻋﻼم و دوﻟﺔ ﻗﺎﺑﺿﺔ ﺷدﯾدة اﻟوطﺄة و ﻧظﺎم ﻋﺎﻟﻣﻲ ﺑﺎﻟﻎ‬
‫اﻟﺳطوة‪ ،‬وھذا ﻣﺎ ﻧﺳﻣﯾﮫ اﻟﺷرك اﻟﻣﮭﯾﻣن‪ ،‬ذﻟك اﻟﺷرك اﻟذي ﺟﻌل ﻣن ﻋﺎﻟم اﻷﻓﻛﺎر ﺑﻣﺎدﯾﺗﮫ‬
‫اﻟﺳﺎﺣﻘﺔ ﻛﺄﻧﻣﺎ ھو أﻓق ﻣﺳدود ﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ اﻟﻧﻔﺎذ إﻟﯾﮫ إﻻ ﻋﺑر ﻣﺟﮭود ﻣﺿﺎﻋف‪.‬‬
‫ﻓﻲ ھﻛذا ﻋﺎﻟم؛ ﻻ ﺗُﺟدي طرﯾﻘﺔ اﻟﻔﻘﮭﺎء اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﯾن ﻓﻲ اﻻﻧﺗظﺎر ﺑﻌﯾدا و ﻣراﻗﺑﺔ اﻟواﻗﻊ ﺗﻘﻠﺑﮫ‬
‫ﻓﻠﺳﻔﺎت اﻟﺷرك اﻟﻣﮭﯾﻣن ﻛﯾف ﺗﺷﺎء‪ ،‬و ﻟﯾﺳت اﻟﻣﻼﺣﻘﺔ ﺑﺎﻟﻔﺗوى ﺣﯾﻧﺎ ﺑﻌد ﺣﯾن أو اﻟﻣداﻓﻌﺔ ﺑﺎﻟﻘوة‬
‫اﻟطﺎﺋﺷﺔ ﻣرة ﺑﻌد ﻣرة ذات ﻓﺎﺋدة‪ ،‬و ﻟﯾﺳت طرﯾﻘﺔ اﻟﻔﻘﮭﺎء اﻟﺗﺟدﯾدﯾﯾن اﻟذﯾن وﺳﻌوا أدوات‬
‫اﻷﺻول ﺑﺣﯾث ﺗﺑﺗﻠﻊ ﻛل ُطﻌم أﻟﻘﺗﮫ اﻟﺣداﺛﺔ و ﺗﺗﻠﻘف ﻛل ﻓﺗﺎت أھﻣﻠﺗﮫ ﻣﺟدﯾﺔ و ﻣؤھﻠﺔ ﻷن ﺗﺣﻣل‬
‫أﻣﺎﻧﺔ ﷲ ﻓﻲ أرﺿﮫ‪ ،‬إﻧﻣﺎ ﻋﺑر ﺑﻧﺎء ﺳﻧن اﻟﺻﻼح ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ﻧﺗﺣول ﻣن ﻣوﻗف اﻟﻣُﻼﺣق ﻟﻠﺗﺎرﯾﺦ‬
‫اﻟذي ﯾوﺷك أن ﯾﺗﺧﻠف ﻋﻧﮫ ﺑﺄﺑﻌد اﻵﻣﺎد إﻟﻰ ﻣوﻗف اﻟﺻﺎﻧﻊ ﻟﮫ اﻟذي ﯾﺣول اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﺑﻣﺷﯾﺋﺔ ﷲ‬
‫إﻟﻰ أﻧﻣوذج ﯾﺣﺗذي ﺷرﯾﻌﺔ ﷲ‪.‬‬
‫و ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻗد ﻣﻸت أﻓق اﻟﻌﺎﻟم و ﺳدﺗﮫ ﺑﺗﻌﺎﻟﯾﻣﮭﺎ ﻓﺈن اﻟﻣداﺧل اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ‬
‫اﻷﺣﺎدﯾﺔ و اﻟوﺻﻔﺎت اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﺗﺑدو ﻏﯾر ﺻﺎﻟﺣﺔ و ﻋدﯾﻣﺔ اﻟﻔﺎﺋدة‪ ،‬و ھذا ﺑﺎﺋن ﻣن ﻗراءة ﺗﺎرﯾﺦ‬
‫ﻋدﯾد اﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻟﺗﻲ اﺗﺧذت ﻣن أداة اﻟدوﻟﺔ وﺣدھﺎ وﺳﯾﻠﺔ ﻟﻺﺻﻼح‪ ،‬او ﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﺟﻌﻠت ﻣن‬
‫إﺻﻼح اﻟﺗﻌﻠﯾم و اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ وﺣده ﺑواﺑﺔ اﻹﺻﻼح‪ ،‬أو ﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﺟﻌﻠت ﻣن اﻹﻗﺗﺻﺎد وﺣده ﻣرﺗﻛز‬
‫اﻹﺻﻼح؛ ﻓﺟﻣﯾﻌﮭﺎ ﺑﺎﻧت ﺳوءﺗﮭﺎ و اﻧﺗﮭﻰ ﺑﻌﺿﮭﺎ إﻟﻰ ﻧﺗﺎﺋﺞ ﻛﺎرﺛﯾﺔ ﻓﺎﻗﻣت اﻟﻣﺷﻛل اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ و‬
‫زادﺗﮫ ﺗﻌﻘﯾدا ﻣن ﺣﯾث أرادات أن ﺗدرك ﻟﮫ ﺣﻼ‪ ،‬ﻷﺟل ذﻟك ﻛﻠﮫ اﻋﺗﻣدﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺞ اﻹﺣﯾﺎء و‬
‫اﻟﺗﺟدﯾد ﻣدﺧﻼ إﺻﻼﺣﯾﺎ ﺷﺎﻣﻼ‪ ،‬ﯾﺑدأ ﻣن إﻋﺎدة ﺻﯾﺎﻏﺔ وﺟدان اﻹﻧﺳﺎن ﻋﻘﻠﮫ و ﻣﻌرﻓﺗﮫ و أﺧﻼﻗﮫ‬
‫و ﺳﻠوﻛﮫ و اﻗﺗﺻﺎده و ﺳﯾﺎﺳﺗﮫ و ﺗﻌﻠﯾﻣﮫ و ﺛﻘﺎﻓﺗﮫ ﺑﺎﻟﺗﻣﺎھﻲ ﻣﻊ ﻣدﻟول اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ اﻟﻣﺑﺳوط‬
‫ﻓﻲ اﻟﻘرآن اﻟذي ﺑﯾﻧﮫ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ و ﺳﻠم ﺑﺎﻷﺳوة اﻟﺣﺳﻧﺔ اﻟﺻﺎﻟﺣﺔ‪ ،‬ﻛون أن اﻟﻘرآن‬
‫ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ھو اﻟﻌﻣود اﻷول اﻟذي ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﮫ ﻣﺷروﻋﻧﺎ ﻟﻺﺻﻼح و ﻛوﻧﮫ اﻟﻛﺗﺎب اﻷﻗدر –‬
‫ﺑﻌد ﻣﻘﺎرﻧﺗﮫ ﺑﻛل اﻟﻛﺗب و اﻟﻔﻠﺳﻔﺎت و اﻟرؤى اﻟﻣطروﺣﺔ– ﻋﻠﻰ ﺷرح و ﺗوﺻﯾف اﻟﺣﺎل اﻟﻣﺛﻠﻰ‬
‫اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم و اﻟﺗﺎرﯾﺦ‪ ،‬و ھو ﻻ ﯾﻛﺗﻔﻲ ﺑﺗوﺻﯾف اﻟﺣﺎل ﻓﺣﺳب‬
‫ﺑل ﯾﻣﺗد إﻟﻰ إﺑﺎﻧﺔ اﻟﺳﺑﯾل اﻟﻣﻔﺿﻲ ﺣﺗﻣﺎ إﻟﻰ ﺗﻠك اﻟﺣﺎل و ذﻟك ﻻﻋﺗﺑﺎرات ﻋدة ﻟﯾﺳت ﺗﻌﺎطﻔﯾﺔ أو‬
‫وراﺛﯾﺔ ﻧذﻛرھﺎ ﺗﺣت ﻋﻧوان أﺻول ﻣﻧﮭﺞ اﻹﺣﯾﺎء و اﻟﺗﺟدﯾد‪.‬‬
‫ﺛﺎﻧﯾﺎ أﺻول اﻟﻣﻧﮭﺞ‪:‬‬
‫اﻷﺻل اﻷول‪ :‬اﻟﻘرآن و ﺳﻧﺗﮫ‬
‫إن ﻣﺷروﻋﻧﺎ ﻟﻺﺻﻼح ﯾﺻدر ﻣن اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺧطﺎب اﻟﻘرآﻧﻲ ﻣرﺟﻌﺎ ﻣﻌرﻓﯾﺎ أوﻟﯾﺎ‪ ،‬ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن‬
‫ﻧﺻوغ ھذا اﻟﻘول ﺑوﺻﻔﮫ ﻣﺳﻠﻣﺔ أوﻟﻰ ﻟﻛن ﺗﻧزﱡ ﻻ ﻋﻧد اﻟﻣزاج اﻟﻌﺎم اﻟذي ﯾطﺎﻟب ﺑﺎﻟﺑراھﯾن و إذا‬
‫اﺑدﯾت ﻟﮫ زادﺗﮫ ﺻدودا ﻧﺑﺳط ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻲ ﺑراھﯾﻧﻧﺎ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺻدور ﻋن اﻟﺧطﺎب اﻟﻘرآﻧﻲ‪ ،‬ھذا‬
‫اﻟﺻدور اﻟذي ﻧﺳﺗﺑطن ﻓﻲ ﻣﻌﻧﺎه أن اﻻﻋﺗﺑﺎر اﻷول ﻋﻧد اﻟﻧظر ﻓﻲ ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻹﻧﺳﺎن او ﻋﺎﻟم اﻟﻐﯾب‬
‫و اﻟﺷﮭﺎدة ﯾﻛون اھﺗداء ﺑﺎﻟﺧطﺎب اﻟﻘرآﻧﻲ‪ ،‬و ﻋﻧد اﻟﺳﻌﻲ ﻹﯾﺟﺎد اﻟﺣﻠول ﻟﻠﻣﺷﻛﻼت اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﺻورﯾﺔ و اﻟﻧظرﯾﺔ اﻻﻋﺗﻘﺎدﯾﺔ و اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﻓﺈن ھذا اﻟﺳﻌﻲ ﯾﻛون وﻓﻘﺎ ﻟﻠﻣﺧطط اﻟﻘرآﻧﻲ‪.‬‬
‫وھذه ﻟﯾﺳت ﻧظرة ﺟﺎﻣدة ﻣﻘﯾدة ﺗﺻدر ﻋن أﻧﻣوذج دوﻏﻣﺎﺋﻲ ﻣﻐﻠق؛ إﻧﻣﺎ ھﻲ ﻧظرة ﺗﻧطﻠق ﻣن‬
‫وﺣﻲ ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑوﺻﻔﮫ –أي ﷲ– اﻟﺟﮭﺔ اﻷﻗدر ﻋﻠﻰ ﺗوﺻﯾف اﻟﺣﺎل اﻷﻣﺛل اﻟﺗﻲ‬
‫ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ وﺟداﻧﮫ و ﻋﺎﻟﻣﮫ‪ ،‬ﻛون اﻹﻧﺳﺎن و اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﺻﻧﻊ ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ‬
‫و ﺗﻌﺎﻟﻰ و اﻟوﺣﻲ ﻣﻧزل ﻣن ﻋﻧده‪ ،‬و وﺣداﻧﯾﺔ ﷲ ﺗﻘﺗﺿﻲ ﺟزﻣﺎ اﺗﺳﺎق وﺻﻔﺗﮫ ﻟﺻﻼح اﻹﻧﺳﺎن‬
‫ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﺎﻟﺗﺿﺎرب ﺑﯾن وﺣﻲ ﷲ و وﺟدان اﻹﻧﺳﺎن و طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ھذا اﻹﻋﺗﺑﺎر ﻣﺳﺗﺣﯾل‬
‫اﻟﺗﺣﻘق‪ ،‬ﻟﯾس ھذا ﻓﺣﺳب؛ ﺑل إن ﻛل رؤﯾﺔ ﺑﺷرﯾﺔ ُطرﺣت ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑل اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ أو ادﻋت‬
‫ﻗدرﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ھداﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن و إﺻﻼح اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺎن ﺑوارھﺎ و ﻣﺎ ﻟﺑﺛت أن ﺗوارت ﺧﺟوﻟﺔ أﻣﺎم أدﻧﻰ‬
‫ﻣﺣﺎوﻻت اﻟﻧﻘد اﻟﻣوﺿوﻋﻲ اﻟﮭﺎدف‪ ،‬ﻛوﻧﮭﺎ رؤﯾﺔ ﻧﺳﺑﯾﺔ ﺻﺎدرة ﻋن إرادة ﺑﺷرﯾﺔ ﻣﺣﺎطﺔ ﻏﯾر‬
‫ﻣﺣﯾطﺔ ﺑﺎﻟزﻣﺎن و ﺗﻘﻠﺑﺎﺗﮫ و اﻟﺗﺎرﯾﺦ و اﺳراره و اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل و ﻣﺟﮭوﻻﺗﮫ‪.‬‬
‫إﻧﻧﺎ ﻧﻌﺗﺑر اﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺻﺎدرة ﻋن اﻟﻘرآن ﻣﻌرﻓﺔ ﻣوﺿوﻋﯾﺔ‪ ،‬ذﻟك ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ ﻋﺎﺋد إﻟﻰ ﺧُ ﻠوھﺎ ﻣن‬
‫اﻟﻘﺻور اﻟذي ﺗﻌﺎﻧﯾﮫ اﻟﻣﻌﺎرف اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻷﺧرى‪ ،‬اﻟﺗﺟرﯾﺑﺔ او اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ او اﻟﺑﺎطﻧﯾﺔ و ﻧﺣو ذﻟك و‬
‫ھذا راﺟﻊ إﻟﻰ اﺗﺻﺎف اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ اﻟﻘرآﻧﻲ ﺑﺎﻟﺻﻔﺎت اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ و اﻟﺗﻲ ﻧﻌﺗﺑرھﺎ اﻟﺑراھﯾن اﻟﻣﻔﺿﯾﺔ‬
‫إﻟﻰ ﻣﺳﻠﻣﺔ اﻻﻋﺗﺑﺎر اﻷوﻟﻰ و ھﻲ‪:‬‬
‫اﻹطﻼق‪:‬‬
‫ﻣﺎ ﻣن ﻣﻧﺗﺞ ﻓﻛري ﺑﺷري ﺣﺎز ﺻﻔﺔ اﻹطﻼق ﺑﻣﺛﻠﻣﺎ ﺣﺎزھﺎ اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ ﻓﻲ ﺻﯾﻐﺗﮫ اﻟﻘرآﻧﯾﺔ‪،‬‬
‫و اﻟﻘرآن ﻛﻣﺎ ﻧدﱠﻋﻲ و ﻧﺑرھن وﺣﻲ ﻣن ﷲ اﻟﻣطﻠق‪ ،‬اﻟذي ﻻ ﺗﻌﺗري ﻣﻌرﻓﺗﮫ ﺣدود اﻟزﻣﺎن و‬
‫اﻟﻣﻛﺎن و اﻹﻣﻛﺎن ﻓﺗﺻﯾﺑﮭﺎ ﺑﺎﻟﻘﺻور‪ ،‬ﻓﮭو ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﺧﺎﻟق اﻟزﻣﺎن و اﻟﻣﻛﺎن‪ ،‬و اﻟﻘرآن ﻋﻠم اﻧزﻟﮫ‬
‫ﷲ إﻧزاﻻ ﻋﻠﻰ اﻟرﺳول ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ و ﺳﻠم ﺑﻘﺻد ھداﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن و ھو ﺑذﻟك ﻟﯾس‬
‫ﻣﻌرﻓﺔ ﺑﺷرﯾﺔ ﻧﺳﺑﯾﺔ ﻣن إﻧﺗﺎج اﻟﺣس أو اﻟﻌﻘل أو اﻟﺗﺟرﺑﺔ أو اﻟﺣدس أو اﻟظن و ﻣﺎ ﺷﺎﺑﮫ‪ ،‬ﺑل ھو‬
‫ﻣن ﻋﻧد ﷲ ﻋﺎﻟم اﻟﻐﯾب و اﻟﺷﮭﺎدة اﻟﻛﺑﯾر اﻟﻣﺗﻌﺎل اﻟذي ﺧﻠق ﻋواﻟم اﻟﺷﮭﺎدة اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ و اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ‬
‫ﻓﺿﻼ ﻋن ﻋﺎﻟم اﻟﻐﯾب وھو اﻟﻣﻔﺳر اﻷوﺣد ﻟﻠﻌﺎﻟم ﻛﻣﺎ ھو ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﮫ دون ﺗزﯾﯾف أو ﻣﺧﺎدﻋﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻛﻠﯾﺔ‪:‬‬
‫اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ ﻋﻠم ﻛﻠﻲ‪ ،‬ﺟﺎء ﻟﻛل اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف اﻟﺳﻧﺗﮭم و اﻟواﻧﮭم؛ ﻓﮭو ﻻ ﯾﺗﺣﯾز ﻟﻔﺋﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب ﻓﺋﺔ و ﻣﻘﺎﻟﺗﮫ ﻋدل ﻓﻲ ﻛل اﻟﺧﻠق‪ ،‬ﻷﻧﮫ ﻻ ﯾﻌﺎﻧﻲ ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ﻣن أي ﻧوع‪ ،‬ﻛﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻷﻧﺎ و‬
‫اﻵﺧر أو ﯾﺗﻣرﻛز ﺣول ذات ﺑﺷرﯾﺔ ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﺗُﻐﻠ ﱢب ﻣﺻﻠﺣﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﻠﺣﺔ اﻵﺧرﯾن‪ ،‬و ذﻟك ﻣﺎ‬
‫ﺟﻌﻠﮫ ﻓﻲ ﻣﻧﺟﺎة ﻣﻣﺎ وﻗﻌت ﻓﯾﮫ اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻣن ﻋﻧﺻرﯾﺔ و اﺳﺗﻌﻼﺋﯾﺔ ﺗُﻌﻠﻲ ﻣن ﻋرق‬
‫ﻋﻠﻰ ﺑﻘﯾﺔ اﻷﻋراق و ﺗﻧﺗﮭك ﺣق إﻧﺳﺎن ﺑدﻋوى دوﻧﯾﺔ ﻋﻧﺻره و ﺗﻌﻠﻲ ﻣن ﺷﺄن إﻧﺳﺎن آﺧر‬
‫ﺑدﻋوى ﺗﻔوﻗﮫ‪.‬‬
‫اﻟﺿرورﯾﺔ‪:‬‬
‫اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ ﻋﻠم ﺿروري‪ ،‬ﯾﺣﺗﺎﺟﮫ اﻹﻧﺳﺎن ﻟﯾﺳﺗﺑﯾن ﺑﮫ ﺳﺑﯾل اﻟﺧﯾر و اﻟﺷر و اﻟﺣق و‬
‫اﻟﺑﺎطل‪ ،‬ودوﻧﮫ ﯾﺳﻘط اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﻓﺦ أھواﺋﮫ اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻌل اﻟﺣق ﻓﻲ ﻣﺻﻠﺣﺗﮫ و ﺳﻌﺎدﺗﮫ وﺷﻘﺎء‬
‫ﻏﯾره‪ ،‬ﻓﯾﻘﻊ ﻓﻲ اﻟظﻠم و اﻷﻧﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬و اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ ﺿروري ﻟﺣﯾﺎة اﻟﻧﺎس و ﺗﻛون اﻟﺣﯾﺎة ﻋرﺿﺔ‬
‫ﻻن ﯾﺻﯾﺑﮭﺎ اﻹﺿطراب و اﻟﻔﺳﺎد إن ﻟم ﺗُؤﺳﱠس ﺷﺋوﻧﮭﺎ ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬وﻣن دون وﺣﻲ ﷲ ﯾﻔﻘد اﻹﻧﺳﺎن‬
‫ﻗدرﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن اﻟﺧﯾر و اﻟﺷر و اﻟﺣق و اﻟﺑﺎطل و اﻟظﻠم و اﻟﻌدل‪.‬‬
‫اﻟﺧﻠود‪:‬‬
‫اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ اﻟﻘرآﻧﻲ ﻋﻠم ﺧﺎﻟد ﻣﺣﻔوظ‪ ،‬ﻻ ﯾﻐﺷﺎه اﻟﺗﻌﺎرض وﻻ اﻹﺧﺗﻼف وﻻ اﻟﺗﺑدل‪ ،‬و ذﻟك‬
‫ﯾﺿﻔﻲ ﻋﻠﯾﮫ ﺻﻔﺔ اﻟﺻﻼح و ﯾﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﻼزﻣﮫ ﻣﮭﻣﺎ ﺗﺑدل اﻟزﻣﺎن و ﺗﻐﯾر اﻟﻣﻛﺎن‪ ،‬وھو ﻣن ﺛم ﻟﯾس‬
‫ﻋرﺿﺔ ﻟﻠﻧﻘد اﻟذي ﯾﺟﻌﻠﮫ ﻓﺎﻗدا ﻷھﻠﯾﺗﮫ و إﻣﻛﺎﻧﺎﺗﮫ؛ ﻓﻌﻠﻰ ﻣر اﻟزﻣﺎن ظل اﻟوﺣﻲ اﻟﻘرآﻧﻲ ﺻﺎﻣدا‬
‫ﻻ ﯾﺗزﺣزح أﻣﺎم ﻛل ﻧﻘد‪ ،‬ﺑل ﺗﺑﯾن ﻣﻘدرﺗﮫ اﻟﻔذة ﻋﻠﻰ اﻟﻣواﻛﺑﺔ و اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻟﻛل ﻣﺻر و ﻋﺻر‪،‬‬
‫و ﻻ زال اﻟﺗﺣدي اﻟذي طرﺣﮫ ﻣﻧذ ﺳﺎﻋﺔ ﺗﻧزﻟﮫ ﻗﺎﺋﻣﺎ ﻻ ﯾﺳﺗﺟﯾب ﻟﮫ ﻣﺗﺣدٍ‪ ،‬ﻧﻌﻧﻲ ﺑﮭذا ﺗﺣدي‬
‫اﻹﻋﺟﺎز اﻟذي ﺑﯾن ﻗدرة اﻟﻘرآن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺟﺎﺑﮭﺔ ﻟﻛل ﻣﺟﮭود ﻧﻘدي ﯾﺷﻛك ﻓﻲ أھﻠﯾﺗﮫ و ﻗدرﺗﮫ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﮭداﯾﺔ أو ﻧﺳﺑﺗﮫ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ‪.‬‬
‫ﻣﻧﮭﺟﯾﺗﻧﺎ ﻓﻲ ﻓﮭم اﻟﻘرآن‪:‬‬
‫ﻣﺣورﯾﺔ اﻟﺗﺄوﯾل‪:‬‬
‫إن ﻣدﺧﻠﻧﺎ ﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻓﮭم اﻟﻘرآن اﻟﻣﻔﺿﯾﺔ إﻟﻰ ﺗﺣﻘق اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن و اﻟﻌﺎﻟم ﯾﻣر ﻋﺑر ﻗﻧﺎة‬
‫اﻟﺗﺄوﯾل‪ ،‬و ھو اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻣﺳﺗﻌﻣل ﻓﻲ آﯾﺎت اﻟﻘرآن ذاﺗﮭﺎ ﻟﯾدل ﻋﻠﻰ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﻔﮭم اﻟﻣرﺗﺑط‬
‫ﺑﺎﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟذھﻧﯾﺔ و ﻣﺻﺎدﯾﻘﮭﺎ اﻟواﻗﻌﯾﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻏﯾر دﻻﻟﺔ ﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺗﻔﺳﯾر اﻟﺗﻲ ﺗﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ إﺑﺎﻧﺔ‬
‫اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻟﻠﻌﻘل دون اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي ﯾُﻌﺑر ﻓﯾﮫ اﻟﺗﻔﺳﯾر ﻋن ﻋﻼﻗﺔ ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ﺑﯾن‬
‫اﻟﻣﻔﺳر و اﻟﻧص اﻟﻣراد ﺗﻔﺳﯾره ﻓﺈن اﻟﺗﺄوﯾل ﯾﻌﺑر ﻣن ﻋن ﻋﻼﻗﺔ ﺛﻼﺛﯾﺔ اﻹﺗﺟﺎھﺎت ﺗﺗﺟول ﻋﺑر‬
‫ﻧﻘﺎط ﺛﻼث اﻷوﻟﻰ ھﻲ اﻵﯾﺔ اﻟﻘرآﻧﯾﺔ و اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ھﻲ دﻻﻟﺗﮭﺎ اﻟذھﻧﯾﺔ و اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ھﻲ ﺗﺣﻘﻘﺎﺗﮭﺎ اﻟواﻗﻌﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ﺗﻘﺑﻊ ﺧﺎرج اﻟذھن وھﻧﺎ ﻧﻛون ﻓﻲ ﻣﻧﺟﺎة ﻣن اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺎت اﻟﻣﻘﯾﱢدة اﻟﺗﻲ طﺑﻌت ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻣﻌﺎرف‬
‫اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻣﺛل ﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟذات ‪/‬اﻟﻣوﺿوع و اﻟﻌﻘل‪/‬اﻟﻣﺎدة و اﻷﻧﺎ‪/‬اﻵﺧر‪ ،‬ذﻟك ﻷن ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﺄوﯾل‬
‫ﺗﺳﺗﺑطن اﻟﮭداﯾﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ اﻟﺗﻲ ھﻲ ﻋﻧﺻر ﻗﺎر ﻓﻲ اﻟوﺣﻲ و اﻟﻌﻘل و اﻟﻌﺎﻟم؛ ﻓﺎﻟوﺣﻲ ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ‬
‫ﻣُﻧزل ﻣن ﻋﻧد ﷲ آﯾﺎت ﻣﻧﺻوﺻﺔ ﻟﻐرض ھداﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬و اﻟﻌﻘل‪ /‬اﻟﻔؤاد ھﺑﺔ ﷲ ﻟﻺﻧﺳﺎن ﺟﻌﻠﮫ‬
‫ﺗﻔﻛﱡر و اﻟﻌﺎﻟم ﻣﺧﻠوق ﻣُﺳﺧﱠ ر ﻣن ﺻﻧﻊ ﷲ آﯾﺎت ﻣﻧﺻوﺑﺔ ﺗدل ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻟق واﺣد‬ ‫ﻟﮫ آﻟﺔ ﺗﺑﺻ ٍﱡر و ٍ‬
‫ﻣﺗﻔرد ﺧﺎﻟد و ﻋظﯾم‪ ،‬و ھذه اﻟﻣﺣورﯾﺔ اﻟﺗﺄوﯾﻠﯾﺔ ﺗﺳﻘط ﻣﻌﮭﺎ ﻛل دﻋﺎوى ﺗﻌﺎرض اﻟﻌﻘل و اﻟﻧﻘل‪،‬‬
‫و ﺗﺻﺑﺢ اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻓﻲ ﻏﯾر ﻣﻌﺗرك‪ ،‬ذﻟك ﻣن أﺟل اﻻﺗﺳﺎق اﻟﻣﺣﺗوم ﻓﻲ اﻟﮭﺑﺎت اﻹﻟﮭﯾﺔ اﻟﺛﻼث‬
‫اﻟﻌﻘل‪ /‬اﻟﻔؤاد و اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻣُﺳﺧﱠ ر و اﻟوﺣﻲ اﻟﻣُﻧزﱠ ل‪.‬‬
‫ﻋﻧﺎﺻر اﻟﺗﺄوﯾل‪:‬‬
‫‪ /1‬اﻟﺗدﺑر ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎب‪:‬‬
‫ﯾﻘول ﺗﻌﺎﻟﻰ )أﻓﻼ ﯾﺗدﺑرون اﻟﻘرآن و ﻟو ﻛﺎن ﻣن ﻋﻧد ﻏﯾر ﷲ ﻟوﺟدوا ﻓﯾﮫ اﺧﺗﻼﻓﺎ ﻛﺛﯾرا(‪ ،‬ھذا‬
‫ﺗدﻟﯾل واﺿﺢ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻌﻘل‪/‬اﻟﻔؤاد و اﻟﻘرآن ھﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺗدﺑر‪ ،‬و اﻟﺗدﺑر ﻓﻲ ﻣﻌﻧﺎه‬
‫اﻷﻗﺳط ھو ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟذي ﯾﺷﺗﻣل ﻓﻲ داﺧﻠﮫ اﻟذﻛرى و اﻟﮭداﯾﺔ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ‬
‫ﻟﻠﻘﺎرئ اﻟﻣﺗدﺑر‪ ،‬ﻛون أن اﻟوﺣﻲ اﻟﻘرآﻧﻲ ﻛﺗﺎب ﯾﻣﺗﻠك اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﺷرح أﺣوال اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻣﺧﺎطﺑﺔ‬
‫ﺧوﯾﺻﺔ ﻧﻔﺳﮫ و اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ھداﯾﺗﮫ ﺑﻣﺧﺎطﺑﺔ ﻋﯾن وﻗﺎﺋﻌﮫ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘرآن ﻟﯾس ﻛﺗﺎب ﺗﮭوﯾم ﺑﻌﯾد ﻋن‬
‫ﻋﺎﻟم اﻹﻧﺳﺎن و ﻟﯾس ﺑﻛﺗﺎب ﻣﺳﺗﻐرق ﻓﻲ اﻟﻣُﺛُل و ھو ﻣن ھﻧﺎ ﻟﯾس ﻛﺗﺎب اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﺑل ھو –ﻛﻣﺎ‬
‫ﯾذﻛﱢر ﻗراءه داﺋﻣﺎ– ﻛﺗﺎب اﺳﺗطﺎﻋﺔ )ﻓﺎﻗرءوا ﻣﺎ ﺗﯾﺳر ﻣﻧﮫ(‪.‬‬
‫‪/2‬اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪:‬‬
‫ﯾﻘول ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ ) :‬ﻗل اﻧظروا ﻣﺎذا ﻓﻲ اﻟﺳﻣﺎوات و اﻷرض و ﻣﺎ ﺗُﻐﻧﻲ اﻵﯾﺎت و اﻟﻧذر ﻋن ﻗوم‬
‫ﻻﯾؤﻣﻧون( و ﻓﯾﮫ ﺗدﻟﯾل واﺿﺢ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم دون ھداﯾﺔ اﻹﯾﻣﺎن ﻻ ﻣﻌﻧﻰ ﻟﮫ و ﻻ‬
‫ﺟدوى ﻣﻧﮫ‪ ،‬ذﻟك ﻷن اﻹﻧﺳﺎن ﻋرﺿﺔ أن ﺗﻔﺗﻧﮫ ﻣظﺎھر اﻟﻛون ﻓﯾﺳﺗﻐرق ﻓﯾﮫ دون أن ﯾﻧﻔذ إﻟﻰ‬
‫دﻻﻟﺗﮫ اﻟﺧﻔﯾﺔ؛ ﻓﯾﻘﻊ ﺗﺑﻌﺎ ﻟذﻟك ﻓﻲ ﺷرك وﺛﻧﻲ ﯾﺟﻌل اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻌﺑودا ﻣطﻠوﺑﺎ ﻣن دون ﷲ‪ ،‬أو ﺗﻔﺗﻧﮫ‬
‫ﻗدرﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻔﻧن ﻓﻲ اﺳﺗﻌﻣﺎل و اﺳﺗﻐﻼل اﻟﻌﺎﻟم ﯾطوﻋﮫ ﺑﻣﺷﯾﺋﺗﮫ؛ ﻓﯾﻘﻊ ﺗﺑﻌﺎ ﻟذﻟك ﻓﻲ ﻋﺑﺎدة ذاﺗﮫ‬
‫و ﺗﺳﺗﮭوﯾﮫ رﻏﺑﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺳﯾطرة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم دون أن ﯾدرك ﻣﺳﺋوﻟﯾﺗﮫ اﻟﺗﺳﺧﯾرﯾﺔ اﻟﺗﻲ أوﻛﻠت إﻟﯾﮫ‬
‫ﻣن ﻗﺑل ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ،‬ﻓﯾُﻔﺳد اﻟﻌﺎﻟم و ﯾﻧﺗﮭك ﻗدرﺗﮫ ﻋﻠﻰ إﺳﺗﺿﺎﻓﺔ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﯾﮫ‪ ،‬إن ﻣﻣﺎ‬
‫ﯾﻌﺻم اﻟﺗﺄوﯾل ﻣن أن ﯾﺻﺑﺢ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﻧظرﯾﺔ ﺟﺎﻣدة ھو ﻋﻧﺻر اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬ذﻟﻛم اﻟﻧظر‬
‫اﻟﻣﮭدي ﺑدﻻﻟﺔ اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺗﻲ ﺗﺷﯾر إﻟﻰ أن اﻟﻌﺎﻟم ﻣﺳﺧر ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻣن أﺟل إﻣﻌﺎن اﻟﻧظر و اﻟﺗﻔﻛر‪.‬‬
‫‪/3‬اﻟﮭداﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘل‪/‬اﻟﻔؤاد‪:‬‬
‫)وﻛذﻟك اوﺣﯾﻧﺎ إﻟﯾك روﺣﺎ ﻣن أﻣرﻧﺎ ﻣﺎ ﻛﻧت ﺗدري ﻣﺎ اﻟﻛﺗﺎب و ﻻ اﻹﯾﻣﺎن و ﻟﻛن ﺟﻌﻠﻧﺎه ﻧورا‬
‫ﻧﮭدي ﺑﮫ ﻣن ﻧﺷﺎء ﻣن ﻋﺑﺎدﻧﺎ و إﻧك ﻟﺗﮭدي إﻟﻰ ﺻراط ﻣﺳﺗﻘﯾم( ﻓﺈن ﺛﻣﺎر اﻟﺗدﺑر ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎب و‬
‫اﻟﻧظر اﻟﻣﮭدي ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ھﻲ ﺗﺣﻘق اﻟﮭداﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻘل‪/‬اﻟﻔؤاد‪ ،‬ﻓﺎﻹﻧﺳﺎن ﻣﮭﻣﺎ ﺗﻌددت ﻣﺻﺎدر‬
‫ﻣﻌرﻓﺗﮫ و اﺗﺳﻌت ﺳﺑل ﻋﻠﻣﮫ ﻓﮭو ﻋرﺿﺔ ﻟﻠزﻟل و اﻟﺧطل‪ ،‬إﻻ أن ﯾﻌﺗﺻم ﺑﮭداﯾﺔ ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و‬
‫ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﻣﺑﺳوطﺔ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ‪ ،‬ذﻟك ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ ﻷن اﻟﮭداﯾﺔ و اﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻹﻟﮭﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﺗﻌﺎﻧﻲ اﻟﻧﺳﺑﯾﺔ‬
‫اﻟظرﻓﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺎﻧﯾﮭﺎ اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬ﻓﺿﻼ ﻋن أﻧﮭﺎ ﻣﻌرﻓﺔ ذات ﻗﺻد‪ ،‬وھو ھداﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم و‬
‫اﻟﻘﺎﺻد ﻣن ﺗﻠك اﻟﻣﻌرﻓﺔ ھو ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻛُﻠ ﱢﻲ اﻟﻌﻠم و ﻛﻠﻲ اﻹرادة‪ ،‬وإذا أراد ﻣن اﻟﻘرآن‬
‫أن ﯾﮭدي اﻹﻧﺳﺎن ﻓﮭو ﯾﮭدﯾﮫ دون ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻘول ﺑﻧﺳﺑﯾﺔ اﻟﮭداﯾﺔ اﻟﻣﺳﺗﻣدة ﻣن اﻟﻘرآن ﻧﻔﺳﮭﺎ ﻷن‬
‫اﻹﻧﺳﺎن ﻛﺎن ﻗد اﺳﺗﻣدھﺎ ﺑﺄدواﺗﮫ اﻟﻣﺣدودة )ﯾﮭدي ﺑﮫ ﷲ ﻣن اﺗﺑﻊ رﺿواﻧﮫ ﺳﺑل اﻟﺳﻼم و‬
‫ﯾﺧرﺟﮭم ﻣن اﻟظﻠﻣﺎت إﻟﻰ اﻟﻧور ﺑﺈذﻧﮫ و ﯾﮭدﯾﮭم إﻟﻰ ﺻراط ﻣﺳﺗﻘﯾم(‪.‬‬
‫ﻣرﻛزﯾﺔ اﻟﺳﯾﺎق ﻓﻲ ﻓﮭم اﻟدﻻﻟﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ‪:‬‬
‫إن اﻷﺳﺎس اﻟﺗوﻗﯾﻔﻲ ﻟﺗرﺗﯾب اﻵﯾﺎت اﻟﻘرآﻧﯾﺔ ﯾﺗﺿﻣن ﻓﻲ داﺧﻠﮫ ﻗﺻدﯾﺔ ﻣﺎ؛ ﻓﺗرﺗﯾب اﻟﻣﺻﺣف‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھو ﻋﻠﯾﮫ اﻵن ﺗم ﻓﻲ ﻋﮭد اﻟﻧﺑﻲ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ و ﺳﻠم ﺑﺈﺷراف ﻣﺑﺎﺷر ﻣن ﺟﺑرﯾل‬
‫ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻼم أﻣﯾن وﺣﻲ اﻟﺳﻣﺎء و ﯾﺗﺿﺢ ذﻟك ﻣن ﻗوﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ )و إذا ﺑدﻟﻧﺎ آﯾﺔ ﻣﻛﺎن آﯾﺔ ﻗﺎﻟوا إﻧﻣﺎ‬
‫أﻧت ﻣﻔﺗر(‪ ،‬و ھذا اﻟرﺗﯾب اﻟﺗوﻗﯾﻔﻲ ﻣﺣﺎل أن ﯾﻛون ﻣﺣض ﺻدﻓﺔ أو اﺗﻔﺎق‪ ،‬إذ ﻣﺎ اﻟذي ﯾﺟﻌل‬
‫آﯾﺎت ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﺗذﻛر ﻣﺗواﻟﯾﺔ و ﻣرﺗﺑﺔ ﺗرﺗﯾﺑﺎ ﺑﻌﯾﻧﮫ؟؟ إﻻ أن ﯾﻛون اﻟﻣﻘﺻود ﺑذﻟك اﻟﺗرﺗﯾب ﻣﻌﻧﻰ‬
‫ﻣرادا ﺑﺣﯾث ﯾﺗﺷﻛل ﺳﯾﺎق ذو ﻣﻐزى‪ ،‬إﻧﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﻧﻌﯾد ﻟﻠﺳﯾﺎق ﺣﺎﻛﻣﯾﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻣﺳﺗﻧﺑط‬
‫ﻣن اﻵﯾﺎت اﻟﻘرآﻧﯾﺔ طﺎﻟﻣﺎ أن اﻟﻘرآن ﻗد ﺟُﻌل ﺑﻠﻐﺔ ﺑﺷرﯾﺔ ھﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ؛ ﻓﺈن اﻟﻔﮭم و اﻟﻔﻘﮫ‬
‫ﻣﺗوﻗﻔﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻛﻼم ﻋﻠﻰ ﺿوء اﻟﺳﯾﺎق‪ ،‬و اﻟﺳﯾﺎق ﻧﻌﻧﻲ ﺑﮫ ﻣﻧظوﻣﺔ اﻵﯾﺎت اﻟﻣﺗواﻟﯾﺔ‬
‫ذات اﻟﻣوﺿوع‪/‬اﻟﻣواﺿﯾﻊ اﻟﻣﺗﺳﻘﺔ‪ ،‬و ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻧﺎ ﻓﺈن ﻛل ﻣﻌﻧﻰ ﻣﻧزوﻋﺎ ﻋن اﻟﺳﯾﺎق اﻟﺷﺎﻣل‬
‫ﻟﻶﯾﺎت و ﻣﻌﺎﻛﺳﺎ ﻹﺗﺟﺎھﮭﺎ اﻟﻌﺎم ھو ﺑﺎﻟﺿرورة ﻣﻌﻧﻰ ﻏﯾر ﻣراد ﻓﻲ اﻟﻘرآن‪ ،‬و إن ﺑُﻧﻲ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﺷرات اﻵﯾﺎت اﻟﻣﻧزوﻋﺔ ﻋن اﻟﺳﯾﺎق اﻟﻛﻠﻲ ﻟﻶﯾﺎت اﻟﻣﺣﯾطﺔ ﺑﮭﺎ‪ ،‬و ﻟﻣﺎ ﺗﺗﻌدد اﻟﺗﺄوﯾﻼت ﻓﺈن‬
‫أﻗرﺑﮭﺎ ﻟﻠﺻواب ھو أﻛﺛرھﺎ اﻧﺳﺟﺎﻣﺎ ﻣﻊ ﺳﯾﺎق اﻟﺧطﺎب اﻟﻛﻠﻲ‪.‬‬
‫ﺳﻧﱠﺔ اﻟﻘرآن‪..‬اﻷﺳوة اﻟﺣﺳﻧﺔ‪:‬‬
‫إن ﻛﺛﯾرا ﻣن ﻣﺟﻣﻼت اﻟﻘرآن ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺷﺋون اﻟﺷﻌﺎﺋر اﻟﺗﻌﺑدﯾﺔ ﯾﺗﻌﺳر ﻋﻠﻰ اﻟﻣؤوﱢ ل إدراﻛﮫ‬
‫دون اﻟرﺟوع إﻟﻰ ﺗﻔﺻﯾﻼت ﻣﺎ ﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺑﺎﻟﺳﻧﺔ اﻟﻧﺑوﯾﺔ؛ ﻓﺎﻟرﺳول ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ‬
‫و ﺳﻠم أ ُﻣر ﺑﺗﻠﯾﻎ و ﺗﺑﯾﯾن اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻣﻧزل ﻟﻠﻧﺎس و ﻛﺎن ذﻟك اﻟﺗﺑﻠﯾﻎ‪/‬اﻟﺗﺑﯾﯾن ﻋﺑر اﻷﺳوة اﻟﺣﺳﻧﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ذﻛرھﺎ اﻟﻘرآن ﻧﻔﺳﮫ )ﻟﻘد ﻛﺎن ﻟﻛم ﻓﻲ رﺳول ﷲ أﺳوة ﺣﺳﻧﺔ ﻟﻣن ﻛﺎن ﯾرﺟوا ﷲ واﻟﯾوم‬
‫اﻵﺧر و ذﻛر ﷲ ﻛﺛﯾرا( ‪ ،‬و ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﺗﻛون اﻷﺳوة اﻟرﺳوﻟﯾﺔ اﻟﺣﺳﻧﺔ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب اﻟﻣﻧزل ﻻ‬
‫ﺗﺧﺎﻟﻔﮫ و ﻻ ﺗﻌﺎرﺿﮫ‪ ،‬ﻧﺎھﯾك ﻋن أن ﺗﻧﺳﺧﮫ إذ أﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﺟوھرھﺎ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗﺑﯾﺎن و ﺗﺑﻠﯾﻎ ﻟﻠﻛﺗﺎب‬
‫اﻟﻣﻧزل‪ ،‬و اﺗﺧﺎذﻧﺎ ﻟﻣﻘوﻟﺔ اﻷﺳوة ﻣﻛﺎن اﻟﺣﻛﻣﺔ ھو اﻗﺗداء ﺑﻣﺻطﻠﺢ اﻟﻘرآن و ﺗﺟﻧﺑﺎ ﻟﻠﺧﻠط اﻟذي‬
‫وﻗﻊ ﻓﯾﮫ ﻛﺑﺎر اﻟﻔﻘﮭﺎء أﻣﺛﺎل اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ رﺣﻣﮫ ﷲ‪ ،‬إذ أن اﻟﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرآن ﺟﺎءت ﺑﻌدة ﻣﻌﺎن ﻟﯾس‬
‫ﻓﯾﮭﺎ ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻔﻌل اﻟرﺳوﻟﻲ اﻟﺗﺑﯾﺎﻧﻲ و اﻟﺗﺑﻠﯾﻐﻲ ﻟﻠﻛﺗﺎب ﺑل ﻓﻲ ﻏﺎﻟب اﻟﻣواﻗﻊ ﺗﺷﯾر إﻟﻰ اﻟﻘرآن‬
‫ﻧﻔﺳﮫ ) و اذﻛرن ﻣﺎ ﯾﺗﻠﻰ ﻓﻲ ﺑﯾوﺗﻛن ﻣن اﻟﻛﺗﺎب و اﻟﺣﻛﻣﺔ( ﻓﺈن ﻣﺎ ﯾﺗﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﺑﯾوت ﻟﯾس ﺷﯾﺋﺎ‬
‫ﻏﯾر اﻟﻘرآن‪ ) ،‬وان اﺗﻠو اﻟﻘرآن ﻓﻣن اھﺗدى ﻓﺈﻧﻣﺎ ﯾﮭﺗدي ﻟﻧﻔﺳﮫ( و آﯾﺔ أﺧرى ﺗﺷﯾر إﻟﻰ أن اﻟﻘرآن‬
‫ھو اﻟﺣﻛﻣﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ )وﻟﻘد ﺟﺎءﻛم ﻣن اﻷﻧﺑﺎء ﻣﺎ ﻓﯾﮫ ﻣزدﺟر‪ ،‬ﺣﻛﻣﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻓﻣﺎ ﺗﻐﻧﻲ اﻟﻧذر( و ﻟﻣﺎ‬
‫ﻛﺎﻧت اﻷﺣﺎدﯾث اﻟﻧﺑوﯾﺔ ﺗﻌﺑر ﻋن ھذه اﻻﺳوة اﻟﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺗﺧذ ﻣن اﻟﻛﺗﺎب ﻧﻔﺳﮫ أداة‬
‫ﻟﺗﻣﯾﯾز اﻟﺻﺣﯾﺢ ﻣن اﻟﺳﻘﯾم ﻣن ﻣروﯾﺎت اﻟﺣدﯾث اﻟﻧﺑوي‪ ،‬و ﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻓﻛل ﻣﺎ ﯾﺧﺎﻟف اﻟﻘرآن ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ‬
‫ﻟﻧﺎ ﺿﻌﯾف و ﻣﻛذوب ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺑﻲ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ و ﺳﻠم‪ ،‬واﻟذي ھو ﻣﺄﻣور ﺑﺎﺗﺑﺎع اﻟﻘرآن‬
‫اﻟﻣﻧزل إﻟﯾﮫ ﻻ ﯾﺧﺎﻟﻔﮫ و ﻻﯾﻌﺎرﺿﮫ ﺑرأﯾﮫ ھو ﻧﺎھﯾك ﻋن رأي أﺣد ﻏﯾره ﻛﺎﺋﻧﺎ ﻣن ﻛﺎن )اﺋت‬
‫ﺑﻘرآن ﻏﯾر ھذا أو ﺑدﻟﮫ ‪..‬اﻟﺦ(‪.‬‬
‫اﻷﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬اﻟﻔؤاد‪ /‬اﻟﻌﻘل‪:‬‬
‫ﻟﯾس ﻛﻣﺎ ھو ﺷﺎﺋﻊ ﻓﻲ ﻓﻠﺳﻔﺔ اﻟﯾوﻧﺎن‪ ،‬اﻟﻌﻘل ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻧﺎ ﻟﯾس ﺟوھرا ﻣﻧﺗﺟﺎ ﻟﻠﻣﻌرﻓﺔ ﺑذاﺗﮫ‪ ،‬إﻧﻣﺎ‬
‫ھو أداة وھﺑﮭﺎ ﷲ اﻹﻧﺳﺎن ﻷﺟل أن ﯾُﻌﻣِﻠﮭﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﯾرد إﻟﯾﮫ ﻣن ﻣﻌﺎرف ﻣﺗﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻧﮫ‪ ،‬و ﻣن‬
‫ﻣﺟﻣوع ﻣﺎ ﯾرد إﻟﯾﮫ ﯾﺳﺗﻧﺑط ھداﯾﺗﮫ و ﯾﺧﺗط طرﯾق اﻟﺧﯾر‪ ،‬وھذا اﻹﻋﻣﺎل ﻟﯾس ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺳﺎﺋﺑﺔ طﻠﻘﺔ‬
‫ﻏﯾر ﻣﺿﺑوطﺔ‪ ،‬ﻓﺎ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺳﺎﺋل اﻹﻧﺳﺎن ﻋن ﻛل ﻧﻌﻣﺔ أﻧﻌﻣﮭﺎ ﻋﻠﯾﮫ ﯾوم ﯾﻠﻘﺎه‪ ،‬و‬
‫اﻟﻔؤاد‪/‬اﻟﻌﻘل ﻧﻌﻣﺔ ﯾُﺳﺄل ﻋﻧﮭﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﯾوم اﻟﺳؤال اﻷﻛﺑر‪ ،‬و ﻷن اﻟﻌﺑث و اﻟﻠﮭو ﻻ ﯾﻠﯾق ﺑﺣق ﷲ‬
‫ﻓﺈﻧﮫ ﻟم ﯾدع اﻹﻧﺳﺎن ﯾرﺗﻊ ﻓﻲ اﻟﻧﻌﻣﺔ ﻛﯾﻔﻣﺎ اﺗﻔق ﻟﮫ ﺑل ﺣدد ﻟﮫ ﻣﻌﺎﻟم اﻟﺗﺳﺧﯾر ﻋﺑر ھداﯾﺔ اﻟﺳﻣﺎء‬
‫اﻟﻣﻧزﻟﺔ‪ ،‬و ﺑﺎﺗﺑﺎع ﺗﻠك اﻟﮭداﯾﺔ اﻟﻣﻧزﻟﺔ ﯾرﺷُ ُد اﻹﻧﺳﺎن و ﯾرﺗﻘﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﺎرﻓﮫ و ﺳﻠوﻛﮫ و أﺧﻼﻗﮫ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﻌﻘل‪/‬اﻟﻔؤاد اﻷﻣﺛل ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ھو ذﻟﻛم اﻟﻣﺳﺗﮭدي ﺑﮭداﯾﺔ ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ،‬ﺳواء ﻛﺎﻧت‬
‫اﻟﮭداﯾﺔ ﺻرﯾﺣﺔ ﻋﺑر اﻟﺧطﺎب اﻹﻟﮭﻲ أو ﻣﺗﺿﻣﻧﺔ ﻓﻲ ﻓطرة اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺗﻣﺎھﯾﺔ ﻣﻊ ھداﯾﺔ اﻟﺳﻣﺎء‬
‫دون ﺗﻌﺎرض ﺑﯾن اﻟﮭداﯾﺗﯾن‪ ،‬و إذا ﺗُوھﱢم اﻟﺗﻌﺎرض ﻓﺈن اﻟﮭداﯾﺔ اﻟﺻرﯾﺣﺔ ﻣﻘدﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺗﺿﻣﻧﺔ؛‬
‫ذﻟك ﻷن اﻟﻣﺗﺿﻣﻧﺔ ﻋرﺿﺔ ﻟﻠﻧﺳﯾﺎن و اﻟﺗﺑدل ﺗﺑﻌﺎ ﻟﺳطوة اﻟﮭوى و إﻟﻘﺎء اﻟﺷﯾطﺎن ﻓﻲ اﻷﻣﻧﯾﺔ‬
‫ﺑﯾﻧﻣﺎ اﻟﺻرﯾﺣﺔ اﻟﻣﻧزﻟﺔ ﻣﺣﻔوظﺔ ﻓﻲ أﺻﻠﮭﺎ و ﻣﺻوﻧﺔ ﻣن ﻛل ﻋﺑث‪.‬‬
‫و ﻟﻣﺎ ﻛﻧﺎ ﻗد اﻋﺗﻣدﻧﺎ ﻣﻧﮭﺟﯾﺔ اﻟﺗﺄوﯾل و اﻟﺗﻲ ﻋﻣﺎدھﺎ اﻟﺗدﺑر ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎب و اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﺈن‬
‫اﻟﻔؤاد‪/‬اﻟﻌﻘل ھو أداة ذﻟﻛم اﻟﺗﺄوﯾل‪ ،‬و ﺑﺎﻹﺗﺳﺎق ﺑﯾن ﻣﺎ ﯾرد إﻟﯾﮫ ﻋﺑر اﻟﺳﻣﻊ و اﻟﺑﺻر ﻣن ﺧﺎرﺟﮫ‬
‫و ﻣﺧزون اﻟﻔطرة اﻟﻣرﻛوز ﻓﻲ داﺧﻠﮫ ﺗﺗﻣظﮭر ھداﯾﺗﮫ و ﺗﺳﺗﻘﯾم ﺣﻛﻣﺗﮫ‪ ،‬و ﻛل ﺗﺿﺎد ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾرده‬
‫ﻣن ﺧﺎرﺟﮫ و ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾﺳﺗﻣده ﻣن داﺧﻠﮫ دﻟﯾل ﻓﺳﺎد ﻋﻠﻰ طرﯾﻘﺔ ﻧظره أو ﺗدﺑره‪ ،‬ﻓﺎﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‬
‫دون اﻋﺗﺑﺎره ﻣﻧﺣﺔ ﻣﺳﺧرة ﻓﺳﺎد ﻓﻲ ﻣﺑدإ اﻟﻧظر‪ ،‬و ﻛم ﻣن ﺿﺎل ﺿ ﱠل ﺑﺳﺑب ﻧظره اﻟﻘﺎﺻر أو‬
‫اﻟﻣﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم دون اﻟﻧﻔﺎذ إﻟﻰ ﻏﺎﺋﯾﺗﮫ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن اﻟﺗدﺑر ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎب دون اﻋﺗﺑﺎر أﻧﮫ ھداﯾﺔ ﷲ‬
‫ﻓﺳﺎد ﻓﻲ ﻣﺑدأِ اﻟﺗدﺑر‪ ،‬و ﻛم ﻣن ﺿﺎل ﺿ ﱠل ﺑﻔﻌل ﺗدﺑره ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎب دون اﻋﺗﺑﺎر ﻣﺻدرﯾﺗﮫ اﻟﮭﺎدﯾﺔ‬
‫اﻟﻘﺎﺻدة ﻓﻛﺎن ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻛﺗﺎب ﻋﻣﻰ و ﺿﻼﻟﺔ‪.‬‬
‫اﻟﺧطﺎب اﻹﻟﮭﻲ ﯾﻣﺛل ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﺣﺟر اﻟزاوﯾﺔ ﻓﻲ ﻛل ﻧظر و ﻋﻣل‪ ،‬ﻻ ﻧﻘﺑل ﻋﻠﻰ أﻣر ﯾﺧص‬
‫ﺷﺄن اﻹﻧﺳﺎن دون أن ﻧﺳﺗﺻﺣب ھداﯾﺗﮫ‪ ،‬وھو إن ﻛﺎن ﻣﺣدود اﻷﻟﻔﺎظ ﻣﻌدود اﻟﻛﻠﻣﺎت ﻓﺈن ﺗﻌدﱡد‬
‫و اﻧﻔﺗﺎح دﻻﻟﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺣق ﯾﻣﻧﺣﮫ اﻟﻘدرة ﺑﺎﻟﺗﺄوﯾل ﻋﻠﻰ ھداﯾﺔ اﻟزﻣﺎن و اﻟﻣﻛﺎن ﻛﯾﻔﻣﺎ ﺗﺑدل اﻟزﻣﺎن‬
‫أو ﺗﻐﯾر اﻟﻣﻛﺎن‪.‬‬
‫اﻷﺻل اﻟﺛﺎﻟث اﻟﻌﻣل‪:‬‬
‫إن اﻹﺳﺗﻐراق ﻓﻲ اﻟﺗﻘﻌﯾد و اﻟﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻧظرﯾﺔ ﻣﻊ إھﻣﺎل اﻟﻌﻣل داء أﺻﺎب و ﻣﺎ اﻧﻔك ﯾﺻﯾب‬
‫اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻣرﱢ ﺗﺎرﯾﺦ اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬و ﻛم ﻣن ﻣﺷروع ﻧظري ﺳُﺑﻛت ﻣﺑﺎدﺋﮫ‬
‫و ﻗ ُﻌﱢدت ﺑﺣﯾث ﺑدت ﻣﺗﺳﻘﺔ و ﻣﺗﻧﺎﺳﺑﺔ ﻓﻲ اﻵن ذاﺗﮫ ﻣﻊ اﻟواﻗﻊ اﻟذي ﺻﯾﻐت ﻷﺟﻠﮫ ﻟﻛﻧﮭﺎ ﺑﺳﺑب‬
‫ﻣن ﺗﻘﺎﻋس أﺻﺣﺎﺑﮭﺎ أو إھﻣﺎل اﻟﻌﻣل و اﻟﺗوﺣﱡل ﻓﻲ اﻟﺗﻧظﯾر اﻟذي ﻻ ﺣد ﻟﮫ؛ ظﻠت ﺣﺑﯾﺳﺔ‬
‫اﻷوراق و اﻷدراج‪ ،‬ﻧﻌوذ ﺑﺎ أن ﯾﺻﯾﺑﻧﺎ ﻣﺛل ذﻟك اﻟداء ﻓﻧﺳﺗﺣق ﻣﻘت ﷲ ﻷﺟل أﻧﻧﺎ ﻧﻘول ﻣﺎ ﻻ‬
‫ﻧﻔﻌل‪.‬‬
‫إن ﺻدورﻧﺎ ﻋن اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ اﻟﻘرآﻧﻲ ﯾﺣﺗم ﻋﻠﯾﻧﺎ أن ﻧﻘﺗﺣم اﻟواﻗﻊ اﻟﻔﺎﺳد ﺑﺎﻟﻌﻣل اﻹﺻﻼﺣﻲ‬
‫اﻷﻧﺳب‪ ،‬و ﺑﺎﻟﺗوﻛل ﻋﻠﻰ ﷲ ﻣﻧزل اﻟﻛﺗﺎب و واﺿﻊ اﻟﺳﱡﻧن و اﻹﺗﻛﺎء ﻋﻠﻰ ھداﯾﺔ اﻟﺳﻣﺎء و‬
‫اطﺋﻣﺋﻧﺎن اﻟﻔؤاد؛ ﻧﺷرع ﻓﻲ اﻟﻌﻣل اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟذي ﻻ ﻧﺣﺻر ﻋواﺋده ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻧﺎ اﻟدﻧﯾﺎ ﻓﺣﺳب‬
‫ﻓﺗﻠك ﻋﺎدة اﻟﻧﻔوس اﻟﻌﺟﻠﻰ و اﻷﻓﺋدة اﻟﻔﺎرﻏﺔ‪ ،‬ﺑل ﻧﻘﺻد ﺑﮫ وﺟﮫ ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻧﻧﺗظر‬
‫ﺛﻣﺎره ﺣﯾﺎة طﯾﺑﺔ ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ و ﻣن ﻗﺑل ذﻟك ﻧﺣﺗﺳﺑﮫ ﺟزاء وﻓﺎﻗﺎ ﻓﻲ اﻵﺧرة‪ ،‬و ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ ﻓﻲ أول‬
‫اﻟﺑﺎب اﻟذي ﻧﺣن ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ؛ ﻓﺎﻟﺗﺣدي اﻟﻣﺎﺛل ﻋزﯾز و اﻟﻣﺟﮭود اﻟﻣرﺗﺟﻰ ﻣﺿﺎﻋف‪ ،‬ذﻟك ﻷن اﻷﻓق‬
‫ﻣﺳدود و ﻣظﻠم ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻛدح ﯾﺷﻌل ﻣﺷﻛﺎة اﻟﺿوء اﻷوﻟﻰ‪ ،‬و ﺑﺈذن ﷲ ﺗﻧﻣو اﻟﻔﻛرة ﻛﻣﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺳﻧﺗﮫ اﻟﻛوﻧﯾﺔ إذ ﻣﺎ ﺗﻠﺑث اﻟﺑذرة اﻟﺻﻐﯾرة اﻟﺿﻌﯾﻔﺔ اﻟﮭﯾﻧﺔ أن ﺗﺳﺗوي ﻋﻠﻰ ﺳوﻗﮭﺎ و ﯾﺛﺑت أﺻﻠﮭﺎ‬
‫و ﺗرﺗﻔﻊ ﻓروﻋﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺳﻣﺎء إذا واﻻھﺎ زارﻋﮭﺎ ﺑﺎﻟرﻋﺎﯾﺔ و اﻟﺳﻘﺎﯾﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻌﻣل ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﻟﯾس ﺧﺑط ﻋﺷواء‪ ،‬أو ﺗرف زﻣﺎن و ﻗﻠﺔ اﻧﺷﻐﺎل أو ﺿرﺑﺎ ﻣن إﺷﺎﻋﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ‬
‫اﻟﻌﺎﺑث اﻟذي ﻻ طﺎﺋل ﻣن وراﺋﮫ؛ ﺑل ھو ﻋﻣل ﻣﺻوب ﺻوب وﺟﮭﺔ ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﯾروم ﺗﺣﻘﯾق أھداف‬
‫وﻓق ﺧطط ﻣرﺳوﻣﺔ و ﺑﺂﺟﺎل ﻣﺿﺑوطﺔ وﻣﺣددة‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﺎﻟطﻣوح اﻟﺟﺎﻣﺢ اﻟذي ﯾُﺳﮭم‬
‫ارﺗﻔﺎع ﻣطﻠوﺑﺎﺗﮫ ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾز اﻟﺳﺎﻋﯾن إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﺑل ھو ﺑﺎﻟﻘدر اﻟﻣﻌﻘول اﻟﻣﺳﺗطﺎع و اﻟﻣﻣﻛن إدراﻛﮫ‬
‫ﺑﻣﺎ ﯾﺗﯾﺳر ﻣن اﻟوﺳﺎﺋل و اﻟﻘ ُدرات‪ ،‬واﻟﻌﻣل إن ﻛﺎن ﻣﮭدﯾﺎ ﺑﮭداﯾﺔ ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﺈﻧﮫ ﻏﯾر‬
‫ﻣﻌﺻوم ﻣن أن ﺗﺻﯾﺑﮫ ﻣﺻﯾﺑﺎت اﻟﻔﻌل اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﺑﻌﻣوﻣﮫ ﻟذﻟك ﺟﻌﻠﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﻣﺎ ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ ﻣن‬
‫ﺗﻘدﯾر اﻟﺧطل اﻟداﺧﻠﻲ و اﻟﺧﻠل اﻟذاﺗﻲ ﺑﺎﻟﻣراﺟﻌﺔ اﻟدورﯾﺔ و اﻟﻣﺳﺎءﻟﺔ و اﻟﺣﺳﺑﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ و اﻟﺗﺄﻣل‬
‫ﻓﻲ اﻟﻛﺳب و ﻣﻘﺎﯾﺳﺔ اﻟﻛم و اﻟﻛﯾف ﻛل ذﻟك ﻧﻔﺻﻠﮫ ﻓﻲ ھﯾﺎﻛﻠﻧﺎ اﻟﺗﻧظﯾﻣﯾﺔ ﺑﺗﻔﺻﯾل دﻗﯾق ﯾواﻟﻲ‬
‫ﺗﻠك اﻷﻋﻣﺎل ﺣﯾﻧﺎ ﺑﻌد ﺣﯾن‪.‬‬
‫ﺧﺻﺎﺋص اﻟﻣﻧﮭﺞ اﻟﻌﻣﻠﻲ‪:‬‬
‫اﻟﺷﻣول و اﻟﺗرﻛﯾب‪:‬‬
‫ﻛﻧﺎ ﻗد ﻓطﻧﱠﺎ ﻓﻲ أول أﻣرﻧﺎ إﻟﻰ أن اﻟﻣﺷﻛل اﻹﺻﻼﺣﻲ ﻣﺷﻛل ذو طﺑﯾﻌﺔ ﻣرﻛﺑﺔ‪ ،‬ذﻟك ﻷﻧﮫ ﯾﺗﻌﻠق‬
‫ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن اﻟذي ﻟﯾس ھو ﻓﻲ ﺑﺳﺎطﺔ اﻟﺟﻣﺎد أو ﺳذاﺟﺔ اﻟﺣﯾوان‪ ،‬ﺑل ھو ﻛﺎﺋن ﻣﺗﻌدد اﻟوﺟﮭﺎت و‬
‫اﻟطﺑﺎع و اﻟﺳﻣﺎت‪ ،‬و ﺗﻧﺳﺣب أزﻣﺎﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺳﺎﻗﺎت ﺣﯾﺎﺗﮫ‪ ،‬و ﻟﻣﺎ ﻛﻧﺎ ﻗد وﻋﯾﻧﺎ اﻟﺗرﻛﯾب اﻟذي‬
‫ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ ﻣﺷﻛﻼت اﻹﻧﺳﺎن ﻛﺎن ﻻﺑد ﻟﻧﺎ أن ﻧﺻدر ﻋن ﻣﻧﮭﺞ ﻋﻣﻠﻲ ذو طﺑﯾﻌﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬و ﻻ‬
‫ﻧﺳﺗﺛﻧﻲ ﺟﺎﻧﺑﺎ ﻣن ﺟواﻧب ﺣﯾﺎة اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺗﻌددة إﻻ و ﻧﺧﺎطﺑﮫ ﺑﻣﺎ ﯾواﻓﻲ إﺻﻼﺣﮫ و ﺗﻘوﯾﻣﮫ‪ ،‬و‬
‫ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﻻ ﯾﺳﺗﻣد ﺷﻣوﻟﮫ ﻣن ﺟﮭﺔ أھداﻓﮫ اﻟﺗﻲ ﯾروﻣﮭﺎ ﻓﺣﺳب‪ ،‬ﺑل ﻣن ﺟﮭﺔ اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ اﻟﻣﻘرﱢر‬
‫و اﻟﻣﺣ ﱢدد ﻟذﻟك اﻟﻣﻧﮭﺞ طﺎﻟﻣﺎ أن اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ ﻻ ﯾدع ﺟﺎﻧﺑﺎ ﻣن ﺟواﻧب ﺣﯾﺎة اﻹﻧﺳﺎن إﻻ و‬
‫ﯾﺷﻣﻠﮫ ﺑﺗﻌﺎﻟﯾﻣﮫ و ھداﯾﺗﮫ؛ ﻓﺈن ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﻛذﻟك ﯾﺗﻣﯾز ﺑطﺑﯾﻌﺗﮫ اﻟﺷﺎﻣﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘﺎﺑل اﻟﺗرﻛﯾب ﻓﻲ‬
‫اﻟﻣﺷﻛل اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ اﻟذي رﺳم اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ ﻣﻌﺎﻟم إﺻﻼﺣﮫ‪.‬‬
‫اﻟﺗوازي و اﻟﺗرﺗﯾب‪:‬‬
‫إذا ﻛﺎن اﻟﺗرﻛﯾب ھو ﺳﻣﺔ اﻟﻣﺷﻛل اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ اﻟﻣﺎﺋزة و اﻟﺷﻣول ﺳﻣﺔ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ اﻟﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻓﺈن اﻟﻌﻧﺎﺻر‬
‫اﻟﺗﻲ ﯾﺗرﻛب ﻣﻧﮭﺎ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﺗﺗﺳم ﺑﺎﻟﺗوازي‪ ،‬و ﻣﻌﻧﺎه ان ﻣﺳﺎﻗﺎت اﻟﻌﻣل ﻋﻧدﻧﺎ ﺗﻧطﻠق ﻣن ﻧﻘﺎط‬
‫ﻣﺗﻌددة ﻓﻲ وﻗت واﺣد ﺑﺣﯾث ﺗﻣﺛل ﻛل ﻧﻘطﺔ ﻣﺷﻛﻼ إﻧﺳﺎﻧﯾﺎ ﺑﻌﯾﻧﮫ إﻻ أﻧﮭﺎ ﺗﻠﺗﻘﻲ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ واﺣدة‪،‬‬
‫وھﻲ إﺻﻼح اﻟﺷﺄن اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻛﺎﻓﺔ‪ ،‬و ﻧرﯾد ﺑﺎﻟﺗوازي ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ اﻟﻌﻣﻠﻲ أن ﻧﺗﺟﻧب اﻟﺧطل اﻟذي‬
‫واﻗﻌﺗﮫ ﻏﺎﻟب اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ادﻋت اﻟﺷﻣول؛ ﻓﻣﺎ ﻟﺑﺛت أن اﻧﺣﺻرت رﺳﺎﻟﺗﮭﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺟﺎﻧب ﺑﻌﯾﻧﮫ‪ ،‬و ﻣﺛﺎﻟﮫ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟذي َﺗوﺣﱠﻠت ﻓﯾﮫ اﻟﺣرﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣﺎ أھﻣﻠت ﺑﻘﯾﺔ‬
‫ﺟواﻧب ﺷﺄن اﻹﻧﺳﺎن ﻣن ﻣﻌرﻓﺔ و ﺗﻌﻠﯾم و اﻗﺗﺻﺎد وﺛﻘﺎﻓﺔ وﻓن و إﻋﻼم و اﺟﺗﻣﺎع؛ ﻓﻠم ﺗﻣﻧﻌﮭﺎ‬
‫ادﻋﺎءات اﻟﺷﻣول ﻣن أن ﺗﺗﻔﻠ ﱠت ﻣﺳﺎﻗﺎت ﺣﯾﺎة اﻹﻧﺳﺎن ﻣن ﺑﯾن أﺻﺎﺑﻌﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﻟﺣﻘﺗﮭﺎ ﻓﻲ آﺧر‬
‫اﻷﻣر اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ ﻧﻔﺳﮭﺎ‪ .‬ﻧرﯾد ﻣن اﻟﺗوازي أن ﻧﺗﺣرك ﻓﻲ ﻛل ﻣﺟﺎﻻت إﺻﻼح ﺷﺄن اﻹﻧﺳﺎن و ﻣن‬
‫اﻟﺗرﺗﯾب أن ﻧﺗﺑﯾﱠن ﻣواطن اﻹﻟﺣﺎح ﻓﻧرﺗب ﻋﻠﻰ ذﻟك اوﻟوﯾﺎت اﻟﻌﻣل ﻓﻲ ﻛل اﻟﺟواﻧب دون أن‬
‫ﻧﻐﻔل ﺟﺎﻧﺑﺎ واﺣدا؛ ﻓﺑﺎﻟﺗرﺗﯾب ﻧﺣﯾط ﻛل ﺟﺎﻧب ﺑﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣق ﻟﺋﻼ ﺗﺿﯾﻊ ﻣﺟﮭوداﺗﻧﺎ ﺳدى أو ﺗﺗﺑدد‬
‫طﺎﻗﺗﻧﺎ ﻓﻲ ﻏﯾر طﺎﺋل‪.‬‬
‫اﻟﻣﻌﻘوﻟﯾﺔ و اﻟواﻗﻌﯾﺔ‪:‬‬
‫ﻟﺳﻧﺎ ﻧﺻدر ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ اﻟﻌﻣﻠﻲ ﻋن ﺧﯾﺎل أو وھم أو ﺷﻌور طﻔوﻟﻲ ﺳﺎذج و طﻣﺎح‪ ،‬ﺑل إن‬
‫ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ اﻟﻌﻣﻠﻲ ﯾﺳﺗم ﺑﺎﻟﻣﻌﻘوﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻣن ﺣﯾث أﻧﮫ ﯾﺧﺎطب ﻣﺷﻛﻼت إﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺑﮭداﯾﺔ ﺳﻣﺎوﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻌد‬
‫ﻗراءة واﻋﯾﺔ ﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﻧﺳﺎن و ﺗﻣﻌن ﺿﺎف ﻓﻲ ﻋدﯾد اﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻟﻣطروﺣﺔ ﻹﺻﻼح ﺣﺎﻟﮫ و‬
‫ﺗﻘدﯾر دﻗﯾق ﻟﻠﻣﺗﺎح ﻟﻧﺎ ﻣن إﻣﻛﺎﻧﺎت و ﺗﻘﯾﯾم ﻣﻌرﻓﻲ ﻟﻠوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ ﻓﻲ ﺻﯾﻐﺗﮫ اﻟﻘرآﻧﯾﺔ ﻋزز‬
‫إﯾﻣﺎﻧن ﺑﻘدرﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﺗﺣﻘﯾق ﻣﻐزى اﻹﺻﻼح إذا ﻣﺎ ﺗواﻓرت اﻹرادة اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻟﺣﺎﻣﻠﺔ ﻟﮫ ﺑوﺻﻔﮫ‬
‫ﻣﻌول اﻹﺻﻼح اﻷول‪ .‬ھذا ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ و ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ أﺧرى؛ ﻓﺈن ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﯾﺗﺳم ﺑﺎﻟواﻗﻌﯾﺔ ﺑﻣﻌﻧﻰ أﻧﮫ‬
‫ﻣن ﺣﯾث ﻏﺎﯾﺗﮫ ﻣﮭﻣوم ﺑﺈﺻﻼح اﻟواﻗﻊ اﻟذي ﻧﻌﺎﺻره زﻣﺎﻧﺎ و ﻣﻛﺎﻧﺎ و ﻣن ﺣﯾث طﺑﯾﻌﺗﮫ ﻓﮭو‬
‫ﻣﺣﺗك ﺑﺎﻟواﻗﻊ ﻻ ﯾﺟﺎﻧﺑﮫ إﻟﻰ أي ﻣُﺛُل ﻏﯾر ﻣﻌﻘوﻟﺔ ﺳواء ﻗﺑﻌت ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻛﻣﺎ ﻋﻧد‬
‫اﻟﺳﻠﻔﯾﯾن أو ﻗﺑﻌت ﺧﻠف اﻟﻣﺣﯾطﺎت ﻛﻣﺎ ﻋﻧد اﻟﺣداﺛﯾﯾن ﻟذﻟك اﻧﺻب ﺑﻌض ﻣﺟﮭودﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل‬
‫اﻟﺑﺣث إﻟﻰ ﻣﺎ ﻋرﱠ ﻓﻧﺎه ﻓﻲ ورﻗﺔ اﻟرﻛﺎﺋز ﺑدراﺳﺔ اﻟﺷﺄن اﻟﺳوداﻧﻲ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻧﺗﻌرف اﻟوﺳﺎﺋل اﻷﻣﺛل‬
‫ﻟﺗطوﯾﻊ واﻗﻌﻧﺎ اﻷﺿﯾق و ﺗﺣرﯾﻛﮫ ﻧﺣو ﻣﺳﺎر اﻹﺻﻼح‪.‬‬
‫اﻟﺗزاﻣن ﻣﻊ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺦ‪:‬‬
‫ﺑﻌد اﻟﻧظر اﻟﻌﻣﯾق ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﻌﺎﻟم اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ و اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﻌﻣوﻣﮭﺎ و وطﻧﻧﺎ اﻟﺳوداﻧﻲ‬
‫ﺑﺧﺻوﺻﮫ ﺗﺑﯾن ﻟﻧﺎ ان اﻟﻠﺣظﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻵن ھﻲ اﻷﻣﺛل ﻟطرح ﻣﺷروﻋﻧﺎ؛ ﻓﮭو ﯾﺟﻲء ﺑﻌد ﺣﺎﻟﺔ‬
‫ﯾﺄس ﻋﺎم و إﺣﺑﺎط ﻣﺧﯾﱢم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم أﺟﻣﻌﮫ ﻣن ﻛل اﻷطر و اﻟﻔﻠﺳﻔﺎت اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ و اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ﻋرﱠ ﻓت ﻧﻔﺳﮭﺎ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﻣﺷﺎرﯾﻊ ﻹﺻﻼح ﺷﺄن اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﺑﺎن ﺑﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻋﺟز ﺗﻠك‬
‫اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ ﻋن إدراك ذﻟﻛم اﻹﺻﻼح‪ ،‬و ﻓﻲ ﺧﺻوص داﺋرة اﻷ ُ ﻣﱠﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﻌﯾش ﻓﻲ‬
‫ُﻘﺎوﻣﺔ ﻟﻠظﻠم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ أن ﺗﺧﺑو‪ ،‬ﺧﺻوﺻﺎ ﺑﻌد‬ ‫أﺣﻠك أﺣواﻟﮭﺎ ﻣﻧذ زﻣن ﺑﻌﯾد‪ ،‬و ﻛﺎدت اﻟﻌزﯾﻣﺔ اﻟﻣ ِ‬
‫ﺣﺎﻟﺔ اﻹﻧﮭﯾﺎر اﻟﻌﺎم اﻟﺗﻲ اﻧﺗظﻣت اﻟدول اﻟﻛﺑرى اﻟﻣﻣﺛﻠﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ؛ ﻓﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﻔﻘد‬
‫دوﻟﺗﮭﺎ ﺑﻔﻌل اﻟﺛورة أﺻﺑﺣت ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺎ ﺣﻔرة ﻣن اﻻﻧﮭﯾﺎر ﺑﻔﻌل ﺑذور اﻹﻧﻘﺳﺎم اﻟداﺧﻠﻲ و اﻟﺧوف‬
‫اﻟﺷدﯾد ﻣن ﻣﻼﻗﺎة ﻣﺻﯾر اﻟدول اﻟﻣﺗﻔﻛﱢﻛﺔ‪ ،‬وذﻟك ﯾﻌﺑر ﻋن ﺧﺳران اﻟرھﺎن اﻟﺣداﺛﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺷروع‬
‫اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻓﻲ أن ﺗﻛون اﻟﺻﯾﻐﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻷﻣﺛل ﻹدارة اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ‬
‫و ﯾﺑدو أن اﻟرﱢ ھﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺷروع اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟذي ﺗﻣﺛﻠﮫ اﻟﺣرﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻗد ﺧﺳر ﻛذﻟك‪ ،‬ﺑﻌد‬
‫ﻧﻣﺎذج اﻟﺣﻛم اﻟﺑﺎﺋﺳﺔ اﻟﺗﻲ ﻗدﻣﮭﺎ اﻹﺳﻼﻣﯾون ﻓﻲ ﻋدﯾد ﺑﻠدان داﻧت ﻟﮭم ﺳﻠطﺗﮭﺎ؛ ﻓﺈﻣﺎ ﺳﺎروا ﻓﻲ‬
‫اﻟﻧﺎس ﺑﺳﯾرة ﺳﺎﺑﻘﯾﮭم ﻣن اﻟﺣﻛﺎم اﻟﻐﺎﺷﻣﯾن اﻟظﻠﻣﺔ أو ﺳﺎروا ﻋﻠﻰ ﺧط اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﻣرﺳوم اﻟذي‬
‫ﯾﻌﻣل ﺑﺧﺑث ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻣﻧﺔ اﻟﺣﯾﺎة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﻣﺎ ﯾُوﻟ ﱢد ﻋﻧﮭﺎ إﺳﻼﻣﺎ ﻣدﺟﻧﱠﺎ ﻣﺳﺗﺳﻠ ِﻣﺎ ﻻ روح ﻟﻠﻣﻘﺎوﻣﺔ‬
‫و اﻟﻣﻣﺎﻧﻌﺔ ﻓﯾﮫ‪ ،‬واﻟﻣﺷروع اﻟﺟﮭﺎدي ﻛذﻟك‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻗد ﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ اﻟروح اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﻓﺎﻗد‬
‫ﻟﻌﻘل اﻹﺳﻼم؛ ﻓﮭو ﻣﺷروع ﺑﺎطش ﯾﺧﺑط ﺧﺑط ﻋﺷواء ﻛﺣﺎل اﻟﺛور ﻓﻲ ﻣﺳﺗودع اﻟﺧزف ﻻ‬
‫ﺗﺳﺗﺑﯾن ﻋﻧده اﻟﻐﺎﯾﺔ و ﻻ ﯾﺗﺿﺢ ﻟﮫ اﻟﺳﺑﯾل‪.‬‬
‫و ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﺣﺎﻟﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺳودان؛ ﻓﺈن ﻣﺷروﻋﻧﺎ ﯾﺟﯾﺊ ﻓﻲ ﻟﺣظﺔ ﺣرﺟﺔ‪ ،‬ﻗواﻣﮭﺎ اﻟﻧﺧﺑﺔ اﻟﻔﺎﺷﻠﺔ و‬
‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﮭﺷﺔ اﻟﻌﺎﺟزة و اﻟدوﻟﺔ اﻟﻣﺗﮭﺎﻟﻛﺔ اﻟﻣﺗداﻋﯾﺔ‪ ،‬و اﻟﺷﺑﺎب اﻟﻣﻧﺳﻠﺦ ﻋن ﻗﯾﻣﮫ و اﻟﻌﺎزف‬
‫ﻋن ﻛل رﻏﺑﺔ ﻓﻲ اﻹﺻﻼح‪ ،‬و اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻔﺗﻘر ﻷدﻧﻰ أ ُﺳس اﻟﻣﻧﮭﺟﯾﺔ‪ ،‬و‬
‫ﻣﺷروع إﺳﻼﻣﻲ أو ﯾدﱠﻋﻲ أھﻠﮫ أﻧﮫ ﻛذﻟك ﻗد اﺳﺗﻧﻔد اﻏراﺿﮫ؛ ﻓﮭو إن ﺗﺳﻣﻰ ﺑﻐﯾر أﺳﻣﺎء‬
‫اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن إﻻ أﻧﮫ ﺳﺎر ﺑﺳﯾرﺗﮭم ﻓﻲ اﻟﺣﻛم و اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ واﻟﻌﻣل اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟﻌﺎم‪ ،‬ﯾﺟﺊ ﻣﺷروﻋﻧﺎ ﻓﻲ‬
‫ھذه اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟﻣﺗردﯾﺔ اﻟﻔﺎﻗدة ﻟﻸﻣل ﻓﯾﻔﺗﺢ اﻟﺑﺎب ﻣن ﺟدﯾد ﻹﻧﻌﺎش اﻟﺣﯾﺎة اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ‬
‫ﻣﻠؤھﺎ اﻟﻔراغ و اﻟﺿﺑﺎﺑﯾﺔ و اﻹﺣﺑﺎط‪.‬‬
‫ﺛﺑﺎت اﻟرؤﯾﺔ و ﻣروﻧﺔ اﻟﺗﻧظﯾم‪:‬‬
‫ﯾﺗﺳم ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ اﻟﻌﻣﻠﻲ ﺑﺎﻟﻣروﻧﺔ؛ ﻓﻼ ﻧﺳﻘط ﻓﻲ ﻓﺦ اﻟﺗﻧظﯾم اﻟﺟﺎﻣد اﻟذي ﯾﺣرﻣﮫ ﺟﻣوده ﻣن ﻣواﻛﺑﺔ‬
‫ﻣﺳﺗﺟدات واﻗﻌﮫ‪ ،‬ﺛم ﻣﺎ ﯾﻠﺑث أن ﯾﺧرج ﻋن ﺣرﻛﺔ اﻟواﻗﻊ ﺗﻣﺎﻣﺎ ﻟﯾُﻐرد ﺑﻌﯾدا ﻋن اﻟﺳرب‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻻ‬
‫ﻧﺳﺗﺳﯾﻎ اﻟﺗﻧظﯾم اﻟﻣﺗرھل اﻟذي ﯾﺣﺷوه أھﻠﮫ ﺑﻛل ﻣﺗﻧﺎﻓر و ﻣﺗﻧﺎﻗض ﻷﺟل اﻟﺣﺷد اﻷﻋﻣﻰ و‬
‫اﻟﺗﻌﺑﺋﺔ اﻟﻐُﺛﺎﺋﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﺗﻧﻌدم اﻟرؤﯾﺔ اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻣﻧﺗﺳﺑﯾن إﻟﯾﮫ‪ ،‬ﻧﺣن ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ اﻟﻌﻣﻠﻲ ﺑﯾن‬
‫ﯾدي ھﯾﺎﻛل ﻣرﻧﺔ و ﺧﻔﯾﻔﺔ اﻟﺣرﻛﺔ ﺗﺗواءم ﻣﻊ واﻗﻌﮭﺎ و ﺗﺗﻛﯾف وﻓق ﺣﺎﺟﺎﺗﮫ ﻓﻼ ﺗُرﺑﻛﮭﺎ اﻟﺣوادث‬
‫وﻻ ﺗﺧﻠط أوراﻗﮭﺎ اﻟطوارئ‪ ،‬وھذا ﺣﺗﻣﺎ ﺑﻣﺎ ﻻﯾؤﺛر ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧب اﻟﺛﺑﺎت ﻓﻲ رؤﯾﺗﻧﺎ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ﻣﻧذ ﺳﺎﻋﺗﮭﺎ اﻷوﻟﻰ وُ ﻟدت ﻣن رﺣم اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ اﻟذي ﯾﺣوي ﻓﻲ داﺧﻠﮫ ﻋواﻣل اﻟﻣروﻧﺔ و‬
‫اﻟﺛﺑﺎت و اﻟﺣرﻛﺔ و اﻹﺗزان‪ ،‬ﻧﺣرص أﻻ ﻧﺳﻘط ﻓﻲ اﻟﺗﻧﺎﻗض و اﻟﺗﺿﺎد اﻟذي ﯾﺟﻌﻠﻧﺎ ﻛﻣن ﯾﺳﻌﻰ‬
‫ﻟﻠﺗﻛﺳﱡب اﻟدﻧﯾوي اﻟﻌﺎﺟل دون اﻟﺟزاء اﻵﺧري اﻵﺟل‪.‬‬
‫اﻟﺗﺷﺑﯾك و اﻟﺗﻌﺎون‪:‬‬
‫إنﱠ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ اﻟﻌﻣﻠﻲ ﯾﺧﻠو ﻣن ﻛل ﻣﻧﺣﻰ ﻣﺗﻌﺻب أو ﻣﻧﻐﻠق؛ ﻓﻧﺣن ﻧﺗﻌﺎون ﻣﻊ ﻣن ﻻ ﯾﺗﻔق ﻣﻌﻧﺎ ﻓﻲ‬
‫رؤﯾﺗﻧﺎ اﻟﻛﻠﯾﺔ إذا واﻓﻘﻧﺎ ﻓﻲ ﺑﻌض ﻣﻧﮭﺎ‪ ،‬ﺷرﯾطﺔ ان ﯾﻛون اﻟﺗﻌﺎون ﻓﻲ ﺟزﺋﯾﺔ اﻹﺗﻔﺎق‪ ،‬و ﻛﻣﺎ ﺑﯾﱠﻧﺎ‬
‫ﻓﻲ ﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﺗوازي و اﻟﺗرﺗﯾب؛ ﻓﺈن ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﯾﺳﺗﮭدف إﺻﻼح واﻗﻊ اﻹﻧﺳﺎن ﻣن ﻋدة ﻧﻘﺎط‬
‫ﻣﺗوازﯾﺔ إﻻ أﻧﮭﺎ ﺗﻧﺗﮭﻲ ﻋﻧد ﻏﺎﯾﺔ واﺣدة‪ ،‬ﻣن أﺟل ذﻟك ﻧﺗﻌﺎون ﻣﻊ ﻛل ﻣن ﯾﺗﻔق ﻣﻌﻧﺎ وﻟو ﻓﻲ‬
‫ﻏﺎﯾﺔ ﺷﺄن إﻧﺳﺎﻧﻲ واﺣد ﻋﻠﻰ إﻧﺟﺎز ذﻟك اﻟﺧط ﺣﺗﻰ آﺧره‪ ،‬دون أن ﻧﺗﯾﺢ ﻟﮫ ﺗﺄﺛﯾرا– ﻓﻲ إطﺎر‬
‫أﻋﻣﺎﻟﻧﺎ– ﻋﻠﻰ ﺑﻘﯾﺔ اﻟﺧطوط اﻟﺗﻲ ﻧﺧﺗﻠف ﻓﯾﮭﺎ‪ ،‬و ﻣﺛﺎل ذﻟك ﻓﻧﺣن ﻧﺗﻔق و ﻧﺗﻌﺎون ﻣﻊ ﻛل ﻣن‬
‫ﯾرى رؤﯾﺗﻧﺎ ﻓﻲ إﺻﻼح اﻟﺗﻌﻠﯾم ﻋﺑر أﺳﻠﻣﺔ ﻓﻠﺳﻔﺗﮫ و إن ﺧﺎﻟﻔﻧﺎ ﻓﻲ ﺷﺄن اﻟدوﻟﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل‬
‫اﻟﻣﺛﺎل‪ ،‬أو اﺧﺗﻠف ﻣﻌﻧﺎ ﻓﻲ ﺳﻘف أﺳﻠﻣﺔ اﻹﻗﺗﺻﺎد و ﻣﻌﺎﻣﻼت اﻟﻣﺎل‪ ،‬ﻓﮭذه طﺑﯾﻌﺔ ﻛل ﻣﻧﮭﺞ‬
‫ﯾﺳﺗﻣد ﺗﻌﺎﻟﯾﻣﮫ ﻣن ھداﯾﺔ ﷲ‪ ،‬ﺑﻣﺛﻠﻣﺎ ﺗﻌﺎون اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ و ﺳﻠم و ﺗﺣﺎﻟف ﻣﻊ ﺑﻌض‬
‫اﻟﻣﺷرﻛﯾن إﺛر ﺻﻠﺢ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ‪ ،‬وﻛذﻟك دﻋوﺗﮫ أھل اﻟﻛﺗﺎب ﻟﻺﺗﻔﺎق و ﻟو ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺗوﺣﯾد‪.‬‬
‫إن اﻟﺗﺷﺑﯾك و اﻟﺗﻌﺎون ﻻ ﯾﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن اﻹﺻﻼﺣﯾﯾن اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﯾن ﻟﻧﺎ ﻓﻲ وطﻧﻧﺎ اﻟﺳودان‬
‫ﻓﺣﺳب؛ ﺑل ﯾﻣﺗد إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺳﻼﻣﻲ و ﻣن وراﺋﮫ ﻋﺎﻟم اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬و ﺗﺑﻌﺎ ﻟذﻟك ﻓﺈن ﻛل ﻣن واﻓﻘﻧﺎ‬
‫ﻓﻲ ﺗﺷﺧﯾص ﻣﺷﻛل ﻣن ﻣﺷﺎﻛل اﻹﻧﺳﺎن دون أن ﯾواﻓﻘﻧﺎ ﻓﻲ ﺳﺑﯾل ﻣﻌﺎﻟﺟﺗﮫ ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻻ ﻧﺗﺣرج ﻣن‬
‫اﺳﺗﺧدام ﺗﺷﺧﯾﺻﮫ‪ ،‬ﺑﻣﺛﻠﻣﺎ ﻧﻔﻌل ﻣﻊ اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﻧﻘدﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﺳﮭﻣت إﺳﮭﺎﻣﺎ ﻣﻘدرا ﻓﻲ إﺑﺎﻧﺔ‬
‫ﺳوءات اﻟواﻗﻊ اﻟﺣداﺛﻲ اﻟﻐرﺑﻲ ﻋﺑر اﻟﻌﻠوم اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ و اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ و ﻧﺳﺗﻌﯾن ﻛذﻟك ﺑﻣﻧﺟز‬
‫ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﻌﻠوم اﻟذﯾن ﺑﯾﱠﻧوا أن اﻟﺛﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﻣﻧﺣﮭﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﻟﻠﻌﻠم اﻟوﺿﻌﻲ ﻟم ﺗﻛن ﻣﺳﺗﺣﻘﺔ ﯾوﻣﺎ ﻣن‬
‫اﻷﯾﺎم‪ ،‬و ﻻﻧﻛﺗﻔﻲ ﺑﺎﻹﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﮭﺎ ﻓﺣﺳب ﺑل ﻧﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗطوﯾرھﺎ و ﻣلء اﻟﻔراغ اﻟذي ﺗﺧﻠﻔﮫ –ﺑﻌد‬
‫ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﮭدم– ﻋﺑر ﻣﻧﮭﺟﯾﺗﻧﺎ اﻟﻧظرﯾﺔ اﻷﺻﯾﻠﺔ‪ ،‬ﻛل ذﻟك ﯾﺟﻌل ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ اﻟﻌﻣﻠﻲ ﻣﻧﻔﺗﺣﺎ ﻏﯾر‬
‫ﻣﻧﻐﻠق‪ ،‬ﯾﺗﻌﺎون ﻓﻲ إﺣﻘﺎق اﻟﺣق ﻣﻊ ﻛل ﺳﺎع ﻟﻠﺣق و ﻟو ﻛﺎن ﺳﻌﯾﮫ ﻋن ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻧﮫ‪.‬‬
‫ﺧﺎﺗﻣﺔ اﻟﻣﻧﮭﺞ‪:‬‬
‫ﻛﺎن ذﻟك ﺗﻠﺧﯾﺻﺎ ﻏﯾر ﻣﺧل ﻟﻣﻧﮭﺞ اﻹﺣﯾﺎء و اﻟﺗﺟدﯾد‪ ،‬اﻟذي ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ ھو ﻣﻧﮭﺞ ﯾﺻدر‬
‫ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻋن اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ ﻓﻲ ﺻﯾﻐﺗﮫ اﻟﻘرآﻧﯾﺔ‪ ،‬ﯾﺳﺗﻣد ﻣﻧﮫ ھداﯾﺗﮫ ﻓﻲ ﺑﻧﺎء ﺳﻧن اﻟﺻﻼح ﻓﻲ‬
‫واﻗﻊ و ﺷﺄن اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬وھو ﻣﻧﮭﺞ ﻓﻲ ﺷﻘﯾﮫ اﻟﻧظري و اﻟﻌﻣﻠﻲ ﯾﺳﺗدﻋﻲ ﻣُﺛُل اﻹﺻﻼح اﻟﻣﺑﺳوطﺔ‬
‫ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ و ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻛﯾف أﻧﮭﺎ ﺑدأت ﻣن إﺻﻼح وﺟدان اﻹﻧﺳﺎن ورؤﯾﺗﮫ ﻟﻧﻔﺳﮫ و ﻟﻠﻌﺎﻟم‬
‫ﻣن ﺣوﻟﮫ ﻋﺑر اﻹﺣﯾﺎء ﻟﻘﯾم اﻹﯾﻣﺎن و ﻣن ﺛم ﺷرﻋت ﺗ ُﻔﺻل اﻹﺳﺗﺟﺎﺑﺔ اﻷﻣﺛل ﻟواﻗﻌﮫ اﻟﺟدﯾد‬
‫ﻟﯾﺗﻣﺎھﻰ ﻣﻊ ﺗﻠك اﻟﻘﯾم اﻟﺣﯾﺔ ﻋﺑر اﻟﺗﺟدﯾد‪ ،‬و إن ﻛﺎن اﻟواﻗﻊ اﻟذي ﻋﺎﻟﺟﺗﮫ رﺳﺎﻻت اﻟﺳﻣﺎء ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣر ﺗﺎرﯾﺦ ﺗﻧزﻟﮭﺎ ﯾﺧﺗﻠف ﻋن واﻗﻌﻧﺎ‪ ،‬ﻧﻌﻧﻲ واﻗﻊ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟذي ﺗﻣﯾز ﺑﻧﻣط اﻟﺷرك اﻟﻣﮭﻣﯾن‪ ،‬إذ أن‬
‫اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓرﺿت ﺳطوﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم ﻋﺑر آﻟﯾﺎﺗﮭﺎ اﻟﻧﺎﻓذة ﻣن إﻋﻼم و ﺗﻌﻠﯾم و دوﻟﺔ‬
‫وراءھﺎ ﻧظﺎم دوﻟﻲ ﻗﺎھر و ﻛﺄﻧﻣﺎ اﻷ ُ ﻓق ﻗد إﻧﺳد أﻣﺎم ﻛل ﻓﻌل ﻣﻌﺎﻛس أو ﻣﻐﺎﯾر؛ ﻓﺈن ذﻟك ﯾﺟﻌل‬
‫ﻣن اﻟﻣﺟﺎھدة اﻟﻣطﻠوﺑﺔ ﺗﺟﺎه ذﻟك اﻟواﻗﻊ ﻻ ﯾﺳﻌﮭﺎ إﻻ أن ﺗﻛون ﻣﺿﺎﻋﻔﺔ إﻟﻰ ﻋدد ﻻ ﯾﺗﻧﺎھﻰ ﻣن‬
‫اﻟﺟﮭد‪ ،‬و ﻟﯾس ﻣﺛل ھﻛذا ﻣﺷروع ﯾﻛﻔﯾﮫ أن ﺗﻘوم ﺑﮫ ﺟﻣﺎﻋﺔ او ﺣزب او دوﻟﺔ واﺣدة ﻣﮭﻣﺎ ﺗﯾﺳﱠر‬
‫ﻟﮭﺎ ﻣن ﺳﺑُل إﻧﺟﺎزه؛ ﺑل ﻧرى إﻧﮫ ﻣﺷروع أﻣﻣﻲ ﺣﺿﺎري ﻛﺎﻣل‪ ،‬ﯾﺗﺣﺗم ﻋﻠﻰ ﻛل ﻓرد ﻓﻲ أﻣﺔ‬
‫اﻹﺳﻼم أن ﯾﻧدرج ﻓﻲ إطﺎره‪ ،‬ﺧﺻوﺻﺎ و أن اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻌﺎﻟم اﻹﻧﺳﺎن ﻗد آﯾﺳت ﻣن ﻛل‬
‫ﺷﻌﺎر ارﺗﻔﻊ ﯾدﱠﻋﻲ ﻗدرﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﺗﺣﻘﯾق ﺳﻌﺎدة و ﺻﻼح اﻹﻧﺳﺎن‪ ،‬ذﻟك أن ﻛل اﻟﻣﺷﺎرﯾﻊ‬
‫اﻟﻣطروﺣﺔ ﻗد ﻋﺎﻧت ﻣﺷﻛﻼت ﻣﻧﮭﺟﯾﺔ ﺗﻧﺑﻊ ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻣن إﻗﺻﺎﺋﮭﺎ ﻟﻌﺎﻣل اﻟﮭداﯾﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ‪ ،‬ﺗﻠك‬
‫اﻟﮭداﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻧزﻋم أﻧﮭﺎ اﻷﻗدر ﻋﻠﻰ ﺗوﺻﯾف اﻟﺣﺎل اﻷﻣﺛل اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻹﻧﺳﺎن‬
‫وﺗﺗﻌدى ذﻟك إﻟﻰ إﺑﺎﻧﺔ اﻟﺳﺑﯾل اﻟﻣﻔﺿﻲ إﻟﻰ ﺗﻠك اﻟﺣﺎل‪ ،‬و ﻧﺗﺧذ ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ھذا اﻟﻘرآن ﺑوﺻﻔﮫ‬
‫اﻟﮭداﯾﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ اﻷﺣدث و اﻷﻛﺛر ﻣﻌﻘوﻟﯾﺔ ﻣن ﻏﯾرھﺎ ﻣن ﻛﺗب اﻟﺳﻣﺎء اﻟﺗﻲ ﻟﺣﻘﮭﺎ اﻟﺗﺑدﯾل و‬
‫اﻟﺗﺣرﯾف أو أھﻣﻠﮭﺎ أھﻠ ُﮭﺎ ﺑﺣﯾث اﺻﺑﺣت ﺟزءا ﻣن ﺗراﺛﮭم اﻟﻣﻌﯾب و اﻟ ُﻣﻧﻛر‪ ،‬ﻟﻛن اﻟﻘرآن ظل‬
‫ﻟﻣﺎ ﯾﺗﻣﺗﻊ ﺑﮫ ﻣن إطﻼق و ﻛﻠﯾﺔ و ﺧﻠود وﺿرورﯾﺔ ﯾﺑث ھداﯾﺗﮫ ﻓﻲ ﺑﻘﺎع ﻣن اﻷرض ﻋدة‪ ،‬و‬
‫ﻟﻌل اﻟﻘﺎرئ اﻟﺟﯾد ﻟﻠﺗﺎرﯾﺦ ﻟﯾدرك ﻛﯾف أن اﻟﻌﺎﻟم اﺳﺗﺳﻠم ﻟﻠﮭﯾﻣﻧﺔ اﻟﺣداﺛﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾﺔ و اﺻطﺑﻎ‬
‫ﺑﺻﺑﻐﺗﮭﺎ إﻻ ﻋﺎﻟم اﻹﺳﻼم؛ ﻓﮭو ﻋﺎﻟم و إن اﺿطرب ﺣﺎﻟﮫ ﺟدا ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺗﺎرﯾﺧﮫ و اﺣوال ﻏﯾره‬
‫إﻻ أﻧﮫ ﺑﻔﺿل اﻟﻘرآن و ﻣﻧﮭﺟﯾﺗﮫ اﻟﺷﺎﻣﻠﺔ ظل ﯾﻘﺎوم و ﯾﻛﺎﻓﺢ و ﯾﺄﺑﻰ أن ﯾﺳﺗﺳﻠم أو ﯾﺻﺑﺢ‬
‫ﻣﺳﺗﺳﺎﻏﺎ ﻛﻌواﻟم اﻟﺧﺎﻧﻌﯾن اﻟذﯾن اﺳﺗﻣرؤوا اﻟﺗﺑﻌﯾﺔ واﻟﻌﺑودﯾﺔ‪.‬‬
‫و ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﺻﺎدرا ﻋن اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ ﻓﻘد ﻛﺎن ﻟزاﻣﺎ ﻋﻠﯾﻧﺎ أﻻ ﻧﺧرج ﻋن اﻟوﺣﻲ ﻧﻔﺳﮫ إذا‬
‫ﻣﺎ أردﻧﺎ ﻓﮭﻣﮫ و اﻹھﺗداء ﺑﮭداﯾﺗﮫ؛ ﻓﺎﻋﺗﻣدﻧﺎ ﻣﻧﮭﺟﯾﺔ اﻟﺗﺄوﯾل اﻷﺻﯾﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرآن ﻟﻧﺗدﺑر ﺑﮭﺎ آي‬
‫اﻟﻛﺗﺎب و ﻧﺗﺑﺻر ﺑﮭﺎ ﺳﺑﯾل اﻟﮭداﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﺄﻧﻧﺎ اﻟوﺟداﻧﻲ اﻟﻣﻔﺎھﯾﻣﻲ و اﻟﻌﻣﻠﻲ اﻷﺧﻼﻗﻲ‪ ،‬و ھﻲ‬
‫ﻣﻧﮭﺟﯾﺔ ﻻ ﺗﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﻓﮭم ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻛﺗﺎب ﻓﻲ اﻟذھن ﻓﺣﺳب ﺑل ﺗﻣﺗد إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻣﺣﯾط ﻟﺗوﺿﺢ‬
‫ﺳﺑﯾل إﻧزال ﺗﻌﺎﻟﯾم اﻟﻛﺗﺎب ﻓﻲ ﺻﻔﺣﺔ اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﺗﻌﯾﱢن‪ ،‬ﻋﺑر ﺑﻧﺎء ﺳُﻧن اﻟﺻﻼح اﻟﺗﻲ ﯾﺳﺗطﯾﻊ‬
‫اﻟﻔؤاد‪ /‬اﻟﻌﻘل اﻟﻣﮭﺗدي ﺑﮭداﯾﺔ اﻟﻛﺗﺎب أن ﯾﺗﺑﺻﱠرھﺎ و ﯾُﻧﺟزھﺎ‪.‬‬
‫ﺣرﺻﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ أﻻ ﯾﺳﺗﻐرق ﻓﻲ إطﺎر ﻧظري ﻣﺟرد ﻻ ﯾﻛﺎد ﯾﻣس اﻟواﻗﻊ وﻻ ﯾﺧﺎطﺑﮫ ﻣن‬
‫ﻗرﯾب أو ﺑﻌﯾد‪ ،‬و اﺗﻌظﻧﺎ ﺑﻣوﻋظﺔ اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ أﻻ ﻧﻘول ﻣﺎ ﻻ ﻧﻔﻌل؛ ﻓﺟﻌﻠﻧﺎ اﻟﻌﻣل اﻹﺻﻼﺣﻲ‬
‫أﺻل ﻓﻲ ﺑﺎﺣﺔ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ و ﺟﺳر ﺗﻌﺑُر ﺑﮫ ﺗﻌﺎﻟﯾم اﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ ﻣن طﺑﯾﻌﺗﮭﺎ اﻟﻣﺛﺎﻟﯾﺔ إﻟﻰ اﻟواﻗﻊ‬
‫اﻟﻣﺗﺟﺳد‪ ،‬و ﺗﮭﯾﻛﻠﻧﺎ ﺑﺣﯾث ﺗﺗﺳق ﻣﺟﺎھداﺗﻧﺎ و ﻻﺗﺿطرب أو ﺗﺗﻧﺎﻗض‪ ،‬و اﻋﺗﻣدﻧﺎ اﻟﺷﻣول ﺧﺎﺻﯾﺔ‬
‫ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗواﻓﻲ ﻣﺷﻛﻼت اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣرﻛﺑﺔ اﻟﻣﻌﻘدة‪ ،‬وﻛﻲ ﻻ ﻧﺳﻘطﻓﻲ ﻓﺦ اﻷ ُﺣﺎدﯾﺔ اﻹﺻﻼﺣﯾﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ﺗوﺣﱠ ﻠت ﻓﯾﮭﺎ ﻏﺎﻟب ﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻹﺻﻼح ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺧﻧﺎ اﻟﻘرﯾب و اﻟﺑﻌﯾد؛ ﺟﻌﻠﻧﺎ اﻟﺗوازي و اﻟﺗرﺗﯾب‬
‫ﺧﺎﺻﯾﺔ ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗﻌﯾﻧﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻧطﻼق ﻓﻲ ﻛل ﺳﯾﺎق إﻧﺳﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺣدة‪ ،‬ﺷرﯾطﺔ أن ﺗﻠﺗﻘﻲ ﻛﺎﻓﺔ‬
‫اﻟﻣﺳﺎرات ﻋﻧد ﻏﺎﯾﺔ واﺣدة ﺟﺎﻣﻌﺔ؛ ھﻲ اﻹﺻﻼح ﻟﻠواﻗﻊ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ اﻟ ﻣﺗﺄزﱢ م‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ان ﻣﺷروﻋﻧﺎ اﻹﺻﻼﺣﻲ ﯾﺑدو طﻣوﺣﺎ إﻟﻰ ﺣد ﺑﻌﯾد إﻻ أﻧﮫ ﻟﯾس ﺑﻣﺳﺗﺣﯾل‪ ،‬و ﻓﻲ‬
‫ﻣﻧﮭﺟﯾﺗﻧﺎ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻋﻣﻠﻧﺎ ﻋﻠﻰ ان ﺗﻛون اﻟﺑداﯾﺔ واﻗﻌﯾﺔ و ﻣﻌﻘوﻟﺔ؛ ﻓﮭو ﻣن ھﺎﺗﯾن اﻟﺟﮭﺗﯾن ﻣﻣﻛن و‬
‫ﻗﺎﺑل ﻟﻠﺗﺣﻘ ﱡق‪ ،‬و ﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﺑداﯾﺔ ﺿﺋﯾﻠﺔ و ﻣﺗواﺿﻌﺔ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺳﺗﺗﻣدد ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ﻟﺗﻣﻸ اﻵﻓﺎق‪ ،‬ذﻟك‬
‫ﻓﻲ ﺣﺎل ﺿُﻣﻧت ﻟﮭﺎ اﻹﺳﺗﻣرارﯾﺔ و اﻟﻣراﺟﻌﺔ و اﻟﺗﻘﯾﯾم اﻟﻣﺳﺗﻣرﯾن‪ ،‬وھﻲ ﺳﻧﺔ ﷲ ﻓﻲ ﻛل أﻣر‬
‫إذا دام؛ ﻓﮭو ﻣرﺷﱠﺢ ﻷن ﺗﻌﺎﻧق ﻓروﻋﮫ اﻟﺳﻣﺎء ﺑﻌد أن ﺑدأ ﺻﻐﯾرا ﻣﮭﯾﻧﺎ ﻻ ﯾﺗﮭﯾﺑﮫ أﺣد و ﻻ ﯾُﻠﻘﻰ‬
‫ﻟﮫ ﺑﺎل‪.‬‬
‫ﻟﺳﻧﺎ ﻏرﺑﺎء ﻋن ﻣوﺟﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺦ و ﺣرﻛﺔ اﻟواﻗﻊ؛ ﺑل ﻧزﻋم أﻧﻧﺎ ﻧُواﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟذي ﻛﺷف‬
‫ﻟﻧﺎ ﻋن ﻓراغ ﯾﺻﺎﺣﺑﮫ ﯾﺄس ﻣن ﻣﺷﺎرﯾﻊ اﻹﺻﻼح اﻟﻣطروﺣﺔ ﺳواء ﻓﻲ واﻗﻌﻧﺎ اﻟﺳوداﻧﻲ أو‬
‫ﻋﺎﻟﻣﻧﺎ اﻹﺳﻼﻣﻲ أو ﻋﺎﻟم اﻹﻧﺳﺎن ﺑﻛﻠﯾﺗﮫ‪ ،‬و ﻧرى ﻧزوﻋﺎ إﻧﺳﺎﻧﯾﺎ ﻋﺎﻣﺎ و إن ﻛﺎن ﺧﺟوﻻ ﻧﺣو‬
‫ﯾﻌﺗذر ﻣن ﺗﻔرﯾطﮫ ﻓﻲ اﻟﮭداﯾﺔ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻌد أن ﺳدر اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ ﻏ ﱢﯾﮫ زﻣﻧﺎ ﻣﺗطﺎوﻻ ﺗﯾﻘن‬
‫اﻟدﯾن ُ‬
‫ﻣن أن ﺣل ﻣﺷﻛﻼﺗﮫ ﻟﯾس ﻛﻣﺎ ﺻوره ﻟﮫ ﻋﻘﻠ ُﮫ اﻟﻣﻐرور‪ ،‬و ﻧرﯾد ﻣن ﻋودة اﻹﻧﺳﺎن ھذه أن ﺗﻛون‬
‫ﻋودة واﻋﯾﺔ و ﻋﺎﻗﻠﺔ‪ ،‬و ﺣﺗﻰ ﻻ ﻧﻌود إﻟﻰ ﺟو اﻟﺧراﻓﺔ و ﺗﻼوة اﻟﺗﻌﺎوﯾذ ﻻ ﺑد أن ﺗﻧﺿﺑط ھذه‬
‫اﻟﻌودة ﺑﺎﻟوﺣﻲ اﻹﻟﮭﻲ ﻓﻲ ﺻﯾﻐﺗﮫ اﻟﻘرآﻧﯾﺔ ﻷﺳﺑﺎب ﻣﻌﻘوﻟﺔ ذﻛرﻧﺎھﺎ ﻓﻲ ﻣﻌرض ﺣدﯾﺛﻧﺎ ﻋن‬
‫اﻟﻘرآن‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ھذا ﻧﺳﺗﻣد ﻋﺎﻣل اﻟﺛﺑﺎت ﻣﻣﺎ ﻧﺻدر ﻋﻧﮫ ﻣن ھداﯾﺔ ﷲ اﻷزﻟﯾﺔ اﻟﺧﺎﻟدة ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﻧﻔرط‬
‫ﻋﻘدﻧﺎ و ﻧﺗﻔرق ﻓﻲ اﻷرض ﻛل ﯾﺿرب و ﯾﺧﺑط ﻛﯾﻔﻣﺎ ﯾﺻور ﻟﮫ ھواه‪ ،‬و ھﻲ ھداﯾﺔ ﺑﺎﺗﺳﺎع‬
‫دﻻﻟﺗﮭﺎ ﺗﺳﺗوﻋب واﻗﻊ اﻹﻧﺳﺎن ﻛﯾﻔﻣﺎ ﺗﻐﯾر و ﺗﺑدل و ﺑﻣﺎ أﻧﻧﺎ ﺟزء ﻣن ذﻟك اﻟواﻗﻊ ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺗﻛﯾف‬
‫وﻓق ﺣﺎﺟﺎﺗﮫ اﻟﺗﻲ ﺗﺣددھﺎ اﻟﮭداﯾﺔ اﻟﺧﺎﻟدة‪ ،‬و ﻧﺣﻔﺗﻔظ ﻓﻲ ذﻟك ﺑﻌﺎﻣل اﻟﻣروﻧﺔ ﻛﻲ ﻻ ﻧُﺻﺑﺢ ھﯾﺎﻛل‬
‫ﺗﻧظﯾﻣﯾﺔ ﺟﺎﻣدة ﻣﻐﻠﻘﺔ ﺗﺟّ ﱡل اﻟﺗﻧظﯾم ﻓﺗﺿل ﻋن ﻏﺎﯾﺎﺗﮭﺎ و اھداﻓﮭﺎ‪ ،‬أو ﺗﺟﻣد ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﮭﺎ ﻓﯾﺗﻧﺎﺳﺎھﺎ‬
‫اﻟزﻣﺎن و ﯾﺗﺟﺎوزھﺎ اﻟﺗﺎرﯾﺦ‪.‬‬
‫إن ﻋﻼﻗﺎﺗﻧﺎ ﻣﻊ اﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﻣﻧﮭﺟﻧﺎ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﺎون ﻻ اﻟﺗﺷﺎﻛس؛ ﻓﻛل ﻣن ﻗﺎرﺑت رؤﯾﺗﮫ رؤﯾﺗﻧﺎ‬
‫ﻓﻲ اﻹﺻﻼح أو ﻓﻲ ﺗﺷﺧﯾص اﻟداء ﻧﺗﻌﺎون ﻣﻌﮫ دون أن ﻧﻔرط ﻓﻲ ﺑﻘﯾﺔ ﻣﺳﺎراﺗﻧﺎ اﻟﺗﻲ ﺗﺧﺎﻟﻔﮫ‪ ،‬ﺑل‬
‫ﻧﺳﻌﻰ ﺑﺎﻟﺣﻛﻣﺔ و اﻟﻣوﻋظﺔ اﻟﺣﺳﻧﺔ إﻟﻰ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺗﻘرﯾب اﻟوﺟﮭﺎت إﻟﻰ أن ﺗﺗﺣد و ﺗﺗﻧﺎﺻر ﺑﺈذن‬
‫ﷲ‪ ،‬و ﻓﻲ ھذا ﻧﺣن ﻻ ﻧُﻛره أﺣدا ﻣن اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ اﻗﺗﻔﺎء اﺛرﻧﺎ و ﻻ ﻧﻣﻧﻊ أﺣدا ﻣن اﻗﺗﻔﺎء اﺛرﻧﺎ إذا‬
‫ﺷﺎء دون أن ﯾﻧﺗظم ﻓﻲ ھﯾﺎﻛﻠﻧﺎ؛ ﻓﺎﻹﺻﻼح ﻟﯾس ﻓﻌﻼ ﯾُﺣﺗﻛر إﻧﻣﺎ ھو أﻣر ﻣﺷﺎع ﻟﺑﻧﻲ اﻹﻧﺳﺎن أن‬
‫ﯾﻌﻣﻠوا ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺗﮭم و ﻣﻛﺎﻧﺗﮭم‪ ،‬و اﻟﺣﺟﺔ اﻟظﺎھرة ﺗﺑﻘﻰ و اﻟﻣﻘوﻟﺔ اﻟﺧﺎﺳﻔﺔ ﺗﻧدﺛر‪.‬‬
‫و ﷲ ﻣن وراء اﻟﻘﺻد‬
‫اﻟﻣﻘداد ﻣﺣﻣد اﻟﮭﺟﺎن‬
‫ذو اﻟﻘﻌدة ‪ 1437‬ه‬
‫اﻟﻣﺻﺎدر و اﻟﻣراﺟﻊ‪:‬‬
‫اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫اﻹﻣﺎم اﻟﻧﺳﺎﺋﻲ‪ ،‬ﺳﻧن اﻟﻧﺳﺎﺋﻲ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أﺣﻣد ﺳﺎﻟم و ﻋﻣرو ﺑﺳﯾوﻧﻲ‪ ،‬ﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺳﻠﻔﯾﺔ‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫إﺳﻣﺎﻋﯾل راﺟﻲ اﻟﻔﺎروﻗﻲ‪ ،‬اﺳﻠﻣﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﻌﺎﻣﺔ و ﺧطﺔ اﻟﻌﻣل‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫إﺳﻣﺎﻋﯾل راﺟﻲ اﻟﻔﺎروﻗﻲ‪ ،‬اﻟﺗوﺣﯾد ﻣﺿﺎﻣﯾﻧﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻛر و اﻟﺣﯾﺎة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫دﯾﻛﺎرت‪ ،‬ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﮭﺞ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ﺣﺳن اﻟﺗراﺑﻲ‪ ،‬اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ‪ ..‬اﻟﻣﻧﮭﺞ و اﻟﻛﺳب و اﻟﺗطور‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ﺣﺳن اﻟﺗراﺑﻲ‪ ،‬ﺗﺟدﯾد اﺻول اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻧﺣو ﻣﻧﮭﺞ اﺻوﻟﻲ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫طﮫ ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن‪ ،‬روح اﻟدﯾن‬ ‫‪‬‬

‫ﻣﺣﻣد اﺑو اﻟﻘﺎﺳم ﺣﺎج ﺣﻣد‪ ،‬اﻟﺳودان اﻟﻣﺄزق اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ و آﻓﺎق اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ﻣﺣﻣد ﺑن اﻟﻣﺧﺗﺎر اﻟﺷﻧﻘﯾطﻲ‪ ،‬اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﻣدﺧل إﻟﻰ ﻓﻛرھﺎ اﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﻲ و‬ ‫‪‬‬
‫اﻟﺗﻧظﯾﻣﻲ‪.‬‬
‫ﻣﺣﻣد اﻟﻣﺟذوب‪ ،‬اﻟﺣرﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺳوداﻧﯾﺔ ﻣﺷروع ﻟم ﯾﻛﺗﻣل ﺑﻌد‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ﻣﺣﻣد اﻟﻣﺟذوب‪ ،‬ﻧظرات ﻓﻲ إﺻﻼح اﻟﺗﺻوف اﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ﻣﺣﻣد اﻟﻣﺟذوب‪ ،‬ﺗﺄوﯾل اﻟﻘرآن ﺑﯾن دﻻﻟﺔ اﻟﺳﯾﺎق و ﻓﻘﮫ اﻟواﻗﻊ‪.‬‬ ‫‪‬‬

Вам также может понравиться